الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففعلوا وتحقق لهم ذلك، وارتأوا إسقاط ثلث ما على المستأجرين في بعض القبالات ويثبت الثلثان، كما ارتأوا أَنْ يسقط عن المتقبلين في بعض القبالات الربع ويثبت ثلاثة أرباع، وأن ذلك في مصلحة الأوقاف؛ لاستئلاف متقبليها ومراعاة حقوقهم.
تقرير الحكم القضائي:
لقد قرر القاضي الحكم بإسقاط الحصة المقررة في شهادة الخبرة، ويظهر مما أجاب به على معترضيه أَنّه جعل للواقعة توصيفين:
أحدهما: أن ذلك من باب نظر القاضي لِحَظِّ الأوقاف ومصلحتها، والصلح لأجل ذلك جائز كما هو مقرر فقهًا.
والثانية: جعلها من قبل الجائحة، والجائحة مراعاة في إسقاط ما يقابلها كما هو مقرر فقهًا.
الأحكام والضوابط المقررة في هذه القضية:
مما تقرر في هذه الواقعة ما يلي:
1 -
اعتماد الخبرة في التوصل إلى التحقق من ثبوت المتنازع فيه وتقدير القَيِّمِ ونحوها (1).
(1) تبصرة الحكام 2/ 81، معين الحكام للطرابلسي 135، الرسالة للشافعي 507، الطرق الحكمية 117، 174، الكشاف 6/ 434، القضاة في عهد عمر 1/ 318.
2 -
جواز المصالحة عن حقوق الوقف إذا ظهرت مصلحة الوقف في ذلك (1)، وجعل القاضي هنا من المصلحة استئلاف مستأجره.
3 -
مراعاة الشريعة الإسلامية للظروف الطارئة والاستثنائية التي ترد على العقود والتصرفات، وذلك باستنزال ما يقابل الجائحة، وإنقاص الأجرة في المأجور إلى القدر المعتاد حسب الشروط المقررة لها، كما حصل في هذه الواقعة.
وتلك أحكام راسخة في شريعتنا الإسلامية وَرَدَ تقريرها منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان (2)، وطبقها القضاة في مسيرتهم القضائية خلال عصور أمتنا الإسلامية السالفة، وهي تعرف باسم "وضع الجوائح"، وقد روى جابر رضي الله عنه:"أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح"(3).
والجوائح: هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد (4)، ومن ذلك: ما ذكره شيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّهَ (ت: 728 هـ)
(1) شرح المنتهى 2/ 260، الروض المربع 5/ 132.
(2)
انظر في تفصيل أحكام الجوائح كتاب: الجوائح وأحكامها للثنيان، وكتاب: نظرية الظروف الطارئة للترمانيني، قرار المجمع الفقهي بمكة المكرمة المنشور مع قرارات المجمع لعام 1398 - 1405 هـ ص 99.
(3)
رواه مسلم 3/ 1191، وهو برقم 15541.
(4)
مجموع الفتاوى 30/ 278، شرح المنتهى 2/ 212.
فقد قال: "إذا استأجر ما تكون منفعة إجارته للناس، مثل الحَمَّام، والفندق، والقيسارية (1)، ونحو ذلك، فنقصت المنفعة المعروفة، مثل أَنْ ينتقل جيران الملك، ويقل الزبون لخوفٍ، أَوْ خرابٍ، أَوْ تحويل ذي سلطان لهم ونحو ذلك- فإنَّه يحط عن المستأجر من الأجرة بقدر ما نقص من المنفعة المعروفة، سواء رضي الناظر وأهل الوقف أَوْ سخطوا"(2).
وقد سبق الفقهُ الإسلاميُّ بذلك القانونَ الوضعيَّ الفرنسيَّ، وسائرَ القوانين الوضعية التي سارت في ركابه، والتي لم تعرف ذلك إلَّا في القرن الثالث عشر الهجري، والتاسع عشر الميلادي (3).
4 -
جواز تَوْصِيف الواقعة القضائية بتوصيفين متفقين في النتيجة والحكم كما في هذه الواقعة، فقد رَدَّ القاضي على معارضيه في الحكم بأن ذلك من باب نظر القاضي لِحَظِّ الأوقاف ومصلحتها، كما يُعَدُّ من باب وضع الجوائح.
* * *
(1) لم أقف على بيانها.
(2)
مجموع الفتاوى 30/ 311، وانظر في المعنى نفسه: مختصر الفتاوى المصرية 376.
(3)
وثائق شؤون الحسبة في الأندلس 24.