المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل) في دفن الميت - حاشية البجيرمي على شرح المنهج = التجريد لنفع العبيد - جـ ١

[البجيرمي]

فهرس الكتاب

- ‌[خِطْبَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَابُ الْأَحْدَاثِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌(بَابُ الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ الْغُسْلِ)

- ‌(بَابٌ) فِي النَّجَاسَةِ وَإِزَالَتِهَا

- ‌(فَرْعٌ) دُخَانُ النَّجَاسَةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي كَيْفِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهَا

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ) وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

- ‌(فَصْلٌ) إذَا (رَأَتْ وَلَوْ حَامِلًا لَا مَعَ طَلْقٍ دَمًا)

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَاة]

- ‌(فَصْلٌ) فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ

- ‌[بَابٌ الْأَذَان]

- ‌[بَابٌ التَّوَجُّهُ لِلْقِبْلَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[بَابٌ شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابٌ فِي) مُقْتَضَى (سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌(بَابٌ) فِي سُجُودَيْ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ

- ‌(بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ)

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ

- ‌(فَصْلٌ: فِي صِفَاتِ الْأَئِمَّةِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الِاقْتِدَاءِ وَآدَابِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي قَطْعِ الْقُدْوَةِ وَمَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا

- ‌(بَابُ) كَيْفِيَّةِ (صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي شُرُوطِ الْقَصْرِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا

- ‌(فَصْلٌ)فِي بَيَانِ مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَمَا لَا تُدْرَكُ بِهِ

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهَا

- ‌(فَصْلٌ) فِي اللِّبَاسِ

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ

- ‌(بَابٌ) فِي صَلَاةِ كُسُوفَيْ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ

- ‌(بَابٌ) فِي الِاسْتِسْقَاءِ

- ‌(بَابٌ) فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ

- ‌(كِتَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌(فَصْلٌ) .فِي تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ

- ‌(فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ

الفصل: ‌(فصل) في دفن الميت

وَالْمَيِّتَةِ طَلْقًا وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ ظُلْمًا فَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَتَعْبِيرِي بِمَا ذُكِرَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ (وَيَجِبُ غَسْلُ نَجَسٍ) أَصَابَهُ (غَيْرُ دَمِ شَهَادَةٍ) وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى زَوَالِ دَمِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَثَرِ عِبَادَةٍ بِخِلَافِ دَمِهَا فَتَحْرُمُ إزَالَتُهُ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ غُسْلِ الشَّهِيدِ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ

(وَسُنَّ تَكْفِينُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فِي صَدْرِهِ أَوْ فِي حَلْقِهِ فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ثِيَابُهُ الْمُلَطَّخَةُ بِالدَّمِ وَغَيْرُهَا لَكِنْ الْمُلَطَّخَةُ أَوْلَى، ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ كَكَثِيرٍ بِالْمُلَطَّخَةِ بَيَانٌ لِلْأَكْمَلِ وَهَذَا فِي ثِيَابٍ اُعْتِيدَ لُبْسُهَا غَالِبًا أَمَّا ثِيَابُ الْحَرْبِ كَدِرْعٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهَ غَالِبًا كَخُفٍّ وَجِلْدٍ وَفَرْوَةٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ فَيُنْدَبُ نَزْعُهَا كَسَائِرِ الْمَوْتَى، وَذِكْرُ السَّنِّ فِي هَذِهِ وَالْوُجُوبِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ زِيَادَتِي (فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ) أَيْ ثِيَابُهُ (تُمِّمَتْ) نَدْبًا إنْ سَتَرَتْ الْعَوْرَةَ وَإِلَّا فَوُجُوبًا.

(فَصْلٌ) فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَدْ يَكُونُ الصَّبْرُ عَلَى الثَّانِي أَشَدَّ إذْ لَا وَسِيلَةَ لَهُ بِقَضَاءِ وَطَرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَعَفَّ: هَلْ الْمُرَادُ عَنْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ مِنْ نَحْوِ نَظَرٍ بِشَهْوَةٍ أَوْ الْمُرَادُ عَنْ الْوَطْءِ؟ يُحَرَّرُ شَوْبَرِيٌّ قَالَ: ع ش عَلَى م ر مَعْنَى الْعِفَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَى بِهِ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا فَاحِشَةٌ بَلْ عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَلَا بِهِ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ وَالْكِتْمَانُ أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا بِهِ لِأَحَدٍ وَلَوْ مَحْبُوبَهُ اهـ بِالْحَرْفِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَتَشَبَّبَ بِهِ أَوْ لَا كَمَا قَالَهُ ز ي خِلَافًا لِلْعَلَّامَةِ م ر ق ل. (قَوْلُهُ: وَالْمَيِّتَةِ طَلْقًا) وَلَوْ مِنْ زِنًا مَا لَمْ تَتَسَبَّبْ فِي الْإِجْهَاضِ ق ل.

