الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل حول أسماء الله تعالى وصفاته من كتاب "بدائع الفوائد" لابن القيم رحمه الله تعالى
وقد يكون في بعض فقراته تكرار مع ما تقدَّم:
أوَّلا: ما يجري صفة أو خبرًا على الرب تبارك وتعالى أقسام:
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات؛ كقولك: ذات، وموجود، وشيء.
الثاني: ما يرجع إلى صفات معنوية؛ كالعليم، والقدير، والسميع.
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله؛ كالخالق، والرازق.
الرَّابع: ما يرجع إلى التنزيه المحض؛ كالقدوس، والسَّلام، ولابُدَّ في هذا من تضمنه ثبوتًا؛ إذ لا كمال في العلم المحض.
الخامس: الاسم الدَّال على جملة أوصاف عديدة، نحو المجيد، والعظيم، والصمد:
فإنَّ المجيد: هو من اتصف بصفاتٍ متعددة من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا.
ومثله العظيم: فهو من اتصف بصفاتٍ كثيرةٍ من صفات الكمال.
وكذلك الصمد: فإنَّه الَّذي كمل في سؤدده، فهو الَّذي يصمد إليه النَّاس في حوائجهم وأمورهم.
ثانيًا: ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع ممَّا يدخل في باب أسمائه وصفاته؛ كالشيء، والموجود، والقائم بنفسه؛ فإنَّه يُخْبِرُ به عنه، ولكنَّه لا يدخل في أسمائه الحسنى، وصفاته العلى.
ثالثًا: لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدًا أنْ يشتق منه اسم مطلق؛ كما غلط فيه بعض المتأخرين، فجعل من أسمائه الحسنى "المضل"، و"الفاتن"، "الماكر"، تعالى الله عن قوله؛ فإنَّ هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلَاّ أفعال مخصوصة معيَّنة؛ فلا يجوز أنْ يسمَّى بأسمائها المطلقة.
رابعًا: أنَّ الاسم من أسمائه له دلالاتٌ:
(أ) دلالة على الذَّات، والصفة؛ فهذه المطابقة.
(ب) ودلالةٌ على أحدهما، فهي بالتضمن.
(ج) ودلالة على الصفة الأخرى؛ فهي باللزوم.
خامسًا: أسماء الله تعالى الحسنى هي أعلامٌ، وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية.
سادسًا: أسماؤه الحسنى لها اعتباران: اعتبارٌ من حيث الذَّات، واعتبارٌ من حيث الصفات، فهي بالاعتبار الأوَّل مترادفة، وبالاعتبار الثاني متباينة.
سابعًا: أنَّ ما يطلق عليه تعالى من باب الأسماء والصفات فهو توقيفي.
وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أنْ يكون توقيفيًّا، كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه.
ثامنًا: أنَّ الاسم إذا أُطلق عليه، فإنه يجوز أنْ يشتق منه المصدر، والفعل، فيخبر عنه به فعلًا، أو مصدرًا؛ نحو السميع، والبصير، والقدير، يطلق عليه السمع، والبصر، والقدرة، ويخبر عنه بالأفعال من نحو {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: 1] و {فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23].
تاسعًا: أسماؤه تعالى كلها حسنى ليس فيها اسم غير ذلك أصلًا؛ فإنَّ من
أسمائه ما يطلق عليه باعتبار الفعل؛ نحو الخالق، والرَّازق، وهذا يدل على أنَّ أفعاله كلها خيرٌ محض، لا شرَّ فيها؛ لأنَّه لو فعل الشر لاشتُقَّ منه اسم، ولم تكن كلها حسنى، فالشر ليس إليه، فلا يضاف إليه، لا فعلًا، ولا وصفًا، وإنَّما يدخل في مفعولاته، وفرقٌ بين الفعل والمفعول، فالشر قائمٌ بمفعوله المباين له، لا بفعله الَّذي هو فعله.
فتأمَّل هذا فإنه قد خفي على كثيرٍ من المتكلمين، وزلَّت فيه أقدام، وضلَّت فيه أفهام، وهدى الله أهل الحق لما اختلفوا فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم.
