الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) تَقْرِيبًا لِذَلِكَ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَيَقْرَأُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَ) أَنْ (يُقِيمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْخُطْبَةِ (مُؤَذِّنٌ وَيُبَادِرُ هُوَ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْقِيقِ الْوَلَاءِ الَّذِي مَرَّ وُجُوبُهُ.
(وَ) أَنْ (يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (الْجُمُعَةَ وَ) فِي (الثَّانِيَةِ الْمُنَافِقِينَ جَهْرًا) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى أَيْضًا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » قَالَ: فِي الرَّوْضَةِ كَانَ يَقْرَأُ هَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَهَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ فَهُمَا سُنَّتَانِ وَفِيهَا كَأَصْلِهَا لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْجُمُعَةَ فِي الثَّانِيَةِ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا وَالتَّصْرِيحُ بِسَنِّ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَتِي.
(فَصْلٌ) فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا
وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا
وَيَنْوِي بِهَا الْمُغْتَسِلُ أَسْبَابَهَا إلَّا الْغُسْلَ مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةِ (سُنَّ غُسْلٌ فَ) إنْ عَجَزَ سُنَّ (بَدَلُهُ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ) أَيْ: أَوْجَبَ كَوْنَ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَلَعَلَّ الْمُخَالِفَ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا وَذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْجُلُوسِ مِنْ أَصْلِهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالثَّلَاثَةُ لَا يَقُولُونَ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ
(قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِيهِ شَيْئًا إلَخْ) وَالْأَفْضَلُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ. ح ل
(قَوْلُهُ: لَوْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ) عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، أَوْ جَهْلًا وَقِرَاءَةُ بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ قَدْرِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا إلَّا إنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُشْتَمِلًا عَلَى ثَنَاءٍ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَحُكْمُ " سَبِّحْ " وَ " الْغَاشِيَةُ " مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ قَرَأَ الْمُنَافِقِينَ فِي ثَانِيَتِهِ كَذَا نُقِلَ عَنْ حَجّ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ سَقَطَتْ عَنْهُ لِسُقُوطِ مَتْبُوعِهَا وَهُوَ الْفَاتِحَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ، وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي قِيَامِهَا وَقَدْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ. ح ل وَسُنَّ لِلْمَسْبُوقِ الْجَهْرُ فِي ثَانِيَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ عَنْ النَّصِّ م ر وَسَيُصَرِّحُ الشَّارِحُ بِذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: فَصْلٌ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ فَتَأَمَّلْ، وَيَقْرَأُ الْإِمَامُ سُورَتَيْ " الْمُنَافِقُونَ "، وَ " الْجُمُعَةُ " وَلَوْ صَلَّى بِغَيْرِ مَحْصُورِينَ. اهـ. م ر (قَوْلُهُ: قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقُونَ فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ: وَإِنْ كَانَ إمَامًا لِغَيْرِ مَحْصُورِينَ وَيُقَدِّمُ قِرَاءَةَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَحِكْمَةُ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ كَوْنُ الْأُولَى فِيهَا اسْمُ الْجُمُعَةِ الْمُوَافِقُ لِاسْمِ يَوْمِهَا، وَلِاسْمِهَا أَيْ: الصَّلَاةِ، وَالْمُنَافِقُونَ تَلِيهَا فِي الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ وَالتَّوَالِي مَطْلُوبٌ وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ اشْتِمَالُهَا عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ، وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَقِرَاءَةُ الْمُنَافِقُونَ لِتَوْبِيخِ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا. وَسُنَّ أَنْ لَا يَصِلَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ أُخْرَى وَلَوْ سُنَّتَهَا بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِنَحْوِ تَحَوُّلٍ، أَوْ كَلَامٍ.
[فَصْلٌ فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا]
(فَصْلٌ: فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ)
عِبَارَةُ ق ل فِيمَا يُطْلَبُ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْآدَابِ وَمِنْهَا الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا مَا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهُ تَبَعٌ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْنُونَةٍ وَهِيَ ظَرْفِيَّةٌ بِالنَّظَرِ لِلْأَوَّلِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَا تَظْهَرُ الظَّرْفِيَّةُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا لَا مَعْنَى لِلسَّنِّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ السَّنَّ سَابِقٌ فَالْأَوْلَى كَوْنُ فِي بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي ع ش. وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْجُمُعَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَغْسَالِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَكُونُ فِي بِمَعْنَى اللَّامِ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْطُوفِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَبَّرَ بِفِي لِكَوْنِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ يُطْلَبُ فِي يَوْمِهَا بِخِلَافِ غُسْلِ غَيْرِهَا كَالْعِيدِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَبِخِلَافِ غُسْلِ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ
وَقَوْلُهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا أَيْ مِنْ قَوْلِهِ وَسُنَّ بُكُورٌ لِغَيْرِ إمَامٍ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ أَسْبَابَهَا) أَيْ غُسْلَ أَسْبَابِهَا (قَوْلُهُ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْجَنَابَةَ) أَيْ وَإِنْ وَكَانَ صَبِيًّا نَظَرًا لِحِكْمَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَلَّ مَنْ جُنَّ إلَّا وَأَنْزَلَ، فَإِنْ قُلْت كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ قَلَّ مَنْ جُنَّ وَلَمْ يُنْزِلْ. قُلْت أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَلَّ بِمَعْنَى مَا النَّافِيَةِ لِأَنَّ الْقَلِيلَ كَالْمَعْدُومِ وَالتَّقْدِيرُ مَا شَخْصٌ جُنَّ إلَّا اشْتَهَى وَأَنْزَلَ أَيْ فِي الْغَالِبِ فَأَنْزَلَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ تَأَمَّلْ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ فَلَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْغُسْلِ أَنَّهُ أَنْزَلَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ السَّابِقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ مَعَ أَنَّ غُسْلَهُ مَنْدُوبٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْجُنُبِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجُنُونَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ لِأَنَّ مَحَلَّ الِانْدِرَاجِ فِي الْجَنَابَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَهِيَ هُنَا غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ ح ف وَاعْتَمَدَهُ ع ش وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا أَنَّ الصَّبِيَّ يَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْإِفَاقَةِ لَا الْجَنَابَةِ وَقَالَ نِيَّتُهُ رَفْعُ الْجَنَابَةِ بَعِيدٌ جِدًّا لِاسْتِحَالَةِ إنْزَالِهِ وَمَثَّلَ ع ش خ ط وَقِيلَ يَنْوِي رَفْعَ الْجَنَابَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَطِئَ (قَوْلُهُ سُنَّ بَدَلُهُ) فَرْعٌ: لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلُ جَنَابَةٍ وَطُلِبَ مِنْهُ غُسْلٌ مَسْنُونٌ وَعَجَزَ عَنْ الْمَاءِ
بِنِيَّةِ الْغُسْلِ (لِمُرِيدِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ أَيْ أَرَادَ مَجِيئَهَا فَلْيَغْتَسِلْ» وَخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ «مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ» وَصَرَفَ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ إلَى النَّدْبِ خَبَرُ «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَوْلُهُ: فَبِهَا أَيْ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ وَالْغُسْلُ مَعَهَا أَفْضَلُ (بَعْدَ) طُلُوعِ (فَجْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِلَفْظِ الْيَوْمِ كَمَا سَيَأْتِي (وَقُرْبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ) إلَيْهَا (أَفْضَلُ) ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ مِنْ انْتِفَاءِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ
(وَمِنْ الْمَسْنُونِ أَغْسَالُ حَجٍّ) وَعُمْرَةٍ تَأْتِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَهَلْ يَكْفِي لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِمَا أَوْ لَا؟ فِيهِ نِزَاعٌ طَوِيلٌ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَاَلَّذِي انْحَطَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ) أَيْ بَدَلِ الْغُسْلِ فَيَقُولُ نَوَيْتُ التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَكْفِي نَوَيْت التَّيَمُّمَ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ لِعَدَمِ ذِكْرِ السَّبَبِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ وَيَكْفِي نَوَيْت التَّيَمُّمَ لِطُهْرِ الْجُمُعَةِ أَوْ لِلْجُمُعَةِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ الْبَدَلِيَّةَ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِمُرِيدِهَا) ظَاهِرُهُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْحُضُورُ كَذَاتِ حَلِيلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَإِنْ خَالَفَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِيهِ فَحَرِّرْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَبِرْمَاوِيٌّ وح ف وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَدَمَ فَيَشْمَلُ مَا إذَا أَطْلَقَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ) إضْرَابٌ إبْطَالِيٌّ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ الْمَتْنُ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ خِلَافُ الْأَوْلَى قَرَّرَهُ شَيْخُنَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي تَرْكِهِ رَاجِعٌ لِلْغُسْلِ أَوْ بَدَلِهِ لَكِنْ تَوَقَّفَ الْعَلَّامَةُ حَجّ فِي كَرَاهَةِ تَرْكِ التَّيَمُّمِ قَالَ شَيْخُنَا ع ش وَالْأَقْرَبُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَدَلِ أَنْ يُعْطَى حُكْمَ مُبْدِلِهِ إلَّا لِمَانِعٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الْغُسْلِ فِيهِ نَظَافَةٌ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لَا يَكْفِي فِي الْفَرْقِ إذْ لَوْ نُظِرَ إلَيْهِ لَمَا طُلِبَ التَّيَمُّمُ وَيُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِذَلِكَ الْغُسْلِ وَكَذَا سَائِرُ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ لِحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا وَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ وَالتَّيَمُّمُ إلَخْ أَيْ وَيُطْلَبُ التَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغُسْلِ سَوَاءٌ اغْتَسَلَ أَوْ تَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ فَإِذَا تَيَمَّمَ عَنْ الْغُسْلِ طُلِبَ مِنْهُ تَيَمُّمٌ آخَرُ عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغُسْلِ (قَوْلُهُ إحْرَازًا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سُنَّ غُسْلٌ فَبَدَلُهُ فَالْفَضِيلَةُ هِيَ الْغُسْلُ أَوْ التَّيَمُّمُ وَقِيلَ الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ وَخَبَرُ ابْنِ حِبَّانَ) أَتَى بِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّ الْغُسْلَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ لِلْإِتْيَانِ فِيهِ بِمِيمِ جَمْعِ الذُّكُورِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ) أَيْ فَبِالطَّرِيقَةِ عَمِلَ وَإِلَّا فَهُوَ وَاجِبٌ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ أَنَّهَا لَمْ تَمْنَعْهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْجَائِزِ مَا قَابَلَ الْحَرَامَ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا لِأَنَّ الشَّارِحَ فَسَّرَ مَا جَوَّزَتْهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْوُضُوءِ وَالِاقْتِصَارُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ وَاجِبًا وَقَوْلُهُ وَنِعْمَتْ أَيْ الْخَصْلَةُ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ الْوُضُوءُ وَحُذِفَ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ مَا يُشْعِرُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ تَوَضَّأَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ إلَخْ وَالْخَصْلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ تَوَضَّأَ وَقَوْلُهُ وَالْغُسْلُ مَعَهَا أَيْ مَعَ الْخَصْلَةِ وَأَمَّا الْغُسْلُ بِدُونِهَا فَلَا يَكُونُ أَفْضَلَ لَا يُقَالُ لَا يُمْكِنُ انْفِرَادُ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِيهِ وَإِنْ نَفَاهُ لِأَنَّا نَقُولُ مَحَلُّ الِانْدِرَاجِ فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَمَا هُنَا غُسْلٌ مَنْدُوبٌ فَلَا يَنْدَرِجُ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ انْدِرَاجِ الْوَاجِبِ فِي الْمَنْدُوبِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْفَرْقُ فَتَأَمَّلْ وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ ح ل إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِرَادُ الْغُسْلِ عَنْ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ أَيْ بِمَا جَوَّزَتْهُ) لَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي تَأْوِيلِ الشَّارِحِ لِلْحَدِيثِ بِمَا ذُكِرَ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ مَطْلُوبًا بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ أَصْلًا بَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ لِرَفْعِ الْحَدَثِ لِأَنَّ صَدْرَ الْحَدِيثِ يُوهِمُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي حَقِّ مَنْ أَرَادَ الْحُضُورَ أَمَّا الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ بَدَلًا عَنْهُ فَيُنَافِي مُدَّعَى الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ سُنَّ غُسْلٌ فَبَدَلُهُ ع ش اط ف.
(قَوْلُهُ وَالْغُسْلُ مَعَهَا أَفْضَلُ) دَفَعَ بِهِ مَا يَرِدُ مِنْ تَفْضِيلِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَيُنْدَبُ لِصَائِمٍ خَشِيَ مُفْطِرًا تَرْكُ الْغُسْلِ. بِرْمَاوِيٌّ وَهَلْ يَنْتَقِلُ لِلتَّيَمُّمِ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَ مِنْ بَدَنِهِ مَا لَا يَخَافُ مِنْهُ الْفِطْرَ أَوْ يَسْقُطُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَصْلِهِ؟ قَالَ شَيْخُنَا ع ش الْأَقْرَبُ السُّقُوطُ. (قَوْلُهُ بَعْدَ فَجْرٍ) وَقِيلَ وَقْتُهُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَفُوتُ غُسْلُ الْجُمُعَةُ بِالْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهَا وَلَا يُبْطِلُهُ طُرُوُّ حَدَثٍ وَلَوْ أَكْبَرَ وَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهُ عِنْدَ طُرُوُّ مَا ذُكِرَ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا فِي ع ب كَالتَّجْرِيدِ شَوْبَرِيُّ وَاعْتَمَدَ ع ش سَنَّ إعَادَتِهِ (قَوْلُهُ ذَهَابِهِ) بِفَتْحِ الذَّالِ شَوْبَرِيُّ. قَالَ تَعَالَى {وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18](قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَفْضَى إلَى الْغَرَضِ) هَذَا التَّعْلِيلُ خَاصٌّ بِالْغُسْلِ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يُسَنُّ قُرْبُهُ مِنْ ذَهَابِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْغُسْلِ
(قَوْلُهُ أَغْسَالُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) كَالْإِحْرَامِ
فِي كِتَابِهِمَا (وَغُسْلُ عِيدٍ وَكُسُوفٍ) بِقِسْمَيْهِمَا (وَاسْتِسْقَاءٍ) لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا كَالْجُمُعَةِ وَلِلزِّينَةِ فِي الْعِيدِ فَلَا يَخْتَصُّ بِسَنِّ الْغُسْلِ لَهُ مُرِيدُهُ
(وَ) غُسْلٌ (لِغَاسِلِ مَيِّتٍ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَصَرَفَهُ عَنْ الْوُجُوبِ خَبَرُ «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالطَّوَافِ وَدُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ وَدُخُولِ الْمَدِينَةِ وَحَرَمِهَا لَا الْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَغُسْلُ عِيدٍ) أَيْ وَلَوْ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَيَخْرُجُ بِالْغُرُوبِ وَفِعْلُهُ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ بِرْمَاوِيٌّ وَلَمْ يَقُلْ وَعِيدٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّ لَهُ أَغْسَالًا (قَوْلُهُ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ) أَيْ وَلَوْ لِمَنْ يَفْعَلُ الثَّلَاثَةَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ قَدْ يَدُلُّ لِخِلَافِهِ وَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ الْغُسْلُ لِلتَّرَاوِيحِ حَيْثُ لَا يُطْلَبُ إلَّا لِمَنْ يَفْعَلُهَا جَمَاعَةً عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَوْبَرِيُّ
وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِأَوَّلِ الْكُسُوفِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ بِإِرَادَةِ الِاجْتِمَاعِ قَالَهُ حَجّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً أَمَّا مَنْ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَبِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (قَوْلُهُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَغُسْلِ عِيدٍ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الْعِيدِ يَخْتَصُّ بِمُرِيدِ الْحُضُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَعَلَّ التَّعْلِيلَ بِحَسَبِ الشَّأْنِ وَقَالَ ح ل قَوْلُهُ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ أَيْ الْغَرَضُ الْأَصْلِيِّ مِنْهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَلِلزِّينَةِ فِي الْعِيدِ الْأَصْلِيِّ فِي الْعِيدِ شَيْئَانِ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَالزِّينَةُ وَحِينَئِذٍ تَعْلَمُ أَنَّ الْغُسْلَ يُسْتَحَبُّ لِلْمُنْفَرِدِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ إلَّا لِجُمُعَةٍ ح ل ع ش
(قَوْلُهُ فَلَا يَخْتَصُّ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلِلزِّينَةِ
(قَوْلُهُ وَغُسْلٌ لِغَاسِلِ مَيِّتٍ) اُنْظُرْ لَوْ عَصَى بِالْغُسْلِ كَأَنْ غَسَّلَ شَهِيدًا أَوْ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَدْ يُقَالُ إنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ لِأَجْلِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ لِذَاتِهِ كَالشَّهِيدِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ أَوْ لِعَارِضٍ كَتَغْسِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ نُدِبَ لَهُ شَوْبَرِيُّ وَاعْتَمَدَ ح ف أَنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ وَلَوْ عَصَى بِالْغُسْلِ مُطْلَقًا وَتَعْبِيرُهُ بِغَاسِلِ الْمَيِّتِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ يَمَّمَ الْمَيِّتَ لِلْعَجْزِ عَنْ غَسْلِهِ وَلَوْ شَرْعًا سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ، وَيَفُوتُ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ: إمَّا بِالْإِعْرَاضِ أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ كَذَا رَأَيْته فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ حَرِّرْ وَفِي ع ش عَلَى م ر وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ أَوْ لِلسَّبَبِ فَقَدْ زَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غُسْلِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ أَمَّا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا الْفَوَاتُ بَلْ الظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ فِيهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ، خُصُوصًا وَسَبَبُ الْغُسْلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ نَعْمَ إنْ عَرَضَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ نَحْوِ الْجُنُونِ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا اُحْتُمِلَ فَوَاتُهُ وَإِدْرَاجُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَوْ غَسَّلَ مَوْتَى فَقَدْ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الْأَوْجَهَ طَلَبُ غُسْلٍ وَاحِدٍ عَنْ الْمُتَعَدِّدِ لِأَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَنْدُوبَةَ تَتَدَاخَلُ وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا شَوْبَرِيُّ بِاخْتِصَارٍ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَاسِلُ سُنَّ الْغُسْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَيْثُ بَاشَرُوا كُلُّهُمْ الْغُسْلَ بِخِلَافِ الْمُعَاوِنِينَ بِمُنَاوَلَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ جَمِيعَ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَيَدِهِ مَثَلًا وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ إلَّا الْعُضْوَ الْمَذْكُورَ وَغَسَّلُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ ع ش عَلَى م ر
