الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجلس آخر حول فتنة الخليج
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لا شك أن مشكلة الساعة هي هذه الفتنة التي يصدق فيها أنها دخلت كل بيت من بيوت المسلمين، وقبل أن ندلي برأينا فيها وقد تكرر البحث حولها مراراً وتكراراً، ولكن لابد مما لابد منه من على الأقل من إيجاز واختصار الكلام حول هذا الموضوع موضوع الساعة، ولكن لابد لي بين يدي ذلك أن أتكلم عن مسألة فقهية أصولية طالما وقع في مخالفتها جماهير المسلمين قديماً وحديثاً، وبخاصة في هذه الفتنة.
هذه المقدمة هي أنه لا يجوز للمسلم الذي يخشى الله عز وجل ويتقيه أن يتكلم في مسألة شرعية في التحريم أو في التحليل بل في التكفير والتضليل إلا على بينة من الله ورسوله؛ لقوله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]،
ومعلوم من علم أصول الفقه أن المسائل الشرعية تدور على أصول أربعة مقطوع بها عند أهل السنة والجماعة حقاً، ألا وهي الكتاب والسنة الصحيحة، وليس كل ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصحيح، ولذلك نقول في الأصل الثاني: السنة الصحيحة، ثم الإجماع علماً أنه ليس كل إجماع يدعى يكون إجماعاً صحيحاً واقعاً، فالإجماع الذي هوحجة هو ما يساوي قول بعض أهل العلم: ما كان معلوماً من الدين بالضرورة، فهذا هو الدليل أو المرجع الثالث والمصدر الثالث من المصادر الأربعة.
رابعها وآخرها: القياس، والقياس منه ما هو جلي ومنه ما هو خفي، وإذا عرفنا أن أدق هذه المراجع أو هذه الأصول الأربعة هي القياس وعرفنا أن منه ما يكون خفي أي: لا يظهر لكل أهل العلم فضلاً عن غيرهم حينئذٍ نأخذ من هذه المقدمة النتيجة التالية، ألا وهي أنه لا يجوز للمسلم حتى ولو كان طالب علم أن يقول: أنا أرى كذا، إلا إذا كان لديه نص صريح من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة كما قلنا، فهنا من الممكن لطالب العلم القوي أن يقول: أنا أعتقد أو أرى كذا وكذا، بناء على قول الله تبارك وتعالى كذا، أو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويذكره.
أما أن يدعي أو يتبنى رأياً له في مسألة ليس عليها نص صريح من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحيحة وإنما هناك يمكن أن يكون إجماع أو أن يكون هناك قياس، فاللجوء والاعتماد على هذين المصدرين إنما هو من شأن أهل العلم المتخصصين في دراسة الكتاب والسنة، فإن هؤلاء فقط هم الذين
يستطيعون أن يثبتوا إجماعاً صحيحاً، وهم الذين فقط يستطيعون أن يقيسوا النظير على النظير، والمثيل على المثيل، أما من دونهم من طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس الذين ليس لهم صلة بالعلم مطلقاً فهؤلاء وهؤلاء لا يجوز لهم أن يتدخلوا في مثل هذه المسائل التي تبنى إما على الإجماع وإما على القياس.
إذا عرفنا هذه المقدمة وهي مقدمة لا يمكن أن يناقش فيها أحد من أهل العلم؛ لأنها قضية مسلمة لا نزاع فيها، إذا عرفنا ذلك حينئذٍ ندخل في صلب هذه الفتنة التي ألمت بالعالم الإسلامي العربي خاصة، ثم الإسلامي عامة فإننا سنجد أن من آثار هذه الفتنة أن يتكلم فيها من لا علم عنده مطلقاً بالشريعة، فيقول: هذا فيه فلان من الناس إنه كافر أو في فلان من الناس: إنه مجاهد، أو فلان أصاب وفلان أخطأ، هؤلاء الناس لا يجوز لهم أن يصدروا رأياً لهم فيكونون والحالة هذه قد خالفوا الآية السابقة:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36]، كما أنهم يخالفون قول الله عز وجل:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] والرسول عليه السلام يأمر أهل العلم بأن يجيبوا إذا سئلوا، وأ لا يكتموا العلم الذين أعطوا كما قال عليه الصلاة والسلام:«من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» والناس اليوم إما عالم وإما غير عالم، ولا حالة وسطى بين هؤلاء وهؤلاء.
