الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدخول عليهم في عيدهم؟ وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم بسبب عملهم، فمن يشركهم في العمل أو بعضه، أليس قد تعرض لعقوبة ذلك؟
وأما عبد الله بن عمر رضي الله عنه: فصرح أنه: من بنَى ببلادهم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم، وهذا يقتضي أنه جعله كافراً بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور، أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهراً لفظه، فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية؛ لأنه لو لم يكن مؤثراً في استحقاق العقوبة لم يَجُز جَعْلُه جزءاً من المقتضي، إذ المباح لا يعاقب عليه وليس الذم على بعض ذلك مشروطاً ببعض، لأن أبعاض ما ذكره يقتضي الذم منفرداً، وإنما ذكر ـ والله أعلم ـ من بنى ببلادهم؛ لأنهم على عهد عبد الله بن عمرو وغيره من الصحابة كانوا ممنوعين من إظهار أعيادهم بدار الإسلام، وما كان أحد من المسلمين يتشبه بهم في عيدهم، وإنما يتمكن من ذلك بكونه في أرضهم.
كراهة السلف للرطانة وهي التشبه بالأعاجم في كلامهم:
وأما الرطانة، وتسمية شهورهم بالأسماء العجمية، فقال أبو
محمد الكرماني ـ المسمى بحرب ـ: باب تسمية الشهور بالفارسية، «قلت لأحمد: فإن للفرس أياماً وشهوراً، يسمونها بأسماء لا تعرف؟ فكره ذلك أشد الكراهة». فما قاله أحمد من كراهة هذه الأسماء له وجهان:
أحدهما: إذا لم يعرف معنى الاسم، جاز أن يكون معنى محرماً، فلا ينطق المسلم بما لا يعرف معناه، ولهذا كرهت الرقى العجمية، كالعبرانية، أو السريانية، أو غيرها، خوفاً أن يكون فيها معان لا تجوز.
الوجه الثاني: كراهته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، ولهذا كان كثير من الفقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية، التي في الصلاة والذكر، أن يدعى الله، أو يذكر بغير العربية.
ونُقِل عن طائفة منهم، أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية، قال منذر الثوري: سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن، فقال: «يا جارية اذهبي بهذا الدرهم فاشتري به نبيزاً،
فاشترت به نبيزاً ثم جاءت به» يعني الجبن.
وفي الجملة: فالكلمة بعد الكلمة من العجمية، أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك، إما لكون المخاطب أعجمياً، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص ـ وكانت صغيرة قد ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها ـ فكساه النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال: يا أم خالد، هذا سنا»، والسنا بلغة الحبشة: الحسن. [البخاري5845]
وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية، التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمَصْر وأهله، أو لأهل الدار، للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر، وأهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ـ ولغة أهلها بربرية ـ عودوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديماً.
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه، إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل، والخلق، والدين تأثيراً قوياً بَيِّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق.
وأيضاً ـ فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية، وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن عمر بن زيد: كتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنه: «أما بعد. فتفقهوا في السنة، وتفقهوا