وَانْظُرْ وَجْهَ إعَادَةِ اللَّامِ مَعَ غَاسِلِ مَيِّتٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ كَمَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ وَجْهُهُ اخْتِلَافُ الْغَرَضِ مِنْ طَلَبِ الْغُسْلِ فَالْغَرَضُ مِنْ الْغُسْلِ لِمَا قَبْلَهُ النَّظَافَةُ وَقَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَافِهِ مِنْ غَاسِلِ الْمَيِّتِ فَالْغَرَضُ مِنْهُ إزَالَةُ ضَعْفِ الْبَدَنِ بِمَسِّ بَدَنٍ خَالٍ عَنْ الرُّوحِ وَلِهَذَا أَعَادَهَا مَعَ مَا بَعْدَهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ طَلَبِ الْغُسْلِ مِنْهُ احْتِمَالُ إنْزَالِهِ تَأَمَّلْ وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا أَعَادَهَا فِيمَا بَعْدَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ مَجْنُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَيِّتٍ أَيْ فَيُطْلَبُ مِنْ غَاسِلِ الْمَجْنُونِ الْغُسْلُ وَلَيْسَ مُرَادًا تَأَمَّلْ شَوْبَرِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ
(قَوْلُهُ لِغَاسِلِ مَيِّتٍ) وَإِنْ كَانَ الْمُغَسِّلُ لَهُ حَائِضًا أَوْ حَرُمَ الْغَسْلُ كَالشَّهِيدِ أَوْ كُرِهَ كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَأَصْلُ طَلَبِهِ إزَالَةُ ضَعْفِ بَدَنِ الْغَاسِلِ بِمُعَالَجَةِ جَسَدٍ خَالٍ عَنْ الرُّوحِ وَلِذَلِكَ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ مِنْ حَمْلِهِ لَكِنْ بَعْدَهُ وَيُنْدَبُ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ أَيْضًا لِيَكُونَ حَمْلُهُ عَلَى طَهَارَةٍ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ شَيْخُنَا م ر حَدِيثَ «مَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» بِقَوْلِهِ أَيْ مَنْ أَرَادَ حَمْلَهُ
قَوْلُهُ لِخَبَرِ «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» تَتِمَّتُهُ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ (قَوْلُهُ وَصُرِفَ عَنْ الْوُجُوبِ) وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا. فَالْحَاصِلُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَغُسْلَ الْمَيِّتِ فِيهِمَا قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ
الْبُخَارِيِّ وَقِيسَ بِمَيِّتِنَا مَيِّتُ غَيْرِنَا
(وَ) غُسْلٌ (لِمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) إذَا (أَفَاقَا) لِلِاتِّبَاعِ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقِيسَ بِهِ الْمَجْنُونُ (وَكَافِرٍ) إذَا (أَسْلَمَ)«لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِالْغُسْلِ لَمَّا أَسْلَمَ، وَكَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أَثَالٍ» رَوَاهُمَا ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْغُسْلِ.
وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ فِي الْكُفْرِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَإِلَّا وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ اغْتَسَلَ فِيهِ، وَأَفَادَ التَّعْبِيرُ بِمَنْ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَتْ أَغْسَالٌ أُخَرُ مَسْنُونَةٌ كَالْغُسْلِ لِلْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَلِلِاعْتِكَافِ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ (وَآكَدُهَا غُسْلُ جُمُعَةٍ ثُمَّ) غُسْلُ (غَاسِلِ مَيِّتٍ) لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ بَلْ اعْتَرَضَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي تَحْسِينِهِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ مِنْ أَحَادِيثِهِ فَعَلَى ابْنِ حِبَّانَ فِي تَصْحِيحِهِ لَهُ أَوْلَى وَقُدِّمَ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ عَلَى الْبَقِيَّةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ
(وَسُنَّ بُكُورٌ) إلَيْهَا (لِغَيْرِ إمَامٍ) لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ وَيَنْتَظِرُوا الصَّلَاةَ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالْوُجُوبِ شَيْخُنَا (قَوْله وَقِيسَ بِمَيِّتِنَا) أَيْ فِي النَّدْبِ وَعَدَمِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ وَلِمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَا بَالِغَيْنِ أَمْ لَا شَرْحُ م ر فَإِنْ قِيلَ هَلَّا كَانَ وَاجِبًا عَمَلًا بِالْمَظِنَّةِ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَظِنَّةٌ لِلْإِنْزَالِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ الرِّيحِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ خُرُوجَ الْمَنِيِّ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا عَلَامَةَ عَلَى خُرُوجِ الرِّيحِ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ لِمُشَاهَدَتِهِ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْجُنُونَ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ عَلَامَةٌ مَعَ إمْكَانِهَا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ ح ل
(قَوْلُهُ وَمُغْمًى عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ لَحْظَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالْمُغْمَى عَلَيْهِ السَّكْرَانُ فَيُنْدَبُ لَهُ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ بَلْ قَدْ يُدَّعَى دُخُولُهُ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ مَجَازًا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ) فَقَدْ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يُغْمَى عَلَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ» . اهـ. حَجّ (قَوْلُهُ وَكَافِرٌ أَسْلَمَ) أَيْ وَلَوْ مُرْتَدًّا بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِمَا ذُكِرَ عَلَى النَّدْبِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُمْ بِالْغُسْلِ لِلْجَنَابَةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ بَعْدُ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ إلَخْ قَدْ يُشْكِلُ بِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْبَالِغِينَ سَبْقُ الْجَنَابَةِ لَهُمْ فَيُشْكِلُ عَدَمُ أَمْرِهِمْ بِالْغُسْلِ ع ش وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِإِتْيَانِهِمْ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومٌ لَهُمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوَّلًا لِأَمْرِهِ أَيْ بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ
(قَوْلُهُ وَكَذَا ثُمَامَةُ) أَشَارَ بِكَذَا إلَى أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَأَنَّ أَمْرَ كُلٍّ مِنْهُمْ كَانَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ الْآخَرُ ع ش وَلِذَا لَمْ يَقُلْ ثُمَامَةَ عَطْفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا) يُحْتَمَلُ نَصْبه عَطْفًا عَلَى قَيْسٍ وَثُمَامَةَ وَلَمْ يُقَدِّمْهُ عَلَى قَوْلِهِ رَوَاهُمَا ابْنَا إلَخْ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ مِنْ مَرْوِيِّهِمَا وَيُحْتَمَلُ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى ابْنَا وَهُوَ الظَّاهِرُ تَأَمَّلْ كَذَا بِهَامِشِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ بِالْغُسْلِ) أَيْ مَعَ أَمْرِهِ بِالْوَاجِبِ أَوْ مَعَ عِلْمِ قَيْسٍ بِهِ لِمَا قِيلَ إنَّهُ كَانَ ذَا أَوْلَادٍ فِي الْكُفْرِ وَمِنْ لَازِمِهَا الْجَنَابَةُ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا وَجَبَ الْغُسْلُ) ظَاهِرُهُ فَوَاتُ الِاسْتِحْبَابِ فَلَا يَغْتَسِلُ ثَانِيًا لِلْإِسْلَامِ وَنَقَلَ عَنْ خَطِّ وَالِدِ شَيْخِنَا عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلْإِسْلَامِ فَإِنْ نَوَاهُمَا كَفَاهُ غُسْلٌ وَاحِدٌ ح ل، (قَوْلُهُ لِلْبُلُوغِ بِالسِّنِّ) اُنْظُرْ وَجْهَهُ وَلَعَلَّهُ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ بِالْإِنْزَالِ قَبْلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ) أَيْ يُسَنُّ الْغُسْلُ بِمَاءٍ بَارِدٍ لِمُرِيدِ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يُقَوِّي الْبَدَنَ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلثَّانِي حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا يُنَافِي أَنَّ لَهُ حَدِيثًا صَحِيحًا (قَوْلُهُ فَعَلَى ابْنِ حِبَّانَ) أَيْ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى ابْنِ حِبَّانَ أَوْلَى لِأَنَّ التَّصْحِيحَ أَرْقَى مِنْ التَّحْسِينِ (قَوْلُهُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ) وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ مَا كَثُرَتْ أَحَادِيثُهُ ثُمَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ ثُمَّ مَا صَحَّ حَدِيثُهُ أَيْ وَلَمْ يَكْثُرْ ثُمَّ مَا كَانَ نَفْعُهُ مُتَعَدِّيًا أَكْثَرَ وَمِنْ فَوَائِدِ مَعْرِفَةِ الْآكَدِ تَقْدِيمُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ بِهِ. اهـ. ح ل
وَقَوْلُهُ ثُمَّ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَيْ اخْتِلَافًا وَاهِيًا فَلَا يَرِدُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِهِمَا قَوِيٌّ
(قَوْلُهُ وَسُنَّ بُكُورٌ إلَيْهَا إلَخْ) لَوْ حَضَرَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَخَرَجَ لِعُذْرٍ ثُمَّ عَادَ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّيْخُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ حُصُولِ الْبَدَنَةِ اهـ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَسُئِلَ شَيْخُنَا م ر فَوَافَقَ عَلَى حُصُولِ الْبَدَنَةِ إذَا كَانَ عَزْمُهُ الِاسْتِمْرَارَ لَوْلَا الْعُذْرُ اهـ شَوْبَرِيُّ.
