الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مجلس آخر حول فتنة الخليج
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مباحث حديثية متخصصة حول مسألة الاستعانة بالمشركين والكفار.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة والله وبركاته ومغفرته.
المتصل: مساك الله بالخير يا شيخ.
الشيخ: مساك الله بالخيرات.
المتصل: كيف حالكم؟
الشيخ: أحمد الله.
المتصل: كيف الإخوان عندكم طيبين؟
الشيخ: الحمد لله بخير إن شاء الله.
المتصل: محمد عبد الله من السعودية.
الشيخ: أهلاً ومرحباً.
المتصل: أنا كنت اتصلت بك يا شيخ تذكرني قبل يومين؟
الشيخ: سألتني عن ماذا؟
المتصل: عن حديث سلمك الله حديث مشكل الآثار عند الطحاوي.
الشيخ: أي نعم أذكر.
المتصل: تذكر؟
الشيخ: أذكر.
المتصل: جزاك الله خير. والله يا شيخ نحن من طلابكم الذين تربينا على هذا المنهج والذي علمتمونا عليه.
الشيخ: بارك الله فيك ونفع بكم.
المتصل: وإياكم، هذه المسألة أشكلت علينا يعني: نجد آخرين يضعفوا الأدلة، وآخرين يقولوا: ليست في المسألة أدلة، فأنا لما وقع بين يدي هذا الحديث اتصلت بكم قبل يومين، وسألتكم عنه، فعللتموه أحسن الله إليكم بثابت بن الحارث، وأنه مجهول، فاكتفيت بهذا من جوابكم، ثم تذاكرنا بعد ذلك أنا وبعض الإخوة حول هذا الحديث وهم يصححونه، فقلت: أنا سألت الشيخ بنفسي في عمان وقال لي: إن هذا الحديث معلل بثابت بن الحارث وأنه مجهول، قالوا: نأتي لك بالكتب ونتدارس، وندرس إسناد هذا الحديث، ووجدت أن معهم وجدت معهم أن هذا الحديث في إسناده ثابت بن الحارث كل الكتب تذكر أنه صحابي بدري، فما أدري أنا أريد في الحقيقة أصل إلى حل وإلى نتيجة حتى نخرج من هذه الحيرة؟
الشيخ: بارك الله فيك، الحل ما ينبغي أن يأتيك أنت أو غيرك من دراسات في علم يكاد أن يكون صار مدروساً ومجهولاً، فأنتم الذين اجتمعتم ودرستم إسناد هذا الحديث كم مضى عليكم في هذا العلم؟
المتصل: لسنا بالمطيلين فيه، قليل جداً، سنوات.
الشيخ: يعني: عشرون سنة؟
المتصل: لا، أقل من هذا.
الشيخ: عشر سنين؟
المتصل: قريباً.
الشيخ: قريباً.
المتصل: تسع سنوات.
الشيخ: طيب، فكيف يصح أن تتسلط عليكم الحيرة بين رأي جديد ورأي عتيق قديم قضى حياته أكثر من نصف قرن من الزمان في هذا العلم، فأنتم ماذا فعلتم؟ فعلتم فتحتم على كتاب الإصابة ونحو ذلك من الكتب الأخرى التي قد يكون فيها إصابة وقد لا يكون فيها إصابة فوجدتم أن ثابت بن الحارث قالوا فيه إنه صحابي، فحلت فيكم الحيرة؛ لأنكم اعتددتم ببحثكم ولم تعتدوا ببحث غيركم ممن تعلمون يقيناً أنه أقعد في هذا العلم والفن منكم.
فما كان ينبغي لكم أن تقعوا في مثل هذه الحيرة، وسأقول لك ولأمثالك من
طلاب العلم الطيبين إن شاء الله، مذكراً بقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فأنتم جميعاً الذين استمعتم ودرستم إسناد هذا الحديث وبخاصة حالة ثابت بن الحارث هذا، إما أن تعتبروا أنفسكم من العلماء بهذا العلم النبوي الكريم وإما أن تعتبروا أنفسكم من الطلاب لهذا العلم لا أكثر من ذلك، فإن كنتم علماء فحق لكم أن تعتدوا برأيكم وألا تقع الحيرة أيضاً في علمكم، وإن لم تكونوا كذلك وكنتم طلاب العلم أو لستم علماء فكذلك لا ينبغي أن تقعوا في الحيرة بل عليكم أن تفعلوا كما جاء في الآية السابقة:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، أما أنت فقد قمت بتطبيق هذه الآية، ولكن ما كان ينبغي لك أن تدخل نفسك مع الجماعة فتقول: الحقيقة أننا وقعنا في حيرة، فما دام أنت سألت من تظن فيه العلم فلماذا تقع في الحيرة وأنت لا تظن بنفسك أنك من أهل العلم وإنما أنت من الطلاب لهذا العلم.
