الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدعي، والمدعي ينكر ذلك، فكان القول قوله؛ لأَنَّ الأصل براءة ذمته من الغرم، ولذلك نظائر مما قرره أهل العلم فقد ذكروا أَنّه إذا اصطدمت سفينتان واختلفا في التفريط فالقول قول القَيِّمِ بيمينه؛ لأَنَّ الأصل براءة ذمته [الكشاف 4/ 130]؛ لذلك فقد أفهمت المدعى عليه بأَنَّ له اليمين المشروعة على المدعي بأَنه لم يتسبب في تأخير التنفيذ وأَنَّ المتسبب في ذلك هو المدعى عليه متى طلبها، وقد أبي المدعى عليه طلب اليمين؛ لذا فقد حكمت بإلزام المدعى عليه بتسليم ستمائة وثلاثة وستين ألفًا وخمسمائة وثلاثة وثمانين ريالًا، وله يمين المدعي بالله العظيم على الصفة المنوه عنها سابقًا متى طلبها، وبإعلام الطرفين بالحكم قرر المدعى عليه عدم الاقتناع به.
تدقيق الحكم بتمييزه:
بدراسة صَكّ الحكم واللائحة الاعتراضية من قِبَل محكمة التمييز قررت الموافقه عليه.
كما دُرِس صَكّ الحكم مع كافة أوراق المعاملة من قِبَل مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة وقَرَّرَ الموافقه عليه.
الأحكام والضوابط المقررة في هذه القضية:
مما تقرر في هذه الواقعة من ذلك ما يلي:
1 -
أَنَّ عبء الإثبات في غرامة التأخير يقع على مدعيه؛ لأَنَّ غرامة التأخير لا تتحقق إلَّا بوصفين: ثبوت التأخير، وثبوت كون
سبب التأخير هو المدعى عليه، ولا يمنع ذلك سماع بينة المدعى عليه بأَنَّ التأخير من المدعي إن كانت له بينة، وهكذا إذا كان لأحد الطرفين قرينة قوية تَدُلُّ على التأخير أَوْ نفيه عُمِل بها.
2 -
أَنَّ غرامة التأخير في تنفيذ العمل تسقط بتسبب المشترط في التأخير؛ لأَنَّ ذلك عذر للمشترط عليه (1).
3 -
استنباط الوصف المؤثر في التوصيف، أَوْ ثبوت الواقعة من أدلة الخصم وأقواله.
فقد استنبط القاضي من استلام المدعى عليه للورقة الموجهة من المدعي، مع عدم الإعتراض أَوْ الرد عليها في حينه أَنَّ المدعى عليه هو المتسبب في التأخير، وجعل ذلك قرينة دالة عليه.
فلا يشترط في إعمال البينة أَنْ تكون نَصِّيَّة الدلالة، بل قد يستنبط منها القاضي ثبوت بعض الأوصاف المؤثرة في الحكم نفيًا أَوْ إثباتًا مما تَدُلُّ عليه ألفاظها حسب الدلالات المقررة، يقول ابن العربي (ت: 543 هـ) في قوله -تعالى-: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]: "قال علماؤنا: هذا دليل على جواز الاجتهاد والاستدلال بالأمارات والعلامات على ما خفي من المعاني والأحكام"(2).
* * *
(1) انظر ما سبق في المبحث الثَّاني من الفصل الأول من الباب الرابع.
(2)
أحكام القرآن 1/ 336.