الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد ذكر الله تعالى
هذه الفوائد ملَّخصة من كتاب "الوابل الصيب" لابن القيم، رحمه الله تعالي:
1 -
أنَّه يطرد الشيطان، ويقمعه، ويكسره.
2 -
أنَّه يرضي الرحمن، عز وجل.
3 -
أنَّه يزيل الهم والغم عن القلب.
4 -
أنَّه يجلب للقلب الفرح، والسرور، والنشاط، والحبور.
5 -
أنَّه يقوِّي القلب والبدن.
6 -
أنَّه ينوِّر القلب والوجه.
7 -
أنَّه يجلب الرزق.
8 -
أنَّه يكسو الذاكر الجلالة، والمهابة، والنضرة.
9 -
أنَّه يورث المحبة التي هي روح الإِسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة؛ فقد جعل الله لكل شيءٍ سببًا، وجعل سبب المحبة دوام الذكر؛ فمن أراد أن ينال محبة الله، فليلهج بذكره.
10 -
أنَّه يورث الإنابة، وهي الرجوع إلى الله، فمن أكثر الرجوع إلى الله بذكره، أورثه ذلك رجوعه بقلبه في كل أحواله، فيبقى الله عز وجل مفْزَعه، وملجأه، وملاذه، ومهربه عند النوازل والبلايا.
11 -
أنَّه يورث القُرْبَ من الله تعالى، فعلى قدر ذكره لله يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بُعْده عنه.
12 -
أنَّه يفتح له بابًا من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر، ازداد من المعرفة.
13 -
أنَّه يورث ذكر الله لعبده؛ كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152].
ولو لم يكن في الذكر إلَاّ هذه وحدها، لكفى به شرفًا وفضلاً.
14 -
أنَّه يحطُّ الخطايا ويذهبها؛ فإنَّه من أعظم الحسنات، والحسنات يُذهبن السيئات.
15 -
أنَّه يزيل الوحشة التي بين العبد وربه، وهي لا تزول إلَاّ بالذكر.
16 -
أنَّه منجاة من عذاب الله، وأنه سبب نزول السكينة وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذكر.
17 -
أنَّه سبب اشتغال اللسان عن الغِيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل، وسائر معاصي اللسان؛ فمن عوَّد لسانه ذكر الله، صان لسانه عن الباطل واللغو، ومَن يبس لسانه عن ذكر الله، ترطَّب بكل لغو وباطل وفحش، ولا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله.
وفي حديث أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه إلَاّ أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله"[رواه الترمذي (2412) وابن ماجه (3974) وقال الترمذي: هذا حديث غريب].
18 -
أنَّه أيسر العبادات، وهو مِن أجَلِّها، وأفضلها، وأكرمها على الله؛ فإنَّ حركة اللسان أخف حركات الجوارح، ولو تحرَّك عضو من أعضاء الإنسان في اليوم والليلة بقدر حركة اللسان، لَشَقَّ عليه غاية المشقة، بل لا يمكنه ذلك.
19 -
أنَّه غِرَاس الجنة؛ ففي حديث ابن مسعود يرفعه: "إنَّ الجنَّةَ طيبة التربة عذبة الماء، وإنَّها قيعان، وإنَّ غِراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلهَ إلَاّ الله، والله أكبر"[رواه الترمذي (3462) وقال: حديث حسن غريب].
وعند الترمذي (3464) من حديث جابر مرفوعًا: "من قال: سبحان الله وبحمده، غُرِست له نخلة في الجنة" وقال: حديث صحيح.
20 -
أنَّ العطاء والفضل الذي رُتِّب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال؛ كما دلت على ذلك أحاديث فضل التسبيح، والتحميد، والتهليل، وغيرها.
21 -
أنَّ دوام ذكر الرب يوجب الأمان من نسيانه الذي هو شقاء العبد في معاشه ومعاده؛ قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)} [الحشر]، فلو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلَاّ هذه الفائدة، لكفى بها.
قال في الكلم الطيب: سمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إنَّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، يعني: ذكر الله وامتلاء القلب بمحبته، والفرح والسرور به.