(قَوْلُهُ: وَالْمَقْتُولِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ ظُلْمًا) أَيْ: وَلَوْ بِحَسَبِ الْهَيْئَةِ كَمَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ بِقَطْعِ الرَّأْسِ فَقُتِلَ بِالتَّوَسُّطِ مَثَلًا وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَنْ مَاتَ بِهَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ وَإِنْ عَصَا بِغُرْبَتِهِ كَآبِقٍ وَنَاشِزَةٍ أَوْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا م ر أَنَّهُ إنْ كَانَ سَبَبُ الْمَوْتِ مَعْصِيَةً كَأَنْ شَرِقَ بِشُرْبِ خَمْرٍ، أَوْ كَانَتْ بِرُكُوبِ بَحْرٍ لِشُرْبِهِ أَوْ بِسَيْرِ سَفِينَةٍ فِي وَقْتِ رِيحٍ كَمَا مَرَّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَغَيْرُ شَهِيدٍ وَإِلَّا فَشَهِيدٌ وَلَا يَضُرُّ مُقَارَنَةُ مَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ سَبَبًا كَزِنًا وَنُشُوزٍ وَإِبَاقٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ لِرَاكِبِ سَفِينَةِ لِغَيْرِ شُرْبِهِ فَتَأَمَّلْ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ غُسْلُ نَجَسٍ) أَيْ: وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ كَبَوْلٍ خَرَجَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّمِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْخَارِجَةِ بِسَبَبِ الْقَتْلِ بِأَنَّ نَجَاسَةَ الدَّمِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا بِدَلِيلِ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَارِّ فِيهِ وَبِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْفَضْلِ هُوَ الدَّمُ شَرْحُ م ر وَلَا تَحْرُمُ إزَالَةُ دَمِ الشَّهِيدِ بِغَيْرِ الْمَاءِ بَلْ تُكْرَهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْأَثَرَ بِخِلَافِ الْمَاءِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ دَمِهَا) أَيْ: الْخَارِجِ مِنْ الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَاصِلِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُزَالُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي حِكْمَةِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا؛ لِأَنَّ لَهُ شَاهِدًا بِقَتْلِهِ وَهُوَ دَمُهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَتَفَجَّرُ دَمًا وَقَوْلُهُ: تَحْرُمُ إزَالَتُهُ أَيْ: بِالْمَاءِ لَا بِغَيْرِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ أَزَالَهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ كَمَا فِي ع ش وق ل.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ) وَإِنَّمَا لَمْ تَحْرُمْ إزَالَةُ الْخُلُوفِ مِنْ الصَّائِمِ مَعَ أَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ لِأَنَّهُ الْمُفَوِّتُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ غَيْرَهُ أَزَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: فِي ثِيَابِهِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا) وَلَوْ أَرَادَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَزْعَهَا وَامْتَنَعَ الْبَاقُونَ أُجِيبَ الْمُمْتَنِعُونَ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ: اُعْتِيدَ لُبْسُهَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْضَاءَ إبْقَاءً لِأَثَرِ الشَّهَادَةِ وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّ سَنِّ التَّكْفِينِ فِي الْأَبْيَضِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهَا) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدِّرْعَ مُؤَنِّثٌ. (قَوْلُهُ: مِمَّا لَا يُعْتَادُ لُبْسُهُ) الْمُرَادُ بِهِ مَا لَا يُعْتَادُ التَّكْفِينُ فِيهِ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: فَيُنْدَبُ نَزْعُهَا) حَيْثُ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَرَضِيَ بِهَا الْوَارِثُ الْمُطْلَقُ التَّصَرُّفُ وَإِلَّا وَجَبَ نَزْعُهَا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: تُمِّمَتْ نَدْبًا إنْ سَتَرَتْ الْعَوْرَةَ) هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ يَجِبُ التَّتْمِيمُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ بَلْ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ ز ي.

[فَصْلٌ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ]

(فَصْلٌ: فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ)

(قَوْلُهُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) أَيْ بِالْمَيِّتِ كَالتَّعْزِيَةِ ع ش، وَقَالَ الرَّشِيدِيُّ: وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَيْ بِالدَّفْنِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ مِنْ تَرْجِيعِ الضَّمِيرِ لِلْمَيِّتِ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَيِّتِ يُقَدَّمُ كَالصَّلَاةِ وَالْكَفَنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْفَصْلِ وَأَيْضًا رُجُوعُ الضَّمِيرِ لِلْمُضَافِ هُوَ الْأَكْثَرُ وَتَرْجَمَ حَجّ بِقَوْلِهِ: فَصْلٌ فِي الدَّفْنِ وَمَا يَتْبَعُهُ فَالضَّمِيرُ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ لِلدَّفْنِ وَعَلَيْهِ فَيُرَادُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ بِقَوْلِهِ: وَسُنَّ لِمَنْ دَنَا ثَلَاثُ حَثَيَاتِ تُرَابٍ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ. (قَوْلُهُ أَقَلُّ الْقَبْرِ حُفْرَةٌ) أَيْ أَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَاجِبُ فِي دَفْنِ الْمَيِّتِ حُفْرَةٌ وَخَرَجَ بِالْحُفْرَةِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلَوْ مَاتَ فِي سَفِينَةٍ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ انْتَظَرُوا وُصُولَهُ إلَيْهِ لِيَدْفِنُوهُ بِالْبَرِّ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ: شَدُّهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُلْقَى فِي الْبَحْرِ لِيُلْقِيَهُ إلَى السَّاحِلِ وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ كُفَّارًا فَقَدْ يَجِدُهُ مُسْلِمٌ فَيَدْفِنُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ أُلْقِيَ فِيهِ بِدُونِ جَعْلِهِ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَثُقِّلَ

ص: 488

تَمْنَعُ) بَعْدَ رَدْمِهَا (رَائِحَةً) أَيْ ظُهُورَهَا مِنْهُ فَتُؤْذِي الْحَيَّ (وَسَبُعًا) أَيْ نَبْشَهُ لَهَا فَيَأْكُلُ الْمَيِّتَ فَتُنْتَهَكُ حُرْمَتُهُ. قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا وَخَرَجَ بِالْحُفْرَةِ مَا لَوْ وَضَعَ الْمَيِّتَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَجَعَلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ (وَسُنَّ أَنْ يُوَسَّعَ وَيُعَمَّقَ قَامَةً وَبَسْطَةً) بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ لِقَوْلِهِ «صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلَى أُحُدٍ: احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَوْصَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنْ يُعَمَّقَ قَبْرُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ: إنَّهُمَا ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ (وَلَحْدٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ فِي أَسْفَلِ جَانِبِ الْقَبْرِ الْقِبْلِيِّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِحَجَرٍ أَيْ وَنَزَلَ إلَى الْقَرَارِ لَمْ يَأْثَمُوا. اهـ. ز ي.

(قَوْلُهُ تَمْنَعُ رَائِحَةً) الْمُرَادُ مَنْعُهَا عَمَّنْ عِنْدَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لِأَنَّ مَلْحَظَ اشْتِرَاطِ مَنْعِ الْقَبْرِ لَهَا دَفْعُ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ، وَالْأَذَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنْ تَفُوحَ مِنْهُ رَائِحَةٌ تُؤْذِي مَنْ قَرُبَ مِنْهُ عُرْفًا إيذَاءً لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ عَادَةً شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ: رَائِحَةً وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحَلٍّ لَا يَدْخُلُهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ بَلْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ أَصْلًا كَأَنْ جَفَّ. (قَوْلُهُ أَيْ ظُهُورُهَا) إشَارَةً إلَى تَقْدِيرٍ مُضَافٍ وَكَذَا قَوْلُهُ أَيْ: نَبْشَهُ. (قَوْلُهُ: فَتُؤْذِي الْحَيَّ) قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ ظُهُورُهَا عَلَى حَدِّ:

وَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وَتَقَرُّ عَيْنِي

وَكَذَا قَوْلُهُ: فَيَأْكُلُهُ. (قَوْلُهُ: وَسَبُعًا) وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي مَحِلٍّ لَا تَصِلُ إلَيْهِ السِّبَاعُ أَصْلًا. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ) أَيْ بَيَانُ مَا أَرَادَهُ الشَّارِعُ مِنْ الدَّفْنِ وَقَدْ عُلِمَ عَدَمُ اللُّزُومِ بِنَحْوِ الْفَسَاقِي فَإِنَّهَا قَدْ لَا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَبِنَحْوِ رَدْمِ تُرَابٍ بِلَا بِنَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ السَّبُعَ ق ل وَعِبَارَةُ م ر: وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ كَالْفَسَاقِيِ الَّتِي لَا تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ مَعَ مَنْعِهَا السَّبُعَ فَلَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ) فَإِنْ تَعَذَّرَ كَفَى ذَلِكَ إطْفِيحِيٌّ. (قَوْلُهُ وَسُنَّ أَنْ يُوَسَّعَ) التَّوْسِيعُ زِيَادَةٌ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالتَّعْمِيقُ زِيَادَةٌ فِي النُّزُولِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ مَنْ يُنْزِلُهُ الْقَبْرَ وَمَنْ يُعِينُهُ لَا أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى النَّاسِ فَإِنْ قُلْت مَا حِكْمَةُ التَّوْسِيعِ وَالتَّعْمِيقِ قُلْت التَّوْسِيعُ فِيهِ إكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ فَإِنَّ فِي إنْزَالِ الشَّخْصِ فِي الْمَكَانِ الْوَاسِعِ إكْرَامًا لَهُ وَفِيهِ رِفْقٌ بِالْمَيِّتِ وَفِي إنْزَالِهِ فِي الْمَكَانِ الضَّيِّقِ نَوْعُ إهَانَةٍ لَهُ وَبِمَنْ يُنْزِلُهُ الْقَبْرَ لِأَنَّهُ إذَا اتَّسَعَ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ فِيهِ الْمُنْزِلُ إذَا تَعَدَّدَ لِلْحَاجَةِ وَأَمِنَ مِنْ انْصِدَامِ الْمَيِّتِ لِجُدْرَانِهِ حَالَ إنْزَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالْغَرَضُ كَتْمُ الرَّائِحَةِ وَالتَّوْسِيعُ وَالتَّعْمِيقُ أَبْلَغُ فِي حُصُولِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: هَلَّا طَلَبَ زِيَادَةً عَلَى قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ. قُلْت الْقَامَةُ وَالْبَسْطَةُ أَرْفَقُ بِالْمَيِّتِ وَالْمُنْزِلِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مَعَ ذَلِكَ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِسُهُولَةٍ مِنْ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ بِخِلَافِهِ مَعَ الزِّيَادَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: قَامَةً وَبَسْطَةً) أَشَارَ حَجّ إلَى أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ خَبَرًا لِيَكُونَ الْمَحْذُوفَةِ أَيْ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْمِيقُ قَامَةً وَبَسْطَةً وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَنْصُوبَيْنِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ هَذَا مَقَامَهُ وَالتَّقْدِيرُ وَيُعَمَّقُ تَعْمِيقًا قَدْرَ قَامَةٍ كَمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ حَلُّ شَيْخِنَا كَلَامَ الْأَصْلِ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: بَاسِطًا يَدَيْهِ) أَيْ غَيْرَ قَابِضٍ لِأَصَابِعِهِمَا ع ش (قَوْلُهُ: مَرْفُوعَتَيْنِ) لَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ: بَاسِطًا لِأَنَّهُ يَصْدُقُ بِبَسْطِهِمَا أَمَامَهُ (قَوْلُهُ: فِي قَتْلَى أُحُدٍ) وَكَانُوا سِتَّةً وَسَبْعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالَ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى تَعْمِيقِ الْقَبْرِ وَتَوْسِيعِهِ لَا عَلَى كَوْنِهِ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ اهـ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ هُنَا بِوَصِيَّةِ عُمَرَ إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ احْفِرُوا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ مِنْ حَفَرَ وَالْمُرَادُ احْفِرُوا وُجُوبًا وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَأَوْسِعُوا نَدْبًا وَأَعْمِقُوا كَذَلِكَ وَهَمْزَتُهُمَا هَمْزَةُ قَطْعٍ (قَوْلُهُ: وَأَوْصَى عُمَرُ) أَيْ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَهُوَ إجْمَاعٌ وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ قَدْرِ التَّعْمِيقِ ق ل. (قَوْلُهُ: أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ) أَيْ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ شَوْبَرِيٌّ فَلَا يُنَافِي كَلَامَ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ فِي ذِرَاعِ الْعَمَلِ السَّابِقِ بَيَانُهُ أَوَّلَ الطَّهَارَةِ وَهُوَ ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ بِذَارِعِ الْيَدِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا ثُمُنُ ذِرَاعٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَنِصْفًا بِأَرْبَعَةٍ وَنِصْفٍ إلَّا ثُمُنًا وَعِبَارَةُ ع ش وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَيْ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَهُوَ شِبْرَانِ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَنِصْفٌ أَيْ بِذِرَاعِ الْعَمَلِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ز ي وَذِرَاعُ الْعَمَلِ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَقَوْلُهُ: فَلَا مُخَالَفَةَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِي ذِرَاعِ الْعَمَلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعٍ وَنِصْفُ رُبْعٍ وَذَلِكَ لَا يَبْلُغُ ذِرَاعًا لِأَنَّهُ نَاقِصٌ نِصْفَ رُبُعٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ أَنَّهَا عَلَى التَّقْرِيبِ فَلَا يَضُرُّ نَقْصُ رُبُعِ ذِرَاعٍ فَلَا مُخَالَفَةَ عَلَى هَذَا فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلِحَدٍّ) أَصْلُهُ الْمِيلُ (قَوْلُهُ الْقِبْلِيُّ)