عاشرًا: أسماء الله الحسنى لا تدخل تحت حصر، ولا تحد بعدد؛ فإنَّ لله تعالى أسماءً وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده، لا يعلمها ملكٌ مقرَّبٌ، ولا نبيٌّ مرسل؛ كما في الحديث الصحيح:"أو استأثرت به في علم الغيب عندك"[رواه أحمد (3704)]. أي: انفردت بعلمه.
ومن هذا قول النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشَّفاعة: "فيفتح الله عليَّ من محامده بما لا أحسنه الآن"[رواه البخاري (4435) ومسلم (194)].
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"[رواه مسلم (486)].
حادي عشر: أنَّ أسماء الله تعالى منها: ما يطلق عليه مفردًا، ويكون -أيضًا- مقترنًا بغيرها، وهذا هو غالب الأسماء، كالقدير، والسميع، والبصير، والعزيز، والحكيم، فهذا يسوغ أنْ يدعى به مفردًا أو مقترنًا بغيره.
ومنها: ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقرونًا بمقابله؛ كالمانع، والضار، والمنتقم، فهذا لا يجوز أنْ يفرد عن مقابله، فتقول: المعطي المانع، الضار النَّافع، المنتقم العفو، المعز المذل؛ لأنَّ الكمال في اقتران كل اسمٍ من هذه بما يقابله، لأنَّه يراد به أنَّه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم،
عطاءً ومنعًا، ونفعًا وضرًّا، وعفوًا وانتقامًا، وأمَّا أن تثني عليه بمجرَّد المنع والانتقام فلا يسوغ، فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الاسم الواحد، وإنْ تعددت لم تطلق إلَاّ مقترنة.
ثاني عشر: أنَّ من أسمائه تعالى الحسنى ما يكون دالًّا على عدَّة صفات، ويكون الاسم متناولاً لجميعها؛ كالعظيم، والمجيد، والصمد.
فالعظيم: الَّذي قد كمل في عظمته، والصمد: الَّذي كمل في سؤدده، وهذا ممَّا يخفى على كثيرٍ ممَّن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى، ففسَّر الاسم بدون معناه الكامل، ونقصه من حيث لا يعلم.
فمن لم يحط بهذا علمًا، بخس الاسم الأعظم حقه، وهضمه معناه، فتدبره.
ثالث عشر: إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصلٌ للعلم بكلِّ معلوم، فإنَّ المعلومات إمَّا أنْ تكون خلقًا له، أو أمرًا، فهي إمَّا علم بما كونه، أو علَّم بما شرعه، فالخلق والأمر مرتبطان بالأسماء الحسنى ارتباط المقتضى بمقتضيه؛ لذا صار العلم بها أصلًا لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي فقد أحصى جميع العلوم؛ لأنَّ المعلومات هي مقتضاها، ومرتبطةٌ بها، وتأمَّل صدور الخلق والأمر عن علمه، وحكمته تعالى؛ فإنَّك لا تجد فيها خللًا ولا تفاوتًا؛ لأنَّ الخلل الواقع فيما يأمر به العبد، أو يفعله؛ إمَّا أنْ يكون لجهله به، أو لعدم حكمته.
وأمَّا الرب فهو العلم الحكيم، فلا يلحق فعله ولا أمره خللٌ ولا تفاوت.
رَّابع عشر: وهي الجامعة لما تقدم.
وذلك معرفة الإلحاد في أسماء الله تعالى حتَّى لا يقع المسلم فيه؛ قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)} [الأعراف].
والإلحاد في أسمائه: هو العدول بها، وبحقائقها، ومعانيها، عن الحقِّ الثَّابت لها، وهو مأخوذٌ من الميل؛ كما يدل عليه مادته.
والإلحاد في أسمائه تعالى أنواع:
أحدها: أنْ تسمى الأصنام بها؛ كتسميتهم اللات من الله، والعزَّى من العزيز.
الثاني: نسبته تعالى إلى ما لا يليق بجلاله؛ كنسبة النصارى له ابنًا، ونسبة الفلاسفة له موجبًا بذاته، أو علَّة فاعلة بالطبع.