ففيه: ثواب عاجل، وجنة حاضرة، وعيشة مرضية، لا نسبة لعيش الملوك إليها ألبتة، وفي النسيان والإعراض عنه: هموم، وغموم، وأحزان، وضيق، وعقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنَّم حاضرة، أعاذنا الله منها.
22 -
أنَّ الإتيان بالذكر عمل يسير يأتي به العبد، وهو قاعد على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه، ولذته، ومعاشه، وقيامه، وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس في الأعمال شيء يعم الأوقات والأحوال مثله؛ حتى إنَّه يسيرٌ على العبد، وهو نائم على فراشه، فيسبق القائمَ مع الغفلة؛ وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء.
23 -
أنَّ مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس لهم في مجالس الدنيا مجلس إلَاّ هذا المجلس، وفيه حديث أبي هريرة في البخاري (6408) ومسلم (2689) وفيه:"هم القوم لا يشقى بهم جليسهم".
ومجالس الغفلة مجالس الشياطين، وكلٌّ يضاف إلى شكله وأشباهه.
24 -
أنَّ الله عز وجل يباهي ملائكته بالذاكرين؛ كما في حديث أبي سعيد
الخدري عند مسلم، وهذه المباها؛ دليلٌ على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأنَّ له مزية على غيره من الأعمال.
25 -
أنَّ جميع الأعمال إنَّما شرعت لإقامة ذكر الله؛ فالمقصود بها تحصيل ذكر الله؛ قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)} [طه:]، والأظهر: أنَّها لام التعليل، أي: لأجل ذكري.
26 -
أنَّ إدامة الذكر تنوب عن التطوُّعات، وتقوم مقامها، سواء أكانت بدنية، أو مالية، أو بدنية مالية؛ كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة وفيه:"ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى"[رواه البخاري (843) ومسلم (595)]؛ فجعل الذكر فيه عوضًا لهم عما فاتهم من الحج، والعمرة، والجهاد، والصدقة، أنهم يسبقون بهذا الذكر.
27 -
أنَّ الذكر يسهِّل الصعب، وييسِّر العسير، ويخفِّف المشاق، فقلَّما ذكر الله على صعب إلَاّ هان، ولا عسير إلَاّ تيسر، ولا مشقة إلَاّ خفت، ولا شر إلَاّ زال، ولا كربة إلَاّ انفرجت، فذكر الله هو الفرج بعد الشدة، واليُسر بعد العسر، والفرج بعد الهم أو الغم.
28 -
أنَّ الذكر يُذهب عن القلب مخاوفه، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله، حتى كأنَّ المخلوق يجدها أمانًا له، والغافل خائف مع أمنه، حتى كأنَّ ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن لَهُ أدنى حسٍّ شعر بهذا؛ فقد جُرِّب هذا.
29 -
أنَّ الذكر يعطي الذاكر قوَّة؛ حتى إنَّه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه.
قال ابن القيم: وقد شاهدت من قوَّة شيخ الإِسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه- أمرًا عجيبًا؛ فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوَّته في الحرب أمراً عظيمًا، وقد
علَّم النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ابنَتَه فاطمةَ وعليًّا التسبيح، والتكبير، والتحميد، كل واحد منها ثلاثًا وثلاثين، لمَّا شكَت إليه ما تلقى من الطحن، والسقي، والخدمة، وقال:"إنَّه خير لكما من خادم".
30 -
أنَّ في دوام الذكر في الطريق، والبيت، والحضر، والسفر، والبقاع، تكثيرَ الشهود للعبد يوم القيامة؛ قال تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)} [الزلزلة]، وفي حديث أبي هريرة يرفعه:"أخبارها: أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا"[أخرجه الترمذي (2429) وقال: الحديث حسن صحيح].
إلى غير ذلك من الفوائد.
***
1348 -
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: لَا إِللهَ إلَاّ اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، عَشْرَ مَرَّاتٍ، كانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِن وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
"لا إلله إلَاّ الله": هي نفي الإلهية عن كل ما سوى تعالى كائنًا من كان، وإثبات الإلهية لله وحده دون أحد سواه.
