المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تارك الصلاة شر من السارق والزاني باتفاق العلماء - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ نماذج من الأصول الخطية

- ‌مسائل من الفتاوى المصرية

- ‌ اعترافُ العبدِ بظلمِ نفسِه ليس من خصائص الصدِّيقين

- ‌هذا بابٌ دخلَ فيه الشيطانُ على خلق كثير

- ‌ لا يخلو أحدٌ عن ترك بعضِ الحقوق أو تعدِّي بعضِ الحدود

- ‌ أجناسَ الأعمال ثلاثةٌ:

- ‌الصدِّيقون يجوز عليهم جميعُ الذنوب

- ‌منزلةُ الصديقِ والفاروقِ

- ‌ ظلم النفس أنواعٌ مختلفة ودرجات متفاوتة

- ‌الشكوى إلى الله لا تُنافِي الصبر

- ‌ فسادُ استدلال الجهمي من وجوه:

- ‌ الجمعُ بين حديثِ أنسٍ وهذه الأحاديث من وجهين:

- ‌ من ظنَ أن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع المعتدل جعلَ ظهرَ كفَّيْه إلى السماء فقد أخطأ

- ‌ تاركُ الصلاة يجبُ أن يُستتابَ، فإن تابَ وإلا عُوقِبَ

- ‌إن أصَرَّتْ على تركِ الصلاةِ فعليه أن يُطَلِّقها

- ‌ مَن بَلَغَ من الرجال والنساءِ فالصلاة فريضة عليه

- ‌الصلاة واجبة على كل عاقلٍ بالغ إلاّ الحائض والنفَسَاء

- ‌ إذا قيل عنه إنه تاركُ الصلاة وكان تاركَها فهذا جائز

- ‌ يُستَحبُّ لأهل العلم والدين أن يَدَعُوا الصلاةَ عليه عقوبةً ونكالاً لأمثالِه

- ‌ هو مأمور باتفاق المسلمين أن يُصلِّي مع الجماعة

- ‌الصلاةُ في الجماعة من أوكدِ ما شرعَه الله ورسولُه

- ‌ تاركَ الصلاة شرٌّ من السارق والزاني باتفاق العلماء

- ‌ الوقوفُ بالميتِ ليقرأَ القُرّاءُ مما يُنْهَى عنه

- ‌القراءةُ على الجنازة بدعة مكروهة

- ‌ القبور ثلاثة أقسام:

- ‌منها: ما هو حقّ لا ريبَ فيه

- ‌القبورُ المختلَفُ فيها كثيرة

- ‌ ينبغي أن يُسعَى في خروج الجنين من فَرْجها

- ‌ الصدقةُ عن الميتِ أفضلُ من عمل ختمةٍ

- ‌الاستئجارُ على نفس التلاوة غيرُ جائز

- ‌ يُجزِئُها غسلُ الميت عن الأمرين

- ‌ يجوزُ تغسيلُه

- ‌يجوز أن يُصلِّي على الميت إذا كان يَحفظُ الفاتحة والصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للميت

- ‌تجوز الصلاة عليه، ويُصلَّى على قبرِه إلى شهر

- ‌ الأنبياءُ أحياء في قبورهم، وقد يُصلُّون

- ‌ لا يجوز أن يُدفَن أحدٌ في المسجد

- ‌أما اكتراءُ قوم يقرأون القرآنَ ويُهْدُون ذلكَ للميتِ فهذه بدعةٌ

- ‌ يُكرَه دفُن اثنين في قبرٍ واحدٍ إلاّ لحاجةٍ

- ‌ غِسْلُه طاهر عند جماهير العلماء

- ‌من ظنَّ أن إعداد القبر وبناءه وتعظيمَه وتحسينَه ينفعُه فقد تمنَّى على الله الأماني الكاذبةَ