وربنا عز وجل قد أوضح السبيل لكل من الطائفتين في قوله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فأهل الذكر عليهم البيان، ومن سواهم عليهم السؤال عن البيان، وحينئذٍ عندما ينطلق المجتمع الإسلامي
بعلمائه وبغير علمائه في هذا الحدود تستقيم حياتهم، وإن خالفوا اضطربت حياتهم كما هو واقع المسلمين اليوم.
إذاً: يجب على كل فرد من أفراد المسلمين أن ينظر إلى نفسه، إن كان يرى في نفسه أهلية العلم فسئل فعليه أن يجيب، وإن كان يعرف من نفسه أنه ليس من أهل العلم فحذار أن يتكلم بما لا علم عنده، وعليه أن يصمت وأن يسأل أهل العلم كما سمعتم آنفاً في الآية السابقة.
بين يدي هذه المقدمة أتحدث عن الفتنة النازلة بالمسلمين عامة كما ذكرنا.
فأقول: إن هذه الفتنة تتعلق بجنسين من الناس، الأول: الحكام، والآخر: المحكومون، الأول: رؤوس الدول الإسلامية، والآخر الشعوب المسلمة، ثم نقول أو نعود إلى القسم الأول، ألا وهم الحكام، فنقول: هؤلاء طائفتان بالنسبة للفتنة القائمة الآن، كلهم عليه مسؤولية شرعية، لا أحد منهم ينجو منها إلا إن افترض أنه تاب إلى الله عز وجل وأناب، ولكن والحالة هذه لابد من أن تظهر آثار هذه التوبة عملياً وليس قولياً، بعض هؤلاء الحكام ظهر اعتداؤهم شرعاً على دولة مجاورة لهم، واجتاحوها كما يقال في ليلة لا قمر فيها، وهذا حكم مخالف للشرع واضح لا يقبل جدلاً من أهل العلم، وأما عامة الناس فقد قلنا ما يجب أن يقال في حقهم وهو أنهم لا يجوز لهم أن يتكلموا لأنهم لا علم عندهم.
ربنا عز وجل يقول في محكم كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، ولا شك عندنا مطلقاً في أن الحاكم المسيطر على العراق بغى على الحاكم المسيطر على الكويت، وحينئذٍ لو كان هناك من يحكم الشريعة الإسلامية في كل مصيبة أو نازلة أو كان بإمكانه ولو كان عادة يطبق الأحكام الشرعية مائة بالمائة وهذا مع الأسف عزيز لا وجود له اليوم، لكني أقول: حتى لو وجد مثل هذا الحكم فإنه مع الأسف الشديد لا يوجد مستطيع لتطبيق الآية السابقة: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، ذلك لأنكم تعلمون جميعاً إن شاء الله بأن الدول العربية قبل نزول هذه البلية قد عقدوا اجتماعات كثيرة، ومؤتمرات عديدة، كان جماهير المسلمين وشعوبهم لا يعرفون شيئاً من الخلافات التي تدور في تلك المؤتمرات أو كما يقولون اليوم: ما يجري وراء الكواليس، جمهور الناس لا يعلمون شيئاً من ذلك، لكنهم كانوا يلاحظون أن هناك خلافات وخلافات كثيرة أو شديدة، ولذلك تنعقد تلك المؤتمرات وتلك الاجتماعات، ومعنى ذلك أنها لم تفد هذه الدول اجتماعاتهم ومؤتمراتهم شيئاً، فكان من نتيجة ذلك أي: من عدم وجود حاكم يحكم بما أنزل الله على الأقل في هذه المسألة، أو يحكم بما أنزل الله في هذه المسألة لكنه لا يستطيع تنفيذها؛ لأن تنفيذها يحتاج إلى قوة أقوى من قوة الباغي، لأن الله عز وجل يقول كما سمعتم:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9].