وهذا هو التوحيد الذي أُرْسِلَت به الرسل، ونزلت من أجله الكتب. قال الوزير: وجملة الفائدة في ذلك: أنْ تَعْلَمَ أنَّ هذه الكلمة مشتملة على الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله؛ فإنَّك لما نفيت الإلهية وأثبت الإيجاب لله سبحانه، كنتَ ممن كفر بالطاغوت، وآمن بالله.
وقد أجمع العلماء على أن من قال: لا إله إلَاّ الله، ولم يعلم معناها، ولم يعمل بمقتضاها: أنه يقاتل حتى يعمل بما دلَّت عليه من النفي والإثبات.
2 -
"وحده لا شريك له": هذا تأكيد وبيان لمضمون معنى لا إله إلَاّ الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله.
3 -
قال شيخ الإِسلام: وقد علم بالاضطرار من دين الإِسلام، واتَّفقت عليه الأمة: أنَّ أصل الإِسلام، وأول ما يؤمن به الخلق: شهادة أن لا إلله إلَاّ الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، والعدو وليًّا، والمباح دمه معصوم الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه، فقد دخل في الإيمان،
(1) البخاري (6404)، مسلم (2693).
وإن قاله بلسانه دون قلبه، فهو في ظاهر الإِسلام دون باطن الإيمان.
وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة، فهو كافر باتفاق المسلمين باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة، وأئمتها، وجماهير العلماء.
وقال الشيخ أيضًا: التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمَّن إثبات الإلهية، بأن يشهد أن لا إلله إلَاّ الله؛ فلا يعبد إلَاّ إيَّاه، ولا يتوكل إلَاّ عليه، ولا يوالي إلَاّ له، ولا يعادي إلَاّ فيه، ولا يعمل إلَاّ لأجله.
وليس المراد بالتوحيد مجرَّد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أنَّ الله وحده خلق العالم؛ كما يظن ذلك من يظنه من أهل الكلام والتصوف، ويظن هؤلاء أنَّهم إذا أثبتوا ذلك بالدليل، فقد أثبتوا غاية التوحيد؛ فإنَّ الرجل لو أقرَّ بما يستحقه الرب من الصفات، ونزهه عن كل ما ينزه عنه، وأقرَّ بأنَّه وحده خالق كل شيء، لم يكن موحدًا حتى يشهد أن لا إلله إلَاّ الله وحده.
4 -
هذه الكلمة العظيمة: إذا قالها العبد المسلم في صباحه عشر مرات، وفي مسائه عشر مرات، كما جاء في المسند (23007):"من قال إذا صلى الصبح لا إله إلَاّ الله عشر مرَّات كانت تعدل أربع رقاب، وإذا قالها بعد المغرب، فمثل ذلك" -نال هذا الأجر العظيم، وهو ثواب عِتْق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، عليه السلام.
5 -
وفي الحديث جواز استرقاق العرب الرق الشرعي.
6 -
وفي الحديث إثبات فضيلة ذوي الأنساب الرفيعة؛ كما جاء في صحيح البخاري (3374)، ومسلم (2378):"خياركم في الجاهلية خياركم في الإِسلام إذا فَقُهُوا".
7 -
وفي الحديث فضيلة هذا الذكر الذي هو أساس الإِسلام وأصله، والذي هو الباب الوحيد إلى الدخول في الإِسلام.
***
1349 -
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائه مَرَّةٍ، حُطَتْ عَنهُ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1).
ــ
* ما يؤخذ من الحديث:
- حُطَّتْ خطاياه: مبني للمجهول، يعني: وُضِعت عنه ذنوبه، ومحيت، وأزيلت، بالعفو والمغفرة.
- زَبَد البحر: بفتحتين، رغوته عند هيجانه، وهو كناية عن الكثرة.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
الحديث فيه فضل هذا الذكر المشتمل على تسبيح الله تعالى، وتنزيهه عما لا يليق به من النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات.
