الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خِطْبَة الْكتاب]
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالَ
سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِمَنْ اصْطَفَى لِدِينِهِ خُلَاصَةَ الْعَالَمِينَ، وَهَدَى مَنْ أَحَبَّهُ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ، حَمْدًا نَسْلُكُ بِهِ مِنْهَاجَ الْعَارِفِينَ، وَنُمْنَحُ بِهِ دُخُولَ رِيَاضِ الشَّاكِرِينَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةَ الْمُوقِنِينَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بَهْجَةُ الْمُوَحِّدِينَ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى الْحَاوِي لِجَمِيعِ فَضَائِلِ الْمُرْسَلِينَ، مَنْ نَبَّهَ الْعُقُولَ لِتَحْرِيرِ تَنْقِيحِ أَحْكَامِ الدِّينِ، الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْقُدْوَةِ الْعُظْمَى فِي الْعَالَمِينَ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ هُدَاةِ الْأُمَّةِ وَالتَّابِعِينَ. وَبَعْدُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى مَوْلَاهُ الرَّاجِي عَفْوَ مَا اقْتَرَفَهُ وَجَنَاهُ " سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبُجَيْرَمِيُّ " الشَّافِعِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ أَحْبَابِهِ: قَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ أَصْدِقَائِي الْفُضَلَاءُ أَنْ أَجْمَعَ مَا كَتَبْته عَلَى نُسْخَتَيْ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَحَاشِيَتَيْ الشبراملسي عَلَيْهِ بِمَا تَحَرَّرَ مِنْ حَوَاشِيهِ فِي الطُّرُوسِ وَقَرَّرَتْهُ شُيُوخِي فِي الدُّرُوسِ، فَأَجَبْته لِذَلِكَ وَإِنْ كُنْت لَسْت أَهْلًا لِتِلْكَ الْمَسَالِكِ، وَسَمَّيْته: التَّجْرِيدَ لِنَفْعِ الْعَبِيدِ
وَأَسْأَلُ اللَّهَ النَّفْعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَمَتَى أَطْلَقْت شَيْخَنَا فَالْمُرَادُ بِهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْعَشْمَاوِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا وَلَهُ جَمِيعَ الْمَسَاوِئِ، آمِينَ.
(قَوْلُهُ قَالَ سَيِّدُنَا إلَخْ) هَذِهِ الْخُطْبَةُ بَلْ وَسَائِرُ خُطَبِ كُتُبِهِ وَضَعَهَا لَهُ وَلَدُهُ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ وَكَانَ مُشَارِكًا لِوَالِدِهِ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَلَى مَشَايِخِهِ مَاتَ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ غَرِيقًا فِي بَحْرِ النِّيلِ وَكَانَ مَوْتُهُ سَبَبًا لِعَمَى وَالِدِهِ وَلَهُ وَلَدٌ أَصْغَرُ مِنْهُ يُسَمَّى جَمَالَ الدِّينِ وَهُوَ الَّذِي أَعْقَبَ هَؤُلَاءِ الْعُلَمَاءَ النُّجَبَاءَ اهـ إطْفِيحِيٌّ. وَأَصْلُ قَالَ قَوَلَ بِالْفَتْحِ لَا بِالْكَسْرِ وَإِلَّا لَكَانَ مُضَارِعُهُ يُقَالُ كَيَخَافُ مُضَارِعُ خَافَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ بَابِ فَهِمَ يَفْهَمُ وَيَكُونُ أَصْلُ مُضَارِعِهِ يَقُولُ بِفَتْحِ الْوَاوِ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ لِمَا قَبْلَهَا ثُمَّ قُلِبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا الْآنَ، وَلَا بِالضَّمِّ وَإِلَّا لَكَانَ لَازِمًا لِأَنَّ فِعْلَ الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ، وَلَا بِالسُّكُونِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَوْزَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ:
وَافْتَحْ وَضُمَّ وَاكْسِرْ الثَّانِيَ مِنْ
…
فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ وَزِدْ نَحْوَ ضَمِنْ
وَلِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِقَلْبِ الْوَاوِ أَلِفًا، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ خُطْبَةُ ابْنِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ سَجْعَةً اثْنَتَانِ عَلَى الْمِيمِ وَخَمْسَةٌ عَلَى الْهَاءِ وَأَرْبَعَةٌ عَلَى النُّونِ، وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الشَّرْحِ ثَلَاثَ بَسْمَلَاتٍ الْأُولَى: لِابْنِ الْمُؤَلِّفِ وَالثَّانِيَةُ: لِلشَّارِحِ وَالثَّالِثَةُ: لِلْمَتْنِ، وَلَمْ يَأْتِ ابْنُ الْمُؤَلِّفِ بِالْحَمْدَلَةِ اكْتِفَاءً بِرَاوِيَةِ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ»
وَقَوْلُهُ: سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا، أَقُولُ: فِي حِفْظِي قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ: سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَإِنَّمَا يُقَالُ: مَوْلَانَا
قَاضِي الْقُضَاةِ
شَيْخُ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ
مَلِكُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ فَرِيدُ عَصْرِهِ وَوَحِيدُ دَهْرِهِ
حُجَّةُ النَّاظِرِينَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَسَيِّدُنَا كَمَا فِي قَوْلِ الْخَنْسَاءِ فِي أَخِيهَا صَخْرٍ:
وَإِنَّ صَخْرًا لِمَوْلَانَا وَسَيِّدُنَا
وَكَأَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى السَّيِّدِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَلَوْ أُخِّرَ عَنْ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا سَبَقَ لَنَا تَقْرِيرُهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ طَرِيقُ التَّرَقِّي فِيمَا إذَا كَانَ الْأَبْلَغُ أَخَصَّ مِمَّا دُونَهُ وَمُشْتَمِلًا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: عَالِمٌ نِحْرِيرٌ غُنَيْمِيٌّ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ. اهـ. ع ش.
وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَبْدُ رَبِّهِ بِأَنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِالرِّفْعَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّيِّدِ هُنَا هُوَ الَّذِي يُفْزَعُ إلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَوْلَى النَّاصِرُ وَالنُّصْرَةُ تَكُونُ بَعْدَ الْفَزَعِ لِأَنَّ الشَّيْخَ يُفْزَعُ لَهُ فِي تَحْقِيقِ الْعُلُومِ وَيَنْصُرُنَا بِذَلِكَ عَلَى مَنْ يُجَادِلُنَا، وَيُطْلَقُ السَّيِّدُ فِي اللُّغَةِ عَلَى مَنْ سَادَ فِي قَوْمِهِ أَيْ: شَرُفَ عَلَيْهِمْ مِنْ السُّودَدِ وَهُوَ الشَّرَفُ وَعَلَى مَنْ تَفْزَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ وَعَلَى مَنْ كَثُرَ سَوَادُهُ أَيْ: جَيْشُهُ وَعَلَى الْحَلِيمِ الَّذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ وَعَلَى الْمَالِكِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَوْصَافُ مُجْتَمَعَةً فِي الشَّيْخِ اهـ شَيْخُنَا حِفْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: قَاضِي الْقُضَاةِ) أَيْ: لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا بِمِصْرَ وَجَمِيعَ قُضَاتِهَا تَحْتَ أَمْرِهِ قِيلَ: إنَّهُ تَوَلَّى الْقَضَاءَ عَشْرَ سِنِينَ وَعَمِيَ عَشْرَ سِنِينَ لِيَكُونَ عَمَى كُلَّ سَنَةٍ كَفَّارَةً لِمِثْلِهَا مِنْ مُدَّةِ الْقَضَاءِ وَكَوْنُ عَمَاهُ كَفَّارَةً لَا يُنَاسِبُ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ كَانَ عَادِلًا فِي حُكْمِهِ؛ فَالْحَقُّ أَنَّ عَمَاهُ بِسَبَبِ بُكَائِهِ عَلَى وَلَدِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ: إنَّهُ تَوَلَّى الْقَضَاءَ عِشْرِينَ سَنَةً وَعَمِيَ كَذَلِكَ وَفِي نُسْخَةٍ: قَاضِي قُضَاةِ الْأَنَامِ وَهِيَ مُنَاسِبَةٌ لِمَا بَعْدَهَا.
(قَوْلُهُ: شَيْخُ) إمَّا مَصْدَرُ شَاخَ أَوْ وَصْفٌ لَهُ سَمَاعِيٌّ وَالْقِيَاسُ شَائِخٌ كَضَرَبَ فَهُوَ ضَارِبٌ، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
كَفَاعِلٍ صُغْ اسْمَ فَاعِلٍ إذَا
…
مِنْ ذِي ثَلَاثَةٍ يَكُونُ كَغَذَا
وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي جَمْعِهِ أَحَدَ عَشَرَ جَمْعًا خَمْسَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالشِّينِ شُيُوخٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا وَشِيَخَةٌ بِكَسْرِ الشِّينِ مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِهَا وَشِيخَانٌ كَغِلْمَانٍ وَخَمْسَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالْمِيمِ مَشَايِخُ وَمَشْيَخَةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ فَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَمَشْيُوخَاءُ مَعَ وَاوٍ بَعْدَ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا، وَوَاحِدَةٌ مَبْدُوءَةٌ بِالْهَمْزَةِ وَهِيَ أَشْيَاخٌ وَالْجَمْعُ الَّذِي هُوَ مَشَايِخُ بِالْيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ هَمْزَةُ لِأَنَّ الْيَاءَ أَصْلِيَّةٌ فِي الْمُفْرَدِ، وَهِيَ إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ لَا تُقْلَبُ هَمْزَةً فِي الْجَمْعِ كَمَعَايِشَ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَالْمَدُّ زِيدَ ثَالِثًا فِي الْوَاحِدِ
…
هَمْزًا يُرَى فِي مِثْلِ كَالْقَلَائِدِ
وَتَصْغِيرُهُ شُيَيْخٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَكَسْرِهَا وَقِيلَ: شُوَيْخٌ بِقِلَّةٍ قِيلَ: لَقَّبَهُ بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْخَضِرُ حِينَ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَافِيًا إلَى الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَدَخَلَ وَرَآهُ فِيهِ، وَقِيلَ الْمُلَقِّبُ لَهُ بِذَلِكَ الْقُطْبُ لَمَّا أَرَادَ الْمُجَاوِرُونَ ضَرْبَهُ أَيْ: الْقُطْبَ لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ لِصٌّ، وَكَانَ مَعَهُمْ الشَّيْخُ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: وَأَنْتَ مِثْلُهُمْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ مَلِكُ الْعُلَمَاءِ) أَيْ: الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَالْمَلِكِ فَالْكَلَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي نَحْوِ زَيْدٌ أَسَدٌ ع ش وَعِبَارَتُهُ عَلَى م ر الْمَلِكُ مِنْ الْمُلْكِ بِالضَّمِّ، وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْمَالِكُ مِنْ الْمِلْكِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِالْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ اهـ.
وَالْعُلَمَاءُ: جَمْعُ عَلِيمٍ كَكُرَمَاءُ جَمْعُ كَرِيمٍ (قَوْلُهُ: الْأَعْلَامِ) أَيْ: كَالْأَعْلَامِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا أَوْ كَالْأَعْلَامِ جَمْعُ عَلَمٍ بِمَعْنَى الْجَبَلِ، وَالْمُرَادُ الَّذِينَ هُمْ كَالْجِبَالِ فِي الثَّبَاتِ وَعَدَمِ التَّزَلْزُلِ وَفِي الْمُخْتَارِ الْعَلَمُ: بِفَتْحَتَيْنِ الْعَلَامَةُ وَهُوَ أَيْضًا الْجَبَلُ وَعَلَمُ الثَّوْبِ وَالرَّايَةُ ع ش (قَوْلُهُ: سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ) أَيْ: كَسِيبَوَيْهِ فِي زَمَانِهِ فِي الِاشْتِهَارِ بِالْفَضْلِ فَالْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى فِي وَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَوْ اسْتِعَارَةٌ لِأَنَّ الْعَلَمَ إذَا اشْتَهَرَ بِوَصْفٍ تَجْرِي فِيهِ الِاسْتِعَارَةُ كَحَاتِمٍ وَسَحْبَانَ، فَإِنْ قِيلَ سِيبَوَيْهِ اشْتَهَرَ بِالنَّحْوِ وَهَذَا بِالْفِقْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: رَافِعِيُّ زَمَانِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اشْتِهَارَهُ بِالْفِقْهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ اشْتِهَارِهِ بِالنَّحْوِ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: سِيبَوَيْهِ زَمَانِهِ (قَوْلُهُ: فَرِيدُ عَصْرِهِ) أَيْ: الْمُنْفَرِدُ فِي عَصْرِهِ أَيْ: لَمْ يُشَارِكْهُ أَحَدٌ فِي مَرْتَبَتِهِ وَالْعَصْرُ وَالْأَوَانُ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ: الْعَصْرُ مِنْ حِينِ الِاشْتِهَارِ وَالْأَوَانُ مِنْ حِينِ الْوِلَادَةِ وَكَذَا الدَّهْرُ.
