الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
في امرأةٍ تُوفّيَتْ وهي حاملٌ في سبعة أشهر، فهل يُشَق بطنُها أو تَضَعُ على بطنِها شيئًا ثقيلاً أو تَسْطو عليهِ القوابلُ؟
الجواب
الحمد لله،
ينبغي أن يُسعَى في خروج الجنين من فَرْجها
، إما أن تَسْطُو القوابلُ عليه فيُخرِجْنَه، وإمّا أن يُفتَح فَرجُها بَالمفتاح المصنوع لذلك، فإذا اتسعَ أخرِجَ منه الولدُ، فإن تعذَّر ذلكَ ففيها قولان مشَهوران:
أحدهما: لا يُشَقُّ بطنُها، لأنه مثلةٌ، والعادة أن الولد يموتُ بموتِ أمِّه، فلا يبقى حيا، فيكون تمثيل بالميِّت بلا استبقاءِ الحي، بل لو اضطُرَّ الجائعُ إلى أكل ميتٍ معصوم لم يَجزْ، لأن بقاءَ نفسِه في أحد القولين مع أن الحياة منتفية وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"كَسْرُ عظم ميتٍ ككَسْرِ عظم الحي"
(1)
. وهذا مذهبُ مالك وأحمد وغيرهما.
(1)
أخرجه أحمد (6/ 58،105،168،200،264) وأبو داود (3207) وابن ماجه (1616) عن عائشة. وصححه الألباني في "الإرواء"(763).
والثاني: بل يُشَق بطنُها لإخراج الولدِ، فإن مراعاةَ حقِّ الولد الحيِّ أولى من مراعاة الميت. وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وغيرهما، وفي مذهب الشافعي وجهٌ كالأول، وفي مذهب الإمام أحمد وجهٌ كالثاني. وهذا النزاعُ إذا رُجِيَ خروجُه حيًّا، فأما إذا ظهرَ موتُه، فإنه لا يُشَقُّ بطنُها بلا خلافٍ.
مسألة
في رجلٍ تُوفِّي إلى رحمة الله بالقاهرة، فهل يجوز الصلاةُ عليه غائبةً في مصر أو في القلعةِ؟ وكم قدرُ مدةِ البُعْدِ الذي يَجوز على الغائب فيه؟ وكم مقدارُ بُعدِ صلاة النبي على النجاشي؟ وهل النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على الغائب أو أحدٌ من الصحابة في مقدارِ بُعدِ القاهرة إلى مصر أو أحدٌ من الأئمة؟
الجواب
أصل هذه المسألة هي مسألة الصلاة على الغائب، وفيها للعلماء قولان مشهوران:
أحدهما: يجوز، وهو قول الشافعي وأحمد في أشهر الروايات عنه عند أكثر أصحابه.
والثاني: لا يجوز، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد في الرواية الأخرى، وذكر ابنُ أبي موسى
(1)
- وهو ثبت في نَقْلِ مذهبِ أحمد - رجحانَها في مذهبه.
(1)
في "الإرشاد إلى سبيل الرشاد"(ص 122).
وسببُ هذا النزاع أنه قد ثبتَ بالنصوص الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على النجاشي وكان غائبًا، ففي الصحيحين
(1)
عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَعَى النجاشيّ في اليوم الذي مات فيه، وخرجَ بهم إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّر عليه أربع تكبيرات، وقال:"استغفروا لأخيكم". وفيهما عن جابر
(2)
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على النجاشي فكبر أربعًا، وللبخاري عنه
(3)
: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى على النجاشي، فكنتُ في الصف الثاني أو الثالث. وله
(4)
: "قد تُوفي اليومَ رجل صالح من الحبش، فهَلُمَّ فصلُّوا عليه". فصففنَا، فصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صفوف. ولمسلم
(5)
: إن أخًا لكم قد ماتَ، فقوموا فصلُّوا عليه"، فقُمنا فصَفنا صفين. وروى مسلم
(6)
عن عمران بن حُصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخًا لكم"، وفي لفظ:"إن أخَاكم قد ماتَ، فقومُوا فصلُّوا عليه"، يعني النجاشي.
فهذه السنةُ ثبتَتْ، ولم يُنقَلْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلَّى على غائب غيره، إلا حديث ساقط
(7)
رُوِيَ فيه أنه صلى على مُعاوية بن معاوية
(1)
البخاري (1245،1327) ومسلم (951).
(2)
البخاري (1334) ومسلم (952).
(3)
برقم (1317).
(4)
برقم (1320).
(5)
برقم (952).
(6)
برقم (953).
(7)
جمع الحافظ ابن حجر طرقه في "الإصابة"(3/ 436،437)، وقوّاه بالنظر إلى مجموع الطرق في "الفتح"(3/ 188). وقال ابن عبد البر في =
الليثي في غزوة تبوك لكثرةِ قراءتِه "قل هو الله أحد"، وهوِ حديثٌ لا يُحتجُّ به. وقد ماتَ على عهده خلائقُ من أصحابه في غيبتِه فلم يُصلِّ عليهم، وكذلك لم يُصل المسلمون الغائبون عنه في مكة والطائف واليمن وغيرها، ولا صَلَّوا على أبي بكر وعمر وغيرهما في الأمصار البعيدة.
ولهذا تنازعَ العلماء، فقالت طائفة: لا يُصلَّى على الغائب، إذ لو كانت سنةً لكان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرَ من ذلك، ولكان المسلمون يَعملونَ بذلك في مَحْيَاه ومماتِه، واعتذروا عن قضية النجاشي بعذرين:
أحدهما: أن ذلك [كان] مختصًّا به، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشاهدُه، أو لأنه حُمِلَ إلى بين يديه. وهذا عذرٌ ضعيفٌ، لأن ذلك لم ينقله أحدٌ، ولأن الصحابة الذين صَلَّوا خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم لم يُشاهِدوه، ولا فرقَ بين الإمام والمأموم، ولأن المانع عندهم هو البعد أو التكرار، وكلاهما موجودٌ شهد أو لم يشهد، ولأن مثلَ هذا قد كان ممكنًا في حق غير النجاشي، فبطلَ الاختصاصُ به.
ولأن الأصلَ مشاركةُ أمتِه في الأحكام ما لم يقمْ دليلُ اختصاصِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
والعذر الثاني: قالوا: إنّ النجاشي قد كان بين قومٍ نصارى،
= "الاستيعاب"(3/ 395): أسانيد هذه الأحاديث ليست بالقوية، ولو أنها في الأحكام لم يكن في شيء منها حجة.
وكان يُخفِيْ قومَه إسلامَه حتى سَعَوا في محاربته، ولم تكن شريعة الإسلام ظهرتْ هناك حتى يكونَ عنده من يُصلِّيْ عليه، لعدم صلاة القريب عليه. وهذا العذرُ أقربُ من الأول، وبه يَظهر تخصيصُ النجاشي بالصلاة دونَ غيرِه من الموتى.
ثم من قال هذا ولم يجوِّز الصلاةَ على الغائب بحالٍ نقضَ كلامَه، ومن قال هذا [و] جوَّز الصلاةَ على الغائب الذي لم يُصل عليه فقد أحسنَ فيما قال، ولعل قولَه أعدلُ الأقوال، فإن الشريعةَ استقرتْ على قوله تعالى:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)
(1)
، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أَمَرتكَم بأمر فَأْتُوا منه ما استطعتم"
(2)
. فما تعذَّر من العبادات سقط بالعجزِ، وإذا كانت الصلاة على الميت مأمورًا بها ولم تكنْ إلاّ مع الغَيبةِ كانتْ هي المأمورَ به.
وقالت طائفة: بل تجوز الصلاةُ على كل غائب عن البلد وإن كان قد صُلِّيَ عليه، كما ذكرناه عن أصحاب الشافعي وأكثر متأخري أصحاب أحمد، ثم قال هولاء: يجوز على الغائب عن البلد، سواء كان فوقَ مسافةِ القصر أو دونَها، وسواءٌ كان الميتُ خلفَ المصلِّي أو أمامه.
وأما الغائبُ في البلد الواحد فالأكثرون من أصحاب الإمامين مَنَعُوا الصلاةَ عليه، [و] لم يَرِدْ بها أثرٌ ولا نُقِلَ ذلك عن أحد من
(1)
سورة التغابن: 16.
(2)
أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) عن أبي هريرة.
السلف، فالفاعلُ لها مبتدعٌ دِينًا لم يشرعْه الله، ولو ساغَ ذلك لم يكن لذلك ضابطٌ، بل كان يجوزُ أن يُصلِّي الرجل في هذه الدار أو الدَّرْبِ على من مات في هذا الدرب أو هذه الدار، ومعلومٌ أن هذا ليس من عمل المسلمين، ولو كان هذا جائزًا لكان قربةً، ولكان السلفُ يبادرون إليه، لاسيَّما ولا يزال في المسلمين من لا يُمكِنه شهودُ الجنازة من مريض ومحبوسٍ ومشغول. فلما لم يَفْعَل هذا أحدٌ من السلف عُلِمَ أنَّه غيرُ مشروع، وإنْ كانَ يُشرَعُ الدعاءُ للميتِ على كل حالٍ، بطهارة أو غير طهارة، إلى القبلة وغيرها، قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم، بتكبير وغير تكبيرٍ، وأما صلاةُ الجنازة فيُشتَرط لها الشروطُ الشرعية.