(قَوْلُهُ لِغَيْرِ إمَامٍ) اُنْظُرْ لَوْ بَكَّرَ الْإِمَامُ هَلْ يَحْصُلُ لَهُ مَا يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ أَوْ لَا؟ وَيُفَرِّقُ شَوْبَرِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا ح ف: لَا يَحْصُلُ لَهُ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ قَالَ ع ش قَدْ يُقَالُ تَأْخِيرُهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِهِ يَجُوزُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْمُبَكِّرِينَ أَوْ يَزِيدَ اهـ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ ثَوَابُ السَّاعَةِ الَّتِي لَوْ طُلِبَ التَّأْخِيرُ لَجَاءَ فِيهَا فَإِنْ بَكَّرَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ فِي الْبَدَنَةِ وَغَيْرِهَا ق ل بِحُرُوفِهِ، (قَوْلُهُ لِيَأْخُذُوا مَجَالِسَهُمْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْغَيْرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهَا مَعَ الْقُرْبِ مِنْ الْإِمَامِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ يَأْخُذُونَ مَجَالِسَهُمْ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ مَنْ اغْتَسَلَ إلَخْ) هَذَا عَجُزُ حَدِيثٍ قَدْ رَوَاهُ فِي شَرْحَيْ الرَّوْضِ وَالْبَهْجَةِ
أَيْ كَغُسْلِهَا ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقَرْنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . وَرَوَى النَّسَائِيّ «فِي الْخَامِسَةِ كَاَلَّذِي يَهْدِي عُصْفُورًا وَفِي السَّادِسَةِ بَيْضَةً»
فَمَنْ جَاءَ فِي أَوَّلَ سَاعَةٍ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرَكَانِ فِي تَحْصِيلِ الْبَدَنَةِ مَثَلًا لَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ الْآخَرِ وَبَدَنَةَ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِتَمَامِهِ فَقَالَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَمَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» إلَخْ " اهـ وَالْغُسْلُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ إذَا رَاحَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ وَإِنَّمَا ذُكِرَ الْغُسْلُ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ وَأَمَّا الْمُقِيمُ بِمَحِلِّ الْجُمُعَةِ فَيَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يَتَهَيَّأُ لَهَا وَيَقْصِدُهَا فِيهَا وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ رَاحَ لِأَنَّ قَصْدَهُ ذَلِكَ رَوَاحٌ فِي حَقِّهِ ع ش
(قَوْلُهُ أَيْ كَغُسْلِهَا) فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ عُدُولُهُ إلَيْهِ عَنْ قَوْلِهِ مَنْ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَنُّ الْجِمَاعُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا وَكَذَا قَالُوهُ وَظَاهِرُهُ اسْتِوَاؤُهُمَا لَكِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَوْمَهَا أَفْضَلُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ أَصَالَةً كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا يَرَاهُ فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ كَمَا فِي حَجّ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وع ش وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى مَا ذُكِرَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الثَّوَابِ بِمَنْ جَامَعَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ وَنُقِلَ عَنْ الْمَجْمُوعِ لِلنَّوَوِيِّ مَا يُوَافِقُهُ
(قَوْلُهُ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِالرَّوَاحِ هَلْ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ طَالَ الْمَشْيُ مِنْ الْمَنْزِلِ إلَى الْمَسْجِدِ بِزَمَانٍ كَثِيرٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الرَّوَاحَ اسْمٌ لِلذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ «فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ» فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِمْ وَنُقِلَ عَنْ ز ي مَا يُوَافِقُهُ نَعَمْ الْمَشْيُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا يُكْتَبُ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ غَيْرِهِ ع ش عَلَى م ر وَعِبَارَةِ الْبِرْمَاوِيِّ وَانْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ بِرَوَاحِهِ دُخُولُهُ الْمَسْجِدِ حَتَّى لَوْ بَعُدَتْ دَارُهُ جِدًّا بِحَيْثُ إنَّهُ لَوْ سَارَ مِنْ الْفَجْرِ فَلَمْ يَدْخُلْ الْمَسْجِدَ إلَّا فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ مَثَلًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ التَّبْكِيرُ إلَّا مِنْ السَّاعَةِ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا أَوْ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ حِينِ خُرُوجِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ السَّائِرَ الْمَذْكُورَ لَا يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ مَنْ بَكَّرَ أَوَّلَ سَاعَةٍ لَكِنْ لَهُ ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ مِنْ حَيْثُ بُعْدُ الدَّارِ وَالْمَشَقَّةُ بِحَيْثُ إنَّهُ يُوَازِي أَيْ يُسَاوِي ثَوَابَ مَنْ بَكَّرَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ اهـ
(قَوْلُهُ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً) فِي الْمُخْتَارِ الْبَقَرَةُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَاؤُهَا لِلْوَحْدَةِ وَكَذَا الْبَدَنَةُ وَسُمِّيَتْ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَسُمِّيَتْ الْبَقَرَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ (قَوْلُهُ كَبْشًا أَقَرْنَ) أَيْ عَظِيمَ الْقُرُونِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي أَسْنَانِ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ الْكَمَالُ عُرْفًا كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ إلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الرَّابِعَةِ بَطَّةً وَفِي الْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَفِيهِ أَنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ أَصْلُ الرَّوْضِ بِأَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ السَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَرْبَعُ وَالْعِشْرُونَ مِقْدَارَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الَّتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً بَلْ تَرْتِيبُ دَرَجَاتِ السَّابِقِينَ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فِي الْفَضِيلَةِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِي يَوْمِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ حَتَّى لَوْ حَضَرُوا كُلُّهُمْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى كَانَ الْأَوَّلُ أَفْضَلَ مِنْ الثَّانِي وَالثَّانِي أَفْضَلَ مِنْ الثَّالِثِ وَهَكَذَا قَالَهُ ح ل
وَقَوْلُهُ لَا يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ مِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر وَقَالَ سم وَلِيَ فِيهِ نَظَرٌ إذْ أَقَلُّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دَرَجَةً وَهِيَ عَشْرُ سَاعَاتٍ فَلَكِيَّةٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَلَكِ مِنْ الشَّمْسِ فَمِنْ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ يَخُصُّهُ خَمْسُ سَاعَاتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الشَّمْسِ لَا يَنْقُصُ عَنْ سَاعَةٍ وَابْتِدَاءُ الْيَوْمِ عَلَى الرَّاجِحِ هُنَا مِنْ الْفَجْرِ فَمَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَبْلُغُ سِتَّ سَاعَاتٍ فِي أَقَلِّ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَلْيُتَأَمَّلْ ع ش عَلَى م ر وَآخِرُهَا عَلَى كُلِّ قَوْلٍ إلَى صُعُودِ الْإِمَامِ الْمِنْبَرَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَخُرُوجِ الْخَطِيبِ لِلْمِنْبَرِ سِتُّ سَاعَاتٍ قَلَّتْ السَّاعَةُ أَوْ كَثُرَتْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ زَمَنُ الشِّتَاءِ أَوْ الصَّيْفِ فَالْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ الْقِطْعَةُ مِنْ الزَّمَانِ ح ف
(قَوْلُهُ دَجَاجَةً) بِتَثْلِيثِ الدَّالِ (قَوْلُهُ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ لِصُعُودِ الْمِنْبَرِ مِنْ نَحْوِ خَلْوَةٍ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ طَوَوْا الصُّحُفَ فَلَا يَكْتُبُونَ أَحَدًا قَالَ فِي الْإِيعَابِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الْحَفَظَةِ بَلْ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ
أَمَّا الْإِمَامُ فَيُسَنُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ وَالْبُكُورُ يَكُونُ (مِنْ) طُلُوعِ (فَجْرٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الْيَوْمِ شَرْعًا وَبِهِ يَتَعَلَّقُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ وَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ لَفْظُ الرَّوَاحِ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْأَزْهَرِيَّ مَنَعَ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَقَوْلِي لِغَيْرٍ إمَام إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي
. (وَ) سُنَّ (ذَهَابٌ) إلَيْهَا (فِي طَرِيقٍ طَوِيلٍ مَاشِيًا) لَا رَاكِبًا إلَيْهَا (بِسَكِينَةٍ وَرُجُوعٍ فِي) آخَرَ (قَصِيرٍ) مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا كَمَا فِي الْعِيدِ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ وَذِكْرُهُمَا مِنْ زِيَادَتِي وَلِلْحَثِّ عَلَى الْمَشْيِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي السَّكِينَةِ «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ» وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ مَنْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] أَيْ امْضُوا كَمَا قُرِئَ بِهِ (إلَّا لِعُذْرٍ) فِي الْمَذْكُورَاتِ مِنْ زِيَادَتِي.