وَالْعَصْرُ مُثَلَّثُ الْعَيْنِ مَعَ سُكُونِ الصَّادِ وَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَالصَّادِ فَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ
(قَوْلُهُ: حُجَّةُ الْمُنَاظِرِينَ) يَعْنِي أَنَّ كَلَامَهُ حُجَّةٌ لِلْمُنَاظِرِينَ
لِسَانُ الْمُتَكَلِّمِينَ مُحْيِي السُّنَّةِ فِي الْعَالَمِينَ زَيْنُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ
أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَأَسْكَنَهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِبَرَكَتِهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
كَالْأَدِلَّةِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ هُوَ الْمَنْقُولُ. ع ش وَالْمُنَاظِرِينَ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ وَهِيَ لُغَةً: مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ فَإِنْ كَانَتْ لِإِحْقَاقِ الْحَقِّ فَمَحْمُودَةٌ، وَإِلَّا فَمَذْمُومَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَاصْطِلَاحًا: النَّظَرُ بِالْبَصِيرَةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي السُّنَّةِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إظْهَارًا لِلصَّوَابِ. . اهـ. ح ف
(قَوْلُهُ: لِسَانُ الْمُتَكَلِّمِينَ) أَيْ: الَّذِي هُوَ لَهُمْ كَاللِّسَانِ الَّذِي يَنْطِقُونَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّكَلُّمَ بِدُونِ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ وَالْأَخْذِ مِنْهُ. ع ش وَالْمُرَادُ بِالْمُتَكَلِّمِ الْحَاصِلُ مِنْهُ الْكَلَامُ فَيَشْمَلُ عُلَمَاءَ التَّوْحِيدِ وَغَيْرَهُمْ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُنَاظِرِينَ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: مُحْيِي السُّنَّةِ) أَيْ: مُظْهِرُ خَفِيَّهَا فَفِي الْكَلَامِ إمَّا اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ بِتَشْبِيهِ الْإِظْهَارِ بِالْإِحْيَاءِ وَاسْتِعَارَتِهِ لَهُ ثُمَّ اشْتَقَّ مِنْهُ مُحْيِي أَوْ بِالْكِنَايَةِ بِتَشْبِيهِ السُّنَّةِ بِالْمَيِّتِ بِجَامِعِ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ وَإِثْبَاتِ مَا يُنَاسِبُهُ وَهُوَ مُحْيِي أَيْ: الْإِحْيَاءُ الَّذِي فِي ضِمْنِهِ تَخْيِيلٌ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: زَيْنُ الدِّينِ) أَيْ: مُزَيِّنُ الدِّينِ وَفِي الْمُخْتَارِ الزِّينَةُ: مَا يَتَزَيَّنُ بِهِ وَالزَّيْنُ: ضِدُّ الشَّيْنِ وَقَدَّمَ اللَّقَبَ عَلَى الِاسْمِ لِاشْتِهَارِهِ مِثْلُ {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [النساء: 171] أَوْ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْمُؤَرِّخِينَ.
(قَوْلُهُ: الْأَنْصَارِيُّ) فَإِنْ قُلْت: الْأَنْصَارُ جَمْعُ قِلَّةٍ وَهْم أُلُوفٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرَانِ فِي نَكِرَاتِ الْجُمُوعِ، أَمَّا فِي الْمَعَارِفِ فَلَا فَرْقَ أَوْ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ جَمْعَ الْقِلَّةِ فِي الْكَثْرَةِ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ: النُّصَيْرِيُّ أَوْ النَّاصِرِيُّ لِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ النِّسْبَةُ إلَى الْجَمْعِ رُدَّ إلَى مُفْرَدِهِ وَالْأَنْصَارُ: جَمْعُ نَصِيرٍ أَوْ نَاصِرٍ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَصِرْ الْجَمْعُ كَالْعَلَمِ وَإِلَّا نُسِبَ إلَى لَفْظِهِ وَالْأَنْصَارُ صَارَ كَالْعَلَمِ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَقَدْ كَانَ خَزْرَجِيًّا، قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ
…
مَا لَمْ يُشَابِهْ وَاحِدًا بِالْوَضْعِ
وَبَلَدُهُ اسْمُهَا سُنَيْكَةُ بِالشَّرْقِيَّةِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْسَبْ الشَّيْخُ إلَيْهَا لِمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ رحمه الله يَكْرَهُ النِّسْبَةَ إلَيْهَا ع ش (قَوْلُهُ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ) أَيْ: جَعَلَ الرَّحْمَةَ لَهُ كَالْغِمْدِ لِلسَّيْفِ، وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي عُمُومِ الرَّحْمَةِ لَهُ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْغِمْدَ أَيْ: الْجِرَابَ لَا يَعُمُّ السَّيْفَ كُلَّهُ فَفِي كَلَامِهِ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَبَعِيَّةٌ حَيْثُ شَبَّهَ التَّعْمِيمَ بِالتَّغْمِيدِ وَاسْتَعَارَهُ لَهُ وَاشْتَقَّ مِنْهُ تَغَمَّدَهُ بِمَعْنَى عَمَّهُ. (قَوْلُهُ فَسِيحَ جَنَّتِهِ) أَيْ: وَاسِعَ جَنَّتِهِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، وَالصِّفَةُ كَاشِفَةٌ لِأَنَّ الْجَنَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا وَاسِعَةً (قَوْلُهُ بِبَرَكَتِهِ) أَيْ: بِعُلُومِهِ وَمَعَارِفِهِ وَفِي الْمُخْتَارِ وَالْبَرَكَةُ: النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ وَالتَّبْرِيكُ: الدُّعَاءُ بِالْبَرَكَةِ. ع ش
(قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَفْضَالِهِ) إلَى آخِرِ الشَّرْحِ هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ فَجُمْلَةُ الشَّرْحِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِقَالَ. اهـ. (فَائِدَةٌ)
قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ أَيْ: مِنْ جِهَةِ الصِّنَاعَةِ عَلَى كُلِّ شَارِعٍ فِي تَصْنِيفٍ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: الْبَسْمَلَةُ، وَالْحَمْدَلَةُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم وَالتَّشَهُّدُ، وَيُسَنُّ لَهُ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ تَسْمِيَةُ نَفْسِهِ وَتَسْمِيَةُ كِتَابِهِ وَالْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِبَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ. اهـ عَبْدُ الْبَرِّ عَلَى التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ عَلَى إفْضَالِهِ) هُوَ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ فَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَغْوًا مُتَعَلِّقًا بِالْحَمْدِ وَالتَّقْدِيرُ الْحَمْدُ عَلَى إفْضَالِ اللَّهِ لِلَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِخْبَارِ إلَّا أَنْ يُلَاحَظَ الْمُضَافُ فَقَطْ شَوْبَرِيُّ مُلَخَّصًا وَكَوْنُهُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ حُمِدَ عَلَى الذَّاتِ أَوَّلًا وَعَلَى الْفِعْلِ ثَانِيًا بِخِلَافِهِ عَلَى الثَّانِي فَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ إلَّا حَمْدٌ وَاحِدٌ وَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ وَاخْتَارَهَا عَلَى اللَّامِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْحَمْدَ مُسْتَعْمَلٌ عَلَى الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْأَصْلِ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى إنْعَامِهِ إلَى قَوْلِهِ عَلَى إفْضَالِهِ إشَارَةً لِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ ع ش وَأَيْضًا مَادَّةُ الْإِفْضَالِ إنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّيْءِ النَّفِيسِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْفَاعِلِ وَمِنْهُ قَوْلُ سُلَيْمَانَ فِي قِصَّةِ عَرْشِ بِلْقِيسَ {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} [النمل: 40] بِخِلَافِ مَادَّةِ الْإِنْعَامِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ شَوْبَرِيُّ
(قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ) اسْمُ مَصْدَرٍ إذْ مَصْدَرُ صَلَّى التَّصْلِيَةُ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ وَأَمَّا مَصْدَرُ سَلَّمَ فَالتَّسْلِيمُ كَمَا فِي الْآيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَظَرًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ لَفْظَيْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ أَسْمَاءِ الْمَصَادِرِ. شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ لَعَلَّ الْمُرَادَ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَى الصَّلَاةِ أَيْ: الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ سَمِعَ فِي الْعَذَابِ قَالَ تَعَالَى {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94] وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْمَصْدَرِ فِي جَانِبِ
عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ
وَصَحْبِهِ وَآلِهِ (وَبَعْدُ)
فَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْتُ مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ
فِي الْفِقْهِ
تَأْلِيفُ الْإِمَامِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي زَكَرِيَّا يَحْيَى مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ رحمه الله
فِي كِتَابٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَاؤُمِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى دُخُولِ النَّارِ قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة: 31](قَوْلُهُ عَلَى سَيِّدِنَا) مُتَعَلِّقٌ بِالسَّلَامِ عَلَى اخْتِيَارِ الْبَصْرِيِّينَ، وَمُتَعَلِّقُ الصَّلَاةِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالصَّلَاةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ ذِكْرُ مُتَعَلِّقِ السَّلَامِ عَلَى الْأَصَحِّ. شَوْبَرِيُّ وَقَالَ: ع ش مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ كَائِنَانِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ، وَإِنْ جَرَى بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَصَادِرِ، وَقِيلَ: يَجْرِي فِيهَا اهـ
(قَوْلُهُ وَصَحْبِهِ وَآلِهِ) قَدَّمَ الصَّحْبَ عَلَى الْآلِ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ ثَبَتَتْ بِخَبَرِ «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ» وَالصَّلَاةُ عَلَى الصَّحْبِ إنَّمَا هِيَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ جُمْلَةَ الصَّحْبِ أَفْضَلُ مِنْ جُمْلَةِ الْآلِ إذْ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَوْ يُقَالُ قَدَّمَهُ رِعَايَةً لِلسَّجْعِ، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآلِ الْأَتْبَاعُ فَيَكُونُ أَعَمَّ مِنْ الصَّحْبِ فَيَكُونُ فِي تَأْخِيرِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الصَّحْبِ ع ش
(قَوْلُهُ فَقَدْ كُنْت) أَتَى بِكُنْتُ مَعَ اخْتَصَرْت لِتَوَغُّلِهَا فِي الْمُضِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: فَقَدْ اخْتَصَرْت لِتَوَهُّمِ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُضَارِعِ أَوْ بِمَعْنَى شَرَعْت فِي الِاخْتِصَارِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبَلًا وَهَذَا مَاضٍ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَابَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَقُولُ: قَدْ كُنْت إلَخْ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَجِبُ حَذْفُ الْفَاءِ مِنْ جَوَابٍ أَمَّا إذَا كَانَ قَوْلًا مَحْذُوفًا كَمَا قَالَهُ الْأُشْمُونِيُّ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ مَتْنِ الْخُلَاصَةِ:
وَحَذْفُ ذِي الفاقل فِي نَثْرٍ إذَا
…
لَمْ يَكُ قَوْلٌ مَعَهَا قَدْ نُبِذَا
وَشَاهِدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} [آل عمران: 106] أَيْ: فَيُقَالُ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ ذِكْرَ الْفَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهَا قَوْلٌ مَنْبُوذٌ يَكْثُرُ الْحَذْفُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ، وَيَجِبُ عِنْدَ الْأُشْمُونِيِّ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) فِي هَذِهِ الظَّرْفِيَّةِ إشْكَالٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمِنْهَاجَ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمَخْصُوصَةِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ، وَالْفِقْهُ كَغَيْرِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْعُلُومِ اسْمٌ لِلْمَلَكَةِ أَوْ الْإِدْرَاكِ أَوْ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَلَا مَعْنَى لِظَرْفِيَّةِ نَحْوِ الْمَسَائِلِ لِلْأَلْفَاظِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ لِلدَّالِّ وَالْمَعْنَى اخْتَصَرْت مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ الدَّالَّ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الْمُحَصِّلَ لِلْإِدْرَاكَاتِ الْمَخْصُوصَةِ أَوْ الْمَلَكَةِ ع ش وَقَوْلُهُ أَوْ الْمُحَصِّلُ إلَخْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْفِقْهَ إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمَسَائِلِ فَفِي بِمَعْنَى عَلَى إنْ كَانَ بِمَعْنَى الْإِدْرَاكِ أَوْ الْمَلَكَةِ فَفِي بِمَعْنَى اللَّامِ فَقَوْلُهُ بِمَعْنَى عَلَى فِيهِ قُصُورٌ وَهُوَ أَيْ: قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ مِنْهَاجَ الطَّالِبِينَ خَاصٌّ بِالْفِقْهِ وَاَلَّذِي فِي الْأُصُولِ لِلْبَيْضَاوِيِّ يُقَالُ لَهُ: مِنْهَاجٌ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ مُحْيِي الدِّينِ) نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي حِلٍّ مَنْ قَالَ عَنِّي مُحْيِي الدِّينِ وَهَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَتَوَاضُعِهِ فَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي حُرْمَةَ إطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَيْهِ حَلَبِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَدْحَهُ بِحَقٍّ يُؤْذِيهِ لَا يَحْرُمُ مَدْحُهُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ «الْغِيبَةُ ذِكْرُك أَخَاك بِمَا يَكْرَهُ» لِأَنَّ مُرَادَهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا يُكْرَهُ شَرْعًا، وَأَمَّا إذَا كَرِهَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ بِالْغِيبَةِ أَشْبَهُ كَشَخْصٍ كَرِيمٍ كَرِهَ مَدْحَهُ بِالْكَرَمِ خَوْفًا عَلَى مَالِهِ مِنْ الظَّلَمَةِ. اهـ إطْفِيحِيٌّ عَنْ الشَّوْبَرِيِّ (قَوْلُهُ النَّوَوِيِّ) نِسْبَةً إلَى نَوَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشَّامِ.
