المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الذكر مقدمة قال أبو حامد الغزالي: ليس بعد تلاوة كتاب الله - توضيح الأحكام من بلوغ المرام - جـ ٧

[عبد الله البسام]

الفصل: ‌ ‌باب الذكر مقدمة قال أبو حامد الغزالي: ليس بعد تلاوة كتاب الله

‌باب الذكر

مقدمة

قال أبو حامد الغزالي: ليس بعد تلاوة كتاب الله عز وجل عبادة تؤدِّى باللسان أفضل من ذكر الله تعالى، ويدل على فضل الذكر: قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]؛ {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ} [العنكبوت: 45].

وقال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت شفتاه بي"[رواه أحمد (10585) وإسناده صحيح].

وقال ابن القيم في مدارج السالكين: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} : منزلة الذكر، وهي منزلة القوم، والذكر عبودية القلب واللسان، وهي غير مؤقتة، بل هم يأمرون بذكر معبودهم، ومحبوبهم، في كل حال.

والذكر جلاء القلوب وصقالها، وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده، ما لم يغفله العبد بغفلته، وهو روح الأعمال، فإذا خمل العبد عن الذكر، كان كالجسد الذي لا روح فيه.

والذكر ثلاثة أنواع:

ذكر يتواطأ عليه القلب واللسان وهو أعلاه، وذكر بالقلب وحده وهو بالدرجة الثانية، وذكر باللسان المجرد وهو بالدرجة الثالثة.

وأنواع الذكر ثلاثة ثناء، ودعاء، ورعاية، والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة؛ فإنَّها متضمنة للثناء على الله، والتعرض للدعاء، ومتضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، وفيها تعليم القلب مناجاة الرب؛ تعلُّقًا، وتضرعًا، واستعطافًا، وغير ذلك من أنواع المناجاة.

ص: 520

1344 -

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهَ صلى الله عليه وسلم: "يقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَني، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ" أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا (1).

ــ

* درجة الحديث:

صحيح الإسناد.

صحَّحه ابن حبان، وذكره البخاري تعليقًا؛ كما قال المؤلف.

قال البوصيري في زوائد ابن ماجه: في إسناده محمد بن مصعب القرقساني، قال فيه صالح بن محمَّد: ضعيف، لكن رواه ابن حبان في صحيحه من طريق أيوب بن سويد، وهو ضعيف، وذكره المنذري في الترغيب، وسكت عنه.

والحديث هو معنى الحديث الذي في البخاري (7405) ومسلم (2675) عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفس، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".

وله شاهد، قال الحافظ العراقي: أخرجه الحاكم (1/ 673)، من حديث أبي الدرداء، وقال: صحيح الإسناد.

(1) ابن ماجه (3792)، ابن حبان (815)، البخاري (13/ 499/ فتح).

ص: 521

1345 -

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلاً أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ، مِنْ ذِكْرِ الله" أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

قال الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف، والطبراني من حديث معاذ، بإسنادٍ حسن.

وكذلك حسَّنه المصنِّف هنا.

وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.

* مفردات الحديث:

- أنجى: نجا من كذا ينجو نجاءً ونجاةً: خلص، والمراد هنا: أنَّ ذكر الله تعالى منجٍ ومخلِّص من عذابه.

(1) ابن أبي شيبة (10/ 300)، الطبراني في الكبير (20/ 166).

ص: 522

1346 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللهَ فِيهِ، إلَاّ حَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَه" أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (1).

ــ

* مفردات الحديث:

- حفَّتْهُمُ الملائكة: يقال: حَفَّ القومُ بالبيت: طافوا به، والمراد: أحدقت بهم الملائكة، واستدارت عليهم.

- غشِيَتْهُم الرَّحمة: من التغشي بالثوب، ومعناه: غطتهم، وجللتهم الرحمة، وسترتهم.

(1) مسلم (2700).

ص: 523

1347 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلَاّ كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ القِيَامَةِ" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وقَالَ: حَسَنٌ (1).

ــ

* درجة الحديث:

الحديث حسن.

صحَّحه الحاكم، ووافقه الذَّهبي.

وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي، وقال: حسن.

وقال الحافظ العراقي: أخرجه الترمذي، وحسَّنه من حديث أبي هريرة.

وللحديث طريقان عن أبي هريرة عند أحمد، وابن حبان، ورجالهما رجال الصحيح.

* مفردات الحديث:

- حَسْرة: يقال: حسر عليه: تلهف وأسف، فالحسرة هي: شدة التلهف، والتأسف، والحزن على ما فرط فيه.

* ما يؤخذ من الأحاديث:

1 -

هذه الأحاديث الشريفة كلها في بيان فضل ذكر الله تعالى:

فإنَّ الحديث رقم (1344) يدل على أنَّ الله تعالى مع عبده بالعون والتسديد والتوفيق، ما دام عبده يذكره في قلبه، ويعلم قربه منه، ومراقبته إيَّاه، واستماعه لذكره، وقربه من مناجاته، وما دامت شفتاه تنطقان بذكره،

(1) الترمذي (3380).

ص: 524

وترفَّان بتمجيده.