2 -
كما يشتمل على إثبات المحامد له تعالى في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو الحي الكامل الحياة التي لم يسبقها عدم، ولا يلحقها زوال.
3 -
فمن سبَّح الله وحمده مائة مرَّة في اليوم والليلة، نال هذا الأجر الكبير؛ وذلك بأن تحط عنه ذنوبه وخطاياه، وإن كانت كثيرة مثل زيد البحر؛ وهذا فضل عظيم، وعطاء جزيل.
4 -
العلماء يقيِّدون هذا وأمثاله بصغائر الذنوب، وأما الكبائر فيقولون: إنَّها لا يمحوها، ولا يكفرها إلَاّ التَّوبة النصوح.
أما النووي فقال: إنه إذا لم يوجد صغائر، فإنَّه يرجى أن تخفف الكبائر.
…
(1) البخاري (6405)، مسلم (2691).
1350 -
وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبعَ كلِمَاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مِنْذُ اليَوْمِ، لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَد خَلقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كلِمَاتِهِ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
ــ
* مفردات الحديث:
- بعدك: بكسر الكاف؛ لأنَّ الخطاب لجويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها ومعنى بعدك، أي: بعد خروجي من عندك.
- لو وُزِنَت: بالبناء للمفعول بصيغة الغائبة.
- لوزَنتْهُنَّ: بالبناء للمعلوم، أي: لرجحت عليهن في الوزن.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
تمام الحديث: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج من عند زوجه أم المؤمنين جويرية بنت الحارث حين صلَّى الصبح، وهي في مسجد بيتها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فيه، فقال:"ما زلتِ على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد قُلتُ بعدكِ أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلتِ، لوزنتهنَّ".
2 -
قوله: "لوزنتهن" يعني: لعدلتهن وغلبتهن؛ فهي أكثر وأرجح مما قلتِ باعتبار معنى ما قلت؛ إذ هي واقعة على أذكار كثيرة جدًّا، وشاملة لأعداد كبيرة.
3 -
قال العز بن عبد السلام عن الذي يأتي في التسبيح بلفظ يفيد عددًا كثيرًا؛
(1) مسلم (2726).
كقوله: "سبحان الله عدد خلقه"، هل يستوي أجره في ذلك، وأجر من كرر التسبيح قدر ذلك العدد؟
فأجاب: قد يكون بعض الأذكار أفضل من بعض لعمومها وشمولها، واشتمالها على جميع الأوصاف السلبية، والذاتية، والفعلية؛ فتكون السلبية من هذا النوع أفضل من الكثير من غيره.
قال ابن علان: وصريح كلام العز بن عبد السلام: أنَّ أجر التكرار إذا اتَّحد النوع أفضل، ولا إشكال فيه؛ لئلا يلزم الأوصاف، وذلك مما تأباه قواعد الشرع الشريف.
وقال الجويني: لو نذر أن يصلي مائة ألف صلاة، لا يخرج من عهدة نذره بصلاة واحدة بالحرم المكي، وإن كانت تعدلها من حيث الثواب.
ومثله سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، فلا يخرج من عهدة نذره لو قرأها ثلاث مرَّات، عن نذره قراءة القرآن كله.
4 -
قوله: "سبحان الله وبحمده" جملة جمعت بين تنزيه الله تبارك وتعالى عن النقائص والعيوب، وإثبات الكمال المطلق لله تعالى، وذلك بالإقرار بمحامده التي لا نهاية لعدها وإحصائها.
5 -
قوله: "ورضا نفسه" يعني: يسبح ويحمد الله تعالى تسبيحًا وحمدًا -لكمالهما وإخلاصه فيهما- رِضا نفس الباري تعالى؛ فإنَّه تعالى لا يرضى من الأعمال إلَاّ ما ابتغي به وجه الله تعالى.
6 -
قوله: "وزنة عرشه" يعني: سبحان الله وبحمده تسبيحًا وحمدًا لو وزن لكان بكثرته وعظمته بقدر العرش العظيم.