(قَوْلُهُ فِي كِتَابٍ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَوَضَعْته أَيْ: الْمُخْتَصَرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ الِاخْتِصَارِ فِي كِتَابٍ فَالْمَظْرُوفُ فِي الْكِتَابِ هُوَ أَثَرُ الِاخْتِصَارِ لَا نَفْسُهُ إذْ لَا مَعْنَى لِكَوْنِ الِاخْتِصَارِ الَّذِي هُوَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ مَظْرُوفًا فِي الْكِتَابِ وَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ فِي الْكُلِّ أَوْ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُخْتَصَرِ الْمَعْنَى وَفِي الْكِتَابِ اللَّفْظُ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ.
وَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَجْزَاءِ فِي الْكُلِّ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَهَذَا السُّؤَالُ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْكِتَابَ اسْمٌ لِمَا أَخَذَهُ مِنْ الْمِنْهَاجِ وَلِمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ وَسَمَّاهُ كِتَابًا مَعَ أَنَّهُ حِينَ الِاخْتِصَارِ لَيْسَ مَوْجُودًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ أَوْ مِنْ بَابِ
سَمَّيْتُهُ بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ، وَقَدْ سَأَلَنِي بَعْضُ الْأَعِزَّةِ عَلَيَّ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيَّ أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا
يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُجَلِّ حُفَّاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ
وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ؛ فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ وَسَمَّيْته بِفَتْحِ الْوَهَّابِ بِشَرْحِ مَنْهَجِ الطُّلَّابِ.
وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَيْ أُؤَلِّفُ
وَالِاسْمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّجْرِيدِ لَعَلَّ مُرَادَهُ بِهِ التَّجْرِيدُ الْبَيَانِيُّ وَهُوَ أَنْ يُنْتَزَعَ مِنْ شَيْءٍ شَيْءٌ مُمَاثِلٌ لَهُ فِي صِفَتِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ} [فصلت: 28] فَقَدْ انْتَزَعَ مِنْ الْمُخْتَصَرِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمِنْهَاجِ كِتَابًا وَجَعَلَهُ مَظْرُوفًا فِيهِ لَكِنَّ التَّجْرِيدَ لَا يَظْهَرُ إلَّا إذَا كَانَ الْكِتَابُ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمِنْهَاجِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ سَمَّيْته بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ) فَقَدْ اخْتَصَرَ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى (قَوْلُهُ وَقَدْ سَأَلَنِي) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ عَلَيَّ) بَيْنَ عَلَيَّ وَإِلَيَّ الْجِنَاسُ الْمُضَارِعُ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْكَلِمَتَيْنِ بِحَرْفَيْنِ مُتَقَارِبَيْ الْمَخْرَجِ، وَبَيْنَ مُرَادٍ وَمُفَادٍ الْجِنَاسُ اللَّاحِقُ وَهُوَ اخْتِلَافُهُمَا بِحَرْفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْ الْمَخْرَجِ وَبَيْنَ يَحِلُّ وَيَجِلُّ الْجِنَاسُ الْمُصَحَّفُ تَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ أَنْ أَشْرَحَهُ شَرْحًا) الشَّرْحُ الْأَوَّلُ: بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَهُوَ التَّأْلِيفُ وَالثَّانِي: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الْمَخْصُوصَةُ الَّتِي هِيَ الشَّرْحُ اصْطِلَاحًا.
(قَوْلُهُ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ) أَيْ: تَرَاكِيبَهُ بِبَيَانِ فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَالضَّمَائِرِ وَقَدْ شَبَّهَ فَكَّ التَّرَاكِيبِ بِحَلِّ الشَّيْءِ الْمَعْقُودِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْحَلَّ عَلَى الْفَكِّ وَاشْتَقَّ مِنْهُ الْفِعْلَ فَصَارَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمَصْدَرِ أَصْلِيَّةً وَفِي الْفِعْلِ تَبَعِيَّةً، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً أَوْ مَجَازًا مُرْسَلًا لِأَنَّ التَّبْيِينَ لَازِمٌ لِلْحَلِّ شَوْبَرِيٌّ قَالَ ح ل: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ الْمَنْهَجَ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ. لَا يُقَالُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ: أَلْفَاظًا هِيَ هُوَ. لِأَنَّا نَقُولُ: قَالَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ: الْإِضَافَةُ الْبَيَانِيَّةُ لَا تَأْتِي فِي الْإِضَافَةِ لِلضَّمِيرِ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِنْ إضَافَةِ كُلٍّ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ إلَى كُلِّهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَحِلُّ كُلَّ تَرْكِيبٍ مِنْ تَرَاكِيبِ جُمْلَةِ الْأَلْفَاظِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الْبَيْعِ اهـ وَقَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ كُلٍّ مِنْ الْجُزْئِيَّاتِ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ إضَافَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَجْزَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ إلَى كُلِّهِ وَلَمْ يَقُلْ إلَى كُلَّيْهِ اهـ (قَوْلُهُ وَيُجِلُّ حُفَّاظَهُ) أَيْ: يُصَيِّرُهُمْ أَجِلَّاءً أَيْ: عُظَمَاءَ وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ قَدَّمَهُ لِأَجْلِ السَّجْعِ. (قَوْلُهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ) أَيْ: الْمُسْتَفَادَ مِنْ تَرَاكِيبِهِ، وَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ إلَى الْمُفْرَدَاتِ سَابِقًا عَلَى النَّظَرِ لِلْمُرَكَّبَاتِ أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ يَحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ. شَوْبَرِيٌّ
(قَوْلُهُ وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَفَادَ مَزِيدُ الثُّلَاثِيِّ يَعْنِي الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْ: فَائِدَتِهِ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ الْمِيمِ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى حُسْنُ ذِكْرِ التَّبْيِينِ فِي جَانِبِ الْمُرَادِ، وَالتَّتْمِيمِ فِي جَانِبِ الْمُفَادِ لِاحْتِيَاجِ الْمُرَادِ إلَى الْكَشْفِ وَالْإِيضَاحِ لِخَفَائِهِ وَالْمُفَادِ إلَى تَكْمِيلِ وَتَتْمِيمِ النَّقْصِ بِذِكْرِ نَحْوِ قَيْدٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ وَالتَّمَامُ ضِدُّ النَّقْصِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ فَأَجَبْته) أَيْ: بَادَرْت إلَى إجَابَتِهِ لِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْفَاءِ أَيْ: بِالْوَعْدِ وَالْعَزْمِ عَلَيْهِ أَوْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ (قَوْلُهُ بِعَوْنِ) أَيْ: مُسْتَعِينًا عَلَى إنْجَازِ مَا وَعَدْته بِعَوْنِ الْقَادِرِ الْمَالِكِ. (قَوْلُهُ بِشَرْحِ) مُتَعَلِّقٌ بِفَتْحِ ع ش وَهَذَا التَّعَلُّقُ قَبْلَ جَعْلِهِ عَلَمًا، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ جُزْءٌ مِنْ الْعَلَمِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ وَهَذَا الْعَلَمُ مُرَكَّبٌ مِنْ سِتِّ كَلِمَاتٍ
(قَوْلُهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) مَعْطُوفٌ عَلَى هُوَ حَسْبِي بِنَاءً عَلَى جَوَازِ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ امْتِنَاعُهُ فَعَلَيْهِ يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ مُبْتَدَأٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَيُجْعَلُ خَبَرًا عَنْهُ بِالتَّأْوِيلِ الْمَشْهُورِ فِي وُقُوعِ الْإِنْشَاءِ خَبَرًا أَيْ: وَهُوَ مَقُولٌ فِيهِ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مِثْلِهَا أَوْ جُمْلَةٌ نِعْمَ الْوَكِيلُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى حَسْبِي وَهُوَ مُفْرَدٌ غَيْرُ مُضَمَّنٍ مَعْنَى الْفِعْلِ فَلَمْ يَكُنْ فِي قُوَّةِ الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ جَوَّزَ عَطْفَ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ فِي الْجُمَلِ الَّتِي لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ لِوُقُوعِهَا مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ وَخَرَجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ مِنْ الْحِكَايَةِ لَا مِنْ الْمَحْكِيِّ. شَوْبَرِيٌّ بِاخْتِصَارٍ وَقَدْ يُقَالُ: " مَا " هُنَا لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ جُمْلَةَ وَهُوَ حَسْبِي حَالِيَّةٌ، وَحَسْبِي بِمَعْنَى كَافِي أَيْ: يَكْفِينِي وَالْوَكِيلُ بِمَعْنَى الْمُوَكَّلِ إلَيْهِ أُمُورُ خَلْقِهِ
(قَوْلُهُ أَيْ: أُؤَلِّفُ) بَيَانٌ لِمَا هُوَ الْأَوْلَى فِي مُتَعَلِّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ كَوْنِهِ فِعْلًا مُؤَخَّرًا خَاصًّا وَفِي تَقْدِيرِ الْمُتَعَلِّقِ تَنْبِيهٌ
عَلَى أَنَّ الْبَاءَ غَيْرُ زَائِدَةٍ وَهُوَ
مُشْتَقٌّ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ
وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ الْوَاجِبِ الْوُجُودِ
وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ بُنِيَتَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ وَالرَّحْمَنُ أَبْلَغُ مِنْ الرَّحِيمِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْبِنَاءِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَطَعَ وَقَطَّعَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَصَحُّ. ع ش
(قَوْلُهُ مُشْتَقٌّ) أَيْ: مَأْخُوذٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ (قَوْلُهُ مِنْ السُّمُوِّ) وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ قَالَ حَجّ زِيَادَةً عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ: مِنْ السُّمَا فَوَزْنُهُ عَلَى الْأَوَّلِ افْعٌ وَعَلَى الثَّانِي اعْلٌ وَعَلَى الثَّالِثِ افْلٌ ع ش فَأَصْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ سُمُوٌّ نُقِلَتْ حَرَكَةُ الْوَاوِ لِلْمِيمِ بَعْدَ نَقْلِ سُكُونِهَا لِلسِّينِ فَحُذِفَتْ أَيْ: الْوَاوُ وَأُتِيَ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ تَوَصُّلًا لِلنُّطْقِ بِالسَّاكِنِ، وَعِوَضًا عَنْ الْوَاوِ وَقَوْلُهُ وَقِيلَ: مِنْ الْوَسْمِ أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ وَسْمٌ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَالِاشْتِقَاقَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْأَفْعَالِ
(قَوْلُهُ وَاَللَّهُ عَلَمٌ عَلَى الذَّاتِ) أَيْ: بِالْغَلَبَةِ إلَّا أَنَّهُ قَبْلَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ وَالْإِدْغَامِ غَلَبَةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ وَبَعْدَ ذَلِكَ غَلَبَةٌ تَقْدِيرِيَّةٌ. ح ف عَلَى الْأُشْمُونِيِّ.
وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَاَللَّهُ عَلَمٌ أَيْ: بِالْغَلَبَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ إنْ جُعِلَ عَلَمًا عَلَى ذَاتِهِ ابْتِدَاءً وَبِالْغَلَبَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ إنْ رُوعِيَ أَصْلُهُ أَيْ: إلَهٌ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَاتَه تَعَالَى مَقْصُودَةً بِالْوَضْعِ مِنْهُ لِسَبْقِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ التَّحْقِيقِيَّةَ هِيَ غَلَبَةُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَصَّ بِهِ بِأَنْ سَبَقَ لَهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْر مَعْنَى الْعَلَمِيَّةِ، وَأَمَّا الْغَلَبَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فَهِيَ اخْتِصَاصُ اللَّفْظِ بِمَعْنًى مَعَ إمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لَكِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا تَقْدِيرِيَّةٌ أَوْ تَحْقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْعَلَمِيَّةِ تَحْقِيقِيَّةٌ، وَإِلَى مَا بَعْدَ الْعَلَمِيَّةِ تَقْدِيرِيَّةٌ ع ش اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ وَهُوَ إلَهٌ وَالْإِلَهُ، فَالْأَوَّلُ غَلَبَتُهُ تَحْقِيقِيَّةٌ وَالثَّانِي تَقْدِيرِيَّةٌ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَعْبُودٍ بِحَقٍّ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي اللَّهِ، وَأَمَّا اللَّهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَلَيْسَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ لَا التَّحْقِيقِيَّةِ وَلَا التَّقْدِيرِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى كُلِّيٍّ ثُمَّ يَغْلِبُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ كَانَتْ تَحْقِيقِيَّةً وَإِلَّا فَتَقْدِيرِيَّةٌ، وَاَللَّهُ لَيْسَ بِكُلِّيٍّ وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَعَالَى.
