المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مسائل متفرقة - جامع المسائل - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌ نماذج من الأصول الخطية

- ‌مسائل من الفتاوى المصرية

- ‌ اعترافُ العبدِ بظلمِ نفسِه ليس من خصائص الصدِّيقين

- ‌هذا بابٌ دخلَ فيه الشيطانُ على خلق كثير

- ‌ لا يخلو أحدٌ عن ترك بعضِ الحقوق أو تعدِّي بعضِ الحدود

- ‌ أجناسَ الأعمال ثلاثةٌ:

- ‌الصدِّيقون يجوز عليهم جميعُ الذنوب

- ‌منزلةُ الصديقِ والفاروقِ

- ‌ ظلم النفس أنواعٌ مختلفة ودرجات متفاوتة

- ‌الشكوى إلى الله لا تُنافِي الصبر

- ‌ فسادُ استدلال الجهمي من وجوه:

- ‌ الجمعُ بين حديثِ أنسٍ وهذه الأحاديث من وجهين:

- ‌ من ظنَ أن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع المعتدل جعلَ ظهرَ كفَّيْه إلى السماء فقد أخطأ

- ‌ تاركُ الصلاة يجبُ أن يُستتابَ، فإن تابَ وإلا عُوقِبَ

- ‌إن أصَرَّتْ على تركِ الصلاةِ فعليه أن يُطَلِّقها

- ‌ مَن بَلَغَ من الرجال والنساءِ فالصلاة فريضة عليه

- ‌الصلاة واجبة على كل عاقلٍ بالغ إلاّ الحائض والنفَسَاء

- ‌ إذا قيل عنه إنه تاركُ الصلاة وكان تاركَها فهذا جائز

- ‌ يُستَحبُّ لأهل العلم والدين أن يَدَعُوا الصلاةَ عليه عقوبةً ونكالاً لأمثالِه

- ‌ هو مأمور باتفاق المسلمين أن يُصلِّي مع الجماعة

- ‌الصلاةُ في الجماعة من أوكدِ ما شرعَه الله ورسولُه

- ‌ تاركَ الصلاة شرٌّ من السارق والزاني باتفاق العلماء

- ‌ الوقوفُ بالميتِ ليقرأَ القُرّاءُ مما يُنْهَى عنه

- ‌القراءةُ على الجنازة بدعة مكروهة

- ‌ القبور ثلاثة أقسام:

- ‌منها: ما هو حقّ لا ريبَ فيه

- ‌القبورُ المختلَفُ فيها كثيرة

- ‌ ينبغي أن يُسعَى في خروج الجنين من فَرْجها

- ‌ الصدقةُ عن الميتِ أفضلُ من عمل ختمةٍ

- ‌الاستئجارُ على نفس التلاوة غيرُ جائز

- ‌ يُجزِئُها غسلُ الميت عن الأمرين

- ‌ يجوزُ تغسيلُه

- ‌يجوز أن يُصلِّي على الميت إذا كان يَحفظُ الفاتحة والصلاةَ على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للميت

- ‌تجوز الصلاة عليه، ويُصلَّى على قبرِه إلى شهر

- ‌ الأنبياءُ أحياء في قبورهم، وقد يُصلُّون

- ‌ لا يجوز أن يُدفَن أحدٌ في المسجد

- ‌أما اكتراءُ قوم يقرأون القرآنَ ويُهْدُون ذلكَ للميتِ فهذه بدعةٌ

- ‌ يُكرَه دفُن اثنين في قبرٍ واحدٍ إلاّ لحاجةٍ

- ‌ غِسْلُه طاهر عند جماهير العلماء

- ‌من ظنَّ أن إعداد القبر وبناءه وتعظيمَه وتحسينَه ينفعُه فقد تمنَّى على الله الأماني الكاذبةَ

- ‌ ليس لأهل الذمة دَفْنُ موتاهم في شيء من مقابرٍ المسلمين

- ‌أما إدريس فقد رُوِي أنه ماتَ في السماء

- ‌ ذهب إليه طائفة من المتأخرين

- ‌الدعاء مشروع من الأدنى للأعلى، ومن الأعلى للأدنى

- ‌ليس فيها ما يُعتمَد عليها في إثبات الأحكام الشرعية

- ‌ كل مخلوق فهو محتاج إلى الله مفتقر إليه

- ‌على العبد أن يلاحظ التوحيد والإنعام

- ‌من شبه الله بخلقه فقد كفر

- ‌الناس في هذه المسألة طرفانِ ووسطٌ:

- ‌لا يجب على أحدٍ أن يتَّبع واحدًا بعينه في كلّ ما يقوله

- ‌مسائل وردت من الصلت

- ‌مسائل متفرقة

- ‌ مسألة الضمان

- ‌رسالة في الرد على بعض أتباعِ سعد الدين ابن حمويه

- ‌ الثانيقوله: "يحقِّقوا أن الحقَّ كان ولم يكن معه شيء، هو في كان كأنه يتجلى لنفسِه بوحدتِه الذاتية عالمًا بنفسه وبما يَصدُر منه

- ‌ الله لا يَعرِض نفسَه على شيء، ولا يتجلى لكل شيء

- ‌ مذهب المسلمين وسائر أهل الملل

الفصل: ‌ ‌مسائل متفرقة

‌مسائل متفرقة

ص: 347

مسألة

ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- في مسجد بيت المقدس وقد جُعِل فيه أئمة، كلّ منهم يصلّي في موضع منه، فهل إذا صلّى أحدٌ منهم في وقتِ صلاةِ الآخر هل يدخل في النهي فيُكْرَه له ذلك أم لا؟ وهل هذا بدعة مكروه أم لا؟ وأيُّ الأئمة أحق بالصلاة بلا كراهة؟ وهل تَبطُل صلاةُ الإمام الذي صلَّى بعد إقامة الصلاة لإمام غيره أو نُكرَه؟ وهل يصح قول من قال: إن كلَّ بُنْيةٍ فيه لما اختُصَّتْ بإمامٍ صارت كالمسجد المستقلّ؟

فأجاب الشيخ تقي الدين وقال:

الحمد لله، صلاة إمامين في وقتٍ واحدٍ في المسجد الأقصى أو غيره من المساجد بدعة، لم يكن السلف يفعلونها، وفيها تفريقُ الجماعات وتقليلُها، والسنةُ اتحاد الجماعة وكثرتُها، ولو كان مثلُ هذا مشروعًا لكان يُشرَعُ في صلاة الخوف أن يُصلًيَ بالناس عدَّةُ أئمة، لكن السنة جاءتْ بصلاتهم خلفَ إمامٍ واحدٍ، مع ما في ذلك من مخالفة الأصول، مثل مفارقة الإمام قبل السلام، والعمل الكثير في الصلاة، واستدبار القبلة، وقضاء المسبوق قبل سلامِ إمامِه،

ص: 349

وتخلُّف الصفّ الثاني عن متابعة الإمام. فهذا كلُّه جاءت به السنة ليصلُّوا جميعًا خلفَ إمامٍ واحد.

والعلماء قد تنازعوا في المسجد الذي له إمام راتبٌ هل يُصلِّي فيه جماعةً من فاتته الجماعةُ، أو يُفرَّق بين المساجد التي ينتابها الناس وغيرها، أو بين المساجد العظام وغيرِها، أو بين المساجد الثلاثة وغيرها، على النزاع المشهور بين الأئمة، لأنه لم يكن يرتّب في المسجد إلاّ إمام واحد، وفي هذه الأزمنة قد ترتّب في المسجد عدة أئمة، وإذا فعل ذلك فالذي ينبغي أن يُصلّيَ واحدٌ بعد واحدٍ، ليكون من فاتته الصلاة مع الأول صلّى مع الثاني، ولأنّ إقامة جماعة بعد الجماعة الراتبة مما ذهب إليه كثير من العلماء، وجاءت به السنة في مواضع الحاجة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن فاتته الصلاة:"إلاّ رجل يتصدَّق على هذا فيصلي معه"

(1)

. ولأن أنس بن مالك أتى المسجدَ وقد صلَّى فيه الناسُ، فأقامَ الصلاةَ وصلَّى فيه جماعةً أخرى

(2)

.