7 -
قوله: "ومِدَاد كلماته" يعني: وله التسبيح والتحميد بعدد كلماته التي لو جعلت البحار مدادًا، لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله تعالى وحكمته، ولو جيء بمثل البحر مدادًا، فكلامه وحكمته جلَّ وعلا لا تنفد؛ فله الحمد
والتنزيه عن كل ما يزيد عدد، وقدر هذه الأعداد الكثيرة، والعظيمة، والساحات الواسعة.
8 -
حصل الترقي من عدد الخلق إلى رضا النفس، ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات.
قال القرطبي: ذكر صلى الله عليه وسلم هذه على جهة الكثرة التي لا تنحصر فيها؛ على أنَّ الذاكر لله تعالى بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكَّن من تسبيح الله، وتحميده، وتعظيمه عددًا لا يتناهى، ولا ينحصر، لفعل ذلك، فيحصل له من الثواب ما لا يدخل في حساب.
***
1351 -
وَعنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "البَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: لَا إِلهَ إلَاّ اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَاّ بِاللهِ" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
صحَّحه ابن حبان، والحاكم في المستدرك، ووافقه الذَّهبي، والسيوطي في الجامع الصغير؛ لكن فيه درَّاج عن أبي الهيثم وهو ضعيف، لكن له شواهد عند الطبري، وذكرها السيوطي في الدر المنثور، فجعل الحديث حسنًا؛ ولذا قال الهيثمي: إسنادهُ حسن.
* مفردات الحديث:
- الباقيات الصالحات: هي الأعمال الصالحة التي لصاحبها أجرها وثوابها أبد الآباد.
- لا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله: قال أهل اللغة: الحول: الحركة والحيلة، أي: لا حركة، ولا استطاعة، ولا حيلة إلَاّ بمشيئة الله تعالى؛ فلا حول في دفع شر، ولا قوَّة في تحصيل خير، إلَاّ بالله تعالى.
…
(1) النسائي في عمل اليوم والليلة كما في التحفة (3/ 362)، ابن حبان (840)، الحاكم (1/ 512).
1352 -
وَعنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبعٌ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلهَ إلَاّ اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).
1353 -
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ قَيْسٍ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِن كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَاّ بِاللهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زَادَ النَّسَائيُّ: "لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَاّ إلَيْهِ"(2).
ــ
* درجة الحديث:
زيادة النسائي صحيحة.
قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي، وصحَّحه ابن حبان، والحاكم.
وقال الحافظ العراقي: أخرجه النسائي، وابن حبان، والحاكم، وصحَّحه من حديث أبي سعيد، والنسائي، والحاكم، من حديث أبي هريرة دون قوله:"ولا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله".
قال المنذري: رواته ثقات محتج بهم، وقال الحافظ في الفتح: سنده قوي.
* مفردات الحديث:
- كنز: يقال: كنز المال يكنزه كنزًا: جَمَعَهُ وادَّخره، والكنز: هو المال
(1) مسلم (2137).
(2)
البخاري (6384)، مسلم (2704)، النسائي في عمل اليوم والليلة (356).
المدخر، جمعُهُ: كنوز.
- لا ملجأ: يقال: لجأ يلجأ لجأً: لاذ واعتصم، فالملجأ هو مكان اللجوء.
* ما يؤخذ من الأحاديث:
1 -
قوله: "الباقيات الصالحات" يعني: الأعمال الصالحة من أعمال الخير يبقى ثوابها محفوظًا عند الله تعالى لصاحبها أبدًا، بخلاف زينة الحياة الدنيا؛ فإنَّها زائلة.
جاء هذا الحديث في مسند الإِمام أحمد، برواية أخرى، عن أبي سعيد الخدري؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"استكثروا من الباقيات الصالحات، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، ولا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله".