أما الآخرون الذين كانوا معك فيمكن أن يقبل عذرهم لأنهم ما سألوا ولكنهم قد نقلت إليهم ما سألت وأجبت، فمن هذه الحيثية أيضاً ليسوا معذورين في أن يقعوا في الحيرة، فأقول لك ولهم: إما أنتم علماء فلا ينبغي أن تقعوا في الحيرة ويكون شأنكم شأن العلماء الفقهاء والمحدثون الذين اختلفوا في بعض المسائل، هذا يقول يجوز وهذا يقول لا يجوز، ولكل رأيه ولكل نصيب من اجتهاده، إما أن يثاب أجرين أو أن يثاب أجراً واحداً، وكذلك علماء الحديث، فإما أن تكونوا من هؤلاء العلماء فتعتدون برأيكم ولا تقعون في حيرتكم، وإما أنتم لستم كذلك، فلا يحق لكم أيضاً أن تقعوا في الحيرة، بل عليكم أن تسألوا
أهل العلم.
هذا كلام المقصود به النصيحة لوضع قاعدة تنطلقون منها في دراستكم للعلم.
أما الجواب الموضوعي كما يقال ليس كل من يقال فيه إنه صحابي فهو صحابي، ولكي تكونوا على بصيرة بخصوص هذه المسألة أولاً ثم بخصوص مسائل أخرى قد ترتبط بهذه المسألة بالذات أنصح لكم أن تعودوا إلى الإصابة في أسماء الصحابة التي لابد أنكم رجعتم إليها إلى المقدمة، فتقرؤون فيه فصلاً ما هو الطريق أو ما هو السبيل لمعرفة كون الرجل صحابياً أو لا، فهمتني؟
السائل: نعم نعم فهمتك.
الشيخ: فأنا بعد هذا أنتظر منكم حصيلة هذه الدراسة في هذا الموضوع من كتاب الإصابة، فإذا فهمتم الموضوع من الإصابة، وطبقتم ما ذكر هناك من السبل التي بها يمكن معرفة كون الشخص صحابياً أو لا، فستعلمون بعد ذلك أن ثابت بن الحارث الأنصاري ليس صحابياً بل هو مجهول، بل هو تابعي مجهول لم يوثقه أحد. هذا جوابي.
المتصل: أحسن الله إليكم يا شيخ.
الشيخ: وإليك وبارك فيك.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
(الهدى والنور / 458/ 58: 00: 00)
أبو ليلى: السؤال: أعد شيخنا كلامك هذا الذي ذكرته.
الشيخ: أقول: هذا الحديث الذي سمعتم الجواب حوله وأنه غير ثابت هو حديث الساعة، خاصة في بلاد السعودية، ولعلكم سمعتم إما مباشرة أو بواسطة الأشرطة أننا أنكرنا أول ما وقعت الواقعة استنصار السعوديين بالكفار، ولنا نحو خمسة أو ستة أشرطة حول هذه المسألة، بلا شك هذه الأشرطة وصلت إلى البلاد السعودية وعملت عملها في نفوس كثيرين من الطلاب وأهل العلم هناك، من هذه الأشرطة أنني عالجت حديثاً هو حديث ثابت بن الحارث هذا، وبهذه المناسبة يحسن أن تعرفوا حول ماذا يدور هذا الحديث، حتى تتم فائدة استماعكم لجوابنا لذاك السائل وعن طريق تضعيفنا لهذا الحديث، فما هو هذا الحديث.
يقول الحديث: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة أحد جاء إلى اليهود، فقال لهم: نحن أهل كتاب وأنتم أهل كتاب، وينبغي أن تعينونا على المشركين، هذا الحديث أورده أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار من أجل التوفيق بينه وبين الحديث المعروف:«إنا لا نستعين بمشرك» ولفظ مسلم: «لن نستعين بمشرك» فساق الطحاوي هذا الحديث بإسناده ووفق بينه وبين الحديث الثاني، فقال: لا تعارض؛ لأن أهل الكتاب ليسوا مشركين، والحديث الثاني يقول: لن نستعين بمشرك، فهو ما استعان بالمشركين وإنما بأهل الكتاب.
