الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأطعمة
المقدمة
واحدها: طعام، وهو جمع قلَّة؛ لكنَّه لما عُرِّف بالألف والَّلام أفاد العموم، وهو ما يُؤكل، وما يُشْرَب.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [البقرة: 249]، قال القرطبي:"دلَّ على أنَّ الماء طعام".
قال في تيسير العلَاّم: "الأصل في الطعام والشَّراب والِّلباس: الحل؛ فلا يَحرم منها إلَاّ ما حرَّمه الله ورسوله؛ لأنَّها داخلة في عموم العادات المبنية على الحل، والمحرَّم منها محدودٌ ومعدودٌ، ممَّا يدل على بقاء المتروك على أصله، وهو العفو.
والأصل في هذا القول وصف النَّبي صلى الله عليه وسلم ووصف شريعته: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، وهذا يتناول جميع الأشياء: من مطعم، ومشرب، فكل ما ليس بخبيثٍ فهو طيبٌ حلال، فدخل فيه أنواع الحبوب، والثمار، وهي أوسع الأصناف حِلاًّ، ودخل فيه الحيوانات البحرية كلها، ودخل فيه الأنعام الثمانية، والخيل، ودخل فيه الطيور، والدجاج، والطواويس، ونحوها من حيوانٍ، وطيرٍ، إلَاّ ما كان خبيثًا.
والخبث يعرف بأمور:
1 -
أنْ ينص الشَّارع على خبثه؛ كالحمر الأهلية.
2 -
أو ينص على حدِّه؛ ككل ذي نابٍ من السِّباع، وكل ذي مِخْلَبٍ من الطير.
3 -
أو يكون خبثه معروفًا؛ كالفأرة، والحية، والحشرات.
4 -
أو يكون الشَّارع أمر بقتله، أو يكون نهى عن قتله.
5 -
أو يكون معروفًا بأكل الجيف؛ كالنسر، والرخم، ونحوهما.
6 -
أو يكون متولدًا من بين حلال وحرام، فيغلَّب التحريم، كالبغل.
7 -
أو يكون خبثه عارضًا؛ كالجَلَاّلة التي تغذى بالنَّجاسة، والمائعات المتنجسة.
8 -
أو يكون محرَّمًا لضرره البدني؛ كأنواع السموم.
9 -
أو يكون محرَّمًا لضرره العقلي؛ كالخمر، والمخدرات.
10 -
أو مذكَّى؛ تذكية غير شرعية؛ إمَّا لآلته، وإمَّا لمذكِّيه، وإمَّا للقصد من تذكيته.
وما لم يوجد فيه سبب الخبث فهو حلال.
***
1149 -
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّباعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1). وَأَخْرَجَهُ مِن حَدِيثِ ابنِ عبَّاسٍ بِلَفْظِ: "نهى"، وَزَادَ:"وَكلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ"(2).
ــ
* مفردات الحديث:
- النَّاب: من الأسنان، هو الَّذي يلي الرباعيات.
- السِّباع: بكسر السِّين، فالتخفيف، جمع سَبُع، وهو الحيوان المفترس، كالأسد، والنَّمر، والذئب، ونحوها ممَّا فيه غريزة سبعية، يعدو بها على النَّاس، والدواب، والأنثى سَبُعة.
- مِخْلَب: بكسر الميم، وسكون الخاء، هو ظفر كل سبع من الماشي والطَّائر، جمعه مخالب ومخاليب.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الأصل في الأطعمة الحل؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]. وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168]، وأوسع الأشياء في الطيب والحل هي الحبوب والثمار.
2 -
أمَّا اللحوم: فقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145].
(1) مسلم (1933).
(2)
مسلم (1934).
فهذه الآية الكريمة عامَّة في حل أكل لحم الحيوانات، إلَاّ ما ورد الشرع بتحريمه، فما ورد من المحرمات في سورة المائدة، وفي الأحاديث الواردة في التحريم، كحديث الباب فهو رافعٌ لمفهوم هذه الآية.
3 -
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "وإذا كان الله لم يحرِّم من المطاعم إلَاّ ما ذكر، والتحريم لا يكون مصدره إلَاّ شرع الله، دلَّ ذلك على أنَّ المشركين الَّذين حرَّموا ما رزقهم الله مفترون على الله، متقوِّلون عليه ما لم يقله.
4 -
حديث الباب يُثبِت تحريم كل ذي نابٍ من السِّباع، وكل ذي مخلبٍ من الطير، فكل ذي نابٍ من السِّباع فهو محرَّم، وكل ذي مخلب من الطير فهو محرَّم، كالأسد، والنمر، والذئب، وهو الحيوان المفترس الذي جمع الوصفين النَّاب، والسبعيَّة لطبيعِيَّة فيه، والافتراس، فإذا تخلَّفت إحدى الصفتين لم يحرم، فهذا الحديث مبيِّن ومفسِّر لما أجمل في الآية، وإليه ذهب جمهور العلماء، ومنهم الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشَّافعي، وأحمد.