وجوَّزَ طائفة من أصحاب الإمامين الصلاةَ على الغائب في البلد الواحد، ثم محقِّقُوهم قيَّدوا ذلك بما إذا ماتَ الميتُ في أحد جَانِبَي البلدِ الكبير، ومنهم من أطلق في أحد جانبي البلد لم يُقيِّدها بالكبيَرة، كما إذا ماتَ في أحدِ جانبي بغدادَ فَصُلِّي عليه في الجانب الآخر. وكانت هذه المسألة قد وَقعتْ في عصر أبي حامد وأبي عبد الله بن حامد، مات ميت في أحد جانبي بغدادَ، فصلَّى عليه أبو عبد الله بن حامد، وطائفة في الجانب الآخر، وأنكر ذلك أكثرُ الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما، كأبي حفص البرمكي وغيره، واتفق الفريقان على أنه من مات في الجانب الواحد لا يُصلَّى عليه فيه إذا كان غائبًا، كما إذا كان الرجل عاجزًا عن حضور الجنازة لمطرٍ أو مرضٍ فإنه لا يُصلِّي على الغائب وفاقًا.
لكن بعض متأخري الخراسانيين من أصحاب الشافعي أجرى الوجهين في الغائب في البلد وإن أمكن حضوره، وألحقَ ذلك بالوجهين في القضاء على الغائب عن مجلس الحكم إذا لم يمكن حضورُه، فإنّ فيه وجهًا ضعيفًا بجواز الحكم عليه، فقاس الصلاةَ عليه على القضاء عليه. وهذا إلى غاية الضعف والشذوذ، مع ما بين الصلاة والحكم، ولا يَستريب من له أدنى معرفة أن تشريعَ مثل هذا حَدَث وبدعة ظاهرةٌ. وأمثالُ هذه الوجوه تُخَرَّجُ عند ضِيْق مناظرةِ المخالف طردًا لقياسٍ واحترازًا عن نقضٍ، ولا يُدَانُ الله بها.
وعلى القول المشهور في المذهبين وأنه لا يُصلَّى إلاّ على الغائب عن البلد لم يَبلُغني أنهم حَدُّوا البلدَ الواحدَ بحدٍّ شرعي، ومقتضى اللفظ أن من كان خارجَ السُّوْرِ أو خارجَ ما يُقدَّر سورًا يُصلَّى عليه، بخلاف من كان داخلَه، لكن هذا لا أصلَ له في الشريعة في المذهبين، إذ الحدود الشرعية في مثل هذا إمّا أن تكون العبادات التي تجوز في السفر الطويل والقصير، كالتطوع على الراحلة والتيمم والجمع بين الصلاتين على قول، فلابُدَّ أن يكون منفصلاً عن البلد بما يُعَدُّ الذهابُ نوع سفر. وقد قالت طائفة من أهل المذهبين كالقاضي أبي يعلى أنه يكفى خمسين خطوة.
وإما أن يكون الحدُّ ما يجب فيه الجمعةُ، وهو مسافةُ فرسخ، حيث يسمع النداءَ، ويجب عليه حضور الجمعة، كان من أهل الصلاة في البلد فلا يُعدُّ غائبًا عنها، بخلاف ما إذا كان فوق ذلك فإنه بالغائب أشبه.
وإما أن يُقال مسافة العدوَى في مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين، وهو ما لا يمكن الذاهبَ العودُ إليه في يومه، وهذا يُناسب قولَ من جعل الغائبَ عن البلد كالغائب عن مجلسِ الحكم. وفيه أيضًا من الفقه أنه إذا كان كذلك شق الحضورُ، بخلاف مَن يُمكنه العَوْد. ولكن إلحاقَ الصلاة بالصلاة أولى من إلحاق الصلاة بالحكم.