أنا الحقيقة أبني مثل هذا التوفيق ومثل هذا الجمع، ولكن طريقة الفقه والعلم
الصحيح يقتضيا قبل كل شيء أن ننظر في صحة هذا الحديث الأول، حتى نفكر في طريقة التوفيق بينه وبين الحديث الآخر، أما إذا لم يكن ثابتاً في حقيقة الأمر فذلك قد يغنينا عن محاولة التوفيق بينه وبين الحديث الصحيح لا سيما إذا كان التوفيق هزيلاً كهذا التوفيق الذي ذهب إليه الإمام أبو جعفر الطحاوي، ولهذا توجهت إلى دراسة إسناد هذا الحديث.
فتكشفت لي حقيقة هامة جداً، وهي أن تابعي الحديث وهو الذي سمعتم الكلام حوله ثابت بن الحارث الأنصاري هو تابعي لم يوثق إطلاقاً، ولم يرو عنه إلا رجل حضرمي ونسيت اسمه الآن، ثم هذا الحديث بالذات الحضرمي يقول: عن ثابت بن الحارث الأنصاري أن رجلاً من قومه الذين حضروا المعركة أحد يعني حدثه، فهذا فيه إشعار أولاً أن الرجل لم يكن حاضر المعركة، لأنه يرويها عن رجل من قومه حضر، لا شك هذا الرجل صحابي، ولو لم يسم، لأن الصحابة كلهم عدول، لكن يجب أن نعرف ترجمة ثابت هذا، هل هو تابعي ثقة أم لا، فبحثت وبحثت، كتب الرجال مثل الجرح والتعديل وغيره يذكروه على أنه تابعي، كتب الصحابة يذكروه في الصحابة، ومنهم الحافظ بن حجر العسقلاني ذكره في الإصابة في أسماء الصحابة على أنه صحابي، وذكر له ثلاثة أحاديث، منها حديثنا هذا، في كل هذه الأحاديث الثلاثة مدارها أولاً على الحضرمي، الأحاديث الثلاثة مدارها على الحضرمي، وثابت في هذه الأحاديث الثلاثة ما قال في واحد منها: سمعت رسول الله، أو حضرت في مجلس رسول الله، أو غزوت مع رسول الله، أو أي عبارة أخرى تصرح بأنه صحابي، وإنما يقول فيها
كما في الحديث الأول عن رجل من قومه، أو يقول: قال رسول الله كذا.
فإذاً: هنا الأحاديث التي رواها مع قلتها وهي ثلاثة أحاديث واحد منها رواه عن صحابي، اثنين منها قال: قال رسول الله، فمن أين تأتي الصحبة، من أين يأتي إثبات الصحبة لثابت هذا وهو لا يشهد في أي رواية من الروايات الواردة عنه أنه كان مع الرسول عليه السلام، أو سمع الرسول عليه السلام؟
يضاف إلى ذلك أن الحضرمي المذكور آنفاً لما يترجموه هو ثقة، لكن ما ذكروا له ولا رواية عن صحابي، فكيف يكون هذا ثابت بن الحارث مع كل هذه الأمور الواردة عليه كيف يكون صحابياً، ولهذا أنا انتهيت إلى أن الرجل تابعي مجهول.
وصل هذا الكلام إلى تلك البلاد واهتموا بالموضوع لأن الحديث في ظاهره يؤيد واقعهم هناك، أنه أهل كتاب استعانوا بأهل كتاب، لكن الشيخ الألباني يضعف هذا الحديث، فاتصل معي هذا الطالب وسألني وأعطيته الجواب أن هذا الحديث فيه ثابت بن الحارث الأنصاري، وهو تابعي ومجهول، الليلة يتصل معي ويقول وسمعتم أنهم اجتمعوا ودرسوا هذا الحديث، ووجدوا أن هذا الرجل صحابي، فأعطيته الجواب أنه هذا صحابي بناء على أنكم رجعتم إلى كتب الصحابة، لكن ما عرفتم القاعدة العلمية التي بها تثبت الصحبة، فأحلتهم على مقدمة الإصابة لابن حجر هناك له كلام جيد جداً كيف يمكن معرفة الصحابة، ذكر مثلاً إذا قال عن نفسه في رواية تابعي ثقة أنه صحابي فتقبل شهادته، أو قال تابعي: حدثني رجل من أصحاب الرسول عليه السلام وهو ثقة
فأيضاً تثبت صحبته، أو جاءت روايات متواترة أو مشهورة بأنه حضر مع الرسول عليه السلام مجالسه أو غزواته، هذا ثابت بن الحارث لا يصدق عليه أي سبيل أو أي طريق من الطرق التي ذكرها الحافظ في المقدمة، مقدمة الإصابة أن بطريق منها تثبت صحبة الشخص الذي يظن أنه صحابي، ولهذا أنا انتهيت إلى أن ثابتاً ليس صحابياً، ما الفرق؟
الفرق جوهري جداً، لأنه إذا ثبت أنه صحابي فالقاعدة أنهم عدول، ولا يقال في الصحابي: ثقة حافظ لا، أما إذا كان تابعياً فلابد من إثبات عدالته، ثم إثبات حسن ضبطه وحفظه.