2 -

وأما الحديث رقم (1345) فإنَّه يدل على أنَّ أنجى عمل ينجي العبد من عذاب الله هو ذكر الله تعالى؛ فإنَّه وقاية تامة، وحصن حصين من العذاب يوم القيامة، فملازمة ذكر الله تعالى أمان من عذاب الله، وحرز من غضبه ونقمته.

3 -

وأما الحديث رقم (1346) فيدل على فضل مجالس الذكر، وأنَّها المجالس التي تحفها الملائكة وتحضرها، رضًا بها، ومحبةً لأهلها، وليخبروا ربهم عنها، وهو أعلم بها منهم، ويذكُرهم الله تعالى فيمن عنده في الملأ الأعلى، فيباهي بهم ملائكته، ويُشْهدهم على أنَّه غفر لعباده، وأعطاهم سؤالهم من مرضاته، وأنجاهم مما حذروا منه من عذابه، وأعطاهم ما أمَّلوه من جنته.

4 -

وأما الحديث رقم (1347) فإنَّه يدل على ندامة وخسارة القوم الذين يقعدون مقعدًا، ثم يقومون منه، ولم يجر على قلوبهم ولا على ألسنتهم ذكر الله تعالى، ولا ذكر رسوله والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ هذه المجالس الخالية من ذكر الله، والصلاة والسلام على رسوله محمَّد صلى الله عليه وسلم، ستكون عليهم حسرة يوم القيامة؛ لأنَّهم خسروه، ولم يستفيدوا منه.

هذا إن كان مجلسًا مباحًا لم تجر فيه غِيبةٌ، ولا سَبٌّ، ولا شتمٌّ، ولم يُؤتَ فيه بألفاظ محرَّمة.

وأما إن كان مجلس شرٍّ ولهو، فهي الطامَّة الكبرى على أهله.

5 -

معية الله تعالى مع خلقه نوعان: عامة وخاصة:

فأما المعية العامة: فهي التي بمعنى الإحاطة، والاطلاع، والمراقبة، والعلم، وهذه هي المعية التي مع جميع خلقه.

وأما المعية الخاصة: فهي التي بمعنى النصر، والحفظ، والإعانة؛ وهذه معية خاصة بعباده المؤمنين.

ص: 525

6 -

ومذهب أهل السنة والجماعة: أنَّ معيَّة الله تعالى لا تقتضي أن يكون الله تعالى حالاًّ في أمكنة من هو معهم، ولا أنَّه مختلط بهم؛ فهذا معنى باطل يذهب إليه الحلولية.

فأهل السنة يرون أنَّه تعالى: عالٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، له العلوُّ الكامل: علو الذات، وعلو الصفة، وعلو القدر، ولا تكاد تحصر أدلة هذه المسألة.

7 -

أنَّ أفضل الذكر هو ما نطق به اللسان، واستحضره القلب، وإلَاّ فيكون ذكر في القلب فقط، أو في اللسان فقط، ولكن هذا هو أفضلها.

8 -

إنَّ ذكر الله تعالى من أقوى الأسباب في النجاة من عذاب الله.

9 -

يدل الحديث (1345) على أنَّ أفعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها، أنَّها كلها واقعة بإرادتهم وقدرتهم، وأنَّهم لم يُجبروا عليها، بل هم الذين فعلوها بما خلق الله لهم من القدرة، والإرادة، والأعضاء.

وأنَّ الأمور كلها واقعة بقضاء الله وقدره، فلا يخرج شيء عن مشيئته، وإرادته، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

وأنَّه لا منافاة بين الأمرين، فالحوادث كلها بمشيئة الله وإرادته، والعباد هم القائمون بأفعالهم المختارون لها.

10 -

ويدل الحديث رقم (1346) على أنَّ الملائكة يطوفون في الأرض لسماع القرآن، وحضور مجالس الذكر، وإعلام ربهم عن ذلك لحكمته، وإلَاّ فهو أعلم منهم بخلقه، وأنّهم يحفُّون مجالس الخير، وحِلَقَ العلم، وبيوتَ الله تعالى.

11 -

ويدل الحديث على فرح الله تعالى بطاعة خلقه له، وعبادتهم إيَّاه، مع غناه عنهم وعن عباداتهم، ولكنه يرضى ذلك لعباده؛ لكمال فضله ورحمته بعباده، وتحقيق حكمته من خلق عباده.

ص: 526

12 -

ويدل الحديث رقم: (1347) على فضل ذكر الله تعالى، وفضل الصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ المجلس الذي يفقد ذلك، فهو مجلس مشؤوم على أهله، وبالٌ عليهم.

13 -

ويدل على حفظ الوقت والحرص عليه، وعدم إضاعته فيما لا ينفع ولا يفيد، وأنَّ الواجب هو المحافظة عليه، وأن لا يمر إلَاّ بحصول فائدة وإيداعها فيه، وأنَّ أفضل ما تنفق فيه الأوقات، ويصرف فيه هو ذكر الله تعالى، وأنَّ مِنْ ذكر الله: مجالسَ العلم، وتعلَّمَ أحكام الله تعالى من أصول الدين وفروعه.

***

ص: 527