- ‌ ليس لأهل الذمة دَفْنُ موتاهم في شيء من مقابرٍ المسلمين

- ‌أما إدريس فقد رُوِي أنه ماتَ في السماء

- ‌ ذهب إليه طائفة من المتأخرين

- ‌الدعاء مشروع من الأدنى للأعلى، ومن الأعلى للأدنى

- ‌ليس فيها ما يُعتمَد عليها في إثبات الأحكام الشرعية

- ‌ كل مخلوق فهو محتاج إلى الله مفتقر إليه

- ‌على العبد أن يلاحظ التوحيد والإنعام

- ‌من شبه الله بخلقه فقد كفر

- ‌الناس في هذه المسألة طرفانِ ووسطٌ:

- ‌لا يجب على أحدٍ أن يتَّبع واحدًا بعينه في كلّ ما يقوله

- ‌مسائل وردت من الصلت

- ‌مسائل متفرقة

- ‌ مسألة الضمان

- ‌رسالة في الرد على بعض أتباعِ سعد الدين ابن حمويه

- ‌ الثانيقوله: "يحقِّقوا أن الحقَّ كان ولم يكن معه شيء، هو في كان كأنه يتجلى لنفسِه بوحدتِه الذاتية عالمًا بنفسه وبما يَصدُر منه

- ‌ الله لا يَعرِض نفسَه على شيء، ولا يتجلى لكل شيء

- ‌ مذهب المسلمين وسائر أهل الملل

الفصل: ‌ تارك الصلاة شر من السارق والزاني باتفاق العلماء

وإذا عَلِمَ الرجلُ أن المخطوبة لا تصلي كان تزوُّجُه أشَرَّ مما إذا علِمَ أنها قَحْبةٌ أو سارقةٌ أو شاربةُ خمر، فإن‌

‌ تاركَ الصلاة شرٌّ من السارق والزاني باتفاق العلماء

، إذْ تاركُ الصلاة سواءٌ كان رجلاً أو امرأةً يَجِبُ قتلُه عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد، والسارقُ لا يَجبُ قتله، ولا يَجبُ قتلُ الزانية التي لم تُحصن باتفاق العلماء، وإنَ كانت بكرًا بالغًا عند أبوَيها وهي لا تصلي كانت شرًّا من أن تكون قد زَنَتْ عندَهم أو سَرَقَتْ، وإذا كان الناسُ كلُّهم يُنكِرون أن يتزوَّجَ الرجلُ بسارقةٍ أو زانيةٍ أو شاربةِ خمر ونحو ذلك فيجبُ أن يكون إنكارُهم لِتزوُّجِ من لا تصلِّي أعظمَ وأعظمَ باتفاق الأئمة. فإنّ التي لا تصلي شرٌّ من الزانية والسارقة وشاربة الخمر.

وليس لقائل أن يقول: فالمسلمُ يَجوزُ له أن يتزوَّجَ اليهوديةَ والنصرانيةَ، فكيف بهذه؟ لأنَّ اليهودية والنصرانية تُقَرُّ على دينها، فلا تُقْتَل ولا تُضْرَب، وأما تاركُ الصلاة والسارق والشارب والزاني فلا يقر على ذلك، بل يُعاقَب إما بالقتلِ وإما بالقطع وإما بالجَلْد، وإن كان عقابُه في الآخرة أخف من عقاب الكافر، لكن لا يجوز لغيره أن يُقِرَّه على فسقِه، فمن أقرَّ فاسقًا على فسقِه ولم ينكر عليه كان عاصيًا آثمًا، ومن أقر ذميًا على دينه لم يكن آثمًا ولا عاصيًا، وقد قال تعالى:(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)

(1)

أي النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، والنساء الطيبات للرجال الطيبين،

(1)

سورة النور: 26.

ص: 142

والخبيثة هي الفاجرة، فهي للرجل الخبيث الفاجر.

