الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة، أفضل منه في غير تلك البقعة.
حكم الذبح عند القبور:
وأما الذبح هناك فمنهي عنه مطلقا، ذكره أصحابنا وغيرهم. لما روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا عقر في الإسلام» قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة. [أبوداود3222وصححه الألباني] قال أصحابنا: وفي معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز أو نحوه.
العكوف عند القبور، والمجاورة عندها، وسدانتها، من المحرمات
ومن المحرمات: العكوف عند القبر والمجاورة عنده، وسدانته، وتعليق الستور عليه، كأنه بيت الله الكعبة. فإنا قد بينا أن نفس بناء المسجد عليه مَنْهيٌّ عنه باتفاق الأمة، محرم بدلالة السنة، فكيف إذا ضم إلى ذلك المجاورة في ذلك المسجد، والعكوف فيه كأنه المسجد الحرام؟ بل عند بعضهم أن العكوف فيه أحب إليه من العكوف في المسجد الحرام، إذ {مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِله} [البقرة: 165]. بل حرمة ذلك المسجد المبني على القبر الذي حرمه الله ورسوله،
أعظم عند المقابريين من حرمة بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه. وقد أسست على تقوى من الله ورضوان.
وقد بلغ الشيطان بهذه البدع إلى الشرك العظيم في كثير من الناس، حتى إن منهم من يعتقد أن زيارة المشاهد التي على القبور ـ إما قبر لنبي، أو شيخ، أو بعض أهل البيت ـ أفضل من حج البيت الحرام، ويسمى زيارتها: الحج الأكبر، ومن هؤلاء من يرى أن السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من حج البيت. وبعضهم إذا وصل المدينة رجع وظن أنه حصل له المقصود. وهذا لأنهم ظنوا أن زيارة القبور لأجل الدعاء عندها والتوسل بها، وسؤال الميت ودعائه. ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة، ولو علموا أن المقصود إنما هو عبادة الله وحده لا شريك له وسؤاله ودعاؤه، والمقصود بزيارة القبور الدعاء لها، كما يقصد بالصلاة على الميت ـ لَزَال هذا عن قلوبهم. ولهذا، كثير من هؤلاء يسأل الميت والغائب، كما يسأل ربه، فيقول: اغفر لي وارحمني، وتُب علي، ونحو ذلك.
وكثير من الناس تمثل له صورة الشيخ المستغاث به، ويكون ذلك شيطاناً قد خاطبه، كما تفعل الشياطين بِعَبَدَة الأصنام.
وأعظم من ذلك: قصد الدعاء عنده والنذر له، أو للسدنة العاكفين عليه، أو المجاورين عنده، من أقاربه أو غيرهم، واعتقاد أنه بالنذر له قضيت الحاجة، أو كشف البلاء. فإنا قد بَيَّنَّا بقول الصادق المصدوق: أن نذر العمل المشروع لا يأتي بخير، وأن الله لم يجعله سبباً لدرك الحاجة، كما جعل الدعاء سبباً لذلك، فكيف نذر المعصية، الذي لا يجوز الوفاء به؟
واعلم أن أهل القبور من الأنبياء والصالحين، المدفونين، يكرهون ما يفعل عندهم كل الكراهة، كما أن المسيح علي عليه السلام يكره ما يفعل النصارى به، وكما كان أنبياء بني إسرائيل يكرهون ما يفعله الأتباع فلا يحسب المرء المسلم أن النهي عن اتخاذ القبور أعياداً وأوثاناً فيه غَضٌّ من أصحابها، بل هو من باب إكرامهم، وذلك أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع أعرضت عن السنن، فتجد أكثر هؤلاء العاكفين على القبور معرضين عن سنة ذلك المقبور وطريقته، مشتغلين بقبره عما أمر به ودعا إليه.
ومن كرامة الأنبياء والصالحين، أن يتبع ما دعوا إليه من العمل الصالح، ليكثر أجرهم بكثرة أجور من اتبعهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
«من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء» . [مسلم2674] وإنما اشتغلت قلوب طوائف من الناس، بأنواع من العبادات المبتدَعة: إما من الأدعية، وإما من الأشعار وإما من السماعات، ونحو ذلك لإعراضهم عن المشروع، أو بعضه ـ أعني لإعراض قلوبهم ـ وإن قاموا بصورة المشروع، وإلا فمَن أقبَلَ على الصلوات الخمس بوجهه وقلبه ـ عاقلاً لما اشتملت عليه من الكلم الطيب، والعمل الصالح مهتماً بها كل الاهتمام ـ أغْنَتْه عن كل ما يتوهم فيه خير من جنسها.
ومن أصغى إلى كلام الله وكلام رسوله بعقله، وتدبره بقلبه، وجد فيه من الفهم والحلاوة والبركة والمنفعة ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومه ولا منثوره. ومن اعتاد الدعاء المشروع في أوقاته، كالأسحار، وأدبار الصلوات والسجود، ونحو ذلك، أغناه عن كل دعاء مبتدع، في ذاته أو بعض صفاته.
فعلى العاقل أن يجتهد في اتباع السنة في كل شيء من ذلك، ويعتاض عن كل ما يظن من البدع أنه خير بنوع من السنن، فإنه من يتحَرَّ الخير يُعْطَه، ومن يتوَقّ الشر يُوقَه.