5 -
أمَّا ذو المخلب من الطير فقال النووي: "تحريمه هو مذهب الجمهور، أبي حنيفة، والشَّافعي، وأحمد، وغيرهم، فقد استفاضت السنَّة بالنَّهي عنه، والنَّهي يقتضي التحريم".
قال ابن القيم: "تواترت الآثار عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنَّهي عن كل ذي نابٍ من السِّباع، وكل ذي مخلب من الطير، وصحَّت صحَّة لا مطعن فيها".
6 -
قال شيخ الإِسلام: "إنَّ العادي شبيه بالمعتدي، فيصير في نفسه من الظلم والعدوان بحسب ما اعتدى به".
قال الأستاذ طبارة: "حرَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم كل ذي مخلبٍ من الطير وكل ذي ناب من السباع؛ لما فيها من صلابة العضلات وقبح الرائحة، فلحوم هذه الحيوانات غير صالحةٍ لمعدة الإنسان؛ لأنَّها تبتذل مجهودًا عضليًّا في افتراسها غيرها، فتقوى بذلك عضلاتها، وتتصلَّب، وتكون عسرة الهضم.
* خلاف العلماء:
اختلف العلماء أي المكاسب أفضل؟ فبعضهم فضَّل الزراعة، وبعضهم فضَّل التجارة، وبعضهم فضَّل العمل باليد.
وأحسن ما يُقال: إنَّ الأفضل لكلِّ أحدٍ ما يناسب حاله، ولابُدَّ في جميعها من النصح، وعدم الغش.
* فوائد:
الأولى: حيوانات البحر كلها حلالٌ على الصحيح، فلا يستثنى منها شيء، ولا يحرم من الحيوانات البريَّة إلَاّ ما كان خبيثًا، وخبثه يُعرف بأمور:
1 -
إمَّا أنْ ينص الشَّارع على خبثه؛ كالحُمر الأهلية.
2 -
أو على حدِّه؛ كذي النَّاب من السِّباع.
3 -
أو يكون معروف الخبث؛ كالحية.
4 -
أو يأمر الشَّارع بقتله؛ كالفأرة.
5 -
أو ينهى عن قتله؛ كالهدهد، والصرد.
6 -
أو يكون معروفًا بأكل الجِيَف؛ كالنسر.
7 -
أو متولدًا من حلالٍ وحرام؛ كالبغل.
8 -
أو يكون خبثه عارضًا بسبب تولَّد النَّجاسة في بدنه؛ كالجلالة.
9 -
أو يكون محرَّمًا لضرره البدني؛ كأنواع السموم، أو لضرره العقلي؛ كالخمر، والمخدرات.
10 -
أو مذكًّى ذكاةً شرعيَّة، وقد تقدَّم في مقدَّمة الباب.
فهذه الأسباب كلها تجعله خبيثًا.
الثانية: قال الخطابي: "كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه؛ لحديث: "دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك". وقال شيخ الإِسلام: "الفرق بين الورع والزهد: أنَّ الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخاف ضرره في الآخرة".
1150 -
وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ في لُحُوْمِ الْخَيْلِ" مُتَّفَقٌ عليهِ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: "وَرَخَّصَ"(1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الحُمُر الأهلية: قال في المعجم الوسيط: الحمار حيوانٌ داجن، من الفصيلة الخيلية، يستخدم للحمل والركوب.
قال في حياة الحيوان: ويوصف الحمار بالهداية إلى سلوك الطرقات التي مشى فيها، ولو مرَّة واحدة، كما يوصف بحدة السمع. وللناس في مدحه وذمّه أقوالٌ متباينة، بحسب الأغراض.
- الخيل: جماعة الأفراس، لا واحد له من لفظه، جمعه أخيال وخيول، وسُمِّيت خيلاً؛ لاختيالها في مشيتها، وقيل: أوَّل من ركبها -إسماعيل عليه السلام، وذلك في مكَّة، ومن ذلك سُمِّيت بالعراب؛ فقد روى النسائي أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"اركبوا الخيل؛ فإنَّها ميراث أبيكم إسماعيل".
وقد سابق النَّبي صلى الله عليه وسلم عليها، وجعل أمدًا وغايةً لسباقها، وكان سليمان عليه السلام يسابق عليها، ويحتفي بمنظر سباقها، فلها شانٌ كبير في أوَّل الدهر وآخره، ولذا قال تعالى:{وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]؛ قال الدميري: "الخيل أشرف ما رُكِب من الدواب".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على تحريم لحوم الحمر الأهلية، ولو توحشت.
(1) البخاري (4219)، مسلم (1941).
قال ابن عبد البر: "لا خلاف في تحريمها"، أمَّا شارح البلوغ فقال:"تحريم أكل لحومها مذهب جماهير العلماء، من الصحابة، والتَّابعين، ومن بعدهم، إلَاّ ابن عبَّاس فقال: "ليست بحرام".
فالإجماع الَّذي نقله ابن عبد البر بعد انتهاء الخلاف في عصر ابن عبَّاس.
2 -
ثبت تحريم لحوم الحمر الأهلية بأحاديث كثيرة صحيحة، وجاء في تعليل تحريمها في رواية:"إنَّها نجس"، وفي لفظٍ:"إنَّها رجس".