والخُبْثُ إنْ قيلَ المرادُ به الزنا دل على أن تزوجَ الزانيةِ لا يجوزُ حتى تتوب، وهو أصحُّ قولَي العلماء، لقوله تعالى:(وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)

(1)

، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى رجلاً أن يتزوَّج امرأة كان يزني بها اسمها عَنَاق

(2)

، وأنزَل الله هذه الآية في ذلك، ولهذا كان المتزوجُ بها مذمومًا عند عامةِ العقلاء، حتى يقال: شَتَمَهُ بالزين والقاف، أي قال له: يا زوجَ القَحْبَة. والحديثُ الذي يُروَى في الرجل الذي قال: إن امرأتي لا تَردُّ كف لامسٍ، قد ضعَّفُوه

(3)

، ولا شكَّ أنَّ الزانيةَ يُخافُ منها إفسادُ الفراش، وهو من هذا الوجه شرٌّ من غيرها، بخلاف مَن كان فسقُها بغير ذلك، ولهذا يقال: ما بَغَتِ امرأةُ نبى قط، لكن عقوبةَ المرأة التي تَترك الصلاةَ أعظمُ من عقوبةِ بعض البغايا فالمتزوجُ بها يكون قد أقر في بيته من المنكرات أعظمَ من أن يُقِر عنده أختَه الزانية وبنتَه الزانية.

وأما انفساخ النكاح بمجرد التركِ فلا يُحكَم بذلك، لكن إذا

(1)

سورة النور: 3.

(2)

أخرجه أبو داود (2051) والترمذي (3177) والنسائي (6/ 54) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. قال الترمذي: حسن غريب. وصححه الحاكم (2/ 166).

(3)

أخرجه أبو داود (2049) والنسائي (6/ 67، 169، 170) عن ابن عباس.

قال النسائي: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي.

ص: 143

دُعِيَتْ إلى الصلاة وامتنعتْ انفسخَ نكاحُها في أحد قولَي العلماء، وفي الآخر لا ينفسخ، لكن على الرجل أن يقومَ بما يَجبُ عليه.

وليس كلُّ من وجبَ عليه أن يطلِّقَها ينفسخُ نكاحُها بلَا فعله، بل يقال له: مرْها بالصلاة وإلاّ فَارِقْها، فإن كان عاجزًا عن ذلك لِثِقَلِ صَداقِها كان مُسِيْئًا بتزوجه مَن لا تُصلِّي على هذا الوجه، فيتوبُ إلى الله من ذلك، ويَنوِيَ أنه إذا قَدَرَ على أكثر من ذلك فَعَلَه، والله أعلم.

ص: 144

مسألة

فيمن لا يُصلِّي هل تُجَابُ دعوتُه إذا دعَا أحدًا؟

الجواب

أما من لا يصلي فلا ينبغي أن يُسلَّم عليه، ولا تُجاب دعوتُه، بل هو مستحق للقتل، فإذا هُجِرَ فلم يُسَلم عليه ولم تُجَبْ دعوتُه كان ذلك أخفَّ ما يُعاقَبُ به.

مسألة

في رجل ذُكِرَ له الصلاةُ، فقال: قال الله: (لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ)

(1)

، فقيل له: اقرأ بقيةَ الآية، فقال: كلمةٌ تكفي العاقلَ، وهو يَضحكُ، فما يَجِبُ عليه؟

الجواب

هذا الرجلُ مُستهزئ بآياتِ الله، يُستَتاب، فإن تَابَ وإلا قُتِلَ.

(1)

سورة النساء: 43.

ص: 145

مسألة

في الميت وخروجه على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل المرور بالميت بالمقربين، وخروج النساء صحبة الميت، وخروجهم إلى القبر اليومَ الثالث، ومَن يصنع موضع غسل الميت خبزا وماء وسراجا إلى ثلاثة أيام، والقراءة على القبر ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث نسق القبر بأيديهم، والضرب بالدفوف والشبابات، هل يُكْرَه ذلك أم لا؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، كان الميتُ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يَخرُج به الرجال، يَحملونه إلى المقبرة ويُسرِعون به وعليهم السكينة، لا يخرج معهم النساءُ، ولا يَرفعُ الرجالُ أصواتَهم لا بقراءةٍ ولا غيرها. وهذه هي السنة باتفاق علماء المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم، لا يستحبون أن يكون مع الميت شيءٌ من الأصوات المرتفعة ولو كانت بالقراءة.