ص: 489

قَدْرَ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ (فِي) أَرْضٍ (صُلْبَةٍ أَفْضَلُ مِنْ شَقٍّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَ فِي وَسَطِ أَرْضِ الْقَبْرِ كَالنَّهْرِ وَتُبْنَى حَافَّتَاهُ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ بِالصُّلْبَةِ الرَّخْوَةُ فَالشَّقُّ فِيهَا أَفْضَلُ؛ خَشْيَةَ الِانْهِيَارِ، وَسُنَّ أَنْ يُوَسَّعَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَيُتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَنْ يُرْفَعَ السَّقْفُ قَلِيلًا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ (وَ) أَنْ (يُوضَعَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ) أَيْ مُؤَخَّرِهِ الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ سُفْلِهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ.

(وَ) أَنْ (يُسَلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ بِرِفْقٍ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخِطْمِيَّ الصَّحَابِيَّ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ الْحَارِثِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ، وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ» وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» (وَ) أَنْ (يُدْخِلَهُ) الْقَبْرَ (الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ) عَلَيْهِ (دَرَجَةً) فَلَا يُدْخِلُهُ وَلَوْ أُنْثَى إلَّا الرِّجَالُ مَتَى وُجِدُوا؛ لِضَعْفِ غَيْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ صلى الله عليه وسلم» وَاسْمُهَا أُمُّ كُلْثُومٍ وَوَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ تَبَعًا وَلِلْخَبَرِ أَنَّهَا رُقَيَّةُ وَرَدَّهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْأَوْسَطِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَشْهَدْ مَوْتَ رُقَيَّةَ وَلَا دَفْنَهَا أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ بِبَدْرٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ لَهَا مَحَارِمُ مِنْ النِّسَاءِ كَفَاطِمَةَ نَعَمْ يُسَنُّ لَهُنَّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ أَنْ يَلِينَ حَمْلَ الْمَرْأَةِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

فَإِنْ حَفَرَ فِي الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهَا كُرِهَ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: صُلْبَةٍ) بِضَمِّ الصَّادِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَمَعْنَاهُ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا سُهُولَةَ فِيهِ فَتُسْمَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ ع ش (قَوْلُهُ: وَيُوضَعُ الْمَيِّتُ بَيْنَهُمَا)(تَنْبِيهٌ) .