ونحن نعلم بحكم الواقع وهذا مما يفرحنا من جهة ويحزننا من جهة أخرى
نعلم من جهة الواقع أن الدولة السعودية كانت هي الدولة المرشحة لتنفذ هذا الحكم الشرعي لما هو معروف عنها أنها هي من بين الدول العربية بل والإسلامية الأعجمية الأخرى هي التي تطبق الأحكام الشرعية، وإن كان هذا التطبيق في بعض الجزئيات فيها نظر ولكنها على كل حال الأمر كما قيل قديماً وحديثاً: حنانيك بعض الشر أهون من بعض، فالذي يحكم بالإسلام بالمائة خمسين خير من الذي يحكم بالإسلام بالمائة عشرين، وهكذا دواليك، هذا يفرحنا من جهة أن هذه الدولة تطبق الأحكام الشرعية أحسن من غيرها، لكن يحزننا أن غيرها من الدول الإسلامية الأخرى ليس فقط لا تسير مسيرتها على عجرها وبجرها، بل لأنها لا تكاد تحكم بما أنزل الله مطلقاً، وإنما تحكم بالقوانين التي قد يكون بعضها إنجليزياً وبعضها فرنسياً وهكذا، لذلك فإذا قال الله عز وجل:{فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] كان المفروض أن الدولة السعودية هي المرشحة لما ذكرنا من تفوقها على غيرها من الدول العربية الأخرى في تطبيق الأحكام الشرعية، كانت هي المرشحة أو المفروض أن تنفذ هذا الحكم الشرعي، لكن مع الأسف لا تستطيع أن تنفذ هذا الحكم الشرعي، لماذا؟
لأنها أولاً لا تطبق الأحكام الشرعية بالمائة مائة، وثانياً: لو أرادت أن تطبق هذا الحكم الشرعي فكثير من الأحكام الشرعية والتي تطبقها والحمد لله، فهذا الحكم تنفيذه يتطلب أن تكون الدولة المنفذة له هي أقوى دولة بالنسبة للدول العربية الإسلامية، لكننا نحن مع الأسف الشديد لم نجد هذه القوة في هذه
الدولة التي هي خير من غيرها من الدول العربية من حيث تمسكها بتنفيذ الأحكام الشرعية؛ لأنها ضعيفة من حيث قوتها المادية بالنسبة للدولة الباغية.
الدولة الباغية كما تدل ظواهر تلك المؤتمرات وتلك اللقاءات لم يفد فيها الأمر الأول المأمور به في الآية السابقة: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، ما أمكن الإصلاح، حينئذٍ يأتي الأمر الآخر في الآية:{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] من الذي يقاتل هذه الفئة الباغية؟ من كان أقوى منها، هذه الأقوى مع الأسف الشديد لم توجد ليس فقط في هذه الدولة التي قلنا إنها كانت هي المفروض أن تكون المنفذة لهذا الحكم أو لهذا الأمر الثاني في الآية الكريمة، بعد أن لم يفد تنفيذ الأمر الأول، وهو محاولة الصلح، وأكبر دليل على ذلك أن هذا البغي الذي لم يمكن إزالته بالطريقة الأولى والحسنى وهي الصلح، ولا بالطريقة الأخرى وهي المقاتلة أو القتال لما ذكرناه مع الأسف نتج من هذا البغي أمر ما كان ليخطر في بال أحد من المسلمين كافة أن يتحقق في سبيل ماذا، في سبيل تحاشي اعتداء وبغي آخر قد يقع من هذه الدولة الباغية على الدولة الأخرى المجاورة للدولة المبغي عليها ألا وهي الدولة السعودية، ما الذي نتج من وراء ذلك؟ الاستعانة ليس فقط بالدول العربية، ومعلوم كما ذكرنا آنفاً أنها لا تحكم الشريعة الإسلامية، بل وفيها دولة تعلن أنها لا تتبنى الإسلام ديناً، وإنما تتبنى البعث ديناً ومنهاجاً لها، ألا وهي الدولة السورية، فاستعانت الدولة السعودية الشرعية بهذه الدول وفيها الدولة السورية وهي دولة بعثية معروفة، ومعروفة أنها كانت دائماً تتحدث عن الانبريالية وعن الأمريكان
واليهودية ونحو ذلك، وإذا هي أخيراً تنضم إلى الجيش الأمريكي والجيش البريطاني، الذي أو الذين استعانت بهم الدولة السعودية، لماذا؟ خشيت أن يصيبها ما أصاب جارتها على حد المثل الشامي، ما أدري إذا كان هذا معروفاً في هذه البلاد: إذا حلق جارك بل أنت.