3 -
كما يحرم لحمها فإنَّ لبنها حرامٌ نجسٌ أيضًا، فلا يجوز شربه، ولو لدواء.
4 -
مفهوم الحديث حل لحوم الحمر الوحشية، وهو صيد، فمن قتلها في الحرم أو الإحرام فعليه الجزاء، قال في شرح الإقناع: ويجب في حمار الوحش بقرة، قضى به عمر، وقاله عروة، ومجاهد.
وهذا هو المسمَّى حمار الزرد، وهو من الحيوانات الإفريقية.
5 -
يدل الحديث على حل لحوم الخيل؛ وبهذا قال الشافعي، وأحمد، وصاحبا أبي حنيفة، وإسحاق، وجماهير العلماء من السلف والخلف؛ لهذا الحديث، ولما في معناه من الأحاديث الصحيحة.
وأمَّا أبو حنيفة، ومالك: فذهبا إلى كراهة أكل لحومها، واستدلا بما رواه خالد بن الوليد قال:"نهى صلى الله عليه وسلم عن لحوم الخيل، والبغال، والحمير، وكل ذي نابٍ من السباع"[رواه أحمد (6376)] لكن ضعَّف الحديث أحمد، والدَّارقطني، والخطابي، وابن عبد البر، وعبد الحق، قال البيهقي: إسناده مضطرب، مخالف لرواية الثقات.
ومن أدلَّة من كره لحوم الخيل قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]، فذكر الركوب والزينة، ولم يذكر الأكل.
وأجاب المبيحون أكلها: بأنَّ ذكر الركوب والزينة لا يدل على أنَّ منافعها مقصورة عليهما، وإنَّما خصَّا بالذكر؛ لأنَّهما المقصود الأعظم من الخيل، والله أعلم.
1151 -
وَعَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الجَرَاد: بفتح الجيم، والرَّاء، الواحدة جرادة، تطلق على الذكر والأنثى، قيل: إنَّه مشتقٌّ من الجرد؛ لأنَّهُ ما ينزل على شيءٍ إلَاّ جرده.
قال في بعض الموسوعات العلمية: "الجراد يتبع فصيلة الحشرات، حجمه كبير، ولونه أحمر قبل البلوغ، وأصفر بعده، يُغِير غالبًا من شرق إفريقيا، ويهاجر ليجتاز المسافات الشَّاسعة؛ ليغزو مناطق جديدة، فإذا وصل إلى أرض مزروعة أكلت الزرع".
قال في حياة الحيوان: "الجراد مفرده جرادة، تطلق على الذكر والأنثى، والجراد أصناف مختلفة، فبعضه كبير الجثَّة، وبعضه أحمر، وبعضه أصفر، وبعضه أبيض".
قال في الوسيط: "الجراد فصيلة الحشرات المستقيمات الأجنحة".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
حديث الباب يدل على حِل أكل الجراد، وقد أجمع المسلمون على إباحة أكله، وروى ابن ماجة (3220) من حديث أنس قال:"كان أزواج النبَّي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الأطباق".
2 -
قال الأئمة الأربعة بحل أكله، سواء مات حتف أنفه، أو باصطياد مجوسي، أو مسلم، قُطِعَ منه شيء، أم لا.
(1) البخاري (5495)، مسلم (1952).
فقد روى الإِمام أحمد (5690)، وابن ماجة (3218) من حديث ابن عمر أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان: الجراد والحوت، والدمان: الكبد والطحال".
3 -
قال ابن كثير: "وأمَّا الجراد فمعروف مشهورٌ، وهو مأكول، سُئِل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال: "لا آكله ولا أحرمه" [رواه أبو داود (3813)] وإنَّما تركه؛ لأنَّه كان يعافه؛ كما عافت نفسه الشريفة أكل الضب، وأَذِنَ فيه.
وكان عمر يشتهيه ويحبه، ويقول:"ليت عندنا منه قفة أو قفتين نأكله".
***
1152 -
وَعَنْ أَنسٍ رضي الله عنه في قصَّة الأرْنَب قَالَ: "فَذَبَحَهَا، فَبَعَثَ بِوَرِكهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهُ" مُتَّفَقٌ عليْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- قِصَّة الأرنب: قال أنس: أنفجنا أرنبًا ونحن بمَرّ الظهران، فسعى القوم وتعبوا، فأخذتها، فجئت بها إلى أبي طلحة، فبعث بوَرِكها .... الحديث.
- أرنب: بفتح الهمزة، وسكون الرَّاء، حيوان ثديي، منه البري والداجن، كثير التوالد، سريع الجري، يده أقصر من رجليه، يُقال: أرنب، للذكر والأنثى، جمعه أرانب.
قال في حياة الحيوان: "الأرنب: جمعه أرانب، وهو حيوان يشبه العَناق، قصير اليدين، طويل الرجلين، يطأ الأرض على مؤخرة قوائمه، وهو اسم جنس، يطلق على الذكر والأنثى".