بِأَنْ يَشُقَّ الْبُكُورُ أَوْ الذَّهَابُ أَوْ الرُّجُوعُ فِيمَا ذُكِرَ أَوْ الْمَشْيُ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَالرُّكُوبُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَاسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ شَوْبَرِيُّ وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْإِمَامُ إلَخْ) وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَمِنَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السَّلَسَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ عَلَى الْقُطْنَةِ وَالْعِصَابَةِ ع ش عَلَى م ر
(قَوْلُهُ فَيُسَنُّ لَهُ التَّأْخِيرُ) وَحِكْمَتُهُ قُوَّةُ الْهَيْبَةِ فِيهِ وَتَشَوُّفُ النَّاسِ إلَيْهِ ق ل (قَوْلُهُ جَوَازُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ) وَلَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْبُكُورُ بِلَا غُسْلٍ وَالتَّأْخِيرُ مَعَ الْغُسْلِ فَالثَّانِي أَفْضَلُ لِلْخِلَافِ الْقَوِيِّ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ، وَانْظُرْ لَوْ تَعَارَضَ الْبُكُورُ وَالتَّيَمُّمُ بَدَلَ الْغُسْلِ فَالظَّاهِرُ تَقْدِيمُ الْبُكُورِ لِفَوَاتِ مَا ذُكِرَ شَوْبَرِيُّ وَفِي ع ش عَلَى م ر وَإِذَا تَعَارَضَ التَّبْكِيرُ وَالتَّيَمُّمُ قُدِّمَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّ الْبَدَلَ يُعْطَى حُكْمَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا قُدِّمَ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ أَمَّا التَّيَمُّمُ فَفِي سَنِّهِ خِلَافٌ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَنِّهِ
(قَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ اسْمٌ لِلْخُرُوجِ إلَخْ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» وَعَلَيْهِ فَالْفُقَهَاءُ ارْتَكَبُوا فِيهِ مَجَازَيْنِ حَيْثُ اسْتَعْمَلُوهُ فِي الذَّهَابِ وَفِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ رَشِيدِيٌّ.
(قَوْلُهُ لِمَا يُؤْتَى بِهِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَيْ لِصَلَاةٍ يُؤْتَى بِهَا مَجَازٌ مُرْسَلٌ عَلَاقَتُهُ السَّبَبِيَّةُ لَكِنْ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُجَاوِرِ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَانِ عَلَى السَّبَبِ كَمَا لَا يَخْفَى أَفَادَهُ شَيْخُنَا وَالْأَوْلَى كَوْنُهُ اسْتِعَارَةً مُصَرِّحَةً حَيْثُ أُطْلِقَ الرَّوَاحُ الْمُجَاوِرَ لِلْمُسَبِّبِ فِي الزَّمَنِ وَهُوَ الْجُمُعَةُ عَلَى الذَّهَابِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ فِي أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَحْصِيلِ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَاسْتُعِيرَ اسْمُهُ لَهُ وَهُوَ الرَّوَاحُ
(قَوْلُهُ مَاشِيًا بِسَكِينَةٍ) وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ لِمَنْ يُجْهِدُهُ الْمَشْيُ لِهَرَمٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ بُعْدِ مَنْزِلٍ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مَا يَنَالُهُ مِنْ التَّعَبِ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ عَاجِلًا، وَكَمَا يُسْتَحَبُّ عَدَمُ الرُّكُوبِ هُنَا إلَّا لِعُذْرٍ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا فِي الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ بَلْ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَهُ حَجّ أَيْ مَا عَدَا النُّسُكَ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ الرُّكُوبَ فِيهِ أَفْضَلُ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ لَا رَاكِبًا) ذَكَرَهُ مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَجَوَّزُ فِي الْمَشْيِ بِمَا يَشْمَلُ الرُّكُوبَ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الذَّهَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} [الملك: 15] لَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَذَهَابُهُ وَقَوْلُهُ إلَيْهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَاشِيًا وَذَكَرَهُ ثَانِيًا لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ إنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا قَصَدَ بِهِ كَوْنَهُ لِلْجُمُعَةِ شَيْخُنَا وَفِي الشَّوْبَرِيِّ مَا نَصُّهُ فَهِمَ بَعْضٌ أَنَّ إلَيْهَا مُسْتَدْرَكٌ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إلَيْهَا قَبْلَهُ وَقَدْ يُقَالُ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ كَوْنُ الْمَشْيِ إلَيْهَا أَيْ فَلَا يَصْرِفُهُ لِغَرَضٍ آخَرَ فَمَحِلُّ الثَّوَابِ حَيْثُ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ لَا غَيْرَهَا
(قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعِيدِ فِي الذَّهَابِ) فِي الطَّوِيلِ وَالرُّجُوعِ فِي الْقَصِيرِ وَفِيهِ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْحُكْمُ مَشْهُورٌ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مَعْلُومٌ (قَوْلُهُ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ) وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِثُبُوتِهِمَا بِالنَّصِّ وَغَيْرِهِمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمُعَةِ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا الْمَشْيُ فِي الذَّهَابِ فَسَيَذْكُرُ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ غَيْرَ الْقِيَاسِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ) هِيَ التَّأَنِّي فِي الْمَشْيِ وَالْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَحُسْنُ الْهَيْئَةِ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَيُطْلَبُ ذَلِكَ لِلرَّاكِبِ فِيهِ وَفِي دَابَّتِهِ وَيُرَادِفُهَا الْوَقَارُ كَمَا فِي ق ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَالسَّكِينَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ الْزَمُوا السَّكِينَةَ وَرُوِيَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَفِي إدْخَالِ الْبَاءِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] اهـ فَتَكُونُ الْبَاءُ زَائِدَةً (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى تَرْكُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) وَهِيَ الْبُكُورُ وَالذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْ الذَّهَابُ فِي الطَّوِيلِ وَالرُّجُوعُ فِي الْقَصِيرِ وَهِيَ أَوَّلٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوْلِهِ أَوْ الْمَشْيُ أَوْ يَضِيقُ الْوَقْتُ فَفِي كَلَامِهِ خَمْسُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ وَالرُّكُوبُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ الْمَشْيُ وَقَوْلُهُ
وَالْإِسْرَاعُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَجِبُ الْإِسْرَاعُ إذَا لَمْ تُدْرَكْ الْجُمُعَةُ إلَّا بِهِ
(وَ) سُنَّ (اشْتِغَالٌ فِي طَرِيقِهِ وَحُضُورُهُ) قَبْلَ الْخُطْبَةِ (بِقِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ) أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِيَنَالَ ثَوَابَهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْعَظِيمِ (وَتَزَيَّنَ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ) لِلْحَثِّ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَيَزِيدُ الْإِمَامُ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ (وَالْبِيضُ) مِنْهَا (أَوْلَى) مِنْ زِيَادَتِي لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ.