فخشيت الدولة السعودية أن يصيبها ما أصاب الكويت من الدولة العراقية، كيف حلت المشكلة ودفعت الخوف عنها من وقوع اعتداء جديد عليها؟ استعانت بالكفار، هل هذه استعانة مشروعة في الإسلام؟ علماً بأن طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم والمبرزين في المجال العلمي يعلمون جميعاً أن هناك قاعدة شرعية لم يضعها الفقهاء على الأقل بعضهم، فإن القواعد الفقهية مع الأسف مع أنها قواعد أصولية فهي في كثير من الأحيان تختلف من مذهب إلى آخر، فالأصول التي يرجعون إليها في تطبيق الفروع قد يختلف مذهب عن آخر، فالقاعدة التي يعلمها كما قلت آنفاً حتى طلاب العلم يعلمون أنها ليست قاعدة وضعها بعض العلماء الأصوليون وإنما هي قاعدة وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموصوف بحق في قوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3 - 4] ذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال مقعداً ومؤصلاً لتلك القاعدة والأصل ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنا لا نستعين بمشرك» .
«إنا لا نستعين بمشرك» قاعدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعلها شريعة مستمرة إلى يوم القيامة، وفي لفظ آخر .. وهذا اللفظ الأول أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في لفظ آخر أخرجه أبو عبد الله الحاكم في كتابه المعروف بالمستدرك بلفظ: «إنا لا
نستعين بالمشركين على المشركين» فهذه قاعدة لا يجوز لدولة مسلمة إذا كانت تحكم بما أنزل الله، أما إذا كانت قد تجردت وكفرت بما أنزل الله فليس بعد الكفر ذنب، وليست الدولة السعودية كذلك لأنها لا تزال في كثير إن لم أقل: في أكثر أحكامها تصدر عن كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، أما هاهنا فقد خرجت عن هذه القاعدة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما شرحنا.
إذا عرفنا هذه الحقيقة فهنا مخالفتان صريحتان من دولتين مسلمتين: الباغية والتي خشيت البغي من الباغية، (انقطاع) ببغيها على جارتها، والأخرى باستعانتها بأعداء الأمة الإسلامية كلها ألا وهم الأمريكان والبريطان وغيرهم من الدول الصليبية الأخرى وهي معلومة لديكم.
ومن عجب أن تكون الاستعانة المذكورة هي ببعض الدول التي عرف موقفها تجاه المسلمين أنها ضدهم ومؤيدة لموقف اليهود في احتلالهم لفلسطين سواء كان البريطانيين أولاً ثم الأمريكيين ثانياً، فهؤلاء كلهم ممن تمالؤوا في تأييد سيطرة اليهود على فلسطين ضد المسلمين جميعاً، لو كان يمكن أن تخالف هذه القاعدة النبوية:«إنا لا نستعين بمشرك» لو كان يمكن أن تخالف هذه القاعدة النبوية بالاستعانة ببعض المشركين لكان ذلك بمشركين لم يعرف تاريخهم الأسود في انحيازهم للمستعمرين اليهود على المسلمين، كان يمكن أن يكون هذا مع شيء من التحفظ، لأن مخالفة القاعدة النبوية لا يجوز إلا في ظرف خاص لا يستطيع أن يلم به إلا أولوا الأمر الذي يجمع الأمراء والعلماء، ولكني أقول كلمة ربما لم يسبق في كل ما جرى مني من حديث حول هذه المسألة: إن
كان يجوز الاستعانة بهؤلاء الكفار الصليبيين وإدخالهم إلى البلاد الإسلامية التي تعتبر ملجأ البلاد الإسلامية الإسلامية الأخرى كلها إن كان يجوز الاستعانة بهؤلاء المشركين وإدخالهم إلى بلاد المسلمين فما هو الموضع الذي لا يجوز الاستعانة بالمشركين؟ إذا كان الاستعانة بالمشركين وصل بحكم الضرورة التي نسمعها أحياناً من بعضهم استجازوا بها زعموا أن يدخلوا الكفار إلى بلاد الإسلام فإذاً هذا معناه تعطيل القاعدة النبوية؛ لأنني لا أتصور استعانة أخرى بالكفار يمكن أن تكون أخطر من هذه الاستعانة.