قال في الوسيط: "الأرنب حيوان ثديي، يؤكل لحمه، ومنه البري والدَّاجن، كثير التوالد، سريع الجري، يداه أقصر من رجليه، يطلق على الذكر والأنثى، والأفصح اختصاصه بالأنثى، وخُصَّ الخزز بالذكر.
- وَرِكها: بفتح الواو، وكسر الرَّاء، ويجوز كسر الواو، وسكون الرَّاء: هو ما فوق الفخذ.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
أجمع العلماء على حِل أكل الأرنب، فقد جاء في صحيح البخاري (2572):"أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَبِلَ وركها، وفخذها، وأكل منه".
(1) البخاري (2572)، مسلم (1953).
2 -
حديث الباب يدل على حل أكلها، والإجماع واقع على حل أكلها.
3 -
كَرِه أكلها عبد الله بن عمر، وعكرمة، وابن أبي ليلى؛ لما روى أبو داود (3792) والبيهقي (9/ 321) من حديث عبد الله بن عمر:"أنَّها جيء بها إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها، ولم ينه عنها".
وتقدَّم أنه جاء في البخاري: "أنه أكلها"، وإذا صحَّ أنَّه لم يأكلها، فإنَّ هذا لا يدل على تحريمها، وإنَّما يدل على كراهة نفسية، لا شرعية.
***
1153 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنْ قَتْلِ أَرْبعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةِ، والنَّحْلةِ، وَالهُدْهُدِ، وَالصُّرَدِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو داودَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
قال المصنِّف: رواه أحمد، وأبو داود، وصحَّحه ابن حبان.
وقال البيهقي وابن دقيق العيد: "رجاله رجال الصحيح، وهو أقوى ما ورد في هذا الباب" وصحَّحه الحافظ في التلخيص.
وله شاهد من حديث سهل بن سعد عند البيهقي.
* مفردات الحديث:
- الدواب: جمع دابَّة، ويصغَّر على "دُوَيْبَّة".
قال في المصباح: كل حيوانٍ في الأرض دابة، وخالف فيه بعضهم فأخرج الطير من الدواب، ورُّدَّ بالسماع، وهو قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45].
وأمَّا تخصيص الفرس والبغل بالدَّابة عند الإطلاق فعُرْفٌ طارىء.
- النَّمْلة: مفرد النمل، والجمع نمال، سميت نملة؛ لتنملها، وهو كثرة حركتها، وهي حشرة ضئيلة الجسم من رتبة غشائيات الأجنحة، وقسم ذوات الحمة، تتخذ مساكنها تحت الأرض، وتعيش في جماعة من أفراد نوعها، دائبة العمل، متعاونة، عظيمة الحيلة في طلب الرزق، ومن طبعه أن يحتكر
(1) أحمد (1/ 332)، أبو داود (5267)، ابن ماجة (3224)، ابن حبان (1078).
قوته من زمن الصيف لزمن الشتاء، وله في الاحتكار أمور عجيبة.
- النَّحْلَة: هي حشرة من الفصيلة النحلية، وإليها تنسب فصيلة النحليات، تربَّى للحصول على عسلها وشمعه.
- الهُدْهُد: جنس طير من الجواثم الرقيقات المناقير، له قنزعة على رأسه.
- الصُّرَد: بضم الصاد وفتح الراء، طائرٌ أكبر من العصفور، ضخم الرأس والمنقار، يصيد صغار الحشرات، وربما افترس العصفور.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
حديث الباب يدل على تحريم قتل النملة، وجاء في البخاري (3319) ومسلم (2241) من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نزل نبيٌّ من الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- تحت شجرة، فلدغته نملة، فأَمَر بقرية النمل فأحرقت بالنار، فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة! " قال أبو عبد الله الترمذي: لم يعاتبه الله على تحريقها، وإنما عاتبه على كونه أخذ البريء بغير البريء.
2 -
النحلة: حشرةٌ من رتبة غشائيات الأجنحة في الفصيلة النحلية، تُرَبَّى للحصول على عسلها وشمعه، قال تعالى:{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)} [النحل: 68].
قال الزجاج: "سُمِّيت نحلاً؛ لأنَّ الله تعالى نحل النَّاس العسل الَّذي يخرج منها، إذ النِّحْلة العطية".
قال الدميري: "النَّحل حيوانٌ فهيمٌ، ذو كَيَسٍ، وشجاعةٍ، ونظرٍ في العواقب، ومعرفة بفصول السنة، وأوقات المطر، وتدبير المطعم، والطاعة لكبيره، والاستكانة لأَميره".
وله أحوالٌ، وترتيبٌ، وتنظيمٌ يطول عدّه، فسبحان من أعطى كل شيءِ خلقه، ثمَّ هدى.
3 -
الهدهد: بضم الهاءين، وإسكان الدال المهملة، جمعه هداهد وهداهيد،
وهو طائر معروف، ذو خطوط وألوان كثيرة، رقيق المنقار، له قنزعة على رأسه، وهو من فصيلة الجواثم.
وهو منتن الريح طبعًا؛ لأنَّه يبني أفحوصه بالزبل، وهذا عامٌّ في جميع جنسه.