قال قيس بن عُبادة -وهو من كبار التابعين الذين صحبوا عليَّ بن أبي طالب-: كانوا يَستحبُّون خَفْضَ الصوت عند الجنائز وعند الذكر وعند التحامِ الحربِ. وذكروا أن عبد الله بن عمر سمعَ رجلاً

ص: 146

في جنازة يقول: استغفروا لفلان، فقال عبد الله بن عمر: لا غفر اللهُ للأبعد، قال ذلك نهيًا له عن هذه البدعة. وقال سعيد بن المسيب لما احتُضِرَ: إيايَ وحادِثكُم هذا الذي تَرَحموا على سعيد، استغفرُوا لسعيد.

وفي السنن

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يتبع الجنازة بصوت أو نار. وفي الصحيحين

(2)

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أَسْرِعُوا بالجنازة، فإن كانت صالحةً فخيرٌ تُعجلونها إليه، وإن كانت غير ذلك فشرٌّ تضعونَه عن رقابكم". وفي السنن

(3)

: "أسرِعوا بالجنازة ولا تَدِبوا بها دَبِيْبَ اليهود". والآثار في ذلك متعددة.

وخروج النساء في الجنائز منهي عنه، لا سيما إذا كان النساء يَنُحْنَ أو يَضْرِبن خدودَهن ويرفعن أصواتَهن، فإن هذا نزاع بلا ريب، سواء فَعلتْه مع الجنازة أو في حال غَيْبَتِها، لكنه معها بحضور الرجال أشدُّ. وفي الصحيحين

(4)

عن أتم عطية قالت: نُهِينا عن اتباع الجنائز. وفي السنن

(5)

أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نسوةً مع جنازةٍ، فقال لهن:"هل تَحمِلْنَ مع مَن يَحمِلْن؟ " قلن: لا، قال: "هل تَحْفِرن

(1)

أخرجه أبو داود (3171) وأحمد (2/ 528، 531) عن أبي هريرة.

(2)

البخاري (1315) ومسلم (944) عن أبي هريرة.

(3)

بل أخرجه أحمد (2/ 363) عن أبي هريرة.

(4)

البخاري (1278) ومسلم (938).

(5)

أخرجه ابن ماجه (1578) والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 77) عن علي.

وهو حديث ضعيف، انظر "الضعيفة" للألباني (2742).

ص: 147

مع من يَحفِرن؟ " قلن: لا، قال: "هل تُدلِيْن مع من يُدْلِي؟ " قلن: لا، قال: "فارجعنَ مأزورات غيرَ مأجورات، فإنكن تَفتِنَّ الحيَّ وتُؤذِينَ الميتَ". ومعنى قوله:"تُؤذِينَ الميت" أي بالنياحة، فإنه قد ثبتَ عنه في الصحيح أنه قال:"مَن نِيْحَ عليه يُعذَّبُ بما نِيْحَ عليه".

وقد بسطنا الكلام على هذا الحديث في غير هذا الموضع

(1)

، وبيَّنّا أن ما يَحصُل للألم بنياحة الحيِّ ليس عقوبة له على ذنب غيره، بل النائحةُ تُعاقَب على نياحتها، كما ثبت في صحيح مَسلم

(2)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن النائحةَ إذا لم تَتُبْ قبل موتها فإنها تُلبَسُ يومَ القيامة دِرْعًا من جَرَب وسِربالاً من قَطِران".