إذاً: إلى هنا ننتهي عن الكلام فيما يتعلق بالحكومات، ويبقى الكلام الذي يتعلق بالشعوب، أو أفراد الشعوب من المسلمين، ولكن قبل ذلك أريد أن ألفت النظر إلى شيء ينبغي أن ننبه له، أن الإسلام يعطي للأسباب حكم الغايات، فمن أمر بقتل نفس مؤمنة بغير حق فحكمه حكم الذي باشر القتل بيده، هناك آمر بقتل رجل مسلم ومأمور بهذا القتل وهذا المأمور نفذ القتل، فالآمر حكمه حكم هذا القاتل الذي باشر القتل، لأنه أمر بما حرم الله عز وجل.
أريد من هذا المثال والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً أن الوسائل التي تؤدي إلى غايات محرمة فهذه الوسائل أيضاً هي محرمة كما أن الوسائل التي تؤدي إلى غايات مشروعة فهي أيضاً وسائل مشروعة، على خلاف القاعدة الأوروبية الكافرة الصليبية التي تقول: الغاية تبرر الوسيلة. أي: الغاية التي يرونها هي من صالحهم تبرر لهم الوسيلة مهما كانت مؤدية إلى غاية غير مشروعة، ومع الأسف الشديد إن بعض الأحزاب الإسلامية تتبنى هذه القاعدة الكافرة الغاية تبرر
الوسيلة من حيث يدرون أو لا يدرون، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، أعني: أنهم يجوزون لأنفسهم أن يتبنوا من الوسائل والأسباب ما يعلمون أنها ليست أسباباً مشروعة، لكنها بزعمهم تؤدي إلى غاية مشروعة، الوسائل والأسباب كالغايات يجب أن تكون مشروعة ولا يجوز أن تكون مخالفة للشرع.
الغرض أن أذكر الآن أنه كان من نتيجة ذلك البغي وألمحت إلى هذا، ولكنني أذكر مرة أخرى كان من نتيجة ذلك البغي الذي لو افترضنا أنه لم يقع لم تقع هذه الفتنة الكبرى وهي جلب الكفار الصليبيين إلى بلاد الإسلام لا أقول بأبخس ثمن بل دون ثمن، بل وبثمن يدفعه المستعينين بهؤلاء الكفار، وهذا من أسوأ ما وقع في التاريخ الإسلامي حسب علمي، وهنا أذكر بمثل عربي قديم لكن لا أريد منه إلا التذكير بهذا المثل، ولا أريد منه أن نبرر أو أن نسوغ هذه الاستعانة، فقد عرفتم أنها مخالفة لصريح القاعدة النبوية كما ذكرنا، هذا المثل العربي يقول: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني.
أقول: إن هذا لسان الدولة السعودية، لكن هذا ليس عذراً له، أي: أنني استعنت بهؤلاء الكفار والذين مع الأسف يسمونهم بالأصدقاء حينما يتحدثون أننا استعنا بالدول العربية الإسلامية وبالأصدقاء من دول أخرى، كيف يكون هؤلاء أصدقاء وهم أعداء الأمة الإسلامية كما ذكرنا آنفاً، هذا ليس عذراً لهم، لكن حقيقة الأمر لولا أن الوتد شق الجدار ما كان انشق الجدار، قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني.