لَوْ كَانَ بِأَرْضِ اللَّحْدِ أَوْ الشِّقِّ نَجَاسَةٌ فَهَلْ يَجُوزُ وَضْعُ الْمَيِّتِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بِوَاسِطَةِ صَدِيدٍ مِنْ مَيِّتٍ كَمَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَنْبُوشَةِ فَيَجُوزُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَنَحْوِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فَيَمْتَنِعُ لِلْإِزْرَاءِ بِهِ حِينَئِذٍ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْوَجْهُ هُوَ الْأَوَّلُ وَحَيْثُ قِيلَ بِالْجَوَازِ تَظْهَرُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُسْقَفُ عَلَيْهِ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْقَافِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ الْحَدُوا لِي) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ وَبِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ يُقَالُ لَحَدَ يَلْحَدُ كَذَهَبَ يَذْهَبُ وَأَلْحَدَ يُلْحِدُ، وَقَوْلُهُ: لَحْدًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّهَا وَيُقَالُ لَحَدْتُهُ وَأَلْحَدْت لَهُ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ الرِّخْوَةُ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسُنَّ أَنْ يُوَسَّعَ كُلٌّ مِنْهُمَا) فِيهِ أَنَّ هَذَا قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ وَسُنَّ أَنْ يُوَسَّعَ إلَخْ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ ع ش وَقَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَبْرِ وَكَلَامُهُ هُنَا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُرْفَعَ السَّقْفُ) أَيْ الَّذِي فِي الشَّقِّ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ وَهَلْ ذَلِكَ وُجُوبًا لِئَلَّا يَزْرِي بِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ ع ش عَلَى م ر وق ل.

(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ) أَيْ وُجُوبًا. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ وَأَنْ يُوضَعَ رَأْسُهُ) أَيْ قَبْلَ دُخُولِهِ الْقَبْرَ. (قَوْلُهُ: الَّذِي سَيَصِيرُ عِنْدَ سُفْلِهِ) أَيْ فَهُوَ مَجَازُ مُجَاوَرَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَجَازِ الْأَوَّلِ فَسَمَّى مُؤَخِّرَ الْقَبْرِ رِجْلًا؛ لِأَنَّهُ مُجَاوِرٌ لَهَا أَوْ الْحَالِيَّةُ وَالْمَحَلِّيَّةُ لِكَوْنِ الرِّجْلِ حَالَّةً فِي الْقَبْرِ وَعِنْدَ خَبَرُ يَصِيرُ مُقَدَّمٌ وَرِجْلٌ اسْمُهَا مُؤَخَّرٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُسَلُّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ) أَيْ يُخْرَجُ مِنْ النَّعْشِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَفِي الْمُخْتَارِ سَلَّ الشَّيْءَ مِنْ بَابِ رَدَّ وَسَلَّ السَّيْفَ وَأَسَلَّهُ بِمَعْنَى وَانْسَلَّ مِنْ بَيْنِهِمْ خَرَجَ وَفِي الْمِصْبَاحِ سَلَلْت الشَّيْءَ أَخَذْته إلَى الْقَبْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ» أَيْ أُخِذَ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أُخْرِجَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ أُخْرِجَ مِنْهُ إذْ ذَاكَ لِأَنَّهُ دُفِنَ بِمَحِلِّ مَوْتِهِ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد) اسْتِدْلَالٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُوضَعُ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ وَجْهُ الدَّلَالَةِ إذْ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ مِنْ جِهَةِ رِجْلِ الْقَبْرِ وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْوَضْعِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: أَمَّا الْوَضْعُ كَذَلِكَ فَلِمَا صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ وَأَمَّا السَّلُّ فَلِمَا صَحَّ أَنَّهُ فُعِلَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ أَظْهَرُ اهـ (قَوْلُهُ: الْخِطْمِيَّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ نِسْبَةٌ لِبَنِي خَطْمَةَ بَطْنٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَدْخَلَهُ) دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَأَنْ يُوضَعَ وَقَوْلُهُ: لِمَا رَوَى إلَخْ دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَأَنْ يُسَلَّ إلَخْ وَقَدْ يُقَالُ إدْخَالُهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ الْقَبْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى سَنِّ وَضْعِ رَأْسِهِ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ الَّذِي هُوَ الْمُدَّعَى.

(قَوْلُهُ وَأَنْ يُدْخِلَهُ) أَيْ نَدْبًا كَمَا قَالَهُ م ر وحج كَمَا يُفْهَمُ مِنْ عَطْفِهِ عَلَى الْمَنْدُوبِ فَلَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ كَانَ مَكْرُوهًا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ كَالْأَذْرَعِيِّ وَتَبِعَهُ خ ط ع ش (قَوْلُهُ: الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَرَجَةً) بِخِلَافِهِ صِفَةً فَالْأَفْقَهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَسَنِّ كَمَا فِي الْغُسْلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَا يُدْخِلُهُ وَلَوْ أُنْثَى) أَيْ نَدْبًا فَإِذَا أَدْخَلَهُ الْإِنَاثُ كَانَ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْوُجُوبِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا حَصَلَ إزْرَاءٌ لِلْمَيِّتِ بِإِدْخَالِ غَيْرِ الرِّجَالِ ع ش (قَوْلُهُ: إلَّا الرِّجَالَ) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الصِّبْيَانَ حَيْثُ كَانَ فِيهِمْ قُوَّةٌ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّمَا أَمَرَ أَبَا طَلْحَةَ بِالنُّزُولِ لِفَقْدِ مَحَارِمِهَا إطْفِيحِيٌّ. (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُسَنُّ) اسْتِدْرَاكٌ صُورِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيمَا قَبْلَهُ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّسَاءَ وَلَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ يُقَدَّمْنَ فِيمَا ذَكَرَ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ نَظَرًا وَغَيْرَهُ، وَانْفِرَادِ الْمَحَارِمِ بِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ فَلْيُحَرَّرْ وَجْهُ ذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: وَجْهُ ذَلِكَ وُجُودُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَحَارِمِ مَعَ الْمُخَالَطَةِ بِالْمَسِّ وَنَحْوِهِ وَذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِثَوَرَانِهَا وَانْتِفَائِهَا فِي النِّسَاءِ