وَيَلِي الْبِيضُ مَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجِهِ (وَ) تَزَيُّنٌ (بِتَطَيُّبٍ) لِذِكْرِهِ فِي خَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ السَّابِقِ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْإِسْرَاعُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ يَضِيقُ الْوَقْتُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ يَجِبُ الْإِسْرَاعُ) وَإِنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ م ر وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ مَرْكُوبًا لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ لِبَاسًا أَوْ قَائِدًا كَذَلِكَ سَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّاسَ لَا يَعُدُّونَ الْإِسْرَاعَ لِلْعِبَادَةِ نَقْصًا فَلَا يُقَالُ إنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ بَلْ لَائِقٌ بِهِ لِقَصْدِهِ الْعِبَادَةَ ع ش
(قَوْلُهُ وَتَزَيُّنٌ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ) وَالتَّزَيُّنُ مُخْتَصٌّ بِمُرِيدِ الْحُضُورِ كَالْغُسْلِ وَمُخْتَصٌّ أَيْضًا بِالذَّكَرِ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَلَوْ عَجُوزًا فَيُكْرَهُ لَهَا التَّطَيُّبُ وَالزِّينَةُ بِفَاخِرِ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَتِهَا حُضُورِهَا نَعَمْ يُسَنُّ لَهَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ اُسْتُحِبَّتْ لِكُلِّ حَاضِرِ جَمْعٍ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ فَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ آكَدُ اسْتِحْبَابًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ) وَلَفْظُهُ «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إنْ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا» شَرْحُ م ر
(قَوْلُهُ وَالْبِيضُ أَوْلَى) أَصْلُهُ بَيْضٌ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فَكُسِرَتْ الْبَاءُ لِأَجْلِ الْيَاءِ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ
فُعْلٌ لِنَحْوِ أَحْمَرَ وَحُمْرَا
وَقَالَ أَيْضًا:
وَيُكْسَرُ الْمَضْمُومُ فِي جَمْعٍ كَمَا
…
يُقَالُ هِيمٌ عِنْدَ جَمْعِ أَهْيَمَا
وَقَوْلُهُ أَوْلَى وَكَوْنُهَا جَدِيدَةً أَوْلَى إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلَّا فَمَا قَرُبَ مِنْ الْجَدِيدَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَالْأَكْمَلُ أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا بِيضًا وَإِلَّا فَأَعْلَاهُمَا فَإِنْ كَانَ أَسْفَلُهَا فَقَطْ لَمْ يَكْفِ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا بِغَيْرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَالْوَحْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ خَشِيَ تَلْوِيثَهَا وَهَلْ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَذْكُورُ وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مَغْصُوبًا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْحُصُولُ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ لُبْسِهِ لِحَقِّ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الْوُضُوءُ وَإِنْ عُوقِبَ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ عِيدٍ فَهَلْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ أَوْ الْعِيدَ فَالْأَغْلَى أَوْ يُرَاعِي الْجُمُعَةَ وَقْتَ إقَامَتِهَا فَيُقَدِّمُ الْأَبْيَضَ حِينَئِذٍ وَالْعِيدَ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ فَيُقَدِّمُ الْأَغْلَى فِيهَا؟ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ أَنَّهُ لَوْ رُوعِيَتْ الْجُمُعَةُ رُوعِيَتْ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ وَقَدْ تُرَجَّحُ مُرَاعَاةُ الْعِيدِ مُطْلَقًا إذْ الزِّينَةُ فِيهِ آكَدُ مِنْهَا فِي الْجُمُعَةِ وَلِهَذَا يُسَنُّ الْغُسْلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فَلْيُتَأَمَّلْ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةٍ
قَوْلُهُ لِخَبَرِ «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ» أَيْ ذَا الْبَيَاضِ وَالْبَسُوا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ عَلِمَ إذَا كَانَ فِي الْأَجْرَامِ كَمَا هُنَا وَمِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا كَانَ فِي الْمَعَانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] وَقَوْلِهِ {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] وَالْحَدِيثُ عَامٌّ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ الْمُدَّعَى وَزِيَادَةٌ فَإِنْ قُلْت صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ وَأَنَّهُ خَطَبَ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» وَفِي رِوَايَةٍ «دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ شُقَّةٌ سَوْدَاءُ» وَفِي أُخْرَى عَنْ ابْنِ عَدِيٍّ «كَانَ لَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَلْبَسُهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَيُرْخِيهَا خَلْفَهُ» وَفِي أُخْرَى لِلطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ «عَمَّمَ عَلِيًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْبَرَ» وَنُقِلَ لُبْسُ السَّوَادِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قُلْت هَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ فَقُدِّمَ الْقَوْلُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لُبْسُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ فِي نَحْوِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ أَرْهَبُ وَفِي لُبْسِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مِلَّتَهُ لَا تَتَغَيَّرُ إذْ كُلُّ لَوْنٍ غَيْرَهُ يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ وَفِي الْعِيدِ لِأَنَّ الْأَرْفَعَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَيَاضِ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَنْ حَجّ
(قَوْلُهُ مَا صُبِغَ قَبْلَ نَسْجِهِ) أَمَّا مَا صُبِغَ مَنْسُوجًا فَقَدْ ذَهَبَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى كَرَاهَةِ لُبْسِ ذَلِكَ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَلْبَسْهُ وَعَلَّلَهُ الشِّهَابُ الْبُرُلُّسِيُّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ مِنْ الصَّبْغِ فَيُشَوِّهُ الْبَدَنَ هَذَا وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ ح ل (قَوْلُهُ وَبِتَطَيُّبٍ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَصَائِمٍ وَامْرَأَةٍ تُرِيدُ الْحُضُورَ وَلَوْ عَجُوزًا وَانْظُرْ حِكْمَةَ إعَادَةِ الْعَامِلِ وَهُوَ الْبَاءُ فِيهِ وَمَا بَعْدَهُ وَهَلَّا تَرَكَهَا كَمَا فِي غَيْرِهَا. وَأَقُولُ لَوْ تَرَكَهَا لَتُوُهِّمَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى بُكُورٍ أَيْ وَسُنَّ بُكُورٌ
(بِإِزَالَةِ نَحْوِ ظُفْرٍ) كَشَعْرٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ (وَ) نَحْوِ (رِيحٍ) كَرِيهٍ كَصُنَانٍ وَوَسَخٍ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي
(وَ) سُنَّ (إكْثَارُ دُعَاءٍ) يَوْمِهَا وَلَيْلَتَهَا أَمَّا يَوْمُهَا فَلِرَجَاءِ أَنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ وَأَرْجَاهَا مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا خَبَرُ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مُنْتَقِلَةٌ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ وَيَوْمًا فِي آخَرَ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر.