فلا عذر مطلقاً لا للباغي ولا للمستعين بالكفار في مثل هاتين المخالفتين
للشرع.
الآن أدخل فيما يتعلق بالشعوب المسلمة وأفراد المسلمين، وهو الأمر الثاني أو الأمر الثالث إذا ما قسمنا الدول إلى باغية وإلى مستعينة، فهذان قسمان.
القسم الثالث: ما هو الموقف، وهذا سؤال لا أقول: يطرح نفسه فقد طرح نفسه مراراً وتكراراً، والناس يتحدثون في كل مجلس يعقد في هذه الأيام، ما هو موقف المسلمين كأفراد وجماعات وأحزاب؟
أنا أقول: إذا لم تستطع الدول العربية مجموعة أن تحل هذه المشكلة وأن تقضي عليها فما عسى أن تفعل الأحزاب والجماعات والأفراد؟ ! ! لا تستطيع أن تفعل شيئاً مطلقاً؛ لأن الفرد أضعف من الجماعة، والجماعة أضعف من الحزب المنظم المكتل، وهذه المجموعة كلها هي أضعف بكثير سواء قلنا عن الضعف من الناحية العلمية أو من الناحية المادية، من هذه الدول العربية مجتمعة وهذه كلها لم تستطع أن تصنع شيئاً، لا أن تحول بين الباغي وبغيه، ولا أن تصد الباغي إلى أرضه، فماذا يفعل أفراد المسلمين اليوم؟
لذلك نحن نذكر عامة المسلمين بواجبهم في أوقات الفتن وهذه الفتنة أنا شخصياً لا أعلم نظيرها وقع في العالم الإسلامي، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في كثير من الأحاديث الصحيحة:«إن بين يدي الساعة فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي كافراً ويصبح مؤمناً» في بعض هذه الأحاديث: «يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل» وفي بعض آخر: «فإذا
أدركتم ذلك -أو كما قال عليه الصلاة والسلام قال: فكونوا أحلاس بيوتكم» أي: الزموا بيوتكم ولا تتدخلوا في مثل هذه الفتن لأنكم لا تستطيعون أن تصلحوا؛ لأن الدول التي هي أقوى منكم كما ذكرنا لن تستطيع أن تصلح ولا أنتم يا معشر الأفراد من الشعوب أو الجماعات أو الأحزاب لن تستطيعوا أن تقاتلوا والدول كلها لن تستطيع أن تقاتل، إذاً: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: «كونوا أحلاس بيتكم» .
هذا ختام ما أردت أن أقوله بهذه المناسبة، ولكني أيضاً أريد أن ألفت النظر إلى بعض الظواهر التي نلمسها الآن مما يذكرنا ببعض الفقرات التي جاءت في بعض تلك الأحاديث، منها قوله عليه الصلاة والسلام إن الناس في زمن الفتن لهم عقول لكنها كالهباء يحسبون أو يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء، وإذا كانت هذه الفتنة بهذه المثابة في الضخامة والخطورة ولم يلتزم المسلم بيته وداره فمتى يلتزم داره، نحن نعلم أنه وقع في التاريخ الأول خلاف بين المسلمين لم يتدخل الكافر الصليبي الذي أمر المسلمون بمقاتلته وبأن يدعو إلى واحدة من ثلاث: إما الإسلام وإما الجزية وإما أن يدفعوا، وإما القتل، أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون وإما الحرب، لم يتدخل في ذلك الخلاف الذي وقع في الإسلام الأول أعني: ما بين علي ومعاوية رضي الله عنهما لم يتدخل الكافر بين الفريقين، بل كان يحسب حسابهما، ويخشى سطوتهما، ومع ذلك فقد انحاز كثير من الصحابة عن الطائفتين، ولم ينضموا إلى إحداهما، لماذا؟ لأنه كانت ستراق، وفعلاً أريقت دماء كثير من المسلمين من بين الطائفتين
