الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدخل
إنَّ القضاء من ضرورات الاجتماع، فهو يحلّ مع الناس أينما حَلُّوا، وما ذاك إلَّا لأَنَّه يحصل من اجتماع الإِنسان مع غيره التعامل والتنازع بسبب شبهة تعرض لتقي، أَوْ شهوة تصدر من شقي، فكان بالناس حاجة للقضاء منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا.
والقواعد والأحكام موضوعيةً أَوْ إجرائيةً التي يقررها الفقهاء في مصنفاتهم مستمدةً من الكتاب والسنة أَوْ أدلة التشريع الأخرى - تبقى مصورة في الأذهان صورًا مثالية (1)، حتى إذا لامستها الوقائع والنوازل القضائية تنزلت من الأذهان صورًا مثالية إلى الأعيان والأشخاص وقائع حية.
وعرض الوقائع والنوازل القضائية السابقة مع أحكامها على القضاة والمفتين مما يصقل مواهبهم ويُحْكِمُ تجاربهم وخبراتهم، ويُكْسِبُهم مَلَكَةً تُهَيِّؤُهم لمعرفة تنزيل الأحكام الكلية على الوقائع
(1) يطلق المثال على صورة الشيء الذي يمثل صفاته (الوسيط لمجمع اللغة 2/ 854).
القضائية والفتوية، فلا يكفي لفنٍّ من الفنون التعرّفُ على الأحكام النظرية له، بل لا بُدَّ من الارتياض في مباشرته وتطبيقه حتى يكون لقاصده من ذلك ملكة قارَّة قادرة على الاهتداء لأصول هذا الفنِّ وإدراك الأحكام العارضة له، فيهتدي لمعاقده، ويَتَنَبَّه لفروقه؛ لكثرة نظره فيه، وإتقانِه لأصوله ومآخذه، وتردُّدِه في ممارسته حتى تكون مباشرته عنده سهلة ميسرة، وذلك من أنفس ما يحصله المتدرب في كل فنٍّ، وهو من أنفس صفات متلقي الأحكام الشرعية لتنزيلها على الوقائع في الفتيا والقضاء.
وقد نُقِلَتْ إلينا ثروة من الوقائع القضائية مما استَلجَّ فيه الخصوم، وتنازع وتنازل فيه المحتكمون.
وقد رأيت عرض عدد من هذه الوقائع التي قضى فيها سلف هذه الأمة ومَنْ بعدهم خلال مسيرة أمتنا الخَيِّرَة في تاريخها الطويل حتى يومنا هذا مع التعليق على هذه الوقائع بما يستفاد منها، أَوْ يتقرر من الأحكام والفوائد فيها.
وقد رتبت هذا الباب في ثلاثة فصول على نحو ما سلف، وأتناولها فصلًا ففصلًا فيما يلي:
* * *