ص: 490

مِنْ مُغْتَسَلِهَا إلَى النَّعْشِ، وَتَسْلِيمُهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَحَلُّ ثِيَابِهَا فِيهِ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي دَرَجَةً الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ صِفَةً وَقَدْ عُرِفَ فِي الْغُسْلِ (لَكِنَّ الْأَحَقَّ فِي أُنْثَى زَوْجٌ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ مَنْظُورَهُ أَكْثَرُ (فَمَحْرَمٌ) الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ (فَعَبْدُهَا) لِأَنَّهُ كَالْمَحْرَمِ فِي النَّظَرِ وَنَحْوِهِ (فَمَمْسُوحٌ فَمَجْبُوبٌ فَخَصِيٌّ) لِضَعْفِ شَهْوَتِهِمْ وَرُتِّبُوا كَذَلِكَ لِتَفَاوُتِهِمْ فِيهَا (فَعَصَبَةٌ) لَا مَحْرَمِيَّةٌ لَهُمْ كَبَنِي عَمٍّ وَمُعْتِقٍ وَعَصَبَتِهِ كَتَرَتُّبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَذُو رَحِمٍ كَذَلِكَ كَبَنِي خَالٍ وَبَنِي عَمَّةٍ (فَالْأَجْنَبِيُّ صَالِحٌ) فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْفَضِيلَةِ وَتَنَازَعَا أُقْرِعَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَقَوْلِي فَمَحْرَمٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي.

(وَ) سُنَّ (كَوْنُهُ) أَيْ الْمُدْخِلُ لَهُ الْقَبْرَ (وِتْرًا) وَاحِدًا فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ كَمَا فُعِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ الدَّافِنِينَ لَهُ كَانُوا ثَلَاثَةً وَأَبُو دَاوُد أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَةً

(وَ) سُنَّ (سَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ) عِنْدَ الدَّفْنِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فَيَظْهَرُ مَا يُطْلَبُ إخْفَاؤُهُ (وَهُوَ لِغَيْرِ ذَكَرٍ) مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى (آكَدُ) احْتِيَاطًا وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِي

(وَ) أَنْ (يَقُولَ) مُدْخِلُهُ (بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) لِلِاتِّبَاعِ وَلِلْأَمْرِ بِهِ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَ) أَنْ (يُوضَعَ فِي الْقَبْرِ عَلَى يَمِينِهِ) كَمَا فِي الِاضْطِجَاعِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَعْبِيرِي كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِالْقَبْرِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِاللَّحْدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَحَلُّ ثِيَابِهَا) أَيْ شِدَادِهَا أَيْ وَمِنْ مَحَلِّ مَوْتِهَا إلَى الْمُغْتَسَلِ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ تَتَوَلَّاهَا النِّسْوَةُ ع ش (قَوْلُهُ: الْأَحَقُّ بِالصَّلَاةِ صِفَةً) الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ هُنَا خُصُوصُ الْفِقْهِ لَا مُطْلَقُ الصِّفَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ رَشِيدِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ عُرِفَ فِي الْغُسْلِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْأَفْقَهَ هُنَا أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ الْأَقْرَبِ، وَالْبَعِيدَ الْفَقِيهَ أَوْلَى مِنْ الْأَقْرَبِ غَيْرِ الْفَقِيهِ عَكْسُ مَا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَحَقَّ إلَخْ أَتَى بِهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي الصَّلَاةِ لِلزَّوْجِ حَيْثُ وُجِدَ مَعَهُ غَيْرُ الْأَجَانِبِ وَالسَّيِّدُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ كَالزَّوْجِ وَفِي الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ كَأَنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً كَالْمَحْرَمِ فَيُقَدَّمُ عَلَى عَبْدِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ. اهـ. ح ل (قَوْلُهُ: زَوْجٌ) قَدْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهُ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلْحَةَ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مَفْضُولٌ عَلَى عُثْمَانَ مَعَ أَنَّهُ الزَّوْجُ الْأَفْضَلُ وَالْعُذْرُ الَّذِي أُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْخَبَرِ عَلَى رَأْيٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ وَطِئَ سُرِّيَّةً لَهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ دُونَ أَبِي طَلْحَةَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُمْ لَا يَعْتَبِرُونَهُ لَكِنْ سَهَّلَ ذَلِكَ أَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُثْمَانَ لِفَرْطِ الْحُزْنِ وَالْأَسَفِ لَمْ يَثِقْ مِنْ نَفْسِهِ بِأَحْكَامِ الدَّفْنِ أَوْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَيْهِ آثَارَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ فَقَدَّمَ أَبَا طَلْحَةَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَخَصَّهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يُقَارِفْ أَيْ: لَمْ يُجَامِعْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ الْأَجَانِبَ الْمُسْتَوِينَ فِي الصِّفَاتِ يُقَدَّمُ مِنْهُمْ مَنْ بَعُدَ عَهْدُهُ عَنْ الْجِمَاعِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ مُذَكِّرٍ يَحْصُلُ لَهُ لَوْ مَاسَّ الْمَرْأَةَ اهـ حَجّ وَلَا يُرَدُّ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْجُمُعَةِ: إنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُجَامِعَ لَيْلَتَهَا لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْمَيْلِ إلَى مَا يُرَادُ مِنْ النِّسَاءِ لِأَنَّا نَقُولُ الْغَرَضُ ثَمَّ كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْجِمَاعِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ تَذَكُّرِ النِّسَاءِ وَبُعْدَ الْعَهْدِ بِهِنَّ أَقْوَى فِي عَدَمِ التَّذَكُّرِ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْأَقَارِبِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ) فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ ثُمَّ الْأَخُ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ الشَّقِيقِ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبِ ثُمَّ الْعَمُّ الشَّقِيقُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ أَبُو الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ مِنْهَا ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ مِنْهَا وَالتَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ مَنْدُوبٌ ز ي.