المتقاتلتين، فكان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتزلوهما؛ لأنها فتنة المسلم يقاتل أخاه المسلم في أمر فيه شبهة، فيه دقة، هذا خليفة المسلمين وهو علي بن أبي طالب لم يبايعه معاوية وهو في دمشق الشام، لكنه يحتج بأنه يطالب بقتل الذين قتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
إذاً: لكل من المتقاتلين وجهة نظر، وإن كنا نحن اليوم بعد أن تمكنا من دراسة التاريخ الإسلامي وهذا الخلاف الذي وقع قديماً، الآن نستطيع أن نقول بكل صراحة وبكل جرأة: إن علياً كان الحق معه، وأن معاوية كان باغياً مع أنه مسلم، ومع أنه صحابي، لكن كيف عرفنا هذا؟ وهل يمكن الآن نعرف هذا الخلاف الناجم بين الدول العربية وهو أدق بكثير من ذاك الخلاف الذي تبين الحق لنا بعد دراستنا لأسباب الخلاف، وعرفنا أن أحد الصحابة الذين انمازوا وانحازوا عن كل من الطائفتين انضم أخيراً إلى جيش علي حينما رأى نبوءة من نبوءات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية» ، فلما قتل عمار رضي الله عنه وكان في جيش علي حينئذٍ انضم بعض الصحابة من الذين سمعوا هذا الحديث من فم الرسول عليه السلام كان من قبل لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء لما ذكرت آنفاً من أنه فيه هناك شبهة، فهو لا يريد أن يقاتل مسلمين من أجل أن هذا المسلم يرى أن أولئك على خطأ، لكن لما تبين من المعصوم شهادة لا يأتيه الباطل من بين يديها ولا من خلفها:«ويح عمار تقتله الفئة الباغية» انضم إلى علي، هل نحن معشر أفراد المسلمين اليوم نستطيع أن نقول: إننا يجب أن نكون مع هؤلاء أو مع هؤلاء، مع هؤلاء على هؤلاء أو مع هؤلاء على أولئك،
أين الدليل في هذا علماً بعد أن شرحنا لكم أن كل منهما مخالف للشرع، وليس الأمر كما كان في عهد علي الحق كان مع علي، ومعاوية كان هو الباغي.
مع ذلك مع الفارق الواضح الكبير بين تلك الفتنة وبين هذه الفتنة الفارق الكبير من جهة أن هناك الفتنة كانت بين طائفتين مسلمتين، أما الآن فالفتنة أولاً بين طائفتين مسلمتين، زائد أن مع إحدى الطائفتين دول مشركة كافرة صليبية وهي أيدت اليهود على المسلمين، فالمشكلة هنا أكبر وأكبر، لذلك لا يستطيع المسلم في هذه الظروف الحرجة إلا أن يتمسك بقوله عليه السلام، بل وأن يعظ عليها بالنواجذ:«كونوا أحلاس بيتوكم» .