الثالث: وصفه بما يتعالى عنه ويتقدَّس من النقائص؛ كقول أخبث اليهود: إنَّه فقير، وقولهم:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: 64].
الرَّابع: تعطيل الأسماء عن معانيها، وجحد حقائقها؛ كقول الجهمية وأتباعهم: إنَّها ألفاظ مجرَّدة، لا تتضمن صفات، ولا معاني، فيقولون: هو السميع، والبصير، ولا سمع، ولا بصر، وهذا من أعظم الإلحاد عقلًا وشرعًا. فكل من جحد شيئًا ممَّا وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله، فقد ألحد في ذلك.
الخامس: تشبيه صفاته بصفات خلقه؛ فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة؛ فإنَّ أولئك نفوا صفات كماله، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد، وتفرقت بهم طرقه، وبرَّأ الله أتباع رسوله عن ذلك، فلم يصفوه إلَاّ بما وصف به نفسه، ولم يجحدوا صفاته، ولم يشبهوها بصفات خلقه، فكان إثباتهم بريئًا من التشبيه، وتنزيههم خاليًا من التعطيل.
وبعد: فهذه قواعد عليك بمعرفتها ومراعاتها، ثمَّ اشرح الأسماء الحسنى إنْ وجدت قلبًا عاقلاً، وإلا فالسكوت أولى بك، فجناب الربوبية أجل ممَّا يخطر بالبال، أو يعبر عنه المقال، والله أعلم.
***
1193 -
وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صُنعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ الله خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ في الثَّنَاءِ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (1).
ــ
* درجة الحديث:
الحديث حسن.
قال الألباني: قال في الفردوس للديلمي: رواه الترمذي، والنسائي، وابن حبان، عن أُسامة بن زيد، ورمز له السيوطي بالصحة.
قال الترمذي في جامعه: حسنٌ صحيح غريب.
وقد صحَّحه الترمذي وابن حبان، وقال المناوي: إسناده صحيح.
وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه الطبراني في الدعاء، وفيه يوسف بن عبيدة، وهو ضعيف.
* ما يؤخذ من الحديث:
1 -
فاعل المعروف ابتداءً له فضل ومنَّة على المسدى إليه ذلك المعروف، سواءٌ أكان معروفا ماديًّا، أو معنويًّا؛ لأنَّ الابتداء بالإحسان يدل على نفسٍ كريمةٍ لصاحبه، ومحبَّةٍ للخير والإحسان.
2 -
فمِن حسن الأدب، وكمال المروءة، وطيب المقابلة: أنْ يكافئه المحسَنُ إليه على إحسانه ومعروفه، وأنْ لا يهمله ويتركه؛ فإنَّه من الجفاء، وبلادة الطبع.
3 -
إذا لم يجد المحسَنُ إليه من الأشياء المادية ما يكافىء بها المحسِنَ، فليَدْعُ
(1) الترمذي (2035)، ابن حبان (3404).
له، وليشكُرْهُ، ومن أفضل ألفاظ الدعاء والشكر قوله:"جزاك الله خيرًا" فإنَّ هذا أبلغ الثناء؛ ذلك أنَّ الجزاء إذا كان من الله تعالى كان عظيمًا؛ فإنَّ جزاء الله وعطاءه لا نهاية له، ولفظ "الخير" كلمة طيبة تشمل خيري الدنيا والآخرة.
4 -
وإذا كان مكافأة المخلوق المحسن مستحبة وجميلة، وهو ليس له من المعروف والإحسان إلَاّ أنَّه سبب، وإنَّما المعطي هو الله تعالى، فكيف يكون وجوب شكر المنعم الأوَّل، وصاحبِ النعم العظمى والهبات الكبرى، الَّذي لا ينقطع مدده، ولا يتوقف إحسانه.
فالواجب أنْ يكون دائم الشكر لله تعالى على إحسانه وامتنانه؛ قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)} [إبراهيم: 7]، والمراد هنا كفر النعم وجحدها، بعدم أداء الشكر فيها، اعتقادًا، وقولًا، وعملًا، والله الموفق.
***