الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه قال: "أحب الخلقِ إلى الله إمام عادل، وأبغضُ الخلق إلى الله إمام جائر".
وكذلك
(1)
مَن لغيره عليه حقوقٌ، كالزوجة والأولاد والجيران، فقد ذكر الله الحقوقَ العشرة في قوله:(*وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)
(2)
. فبَدأ سبحانَه بحقِّه، كما في الصحيحين
(3)
أنَ النبي
صلى الله عليه وسلم قال لمعاذٍ: "يا معاذُ! أتدري ما حقُّ اللهِ على عبادِه"؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: "أن يَعبدوه ولا يُشركوا به شيئا، يا معاذ!
أتدري ما حق العبادِ على اللهِ إذا فعلوا ذلك"؟ قلتُ: الله ورسوله أعلم، قال: "حقهم عليه أن لا يُعذبَهم".
فكلَّما ازدادتْ معرفةُ الإنسان بالنفوسِ ولوازمِها وتَقلُبِ القلوب، وبما عليها من الحقوق لله ولعبادِه، وبما حَدَّ لهم من الحدود= عَلِم أنه
لا يخلو أحدٌ عن ترك بعضِ الحقوق أو تعدِّي بعضِ الحدود
. ولهذا أمرَ الله عبادَه المؤمنين أن يَسألوه أن يَهديَهم الصراطَ المستقيم في اليوم والليلة في المكتوبةِ وحدَها سبعَ عشرة مرةً، وهو صراطُ الذين أنعم الله عليهمِ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ومن يطع اللهَ ورسوله فهم هؤلاء.
(1)
في الأصل: "وأولئك" تحريف.
(2)
سورة النساء: 36.
(3)
البخاري (2856،5967،6267،6500،7373)، ومسلم (30).
فالصراط المستقيم طاعةُ الله ورسوله، وهو دين الإسلام التام، وهو اتباعُ القرآن، وهو لزومُ السنَّة والجماعة، وهو طريقُ العبودية، وهو طريق الخوف والرجاء. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته
(1)
: "الحمد لله نستعينه ونستغفره" لعلمِه أنه لا يفعل خيرًا ولا يجتنب شرًّا إلا بإعانة الله له، وأنه لابُدَّ أن يفعل ما يُوجِب الاستغفارَ.
وفي الحديث الصحيح
(2)
: "سيّدُ الاستغفار أن يقول العبد: اللهمَّ أنت ربي لا إلهَ إلا أنتَ خلقتَني، وأنا عبدك وأنا علىَ عهدِك ووعدِك ما استطعتُ، أعوذُ بك من شر ما صنعتُ، أَبوءُ لك بنعمتِك عليَّ، وأَبوءُ بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يَغفر الذنوبَ إلا أنتَ".
فقوله "أَبوءُ لك بنعمتك عليَّ" يتناولُ نعمتَه عليه في إعانته على الطاعات، وقوله "أَبوءُ لك بذنبي" يُبيِّن إقرارَه بالذنوب التي تحتاج إلى الاستغفار. والله تعالى غفور شكور، يَغفر الكثيرَ من الزلل، ويَشكر اليسيرَ من العمل. وجاء عن غيرِ واحدٍ من السلف أنه كان يقول: إنّي أُصبِحُ بين نعمة وذنب، فأريد أن أُحْدِث للنعمة شكرًا وللذنب استغفارًا.
فقوله "الحمد لله نستعينه ونستغفره" يتناول الشكرَ والاستعانةَ والاستغفارَ، الحمد لله وأستغفر الله ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، كما
(1)
أخرجه مسلم (868) عن ابن عباس.
(2)
البخاري (6306،6323) عن شداد بن أوس.
كان بعضُ المشايخ يَقرِن بين هذه الثلاثة، فالشكر يتناول ما مضى من إحسانه، والاستغفار لما تقدم من إساءةِ العبد، والاستعانة لما يستقبله العبد من أموره. وهذه الثلاثُ لابدَّ لكل عبد منها دائمًا، فمن قَصَّرَ في واحد منها فقد ظلمَ لنفسِه بحسب تقصيرِ العبد.