فأما إمامةُ اثنين في وقتٍ واحدٍ في مسجدٍ واحدٍ فهذا لا يُعرَفُ أحدٌ من السلف فعله، وكلُّ ما كان أقربَ إلى السنة وأبعدَ عن البدعة فهو أولى بالاتباع. والذي أحدثَ الصلاةَ مع غيره هو أحق بالنهي ممن كان يُصلّي وحدَه. والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد (3/ 5، 45، 64، 85) وأبو داود (574) والترمذي (220) وابن خزيمة (1632) عن أبي سعيد الخدري.

(2)

ذكره البخاري (2/ 131) تعليقًا. قال الحافظ في "الفتح": وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان، وأخرجه ابن أبي شيبة من طرقٍ عن الجعد.

ص: 350

وسئل الشيخ -رحمة الله عليه-

عن رجل يشتري القمحَ في زمان الصيف من الجند وغيرهم، فإن ذلك الوقت يرى الجند الشِّرَى من عندهم صدقة مما عليهم من الديون وقلة الطالب للقمح، ثم يخزنه المشتري إلى زمان الشتاء، فيطلب فيه ما رزقه الله من الفائدة، فيُمسِك يَدَه عن بيعه حتى يكثر طالبه. فهل هذا محتكرٌ أم لا؟ ولابدَّ أن يُرى في قلبه حبٌّ للغلاء، فهل يأثمُ بذلك أم لا؟ وهل تركُ ذلك خيرٌ أم لا؟

وعن رجل رأى في المنام أنه يجامع، ولم تُدرِكْه اللذة الكبرى والإنزال إلاّ بعد أن استيقظ، فهل يفسد صومه أم لا؟

أفتونا مأجورين.

فأجاب رضي الله عنه عن ذلك وقال:

الحمد لله. أما ما ذكر من اشتراء القمح وخَزْنه فتركُه خيرٌ من فعلِه، فإنه يُورِثُه محبته ارتفاعَ السعر، وأن يجمع المال من عموم المسلمين. قال أحمد: إن مالاً جُمع من عموم المسلمين لمالُ سوءٍ. ولكن هذا عند طائفةٍ من العلماء إذا كان من البلاد الكثيرة القمح الرخيصة السعر إذا لم يضرّ ذلك أهلَها لا يَحرُم، بخلاف ما إذا كان شراؤه وخَزْنه يضرّ أهلَ المكان، فإنّ هذا احتكار محرَّمٌ،

ص: 351

كما ثبت في صحيح مسلم

(1)

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَحتكِرُ إلاّ خاطئٌ". ومن قال بتحريم هذا الاحتكار أخذَ بعموم هذا الحديث، وقولُه متوجِّه.

وأما إذا رأى في منامه أنه يجامع ولم يُنزِل حتى استيقظ، فخرج منه الماء بغير اختياره، فإن هذا لا يفطر كما لا يفطر إذا أنزلَ في منامِه، لأن الماء خرج منه بغير اختياره. وإذا خرج منه المنيُّ بغير سعيٍ منه ولا عملٍ لم يُفطِر، كما لو ذَرَعَه القيءُ فخرج منه القيء بغير اختياره فإنه لا يفطر، وإنما يُفطِر من استمنَى واستقاءَ. ولهذا لو غلبَه الفكرُ حتى أنزل لم يَفسُدْ صومُه باتفاق الأئمة، بخلاف ما إذا استدعى الفكرَ حتى أنزلَ، ففي فساد صومِه قولان للعلماء: أحدهما يفسد، وهو مذهب مالك وأحمد في أحد القولين، اختاره أبو حفص وابن عقيل. والآخر لا يفطر، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والقولُ الآخر من مذهب أحمد، اختاره القاضي أبو يعلى وطائفة.

وأما إذا كرّر النظر حتى أنزل، فإنه يفسد صومه في مذهب مالك وأحمد، بخلاف مذهب أبي حنيفة والشافعي، فإنهما لا يريان الفطرَ إلاّ أن يُنزِل بمباشرةٍ كالقُبلة ونحوها. والله تعالى أعلم.

(1)

برقم (1605) عن معمر بن عبد الله.