(قَوْلُهُ وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ صِفَتَانِ مُشَبَّهَتَانِ) أَيْ: بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَقَوْلُهُ بُنِيَتَا أَيْ: اُشْتُقَّتَا لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ: لِأَجْلِ إفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ: بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ وَيَجْعَلُ إفَادَتَهُمَا الْمُبَالَغَةَ بِحَسَبِ الِاسْتِعْمَالِ لَا بِحَسَبِ الصِّيغَةِ، وَالْوَضْعِ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ فِي جَعْلِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ مَعَ كَوْنِهِمَا صِفَتَيْنِ مُشَبَّهَتَيْنِ تَنَافٍ وَأَيْضًا صِيَغُ الْمُبَالَغَةِ مَحْصُورَةٌ فِي خَمْسَةٍ وَرَحْمَنُ لَيْسَ مِنْهَا. (قَوْلُهُ مِنْ رَحِمَ) أَيْ: مِنْ مَادَّتِهِ بَعْدَ جَعْلِهِ لَازِمًا وَنَقْلِهِ إلَى فُعْلٍ بِالضَّمِّ أَوْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ كَمَا فِي فُلَانٍ يُعْطِي ع ش وَقِيلَ: مِنْ مَصْدَرِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَفْظُ رَحِمَ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ مَكْسُورُ الثَّانِي فَإِنْ جُعِلَ مَضْمُومَ الْأَوَّلِ سَاكِنَ الثَّانِي مَصْدَرَ الرُّحْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ فَلَا إشْكَالَ كَمَا أَشَارَ لَهُ الشِّهَابُ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ رَشِيدِيٌّ قَالَ تَعَالَى {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81] أَيْ: رَحْمَةً وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ لِلتَّنْزِيلِ وَلَا لِلنَّقْلِ وَاشْتِقَاقِ رَحْمَنُ مِنْ رُحُمٍ بِالضَّمِّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ لِأَنَّ فُعُلَ الْمَضْمُومَ الْعَيْنِ لَا تَأْتِي مِنْهُ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ قِيَاسًا إلَّا عَلَى وَزْنِ فُعْلٍ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَعِيلٍ بِكَثْرَةٍ وَأَفْعَلُ وَفَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا قَالَ النَّاظِمُ:
وَفَعْلٌ أَوْلَى وَفَعِيلٌ بِفَعُلْ
…
كَالضَّخْمِ وَالْجَمِيلِ وَالْفِعْلُ جَمُلْ
وَأَفْعُلٌ فِيهِ قَلِيلٌ وَفُعَلْ
اهـ مِنْ الْمَلَوِيِّ عَلَى الْمَكُودِيِّ وَيَرُدُّ عَلَى كَلَامِ الْمَلَوِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ وَزْنًا لِاسْمِ الْفَاعِلِ يَكُونُ وَزْنًا لِلصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الدَّوَامُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْهَا.
(قَوْلُهُ أَبْلَغُ) أَيْ: أَزْيَدُ فِي الْمَعْنَى الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِهِمَا وَهُوَ الرَّحْمَةُ أَيْ: الرَّحْمَةُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهَا بِالرَّحْمَنِ أَزْيَدُ مِنْ الرَّحْمَةِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالرَّحِمِ أَيْ: أَعْظَمُ مَعْنًى مِنْ مَعْنَى الرَّحِيمِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَى الرَّحِيمِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَفِيهِ بِنَاءُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنْ الرُّبَاعِيِّ، وَهُوَ بَالِغٌ وَهُوَ إنَّمَا يُصَاغُ مِنْ الثُّلَاثِيِّ (قَوْلُهُ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ: بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ الْجَبَلِيَّةِ فَخَرَجَ نَحْوُ شَرَهٍ وَنَهَمٍ لِأَنَّ الصِّفَاتِ الْجَبَلِيَّةَ لَا تَتَفَاوَتُ، وَالثَّانِي: أَنْ يَتَّحِدَ اللَّفْظَانِ فِي النَّوْعِ فَخَرَجَ حَذِرٍ وَحَاذِرٍ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَّحِدَا فِي الِاشْتِقَاقِ فَخَرَجَ زَمَنٌ وَزَمَانٌ إذْ لَا اشْتِقَاقَ فِيهِمَا اهـ
وَلِقَوْلِهِمْ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ وَقِيلَ رَحِيمُ الدُّنْيَا
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا
(لِهَذَا) التَّأْلِيفِ
(وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)
وَالْحَمْدُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَدَابِغِيٌّ عَلَى الْخَطِيبِ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ) أَيْ: السَّلَفِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إنَّهُ حَدِيثٌ، وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ لِشُمُولِ الرَّحْمَنِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاخْتِصَاصِ الرَّحِيمِ بِالْآخِرَةِ أَوْ الدُّنْيَا فَالْأَبْلَغِيَّةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ أَفْرَادِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهَا فَهِيَ مَنْظُورٌ فِيهَا لِلْكَمِّ، وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا» فَلَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَبْلَغِيَّةُ بِالنَّظَرِ لِلْكَيْفِ. اهـ حَلَبِيٌّ
(قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إلَخْ) هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا التَّأْلِيفِ الْعَظِيمِ ذِي النَّفْعِ الْعَمِيمِ الْمُوَصِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى الْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ بِجَهْدِهِ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِ فَاقْتَدَى بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ قَالُوا ذَلِكَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولَةِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِمْ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ مِنْ حُسْنِ تِلْكَ الْعَطِيَّاتِ، وَعَظِيمِ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّاتِ بِجَهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَضْلٌ مِنْهُ تَعَالَى. اهـ (قَوْلُهُ أَيْ: دَلَّنَا) اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِ الْهِدَايَةِ عَلَى الدَّلَالَةِ فَشَمِلَتْ الدَّلَالَةَ الْمُوَصِّلَةَ إلَى الْمَقْصُودِ وَغَيْرَهَا وَذَلِكَ هُوَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةُ، وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ ع ش أَيْ: فَالدَّلَالَةُ هُنَا مُوَصِّلَةٌ لِمَا وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَغَيْرُ مُوَصِّلَةٍ لِمَا سَيُوجَدُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً فَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الْكِتَابِ فَالدَّلَالَةُ مُوَصِّلَةٌ
(قَوْلُهُ لِهَذَا التَّأْلِيفِ) إنْ قِيلَ: لِمَ فَسَّرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ هُنَا بِالْفِعْلِ؟ أَيْ: الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَلَّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَهَذَا قُلْنَا ثُمَّ آثَرَ التَّفْسِيرَ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِأَوْصَافٍ تُعَيِّنُ ذَلِكَ، وَهُنَا وَإِنْ جَازَ الْأَمْرَانِ فَهَذَا أَوْلَى لِيُوَافِقَ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ الْفِعْلِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْجَلَالُ بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةٍ الْأَصْلُ النِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ عَلَى هِدَايَةِ اللَّهِ لِلشَّيْخِ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فُسِّرَ اسْمُ الْإِشَارَةِ بِالْمَصْدَرِ أَوْ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ فَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا التَّغَايُرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُحَشِّي كَبِيرُ فَائِدَةٍ.
(قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا إلَخْ) اقْتِبَاسٌ وَهُوَ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُتَكَلِّمُ كَلَامَهُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغْيِيرُ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْقُرْآنِ لِلنَّعِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ أَيْ: لِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِ
إنْ كُنْت أَزْمَعْتَ عَلَى هَجْرِنَا
…
مِنْ غَيْرِ مَا جُرْمٍ فَصَبْرٌ جَمِيلُ
وَإِنْ تَبَدَّلْتَ بِنَا غَيْرَنَا
…
فَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ
وَغَيْرِهِ
لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِي مَدِيحِك
…
مَا أَخْطَأْتَ فِي مَنْعِي
لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي
…
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعِ
وَكَقَوْلِهِ مِنْ بَحْرِ الرَّمَلِ الْمَجْزُوءِ:
قَالَ لِي إنَّ رَقِيبِي سَيِّئُ الْخُلْقِ فَدَارِهْ
…
قُلْت دَعْنِي وَجْهَكَ الْجَنَّةُ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهْ
وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ أَيْ: لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا
(قَوْلُهُ لُغَةً) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي اللُّغَةِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ بِاللِّسَانِ) ذُكِرَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لِأَنَّ الثَّنَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ آلَةُ النُّطْقِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ الْجَارِحَةِ الْمَعْرُوفَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْجَمِيلِ) عَلَى تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جَرٍّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِعَامِلٍ وَاحِدٍ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْجَمِيلُ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ الْحَامِدِ وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ جَمِيلًا فِي الْوَاقِعِ (قَوْلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّبْجِيلِ) بِأَنْ يَكُونَ الثَّنَاءُ بَاطِنًا بِأَنْ يَعْتَقِدَ اتِّصَافَ الْمَحْمُودِ بِمَا أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ وَظَاهِرًا بِأَنْ لَا يُخَالِفَهُ أَفْعَالُ الْجَوَارِحِ حَلَبِيٌّ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ تَعَلَّقَ إلَخْ) أَيْ: سَوَاءٌ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةٍ وَلِأَجْلِ الْفَضَائِلِ فَهَذَا تَعْمِيمٌ فِي الْمَحْمُودِ عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ التَّقْيِيدَ بِالِاخْتِيَارِيِّ بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَضَائِلِ وَالْفَوَاضِلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الَّتِي
بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ، وَعُرْفًا فِعْلٌ يُنَبِّئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لَا يَتَعَدَّى أَثَرُهَا وَبِالثَّانِي الصِّفَاتُ الَّتِي يَتَعَدَّى أَثَرُهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إدْخَالُ صِفَاتِ الْبَارِي الذَّاتِيَّةِ فَإِنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهَا حَمْدٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَنْشَأُ عَنْهَا وَهُوَ مُتَعَلِّقَاتُهَا كَالْمَقْدُورَاتِ لِلْقُدْرَةِ كَمَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: الِاخْتِيَارِيُّ وَلَوْ حُكْمًا حَلَبِيٌّ، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الِاخْتِيَارِيَّ لَا يَشْمَلُ صِفَاتِ اللَّهِ لِإِشْعَارِهِ بِالْحُدُوثِ. وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِيَارِيِّ مَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ فَيَشْمَلُ صِفَاتِ الْبَارِي اهـ وَسَوَاءٌ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْفِعْلُ الَّذِي بَعْدَهُ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَيْ: تَعَلُّقُهُ بِالْفَضَائِلِ وَبِالْفَوَاضِلِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى كُلِّ حَمْدٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ مُبْتَدَأً وَمَا بَعْدَهُ مَرْفُوعٌ بِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاعْتِمَادِ فِي إعْمَالِ الْوَصْفِ لِأَنَّ سَوَاءٌ بِمَعْنَى مُسْتَوٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَوَاءٌ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَأَنَّ أَدَاةَ الشَّرْطِ مُقَدَّرَةٌ وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ دَلِيلُ الْجَوَابِ أَوْ هِيَ نَفْسُهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ تَعَلُّقَ الثَّنَاءِ بِالْفَضَائِلِ أَمْ بِالْفَوَاضِلِ فَالْأَمْرَانِ سَوَاءٌ. .
اهـ. ع ش عَلَى م ر وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ كَوْنُ أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مَعَ أَنَّ أَمْ لِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ (قَوْلُهُ بِالْفَضَائِلِ) جَمْعُ فَضِيلَةٍ أَيْ: النِّعَمِ اللَّازِمَةِ كَالشُّجَاعَةِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّ الِاتِّصَافَ بِهِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَعَدِّي أَثَرِهِمَا لِلْغَيْرِ. وَالْفَوَاضِلُ جَمْعُ فَاضِلَةٍ وَهِيَ النِّعَمُ الْمُتَعَدِّيَةُ كَالْإِحْسَانِ وَالْكَرَمِ شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ قُلْت كُلٌّ مِنْ الْكَرَمِ وَالْعِلْمِ إنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْمَلَكَةُ كَانَا قَاصِرَيْنِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمَا الْأَثَرُ كَانَا مُتَعَدِّيَيْنِ قُلْت: الْمُرَادُ بِالْمُتَعَدِّيَةِ هِيَ الَّتِي يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُ مَعْنَاهَا عَلَى وُصُولِ أَثَرِهَا لِلْغَيْرِ وَالْقَاصِرَةُ نَقِيضُهَا إذَا عَرَفْت ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّخْصَ يَتَّصِفُ بِالْعِلْمِ وَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْ أَحَدًا كَالْقُطْبِ وَلَا يَتَّصِفُ بِالْكَرَمِ إلَّا بَعْدَ الْإِعْطَاءِ اهـ فَنَرَى عَلَى الْمُطَوَّلِ وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ بِالْفَضَائِلِ كَالشَّجَاعَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ مِنْ الْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهَا لِتَكُونَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا كَالْخَوْضِ فِي الْمَهَالِكِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى الْعَدُوِّ فِي الْمَعَارِكِ وَالتَّعْلِيمِ لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ مَثَلًا كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَلَكَةِ تُطْلَقُ عَلَى آثَارِهَا اهـ (قَوْلُهُ وَعُرْفًا) قِيلَ: الْعُرْفُ وَالِاصْطِلَاحُ مُتَسَاوِيَانِ وَقِيلَ: الِاصْطِلَاحُ هُوَ الْعُرْفُ الْخَاصُّ وَهُوَ مَا تَعَيَّنَ نَاقِلُهُ وَالْعُرْفُ إذَا أُطْلِقَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْعَامُّ وَهُوَ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ نَاقِلُهُ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ مِنْ الْعُرْفِ وَالِاصْطِلَاحُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنًى غَيْرِ لُغَوِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ بِأَنْ أُخِذَ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ الشَّرْعِيُّ مَجَازًا عَلَى مَا كَانَ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّارِعِ اهـ ع ش وَقَوْلُ الْمُحَشِّي بِأَنْ أُخِذَ إلَخْ تَصْوِيرٌ لِلْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ يُنْبِئُ) أَيْ: يَدُلُّ وَيُشْعِرُ لَوْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ) تَعْلِيلٌ أَيْ: لِأَجْلِ أَنَّهُ مُنْعِمٌ عَلَى الْحَامِدِ وَفِيهِ دَوْرٌ لِأَنَّ الْحَامِدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمْدِ فَيَقْتَضِي تَوَقُّفَ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَعْرِيفٌ لَفْظِيٌّ لَا يَضُرُّ فِيهِ ذَلِكَ أَوْ يُسْلَكُ فِيهِ التَّجْرِيدُ بِأَنْ يُرَادَ بِالْحَامِدِ الذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ وَصْفِهَا بِكَوْنِهَا حَامِدَةً أَوْ يُقَالُ: قَوْلُهُ عَلَى الْحَامِدِ أَوْ غَيْرِهِ تَعْمِيمٌ خَارِجٌ عَنْ التَّعْرِيفِ. شَيْخُنَا ح ف قَالَ سم: إذَا صَرَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ فِي آنٍ وَاحِدٍ سُمِّيَ شَكُورًا قَالَ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَإِذَا صَرَفَهَا فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ سُمِّيَ شَاكِرًا قَالَ شَيْخُنَا ع ش: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُ صَرْفِهَا كُلِّهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بِمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً مُتَفَكِّرًا فِي مَصْنُوعَاتِ اللَّهِ عز وجل نَاظِرًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِئَلَّا يَزِلَّ بِالْمَيِّتِ مَاشِيًا بِرِجْلَيْهِ إلَى الْقَبْرِ شَاغِلًا لِسَانَهُ بِالذِّكْرِ وَأُذُنَهُ بِاسْتِمَاعِ مَا فِيهِ ثَوَابٌ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ.