فإذاً: لم يثبت أن هذا صحابي، إذاً: نحن نريد أن نعرف هل هو عدل ثقة حافظ، ما أحد دندن حول هذا الوصف، بالنسبة للذين ترجموا له ولم يذكروا أنه صحابي، أما الذين ذكروا أنه صحابي فذكروا الأحاديث التي رواها وليس في شيء منها ما يؤكد أو يثبت صحبته، بل هناك تلك الملاحظة، ومن أجل هذه الملاحظة التي ذكرتها آنفاً وهي أن الحضرمي الراوي عنه لما ذكروا في ترجمته ما قالوا: روى عن فلان الصحابي فلان الصحابي، من أجل الملاحظة وهي غير مسطورة، ومن أجل الملاحظة الأولى في نقد حشد وحشر هذا الرجل في الصحابة هذا لا تجده مسطوراً في كتب أهل العلم، من أجل هذا قلت ما قلت لذلك الطالب، أنه أنتم إما أن تكونوا من أهل العلم فلكم رأيكم واجتهادكم هذا، أما إن لم تكونوا كذلك وأنتم تشهدون بأنكم طلاب علم فليس لكم أن تقعوا في الحيرة، إما أنت عالم فتعتد برأيك ولا تقلد غيرك، وإما أنت طالب
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] فمن أين لهؤلاء الطلاب ومثلهم كثر اليوم، كنت آنفاً سأسمعكم ما كتبت.
ألفت النظر في بعض الكتابات من آثار نتيجة التعلق بهذا العلم بسرعة والأخطاء التي تترتب من وراء ذلك، ولذلك قلت لهؤلاء: هذا العلم يحتاج إلى زمن طويل حتى الإنسان يكتشف أموراً ما يجد شيئاً منها مسطوراً، هذا العلم لازم ينبع من شخص هذا العالم، فقلت أنا في كلامي السابق: أنه قبل ما نحاول التوفيق بين حديثين لازم نتأكد من صحة الحديث المعارض للحديث الصحيح، ففعلت ما شرحته آنفاً، وتبين أن الحديث ضعيف، لكن من طريقة أهل العلم في الرد على الشبهات والإشكالات أنه صحيح أنا قلت أن الحديث ضعيف، وبينت العلة، لكن هذا بالنسبة لكل الناس ما يكفي، لأنه كما سمعتم أنا إذا قلت هذا الحديث ضعيف ضروري يتصور كل البشر سيؤمنوا بكلام ناصر، لا، إذاً: نريد نضع الجواب الفقهي على افتراض أن الحديث هذا صحيح.
أنا قلت في ردي على الطحاوي وهو مسطور عندي في هذا الكتاب، قلت: كيف يقال بأن اليهود والنصارى يجوز الاستعانة بهم لأنهم ليسوا مشركين، والله عز وجل قال:{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73] فهم مشركون، وقال عن اليهود أنهم قالوا:{عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] إذاً: هؤلاء مشركون لكن نعم فرق الله عز وجل في بعض الأحكام بين المشركين لهم كتاب وبين مشركين ليس لهم كتاب، فالتوفيق بين الحديثين من زاوية وهي أن أهل الكتاب ليسوا مشركين فلا معارضة بين هذا الحديث وحديث: لن أستعين بمشرك، فهذا جواب
ما هو صحيح، وذكرت أشياء مهمة جداً، ولعل بعضكم ما طرق سمعه من قبل.
