الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحول أهل السنة في لبنان
مداخلة: في السؤال الثالث عن وضع إخواننا المسلمين من أهل السنة في لبنان، ومرحلة ثانية الإعداد العسكري للدفاع عن النفس؟
الشيخ: نعم، نحن لا نؤيد مطلقاً أي جماعة إسلامية أن يتهيؤوا سلاحياً مادياً، قبل أن يتهيؤوا سلاحياً معنوياً؛ وذلك لسببين اثنين:
أحدهما علمي، والآخر تجربي إذا صح التعبير، أما العلمي فهو أننا إذا نظرنا إلى قوله تبارك وتعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، نجد في هذا النص معنى مضمناً فيه غير واضح كالمعنى الصريح في لفظه، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، أي: قوة مادية، ما هو هذا المعنى ضمني، لمن الخطاب في قوله:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال: 60]؟ المسلمون المؤمنون حقاً والمحافظون على كل ما أمر الله به ورسوله، أم هم أمثالنا من المسلمين في آخر الزمان؟ من المقصود بهذا الخطاب؟
هم طبعاً النوع الأول من المؤمنين، طيب، ولذلك فنحن نوجب على كل جماعة في أي بلد كانوا في أي قرية كانوا أن يعنوا قبل كل شيء بالإعداد المعنوي ولنقل الإيماني الذي يوجب عليهم ما أشرنا إليه آنفاً من فهم الإسلام
فهماً صحيحاً وتطبيقه تطبيقاً عملياً في حدود الإمكان.
نحن نعرف أن من حكم بعض الدعاة العصريين اليوم قوله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم. المقصود واضح جداً بقوله: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، أي: حققوا الإيمان الصحيح الكامل في قلوبكم، فجزاؤكم عند ربكم أن يحقق لكم ما تنشدونه وما تدعون إليه من إقامة الإسلام في أرضكم.
لكننا نجد كثيراً ممن يتبنون هذه الحكمة لا يقيمون الدولة الصغيرة في ذواتهم .. في نفوسهم .. في أبنائهم .. في نسائهم .. في بناتهم .. في دورهم، إذا دخلت دار بعضهم تجدها ممتلئة بكثير من الأمور المخالفة لهذا الدين الذي أمر هذا الحكيم بإقامته في قلوب الناس.
فالشاهد: نحن لا نؤيد الاستعداد المادي الفردي لهذا السبب؛ لأن الأهم في الأفراد أن يحققوا في نفوسهم .. في قلوبهم الإيمان الصحيح.
قلت: العلمي والتجربي، أما التجربي فما رأينا أثراً عاد بالفائدة على أي طائفة من المسلمين استعدوا الاستعداد المادي السلاحي في ضوء حياتهم في مجتمعاتهم الذين يحكمون فيها بغير الإسلام، ما وجدنا لهذا الاستعداد السلاحي إلا الضرر الأكبر الذي كانوا يفكرون بالهروب منه فوقعوا في أعظم منه.
وأنا أُذَكِّر بفتنة الحرم المكي، فهؤلاء استعدوا لإيجاد لتحقيق نظام خلاف
النظام القائم في ذاك البلد، فكانت العاقبة شراً مما كانوا يعيشون فيه من قبل، فقد عادت الدعوة القهقرى إلى سنين كثيرة وكثيرة جداً؛ بسبب هذه الثورة التي قاموا فيها.
اذكروا معي الثورة في مصر .. اذكروا معي الثورة في سوريا .. اذكروا معي أخيراً الثورة في الجزائر، ماذا جنى المسلمون من هذه الثورات، ولا نسميها ثورات وإنما من الاستعداد السلاحي والمادي، ما جنوا إلا الحنظل كما يقال.
لذلك أنا أقول: إذا كان هذا في الدول التي تسمى بالدول الإسلامية، فماذا نقول بالنسبة لدولة نصرانية مسيحية لا يريدون للإسلام إلا الضرر المجسد المجسم، كما نرى من تأييد الحكومات النصرانية لليهود في احتلالهم لفلسطين.