4 -
الأصح هو تحريم أكله؛ لأنَّه منتن الريح، ويقتات الدود والخبث، وَلأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله.
5 -
الصُّرد: قال في شرح الإقناع: هو طائر أبقع أبيض البطن، أخضر الظهر، ضخم الرَّأس والمنقار، وهو نوعٌ من أنواع الغربان، يصيد العصافير، وصغار الطير، ويصرصر كالصقر.
قال الدميري: "هو طائر شرس النفس، شديد النقرة، غذاؤه من اللحم، ومأواه الأشجار، ورؤوس القلاع، وأعلى الحصون".
6 -
الأصح تحريم أكله لهذا الحديث.
7 -
الحديث دليل على تحريم قتل هذه الأصناف الأربعة، كما يدل على تحريم أكلها؛ لأنَّه لو حلَّ أكلها لما نهى عن قتلها.
8 -
من ضوابط معرفة محرم الأكل من الحيوان والطير: أنْ يأمر الشَّارع بقتله؛ كالخمس الفواسق، أو ينهى عن قتله؛ كالأربعة المذكورة في هذا الحديث.
9 -
كل ما نُهِيَ عن قتله من الحيوان، والطير، والحشرات، هو ما لم يكن منه أذى، فإن حصل منه الاعتداء، والأذى، حل قتله، ولو بما يبيده جميعه، كاستعمال الأشياء المبيدة له.
***
1154 -
وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَمَّارٍ قَال: "قُلْتُ لجابِرٍ رضي الله عنه: الضَّبُعُ صَيْدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قلْتُ: قالَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالأرْبَعَةُ، وصَحَّحَهُ البُخَارِيُّ وابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث صحيح.
أخرجه أبو داود، والدَّارمي، والطحاوي، وابن حبان، والدَّارقطني، والحاكم، وغيرهم من طرق، عن جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد، عن عبد الرحمن بن أبي عمار، عن جابر، قال:"سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الضبع؟ فقال: هو صيد".
وصحَّحه البخاري، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
* مفردات الحديث:
- الضَّبع: بتشديد الضاد المعجمة، وسكون الباء الموحدة، وضمها، جنس من الفصيلة الضبعية، ورتبة اللواحم، كبيرة الرَّأس، قويَّة الفكين.
قال الدميري: "الذكر ضَبْعَان، والجمع ضباعين، وأضبُعٌ، ويتغذَّى ببقايا الفريسة".
الضبع: جنس من الحيوان من فصيلة ورتبة آكلة اللحوم، ولفظ الضبع مؤنثة، وقد تطلق على الذكر، ولا يقال: ضبعة، جمعه: أضبع وضباع،
(1) أحمد (3/ 318)، أبو داود (3801)، الترمذي (851)، النسائي (5/ 191)، ابن ماجة (3236)، ابن حبان (1068).
والذكر يُقال له: ضبعان، والأنثى: ضبعانة، جمعه: ضباعين.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
حديث الباب يدل على حل أكل لحمها، وأنه صيد، والصيد مباح، وقد اختلف العلماء في حلها:
فذهب الإمامان الشَّافعي وأحمد: إلى حلّها؛ مستدلين بهذا الحديث، وبما رواه الحاكم (1/ 623) وصحَّح إسناده من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الضبع صيد، وجزاؤه كبش مسن".
قال الترمذي: "سألت البخاري عنه؟ فقال: إنَّه حديثٌ صحيح".
أمَّا أبو حنيفة: فقال: يحرم.
وأمَّا مالك: فقال: يكره.
ودليل أبي حنيفة على تحريمها حديث: "كل ذي نابٍ من السباع فأكله حرام"، والضبع ذو ناب.
قال الأوزاعي: "كان العلماء بالشام يعدونها من السباع، ويكرهون أكلها".
قال في المغني: "وهو القياس، إلَاّ أنَّ اتباع السنَّة أولى".
والصحيح حل أكلها، فقد قال الشافعي:"ما زال النَّاس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير".
2 -
قال شيخ الإِسلام: "مباحة عند جماهير العلماء، ومنهم مالك، والشَّافعي، وأحمد، وغيرهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّها صيدٌ"، وأمر بأكلها، ولأنَّ العرب تستطيبه وتمدحه".
3 -
قال الدميري في حياة الحيوان: "الضبع لا يغتذي بالعدو فهو يعيش بغير أنيابه".
قال ابن القيم: "إنَّما حُرِّم ما له نابٌ من السباع العادية بطبعها، كالأَسد،
وأمَّا الضبع فإنَّما فيها أحد الوصفين، وهو كونها ذات نابٍ، وليست من السباع العادية، والسبع إنَّما حرم؛ لِما فيه من القوَّة السبعية التي تورث المتغذي بها شبهًا، ولا تعد الضبع من السباع لا لغةً ولا عرفًا".
قلت: وبهذا فحديث "كل ذي نابٍ من السباع" لا يصلح دليلاً على تحريمها.