(قَوْلُهُ فَعَبْدُهَا) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تُغَسِّلُ سَيِّدَهَا لِانْقِطَاعِ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ هُنَا. وَأُجِيبَ بِاخْتِلَافِ الْبَابَيْنِ إذْ الرَّجُلُ ثَمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ النِّسَاءِ وَهُنَا يَتَقَدَّمُ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ الْأَجْنَبِيَّ يَتَقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَبْدَ الْمَيِّتَةِ أَوْلَى مِنْهُ ز ي (قَوْلُهُ: لِتَفَاوُتِهِمْ فِيهَا) أَيْ الشَّهْوَةِ إذْ الْمَقْطُوعُ أَضْعَفُ مِنْ الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْآلَتَيْنِ وَالْمَجْبُوبُ أَضْعَفُ مِنْ الْخَصِيِّ لِجَبِّ ذَكَرِهِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: فَذُو رَحِمٍ إلَخْ) وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ التَّرْتِيبَ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ م ر (قَوْلُهُ: فَأَجْنَبِيٌّ صَالِحٌ) الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ ثُمَّ النِّسَاءُ بَعْدَ الْأَجْنَبِيِّ كَتَرْتِيبِهِنَّ فِي الْغُسْلِ وَالْخَنَاثَى كَالنِّسَاءِ كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا ح ل.

(قَوْلُهُ: أُقْرِعَ) أَيْ نَدْبًا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ) أَيْ فِي الْغُسْلِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي هَذَا وَنَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ أُقْرِعَ ز ي

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ كَوْنُهُ وِتْرًا) عَطْفُ مَصْدَرٍ صَرِيحٍ عَلَى مَصْدَرٍ مُؤَوَّلٍ شَوْبَرِيٌّ قَالَ م ر وَأَمَّا الْوَاجِبُ فِي الْمُدْخِلِ لَهُ فَهُوَ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ الْحَاجَةِ) فَلَوْ انْتَهَتْ الْحَاجَةُ بِاثْنَيْنِ مَثَلًا زِيدَ عَلَيْهِمَا ثَالِثٌ مُرَاعَاةً لِلْوَتْرِيَّةِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: كَانُوا ثَلَاثَةً) وَهْم عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَأُسَامَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَوْلُهُ: خَمْسَةٌ وَهْم عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وَابْنُهُ الْفَضْلُ وَقُثَمُ وَشُقْرَانَ مَوْلَاهُ صلى الله عليه وسلم بِرْمَاوِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَسَتْرُ الْقَبْرِ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا عِنْدَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِيهِ أَيْ الْقَبْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ اللَّحْدُ وَالشَّقُّ وَيُؤَيِّدُهُ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِالدَّفْنِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ إدْخَالُ الْمَيِّتِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ الْحُفْرَةُ فَيُسْتَحَبُّ سَتْرُ الْقَبْرِ قَبْلَ إدْخَالِ الْمَيِّتِ فِي الْحُفْرَةِ ح ل (قَوْلُهُ: عِنْدَ الدَّفْنِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ ذَلِكَ عِنْدَ وَضْعِهِ عَلَى النَّعْشِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا ع ش عَلَى م ر أَيْ سَتْرُهُ حَالَ وَضْعِهِ عَلَى النَّعْشِ مُبَاحٌ وَإِنْ كَانَ يُنْدَبُ سَتْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ مُدْخِلُهُ) أَيْ وَإِنْ تَعَدَّدَ ع ش (قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ)

ص: 491

(وَيُوَجَّهُ) لِلْقِبْلَةِ (وُجُوبًا) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْمُصَلِّي فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا نُبِشَ كَمَا سَيَأْتِي أَوْ لَهَا عَلَى يَسَارِهِ كُرِهَ وَلَمْ يُنْبَشْ وَالتَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ مِنْ زِيَادَتِي

