المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب العقيقة مقدمة الأصل في العقيقة: الشعر الَّذي على رأس المولود، فسميت - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٧

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب العقيقة مقدمة الأصل في العقيقة: الشعر الَّذي على رأس المولود، فسميت

‌باب العقيقة

مقدمة

الأصل في العقيقة: الشعر الَّذي على رأس المولود، فسميت الذبيحة عند حلق ذلك الشعر: عقيقة، فاشتهر حتَّى صار من الأسماء العرفية، بحيث لا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلَاّ الذبيحة.

والعقيقة مستحبَّة بالسنَّة المطهرة:

قال الإِمام أحمد: والعقيقة سنَّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عقَّ عن الحسن والحسين، وفعله الصحابة والتابعون.

وقال ابن القيم: ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأنَّها سنَّة، ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله تعالى على الوالدين؛ ففيها معنى القربان، والشكران، والصدقة، والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع عند النكاح، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة منه، وهو وجود النسل، فيكون أولى، ولمَّا كانت النعمة بالذكر على الوالد أتم، والسرور والفرحة به أكمل، كان الشكران عليه أكثر بذبح شاتين له بدل شاة واحدة عن الأنثى، فإنَّه كما كانت النعمة أتمَّ، كان شكرها أكثر.

قال في شرح الإقناع: ولا يعق المولود عن نفسه إذا كبر؛ لأنَّها مشروعة في حق الأب.

واختار جمعٌ أنَّه يعق عن نفسه استحبابًا إذا لم يعق عنه أبوه.

قال الشيخ تقي الدِّين: يعق عن اليتيم من ماله كالأضحية وأولى؛ لأنَّه مرتهنٌ بها. ولا تجزىء قبل الولادة، كالكفارة قبل اليمين؛ لتقدمها على سببها.

ص: 97

1182 -

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما "أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عَن الحَسَنِ والْحُسَيْنِ كبْشًا كبْشًا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَابْنُ الجَارُودِ، وَعَبْدُ الحَقِّ، لَكِنْ رَجَّحَ أَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ (1)، وأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيْثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

فقد صحَّحه ابن خزيمة، وابن الجارود، وعبد الحق، وابن دقيق العيد، وقال في المحرر: إسناده على شرط البخاري.

وله شواهد عديدة: فقد جاء هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم: علي، وابن عباس، وجابر، وأنس، وبريدة، وعائشة رضي الله عنهم:

أمَّا حديث ابن عباس: فأخرجه أبو داود، والطحاوي، والبيهقي، وإسناده صحيح على شرط البخاري.

حديث عائشة: أخرجه الطحاوي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصحَّحه ابن السكن.

حديث بريدة: أخرجه أحمد، والنسائي، والطبراني، قال الحافظ: سنده صحيح، وهو على شرط مسلم.

حديث أنس: أخرجه الطحاوي، وابن حبان، والطبراني، ورواية أنس هذه قال الهيثمي عنها: رجالها رجال الصحيح.

(1) أبو داود (2841)، ابن الجارود (911).

(2)

ابن حبان (1061).

ص: 98

وأما حديث جابر: فأخرجه أبو يعلى، والطبراني، ورجاله ثقات، فكلهم رجال مسلم.

وأما حديث علي بن أبي طالب: فأخرجه الترمذي، وقال: حسنٌ غريب، وإسناده ليس بمتصل؛ لكن وصله الحاكم، وسكت عنه هو والذهبي، ورجاله ثقات معروفون.

والروايات تختلف فيما عقَّ به النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، فبعضها بكبش، وفي أخرى كبشان، والثاني هو الَّذي ينبغي الأخذ به.

* مفردات الحديث:

- كبشًا كبشًا: منصوبات بنزع الخافض، أو أنَّ "عق" ضمنت معنى "ذبح"، فصارا مفعولين.

- كبشًا: الكبش ذكر الضأن في أي سنٍّ كان.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

العقيقة من ذبائح القرب والعبادة، وهي شكر لله تعالى على نعمة تجدد الولد؛ من ذكر أو أنثى.

قال الإِمام أحمد: العقيقة سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد عقَّ عن الحسن وعن الحسين، وفعله أصحابه والتَّابعون.

2 -

الحديث فيه أنَّه صلى الله عليه وسلم عقَّ عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا؛ ولكن جاء نفس الحديث برواية أبي داود والنسائي: أنَّه عقَّ عنهما كبشين كبشين، وصحَّح الزيادة جماعة من العلماء، منهم: عبد الحق، وابن دقيق العيد. كما أخرج ابن حبَّان، والحاكم، والبيهقي، وابن السكن، من حديث عائشة رضي الله عنها:"أنَّه عقَّ عنهما يوم السَّابع وسمَّاهما، وأماط عنهما الأذى، وجعل بدله خلوقًا"، مخالفًا بذلك عادة الجاهلية الَّذين يضعون على رأس المولود قطنة فيها دم من دم العقيقة.

ص: 99

3 -

ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ العقيقة سنَّة مؤكدة، وأنَّها في حق الأب. وذهب الظاهرية إلى وجوبها.

أمَّا دليل الجمهور: فما أخرجه مالك، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أحبَّ منكم أنْ ينسك عن ولده، فليفعل: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة".

وأمَّا دليل الظاهرية فما سيأتي من حديث عائشة عند أحمد (24722): "أنَّه صلى الله عليه وسلم أمرهم أنْ يعقوا: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة".

4 -

قال ابن القيم: ذبح العقيقة أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأنَّها سنَّة، ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين؛ ففيها معنى القربان، والشكران، والصدقة، والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع الإطعام عند النكاح، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة منه، وهو وجود النسل أولى.

