الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فما خالفَ ذلك فهو باطل.
و
منزلةُ الصديقِ والفاروقِ
دَلَّتْ على أنّ [من] يأخُذُ مِن علمِ النبوة الثابتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم أرفعُ منزلةً ممن يأخذ من أهل القلوب عن قلوبهم، فإن غاية الواحدِ من هؤلاء أن يكون مُشابهًا لعمرَ ولا يكونُ مثلَه قط، ومنزلةُ الصدّيقِ أفضلُ، ولهذا كان الصديقُ يُعلم عمرَ ومعاويةَ في غير قصةٍ، كما جرى له معه يومَ الحديبية لما قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليس عدوُّنا على الباطل؟ قال: بلى، قال: ألستَ رسولَ الله حقًّا؟
قال: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ في ديننا؟ قال: إني رسول الله، وهو ناصري ولستُ أعصِيْه، قال: ألم تُحدِّثنا أنّا نأتي البيتَ ونطوفُ به؟ قال: بلى، فقلتُ لك إنكَ تأتيه في هذا العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتٍ البيتَ ومُطَوِّفٌ به. ثم جاء عمرُ إلى أبي بكرٍ، فقال: يا أبا بكر!
ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: أليس عدوُّنا على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس هو رسول اللهِ حقا؟ قال: بلى، قال: فَلِمَ نُعطَى الدِّنِيَّةَ في ديِننا؟ قال: إنه رسول اللهِ وهو ناصرُه وليس يَعصِيْه، قال: ألم يكن يُحدِّثُنا أنّا نأتي البيتَ ونطوفُ به؟ قال: بلى، أقال لكَ إنك تأتيهِ هذا العامَ؟ قال: لا، قال: فإنك آتٍ البيتَ وتطوفُ به
(1)
.
فأبو بكر أجابَ بمثل ما أجابَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن يسمعَ كلامَه في تلك القصةِ التي اضطربتْ فيها أكثرُ الصحابةِ، حتى
(1)
أخرجه البخاري (2731،2732) ومسلم (1785) عن سهل بن حنيف.
قال سهل بن حُنَيف - وهو من كبار المؤمنين وشهدَ مع علي صِفّينَ -: "أيها الناس! اتّهمُوا الرأيَ على الدين، فلقد رأيَتُني يومَ أبي جندلٍ، ولو أستطيعُ أن أَرُدَّ أمرَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لرددتُه" رواه البخاري
(1)
.
فإذا كان الصديق والفاروق - وهما خيرُ الخلق بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما اللذان قال فيهما: "اقتَدُوا باللذينِ من بعدي أبي بكرِ وعمرَ - هما مع الرسول كما ترى، فما الظن بغيرِهما؟ وبهذا يُعلَمً أن كل من ادَّعَى استغناءَهُ عن الرسالة بمكاشفةٍ أو مخاطبةٍ، أو عصمةَ ذلك له أو لشيخِه ونحو ذلك= فهو من أضل الناس.
ومن احتَجَّ على ذلك بقصةِ الخضِر مع موسى ففي غايةِ الجهل لوجوهٍ:
أحدها: أن موسى لم يكن مبعوثًا إلى الخضر، ولا كان يجبُ على الخضرِ اتباعُ موسى، بل قال له موسى: إني على علمٍ من علمِ الله عَلَّمنِيهِ الله لا تَعلَمه، وأنتَ على علمٍ من علم الله عَلَّمك الله لا أعلمه، ولما سَلَّم عليه قال: وأنَّى بأرضِكَ السلامُ؟ قال: أنا موسى، قال: موِسى بني إسرائيل؟ قال: نعم
(2)
. فالخضر لم يعرف موسى حتى عرَّفه نفسَه. وأما محمدٌ صلى الله عليه وسلم فهو رسول الله إلى جميع الخلق، فمن لم يتبعْه كان كافرًا ضالاًّ من جميع من بَلَغتْه دعوتُه، ومن قال له كما قال الخضر لموسى كان كافرًا.
(1)
برقم (4189). ورواه مسلم أيضًا (1785).
(2)
أخرجه البخاري (4725 ومواضع أخرى) ومسلم (2380) عن أبي بن كعب.
الوجه الثاني: أن ما فعلَه الخضرُ لم يكن خارجًا عن شريعة موسى، ولهذا لما بَيَّن له الأسبابَ التي أُبِيْحَ له بها خَرْقُ السفينة وقتلُ الغلام وبناءُ الجدارِ بغير جُعْلٍ أُقرَّه على ذلك، بل كانت الأسبابُ المبيحةُ لذلك قد عَلِمَها الخِضرُ دون موسى، كما يدخل الرجلُ دارَ غيره، فيأكلُ طعامَه ويأخذ مالَه، لعلمِه بأنه مأذون له في ذلك، وقتلُ الآخرِ لعدم علمِه بالإذن قد يكون سببًا ظاهرًا وقد يكون بسبب باطن، وعلى التقديرينِ هما في الشريعة.
الوجه الثالث: أن الخضرَ إن كان نبيًا فليس لغير الأنبياء أن يتشبَّه إليه، وإنْ لم يكن نبيًا - وهو قول الجمهور - فأبو بكر وعمرُ أفضلُ منه، فإنّ هذه الأمة خير أمةٍ أخرجتْ للناس، وخيارُ هذه الأمةِ القرنُ الأول من المهاجرين والأنصار، وخيرُ القرنِ الأول السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، وخيرُهم أبو بكر وعمر.
فإذا كان أبو بكر وعمر أفضلَ من الخضر، وحالُهما مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هذه الحالُ، ونحن مأمورون أن نقتديَ بهما، لا بأن نَقتديَ بالخضر، كان من ترَكَ الاقتداءَ بهما في حالِهما مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم واقتدَى بالخضرِ في حالِه مع موسى= من أضلِّ الناسِ وأجهلِهم. بل من اعتقدَ أنه يجوز له أن يَخْرُجَ عن طاعةِ النبي صلى الله عليه وسلم وتصديقِه في شيء من أمورِه الباطنة أو الظاهرةِ فإنه يجب أن يُستتابَ، فإن تابَ وإلاّ قُتِل كائنًا من كان.
وإذا عُرِفَ أنّ التوبة تَرفعُ منزلةَ صاحبِها وإن كان فيه قبلَ ذلك ما كان، لم يكن لأحدٍ أن ينظر إلى صدّيقٍ ولا غيرِه باعتبار مَا وقعَ