الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عندنا، كما دل عليه حديث تجارة أبي بكر رضي الله عنه، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الشام، وهي دار حرب، مع أنه لا بد أن تشتمل أسواقهم على بيع ما يستعان به على المعصية.
بيع المسلمين للكفار في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم:
فأما بيع المسلمين لهم في أعيادهم، ما يستعينون به على عيدهم، من الطعام واللباس، والريحان ونحو ذلك، أو إهداء ذلك لهم، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم، وهو مبني على أصل. وهو: أن بيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً لا يجوز، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً.
وقد دل حديث عمر رضي الله عنه، في إهداء الحلة السيراء إلى أخ له بمكة مشرك. [المسند5797وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح]، على جواز بيعهم الحرير، لكن الحرير مباح في الجملة وإنما يحرم الكثير منه على بعض الآدميين، ولهذا جاز التداوي به في أصح الروايتين ولم يجز بالخمر بحال. وجازت صنعته في الأصل والتجارة فيه.
مسألة: سُئل ابن القاسم (1) عن النصراني يوصي بشيء يباع من ملكه للكنيسة هل يجوز لمسلم شراؤه؟ فقال: لا يحل ذلك له، لأنه تعظيم لشعائرهم وشرائعهم ومشتريه مسلم سوء. وقال ابن القاسم في أرض الكنيسة يبيع الأسقف منها شيئاً في مرمتها، وربما حبست تلك الأرض على الكنيسة لمصلحتها: إنه لا يجوز للمسلمين أن يشتروها من وجهين: الواحد: من العون على تعظيم الكنيسة.
والآخر: من جهة بيع الحبس، ولا يجوز لهم في أحباسهم إلا ما يجوز للمسلمين. ولا أرى لحاكم المسلمين أن يتعرض فيها بمنع ولا تنفيذ ولا بشيء.
مسألة: سُئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي تركب فيها النصارى إلى أعيادهم. فكره ذلك مخافة نزول السخطة عليهم بشركهم الذي اجتمعوا عليه.
مسألة: قال عبد الملك بن حبيب: كره ابن القاسم للمسلم يهدي للنصارى شيئاً في عيدهم مكافأة لهم، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على مصلحة كفرهم، ألا ترى أنه لا يحِلُّ للمسلمين أن
(1)(*) من كبار علماء المالكية.
يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم؟ لا لحماً، ولا إداماً، ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يُعَاوَنون على شيء من عيدهم؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم، ومن عونهم على كفرهم. وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. وهو قول مالك وغيره، لم أعلمه اختُلِف فيه.
وقد ذكر ابن حبيب أنه قد اجتمع على كراهة مبايعتهم ومهاداتهم ما يستعينون به على أعيادهم، وقد صرح بأن مذهب مالك: أنه لا يحل ذلك.
قال إسحاق بن إبراهيم: سئل أبو عبد الله (1) عن نصارى، وقفوا ضيعة للبيعة: أيستأجرها الرجل المسلم منهم؟ قال: لا يأخذها بشيء، لا يعينهم على ما هم فيه.
وقال أيضاً: سمعت أبا عبد الله ـ وسأله رجل بنَّاء: أبْني للمجوس ناووساً (2)؟ قال: «لا تَبْنِ لهم، ولا تُعِنْهم على ما هم فيه» .
(1) الإمام أحمد بن حنبل
(2)
(*) الناووس: صندوق من خشب ونحوه يضعون فيه جثة الميت.
وقد نقل عنه محمد بن الحكم، وسأله عن الرجل المسلم يحفر لأهل الذمة قبراً بِكِراء (1) ـ قال:«لا بأس فيه» . والفرق بينهما: أن الناووس من خصائص دينهم الباطل كالكنيسة. بخلاف القبر المطلق فإنه ليس في نفسه معصية، ولا من خصائص دينهم.
وقال أيضاً في نصارى أوقفوا ضيعة لهم للبيعة: «لا يستأجرها الرجل المسلم منهم، يعينهم على ما هم فيه» .
ومثل هذا ما اشترى من المال الموقوف للكنيسة أو الموصى لها به، أو باع آلات يبنون بها كنيسة ونحو ذلك. والمنع هنا أشد؛ لأن نفس هذا المال الذي يبذله يصرف في المعصية، فهو كبيع العصير لمن يتخذه خمراً.
وأما مذهب أحمد في الإجارة لعمل ناووس ونحوه، فقال الآمدي: لا يجوز، رواية واحدة، لأن المنفعة المعقود عليها محرمة، وكذلك الإجارة لبناء كنيسة أو بيعة، أو صومعة، كالإجارة لكتبهم المحرفة.
فإذا عرف أصل أحمد في هذه المسائل، فمعلوم أن ما يبتاعونه
(1)(**) كراء: أجر.