فالميت ما يَحملُ وِزْرَ النائحة، بل يَحصُل له بنياحتها من الألم الذي يتعذب به ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وليس كلُّ ألم يَحصُل للإنسان بسبب من الأسباب يكون عقوبةً عليه، وفي الصحيحين

(3)

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس منا من لَطَمَ الخدودَ وشقَّ الجيوبَ ودعا بدعوى الجاهليةِ". فقد تَبرَّأ ممن لَطَم الخدود وشقَّ الجيوب، والجيبُ هو طوقُ الثوب، كما يَفعَلُه بعضُ المُصَابين حين يَشُق ثيابَه. والدعاء بدعوى الجاهلية مثل أن يقول: يا رُكْنَاه! يا عضداه! يا ناصراه!

ونحو ذلك، وهذا هو الندب، لأنه يَندُب الميتَ، أي يدعوه، والميت لا يُجيب دعاءَه، ولا منفعةَ في هذا الندب لا للحيّ وللميت،

(1)

انظر مجموع الفتاوى (24/ 369 - 372).

(2)

برقم (934) عن أبي مالك الأشعري.

(3)

البخاري (1297، 1298، 1294، 3519) ومسلم (103) عن ابن مسعود.

ص: 148

بل فيه ضرر عليهما، فإنه قد ثبت أن عبد الله بن رواحة أُغميَ عليه، فجعلتْ أختُه تندُبُ عليه، فلما أَفَاق قال: ما قلتِ فيَّ شيء إلاّ قيل لي: أنتَ كذلك؟ أنتَ كذاك؟

(1)

.

وفي الصحيحين

(2)

عنه صلى الله عليه وسلم أنه تبرَّأ من الحالقة والصالقة والشاقة. فالحالقة التي تَحلِق شعرَها عند المصيبة، والصالقة التي تَرفع صوتَها بالمصيبة، والشاقةُ التي تشق ثيابَها عند المصيبة.

والأحاديث في ذلك كثيرة، حتى قال جرير بن عبد الله البجلي: كنا نَعُدُّ الاجتماعَ إلى أهل الميت وصُنْعَهم الطعام من النياحة، رواه أحمد

(3)

أي إذا اجتمعَ الناس وصَنَع أهلُ الميت للناس وليمةً، فهذا من عمل الجاهلية، وإنما السنة أن يُصنَعَ لأهل الميتِ طعامٌ لاشتغالِهم بمصيبتهم، كما قالَ النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه نَعِيُّ جعفر:"اصنعَوا لآلِ جعفر طعامًا، فقد أتاهم ما يَشْغَلهم"

(4)

.

وعملُ العرسِ للميت من أعظمِ البدع المنكرات، وكذلك الضرب بالدفوف في الجنائز على وجه النياحةَ منكرٌ باتفاق العلماء، لم يرخّصْ أحدٌ من أهل العلم في ضرب الدفوف في الجنائز والموت،

(1)

سبق تخريجه.

(2)

البخاري (1296) ومسلم (104) عن أبي موسى الأشعري.

(3)

2/ 204. ورواه أيضًا ابن ماجه (1612)، وصححه النووي في المجموع (5/ 320).

(4)

أخرجه أحمد (1/ 205) وأبو داود (3132) والترمذي (998) وابن ماجه (1610) عن عبد الله بن جعفر.

ص: 149

فكيف بالشبابات؟ وإنما يُضْربُ بالدَّفّ في عُرسِ النكاح ونحوه، كما جاءت به السنةُ، مع أن بعض السلف كره ذلك مطلقًا، لكن الصحيح أنه يُفَرقُ بين الضرب به في الموت أو في الفرح، وكان دَفهم ليس له صَلاصِلُ، ولهذا تنازعَ العلماء في الدف المصلصل على قولين. وأما الشبابة فلم يُرخّص فيها أحد من الأئمة الأربعة لا في عرس ولا موت.