وَأَمَّا لَيْلَتُهَا فَبِالْقِيَاسِ عَلَى يَوْمِهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رضي الله عنه بَلَغَنِي أَنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ
(وَ) إكْثَارُ (صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِخَبَرِ «أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) إكْثَارُ (قِرَاءَةِ الْكَهْفِ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَتَطَيُّبٌ إلَخْ فَلَا يُفِيدُ أَنَّهُ مِمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ فَأَعَادَ الْعَامِلَ لِيُفِيدَ بِهِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى أَحْسَنِ ثِيَابِهِ لِيَكُونَ مِمَّا يُتَزَيَّنُ بِهِ شَوْبَرِيُّ
(قَوْلُهُ وَبِإِزَالَةِ نَحْوِ ظُفْرٍ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَمُرِيدِ تَضْحِيَةٍ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ شَوْبَرِيُّ (بِقَوْلِهِ كَصُنَانٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رِيحِ الْفَمِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ الثِّيَابِ ق ل
(قَوْلُهُ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ) أَيْ إنَّ الدُّعَاءَ فِيهَا يُسْتَجَابُ وَيَقَعُ مَا دَعَا بِهِ حَالًا يَقِينًا فَلَا يُنَافِي أَنَّ كُلَّ دُعَاءٍ مُسْتَجَابٌ وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ شَوْبَرِيُّ وَبِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ) عِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَهِيَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ (قَوْلُهُ وَأَرْجَاهَا مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ) أَيْ قَبْلَ الْخُطْبَتَيْنِ وَقِيلَ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ مِنْ صُعُودِهِ أَيْ لَا تَخْلُو عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ كَيْفَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ. وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِ الدُّعَاءِ التَّلَفُّظُ بَلْ اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ كَافٍ ح ل وَقَدْ يُقَالُ: الِاشْتِغَالُ بِالدُّعَاءِ بِالْقَلْبِ يَمْنَعُ مُلَاحَظَةَ مَعْنَى الْخُطْبَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ الْإِنْصَاتِ وَسُئِلَ حَجّ عَمَّا حَاصِلُهُ أَنَّ مِنْ حِينِ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ يَتَفَاوَتُ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ إذْ يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ وَيَتَأَخَّرُ بَعْضُهُمْ بَلْ يَتَفَاوَتُ فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الْجُمَعِ فَهَلْ تِلْكَ السَّاعَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ فَهِيَ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ مَا بَيْنَ جُلُوسِهِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي ذَلِكَ مُنْذُ سِنِينَ حَتَّى رَأَيْت النَّاشِرِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ غَيْرَهَا فِي حَقِّ آخَرِينَ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ شَوْبَرِيُّ. وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ تَنْتَقِلُ فَقَدْ يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ وَلَا يُصَادِفُهَا أَهْلُ مَحَلٍّ آخَرَ ح ل
(قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَنْ آخِرِ سَاعَةٍ أَوْ مُضَرَ إلَّا إنْ جُعِلَ ظَرْفًا لِلْآخِرِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ سَاعَةٍ ق ل (قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ مُتَنَقِّلَةٌ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَلْزَمُ وَقْتًا بِعَيْنِهِ كَمَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا فَقَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ ضَعِيفٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ تَكُونُ يَوْمًا فِي وَقْتٍ) أَيْ مِنْ جُلُوسِ الْخَطِيبِ إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَيَوْمًا فِي آخَرَ وَهُوَ بَعْدَ الْعَصْرِ ح ل (قَوْلُهُ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ) لَعَلَّهُ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا تَلْزَمُ لَيْلَةً بِعَيْنِهَا كَمَا ذَكَرَهُ ع ش، (قَوْلُهُ بَلَغَنِي) أَيْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ مَرْفُوعٌ ع ش
(قَوْلُهُ وَإِكْثَارُ صَلَاةٍ) قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ أَقَلُّ إكْثَارِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ثَلَثُمِائَةِ مَرَّةٍ وَيُقَدِّمُهَا عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ غَيْرَ الْكَهْفِ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهَا تَكْبِيرَ الْعِيدِ وَلَوْ وَافَقَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ لِأَنَّ الْأَقَلَّ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ كَمَا طُلِبَ تَرْكُ أَخْذِ الظُّفْرِ وَالشَّعْرِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ وَتَرْكُ الطِّيبِ فِيهِ لِلصَّائِمِ وَالْمُحِدَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ)
عُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ طُلِبَ فِيهِ ذِكْرٌ بِخُصُوصِهِ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ مَأْثُورٍ آخَرَ ق ل
(قَوْلُهُ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَإِكْثَارُ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ) وَأَقَلُّ الْإِكْثَارِ ثَلَاثَةٌ وَقِرَاءَتُهَا نَهَارًا آكَدُ وَأَوْلَاهَا بَعْدَ الصُّبْحِ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِهَا أَنَّ فِيهَا ذِكْرَ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ شَبِيهٌ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَطَلَبُ الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ أَحَدِهِمَا أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ قَالَهُ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
لِخَبَرِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَخَبَرِ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فَقَوْلِي يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَذِكْرُ إكْثَارِ الْقِرَاءَةِ مِنْ زِيَادَتِي
(وَكُرِهَ تَخَطٍّ) رِقَابَ النَّاسِ لِلْحَثِّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (إلَّا لِإِمَامِ) لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَّا بِتَخَطٍّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
فَقَدْ وَرَدَ " أَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْعَشْرِ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِهَا أَمِنَ مِنْ الدَّجَّالِ "(قَوْلُهُ لِخَبَرِ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ) فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى إكْثَارُ قِرَاءَةِ الْكَهْفِ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ يَصْدُقُ بِمَرَّةٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِكْثَارِ بِمَفْهُومِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا مَرَّةً مَا ذُكِرَ فَكَيْفَ بِالْأَكْثَرِ شَيْخُنَا ح ف
(قَوْلُهُ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِمَا وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِ ذُنُوبِهِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ بَيْنَهُمَا، فَالْمُرَادُ بِالنُّورِ لَازِمُهُ وَهُوَ الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ نُورُ الْأَقْرَبِ إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ بِقَدْرِ نُورِ الْأَبْعَدِ عَنْهُ لَوْ جُمِعَ وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ فِي النُّورِ سِيَّانِ وَهَذَا كُلُّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ الْكَعْبَةُ فَإِنْ أُرِيدَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ اتَّجَهَ مَا ذَكَرْنَاهُ ح ل وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُصُولِ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ بِحَيْثُ لَوْ جُسِّمَ لَكَانَ مِقْدَارُهُ مِنْ مَكَانِهِ إلَى الْبَيْتِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَكَانِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ بِالزَّمَانِ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَخَطٍّ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ نُقِلَ عَنْ النَّصِّ حُرْمَتُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَات، م ر فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ تَرْجِيحِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيذَاءَ حَرَامٌ وَقَدْ «قَالَ صلى الله عليه وسلم اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» ؟ قُلْت لَيْسَ كُلُّ إيذَاءٍ حَرَامًا وَلِلْمُتَخَطِّي هُنَا غَرَضٌ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَمِنْ التَّخَطِّي الْمَكْرُوهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي أَمَّا السُّؤَالُ بِمُجَرَّدِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ بَلْ هُوَ سَعْيٌ فِي خَيْرٍ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَرْغَبْ الْحَاضِرُونَ الَّذِينَ يَتَخَطَّاهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ ع ش عَلَى م ر. وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ فَرْشِ السَّجَّادَاتِ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْفَجْرِ أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَبْلَ حُضُورِ أَصْحَابِهَا مَعَ تَأْخِيرِهِمْ إلَى الْخُطْبَةِ أَوْ مَا يُقَارِبُهَا لَا بُعْدَ فِي كَرَاهَتِهِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَيُكْرَهُ بَعْثُ سَجَّادَةٍ وَنَحْوِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ مَعَ عَدَمِ إحْيَاءِ الْبُقْعَةِ خُصُوصًا فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ، اهـ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ ح ل أَنَّ الْبَعْثَ الْمَذْكُورَ حَرَامٌ وَنَصُّهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ مَنْ يَفْرِشُ لَهُ نَحْوَ سَجَّادَةٍ لِمَا فِيهِ إلَخْ وَقَوْلُ م ر بَلْ قَدْ يُقَالُ بِتَحْرِيمِهِ أَيْ تَحْرِيمِ الْفَرْشِ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ ع ش عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ عِبَارَةِ الْبِرْمَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ وَالرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةُ لَيْسَتْ قَيْدًا فِي الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ سَائِرُ الْمَسَاجِدِ حُكْمُهَا كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِ م ر لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَإِنَّمَا خَصَّ الرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةَ لِأَنَّهَا هِيَ الْوَاقِعُ فِيهَا ذَلِكَ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ: رِقَابَ النَّاسِ) أَيْ قَرِيبَ رِقَابِ النَّاسِ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَتَخَطَّى إلَّا الْكَتِفَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَالْمُرَادُ بِالرِّقَابِ الْجِنْسُ فَيُكْرَهُ تَخَطِّي رَقَبَةٍ أَوْ رَقَبَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ تُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبِ الْجَالِسِ وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرْجَةٌ فِي الصُّفُوفِ يَمْشِي فِيهَا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ) وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت وَآنَيْت أَيْ تَأَخَّرْت» رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا لِإِمَامِ) وَكَالْإِمَامِ الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي النُّفُوسِ لِصَلَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ أَوْ عِلْمٍ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ سَوَاءٌ أَلِف مَوْضِعًا أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا لَمْ يَتَخَطَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَحِلٌّ مَأْلُوفٌ وَكَالْإِمَامِ مَنْ جَلَسَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ فَلَا يُكْرَهُ تَخَطِّيه وَكَذَا لَوْ سَبَقَ مَنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ إلَى الْجَامِعِ وَتَوَقَّفَ سَمَاعُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى تَخَطِّي الْكَامِلِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّخَطِّي بَلْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَبِهِ يُقَيَّدُ قَوْلُهُمْ إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُقَامُ مِنْ مَحَلِّهِ كَمَا نَقَلَهُ ع ش عَلَى شَرْحِ م ر اهـ.
وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً لَا يَصِلُهَا إلَّا بِتَخَطِّي وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ) أَكْثَرَ وَ (لَمْ يَرْجُ سَدَّهَا) فَلَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِتَقْصِيرِ الْقَوْمِ بِإِخْلَائِهَا لَكِنْ يُسَنُّ لَهُ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى فَإِنْ رَجَا سَدَّهَا كَأَنْ رَجَا أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدٌ إلَيْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لَهُ لِكَثْرَةِ الْأَذَى، وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ مَعَ قَوْلِي إلَّا لِإِمَامٍ إلَخْ مِنْ زِيَادَتِي
(وَحَرُمَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ) الْجُمُعَةُ (اشْتِغَالٌ بِنَحْوِ بَيْعٍ) مِنْ عُقُودٍ وَصَنَائِعَ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (بَعْدَ شُرُوعٍ فِي أَذَانِ خُطْبَةٍ) قَالَ تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] أَيْ اُتْرُكُوهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَحْرُمُ الْفِعْلُ وَقِيسَ بِالْبَيْعِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ وَتَقْيِيدُ الْأَذَانِ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ النِّدَاءُ فِي الْآيَةِ إلَيْهِ، وَحُرْمَةُ مَا ذُكِرَ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ قَاصِدًا الْجُمُعَةَ فَبَايَعَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ وَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ: وَهُوَ الظَّاهِرُ لَكِنَّ الْبَيْعَ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ وَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ الْآخَرِ أَثِمَ الْآخَرُ أَيْضًا لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْحَرَامِ وَقِيلَ كُرِهَ لَهُ وَخَرَجَ بِمَنْ تَلْزَمُهُ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ فَلَوْ تَبَايَعَ اثْنَانِ مِمَّنْ لَمْ تَلْزَمْهُ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ.
(فَإِنْ عَقَدَ) مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ (صَحَّ) الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِمَعْنًى خَارِجٍ وَقَوْلِي عَقَدَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ بَاعَ (وَكُرِهَ) ذَلِكَ (قَبْلَ الْأَذَانِ)
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخَطِّيَ يُوجَدُ فِيهِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ فَيَجِبُ إنْ تَوَقَّفَتْ الصِّحَّةُ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ مَعَ التَّأَذِّي وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِ الْفُرْجَةِ أَمَامَهُ وَيُنْدَبُ فِي الْفُرْجَةِ الْقَرِيبَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ لَمْ يَرْجُ سَدّهَا وَلَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا وَخِلَافُ الْأَوْلَى فِي الْقَرِيبَةِ لِمَنْ وَجَدَ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ رَجَا سَدَّهَا وَوَجَدَ مَوْضِعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَيُبَاحُ فِي هَذِهِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا كَمَا أَفَادَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَجَدَ فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْخَلَاءُ الظَّاهِرُ وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ بِقَوْلِهِ أَوْ وَجَدَ سَعَةً وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ خَلَاءٌ وَيَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ دَخَلَ بَيْنَهُمْ وَسِعَهُ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ لِلْفَرْقِ فِي الْمَحَلَّيْنِ وَجْهٌ أَوْ لَا؟ شَوْبَرِيُّ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ وَهِيَ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ أَقَلُّهُ مَا يَسَعُ وَاقِفًا وَخَرَجَ بِهَا السَّعَةُ فَلَا يَتَخَطَّى إلَيْهَا مُطْلَقًا قَالَ: الشَّوْبَرِيُّ. حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْجَلَالُ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ فُرْجَةً لَا يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً رَجَا تَقَدُّمَ أَحَدٍ إلَيْهَا أَمْ لَا وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ تَرْكِهَا فَإِذَا وَجَدَ مَوْضِعًا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا فَتَنَبَّهْ اهـ وَقَوْلُهُ وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا فَكَذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يَكُونُ مَعْذُورًا وَلَا بُدَّ فَمَاذَا يَفْعَلُ
(قَوْلُهُ: إلَّا بِتَخَطِّي وَاحِدٍ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْوَاحِدِ فِي كَلَامِهِ الشَّخْصُ بِأَنْ يَكُونَ مُلَاصِقًا لِجِدَارٍ مَثَلًا وَالْمُرَادُ بِالِاثْنَيْنِ الشَّخْصَانِ وَيَكُونَانِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ وَالثَّلَاثَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ صَفَّيْنِ بِأَنْ يَكُونَ شَخْصٌ فِي صَفٍّ مُلَاصِقٍ لِنَحْوِ جِدَارٍ وَالِاثْنَانِ فِي صَفٍّ آخَرَ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ مِنْ أَنَّ تَخَطِّيَ الرِّقَابِ مُقَيَّدٌ بِصَفَّيْنِ لِمَا عَلِمْت مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى الْأَشْخَاصِ لَا عَلَى الصُّفُوفِ
(قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ لَهُ) فَيَكُونُ التَّخَطِّي حِينَئِذٍ خِلَافَ الْأَوْلَى
(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ إلَخْ) وَمَحَلُّ الْحُرْمَةِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَلَا ضَرُورَةَ كَبَيْعَةِ لِلْمُضْطَرِّ مَا يَأْكُلُهُ وَبَيْعِ كَفَنِ مَيِّتٍ خِيفَ تَغَيُّرُهُ بِالتَّأْخِيرِ وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَإِنْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ ح ل (قَوْلُهُ: اشْتِغَالٌ بِنَحْوِ بَيْعٍ) كَالْكِتَابَةِ لِغَيْرِ تَحْصِيلِ نَحْوُ مَاءِ طُهْرِهِ وَسُتْرَتِهِ وَشِرَاءِ أَدْوِيَةٍ لِمَرَضٍ وَطَعَامٍ لِطِفْلٍ وَبَيْعٍ وَلِيٍّ لِمَالِ مُوَلِّيهِ بِغِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ؛ لَكِنْ ذَكَرَ شَيْخُنَا أَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَوْ طَلَبَ مِنْهُ بَيْعَ مَالِ مُوَلِّيهِ وَقْتَ النِّدَاءِ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَالْآخَرُ لَا تَلْزَمُهُ، وَقَدْ بَذَلَ الْأَوَّلُ دِينَارًا وَالثَّانِي نِصْفَ دِينَارٍ أَنَّهُ يَبِيعُ مِنْ الثَّانِي أَيْ حَيْثُ كَانَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ح ل
وَقَوْلُهُ: بِنَحْوِ بَيْعٍ أَيْ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ وَلَوْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لَا إذْ لَا تَشَاغُلَ كَالْحَاضِرِ فِي الْمَسْجِدِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَكَلَامُهُمْ إلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ، وَهَلْ الِاشْتِغَالُ بِالْعِبَادَةِ كَالْكِتَابَةِ كَالِاشْتِغَالِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ؟ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ نَعَمْ. شَرْحُ م ر وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لحج شَوْبَرِيُّ وَقَوْلُهُ كَالْكِتَابَةِ أَيْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ (قَوْلُهُ بَعْدَ شُرُوعٍ فِي أَذَانِ خُطْبَةٍ) أَيْ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ ح ل
فَإِنْ قُلْت لِمَ تَقَيَّدَتْ الْحُرْمَةُ هُنَا بِهِ دُونَ التَّنَفُّلِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْجُلُوسِ؟ . قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُتَنَفِّلَ حَاضِرٌ ثَمَّ فَالْإِعْرَاضُ مِنْهُ أَفْحَشُ بِخِلَافِ الْعَاقِدِ هَاهُنَا فَإِنَّهُ غَائِبٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِعْرَاضُ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْقَرِيبَةِ وَأَوَّلُهَا الْأَذَانُ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ) وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ اط ف وَقَالَ ح ل: أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلٍّ تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَصَدَ الصَّلَاةَ فِيهِ بِأَنْ كَانَ جَلَسَ قُدَّامَ الْمَسْجِدِ وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّهِ
(قَوْلُهُ: فَبَايَعَ فِي طَرِيقِهِ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ وَقَوْلُهُ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْأَنْسَبُ بِكَلَامِهِ السَّابِقِ أَنْ يَقُولَ فَقَعَدَا لِيَشْمَلَ غَيْرَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: بَايَعَ مَثَلًا (قَوْلُهُ: لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْحَرَمِ) بِخِلَافِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ مَالِكِيٌّ مَعَ شَافِعِيٍّ حَالَ الْخُطْبَةِ فَالْحُرْمَةُ عَلَى الْمَالِكِيِّ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُتَصَوَّرُ مِنْ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنْ عَقَدَ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ)