الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(السُّفْلِيّ) بديات متوفيهم، معللين مطالبتهم بأَنَّه لولا صاحبهم لما سقط الثلاثة الآخرون في البئر، وقد دفع أولياء الأول (السُّفْلِيّ) بأَنَّهم مستعدون بدفع ديةِ مَنْ تَعَلَّقَ به صاحبهم حين سقوطه فقط (1)، ويظهر أَنَّهم طالبوا بديات المتوفين من ذويهم؛ لأَنَّه قُضِي لهم فيما بعد، ولا يقضى من دون طلب.
طرق الحكم والإِثبات في هذه القضية:
يبدو أنَّ الواقعة لا تناكر فيها، فقد وقعت بمشهد جمع كبير ولم يتناكر المتحاكمون وقائعها.
تقرير الحكم القضائي:
إنَّ الواقعة من النوازل المستجدة فقهًا، ولذا نجد أن عليًّا رضي الله عنه اجتهد في تقرير حكمها، ويظهر أَنَّه وَصَّف القتل بأَنَّه خطأ، وقرر لذلك توزيع ضمان الدية على عواقل الذين حضروا رأس البئر، كما قرر للمتوفين دياتهم حسب مشاركة كل واحد منهم في القتل حسب ما مَرَّ تفصليه في الخبر سالفًا، فالواقعة من قبيل قتل الخطأ، والدية يضمنها عواقل الذين حضروا رأس البئر، ويستحق ورثة كل قتيل من الدية ما يلي: للسُّفلِيّ ربع الدية، وللذي فوقه ثلث الدية، وللذي فوقهما نِصْف الدية، وللذي فوقهم الدية كاملة؛ لأنَّه لم يجذب أحدًا.
(1) أخبار القضاة لوكيع 1/ 95 - 96، فقد وردت هذه التفاصيل في روايته.
وبعد تحقق انطباق أوصاف الحكم الكلي الفقهي المقرر على الواقعة المنظورة باشتراكهما في الأوصاف أَلْزَم عليٌّ رضي الله عنه عواقل الذين حضروا رأس البئر لورثة المتوفين بالديات حسب التفصل المارّ ذكره.
وبيان مأخذ ذلك ووجهه من هذه الواقعة: ما ذكره ابن العربي (ت: 543 هـ)، فقد قال: "فأَمَّا قصةُ عليٍّ فلا يدركها الشادي (1)، ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلَّا العاكف المتمادي.
وتحقيقها: أن هؤلاء الأربعة مقتولون خطأً بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها، فلهم الديات على من حضر (2) على وجه الخطأ، بيد أَنَّ الأول مقتولٌ بالمدافعة قاتلٌ ثلاثةً بالمجاذبة، فله الدية بما قُتِل وعليه ثلاثة أرباع الدية للثلاثة الذين قَتَلَهم، أَمَّا الثاني فله ثلث الدية وعليه الثلثان للاثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة، وأَمَّا الثالث فله نِصْف الدية وعليه النِّصْف؛ لأَنَّه قتل واحدًا بالمجاذبة، فوقعت المُحَاصَّة، وغَرِمَتْ العواقلُ هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه (3)، وهذا من بديع الاستنباط" (4).
(1) الشادي: من حصَّل طرفًا من العلم [المصباح المنير 1/ 307، الوسيط لمجمع اللغة 1/ 476].
(2)
في الأصل "حفر"، والتصويب يؤيده نَصُّ الخبر آنف الذكر.
(3)
يعني بعد إجراء المقاصة بسقوط دية من شارك بقدر مشاركته.
(4)
أحكام القرآن 4/ 44.