***
1155 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ القُنْفُذِ؟ فَقَالَ: " {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ} الآيَةَ، فقال شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقَالَ: إِنَّهَا خَبِيثَةٌ مِنَ الخبَائثِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ هَذَا فَهُو كمَا قَالَ" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاودَ، وإِسْنَادُهُ ضعِيفٌ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث ضعيف.
وقد أخرجه أحمد، وأبو داود، والبيهقي من طريق عيسى بن نميلة عن أبيه. قال البيهقي: هذا حديثٌ لم يرد إلَاّ بهذا الإسناد، وهو ضعيف.
وقال الخطابي: "ليس إسناده بذاك". وقال ابن حجر: "إسناده ضعيف".
وقال الألباني: "علته عيسى بن نميلة، وأبوه، فهما مجهولان".
* مفردات الحديث:
- القُنْفُذ: بضم القاف، وسكون النون، آخره ذال معجمة، هو حيوانٌ ثدييٌّ، صغيرٌ، مغطًّى بالأشواك، وإذا واجهه خطرٌ كوَّر نفسه، فلا تظهر منه إلَاّ أشواكه الحادَّة في كلِّ اتجاه، وبذلك يُدافع عن نفسه، يتغذَّى بالفاكهة، وجذور النبات، والحشرات.
قال في الوسيط: دويبة من الثدييات، ذات شوكٍ حادٍّ، يلتف فيصير
(1) أحمد (2/ 381)، أبو داود (3799).
كالكرة، وبذلك يقي نفسه من خطر الاعتداء عليه، وجمعه قنافذ، ويُقال: العسعاس؛ لكثرة ترددها بالليل.
وهو مولعٌ بأكل الأفاعي.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يدل على تحريم أكل القنفذ، وأنَّها خبيثةٌ من الخبائث، وكأنَّ ابن عمر رضي الله عنه لم يبلغه الحديث، فأفتى على موجب اجتهاده من عموم الآية الكريمة بحلها، فلمَّا بلغه النَّص قدَّمه على الاجتهاد.
2 -
اختلف العلماء في تحريم القنفذ، فذهب إلى ذلك الإمامان: أبو حنيفة: وأحمد؛ لهذا الحديث، ولأنَّه من الخبائث، والله تعالى حرَّم الخبائث.
وذهب مالك، والشافعي؛ إلى حله؛ تمشيًا مع القول بأن الأصل في الحيوان الإباحة، وفيها خلافٌ أصوليٌّ، وأمَّا الحديث فلم يثبت لديهم.
***
1156 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الجَلَاّلةِ، وألْبَانِهَا" أَخْرَجَهُ الأرْبَعَةُ إِلَاّ النَّسَائِيَّ، وحسَّنَهُ التِّرمِذِيُّ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والبيهقي من طريق محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
ورجاله ثقات، إلَاّ أنَّه اختلف فيه على ابن أبي نجيح، لكن رواه البيهقي من وجهٍ آخر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر.
وقد حسَّنه الترمذي، فإنَّ له شواهد تشهد له بالصحة، جاءت عن ابن عبَّاس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي هريرة:
فحديث ابن عباس: رواه أحمد، والأربعة، وصححه ابن دقيق العيد، وحسَّنه الحافظ.
وحديث ابن عمرو: رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم.
وحديث أبي هريرة: رواه الحاكم، والبيهقي، وإسناده قوي.
* مفردات الحديث:
- الجَلَاّلة: من صيغ المبالغة، هي الحيوان الَّذي يأكل الجُلّة، والعذرة، والنَّجاسات، سواءٌ أكانت الجلالة من الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الدجاج، أو غير ذلك من الحيوان، والطير المأكول.
(1) أبو داود (3785)، الترمذي (1824)، النسائي (3189).
قال الدميري: الجلَاّلة من الحيوان: هو الَّذي يأكل الجلَّة، والعذرة.
وقال في شرح الإقناع: "الجلَاّلة هي التي علفها النجاسة".
وقال النووي: "لا تكون جلالة إلَاّ إذا غلب على علفها النجاسة".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
حديث الباب له شواهد كلها مرفوعة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، منها:
(أ) ما رواه أحمد (1990)، وأبو داود (3786)، والترمذي (1825) عن ابن عبَّاس:"نهى عن شرب لبن الجلالة"، وفي رواية:"نهى عن ركوب الجلَاّلة".
(ب) ما رواه أبو داود (3787) عن ابن عمر: "نهى عن الجلَاّلة في الإبل: أنْ يركب عليها، أو يشرب من ألبانها".
(ج) ما رواه أحمد (6999)، وأبو داود (3811)، والنسائي (4447)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"نهى عن لحوم الحمر الأهلية والجلالة: عن ركوبها وأكل لحومها".
2 -
وأمَّا حبسها عن النجاسة فهناك روايات:
(أ) ما أخرجه الحاكم (2/ 46)، والدَّارقطني (4/ 283)، والبيهقي (9/ 333) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:"حتَّى تعلف أربعين ليلة".
(ب)"كان ابن عمرو إذا أراد أكلها، حبسها ثلاث ليال بأيَّامها".
3 -
الأحاديث تفيد النَّهي عن أكل لحوم الجلَاّلة، وشرب لبنها، وركوبها؛ لأنَّ لحمها، ولبنها، وعرقها، متولدات من النجاسة، فهي نجسة.
4 -
قال في شرح الإقناع: وتحرم الجلَّالة، ويحرم لبنها، وبيضها؛ لأنَّه متولدٌ عن نجاسة.
ويكره ركوبها؛ لأجل عرقها حتَّى تحبس ثلاث ليال بأيامهنَّ، وتطعم الطَّاهر، وتُمنع النجاسة، طائرًا كان أو بهيمة، فإذا تمَّت المدَّة طهرت وحلَّت.
1157 -
وَعَنْ أَبِي قتادَةَ رضي الله عنه في قِصَّةِ الحِمَارِ الْوَحْشِيِّ: "فَأَكَلَ مِنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
قال في حياة الحيوان: الحمار الوحشي يسمَّى الفَرَاء، ويعيش طويلاً، وهو من الصيد، قال في شرح الإقناع: ويجب في كلِّ واحدٍ من حمار الوحش بقرةٌ، قضى به عمر، وقال عروة ومجاهد: لأنَّها شبيهة به.
2 -
تمام حديث الباب، كما في الصحيحين عن أبي قتادة قال:"كنت يومًا جالسًا مع رجال من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكَّة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم -عام الحديبية- فأبصروا حمارًا وحشيًّا، وأنا مشغولٌ أخصف نعلي، فلم يُؤذنُوني، وأحبوا لو أنِّي أبصرته، فالتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس، فأسرجته، ثم ركبت، ونسيت السوط والرمح، فقلت: لهم ناولوني السوط والرمح، فقالوا: والله لا نعينك عليه، فغضبت، ونزلت، فأخذتهما ثم ركبت، فشددت على الحمار، فعقرته، ثمَّ جئت به، وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنَّهم شكوا في أكلهم إيَّاه -وهم حرمٌ- فرحنا وخبأت العضد معي، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه، فقال: هل معكم منه شيء؟ فقلت: نعم، فناولته العضد، فأكلها وهو محرم، وسأل هل أشار إليه إنسان منكم، أو أمره بشيءٍ؟ فقالوا: لا، قال: فأكلوه".
3 -
الحديث يدل على إباحة وجواز أكل الحمار الوحشي، وأنَّه من الصيد الطيب، وجواز أكله إجماع العلماء، قال الإِمام الشافعي: لا نعلم في حل الحمار الوحشي خلافًا، إلَاّ ما روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، وأهلُ العلم قاطبةً على خلاف قوله.
(1) البخاري (2854)، مسلم (1196).
1158 -
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: "نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الفرس: قال في الموسوعة الدينية: "حيوان ثدي، وحيد الحافر، يتبع الفصيلة الخيلية، يستعمل للركوب، والحصان العربي أرقى أنواع الخيل، يمتاز بالسرعة، وقوة الاحتمال، وخفَّة الحركة".
2 -
الحديث دليل على إباحة أكل لحم الفرس، فقد أقرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أكله، وإقراره على الشيء من سنته.
3 -
النحر: هو تذكية الإبل خاصَّة، وما عداها فهو يذبح ذبحًا، لا نحرًا، ورواية الحديث عن أسماء تقول: إنَّهم نحروه.
وقد أجاز جمهور العلماء نحو ما يذبح من الحيوان والطير، وذبح ما ينحر منها، إلَاّ أنَّ الأفضل في الإبل النحر، وفيما عداها الذبح.
* خلاف العلماء:
ذهب الإِمام مالك: إلى أنَّ أكل لحوم الخيل مكروهٌ كراهةَ تنزيهٍ.
وذهب الإِمام أبو حنيفة: إلى أنَّه يكره أكله، واستدل على كراهته بقوله تعالى:{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]؛ فالآية جاءت للامتنان، ولو أُبيح أكلها، لكان أعظم منَّة من الركوب والزينة.
والجواب: أنَّ الآية خرجت مخرج الغالب؛ لأنَّ الغالب في الخيل إنَّما هي للزينة والركوب دون الأكل.
(1) البخاري (5510)، مسلم (1942).
وذهب الإمامان: الشافعي، وأحمد إلى إباحة أكل لحومها؛ لما يأتي:
1 -
حديث الباب صحيحٌ صريح.
2 -
ما في البخاري (4219) ومسلم (1941) من حديث جابر: "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأَذِنَ في لحوم الخيل".
3 -
وفي رواية الترمذي (1793): "أطعمنا رسول الله لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر".
وحِلها هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، ومنهم ابن الزبير، وشريح، والحسن، وعطاء، وسعيد بن جبير، وحمَّاد بن زيد، والليث، وابن سيرين، وسفيان الثوري، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم من السلف، والله أعلم.
***
1159 -
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "أُكِلَ الضَّبُّ علَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- الضَّبّ: بفتح الضاد، وتشديد الباء الموحدة، جمعه ضباب وأضب، وهو حيوان من جنس الزواحف، من رتبة العظاه، غليظ الجسم، خشنه، وله ذنب عريض ذو عُقَد، يسكن في الصحاري العربية.