وكذلك ما يفعله بعض المُصَابين من كشف الرءوس ونَشْر الشُّعور، ولُبْسِ المسوح، ونَبْذِ الأواني والبُسُط، أو كَسْرِ بعض ذلك، أو هَلْب الخيل، أو تقليب سُرُوجها، أو تقليب الكيات التي على رءوس أتباعه، أو وضع التين في دارِه، وما أشبهَ هذه الأمور، فكل ذلك من المنكرات التي هي من جنس عمل أهل الجاهلية. وكذلك وضعُ الفواكه والمشمومات عنده، أو إلباسُ الميتةِ حُلِيها أو جميلَ ثيابها كما يُصنَع بالمرأة العروس، ونحو ذلك كله من المنكرات التي هي من جنس عمل الجاهلية، وكذلك وضعُ طعام وشراب في مُغتسلِهِ أو إِيقادُ ضوءِ في مُغتَسَلِه كل ذلك من البدع المنكرة التي لا أصل لها، وكذلك شق تراب قبره بعد ثلاثٍ، بل الاختلافُ إلى قبره صبيحةَ موته أو ثالثه وسابعهُ ورأسَ شهرِه ورأسَ حوله هو أيضًا من البدع التي لم يكن يُفعل عهدَ النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائِه، وإنما قال عمرو بن العاص لما احْتُضِرَ: اجلسُوا عند قبري قدرَ ما يُنْحَر جَزُور ويُقسم لحمُها، أَستأنِسُ بكم وأَنظُر ماذا أراجِعُ به رُسُلَ ربي.

ص: 150

وأما الصدقة عن الميت فإنها تنفعه، كما ثبت ذلك بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق أئمة المسلمين، ففي الصحيح

(1)

أنه قال سعد: يا رسول الله! إنّ أمي افْتُلِتَتْ نفسُها، وأراها لو تكلمتْ لتصدقتْ، فهل ينفعها إن أتصدق عنها؟ قال:"نعم"، وأما إخراجُ الصدقة مع الجنازةِ فبدعة مكروهةٌ، وهو يشبه الذبح عند القبر، وهذا مما نَهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في السنن

(2)

عنه أنه نهى عن العَقْر عند القبر. وتفسيرُ ذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا مات فيهم كبيرٌ عَقَروا عند قبره ناقة أو بقرة أو شاة أو نحو ذلك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، حتى نص بعضُ الأئمة على كراهةِ الأكل منها، لأنه يُشبهُ الذبحَ لغير الله. قال بعض العلماء: وفي معنى ذلك ما يفعلُه بعضُ الناس من إخراجِ الصدقات مع الجنازة من غنم أو خبز أو غير ذلك، وهذا فيه عدةُ مفاسدَ:

منها: أن مُشَيعي الجنازة تَشتغِلُ قلوبُهم بذلك.

الثاني: أنه يتبعُ الميتَ من ليس له غرض إلاّ في أخذِ ذلك.

الثالث: أنهم يختصمون عليها.

الرابع: أنه يأخذها الغالبُ غيرَ مستحق ويُحرَمُ المستحق.

(1)

البخاري (1388، 2760) ومسلم (1004) عن عائشة.

(2)

أخرج أبو داود (3222) والنسائي (4/ 16) وأحمد (3/ 197) عن أنصر مرفوعًا: "لا عَقرَ في الإسلام"، قال عبد الرزاق: كانوا يَعقِرون عند القبر، يعني ببقرةِ أو بشيء.

ص: 151

الخامس: أنه قد يكون على الميتِ دَينٌ أو في ورثتِه صغارٌ.

السادس: أنها تُصنَع رياءً.

فمن أحبَّ أن ينفعَ ميّتَه بصدقةٍ عنه فليتصدقْ بما يسَّره الله تعالى على من يثيبه الله بالصدقة عليه، فإن الصدقةَ إذا وصلتْ إلى المستحقّ الذي ينتفع بها محمولةً إليه كان أعظمَ للأجر والثواب، وكان في ذلك اتباعٌ للسنة والتخلصُ من البدعة.

ص: 152