وأصل الإحسان هو التصديقُ بالحقّ ومحبتُه، وأصل الشرِّ هو التكذيبُ به أو بُغْضُه، ويَتْبعُه التصديقُ بالباطل ومحبتُه. والتصديقُ بالحقّ وحبُّه هو أصلُ العلم النافع والعمل الصالح، والتكذيبُ به وبُغْضُه هو من الجهل والظلم. فالإنسان إذا لم يعلم من الحق ما يحتاج إليه أو لم يُقِرَّ به أو لم يُحِبَّه كان ظالمًا لنفسه، وإن أقرَّ بباطل أو أحبَّه واتَّبَع هواه كان ظالما لنفسه، فظلمُ النفسِ يعود إلى اتباعَّ الظن وما تهوى الأنفس، وهذا يكون في اتباع الآراء والأهواء، فأصلُ الشرِّ البدَعُ، وهو تقديمُ الرأي على النصِّ واختيارُ الهَوَى على امتثالِ الأمر، وأصلُ الخير اتباعُ الهُدَى، كما قال تعالى:(فَإِمَّا يَأتينكمِ مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبعً هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يشقى (123) وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِى فَإِنَ لهُ مَعِيشَةً ضَنكا وَنحشره يَومَ الَقيامَةِ أَعمَى (124))
(1)
. قال ابن عباس
(2)
: تكفَّل اللهُ لمن قرأ القرآنَ وعمل بما فيه أن لا يَضل في الدنيا ولا يَشْقَى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية.
والضلال والشقاء هو خلاف الهدى والفلاح الذي أخبر به عن المتقين الذين يهتدون بالكتاب، حيث قال: (ذلِكَ الكتابُ لَا رَيب
(1)
سورة طه: 123 - 124.
(2)
أخرجه الطبري في تفسيره (16/ 163).
فيه هُدًى) إلى قوله (أُوْلئكَ على هُدًى مِّن رَّبهِم وَأُوْلَئكَ هُمُ المفلحون (5))
(1)
. والضلال والشقاء هو أمرُ
(2)
الضاليِنِ والمغضوب عليهم المذكورين في قوله (غَيرِ المَغضُوبِ علًيهِم ولا الضاليَن (7))
(3)
، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اليهود مغضوب عليهم، والنصارى ضالّون"
(4)
، فإن اليهودَ عرفوا الحق ولم يعملوا به، والنصارى عبدوا الله بغير علم.
ومن عرفَ الحقَّ ولم يعملْ به كان متبعًا لهواه، واتباعُ الهوى هو الغَي، ومن عَمِلَ بغير علم كان ضالاًّ.
ولهذا نزَه اللهُ نبيَّه عن الضلال والغي بقوله: (والنجم إذا هوى (6) مَا ضَل صاحِبُكم وَما غَوى (2))
(5)
. قال تعالى في صفة أهل الغي: (سَأَصرِفُ عَنْ آياتي الَذِينَ يتَكبَرُون فِي اَلأَرضِ بِغَيرِ الحَقّ وَإِن يرواْ كلَّ أية لا يُؤمِنُواْ بِهَا وَإن يَرَواْ سَبيلَ الرُّشدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً)
(6)
، وقال:(وَاَتلُ عَلَيهِم نَبَأَ اَلَذِيَ أتَيْنَاه آيتِنَا فانسَلَخَ مِنهَا فَاَتبعًهُ الشَيطاَن فَكانَ مِنَ الغَاوِيَن (175))
(7)
، وقال في الضلال: (وإنَ كثَيرا لّيُضِلُونَ بِأَهوآئهم
(1)
سورة البقرة: 2 - 5.
(2)
في الأصل: "أحد" تحريف.
(3)
سورة الفاتحة: 7.
(4)
أخرجه أحمد (4/ 378) والترمذي (2953،2954) عن عدي بن حاتم. وفي الباب روايات أخرى أخرجها الطبري في تفسيره (1/ 185 - 188، 193 - 195 من طبعة دار المعارف).
(5)
سورة النجم: 1 - 2.
(6)
سورة الأعراف: 146.
(7)
سورة الأعراف: 175.
(بِغَيْرِ عِلْمٍ)
(1)
، وقال:(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ)
(2)
.
والعبد إذا عَمِلَ بما علم ورَّثَه اللهُ عِلمَ ما لم يعلم، كما قال سبحانَه:(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (68))
(3)
، وقال:(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17))
(4)
، وقال:(اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)
(5)
، وقال:(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)
(6)
.
فإذا تركَ العملَ بعلمه عاقَبَه الله بأن أَضلَّه عن الهدى الذي يَعرِفه، كما قال:(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)
(7)
، وقال:(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)
(8)
، وقال:(في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً)
(9)
.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي
(10)
وصححه عن أبي هريرة
(1)
سورة الأنعام: 119.
(2)
سورة القصص:50.
(3)
سورة النساء: 66 - 68.
(4)
سورة محمد:17.
(5)
سورة الحديد: 28.
(6)
سورة المائدة: 16.
(7)
سورة الصف: 5.
(8)
سورة الأنعام: 110.
(9)
سورة البقرة: 10.
(10)
برقم (3334). وقال: حسن صحيح. وأخرجه أيضًا أحمد (2/ 297) =