المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التدبير مقدمة التدبير: مصدر دبَّر العبدَ، والأمةَ تدبيرًا: إذا علق عتقه - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٧

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب التدبير مقدمة التدبير: مصدر دبَّر العبدَ، والأمةَ تدبيرًا: إذا علق عتقه

‌باب التدبير

مقدمة

التدبير: مصدر دبَّر العبدَ، والأمةَ تدبيرًا: إذا علق عتقه بموته؛ لأَنَّه يعتق دبر حياته، فالممات دبر الحياة.

واصطلاحًا: تعليق العتق بموت المعتق.

والأصل فيه: أنَّ رجلًا من الأنصار أعتق غلامًا له عن دبر، لم يكن له غلام غيره، فبلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال:"من يشتريه منِّي؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه، وقال: أنت أحوج"[رواه البخاري (6716) ومسلم (997)].

ويعتبر لعتق المدبر: خروجه من الثلث بعد الديون، ومؤن التجهيز، سواء دبَّره في الصحة أو المرض؛ لأَنَّه تبرع بعد الموت أشبه الوصية، بخلاف العتق المنجز في الصحة؛ فإنَّه لم يتعلَّق به حق الورثة، فنفذ في جميع المال؛ كالهبة المنجزة.

***

ص: 275

1248 -

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَعَانَ مُجَاهِدًا فِي سَبيلِ اللهِ، أَوْ غَارِمًا فِي عُسْرَتِهِ، أَوْ مُكَاتَبًا فِي رَقَبَتِهِ -أَظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَاّ ظِلُّهُ" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

وأصله في الصحيحين إلَاّ المكاتب.

قال في التلخيص: رواه الحاكم من حديث سهل بن حنيف بلفظ

وذكر الحديث، ورواه البيهقي عنه به.

قال المؤلف: صحَّحه الحاكم. اهـ. والذهبي في موضع سكت عنه، وفي موضع قال: بل فيه عمرو بن ثابت رافضي متروك، ورمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير، وقال المناوي: حديثه حسن، ورواه الحاكم من غير طريق عمرو بن ثابت، وسنده حسن.

* مفردات الحديث:

- غارمًا في عُسْرته: وهم المدينون، وهما قسمان:

أحدهما: غارمٌ لإصلاح ذات البين.

والثاني: غارمٌ لإصلاح نفسه.

فالأوَّل: لا تشترط عسرته، والثَّاني: لا يعطى إلَاّ إذا كان معسرًا، لا يجد سدادًا لدينه وغرامته.

(1) أحمد (3/ 487)، الحاكم (2/ 89).

ص: 276

- مكاتبًا في رقبته: المراد به الرقيق المكاتب في الَّذي لا يجد وفاء ليؤدي دين كتابته، وتحرير رقبته، فيعطى ما يفي به دين كتابته.

* ما يؤخذ من الحديث:

1 -

هذا الحديث فيه ثلاثة من فضائل الأعمال:

الأولى: من أعان مجاهدًا في سبيل الله، فإنَّ الله تعالى يظله يوم لا ظلَّ إلَاّ ظله؛ ذلك أنَّ الجهاد في سبيل الله هو رأس الأعمال الصَّالحة وذروتها، فمن أعانه على جهاده بمالٍ، أو استخلافٍ في أهله، أو غير ذلك، نال هذا الأجر العظيم في ذلك اليوم الشديد؛ قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وقد جاء في الصحيحين، من حديث زيد بن خالد الجهني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من جهَّزَ غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خَلَفَ غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا".

الثانية: مساعدة الغارم، وهو المدين الَّذي بقي بذمته غرامات، أو ديات بسبب تحمله ذلك للإصلاح بين قبيلتين، أو أهل بلدتين.

فهذان الفرعان من الغارمين من أعانهم على ضيقة الأوَّل وعسرته، وعلى مروءة الثَّاني وإصلاحه، فإنَّ الله تعالى يظله بظلِّه يوم لا ظلَّ إلَاّ ظله.

وهؤلاء الغارمون جعل الله تعالى لهم نصيبًا من الزكاة؛ فقال تعالى: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60].

وقد جاء في مسلم (2699) من حديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"مَنْ نفَّس عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

وجاء في مسند أحمد (11869) وسنن أبي داود (1641) أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ المسألة لا تحل إلَاّ لثلاثة: لذي فقرٍ مدقعٍ، أو لذي غرمٍ مفظع، أو

ص: 277

لذي دمٍ موجعٍ"؛ وهذا الَّذي أشار إليه الحديث الأخير هو الغارم لنفسه فيعطى ما يسد به دينه.

الثالثة: إعانة المكاتب على فكاك رقبته من الرق.

والرقيق: معدوم الحرية، ناقص التصرف، محبوسٌ على أعمال سيده، فإذا عَتَقَ، مَلَكَ نفسه، ورجعت إليه حريته من سجن الرِّق، وانحل من غل العبودية.

ففكاك المكاتب من أَجَلِّ الطَّاعات، وأفضل القربات، وأعظم الحسنات. قال تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177]، وقال تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البلد: 13]، وجاء في سنن الترمذي (1655) من حديث أبي هريرة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثةٌ كلهم حقٌّ على الله أنْ يعينهم: الغازي في سبيل الله، والمكاتَب الَّذي يريد الأداء، والنَّاكح المتعفِّف".

2 -

فهذه الأعمال الثلاثة عظيمة الفضل، كبيرة الأجر، ومن أعان عليها، أو على شيءٍ منها، فقد أتى بابًا كبيرًا من أبواب الإحسان.

3 -

الشَّاهد من الحديث للباب هي الخصلة الأخيرة.

والله الموفق.

انتهى كتاب العتق

***

ص: 278