فهذه هي المآخذ التي يَنْبني عليها جوابُ هذه المسألة. إذا تبيَّن ذلك فنقول: القلعة والقاهرة تشبه جانبي بغداد، فمن جوَّز الصلاةَ في أحد جانبي بغداد على من مات في الجانب الآخر كقول بعض أصحاب الشافعي وأحمد، فإنه يُجوِّز أن يُصلَّى على من مات في القلعة أو القاهرة على من مات في الآخر، وعلى قول هؤلاء فصلاةُ أهل القاهرة على من مات في مصر بالعكس، وصلاةُ أهل القلعة على من مات بمصر وبالعكس أولى بالجواز، فإن القاهرة والقلعة يجمعهما سورٌ واحدٌ، ومصر خارجة عن ذلك، لأنهما بالبلد الواحد الكبير الذي له جانبانِ أشبه، لكن أكثر العلماء كأصحابِ أبي حنيفة ومالك واكثر أصحاب الشافعي وأحمد لا يُجوِّزون الصلاة في أحد جانبي البلد وإن كان كبيرًا على من مات في الجانب الآخر، حتى صرَّحوا بأن بغدادَ - مع كونها محالَّ كثيرةً، ولها جانبان بينهما دجلةُ، ومع كون الجمعة تُقامُ بها في مواضع من حين بُنيَتْ بغدادُ من زمن أبي جعفر المنصور وإلى الساعة - صَرَّحوا مع ذلك أنه لا يُصلَّى في أحد جانبيها على من مات في الجانب الآخر.
ومما يُبيِّن ذلك أن أمصار المسلمين الكبار التي فيها قِطع كثيرة كبغداد كثيرة القطع، وليس من عمل المسلمين أن يُصلُّوا في هذه القطعة على من مات في القطعة، فلم يُعرَف أن المسلمين كانوا يُصلُّون في قطعةِ مصر أو دمشق أو غيرهما على من مات بالمدينة وبالعكس، ولا عُرِف أنهم كانوا يُصلُّون بمصر على من مات بالقلعة وبالعكس مع اشتمالِ هذه الأمصار على أئمةٍ من أصحاب الشافعي وأحمد، وهم أهل الترخُّصِ في هذه المسألة، وإن لم يقلْ بهذا القول.
والأضعفُ الصلاةُ على الغائب جدًّا، فإنا قد علمنا أن المسلمين في جميع الأمصار لم يُصلُّوا بمنى وعرفات على من مات بمكة وبالعكس، ولا كانوا يُصلُّون بقُباءَ والعوالي على من مات بالمدينة وبالعكس، وقد ماتَ خلق كثير على عهد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بقباءَ والعوالي ونحوهما، مما هو عن المدينة مثل مصر والقاهرة، وأبعد من دمشق والصالحية، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابةُ والتابعون يُصلُّون في أحدِهما على من مات في الآخر.
وأما الصلاةُ بمصر على من يموتُ بالقلعة أو بالقاهرة وبالعكس على المشهور - وهو منعُ الصلاة في أحد جانبي البلد على من يموت في الآخر - فمبني على ما ذكرناه في معنى البلد الواحد، هل المراد به ما خرج عن السُّوْرِ، أو ما يجب فيه الجمعةُ، أو مسافة العدوى؟
فعلى المأخذ الأول يجوز ذلك، وعلى المأخذين الآخرين لا
يجوز، فقد تبين مما ذكرناه على أن الصلاة بالقاهرة والقلعة على من مات بمصر وبالعكس لا تجوزُ عند جمهور العلماء، وتجوز عند بعضهم في مذهب الشافعي وأحمد.
وأما قول السائل: كم مقدارُ بُعْدِ النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
فذلك كثير معروف، فإن النجاشي كان بالحبشة، وبينهما اليمن ثم تهامةُ، وهو مسافة كبيرة.
وأما قوله: هل النبي صلى الله عليه وسلم أو أحدٌ من الصحابة أو التابعين أو الأئمة صلى على الغائب في مقدار هذا البعد؟ فالجواب أنه لم يُنقَل ذلك عن أحدٍ من هؤلاء، وغاية ما بلغَنا في مثل ذلك ما ذكرناه من النزاع في جانبي بغداد، وكان هذا بعدَ الأئمة، وأما في زمن الشافعي وأحمد بن حنبل فلم يَبْلُغْنا أن أحدًا صلَّى في أحد جانبي بغداد على من مات في الآخر، مع كثرةِ الموتى وتوفُّرِ الهِمَم والدواعي على نقل ذلك. فتبينَ أن ذلك مُحْدَث لم يفعَلْه الأئمة.
وأما ما يفعلُه بعضُ الناس من أنه كل ليلة يُصلِّي على جميعِ من مات من المسلمين، فلا ريبَ أيضًا أنه بدعة لم يفعلها أحدٌ من السلف، والله أعلم.