لكني مع ذلك أقول: إن أي طائفة مسلمة تعيش في دولة كافرة، نحن نرى أنه يجوز لها أن تدافع عن نفسها، وأن تتعاطى من السلاح ما لا تجعل الدولة أو تقدم للدولة حجة لها لتستأصل شأفة المسلمين في بلادها، فأرى أنه لا مانع بل هو الواجب أن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم فيما إذا اعتدي عليهم، أما أن يفكروا بالقيام بانقلابات وثورات فهذه لا تشرع في البلاد الإسلامية، فضلاً عن أنها لم تنجح في البلاد الإسلامية، فضلاً عن أن تنجح في دولة نصرانية. هذا رأيي في الموضوع.
وأنا أنطلق إلى هذه النتيجة من أمور كثيرة وكثيرة جداً، فيما يتعلق بالأمر الأول وهو من الآية السابقة:{وَأَعِدُّوا} [الأنفال: 60]، فالخطاب للمؤمنين، على
المؤمنين أن يستعدوا معنوياً قبل أن يفكروا أن يستعدوا مادياً، أما من حيث الدفاع عن أنفسهم إذا ما هوجموا في دورهم فهذا واضح من الحديث المشهور في صحيح مسلم وغيره ألا وهو قوله عليه السلام:«من مات دون ماله فهو شهيد» ، فإذا هوجم المسلم في داره جاز بل وجب عليه الدفاع، هذا في سبيل الدفاع نؤيده تماماً، أما النظر للمستقبل البعيد لقيام ثورة ضد الحكم، وبخاصة إذا كان غير إسلامي، فهذا لا تستطيع أن تقوم به طائفة مسلمة مستضعفة، وفي بلاد يحيط بها الكفار من كل جانب. هذا رأيي في الجواب عن هذا السؤال.
مداخلة: إذاً إعدادهم؟
الشيخ: بالدفاع عن أنفسهم.
مداخلة: يعني مجرد تدريب فقط؛ لأنه لو ما سمح الله هوجموا يكونوا أصلاً معدين ..
الشيخ: أي نعم.
مداخلة: لكيفية الاستخدام على السلاح والجلد والصبر.
الشيخ: أي نعم، بشرط: ألا يجلب سلفاً قبل أن يعتدى عليهم اعتداء الحكومة عليهم. نعم.
مداخلة:
…
من
…
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، هو للمؤمنين حقاً كما سلف ليس الآن، يعني
…
ما الدليل على هذا نحن مؤمنون نحن مطالبون؟
الشيخ: الدليل الآية، وأنا قلت لك: الآية تتضمن شيئين اثنين، أحدهما ظاهر وواضح وهو الإعداد المادي، لكني قلت ولفت النظر إلى هذا السؤال الذي أنت تذكره الآن:(وأعدوا) الخطاب لمن؟
مداخلة: للمؤمنين.
الشيخ: مباشرة من هم؟
مداخلة: الصحابة.
الشيخ: طيب.
مداخلة:
…
الشيخ: اسمع يا أخي بارك الله فيك.
الصحابة كانوا مؤمنين حقاً؟
مداخلة: كانوا.
الشيخ: طيب. أنا أقول الآن: إذا فرضنا طائفة من المسلمين فساق هل هم المخاطبون بهذه الآية؟
مداخلة: لا نستطيع، لكن نقول لو مثلاً ..
الشيخ: أيه أنا أستطيع أن أقول، أولاً: أنت تعرف قوله عليه السلام: «المجاهد من جاهد هواه لله» ، تعرف هذا الحديث؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: طيب. فالفاسق هل جاهد هواه لله؟ قل لا.
مداخلة: لا.