ص: 352

مسألة

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين -رضي الله تعالى عنهمٍ أجمعين- في سورة الأنعام: هل أنزلتْ على النبي صلى الله عليه وسلم جملةً واحدة أم آياتٍ متفرقةً متتابعةً؟ وقد وُجد في كتاب "الوسيط في تفسير القرآن العظيم"

(1)

لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي: أخبرنا أبو سعيد

(2)

محمد بن علي الخفاف، حدثنا أبو عمر

(3)

محمد بن جعفر ابن مطر، ثنا إبراهيم بن شريك الأسدي، ثنا أحمد بن يونس، أنبأنا سلام بن سليم المدائني، أنبانا هارون بن كثير عن زيد بن أسلم عن أبيه أعن أبي أمامة، عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُنزِلتْ عليَّ سورةُ الأنعام جملةً واحدةً، وتَبعَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، لهم زَجَلٌ بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليَل". أفتونا مأجورين.

فأجاب الشيخ أحمد بن تيمية

رضي الله عنه وعن سائر العلماء-

الحمد لله. قد ذُكِر عن طائفةٍ من السلف أنها نزلتْ جملةً واحدةً

(4)

، وذكره الإمام أحمد بإسناده عن جماعة، ولكن الإسناد

(1)

2/ 250.

(2)

في الوسيط: "أبو سعد".

(3)

في الوسيط: "أبو عمرو".

(4)

انظر تفسير ابن كثير (2/ 126).

ص: 353

المذكور عن النبي صلى الله عليه وسلم موضوع. وبكل حالٍ فلا تُقرأ في شهر رمضان إلاّ كما تُقرأ في غيرِه، لا تُقرأ جملةً واحدةً دون غيرها، كما يفعله بعض الناس يقرؤونها وحدَها في الركعة الثانية، فإن ذلك بدعة غير مستحبّة باتفاق العلماء. والله أعلم.

ص: 354

مسألة

ما تقول السادة العلماء في رجلٍ كسبَ جاريةً من ملطيةَ وباعَها، ثم اشترى بثمنها جارية، فتبيّن أنها مسلمة وأبواها مسلمان، فأعتقها، فهل يجب عليه الخمس أم لا؟

قال الشيخ تقي الدين رضي الله عنه

بل يجب عليه الخمس الذي أمر الله به ورسولُه أن يُصرفَ إلى مستحقّه. والله أعلم.

مسألة

ومن كان معه ختمة فله أن يحملها بين قماشِه وفي خُرجة، وحمله سواء كان ذلك القماش لرجل أو امرأة أو صبيّ، وإن كان القماش فوقها وتحتها.

مسألة

وأما قراءة القرآن بقصد التلحين الذي يشبه تلحين الغناء فهي مكروهة مبتدعة، كما نصّ على ذلك مالك وأحمد بن حنبل والشافعي وغيرهم من الأئمة.

ص: 355

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية -قدَّس الله روحه-

عن قومٍ لهم عيونٌ ما عليها زروع، فجاء رجلٌ فحقَنَ الماءَ، وأحدثَ عليه سدًّا وطاحونًا، فتضرَّر أرباب العيون، فهل لهم إزالة ما أحدثَه؟

فأجاب رضي الله عنه

إن كان قومٌ يستحقّون الانتفاعَ بتلك العين، وقد أُحدِثَ ما يُزِيل بعضَ المنفعة التي يستحقُّونها بغير إذنٍ منهم، فلهم إزالة ما أحدثَه من الضرر حتى يعودَ حقُّهم كما كان. والله أعلم.

ص: 356

وسُئل رحمه الله

عن رجلٍ خَطَبَ ابنةَ رجلٍ فركَنَ إليه، ثمّ خَطَبها آخر، فرَغِبَ عن الأول وركَن إلى الثاني، فهل للثاني تزويجُها؟ وهل يكون ملعونًا؟

فأجاب رضي الله عنه

إذا كانت المرأةُ ووليُّها قد ردًّا الخاطبَ الأولَ وامتنعا من تزويجه جازَ لغيره أن يخطبها. والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى أن يخطب الرجلُ على خِطبة أخيه

(1)

حتى ينكح أو يردّ، فمتى رُدَّ الأول جازت الخطبة لغيره باتفاق العلماء. والله أعلم.

(1)

أخرجه البخاري (5142) ومسلم (1412) عن ابن عمر.

ص: 357

مسألة

السؤال محرَّمٌ إلاّ عن الحاجة إليه، وظاهر مذهب أحمد رحمه الله أنه لو وجد ميتةً عند الضرورة ويُمكِنه السؤال جاز له أكلُ الميتةِ، ولو ماتَ ماتَ عاصيًا، ولو ترك السؤالَ فماتَ لم يَمُتْ عاصيًا.

