الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
في أقوام يكونون بالمسجد، فإذا حَضَرتِ الصلاةُ قاموا، فيُدْعَون للصلاةِ فيَأبوْا
(1)
، فيقالُ لهم: مَن لا يُصلِّي ما هو مسلم، فيقولون: كل من نَطق بالشهادتين هو مسلم.
فبينوا لنا حُكْمَ هؤلاءِ وما يَجِبُ عليهم، ومنهم من لا يصلي إلاّ من العيد إلى العيد، ومنهم من لا يصلِّي أبدًا.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، من تركَ الصلاةَ غَيْرَ مُقِرٍّ بوجوبها عليه - وهو من أهل الوجوب - فإنه كافر باتفاق الأئمة وإن كان مقرًّا بالشهادتين، وهذا يُستَتاب، َ فإن تابَ وإلَاّ قُتِلَ كافرًا مرتدًّا باتفاق الأئمة. وإن كان ممن لا يَعرِفَ الوجوبَ لحِدْثَانِ عهدِه بالإسلام أو إنشائِه بمكانِ جهلٍ فإنه يُعرَّفُ الوجوب، فإن أقرَّ به وإلاّ قُتِل كافرًا.
و
الصلاة واجبة على كل عاقلٍ بالغ إلاّ الحائض والنفَسَاء
، تجب على الحرِّ والعبد، الذكر والأنثى، والمقيم والمسافر، والآمِن
(1)
كذا في الأصل.
والخائف، والصحيح والمريض، وأهل الأحوال وأهل خوارقِ العادات ذوي المكاشفات والتأثيرات وغيرِ أهل خوارقِ العادات، وأهل حضورِ القلب مع الله وأهل المعرفة والحقائق، وغير هؤلاء، والمتولهين الذين لهم عقل يُميِّزون وغير المتولهين، لا تَسْقُط عن العبدِ مع حضورِ عقلِه بسببٍ من هذه الأسباب.
وأما من كان مجنونًا فإنه لا صلاةَ عليه حالَ جنونه، ولا قضاءَ عليه بعد الإفاقة، وإن قَصُرَ زمنُ الجنونِ عند جماهير العلماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"رُفِعَ القلمُ عن المجنونِ حتى يُفِيْقَ، وعن الصبيِّ حتى يَحتلمَ، وعن النائم حتى يستيقظَ"
(1)
. والمجانين منهم من يكون مع جنونه له نصيبٌ من الإيمان أو الكشف ونحوه، وقد يُسمَّى هؤلاء عقلاءَ المجانين، وقد يُسمَّون المولَّهِين، فهؤلاء إذا كانوا مجانين كانوا كما قال فيهم بعض أهل العلم: هم قومٌ أعطاهم الله عقولاً وأحوالاً، سَلَبَ عقولَهم وأبقَى أحوالَهم، فأسَقَطَ ما فَرَضَ بما سَلَبَ.
وأما من كان عاقلاً فلا تَسقُط عنه الصلاةُ، وإن له من الأحوال والمعارف وخوارِق العادات ما عَسَى أن يكونَ، بل إذا لم يُقِرَّ بوجوب الصلاة عليه فإنه يُسْتَتابُ، فإن تابَ وإلاّ قُتِل. وكذلك من قَرَّره على ذلك واعتقدَ أنَّ الصلاةَ لا تجب على مثل هؤلاءِ لِحصولِ
(1)
أخرجه أحمد (6/ 100،101،144) وأبو داود (4398) والنسائي (6/ 156) وابن ماجه (2041) عن عائشة. وله شاهد من حديث علي، أخرجه أحمد (1/ 116،118،140) وأبو داود (4403) والترمذي (1423) من طرقٍ عن علي.
مقصود الصلاة لهم ونحو ذلك، فإنه من اعتقد ذلك يُستتاب، فإن تابَ وإلاّ قُتِل. ومن كان نائمًا فإنه يَقْضِي الصلاةَ إذا استيقظَ. وهذا كلُّه لا نِزاعَ فيه بين المسلمين.
وأما من أُغمِيَ عليه لمرضٍ أو خوفٍ أو حالٍ وَرَدَ عليه من خشيةِ الله تعالى أو استماع القرآن ونحو ذلك، فهذا قيل: يَجِبُ عليه القضاء مطلقًا، وهو مذهب أحمد ويُروَى عن عمار بن ياسر، وقيل: لا قضاءَ عليه وهو مذهب الشافعي، وقيل: يَقْضِي صلاةَ يوم وليلةٍ، كمذهب أبي حنيفة ومالك.
وإن زالَ عقلُه بسبب محرم، كالسُّكْرِ بالخمر والحشيشة وأكل البَنْجِ ونحو ذلك، أو بحال محرَّم مثل أن يستمعَ القصائد المنهيَّ عنها فيغيب عقلُه، فهذا عليه القضاءُ بلا نزاع، وإذا كان السبب محصورًا لا يكون
(1)
السكرانُ معذورًا.
وأما أن أقر الواحدُ من هؤلاء بوجوب الصلاة وامتنع من فعلِها فهذا أيضًا يُستَتاب، فإن تابَ وإلاّ قُتِل عند جماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد، ويُقتَل في ظاهرِ مذهبهم بترك صلاةٍ واحدةٍ، فإذا مَضَى مِن وقتِ صلاة الفجر قيل له: صَلِّ، فإن لم يُصَلِّ حلَّ دمُه ولو طار في الهواء ومشى على الماء، فإن الدَّجال يأمُر السماءَ فتُمطِر والأرضَ فتُنبتُ، ويَسْتَتْبعُ معه الكنوزَ، ومع هذا فهو كافرٌ من خلق الله، يَقتُله المَسيحُ بن مريمَ على بابِ الشَّرْقيّ. ولكن لا يُقتَل
(1)
في الأصل: "يكن".
حتى يستتاب. وهل هذه الاستتابة واجبة أو مستحبة هي موَقتة ثلاثة أيام؟ هذا فيه نزاع معروف.
وإذا قُتِلَ فهل يُقتَل كافرًا مرتدًا لا يُدفَن في مقابر المسلمين ولا يُغسل ولا يُصلى عليه، أو يُقتَل فاسقًا كقتلِ قاطع الطريق والزاني إذا كان مُقِرا بوجوبها؟ على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد.
وكلامُ أكثرِ السلف يدلُّ على تكفيره، وقد رجحه كثير من أصحاب أحمد وبعضُ أصحاب مالك والشافعي. وقد ثبتَ في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس بين العبد وبين الشرك إلاّ تركُ الصلاة"
(1)
، وقال:"العهدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمن تركَها فقد كفر"
(2)
.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحابُ محمد لا يَرَون شيئًا من الأعمال تركه كفرًا إلاّ الصلاة. وقال عمر بن الخطاب لما قيل: الصلاة، فقال لا حظَّ في الإسلام لمن تركَ الصلاة، ولم يَقُل ثلاثة أيام.
وسُئل ابن مسعود وغيره عن قوله (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ)
(3)
، فقال: إضاعتُها تأخيرها عن وقتها، فقالوا: ما كنا نَحسب ذلك إلا تركَها، فقال: لو تركوها لكانوا كفَّارًا، وقد قال سبحانه وتعالى:(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5))
(4)
. وإذا كان هذا الوعيد لمن نَسِيَها عن وقتها فكيف بمن تركها؟
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سورة مريم: 59.
(4)
سورة الماعون: 4 - 5.