الشيخ: إذاً لماذا تتورع أن تقول أن هذا الخطاب ليس موجهاً للفاسقين؟ طيب، وارتقي وارتقي حتى تصل معي إلى المؤمنين حقاً، المؤمنون حقاً هم الذين يقومون بما فرض الله عليهم من واجبات، وينتهون عما حرم الله عليهم من محرمات، ليس من الضروري أن يكون هؤلاء يصومون الدهر ويقومون الليل، لا، هذه نوافل، لكن المؤمنون هم الذين يأتون بما فرض الله وينتهون عما حرم الله، فحينما تجتمع طائفة من المؤمنين على هذه المواصفات، وبإمكانهم أن يعدوا.
وأظنك يا أخي ما تكون من الجماعة الذين يعالجون الأمور بعواطفهم، إذا قلت لك الآن: الأمر هنا للمؤمنين حقاً، لكن إذا كان هؤلاء المؤمنون حقاً لا يستطيعون تحقيق هذا النص القرآني:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]، هل هم مكلفون؟ طيب.
مداخلة:
…
الشيخ: طيب، فإذاً هل المسلمون اليوم إذا فرضنا أن هناك طائفة من المسلمين تجمعوا في أرض ما وهم المخاطبون مباشرة بالآية السابقة كالصحابة:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال: 60]، لكنهم لا يستطيعون، فهل تقول: يجب أن يفعلوا ما لا يستطيعون؟
لا، إذاً لماذا تستغرب حينما أقول لك: الآية لها معنيان: معنى ظاهر صريح يفهمه كل الناس، ومعنى ضمني مضمون في خطابه تبارك وتعالى لأولئك المؤمنين الأولين.
{وأعدوا} متى نزلت هذه الآية؟
هي ما نزلت في مكة، هي نزلت في المدينة، لماذا؟
لأنهم لم يكونوا أولاً بمثابة من يستحق أن يوجه هذا الخطاب.
ثانياً: لم يكن هناك تكتل أيضاً على أساس من هذا الإيمان القوي.
ولذلك فالدعوة تمشي في مراحل والتاريخ يعيد نفسه كما قلت لك آنفاً.
فالآن كثير من بعض الشباب المسلم الذين ينتمون إلى بعض الجماعات في مصر أو في غيره يتحمسون للإعداد المادي، وهم يلقون كل بلاء وكل فتنة، ويرجعون القهقرى؛ بسبب أنهم يستعدون الاستعداد المادي قبل أن يتمكنوا منه، بحيث تكون لهم الغلبة على عدوهم.
ولذلك فأنا أرجو أن يلاحظ هنا في هذه الآية شيئان اثنان:
الشيء الأول ذكرته آنفاً.
والشيء الثاني ذكرته لاحقاً وأخيراً، وهو: الاستطاعة، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، اليوم أنا في اعتقادي لا يمكن لأي جماعة مسلمة أن يطبقوا هذا النص القرآني: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ} [الأنفال: 60]، اليوم رباط الخيل كما تعلمون يعني نادراً ما يكون له فعله المؤثر في الحروب الآلية الموجودة اليوم.
فإذاً: الاعتداد الذي نؤمر به اليوم ليس هو تربية الخيل وسياسة الخيل؛ لأنه لم يبق لها ذاك المفعول الذي كان له من قبل، الآن قامت الدبابات والطائرات والقنابل هذه المهلكة المدمرة .. إلى آخره، مقام هذه الوسائل التي كانت معروفة من قبل.
إذاً: هذا الإعداد يا أخي ليس من السهل أن تقوم به جماعة من المسلمين متفرقون أولاً مبعثرون في أقطار الأرض، وثانياً لم يربوا التربية الإسلامية الصحيحة على الإسلام المصفى.
هذا الذي نحن ندين الله به، ونعتقد أن الله عز وجل سينصر الذين يسيرون على هذا الطريق بأن ييسر لهم الاستعداد المادي كما سهل لهم الاستعداد المعنوي، والله عز وجل على ذلك قدير. غيره.
(الهدى والنور / 736/ 31: 18: 00)
(الهدى والنور / 736/ 51: 20: 00)
(الهدى والنور / 736/ 36: 27: 00)