مسألة
في روح ابن آدم إذا خرجتْ منه وإذا نزل في قبره، هل تَعُود إليه كما كانتْ في دار الدنيا أم لا؟ وقوله تعالى:(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ)
(1)
هل هي روحُ ابن آدم أو روحُ الله؟ وهل يموت المهدي إذَا أمَّ بعيسى بن مريم قبل إتمامِ الصلاة؟ وقد رُوِي أن جنازة مرَّتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: يا رسول الله! ما أحسنَ هذه! عصفورٌ من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما يُدْريْكِ أن الله خلقَ خَلْقًا، فقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي".
أجاب
نعم، إذا وُضِع الميتُ في قبره فإن الروحَ تَعادُ إليه، ويُسأل عن ربه ودينه ونبيه، ويَسمَعُ الميتُ خَفْقَ نعالِ المشيِّعين إذا وَلَّوا عنه مُدبِرين، وما من رجل يَمُرُّ بقبر الرجل كان يَعرِفُه في الدنيا فيسلِّم عليه إلا ردَّ الله عليه روحَه حتى يَرُدَّ عليه السلام. ومع هذا فمُستَقَرُّ أرواحِ المؤمنين الجنةُ، لكن للروح شان آخر بعدَ الموت
(1)
سورة الإسراء: 85.
ليس لها نظيرٌ في هذا العالم.
وأما المسيح فإنه يَنزِل على المنارةِ البيضاءِ شرقِيَّ دمشقَ، ويُدرِكُ الدجَّالَ فيقتلُه بباب لُدٍّ الشرقي، ويأمر الله تعالى بعدَ قتلِ الدجال أن يُحصن الناسَ إلى الطُّور، ويقال له: يا روحَ الله! تقدَّمْ، فصل بنا، فيقول: لا إن بعضَكم على بعضٍ أميرٌ، فيُصلِّي بالمسلمين بعضُهم، ويتمُّ الصلاةَ ولا يموت فيها.
وأما الروح المسئول عنها فأكثرُ الناس على أنها روحُ ابن آدم، وهي وإن كانت من أمر اللهِ فهي موجودة مخلوقة باتفاق العلماء المعتبرين، والآدمي كلُّه عبدُ الله، جسمُه وروحه.
وأما حديث عائشة فصحيح
(1)
، فإنا لا نشهد لأحد بعينه أنه [من أهل الجنة] إلا ما شَهِدَ له النصُّ، أو شَهِدَ له الناسُ شهادةً عامةً على أحد القولين، فإن الله خلقَ للجنةِ أهلاً، خلقَها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلقَ للنار أهلاً، خلقَها لهم وهم في أصلاب آبائهم، فنقولُ بطريق العموم: المؤمنون في الجنة والكافرون في النار، ولا نُعيِّن أحدًا أنه في جنة أو في نار إلا أنْ نَعلَم عاقبته.
والمهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم اسمُه محمد بن عبد الله من ولد الحسن بن علي رضي الله عنه، يقوم إذا شاء الله، وهو خليفة صالح يملأ الأرضَ قسطًا وعدلاً، كما مُلِئَتْ ظلمًا وجورًا، ويَحثُو المالَ حَثْوًا. وقد جاءتْ أخبارُه في الترمذي وسنن أبي داود ومسند
(1)
أخرجه مسلم (2662).
الإمام أحمد، ووقع التنبيهُ عليه في الصحيحين
(1)
.
وأما ما يدَّعيه الضالُّون أن الحسن بن علي العسكري المتوفى في سامرَّاء، كان له ابنٌ اسمه محمدٌ دخلَ سرداب سامرَّاء بعد موت أبيه وهو صغير، وأنه المهدي، فهذا كذبٌ باطل باتفاق علماء بني آدم وعقلائهم، وليس هو المخبر به في الأحاديث، فإن هذا حسيني وذاك حسني، وأيضًا فإن الحسن بن علي العسكري عند العارفين بالأنساب محمد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما لم ينسلْ ولم يُعقبْ، والذين أثبتوه زعموا أنه خليفة معصوم حجة الله على أهل الأرض، وأنه باقٍ إلى الآن، وهذا مخالفٌ للعقل والكتاب والسنة، فإن هذا لو كان حقا لكان يتيمًا يَجبُ الحَجْرُ عليه في نفسِه ومالِه، ولا يجوز أن يُوَلَى مثلُ هذا ولَايةً أصلا، ولا معصومَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحدَ يَجبُ أبدًا طاعته في كل شيء إلاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يُكلِّفَ الله العبادَ طاعةَ من لا سبيلَ إلى العلمِ بأمرِه، ولا وجهَ لهذه الاحتجاجاتِ. والله أعلم.
(1)
سبق تخريج هذه الأحاديث في المجموعة الثالثة.