***

ص: 100

1183 -

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ أَنْ يُعَقَّ عَنِ الغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الجَارِيَةِ شَاةٌ" رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (1).

وأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالأَرْبَعَةُ عَنْ أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ نَحْوَهُ (2).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والبيهقي من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن يوسف بن ماهك، عن حفصة، عن عائشة؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يعق عن الغلام

الحديث.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وإسناده صحيح على شرط مسلم، وله طرق وشواهد:

منها: حديث عائشة أخرجه الطحاوي والبيهقي، وإسناده حسن، ورجاله ثقات، رجال الشيخين.

ومنها: حديث أم كرز الكعبية، وحديث أسماء بنت يزيد، وحديث عمرو ابن شعيب، وغيرها.

والحديث صحَّحه ابن حبان، والحاكم ووافقه الذهبي.

(1) الترمذي (1513).

(2)

أحمد (6/ 381)، أبو داود (2835)، الترمذي (1516)، النسائي (164)، ابن ماجة (3162).

ص: 101

* مفردات الحديث:

- مُكَافِئَتَانِ: بكسر الفاء، وبعدها همزة، أي: متساويتان في السنِّ والإجزاء، فلا تكون إحداهما مسنَّة، والأخرى غير مسنَّة، ويكونان ممَّا يجزىء في الأضحية.

وقال الإِمام أحمد وأبو داود: متساويتان أو متقاربتان.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

في الحديث دليلٌ على مشروعية العقيقة، وهو من أدلَّة وجوبها؛ لأنَّ الأمر يدل على الوجوب، ومذهب جمهور العلماء -ومنهم الأئمة الأربعة- أنَّها سنَّةٌ مؤكدة، وليست واجبة، ولم يرَ وجوبها إلَاّ الظاهرية.

2 -

والحديث صريحٌ في أنَّ عقيقة الغلام شاتان، وعقيقة الجارية شاةٌ واحدة.

3 -

الحكمة في تمييز الذكر عن الأنثى أنَّ العقيقة هي نسيكة شكر لله تعالى على نعمة تجدد المولود، ولما كان الذكر أعظم نعمة، وامتنانًا من الله تعالى، كان الشكر عليه أكثر، فصار له شاتان، وللجارية شاة.

قال ابن القيم: التفضيل تابع لشرف الذكر، وما ميزه الله به على الأنثى، ولما كانت النعمة به أتم، والسرور به أكمل، فكان الشكر عليه أكثر.

4 -

ويسن أنْ تكون الشاتان اللتان يعق بهما عن الغلام متكافئتين متشابهتين في السن والسمنة، فلا تكون إحداهما أكبر من الأخرى كثيرًا، وأنْ تكونا بلونٍ واحدٍ، وحجمٍ واحد.

قال في الشمائل: بأنْ تكون هذه نظير هذه، ولعلَّه للتفاؤل بتناسب أخلافه.

***

ص: 102

1184 -

وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ، وَيُسَمَّى" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالأرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث صحيح.

أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجة، وغيرهم كلهم من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة به.

قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وصحَّحه عبد الحق، وقد روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن؛ أنَّه سمع حديث العقيقة من سمرة، ولا يعرف سماع للحسن عن سمرة إلَاّ هذا الحديث.

* مفردات الحديث:

- مرتهن بعقيقته: شبَّه المولود في لزوم العقيقة عنه، وعدم انفكاكه منها، بالرهن في يد المرتهن، قال الخطابي: اختلف النَّاس في معنى هذا، وأجود ما قيل فيه: ما ذهب إليه الإِمام أحمد قال: هذا في الشفاعة إذا مات طفلاً، ولم يُعَقَّ عنه، لم يشفع في أبويه.

* ما يؤخد من الحديث:

1 -

الحديث يدل على تأكد العقيقة، وأنَّه لا ينبغي تركها مهما كانت الأحوال،

(1) أحمد (5/ 7)، أبو داود (2838)، النسائي (7/ 166)، الترمذي (1522)، ابن ماجة (3165).

ص: 103

ولذا قال الإِمام أحمد: إذا لم يكن عنده ما يعق به فاستقرض، أرجو أن يخلف الله عليه؛ فقد أحيا سنَّة.

قال ابن المنذر: صدق أحمد؛ إحياء السنن واتباعها أفضل.

وقال الشيخ تقي الدِّين: يعق عن اليتيم من ماله.

2 -

اختلف العلماء في معنى كون المولود مرتهنًا بعقيقته:

فقيل معناه: أنَّ العقيقة لازمة للمولود؛ كلزوم الرهن للمرهون يزيد الرَّاهن.

وقال الإِمام أحمد: معناه إذا مات وهو طفل لم يعق عنه فلا يشفع لأبويه؛ ويقوي هذا القول ما أخرجه البيهقي من حديث بريدة بن الحصيب قال: "إنَّ النَّاس يعرضون يوم القيامة على العقيقة، كما يعرضون على الصلوات الخمس"، وقيل غير ذلك.

والمهم أنَّ مثل هذه التشبيهات تدل على تأكيد هذه الشعيرة، وأنَّه لا ينبغي إهمالها، فمن أحياها، فقد أحيا سنَّة أمر بها النَّبي صلى الله عليه وسلم، وعمل بها.

3 -

قال في شرح الإقناع: ولا يعق غير الأب، وأمَّا عن النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، فلأَنَّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

واختار جمع أنْ يعق المولود عن نفسه استحبابًا إذا لم يعق عنه أبوه، وهو قول عطاء والحسن؛ لأنَّها مشروعةٌ عنه، ولأنَّه مرتهنٌ بها، فينبغي أنْ يشرع في فكاك نفسه.

4 -

أخرج الترمذي (2832) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه: "أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه، والعق"، والله أعلم.

انتهى كتاب الأطعمة

***

ص: 104