قال في الوسيط: "الضب حيوانٌ من جنس الزواحف، من رتبة العظاه، غليظ الجسم، خشنه، وله ذنب عريض حرش أعقد، يكثر في صحاري الأقطار العربية".
وقال في الموسوعة الميسرة: "الضب آكل عشب، يعدو بسرعة، ويتسلق بخفة".
وقال الدميري: "الضب حيوان بري، يشبه الورل، جمعه ضباب وأضب، والأنثى ضبة".
وقال ابن خالويه: "الضب: لا يشرب الماء، ويعيش سبعمائة سنة، لا تسقط له سن، وهو طويل الدم؛ فإنَّه يمكث بعد الذبح ليلة، ويُلْقَى في النَّار فيتحرَّك".
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تمام حديث الباب ما جاء في البخاري (5391) ومسلم (1946) عن ابن عباس، عن خالد بن الوليد؛ أنَّه أخبره أنَّه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
(1) البخاري (7358)، مسلم (1947).
ميمونة -وهي خالة ابن عبَّاس- فوجد عندها ضبًّا محنوذًا، قدمت به أختها حفيدة بنت الحارث من نجد، فَقَدَّمَتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهوى بيده إلى الضب، فقالت امرأة من النسوة الحضور: أَخْبِرْنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمته له، قلن: هو الضب يا رسول الله! فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فقال خالد بن الوليد: أحرامٌ الضب يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه"، قال خالد: فاجتررته فأكلته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم ينهني.
2 -
الحديث يدل على جواز أكل الضب، وأنَّه حلال، وهو من الصيد الذي يحرم قتله وصيده في الحرم والإحرام، قال في شرح الإقناع:"وفي الضب جدي قضى به عمر، والجدي الذكر من أولاد المعز، ما بلغ ستَّة أشهر".
3 -
وقال في شرح الإقناع: فيباح ضب، قال أبو سعيد:"كُلُّنا معشر أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأن يُهدى إلى أحدنا ضب أحب إليه من دجاجة".
وحِلُّ أكله هو إجماع العلماء، وقال النووي:"لا تصح كراهته عن أحد، وإنْ صحَّ فمرجوحٌ بالنصوص، وإجماع من قبله".
وكونه عافه صلى الله عليه وسلم لا ينافي كونه لا يعيب طعامًا قط، وما ذُكِر أنَّه ممسوخٌ، فقد ثبت بالأحاديث أنَّ كُلَّ ممسوخ لا عقب له.
***
1160 -
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ رضي الله عنه: "أنَّ طَبِيبًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِ الضِّفْدَع يَجْعَلُهَا في دَوَاءً؟ فنَهَى عَنْ قَتْلِهَا" أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال المصنِّف: أخرجه أحمد، والحاكم، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، وقال: هو أقوى ما ورد في النَّهي عن قتل الضفدع؛ وله شاهدٌ في الصحيح.
وقد جاء من حديث ابن عمر: "لا تقتلوا الضفدع، فإنَّ نقيقها تسبيح"، قال البيهقي: إسناده حسن، وقد صحَّحه الحاكم.
* مفردات الحديث:
- الضِّفْدَع: جمع ضفدعة، حيوان برمائي (نسبة إلى البر والماء)، ذو نقيق، ويُقال للذكر والأنثى، وجمعه ضفادع.
قال في الموسوعة: "الضفدع: حيوانٌ برمائي يوجد بالمياه العذبة الهادئة، والأحراج، أملس الجلد، أخضر اللون في الغالب، أو بني.
لبعض أنواعه إفرازات بهيجة أو سامَّة، يعيش الضفدع في جميع أنحاء العالم".
قال الدميري: "الضفدع: بكسر الضاد، وسكون الفاء، والعين المهملة، بينها دال مهملة، واحد الضفادع، والأنثى ضفدعة".
(1) أحمد (3/ 499)، الحاكم (4/ 411)، أبو داود (3871)، النسائي (7/ 210).
الضفادع أنواع كثيرة، وتتولد في المياه القاتمة الضعيفة الجري، ومن العفونات، وعقب الأمطار الغزيرة، وهي من الحيوانات التي لا عظام لها، ومنها ما يَنِق وما لا يَنِق، وتوصف بحدة السمع.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث يفيد النهي عن قتل الضفدع، والنهي يقتضي تحريم قتلها.
2 -
تحريم قتلها يفيد تحريم أكلها؛ فإنَّه لو جاز أكلها، لما حرم قتلها، وتحريم أكلها والنَّهي عن قتلها: هو إجماع العلماء.
قال البيهقي عن حديث الباب: هو أقوى ما ورد في النهي عن قتل الضفدع.
3 -
الطبيب سأل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الضفدع يجعلها في دواء؟ فنهى عن قتلها.
قال الدميري: لحوم الضفادع تغثي النفس، وتورث إسهالًا دمويًّا، فيتغير منه لون البدن، ويختلط العقل، فصلوات الله وسلامه على نبينا محمَّد.
***