والأحاديث في تحريم السؤال كثيرة جدًّا نحو بضعة عشر حديثًا في الصحاح والسنن، وفي سؤال الناس مفاسدُ الذّلّ والشرك بهم والإيذاء لهم، وفيها ظلم نفسه بالذل لغير الله عز وجل، وظلمٌ في حقّ ربّه بالشرك به، وظلمٌ للخلق يسؤالهم أموالَهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:"إذا سالتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله"

(1)

.

مسألة

لا يحرم على الرجل النظرُ إلى شيء من بدنِ امرأتِه ولا لمسُه، لكن قيل: يُكرَه النظرُ إلى الفرج، وقيل: لا يُكره إلاّ عند الوطء.

والله أعلم.

(1)

أخرجه أحمد (1/ 293، 353، 307) والترمذي (2516) عن ابن عباس، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقد تكلم على الحديث وشرحه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"(1/ 459 وما بعدها).

ص: 358

مسألة

في المسافر إذا نَزَل في موضع وهو يَعلم أنه يُقيم فيه عشرَ ليالٍ أو أكثر، فهل يجوز له أن يقصر ويجمع أو يُتمُّ؟

الجواب

السنة للمسافر أن يقصر الصلاةَ ركعتين ركعتين إلاّ المغرب، والجمع إذا احتاج إليه. وإذا كان المسافر نازلاً فالسنّةُ أن يقصر الصلاة، ولا يجمع إلاّ احتاج إلى ذلك. وإذا كان لا يدري كم يُقِيم فإنه يقصر أبدًا، وإن عَلِمَ أنه يُقيم خمسًا أو عشراً أو خمسة عشر ففيه قولان للعلماء، أظهرهما أن يقصر أيضًا. والله أعلم.

ص: 359

مسألة

قال المجد في الوديعة

(1)

: وإذا قال: أذنتُ في دفعها إلى فلان وقد فعلتُ قُبِل قوله فيهما.

وقال في الوكالة

(2)

: ومن وكّل في قضاء دَينٍ، ولم يؤمر بإشهاد، فقضاه بحضرة الموكل ولم يشهد، فأنكر الغريم، لم يضمن. وإن قضاه في غيبته ضمن. وعنه لا يضمن، كالوكيل في الإيداع.

وقال في الضمان

(3)

: وإذا ادعى القضاء وأنكره الآخران فلا رجوعَ له، فإن صدَّقه ربُّ الحق وحده فوجهان، وإن صدّقه المديون وحدَه رجع عليه إن قضى بحضرته أو بإشهاد، وإلاّ فلا.

وقيل: لا يرجع فيما قضى بحضرته.

فمتى أمر رجل بدفع ألفٍ إلى فلان، فدفعها، فأنكر المدفوع إليه، فإن كان أمره بالإشهاد ولم يشهد ضمن، وإن لم يأمره بالإشهاد فالقول قوله.

(1)

"المحرر"(1/ 364).

(2)

المصدر نفسه (1/ 350).

(3)

المصدر نفسه (1/ 340).

ص: 360

قال أبو الخطاب وغيره: ومعلوم أنه لم يرد القول قوله على المدفوع إليه، فثبت أنه أراد في حق الأمر.

قلت: هذا صريح في الرواية الأولى.

وقال الخرقي

(1)

في الوكالة: ولو أمره أن يدفع إلى رجل مالاً فادعى أنه دفعه إليه لم يقبل قوله على الآمِر إلاّ ببينة.

قلت: وهذا يوافق الثانيةَ أنه لعدم الإشهاد، فيكون لعدم التفريط، كما هي الرواية. وكذلك قال القاضي وغيره. ويحتمل أن لا يُقبَل قولُه في ذلك إلاّ ببينة أنه فعل، فلو صدَّقه لم يقبل، والله أعلم. هذا القول قول الخِرقي، فيكون الخرقي إنما تكلم في قبول قوله على الآخر.