هذا آخر ما يتيسر لي ذكره بهذه المناسبة، وأنا أعلم يقيناً أن هناك كثيراً من الأسئلة والإشكالات، لكني أريد إن كان هناك شيء من ذلك أن يلاحظ السائلون ما قدمت آنفاً من التفريق بين العلماء وغيرهم أن لا يحكم أحدهم برأي وباجتهاد من عنده وهو ليس من أهل العلم والاجتهاد، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
(الهدى والنور / 454/ 01: 01: 00)
(الهدى والنور / 454/ 35: 35: 00)
السؤال: سائل يقول: الرجاء التفريق بين الواقع في الخليج وأفغانستان، حيث أنكم قلتم: أن أفغانستان جهاد ونية، والخليج فتن؟
الشيخ: هل يقول السائل المسكين إنه حينما بدأ الجهاد في أفغانستان كان
هناك فتنة، أم كان جهاداً، هذا السؤال تكرر مع الأسف من كثير من الناس، فهم لا يفرقون بين الناس من إخواننا الأفغانيين والذين جاهدوا عشر سنين في سبيل القضاء على الحكم الشيوعي في بلادهم، وإن أصابتهم وكسة أو نكسة مع الأسف في آخر هذه السنين ونرجو أن يكون أمراً عارضاً لا يفرق هذا السائل وأمثاله بين واقع هؤلاء الذين ابتدؤوا الجهاد في سبيل الله صداً للحزب الشيوعي الذي يتبناه الشيوعيين هناك سواء كانوا من السفيت قديماً أو من أذنابهم حديثاً، لا يفرقون بين هذا الجهاد وبين الفتنة القائمة اليوم وليس هناك جهاد، ولذلك فمن تمام الحديث الذي أشرت إليه في خاتمة كلمتي السابقة أننا يجب أن لا نكون كما يقول المثل العامي السوري: إن الناس عصا تجمعهم وعصا تطرهم، كلمة تجمعنا وكلمة تفرقنا، من عهد قريب كان يوجد بعض الناس الذين يتظاهرون بأنهم دعاة إسلاميون، أو يتظاهرون بأنهم دعاة إسلاميين، كانوا يكفرون حزب البعث ومن يكون على رأسه، وإذا الآن ما بين عشية وضحاها أصبح هذا الرئيس هو أمل الأمة أو الشعوب الإسلامية كلها، ما الذي جرى؟
لأنه بدأت منه كلمات طيبات جميلات ونحن نريد أن تكون معبرة عن واقع هذا الرئيس، ولكننا نريد أن نرى فعلاً وألا نسمع كما قيل: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً، نحن اكتفينا بأقوال ومواعيد من كل هؤلاء الحكام خاصة ذلك الذي قضى الله عليه، الذي كان يخدر أعصاب الشعوب المسلمة بقوله: إننا نريد أن نرمي اليهود في البحر. فماذا كانت العاقبة، أنهم تمكنوا من البر من فلسطين .. إلخ، هذه كلمات اعتدناها، فنحن نريد أقوالاً.
نحن نسمع مثلاً شيء يبشر بخير، بأن صدام حسين تبين له أن لا حياة ولا ولا .. إلا بالإسلام، نحن نريد دعماً لهذه الكلمة، أن يعلن تبرؤه من حزب البعث، ثم هذا لا يكفي، أن يلغي شيئاً اسمه حزب البعث، ثم هذا لا يكفي أن يلغي الأحزاب كلها؛ لأن الإسلام لا يقر أي حزب، لأن الله عز وجل يقول في صريح القرآن الكريم:{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 31 - 32]، من عجب والكلام كما يقال ذو شجون: أن الدول الإسلامية أكثرها يوجد فيها ما يسمونه بالرطنة الأعجمية البرلمانات، وهذه البرلمانات تجمع فيها بين الصالح وبين الطالح، تجمع فيها وتقبل فيها أي شخص كان منتمياً إلى أي حزب ولو كان هذا الحزب يوالي دولة كافرة تخذل الإسلام والمسلمين، مع ذلك له حق أن يرشح نفسه في البرلمان، مع ذلك تجد بعض الأحزاب الإسلامية يرون: ماذا فيها البرلمانات؟ لا ينتبهون أن هذا النظام كافر، لا يمثل حكم الإسلام، الإسلام يقوم مخاطباً الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159]، ويقول في الآية الأخرى:{وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38]، ترى أمرهم شورى بينهم من من المسلمين يفهم حتى من هؤلاء الحزبيين أمرهم شورى بينهم، أي: الصالح والطالح، العالم والجاهل، ما أظن أن أحداً يفهم هذه الآية بأنها تعني استشارة كل فرد من أفراد المسلمين، ثم يدخل في ذلك النساء، ثم يدخل في النساء المؤمنة والفاسقة والمتبرجة والمتسترة، هل هذه الآية تعني كل هذه الأجناس من الجهال والفساق ونحو ذلك؟ لا أحد أظن يعتقد إذا كان عنده شيء من المعرفة بالإسلام، وحينئذٍ
كيف يقولون ماذا
…
لا يعلمون
…
تتمة المجلس في الشريط التالي.
(الهدى والنور / 454/ 09: 54: 00)