من ذلك في هناك قاعدة ذكرها الطحاوي وهي مقلوبة معكوسة، أنه ليس كل كفر شرك، وكل شرك كفر، كل مشرك كافر، لكن ليس كل كافر مشركاً، هذا من كلام الطحاوي في صدد إجابته أو توفيقه بين الحديثين، فأنا رددت عليه بشيء من التفصيل، وأحب أن أسمعكم إياه، لكن لابد من شرح بعض الشيء.
أنا كنت أريد أسمعكم بعض الأوهام التي يقع فيها الشباب، وبعدين أتت مناسبة القول على هذا الحديث، فالآن هذا الحديث الذي اليوم حققته ووجدت فيه بعض الملاحظات في بعض المتعلقين بهذا العلم، الحديث نصه:«إن شئتم أنبأتكم» هذا ضعيف خذو انتباه، «إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة، وأول ما يقولون له، قلنا: نعم يا رسول الله، قال: فإن الله يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا عفوك ومغفرتك، فيقول: قد وجبت لكم مغفرتي» .
مداخلة: الله أكبر.
الشيخ: يكبر لأن الحديث صحيح في ظنه، مع أننا نحن نبهنا أنه ضعيف، لا يقال حينئذٍ الله أكبر، لأنه معناه أنت تقوي الضعيف.
قلت أنا: ضعيف أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد. طبعاً: أجزاء وصفحات ما لكم فيها، ومن طريقه أحمد وكذا الطيالسي وابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا والطبراني وأبو نعيم والبغوي في شرح السنة كلهم عن ابن المبارك،
قال: أخبرنا يحيى ابن أيوب أن عبيد الله بن زحر حدثه عن خالد بن أبي عمران عن أبي عياش قال: قال معاذ رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال أبو نعيم: تفرد به عبد الله يعني: ابن المبارك، قلت: وهو إمام حافظ ثقة، لكن عبيد الله بن زحر قال الذهبي في الكاشف: فيه اختلاف، وله مناكير ضعفه أحمد، قلت: وأما ابن حبان فضعفه جداً فقال في الضعفاء: منكر الحديث جداً يروي الموضوعات عن الأثبات، وأبو عياش وهو المعافري المصري ليس بالمشهور، لم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم، ولا ابن حبان، ولا ابن عبد الحكم في الفتوح، ولا الفسوي في المعرفة، نعم ذكره في التهذيب برواية ثلاثة عنه ولم يحك عن أحد توثيقه، فهو مجهول الحال، ولهذا قال في التقريب: مقبول، يعني: عند المتابعة وما علمت له متابعاً، ومن هنا يتبين جهل أو على الأقل (وهم المعلق على أوائل الطبراني حيث قال: إسناده حسن رجاله إما ثقة وإما صدوق). هذا أحد المعلقين لهذا الكتاب .. الأوائل للطبراني، وهذا أنا أعرفه (سوري من الإخوان المسلمين تعلق بهذا الحديث بالعلم يعني منذ بضع سنين)، فأتى حسن هذا السند وقال: رجاله إما ثقة وإما صدوق، وفيهم أبو عياش ما وثقه أحد، غير ابن زحر هذا الذي سمعتم ترجمته.
ولا يقويه أن له طريقاً أخرى يرويه قتادة ابن الفضل، هنا أرجو تتنبهوا، قتادة بن الفضل، سيصححه بعض الجهلة يقول: الصواب قتادة بن الفضيل، فاحفظوا هذا، أن له طريقاً أخرى يرويه قتادة بن الفضل بن قتادة الزهاوي، قال: سمعت ثور بن يزيد يحدث عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به نحوه، أخرجه
الطبراني في المعجم الكبير جزء وصفحة ومسند الشاميين جزء وصفحة، وكذلك قلت أنا في الأول: لا يقويه، هذه الرواية، وذلك لأن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ، كما قال أبو حاتم، وارتضاه العلائي في مراسيله، وعليه فيحتمل أن يكون بينهما أبو عياش الذي في الطريق الأولى، التي هو ما وثقه أحد، فيرجع الحديث إلى تابعي واحد وطريق واحدة، وهي مجهولة كما تقدم، على أن قتادة ابن الفضل (ووقع جملة معترضة) ووقع في التهذيب والتقريب الفضيل خطأ، لم يوثقه غير ابن حبان، وقال أبو حاتم شيخ، وقال الحافظ مقبول، قلت: وقد عرفت اصطلاحه في هذا اللفظ، يعني: مقبول عند المتابعة، ولكني أرى أنه ينبغي أن يفسر قتادة هذا بمعناه اللغوي أي: مقبول مطلقاً، لأنه روى عنه جمع من الثقات، منهم أحمد بن سليمان أبو الحسين الرهاوي الحافظ الثقة، فهو مقبول الحديث، إذاً: إلا إذا ثبت وهمه والله أعلم.
