الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان الحكم قد اعتُرِض عليه من قبل الهيئة المدققة له: بأَنَّ للزوج أَنْ يسافر بزوجته ما لم تشترط دارها أَوْ بلدها في صلب العقد أَوْ قبله، وأَنَّ إقرار القاضي اشتراطها البقاء في بلدها بعد العقد مخالف لما هو مصرح به في كتب الأَصْحَاب -يعني الحنابلة- من أَنَ الشرط المعتدّ به ما كان في صلب العقد أَوْ قبله.
وقد أجاب الشيخ محمد بن إبراهيم عن هذا الاعتراض بقوله: "ما ذَكَرَتْهُ - يعني الهيئة المدققة للحكم- هنا في غير محله؛ إذ اشتراطها على زوجها البقاء في بلدها لم يكن شرطًا إنشائيًا مجردًا عما يتصل به، ويسوغ إقراره، وإنَّما كان جزءً من اتفاقية تمت بين الزوج وزوجته لقاء معاوضة ومصالحة، ولا شك أَنَّ له حق نقل زوجته إلى مكان إقامته إذا لم يكن ثم مانع شرعي يمنعه من ذلك، ولم يكن لها عليه شرط البقاء في دارها أَوْ بلدها في صلب العقد أَوْ قبله، إلَّا أَنَّه بموافقته
…
معها على النحو المذكور في الحكم، ومنه: أَلَّا ينقلها عن بلدها
…
أسقط حقه ذلك" (1).
الأحكام والضوابط المقررة في هذه القضية:
مما تقرر في هذه الواقعة من ذلك ما يلي:
1 -
تَعَدُّد التَّوْصِيف في الدعوى القضائية الواحدة لِتَعَدُّد الطلبات وتنوع الوقائع إذا كان بينها اتصال ولا يمكن البَتُّ في الطلب
(1) فتاوى ورسائل 10/ 147 - 148.
الأصلي إلَّا بعد البَتِّ في تلك الطلبات أَوْ كانت التجزئة غير ممكنة (1).
2 -
لزوم الصلح الذي يجري بين الزوجين مع شرط الزوجة بقاءها في بلدها ولو بعد العقد والدخول؛ لأَنَّ الزوج بقبول الصلح على هذه الصفة أسقط حقه المقرر شرعًا من لزوم متابعتها له في المسكن -كما قرر ذلك الشيح محمد بن إبراهيم في رده آنف الذكر-، ويؤيده: ما ذكره فقهاء الحنابلة من أَنَّ الحكمين عند الشقاق الزوجي لو اشترطا شرطًا لا ينافي النكاح مثل أَنْ يسكنها في مَحِلَّةِ كذا صَحَّ ولزم (2).
3 -
أَنَّ القضية الواحدة قد تشتمل على عدة طلبات، على القاضي البَتُّ فيها إذا كانت هذه الطلبات متصلة اتصالًا لا يتوصل إلى الحكم في القضية إلَّا بالفصل فيها، ففي هذه الواقعة حَكَم للزوجة بأَلَّا يسافر بها، وبوجوب نفقةٍ ومسكنٍ لها، وبحقها في قدومه لها كل ستة أشهر، وكلها مبنية على طلبات مُتَعَدِّدَةٌ مُتَّصِلَة.
4 -
أَنَّ الزوج ليس له الغيبة عن زوجته أكثر من ستة أشهر إذا
(1) انظر ما سبق في التَّوْصِيف المُتَعَدِّد: المطلب الثالث من المبحث الثالث من الفصل الأول من الباب الثالث.
(2)
مطالب أولي النهى 5/ 289، الفروع 5/ 341، المبدع 7/ 217، المغني 8/ 172.
لم يكن ثَمَّ عذر يوجب ذلك (1)، ودليله: أَنَّ امرأة في عهد عمر رضي الله عنه استبطأت عودة زوجها من الجهاد، فسأل عمر حفصة رضي الله عنهما:"كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أَوْ أربعة أشهر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أحبس الجيش أكثر من هذا"(2).
أَمَّا تحديد القاضي أقلَّ مدةِ مكثِه عندها بعد قدومه عليها بشهر ونِصْف الشهر فهو أمرٌ اجتهادي يخلتف باختلاف الزمان والمكان والمواصلات وغيرها، ولم أقف على من ضرب مثل هذه المدة من الفقهاء، ولكنه أمرٌ سائغٌ قضاءً، بخاصة في الزمن الذي وقع فيه - عام 1383 هـ -؛ إذ لم تكن وسائل الاتصال والمواصلات آنذاك متهيئة مثل الآن.
* * *
(1) الكشاف 5/ 192 - 193، الروض المربع 6/ 438، التفريق بين الزوجين للثبيتي 267.
(2)
سبق تخريجه.