الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض لأحداث القضية مع الحكم فيها:
الوقائع:
تتلخَّص وقائع الدعوى بادعاء المدعي شراءه خمس سيارات - وصفها- من مالكها المدعو (زيد)، وأَنَّها الآن في يد المدعى عليه، ويطلب تكليفه بتسليمها.
وأجاب المدعى عليه بما حاصله: أَنَّ السيارات في يده؛ لأَنَّها كانت في الأصل مملوكة له، وباعها مع سيارات أخرى على المدعو (زيد) بثمن مؤجل، وعاد واشترى المدعى عليه السيارات من (زيد) بثمن حال أقلّ من ثمنها الذي باعها به، وكانت قيمتها استقطاعًا من الدَّين، وكان شراء المدعى عليه للسيارات قبل شراء المدعي وطلب رد دعوى المدعي.
الحكم وأسبابه:
قد حكم القاضي في هذه الواقعة بحكم بيّن فيه أسبابه، جاء فيه:
إنَّه بناءً على ما دفع به المدعي من أَنَّ العقود التي قدمها
المدعى عليه قبل شرائه هي عقود صوريّة، وأَنَّ الغرض منها ضمان حقوقهم عند الزبون إذا لم يسدد فهو يقول:"إنَّ العقود المذكورة صوريّة، الغرض منها حفظ حقوقهم فقط- حتَّى قال- وقد كانت الشركة موكلة المدعى عليه تطلب من الزبائن الذين يشترون منها السيارات بالتقسيط التوقيعَ على مبايعة من الزبون لهم، ويبقى تاريخها فارغًا يكتب عند الاقتضاء، ويعملون ذلك ضمانًا لحقوقهم في مواجهة الإدارة العامة للشركة". اهـ. كما قال المدعي في جلسة أخرى- عن عقود شراء المدعى عليه للسيارات-: "إنَّ كتابة العقود الصورية التي ذكرتها سابقًا من قبل الشركة -أي المدعى عليها- لأجل ضمان حق الفرع عند الزبون إذا لم يسدد، كما كان يستخدم في مواجهة الإدارة المركزية للشركة، وقد وَقَّعَ على هذه المبايعات (زيد) عند شرائه للسيارات من المدعى عليه قبل بيعها عليَّ".
وهذه الأقوال من المدعي يستنبط منها: أَنَّ عقود المدعى عليه على شراء السيارات من البائع (زيد) كتبت ووقعت عند شراء (زيد) للسيارات من المدعى عليه، وأنَّهم فعلوا ذلك لا قصدًا لشراء السيارات، وإنَّما ضمانًا لحقهم في استيفاء ثمن المبيع، ويَدُلُّ شراء المدعى عليه للسيارات فور بيعها على أَنَّ عقود الشراء صورية لأجل ضمان حقهم في ثمن المبيع، وهذه هي حقيقة الرهن؛ لأَنَّ استيثاق العين في ثمن المبيع رهن في الحقيقة
لا بيع؛ ذلك بأنَّ العبرة للمعاني لا للألفاظ والمباني، كما هو مقرر عند الفقهاء، قال ابن القَيِّمِ (ت: 751 هـ): "الاعتبار في العقود والأفعال بحقائقها ومقاصدها، دون ظواهر ألفاظها وأفعالها"[الإعلام 3/ 95]، فمن رهن سلعة بلفظ البيع فهو رهن لا بيع، ومن وهب سلعة لآخر بعوض فهو بيع لا هبة يتقرر له جميع أحكام البيع من ردٍّ بعيب وأخذٍ بشفعة وغيرها، وإذا كان ذلك رهنًا للوجه الذي فَصَّلته، فيكون بيع (زيد) للسيارات على المدعي بيع مرهون، وهو باطل لا يَصِحُّ، ولا يعارض هذا ما قرره المدعى عليه من أَنَّه اشترى السيارات بعد بيعها بثمن حالٍّ أقل من ثمنها الذي باعها به؛ لأَنَّ حقيقة هذا العقد رهن لا بيع، ولم يثبت ما يعارضه بدعوى في مواجهة المدعو (زيد)، والأحكام تتجزأ باختلاف أسبابها [القواعد والأصول الجامعة لابن سعدي ص 75]، أليس من ادعى خلع زوجته على عوض وأنكرته يثبت الطلاق بإقراره ولا يثبت له العوض إلَّا ببينة؟ (1).
لذلك كله فقد صرفت النظر عن دعوى المدعي، وأفهمته بأَنه لا يستحق تسليم السيارات الموصوفة في الدعوى له، وبذلك قضيتُ.
(1) في هذه الأسباب طول، ولكن استدعى ذلك أن المعاني التي نقررها تحتاج إلى زيادة الإيضاح والبيان.