ومن هذا التحقيق في هذين الإسنادين إلى معاذ يتبين خطأ الهيثمي أيضاً في قوله جزء كذا صفحة كذا رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن، فإنه يعني هذا الإسناد الثاني، وكأنه خفي عليه الانقطاع الذين بين خالد بن معدان ومعاذ ولولا ذلك لكنت معه في تحسينه لما شرحت من حال قتادة ابن الفضل.
تنبيه على وهمين، الأول: ذكرت آنفاً الخطأ الذي وقع في التهذيب والتقريب في اسم الفضل والد قتادة هذا، فاغتر بهما المعلق على أوائل ابن أبي عاصم فخطأ الصواب الذي في رواية الطبراني مع أنه موافق لترجمة ابن الفضل في المراجع الأصول مثل «تاريخ البخاري» و «الجرح والتعديل» ، و «ثقات ابن
حبان»، (هؤلاء الثلاثة الكتب عليها يعتمد كل الذين ألفوا في التراجم مثل ابن حجر)، وقتادة ابن الفضل جاء بن الفضل، ما جاء ابن الفضيل، فتحت الكتب القديمة، كذلك جاء في سند الحديث قتادة بن الفضل، فجاء هذا المعلق لأنه ناشئ رأى الراوي مترجم في تهذيب التهذيب لابن حجر والتقريب له مسميه قتادة بن الفضيل، قال: ووقع في كتاب الطبراني قتادة بن الفضل وهو خطأ، لماذا خطأه؟ لأنه لا يعرف أن التهذيب والتقريب هو الخطأ، كيف يعرف أن هذا خطأ؟ بالرجوع إلى الأصول، هم لا يعرفوا يرجعوا إلى هذه الأصول، لذلك جعل الصواب خطأ والخطأ صواباً.
فقلت أنا بعد ما بينت هنا أن هذه الأصول مثل تاريخ البخاري والجرح والتعديل وثقات ابن حبان وهكذا فليكن التصويب من هؤلاء المعلقين المتعلقين بهذا العلم في هذا الزمان الكثير فتنه والله المستعان.
هذا التنبيه الأول، والآخر أن المعلق الآخر على أوائل في كتابين، هذا أوائل الطبراني في الأوائل لابن أبي عاصم، ليس عندي هذا، هذا المعلق على أوائل الطبراني قال بعد أن عزى الحديث الترجمة لأحمد فقط، عزى حديث الترجمة لأحمد فقط، أنا لما خرجت الحديث قلت: أخرجه عبد الله بن المبارك في الزهد ومن طريقه أحمد والطيالسي وابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا والطبراني في المعجم الكبير وفي الأوئل وأبو نعيم في الحلية والبغوي في شرح السنة، هو قال: رواه أحمد، ما عليك في سبيل اختصار أن يذكر مصدر واحد، لكن أحمد روى من طريق ابن المبارك، فلماذا لا يأخذ الحديث من منبعه؟ لأنه ما يعرفه،
مثل هؤلاء شو بيعملوا أنه يحط اسمه محقق كتاب كذا، وهي عبارة عن نقول ثجة ما هي يانعة ولا هي ثمار نافعة، فقال بعد أن عزاه لأحمد فقط، وأخرجه يعني: أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بنحو ذلك، وعزا ذلك لكتاب الفتح الرباني بالجزء والصفحة، وأنت أيها القارئ إذا رجعت إلى الفتح المذكور وجدته قد عزى حديث أبي سعيد هذا إلى البخاري ومسلم والترمذي، فعلى ماذا يدل عزو المؤلف للحديث لأحمد دون الشيخين؟
الحديث موجود في الصحيحين يقول: رواه أحمد، هذا معناه أنه رجل ما عنده علم في هذا، لأنه عزوه لأحمد لا يعطي الصحة، عزوه للشيخين يعطي الصحة، هذا أولاً، ثم قلت: وأيضاً فحديث أبي سعيد لا يصلح شاهداً، لحديث الترجمة؛ لأنه يختلف عنه كل الاختلاف، إلا في الجملة الأخيرة منه مع المغايرة في اللفظ، وهاك لفظه لتكون على بينة من الأمر، أظن استوعبتوا الحديث الضعيف، إن شئتم نبأتكم ما أول ما يقول الله تعالى للمؤمنين يوم القيامة وأول ما يقول لهم؟ انظر حديث أبي سعيد الذي جعله شاهد للحديث الضعيف.
«إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعْط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربنا! وأي شيء أفضل من ذلك، قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبداً» هذا الحديث جعله شاهداً لحديث ضعيف، هذه مصيبة طلاب العلم اليوم الذين متكالبين متهاجمين على علم الحديث لأنهم ظنوه سهل المنال، فجعلوا يضعوا الكتب هذه وينقلوا من
هنا ومن هنا وألفنا كتاباً، ويضللوا الناس من حيث لا يشعرون، ولذلك نحن سواء في علم الحديث أو علم الفقه ننصحك أيها الطالب للعلم إن كنت عالماً فأفت بما تعلم وأجرك على الله، وإن كنت لست عالماً فاسأل أهل العلم، هكذا ربنا يأمرنا في القرآن الكريم.
أما الحديث الذي سبقت الإشارة إليه فأظن أنني أحصله إن شاء الله قريباً، وتسمع يا أبو فارس أن العبارة التي تشبث بها أبو جعفر الطحاوي أنه كل مشرك كافر وليس كل كافر مشرك خطأ.
الحديث السابق ذكره: «إنا جئناكم بخير -يعني: اليهود_ إنا أهل الكتاب، وأنتم أهل كتاب، وإن لأهل الكتاب على أهل الكتاب النصر، وإنه بلغنا أن أبا سفيان قد أقبل إلينا بجمع من الناس، فإما أطلتم معنا، وإما أعرتمونا سلاحاً» ذكرنا الحديث، هذا الحضرمي اسمه: الحارث بن يزيد، عن ثابت بن الحارث الأنصاري، عن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: وهذا إسناد ضعيف .. إلخ، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري فإنه غير معروف بعدالة أو جرح، ولم يورده أحد من أئمة الجرح والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط، وبيض له، يعني: ما قال فيه لا ثقة ولا شيء، وقد ذكر ابن هشام في السيرة عن محمد بن إسحاق عن الزهري أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا من اليهود؟ فقال: لا حاجة لنا فيهم.
وذكر نحوه ابن كثير في البداية، ومن قبله ابن القيم في زاد المعاد، وهو الموافق للحديث الصحيح عن عائشة: إنا لا نستعين بمشرك، أو بالمشركين، وهو
مخرج في الصحيحة برقم كذا، وعليه فإني أقول: إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة وما فيه من عرضه صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود أن يقاتلوا معه فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح، كما فعل الطحاوي حين قال: لأن اليهود الذين دعاهم النبي إلى قتال أبي سفيان معه ليسوا من المشركين، أولئك عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل كتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة الأثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا، قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين كحل ذبائحهم ونكاح نسائهم وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك قوله فكان كل شرك بالله كفراً وليس كل كفر بالله شركاً، فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين: الأول أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير صحيح كما بينا فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.
والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى إنهم ليسوا من المشركين، والله عز وجل قال في سورة التوبة، بعد آية:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} ، {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 28 - 30] فمن جعل لله ابناً
كيف لا يكون من المشركين، هذه زلة عجيبة من مثل هذا الإمام الطحاوي، ولا ينافي ذلك أنهم لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين فإنهم يشتركون معهم في أحكام أخرى كما لا يخفى على أولي النهى.
بمعنى: إذا كان أهل الكتاب يشتركون مع المشركين في أحكام، ويختلفون عنهم في أحكام، فما الذي يسوغ كونهم يختلفون عنهم في أحكام ألا نحكم عليهم بأنهم مشركون وقد اشتركوا معهم في أحكام، واشتركوا معهم في الشرك، فإذاً: هم مشركون، لكنهم أهل كتاب، ولهم أحكام خاصة بهم، ثم قلت: وقد لا يعلم الباحث الفقيه الذي نجاه الله من التقليد في الكتاب والسنة ما يؤكد ما تقدم ويبطل قول الطحاوي السابق: ليس كل كفر بالله شركاً، من ذلك -هنا الانتباه- تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنتيه كما قال عز وجل في سورة الكهف:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف: 35 - 36] فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي، ولكن السياق يرده، فتابع معي قوله تعالى:{قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 37 - 38] فتأمل كيف وصف صاحبه الكافر بالكفر ثم نزه نفسه منه معبراً عنه بمرادفه وهو الشرك فقال: {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 38] وهذا الشرك مما وصف به الكافر نفسه فيما يأتي، فتابع قوله تعالى بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا
وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف: 42] قلت: فهذا القول منه مع سباق القصة صريح جداً في أن شركه إنما كان هو شكه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي فهو باطل ظاهر البطلان.
وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» ، رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عباس، وهو مخرج في الصحيحة برقم كذا، فإن المراد بهم اليهود والنصارى، كما دلت على ذلك أحاديث أخر، منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلماً» رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك في الصحيحة، ولما كان حديث ابن عباس الذي هو رواه الشيخان حجة قاطعة في الموضوع غمز من صحته الطحاوي تعصباً لمذهبه مع الأسف، وزعم أنه وهم من ابن عيينة، قال: لأنه كان يحدث من حفظه، فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود والنصارى المشركين، ولم يكن معه من الفقه ما يميز به بين ذلك، سفيان بن عيينة من كبار شيوخ الإمام أحمد وثقات الحفاظ، أولاً ينسبه إلى الوهم، وبحجة يحتمل، ولم يكن عنده من الفقه والفهم يميز بين المشركين وبين اليهود والنصارى، كذا قال سامحه الله، فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة كابن عيينة من حفظه ليس بعلة، بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية، نسأل الله السلامة، وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن -انتبه يا أبا فارس ومن حولك- أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وبهذه الآية
احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو متبوع الإمام الطحاوي في التفريق المزعوم فقال عقبها .. قال ابن حزم: فلو كان هاهنا كفر ليس شركاً لكان مغفور لمن شاء الله تعالى بخلاف الشرك وهذا لا يقوله مسلم.
ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية وقال: فصح أن كل كفر شرك وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد، ولولا خشية الإطالة لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته فليراجعه من شاء المزيد من العلم والفقه.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إنا لا نستعين بمشرك، ولفظ مسلم: فارجع فلن أستعين بمشرك.
تنبيه: كان قد جرى بيني وبين بعض الإخوة كلام حول هذا الحديث، وأنه ضعيف الإسناد، فسأل عن العلة، فذكرت له الجهالة وبعد أيام اتصل بي هاتفياً وقرأ علي كلام الحافظ في الإصابة في ترجمة ثابت بن الحارث الأنصاري وأنه صحابي، ورجى النظر فيه، فرأيته قد أورده في القسم الأول منه ابن حجر، وساق له حديثين رواهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس فيهما ما يدل على صحبته، وأشار إلى هذا الحديث أيضاً، وهو كما ترى يرويه عن بعض الصحابة الذين شهدوا وقعة أحد، ووقفت له على حيث آخر يرويه بواسطة أبي هريرة، هو يرويه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فترجح عندي عدم صحبته وأنه تابعي مجهول، كما ذكرت في مطلع هذا الكلام، ولذلك فإني رأيت أن أسجل تفصيل ما أجملت هنا تحت أحد الحديثين المشار إليهما وسيأتيان إن شاء الله تعالى برقمي ستة عشر بعد المائة وستة آلاف وسبعة عشر بعد المائة وستة آلاف، والله ولي التوفيق.
مداخلة: الله يقويك يا شيخنا.
الشيخ: اللهم آمين، الآن نريد نسمع تبع المواصلات.
مداخلة: والله يا شيخ بعد ما سمعت الذي قلته خلاص ما فيه كلام.
الشيخ: خلاص، الحمد لله، لكن أنا أزيدك شيء: الحقيقة «شأن كل طالب مبتدئ في العلم وأنا كنت كذلك وربما لا أزال كذلك» ، كنت أقرأ هذا الحديث ويصيبني الإشكال، لأنه في بعض الروايات: ليس بين الكفر والرجل إلا ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر، في بعض الروايات فقد أشرك. أتسأل أنا كيف: فقد أشرك؟ يا أخي! هذا تارك صلاة خاصة الذي يتركها كسلاً، كيف يعني أشرك؟ كنت أظن لعله في وهم من الراوي، أنا طالب علم، بعد ذلك ربنا فتح ولو على سن والحمد لله فعرفت أنه شرعاً
…
(الهدى والنور / 458/ 57: 11: 00)
(الهدى والنور / 458/ 55: 26: 00)
(الهدى والنور / 458/ 25: 28: 00)