اهـ إطْفِيحِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ لِلْغَيْرِ خُصُوصِيَّةٌ بِالْحَامِدِ كَوَلَدِهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَا ع ش
(قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ) أَيْ: لَا بِغَيْرِهِمَا كَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَيْ: بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَا عَلَيْهِ وَهُوَ جَمْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا كَذَلِكَ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ إلَخْ أَيْ: وَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَا عَلَيْهِ مَجْمُوعَيْنِ وَهُوَ
اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» أَيْ مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ وَتَأْخِيرُ الْحَمْدَلَةِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَقَدَّمْتُ الْبَسْمَلَةَ ح ل (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْكُتُبِ مَبْدُوءَةٌ بِالْبَسْمَلَةِ لِحَدِيثِ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَاتِحَةِ كُلِّ كِتَابٍ» فَهُوَ مِنْ الشَّرَائِعِ الْقَدِيمَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ السُّيُوطِيّ: إنَّهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ «النَّبِيَّ كَانَ يَكْتُبُ أَوَّلًا بِسْمِ اللَّهِ أَيْ: يَأْمُرُ بِكِتَابَتِهَا فَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] أَمَرَ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ النَّمْلِ أَمَرَ بِكِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهَا بِهَذَا التَّرْتِيبِ، وَاللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَا فِي النَّمْلِ تَرْجَمَةٌ عَمَّا فِي كِتَابِ بِلْقِيسَ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِكِتَابَةِ ذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِوُجُودِهَا فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ فَلَا يُنْتِجُ ذَلِكَ كَوْنَهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
(قَوْلُهُ وَعَمَلًا) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْقُرْآنِ بِالِاقْتِدَاءِ وَفِي جَانِبِ الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ لِكَوْنِ الْقُرْآنِ يُقْتَدَى بِهِ إذَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ لَا تَصْرِيحًا وَلَا ضِمْنًا وَالْحَدِيثُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأَمْرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: ابْدَءُوا بِالْبَسْمَلَةِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ. (قَوْلُهُ بِخَبَرِ) هُوَ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إضَافَةً بَيَانِيَّةً أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ، وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إبْدَالِ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ ذِي بَالٍ) أَيْ: حَالٍ يُهْتَمُ بِهِ شَرْعًا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ، فَخَرَجَ نَحْوُ الْبَسْمَلَةِ وَلَيْسَ ذِكْرًا مَحْضًا وَلَا جَعَلَ الشَّارِعُ لَهُ مَبْدَأً غَيْرَ الْبَسْمَلَةِ، وَمَعْنَى اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ طَلَبَهُ إيَّاهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَخْيِيرُهُ فِيهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: وَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا فَلَا حَاجَةَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. (قَوْلُهُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ) سُئِلَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ عَنْ حِكْمَةِ الْإِتْيَانِ بِفِي الظَّرْفِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى يَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا أَتَى بِهَا لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي الْأَثْنَاءِ وَحَذْفُهَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ اهـ إطْفِيحِيٌّ وَقَدْ يُقَالُ: لَفْظُ يُبْدَأُ يُبْعِدُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي سَبَبِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُبْدَأُ بِبَسْمِ اللَّهِ بِسَبَبِهِ وَلِأَجْلِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْبَسْمَلَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِأَجْلِ الْأَمْرِ لَا لِأَجْلِ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ شَارِعًا فِي السَّفَرِ مَعَ الْأَكْلِ وَبَسْمَلَ لِأَجْلِ السَّفَرِ فَلَا تَحْصُلُ الْبُدَاءَةُ بِالْبَسْمَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ السَّفَرِ وَبِسَبَبِهِ لَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ شَيْخُنَا ح ف.
(قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ إلَخْ ع ش (قَوْلُهُ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) بِالرَّفْعِ فَإِنَّ التَّعَارُضَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ رَفْعُ الْحَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ بِالْجَرِّ كَانَ بِمَعْنَى رِوَايَةٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ وَلَا تَعَارُضَ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَاهَا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَتَسَاوِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَوْنِ رِوَايَةِ الْبَسْمَلَةِ بِبَاءَيْنِ، وَكَوْنِ الْبَاءِ صِلَةً لِيُبْدَأَ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ مُتَعَلِّقَةً بِحَالٍ مَحْذُوفَةٍ لَمْ يَحْصُلْ تَعَارُضٌ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِآخَرَ وَأَنْ يُرَادَ بِالِابْتِدَاءِ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الِابْتِدَاءُ الْحَقِيقِيُّ، وَالْمُرَادُ الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ كَمَا قَالَهُ سم فَيَحْصُلُ بِالْقَلْبِ. (قَوْلُهُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْجُذَامِ فِيهِ مَجَازٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ الْمُشَابَهَةَ بِأَنْ شَبَّهَ نَقْصَ الْبَرَكَةِ بِقَطْعِ الْعُضْوِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ تَحْقِيقِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَاقَتُهُ اسْتِعْمَالَ الْمَلْزُومِ وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَطْعِ ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى قَطْعِ الْبَرَكَةِ فَمَجَازٌ مُرْسَلٌ ع ش (قَوْلُهُ فَهُوَ أَجْذَمُ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَاقِصُ الْبَرَكَةِ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ أَوْ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِأَنْ شُبِّهَ النَّاقِصُ بِالْأَجْذَمِ وَاسْتُعِيرَ الْأَجْذَمُ لِلنَّاقِصِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ النَّاقِصِ فَالْمُشَبَّهُ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الَّذِي هُوَ النَّاقِصُ لَا الْأَمْرُ الَّذِي لَا يُبْدَأُ فِيهِ حَتَّى يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ قَالَ ع ش عَلَى م ر: فَالْمُشَبَّهُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ مَحْذُوفٌ وَالْأَصْلُ هُوَ نَاقِصٌ كَأَجْذَمَ فَحَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فَصَارَ الْمُرَادُ مِنْ الْأَجْذَمِ النَّاقِصَ لَكِنَّ قَوْلَهُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ فِيهِ بَرَكَةٌ قَطْعًا إلَّا أَنَّهُ نَاقِصٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمَنْفِيَّ الْبَرَكَةُ التَّامَّةُ أَيْ: مَقْطُوعُ الْبَرَكَةِ التَّامَّةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الْقُرْآنُ مَثَلًا مَقْطُوعَ الْبَرَكَةِ عِنْدَ عَدَمِ ابْتِدَاءَهُ بِالْبَسْمَلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا تَقَرَّرَ؟ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهَا أَنْ تَدْفَعَ
وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ حَصَلَ بِالْحَمْدَلَةِ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَمْ لِلْجِنْسِ أَمْ لِلْعَهْدِ.
(وَالصَّلَاةُ) وَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَنْ الْقَارِئِ الشَّيْطَانَ الَّذِي يُوَسْوِسُهُ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَحْمِلَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِهِ أَوْ يَلْهُوَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ يُوجِبُ لِلْقُرْآنِ ضِدَّ كَمَالٍ وَشَرَفٍ بَلْ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى الْقَارِئِ.
(قَوْلُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَيْ: نَقَلَ تَحْسِينَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ التَّحْسِينَ فِي عَصْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ) وَلَمْ أَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا السُّؤَالُ نَاشِئٌ مِنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت إلَخْ وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْت نَاشِئٌ مِنْ هَذَا الثَّانِي وَهَذَا أَوْلَى مِنْ كَلَامِ الْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ) وَيَلْزَمُهُ الْإِضَافِيُّ، وَقَوْلُهُ وَالْإِضَافِيُّ أَيْ: الْمَحْضُ قَالَ ع ش عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ سم عَلَى الْبَهْجَةِ: وَحَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ وَقَدَّمْتُ الْبَسْمَلَةَ إلَخْ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ) لَا يُقَالُ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ إلَخْ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ الْغَرَضُ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا وَهَذَا الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ سَبَبِ تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا فَلْيُتَأَمَّلْ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ أَوَّلًا: بِالِاقْتِدَاءِ وَثَانِيًا: بِالْعَمَلِ لَعَلَّهُ لِلتَّفَنُّنِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَشْمَلُ الِاقْتِدَاءَ لِأَنَّهُمَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
(قَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ: إجْمَاعِ الْأُمَّةِ الْفِعْلِيِّ.
(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ) أَيْ: لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِأَلْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الْخَبَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ
مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا
…
مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبِرٍ بِهِ وَفَا
وَإِنْ عَرِيَ عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ
…
بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْسِ اسْتَقَرْ
وَقَدْ تَعَقَّبَ فِي قَوْلِهِ فَاللَّامُ جِنْسٍ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَصِحُّ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ إلَخْ وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ اتِّحَادُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى كَالِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْحَمْدُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمُتَلَفَّظُ بِهَا أَوْ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ: لِإِفَادَةِ الْجُمْلَةِ لَهُ. اهـ (قَوْلُهُ أَمْ لِلْجِنْسِ) وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ وَالشَّائِعُ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ لِأَنَّهُ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِالدَّلِيلِ إذْ الْمَعْنَى جَمِيعُ أَفْرَادِ الْحَمْدِ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَمْدِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَاهِيَّةُ. ع ش
(قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ) أَيْ: إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةً وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارًا مَعَ حَصْرِهِمْ الْمَوْضُوعَ اللُّغَوِيَّ فِي الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَلَا يُنَافِي وُجُودَ مَعْنًى آخَرَ كَالرَّحْمَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ فَوَاضِحٌ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ دُعَاءٌ اهـ أُجْهُورِيٌّ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَهُوَ مَا هُنَا. وَقَالَ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ: إنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الرَّحْمَةِ إطْلَاقٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) أَيْ: بِلَفْظِهِ أَوْ مُرَادِفِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارَ بِخُصُوصِ صِيغَتِهِ لِحَدِيثِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.» شَوْبَرِيٌّ وَبِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ يُنْظَرُ مَا مَعْنَى اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ. صلى الله عليه وسلم الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ. فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ السَّتْرِ وَقَصْدُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّنْبِ فَيَرْجِعُ إلَى الْعِصْمَةِ. قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمِهِ: إنَّمَا يَظْهَرُ فِي اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِ تَكْلِيفٍ. فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ مِنْ اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ. قُلْت فَمَا حِكْمَةُ الْمُغَايَرَةِ فِي التَّعْبِيرِ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ اهـ بِحُرُوفِهِ وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ)
تَضَرُّعٌ وَدُعَاءٌ.
(وَالسَّلَامُ) بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ (عَلَى مُحَمَّدٍ) نَبِيِّنَا (وَآلِهِ) هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ (وَصَحْبِهِ) هُوَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم وَعَطْفُ الصَّحْبِ عَلَى الْآلِ الشَّامِلِ لِبَعْضِهِمْ لِتَشْمَلَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَاقِيَهُمْ وَجُمْلَتَا الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ خَبَرِيَّتَانِ لَفْظًا إنْشَائِيَّتَانِ مَعْنًى وَاخْتَرْت اسْمِيَّتَهُمَا عَلَى فِعْلِيَّتِهِمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ (الْفَائِزِينَ مِنْ اللَّهِ بِعُلَاهُ) صِفَةٌ لِمَنْ ذُكِرَ.