2 -
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله تعالى-: "الباقيات الصالحات تشمل جميع الطاعات الواجبة والمستحبة، من حقوق الله، وحقوق عباده؛ من صلاة، وزكاة، وصدقة، وصيام، وحج، وعمرة، وتسبيح، وتهليل، وقراءة، وطلب علم نافع، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصلة رحم، وبرِّ الوالِدين، وقيام بحقوق الزوجات، وجميع وجوه الإحسان إلى الخلق، كل هذا من الباقيات الصالحات، فثوابها يبقى، ويتضاعف بعد الإدبار، ويؤمَّل أجرها، ونفعها عند الحاجة
…
".
3 -
فقوله: "لا إلله إلَاّ الله، وسبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، ولا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله" نموذجٌ كريمٌ للأعمال الصالحة، ومثالٌ طيِّبٌ لأحسن ما يدخل فيها من عملٍ كريمٍ؛ لأنَّ هذه الكلمات الطيبات أحب الكلام إلى الله تعالى، "ولا حول ولا قوَّة إلَاّ باللهِ" كنز من كنوز الجنة الثمينة.
4 -
هذه الجمل الكريمة تكاثرت الأحاديث في فضلها، وجاءت الأخبار الصحيحة في ثمارها، التي منها أنَّها رضا الرحمن، وأنَّها تسبب للعبد
القرب من ربه، وأنَّ ربه يذكره في نفسه، وفي الملأ الأعلى، فيباهي ملائكته بالذاكرين، وأنَّها أفضل الذكر، وأنَّها غِراس الجنة، وهي سهلة النطق، كثيرة الأجر، عظيمة النفع.
5 -
أما معانيها: "فسبحان الله": هي تقديسه وتنزيهه عن العيوب والنواقص، وأعظم ما في ذلك: نفي الشريك له في ربوبيته، وإلاهيته، ونفي الشبيه له في أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وأما "الحمد لله": فإثبات جميع المحامد له، التي أهمها إثبات وحدانيته في إلاهيته وربوبيته، وإثبات ما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله من الصفات الذاتية والفعلية، من غير تأويل لها، ولا تحريف، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه، وإنما نثبت حقيقة الصفة له، وندع علم كيفيتها إليه تعالى.
وأما "لا إلله إلَاّ الله": فهي الكلمة العظيمة التي هي مفتاح الإِسلام وبابه، وهي عنوانه، وعلامته، وشارتُهُ، وهي الكلمة التي تنفي كل العبادة عن جميع المخلوقات، وتثبتها لله وحده لا شريك له؛ فلا معبود بحق سوى الله تعالى.
وأما "الله أكبر": فهي تثبت استحقاق الله وحده لصفات الجلال والعظمة والكبرياء.
6 -
قوله: "لا يضرك بأيهنَّ بدأت": فهذا دليل على جواز البداءة بأية جملة منهنَّ؛ لكن بالنظر إلى معاني هذه الجمل، فلعلَّه يحسن أن يقدِّم الذاكر:"سبحان الله"؛ لأنَّه تنزيه الله عن النقائص؛ فهو تخلية.
ثم "الحمد لله"؛ فهذا تحلية بعد تخلية، وهو إثبات المحامد، بعد التخلية من النقص.
ثم "لا إله إلَاّ الله"؛ فهذه نفي للمشاركة في المحامد الثابتة لله تعالى.
ثم "الله أكبر" فهو بعد التنزيه، وإثبات المحامد، ونفي الشريك:
يستحق الإجلال، والإكبار، والتعظيم.
7 -
أما "لا حول ولا قوَّة إلَاّ بالله": فهي أنَّ العبد يتبرأ من كل حول، ومن كل قوَّة، ومن أي استطاعة، إلَاّ أن يكون المعين هو الله عز وجل؛ فهو صاحب الحول الكامل، وصاحب الطَّوْل والقوَّة.
وهذه الجملة الكريمة تثبت أنَّ للعبد إرادةً وقدرة حقيقتين، وفعلاً حقيقةً يفعل بها ما يشاء، ولكنها إرادة ومشيئة لا تخرج عن إرادة الله تعالى ومشيئته؛ فالله يطلب من عبده العمل الصالح، والعبد يريده ويعلمه، ويسأل الله الإعانة عليه، ويتبرأ من حوله وقوَّته وحده، ويضيفها إلى الله تعالى.
***