قلت: فهذا الذي ذكره المجد في الوديعة يوافق ما ذكره أبو محمد عموم كلام الخرقي، وإن النزاع في الموضعين فإنه قد يتكرر قضاء الدين، أما إذا صدَّقه في القضاء فيفرق بين أن يفرط أو لا يفرط، وحينئذ لا تختلف مسألة الخرقي ومسألة مهنأ في قضاء الدين ونحوه من نقل الملك، وعلى هذه الرواية التي نقلها الخرقي قد يفرق الأصحاب بين الوفاء وبين الإيداع كما ذكر المجد.

وقال الشيخ أبو محمد

(2)

: وإن وكّله في إيداع ماله فأودعَه ولم يُشْهِد، فقال أصحابنا: لا يضمن إذا أنكر المودع.

(1)

في "مختصره"(ص 61).

(2)

أي ابن قدامة في "المغني"(7/ 225).

ص: 361

قال: وكلام الخرقي بعمومه يقتضي أن لا يُقبَل قوله على الآمر، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي، لأن الوديعة لا تثبت إلاّ بالبينة، فهي كالدين. وقال أصحابنا: لا يصحّ القياسُ على الدَّين، لأنّ قول المودَع يُقبل في الردّ والهلاك، فلا فائدةَ هنا في الاستيثاق، بخلاف الدَّين. فإن قال الوكيل: دفعتُ المالَ إلى المودَع فالقول قول الوكيل، لأنهما اختلفا في تصرُّفه فيما وُكِّلَ فيه، فكان القول قوله فيه.

قلت: هذا يخالف ظاهر قول الخرقي على الاحتمال الثاني، وهو أشبه بقوله وما ذكروه من تعليل الأصحاب، ففي دعوى الردّ إذا كان الدفع ببينة رواية عن أحمد كقول مالك، وفي دعوى التلفيق بين ماله روايتان.

وقال أبو الخطاب في الوكالة: وإن وكَّله في قضاء دَين، فقضاه في غيبة الموكل ولم يشهد، فأنكر الغريم، ضمن الوكيل.

قال المجد: بهذا قال مالك والشافعي.

وكذلك الوديعة إذا أمره بدفعها إلى إنسان، وهذا اختيار الخرقي، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يضمن، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني.

قال: وهذا الذي اختاره أبو الخطاب هنا يُناقِض ما اختاره في كتاب الرهن. وصرَّح القاضي وابن عقيل في كتاب الوكالة بأن المسألة على روايتين.

ص: 362

وقال أبو الخطاب في الوديعة: وكذلك إن قال: أمرتَني أن أدفَعها إلى فلان وقد دفعتُها إليه، فقال المالك: ما أمرتُك، فالقول قول المودع، نمن عليه.

قال المجد: بهذا قال ابن أبي ليلى، وبهذا قال مالك والثوري وعبد الله بن الحسن والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي والأوزاعي: لا يُقبل قولُه في ذلك، وهو ضامن. ووافقوا على أنه إذا وافقه على الإذن فإن القول قولُه في الدفع، إلاّ الأوزاعي، فإنه قال: لا يُقبَل قوله بدون بينة، ويضمن.

قلت: هذا الذي محلُّ وفاق، فنقل الطحاوي ما ينافي ما ذكره هو وأبو محمد من عموم كلام الخرقي، فإنه قال هنا: وكذلك الوديعة إذا أمره بدفعها إلى إنسان. وهذا اختيار الخرقي. فجعل الأمر بدفع الوديعة كالأمر بدفع الدَّين.

وهذه المسألة هي بعينها الأمر بدفع الوديعة، ومسألة أبي محمد مسألة الكتاب من التوكيل في الإيداع والوكيل في الإيداع هو أمر بدفع الوديعة إلى مطلق أو معين، لكن قد يقال: إنه في التوكيل في الإيداع لم يعيّن المودع، بخلافه هنا، وهذا فرق عن سويد، كالأمر بقضاء الدين المطلق أو معين، فهذا شيء، وشيء آخر وهو أنه إذا كان منصوص أحمد أنه يُقبل قولُه عليه في الإذن في الدفع من غير إشهاد، فهذا أبلغ من قبول قوله في مجرّد الدفع. وقوله "ادفعها إلى فلان" يتناول ما إذا كان بطريق القضاء والإيداع والهبة وغير ذلك، فهذا موافق لرواية مهنأ، ومخالفة ظاهرة لنقل الخرقي،

ص: 363