(وَبَعْدُ) يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ أُسْلُوبٍ إلَى آخَرَ وَأَصْلُهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَوْلَى وَمِنْ غَيْرِهِمَا لِيَشْمَلَ الْجِنَّ (قَوْلُهُ تَضَرُّعٌ) هُوَ السُّؤَالُ مَعَ خُضُوعٍ وَذِلَّةٍ وَالدُّعَاءُ أَعَمُّ مِنْهُ
(قَوْلُهُ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ الْمُرَادُ فَدَفَعَهُ بِمَا ذَكَرَ؛ فَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَلَمْ يُؤَوِّلْ الصَّلَاةَ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّصْلِيَةُ لِأَنَّهَا الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ أَوْ دُخُولِهَا وَذَلِكَ كُفْرٌ (قَوْلُهُ مُحَمَّدٍ) اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ مُحَمَّدٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَسُولًا فَقَالَ: فِيهِ ثَلَاثُ مِيمَاتٍ وَإِذَا بَسَطْتَ كُلًّا مِنْهَا قُلْتَ م وم وم عِدَّتُهَا بِحِسَابِ الْجُمَلِ الْكَبِيرِ تِسْعُونَ فَيَحْصُلُ مِنْهَا مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ وَإِذَا بَسَطْت الْحَاءَ وَالدَّالَ قُلْت دَالٌ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ وَحَاءٌ بِتِسْعَةٍ فَالْجُمْلَةُ مَا ذَكَرَ فَفِي اسْمِهِ الْكَرِيمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ جَمِيعَ الْكَمَالَاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْمُرْسَلِينَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ شَيْخُنَا مَلَوِيٌّ (قَوْلُهُ نَبِيِّنَا) لَمَّا كَانَ لَفْظُ مُحَمَّدٍ مُشْتَرَكًا بَيْنَ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ نَبِيِّنَا. ع ش (قَوْلُهُ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ) أَيْ: وَبَنَاتُهُ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَكَذَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي بَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا يُشْكِلُ بِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْآلِ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ لِآبَائِهِمْ ع ش (قَوْلُهُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبِهِ) أَتَى بِالضَّمِيرِ احْتِرَازًا مِنْ صَاحِبِنَا فَإِنَّهُ مَنْ طَالَتْ عِشْرَتُهُ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ هُوَ جَمْعٌ لَهُ كَرَكْبٍ وَرَاكِبٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَادُهُ الْجَمْعُ اللُّغَوِيُّ فَلَا مُخَالَفَةَ. (قَوْلُهُ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّاحِبَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَالصَّحَابِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ. ح ل (قَوْلُهُ مَنْ اجْتَمَعَ) أَيْ: اجْتِمَاعًا مُتَعَارَفًا بِأَنْ يَكُونَ بِالْأَبْدَانِ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا ع ن فَيَشْمَلُ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ وَالْمَلَائِكَةَ وَعِيسَى عليه السلام لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مَرَّاتٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَهُوَ حَيٌّ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ إلَّا بِأَرْوَاحِهِمْ أُجْهُورِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِنَبِيِّنَا) أَيْ: بَعْدَ رِسَالَتِهِ وَقَدْ تَنَازَعَهُ " اجْتَمَعَ " وَ " مُؤْمِنًا ". (قَوْلُهُ وَعَطَفَ الصَّحْبَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعَطْفِ الْعَطْفُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بَعْدَ شَيْءٍ آخَرَ وَإِلَّا فَالْعَطْفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَوَّلِ إذَا تَكَرَّرَتْ الْمَعْطُوفَاتُ عَلَى الصَّحِيحِ فَالْعَطْفُ عَلَى مُحَمَّدٍ لَا عَلَى الْآلِ أَوْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ ع ش (قَوْلُهُ الشَّامِلِ) أَيْ: الْآلِ لِبَعْضِهِمْ أَيْ: الصَّحْبِ وَقَوْلُهُ بَاقِيهمْ أَيْ: بَاقِي الصَّحْبِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِآلٍ. شَوْبَرِيٌّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْآلُ مِنْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، وَأَمَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُمْ مُؤْمِنُو أُمَّتِهِ فَفَائِدَةُ ذِكْرِهِمْ الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِهِمْ لِزِيَادَةِ فَضْلِهِمْ فَيَكُونُ بَيْنَ الْآلِ وَالصَّحْبِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ عَلَى هَذَا وَوَجْهِي عَلَى الْأَوَّلِ وَالسِّرُّ فِي طَلَبِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى الْآلِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ السَّبَبُ فِي حُصُولِ سَعَادَةِ الدَّارَيْنِ لِلْعِبَادِ لِأَنَّ السَّعَادَةَ مَنُوطَةٌ بِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَالْعَمَلِ بِهَا وَوُصُولُهَا إلَيْنَا إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ آلِهِ وَصَحْبِهِ.
(قَوْلُهُ خَبَرِيَّتَانِ إلَخْ) وَيَجُوزُ فِي جُمْلَةِ الْحَمْدِ أَنْ تَكُونَ خَبَرِيَّةً لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ الْحَمْدَ لُغَةً: الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ ثَنَاءٌ عَلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا، وَأَمَّا جُمْلَةُ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لُغَةً: الدُّعَاءُ وَالْإِخْبَارَ بِهَا لَيْسَ دُعَاءً وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ فِيهَا أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْغَرَضُ مِنْهَا تَعْظِيمُهُ عليه الصلاة والسلام وَذَلِكَ حَاصِلٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ. (قَوْلُهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ وَالدَّوَامِ) أَيْ: عَلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْحَمْدِ لِلَّهِ دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَامِدَ يُنْشِئُ الْحَمْدَ دَائِمًا وَعَطْفُ الدَّوَامِ عَلَى الثَّبَاتِ تَفْسِيرٌ يُقَالُ: ثَبَتَ الْأَمْرُ ثَبَاتًا أَيْ: دَامَ بِخِلَافِ الثُّبُوتِ فَإِنَّهُ أَعَمُّ. فَإِنْ قُلْت كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثُبُوتِ الِانْطِلَاقِ لِزَيْدٍ؟ قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْخَ إنَّمَا نَفَى دَلَالَةَ الِاسْمِيَّةِ فَلَا يُنَافِي اسْتِفَادَةَ الدَّوَامِ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْفِعْلِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ: وَاخْتَرْت إلَخْ أَوْ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ. (قَوْلُهُ بِعُلَاهُ) اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَعْلَى أَيْ: بِإِعْلَائِهِ إيَّاهُمْ أَوْ جَمْعُ عُلْيَا وَيَكُونُ مَعْنَاهُ الرُّتَبُ الْعَلِيَّةُ
(قَوْلُهُ يُؤْتَى بِهَا لِلِانْتِقَالِ) أَيْ: إذَا جِيءَ بِهَا تَكُونُ لِلِانْتِقَالِ أَيْ: فَلَيْسَتْ مَوْضُوعَةً لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الِانْتِقَالُ يَتَعَيَّنُ الْإِتْيَانُ بِهَا فَيُعَدُّ تَرْكُهَا عَيْبًا أَوْ خَطَأً لِأَنَّ الِانْتِقَالَ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا يَحْصُلُ بِغَيْرِهَا كَ {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} [ص: 55] وَاللَّامُ بِمَعْنَى عِنْدَ أَوْ الْمَعْنَى لِإِرَادَةِ الِانْتِقَالِ (قَوْلُهُ وَأَصْلُهَا) أَيْ: الثَّانِي أَيْ: مَا حَقُّ التَّرْكِيبِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَالْأَصَالَةُ بِالْقُوَّةِ لَا بِالْفِعْلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ شَيْئًا حُذِفَ
أَمَّا بَعْدُ بِدَلِيلِ لُزُومِ الْفَاءِ فِي حَيِّزِهَا غَالِبًا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْأَصْلُ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسِّلَامِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ.
(فَهَذَا) الْمُؤَلَّفُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا (مُخْتَصَرٌ) مِنْ الِاخْتِصَارِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ التَّرْكِيبِ وَاخْتُصِرَ فِيهِ فَالْوَاوُ نَائِبَةٌ عَنْ أَمَّا وَاخْتُصَّتْ الْوَاوُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ حُرُوفِ الْعَطْفِ بِالنِّيَابَةِ عَنْ أَمَّا لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِئْنَافِ كَأَمَّا اهـ مَلَوِيٌّ.
(قَوْلُهُ بِدَلِيلِ إلَخْ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الدَّلِيلِ أَنَّ لُزُومَ الْفَاءِ لَمْ يُعْهَدْ لِشَيْءٍ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ غَالِبًا إلَّا لِأَمَّا فَلَمَّا وَجَدْنَا ذَلِكَ اللُّزُومَ مَعَ وَبَعْدُ عَلِمْنَا أَنَّ أَصْلَهَا أَمَّا بَعْدُ وَإِنَّمَا لَزِمْتهَا لِتَضَمُّنِ أَمَّا مَعْنَى الشَّرْطِ فَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْمُلَاحَظَةِ لِيَتِمَّ الِاسْتِدْلَال وَيَظْهَرُ التَّعْلِيلُ فِي قَوْلِهِ لِتَضَمُّنِ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ لُزُومِ الْفَاءِ) الْمُرَادُ بِاللُّزُومِ: الذِّكْرُ لَا عَدَمُ الِانْفِكَاكِ لِئَلَّا يُنَافِيَ قَوْلَهُ بَعْدُ غَالِبًا ح ف أَوْ الْمُرَادُ اللُّزُومُ الْعُرْفِيُّ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ لَا الْعَقْلِيُّ. (قَوْلُهُ فِي حَيِّزِهَا) أَيْ: فِي قُرْبِ حَيِّزِهَا (قَوْلُهُ لِتَضَمُّنِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ: وَالْفَاءُ تَلْزَمُ أَمَّا لِتَضَمُّنِ أَمَّا إلَخْ مَعَ ضَعْفِهَا بِالنِّيَابَةِ فَجُبِرَتْ بِلُزُومِ الْفَاءِ. ع ش (قَوْلُهُ مَعْنَى الشَّرْطِ) أَيْ: التَّعْلِيقِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصْلُ أَيْ: الْأَوَّلُ فَقَدْ قَامَتْ أَمَّا مَقَامَ أَدَاةِ الشَّرْطِ الَّتِي هِيَ مَهْمَا وَفِعْلِ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ يَكُنْ وَلِقِيَامِهَا مَقَامَ فِعْلِ الشَّرْطِ وَأَدَاتِهِ لَزِمَهَا مَا يَلْزَمُ فِعْلَ الشَّرْطِ وَهُوَ وُجُودُ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ مِنْ حَقِّ أَمَّا أَنْ يَلْزَمَهَا مَا يَلْزَمُهُمَا لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا وَاَلَّذِي يَلْزَمُ مَهْمَا الِاسْمِيَّةُ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأٌ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ لُحُوقُ الِاسْمِيَّةِ لِأَمَّا جِيءَ بِاسْمٍ بَعْدَهَا وَهُوَ بَعْدَ إقَامَةِ اللَّازِمِ فِي الْجُمْلَةِ مَقَامَ الْمَلْزُومِ. ح ل وَيَكُنْ تَامَّةٌ وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَهْمَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ بِزِيَادَةِ مِنْ عَلَى رَأْيِ بَعْضِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْلُهَا خُصُوصَ مَهْمَا لَا غَيْرِهَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لِمَا فِي مَهْمَا مِنْ الْإِبْهَامِ لِأَنَّهَا تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عَاقِلًا وَغَيْرَهُ زَمَانًا وَغَيْرَهُ، وَهَذَا الْإِبْهَامُ يُنَاسِبُ هُنَا لِأَنَّ الْغَرَضَ التَّعْلِيقُ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مَا فَلِهَذَا بَيَّنَهَا بَيَانًا عَامًا بِقَوْلِهِ مِنْ شَيْءٍ قَصْدًا لِلْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ شَأْنُ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا بِخِلَافِ غَيْرِ مَهْمَا مِنْ الْأَدَوَاتِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَوَّضُوا أَمَّا عَنْ مَهْمَا وَعَوَّضُوا الْوَاوَ عَنْ أَمَّا وَلَمْ يُعَوِّضُوا الْوَاوَ عَنْ مَهْمَا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفٌ مُفْرَدٌ فَلَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْ شَيْئَيْنِ، وَأَمَّا حَرْفٌ مُرَكَّبٌ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمُفْرَدِ. انْتَهَى.
(قَوْلُهُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الشَّرْطِ وَالْأَوْلَى جَعْلُهَا مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ الْجَوَابَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُعَلَّقًا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ مُطْلَقٍ وَالتَّعْلِيقُ عَلَى الْمُطْلَقِ أَقْرَبُ لِتَحَقُّقِهِ فِي الْخَارِجِ مِنْ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
(قَوْلُهُ فَهَذَا) أَيْ: فَأَقُولُ: هَذَا مُخْتَصَرٌ، فَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ لِيَكُونَ مُسْتَقْبَلًا وَنَزَّلَ الْمَعْقُولَ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ بِأَنْ شَبَّهَهُ بِهِ وَأَشَارَ لَهُ بِهَذَا لِشِدَّةِ اسْتِحْضَارِهِ عِنْدَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا فِي الذِّهْنِ مُجْمَلٌ وَمُسَمَّى الْمُخْتَصَرِ أَلْفَاظٌ مُفَصَّلَةٌ بِكَوْنِهَا طَهَارَةً وَغَيْرَهُ، فَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، وَأُجِيبَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ فِي كَلَامِهِ، وَالتَّقْدِيرُ فَمُفَصَّلُ هَذَا وَاعْتَرَضَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ. وَأُجِيبَ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ ثَانٍ وَالتَّقْدِيرُ فَمُفَصَّلُ نَوْعِ هَذَا كَذَا قِيلَ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا كُلِّهِ لِأَنَّ الذِّهْنَ يَقْبَلُ الْمُفَصَّلَ كَالْمُجْمَلِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى كَلَامِ الرَّمْلِيِّ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ اسْتِحْضَارِ الْأَرْكَانِ تَفْصِيلًا وَتَقْدِيرِ نَوْعٍ لَا يَحْتَاجُ لَهُ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فَلَا يَحْتَاجُ لِتَقْدِيرِهِ لِأَنَّ عِلْمَ الْجِنْسِ اسْمٌ لِلْحَقِيقَةِ وَهِيَ لَهَا أَفْرَادٌ تَشْمَلُ جَمِيعَ النُّسَخِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ الْحَاضِرُ ذِهْنًا) أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْخُطْبَةُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ وَضْعِ الْكِتَابِ ح ل فَالْإِشَارَةُ لِلْأَلْفَاظِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعَانِي عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ السَّبْعَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا مُخْتَارًا دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النُّقُوشَ لِعَدَمِ تَيَسُّرِهَا لِكُلِّ شَخْصٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَدْلُولًا وَلَا جُزْءَ مَدْلُولٍ فَبَطَلَ أَرْبَعُ احْتِمَالَاتٍ وَهِيَ النُّقُوشُ فَقَطْ، وَالنُّقُوشُ مَعَ الْأَلْفَاظِ وَالنُّقُوشُ مَعَ الْمَعَانِي وَالثَّلَاثَةُ؛ وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ لِكَوْنِهَا مُتَوَقِّفَةً فِي الْغَالِبِ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَدْلُولًا وَلَا جُزْءَ مَدْلُولٍ أَيْضًا فَبَطَلَ احْتِمَالَانِ وَهُمَا الْمَعَانِي فَقَطْ وَالْمَعَانِي مَعَ الْأَلْفَاظِ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ لِلْأَلْفَاظِ الذِّهْنِيَّةِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتُهَا عَلَى الْمَعَانِي وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا فَلَيْسَتْ مَقْصُودَةً، وَهَذَا الْمُخْتَارُ مِنْ السَّبْعَةِ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ لَكِنَّهَا
وَهُوَ تَقْلِيلُ اللَّفْظِ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى
(فِي الْفِقْهِ) وَهُوَ لُغَةً الْفَهْمُ وَاصْطِلَاحًا الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَشْرُوطَةٌ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي (قَوْلُهُ وَهُوَ تَقْلِيلُ إلَخْ) أَيْ: اصْطِلَاحًا ع ش. (قَوْلُهُ وَتَكْثِيرُ الْمَعْنَى) لَيْسَ بِقَيْدٍ
(قَوْلُهُ فِي الْفِقْهِ) مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ: فِي دَالِّ الْفِقْهِ أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْأَلْفَاظِ فِي الْمَعَانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ قَوَالِبُ لِلْأَلْفَاظِ بِالنَّظَرِ لِلْمُتَكَلِّمِ لِأَنَّهُ يَسْتَحْضِرُ الْمَعَانِيَ أَوَّلًا، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِلسَّامِعِ فَالْأَلْفَاظُ قَوَالِبُ لِلْمَعَانِي لِأَنَّهُ يُفْهِمُ الْمَعَانِيَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمَسْمُوعَةِ وَقِيلَ: إنَّ فِي بِمَعْنَى عَلَى فَشَبَّهَ الدَّالَّ وَالْمَدْلُولَ بِالظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: مِنْ فَقِهَ بِكَسْرِ عَيْنِهِ أَيْ: فَهِمَ فَإِنْ صَارَ سَجِيَّةً لَهُ ضُمَّتْ وَإِنْ سَبَقَ غَيْرَهُ فُتِحَتْ. اهـ (قَوْلُهُ الْفَهْمُ) هُوَ ارْتِسَامُ صُورَةِ مَا فِي الْخَارِجِ فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ الْعِلْمُ) بِمَعْنَى الظَّنِّ الْقَوِيِّ لِأَنَّهُ لِقُرْبِهِ مِنْ الْعِلْمِ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُهُ، وَإِلَّا فَالْعِلْمُ بِمَعْنَاهُ لَا يَقَعُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ شَوْبَرِيٌّ فَأَحْكَامُ الْفِقْهِ كُلُّهَا ظَنِّيَّةٌ، وَالْمَسَائِلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا لَيْسَتْ فِقْهًا لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ عَدُّهُمْ الْإِجْمَاعَ مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ، وَالْمُرَادُ بِالظَّنِّ مَلَكَتُهُ أَيْ: الْمَلَكَةُ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى ظَنِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ، وَعَلَاقَةُ الْأَوَّلِ الْمُجَاوَرَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَعَلَاقَةُ الثَّانِي السَّبَبِيَّةُ والمسببية، لِأَنَّ الْمَلَكَةَ سَبَبٌ لِلظَّنِّ وَالْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَمَا هُوَ أَحَدُ إطْلَاقَاتِ الْحُكْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَيْ: الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ النِّسَبِ التَّامَّةِ فَأَلْ اسْتِغْرَاقِيَّةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْمِلْ الْحُكْمَ عَلَى إدْرَاكِ وُقُوعِ النِّسْبَةِ أَوَّلًا، وُقُوعُهَا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَيَّنَ الْعِلْمَ فَلَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِهِ وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى خِطَابِ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُتَكَلِّمِينَ لِئَلَّا يَقَعَ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّ خِطَابَ اللَّهِ لَا يَكُونُ إلَّا شَرْعِيًّا. فَإِنْ قُلْتَ: إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَحْكَامِ جَمِيعَهَا لَا يَكُونُ التَّعْرِيفُ جَامِعًا لِثُبُوتِ لَا أَدْرِي عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهْم فُقَهَاءُ فَقُلْنَا: الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَهُ لَا حُصُولُهُ بِالْفِعْلِ، وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ حَصَلَ لَهُمْ الْعِلْمُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَهُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ. وَقَوْلُهُ الْعَمَلِيَّةِ أَيْ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ وَأَنَّ الْوِتْرَ مَنْدُوبٌ فَقَوْلُنَا النِّيَّةُ وَاجِبَةٌ مَسْأَلَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ وَالْفِقْهُ اسْمٌ لِلْعِلْمِ بِالنِّسْبَةِ، وَهَذِهِ النِّسْبَةُ عَمَلِيَّةٌ أَيْ: مُتَعَلِّقَةٌ بِصِفَةِ عَمَلٍ فَالْعَمَلُ هُوَ النِّيَّةُ وَصِفَتُهُ الْوُجُوبُ وَهَذِهِ النِّسْبَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْوُجُوبِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ النِّيَّةِ.
وَقَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةِ أَيْ: الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَحْكَامٍ مَخْصُوصَةٍ فَخَرَجَ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ وَالْبَيَاضِ وَالْمُرَادُ بِالذَّوَاتِ مَا لَوْ وُجِدَ فِي الْخَارِجِ كَانَ قَائِمًا بِنَفْسِهِ كَمَا قَالَهُ النَّجَّارِيُّ وَعَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ: إنَّ مَاهِيَّةَ الْإِنْسَانِ لَيْسَتْ مِنْ الذَّوَاتِ أَوْ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَتَصَوُّرِ الْإِنْسَانِ تَصَوُّرُ أَفْرَادِهِ وَقَوْلُهُ الشَّرْعِيَّةِ خَرَجَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَبِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ وَخَرَجَ بِالْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمِيَّةُ أَيْ: الِاعْتِقَادِيَّةُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَيْ: لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِكَيْفِيَّةِ ذَاتٍ فَقَوْلُهُ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ إلَخْ فَالْحُكْمُ فِيهِ ثُبُوتُ الْوَحْدَانِيَّةِ لِلَّهِ وَالْعِلْمُ بِهَذَا الثُّبُوتِ تَوْحِيدٌ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ فَهُوَ فِقْهٌ وَالْأَوَّلُ مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ اهـ سم عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ (قَوْلُهُ الْمُكْتَسَبُ) خَرَجَ بِهِ عِلْمُ جِبْرِيلَ مَثَلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ ح ل وَدَخَلَ فِيهِ عِلْمُهُ صلى الله عليه وسلم النَّاشِئُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ فِقْهٌ مِنْ حَيْثُ حُصُولُهُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ دَلِيلًا فَلَا يُسَمَّى فِقْهًا قَالَهُ الْكَمَالُ الْمَقْدِسِيُّ فَقَوْلُ ع ش: إنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا خَرَجَ بِهِ عِلْمُ جِبْرِيلَ وَعِلْمُ النَّبِيِّ أَيْ: الْحَاصِلُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مُكْتَسِبَيْنِ مِنْ الْأَدِلَّةِ بَلْ عِلْمُ جِبْرِيلَ مِنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَعِلْمُ النَّبِيِّ مِنْ الْوَحْيِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُمَا خَارِجَانِ بِالْمُكْتَسَبِ.
