الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عرض لأحداث القضية مع الحكم فيها:
الوقائع:
تتلخَّص وقائع الدعوى في ادِّعاء المدعي بأَنَّه تعاقد مع المدعى عليه على أَنْ يقوم المدعى عليه ببناء دار للمدعي، وبَيَّنَ العمل المتعاقد عليه وأجرته، وأَنَّ المدعى عليه لم يكمل العمل، وطلب المدعي تكليف المدعى عليه بإكمال العمل.
وأجاب المدعى عليه بما حاصله المصادقة على العقد بينهما المشار إليه في الدعوى، وأَنه نَفَّذَ العمل إلَّا شيئًا يسيرًا في أشياء بيَّنها، وأَن المدعي لم يسلمه المتبقي من أجرته، وطالب بإلزام المدعي بتسليم بقية الأجرة وحدَّدها.
الحكم وأسبابه:
لقد أنهى القاضي الحكم في القضية بحكم مبين الأسباب، وقد جاء فيه:
إنَّه بعد دراسة القضية وتأملها، وبما أَنَّ العقد اشتمل على جهالة في المتفق عليه، من ذلك: طول الخزانات؛ فقد جاء في العقد
أَنّها حسب الأبعاد التي يحددها المالك، وهذه جهالة في عمق وعرض وطول الخزانات، والتي تختلف باختلاف الرغبات.
كما جاء في العقد بأَنَّ المالك إذا رغب الخزان العلوي من "الفيبرجلاص"، فيقوم بتوريده، وهذه جهالة في المعقود عليه: هل يدخل الخزان في عقد بناء الدار أَوْ لا؟ .
ومن ذلك: ما ورد في الاتفاق على نوعية الشبابيك ومواصفاتها، فلم تستوف جميع أوصافها المؤثرة في الثمن، واكتفى عن ذلك باعتماد العيِّنة من المالك قبل الترغيب، وهذه جهالة في المتفق عليه.
وبما أَنَّه قد حصل خلاف بين الطرفين في التمتير: أهو للجدران بالنسبة للمباني المغلقة- حسب دفع المدعى عليه- أَمْ أَنّه للمسطحات- حسب دعوى المدعي-؟ والعبارة الواردة في العقد فيما يتعلق بذلك هي: "سعر المتر المربع لجميع المباني المغلقة - حتَّى قال- هو ستمائة وخمسة وعشرون ريالًا"، وهي عبارة مجملة محتملة التأويل وغير حاسمة الدلالة بالنسبة لما يدعيه كل واحد من الطرفين في السعر -أي فهي متساوية الدلالة من غير مرجح-، فإذا نظرنا للعرف فإذا هو بجانب تفسير المدعي حسب اعتراف المدعى عليه نفسه، فقد ذكر أَنَّ العرف الغالب أَنَّ التمتير للمسطحات، وإذا نظرنا للسعر والفارق الكبير فيه فقد قدرته الهيئة
-أي أهل الخبرة- بمبلغ ثمانمائة وخمسين ريالًا للمتر المسطح، أي بزيادة حوالي الثُّلث عن السعر المتفق عليه والمشار إليه في العقد- فإذا هو بجانب تفسير المدعى عليه، واختلاف المترافعين في العمل الذي يُمَتَّر وعدم قيام ما يرجح أحد التفسيرين يحمل على التَّوَقُّف في ترجيح أحدهما على الآخر، ويجعل سعر العقد مجهولًا (1)، وبما أَنَّ جهالة أطوال الخزانات ومواصفات النوافذ تصيِّر العقد مجهولًا، ويكون باطلًا، ولا تترتب عليه آثاره من الإلزام بإكمال العمل ونحوه، قال ابن رجب رحمه الله في القاعدة السادسة والأربعين في العقود الفاسدة: هل هي منعقدة أَوْ لا؟ قال: "ما لا يترتب عليه ذلك - أي ما لا يترتب عليه حكم مبني على التغليب ولا السراية والنفوذ كالنكاح والبيع والإجارة- فالمعروف من المذهب أَنّه غير منعقد وتترتب عليه أحكام الغصب".
أمَّا قرار المكتب الهندسي فلا يعمل به؛ لأَنَّ المهندس بني قراره على تفسير السعر بنفسه، وقد مَرَّ ما في هذا التفسيرين احتمالات تجعله غير مستقر، ثم إنَّ العقد باطل ويحتاج نظرًا قضائيًا، ولا يكفي فيه قرار مهندس لا علم له بِصِحَّة العقود من بطلانها.
(1) وقد ذكر أهل العلم: أن من باع سلعته بدينار مطلق غير معين ولا موصوف في الذمة، وفي البلد نقود مختلفة من الدنانير كلها رائجة لم يَصِحَّ البيع؛ لعدم العلم بالثمن حال العقد [الكشاف 3/ 174]، والإِجارة مثله هنا؛ لعدم الفارق.