الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتنازعوا في بطلان صلاة من يفعلُه على قولين، والنزاعُ في الصحة معروف في مذهب مالك وأحمد وغيرهما، مع أنه مكروه باتفاق المذاهب كلّها.
وأما في دعاء الإمام والمأمومين بعد الصلاة جميعًا رافعينَ أصواتَهم أو غيرَ رافعين، فهذا ليس من سنة الصلاة الراتبة، [و] لم يكن يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. وقد استحسنه طائفة من العلماء من أصحاب الشافعي وأحمد في وقت صلاة الفجر وصلاة العصر، لأنه لا صلاة بعدها، وبعض الناس يستحبُّه في أدبارِ الخمس. لكنّ الصواب الذي عليه الأئمة الكبار أن ذلك ليس من سنة الصلاة، ولا يُستحبُّ المداومةُ عليه، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعله هو ولا خلفاؤه الراشدون، ولكن كان يذكر الله عقيب الصلاة ويُرغَب في ذلك، ويجهر بالذكر عقيب الصلاة، كما ثبت في ذلك الأحاديث الصحيحة: حديث المغيرة بن شعبة
(1)
وعبد الله بن الزبير
(2)
وغير ذلك.
و
الناس في هذه المسألة طرفانِ ووسطٌ:
منهم من لا يستحبّ ذكرًا ولا دعاءً، بل بمجرد انقضاء الصلاة يقوم هو والمأمومون كأنهم فَرُّوا من قَسْوَرة، وهذا ليس بمستحب.
ومنهم من يدعو هو والمأمومون رافعين أيديهم وأصواتهم.
وهذا أيضًا خلافُ السنة.
(1)
أخرجه البخاري (844 ومواضع أخرى) ومسلم (593).
(2)
أخرجه مسلم (594).
والوسَطُ هو اتباع ما جاءت به السنةُ من الذكر المشروع عقيب الصلاة، ومكث الإمام يستقبل المأمومين على الوجه المشروع.
لكن إذا دعوا أحيانًا لأمرٍ عارضٍ كاستسقاءٍ أو استنصارٍ أو نحو ذلك فلا بأس بذلك، كما أنهم لو قاموا ولم يذكروا لأمرٍ عارضٍ جاز ذلك ولم يُكرَه، وكل ذلك منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
وقد كان في أكثر الأوقات يستقبل المأمومين بوجهه بعد أن يُسلِّم، وقبلَ أن يستقبلَهم يَستغفر ثلاثًا ويقول:"اللهمَّ أنت السلام ومنك السلام، تباركتَ يا ذا الجلال والإكرام"
(2)
. وكان يجهر بالذكر، كقوله:"لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطيَ لما منعتَ، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ"
(3)
. وأحيانًا كان يقوم عقيبَ السلام إذا عرض له أمر، كما قامَ مرةً يخطب خطيبًا
(4)
للناس، وقال:"ذكرتُ ذُهَيْبَةً كانت عندنا، فكرهت أن تبيت عندي".
وأما السجدة يوم الجمعة فليست واجبةً باتفاق العلماء، ويُكرَه أن يتعمد الرجل سجدة غير "الم تنزيل". وأما قراءة "هل أتى"
(1)
أخرجه البخاري (851) عن عقبة.
(2)
أخرجه مسلم (591) عن ثوبان.
(3)
أخرجه البخاري (844 ومواضع أخرى) ومسلم (593) عن المغيرة بن شعبة.
(4)
كذا في الأصل.
و"الم تنزيل" في فجر الجمعة فقد جاءت الأحاديث
(1)
بهذه السنة كما جاءت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة والمنافقين
(2)
. لكن لا ينبغي المداومة على ذلك خشيةَ أن يَظُنَّ الناس أنها واجبة، كما لم يواظب
(3)
النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك، بل كان يقرأ في الجمعة والعيدين سورًا متنوعة، لا يلازم شيئًا بعينه.
والله أعلم.
(1)
سبق تخريجها في أول المسألة.
(2)
أخرجه مسلم (879) عن ابن عباس.
(3)
في الأصل "يواضب" بالضاد.