اهـ (قَوْلُهُ التَّفْصِيلِيَّةِ) أَيْ: بِوَاسِطَةِ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ هَذَا اهـ خَضِرٌ وَكَيْفِيَّةُ الِاكْتِسَابِ بِأَنْ يُقَالَ: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ يُنْتِجُ {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] لِلْوُجُوبِ " وَلَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ " نَهْيٌ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ يُنْتِجُ لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ لِلتَّحْرِيمِ فَيُجْعَلُ الدَّلِيلُ الْإِجْمَالِيُّ كُبْرَى لِلْقِيَاسِ كَمَا بَيَّنَهُ الْمَحَلِّيُّ
وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ عُرُوضُ الْأَحْكَامِ لَهَا
وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَسَائِرِ الْأَدِلَّةِ الْمَعْرُوفَةِ
وَفَائِدَتُهُ امْتِثَالُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ الْمُحَصِّلَانِ لِلْفَوَائِدِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ
(عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ) الْمُجْتَهِدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ (الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ
(اخْتَصَرْت فِيهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ أَيْ: بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسِبُ لِلْخِلَافِيِّ أَيْ: الشَّخْصِ الَّذِي نَصَبَ نَفْسَهُ لِلْخِلَافِ وَالْجِدَالِ لِيَذُبَّ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي الْمُثْبَتِ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ كَالشَّافِعِيِّ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ كَالْحَنَفِيِّ فَعِلْمُهُ أَيْ: الْخِلَافِيُّ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَبِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمُقْتَضِي مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكْتَسِبِ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ هَذَا إنْ قُلْنَا: إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَانْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسَلُّمِهِ مِنْ الْفَقِيهِ وُجُودَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي وَإِجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَيُمْكِنُهُ الْحِفْظُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونُ هُوَ الدَّلِيلُ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فِقْهًا وَالصَّوَابُ أَنَّ قَيْدَ التَّفْصِيلِيَّةِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ فَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ دُونَ الِاحْتِرَازِ كَقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْخِلَافِيِّ خَارِجٌ بِقَوْلِهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَالْخِلَافِيُّ لَيْسَ حَاصِلًا عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَخَارِجٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ الْمُكْتَسَبُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْمُسْتَنْبَطُ وَهُوَ لَا يُسْتَنْبَطُ انْتَهَى. ح ف
(قَوْلُهُ وَمَوْضُوعُهُ) ذَكَرَ مِنْ الْمَبَادِئِ سِتَّةً وَهِيَ الِاسْمُ وَالْحَدُّ وَالْمَوْضُوعُ وَالِاسْتِمْدَادُ وَالْفَائِدَةُ وَالْغَايَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ الْمُحَصِّلَانِ لِلْفَوَائِدِ إلَخْ. وَحُكْمُهُ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ أَوْ الْكِفَائِيُّ وَوَاضِعُهُ الْأَئِمَّةُ الْمُجْتَهِدُونَ
(قَوْلُهُ وَسَائِرِ الْأَدِلَّةِ) أَيْ: بَاقِيهَا كَالِاسْتِصْحَابِ وَالِاسْتِقْرَاءِ كَاسْتِقْرَاءِ الشَّافِعِيِّ النِّسَاءَ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَالِبِهِمَا، وَأَكْثَرِهِمَا وَالِاسْتِحْسَانِ كَاسْتِحْسَانِ الشَّافِعِيِّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْمُصْحَفِ
(قَوْلُهُ نَوَاهِيهِ) أَيْ: مُنْهَيَاتِهِ
(قَوْلُهُ عَلَى مَذْهَبِ إلَخْ) أَيْ: كَائِنًا ذَلِكَ الْفِقْهُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ كَيْنُونَةَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِحُصُولِهِ فِي ضِمْنِهِ وَقَدْ تُجْعَلُ عَلَى بِمَعْنَى فِي لِيَكُونَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَدَلًا مِنْ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ، وَقَبْلَهُ فَإِنْ قُلْت كَانَ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ مُخْتَصَرًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلِمَ زَادَ قَوْلَهُ فِي الْفِقْهِ؟ قُلْت: أَشَارَ لِمَدْحِ مُخْتَصَرِهِ وَمِنْ وَجْهَيْنِ عُمُومِ كَوْنِهِ فِي الْفِقْهِ وَخُصُوصِ كَوْنِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْفِقْهِ وَإِنَّمَا نَسَبَ لِجَدِّهِ الثَّالِثِ لِأَنَّهُ صَحَابِيٌّ بْنُ صَحَابِيٍّ إذْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ شَافِعِ بْنِ السَّائِبِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَسَائِلِ) مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ هِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضُوعٍ وَمَحْمُولٍ وَنِسْبَةٍ (قَوْلُهُ مَجَازًا) قَالَ: بَعْضُهُمْ هُوَ حَالٌ مِنْ مَا ذَهَبَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَفْظٌ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ إلَخْ، وَمَا ذَهَبَ مَعَانٍ بِدَلِيلِ تَبْيِينِهِ بِالْأَحْكَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ: حَالَةَ كَوْنِ ذَلِكَ مَدْلُولَ مَجَازٍ وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ حَالًا مِنْ مَذْهَبِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ أَيْ: حَالَ كَوْنِ الْمَذْهَبِ أَيْ: لَفْظِهِ مَجَازًا أَيْ: مَنْقُولًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ وَذَلِكَ التَّشْبِيهُ اخْتِيَارُهُ لِلْأَحْكَامِ بِسُلُوكِهِ الطَّرِيقَ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ اسْمُ السُّلُوكِ وَهُوَ الذَّهَابُ لِاخْتِيَارِ الْأَحْكَامِ وَاشْتُقَّ مِنْهُ الْمَذْهَبُ فَيَكُونُ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً هَذَا مُرَادُهُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ مَجَازٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ وَإِنْ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بَعْدَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَنْ مَكَانِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ: مَنْقُولًا عَنْ مَكَان اهـ ح ف
(قَوْلُهُ اخْتَصَرْت فِيهِ) أَيْ: جَمَعْت فِيهِ مَعَانِيَ الْمِنْهَاجِ ع ش وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: مَعَانِي مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ أَيْ: الْمَقْصُودِ مِنْ مَعَانِيهِ، وَإِلَّا فَمِنْ جُمْلَتِهَا حِكَايَةُ الْخِلَافِ وَالشَّيْخُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَالظَّرْفِيَّةُ هُنَا مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَعَانِي فِي الْأَلْفَاظِ كَمَا أَشَارَ لَهُ ع ش وَقَالَ الْمَلَوِيُّ اخْتَصَرْت فِيهِ أَيْ: فِي ذَلِكَ الْمُؤَلَّفِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمُخْتَصَرِ الْمُرَادُ بِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْمِنْهَاجِ وَمَا ضَمَّهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ ظَرْفِيَّةُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ: إنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْمِنْهَاجِ مَظْرُوفَةٌ فِي مَسَائِلِ الْمَنْهَجِ وَفِي الْإِطْفِيحِيِّ إتْيَانُهُ بِالظَّرْفِيَّةِ يَقْتَضِي تَسْمِيَتَهُ بِالْمُخْتَصَرِ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ كَلَامَ الْمِنْهَاجِ فَلَوْ قَالَ: اخْتَصَرْته مِنْ مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ لَانْدَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامُ وَالْإِشْكَالُ ظَاهِرًا إذَا كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً عَلَى
مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ أَبِي زَكَرِيَّا النَّوَوِيِّ) رحمه الله (الْمُسَمَّى بِمِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ، وَضَمَمْت إلَيْهِ مَا يُسِّرَ مَعَ إبْدَالِ غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ بِهِ) أَيْ بِالْمُعْتَمَدِ (بِلَفْظٍ مُبِينٍ) وَسَأُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا فِي مَحَالِّهِ (وَحَذَفْت مِنْهُ الْخِلَافَ رَوْمًا) أَيْ طَلَبًا (لِتَيْسِيرِهِ عَلَى الرَّاغِبِينَ) فِيهِ (وَسَمَّيْته بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ) الْمَنْهَجُ وَالْمِنْهَاجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ (رَاجِيًا) أَيْ مُؤَمِّلًا (مِنْ اللَّهِ) تَعَالَى (أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ أُولُو الْأَلْبَابِ) جَمْعُ لُبٍّ وَهُوَ الْعَقْلُ (وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ) وَهُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ وَتَسْهِيلُ سَبِيلِ الْخَيْرِ وَتَسْهِيلُ سَبِيلِ الْخَيْرِ (لِلصَّوَابِ) أَيْ لِمَا يُوَافِقُ الْوَاقِعَ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (وَ) أَسْأَلُهُ (الْفَوْزَ) أَيْ الظَّفَرَ بِالْخَيْرِ (يَوْمَ الْمَآبِ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
التَّأْلِيفِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فَلَا إشْكَالَ.
(قَوْلُهُ مُخْتَصَرَ الْإِمَامِ) سَمَّاهُ مُخْتَصَرًا لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْمُحَرَّرِ وَهُوَ مِنْ الْوَجِيزِ وَهُوَ مِنْ الْوَسِيطِ وَهُوَ مِنْ الْبَسِيطِ وَهُوَ مِنْ النِّهَايَةِ شَرْحٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ الْأُمِّ وَالْوَجِيزِ وَالْوَسِيطِ وَالْبَسِيطِ لِلْغَزَالِيِّ تِلْمِيذِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بَابِلِيٌّ (قَوْلُهُ الْمُسَمَّى بِمِنْهَاجِ الطَّالِبِينَ) أَسْمَاءُ الْكُتُبِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الْجِنْسِ وَأَسْمَاءُ الْعُلُومِ مِنْ حَيِّزِ عِلْمِ الشَّخْصِ عَلَى مَا هُوَ التَّحْقِيقُ ز ي (قَوْلُهُ وَضَمَمْت إلَيْهِ) أَيْ: إلَى مَا اخْتَصَرْته مِنْ مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ شَوْبَرِيٍّ أَوْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِمُخْتَصَرِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عِبَارَةً عَنْ مَجْمُوعِ مَعَانِي الْمِنْهَاجِ وَزِيَادَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنْ ضَمِّ الْجُزْءِ إلَى كُلِّهِ فَهُوَ مِنْ التَّجْرِيدِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِأَنَّهُ جَرَّدَ اللَّفْظَ عَنْ بَعْضِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ مَا ضَمَّ إلَيْهِ وَقَصَدَ بِهِ التَّنْبِيهَ عَلَى شَرَفِ هَذَا الْجُزْءِ بِكَوْنِهِ يَسُرُّ (قَوْلُهُ مَعَ إبْدَالِ إلَخْ) فِيهِ إدْخَالُ الْبَاءِ فِي حَيِّزِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْخُوذِ، وَإِدْخَالُهَا فِي حَيِّزِ الْإِبْدَالِ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي حَيِّزِ بَدَلَ وَتَبَدَّلَ وَاسْتَبْدَلَ عَلَى الْمَتْرُوكِ هُوَ الْفَصِيحُ وَخَفِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ هَذَا الْمَتْنَ وَأَصْلَهُ بِآيَةِ:{وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ: 16]{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ} [البقرة: 108] ، وَقَدْ تَدْخُلُ فِي حَيِّزِ بَدَّلَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ كَمَا فِي قَوْلِهِ
وَبُدِّلَ طَالِعِي نَحْسِي بِسَعْدِي
ز ي (قَوْلُهُ بِهِ أَيْ: بِالْمُعْتَمَدِ) يَعْنِي فِي الْحُكْمِ وَلَوْ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ مَا يَعْتَمِدُهُ الْحُذَّاقُ فِي التَّعْبِيرِ فَيَشْمَلُ مَا هُوَ أَعَمُّ وَمَا هُوَ أَوْلَى وَمَا جَمَعَ الصِّفَتَيْنِ. ح ل (قَوْلُهُ بِلَفْظٍ) مُتَعَلِّقٌ بِإِبْدَالٍ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ (قَوْلُهُ مُبَيِّنٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى وَضَّحَ أَوْ مِنْ أَبَانَ بِمَعْنَى أَوْضَحَ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَيْ: مُوَضِّحٌ لِلْمُرَادِ بِلَا خَفَاءٍ وَفِي الْمِصْبَاحِ بِأَنَّ الْأَمْرَ يُبَيَّنُ وَلَا يَكُونُ إلَّا لَازِمًا وَأَبَانَ إبَانَةً بِمَعْنَى الْوُضُوحِ وَيُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا.
ع ش (قَوْلُهُ وَسَأُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْمَذْكُورِ مِنْ الضَّمِّ وَالْإِبْدَالِ وَقَدَّمَ الْإِبْدَالَ عَلَى الْحَذْفِ لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِبَيَانِ الْمُعْتَمَدِ وَذِكْرُهُ أَقْوَى مِنْهُ بِالْحَذْفِ. (قَوْلُهُ وَحَذَفْت مِنْهُ الْخِلَافَ) أَيْ: تَرَكْتُهُ. ح ل وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي مِنْهُ عَائِدٌ عَلَى مُخْتَصَرِهِ أَمَّا لَوْ عَادَ عَلَى مُخْتَصَرِ الْإِمَامِ فَالْحَذْفُ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَذَفَهُ حِينَ اخْتَصَرَهُ لَكِنَّ فِيهِ تَشْتِيتٌ لِلضَّمَائِرِ لِأَنَّ الضَّمَائِرَ السَّابِقَةَ عَائِدَةٌ عَلَى مُخْتَصَرِهِ.
ح ف (قَوْلُهُ الرَّاغِبِينَ) أَيْ: الْمُنْهَمِكِينَ عَلَى الْخَيْرِ طَلَبًا لِحِيَازَةِ مَعَالِيهِ ز ي (قَوْلُهُ بِمَنْهَجِ الطُّلَّابِ) فَقَدْ اخْتَصَرَ الِاسْمَ كَمَا اخْتَصَرَ الْمُسَمَّى ثُمَّ اشْتَهَرَ الْآنَ بِالْمَنْهَجِ اقْتِصَارًا عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ الْعَلَمِ مَعَ دُخُولِ أَلْ عَلَيْهِ مَلَوِيٌّ وَالطُّلَّابُ جَمْعُ طَالِبٍ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ:
وَفُعَّلٌ لِفَاعِلٍ وَفَاعِلَهْ
…
وَصْفَيْنِ نَحْوَ عَاذِلٍ وَعَاذِلَهْ
وَمِثْلُهُ الْفُعَّالُ فِيمَا ذُكِّرَا
اهـ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّهُ جَمْعُ طَلَّابٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ مُبَالَغَةُ طَالِبٍ لَا يَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ رَاجِيًا) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ فَاعِلِ اخْتَصَرْت وَمَا بَعْدَهُ فَيَكُونُ حُذِفَ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِضْمَارَ وَالْحَالُ نَكِرَةٌ (قَوْلُهُ أَنْ يَنْتَفِعَ) أَتَى بِالْمُضَارِعِ الْمُصَدَّرِ بِأَنَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَالِ انْتِفَاعٌ بِهِ وَقَالَ: وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مَطْلُوبٌ فِي الْحَالِ كَالِاسْتِقْبَالِ فَلِذَا أَتَى فِيهِ بِالْمَصْدَرِ الصَّرِيحِ كَمَا فِي الْإِطْفِيحِيِّ وَلِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ الْفَوْزُ وَجُمْلَةُ وَأَسْأَلُهُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى رَاجِيًا وَالتَّقْدِيرُ وَسَائِلًا.
(قَوْلُهُ وَهُوَ خَلْقُ قُدْرَةِ الطَّاعَةِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ إنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلتَّوْفِيقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَالْمُرَادُ هُنَا إلْهَامُ مُوَافَقَةِ الصَّوَابِ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَخَلْقُ الْقُدْرَةِ فِي الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مَجْبُولًا طَبْعًا وَاخْتِيَارًا عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ إطْفِيحِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ وَتَسْهِيلُ سَبِيلِ الْخَيْرِ) هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا إذَا لَمْ نُرِدْ بِالْقُدْرَةِ الْعَرْضَ الْمُقَارِنَ لِلْفِعْلِ بِأَنْ أُرِيدَ بِهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ فَإِنْ أَرَدْنَا ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْقُدْرَةَ لَيْسَتْ مَوْجُودَةً فِي الْكَافِرِ. (قَوْلُهُ لِلصَّوَابِ) فِيهِ أَنَّ التَّوْفِيقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْخَيْرِ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ لِلصَّوَابِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَ مُتَعَلِّقَاتِهِ، أَوْ أَنَّهُ سَلَكَ التَّجْرِيدَ بِأَنْ جَرَّدَ التَّوْفِيقَ عَنْ كَوْنِهِ فِي خَيْرٍ (قَوْلُهُ وَالْفِعْلِ) كَالصَّلَاةِ وَمَعْنَى كَوْنِهَا تُوَافِقُ الْوَاقِعَ أَنْ