(وَ) أَنْ (يُسْنَدَ وَجْهُهُ) وَرِجْلَاهُ (إلَى جِدَارِهِ) أَيْ الْقَبْرِ (وَظَهْرُهُ بِنَحْوِ لَبِنَةٍ) كَحَجَرٍ حَتَّى لَا يَنْكَبَّ وَلَا يَسْتَلْقِيَ وَيُرْفَعُ رَأْسُهُ بِنَحْوِ لَبِنَةٍ وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَيْهِ وَإِلَى التُّرَابِ (وَ) أَنْ (يُسَدَّ فَتْحُهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ (بِنَحْوِ لَبِنٍ) كَطِينٍ بِأَنْ يُبْنَى بِذَلِكَ ثُمَّ تَسُدُّ فُرَجُهُ بِكِسَرِ لَبِنٍ وَطِينٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي صِيَانَةِ الْمَيِّتِ مِنْ النَّبْشِ وَمِنْ مَنْعِ التُّرَابِ وَالْهَوَامِّ، وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي

(وَكُرِهَ) أَنْ يُجْعَلَ لَهُ (فُرُشٌ وَمِخَدَّةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَصُنْدُوقٌ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى صُنْدُوقٍ لِنَدَاوَةٍ وَنَحْوِهَا كَرَخَاوَةٍ فِي الْأَرْضِ فَلَا يُكْرَهُ وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا حِينَئِذٍ.

(وَجَازَ) بِلَا كَرَاهَةٍ (دَفْنُهُ لَيْلًا) مُطْلَقًا (وَوَقْتَ كَرَاهَةِ صَلَاةٍ لَمْ يَتَحَرَّهُ) بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَرَّاهُ فَلَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ «عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِنَّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

أَيْ أُدْخِلُهُ مُسْتَعِينًا بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ وَمَاتَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ أَدْفِنُهُ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَسُنَّ زِيَادَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَمَا فِي الْمُنَاوِيِّ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلْمَقَامِ وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ مِنْ الدُّعَاءِ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ كَاللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَوَسِّعْ لَهُ فِي قَبْرِهِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مَنْ قِيلَ ذَلِكَ عِنْدَ دَفْنِهِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ح ف.

(قَوْلُهُ: وَيُوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ وَيُوَجَّهُ الْكَافِرُ لِأَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ وَقَوْلُهُ: وَيُوَجَّهُ بِالرَّفْعِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وُجُوبًا إذْ لَوْ قُرِئَ بِالنَّصْبِ لَكَانَ التَّقْدِيرُ وَسُنَّ أَنْ يُوَجَّهَ وُجُوبًا وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ حِكْمَةُ حَذْفِ أَنْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةُ الْمُصَلِّي) يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْكُفَّارِ عَلَيْنَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَجُوزُ اسْتِقْبَالُهُمْ وَاسْتِدْبَارُهُمْ نَعَمْ لَوْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ بَلَغَ أَوَانَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ جُعِلَ ظَهْرُهَا لِلْقِبْلَةِ وُجُوبًا لِيَتَوَجَّهَ الْجَنِينُ لِلْقِبْلَةِ حَيْثُ وَجَبَ دَفْنُهُ لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا إذْ وَجْهُ الْجَنِينِ لِظَهْرِ أُمِّهِ وَتُدْفَنُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ شَرْحُ م ر، أَمَّا الْمُسْلِمَةُ فَتُرَاعَى هِيَ لَا مَا فِي بَطْنِهَا ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَلَوْ وُجِّهَ لِغَيْرِهَا) أَيْ وَلَوْ إلَى السَّمَاءِ فَيَشْمَلُ الْمُسْتَلْقِيَ وَلَوْ رُفِعَتْ رَأْسُهُ فَلَا قُصُورَ فِي عِبَارَتِهِ شَيْخُنَا وَعِبَارَةُ م ر فَإِنْ دُفِنَ مُسْتَدْبَرًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا نُبِشَ حَتْمًا إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِلَّا فَلَا

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَنْكَبَّ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَأَنْ يُسْنَدَ وَجْهُهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَلْقِيَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَظَهْرُهُ إلَخْ وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ وَكَذَا لَوْ انْهَارَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَوْ نَقْلُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ نَعَمْ لَوْ انْهَارَ عَلَيْهِ التُّرَابُ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ سَدِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ) أَيْ بَعْدَ إزَالَةِ الْكَفَنِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إظْهَارِ الذُّلِّ وَقَوْلُهُ: إلَيْهِ أَيْ إلَى نَحْوِ اللَّبِنَةِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَسُدَّ فَتْحَهُ) ظَاهِرُ صَنِيعِهِ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّدِّ جَوَازُ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ سَدٍّ وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى وُجُوبِ السَّدِّ وَحُرْمَةِ إهَالَةِ التُّرَابِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِزْرَاءِ بِالْمَيِّتِ وَقَرَّرَ شَيْخُنَا ز ي أَنَّ السَّدَّ إنْ لَزِمَ عَلَى عَدَمِهِ إهَالَةُ التُّرَابِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَبَ وَإِلَّا نُدِبَ وَعَلَى كُلٍّ يُحْمَلُ كَلَامُ جَمْعٍ ح ل وَم ر. (قَوْلُهُ: بِنَحْوِ لَبِنٍ) أَيْ نَدْبًا وَكَانَ عَدَدُ لَبِنَاتِ لَحْدِهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعُ لَبِنَاتٍ كَمَا فِي مُسْلِمٍ ق ل. (قَوْلُهُ: بِكِسَرِ لَبِنٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِهَا شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَطِينٍ) نَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّبِنَ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي وَلَا يُنْدَبُ الْأَذَانُ عِنْدَ سَدِّهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَمِخَدَّةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ) وَجَمْعُهَا مَخَادُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوَضْعِ الْخَدِّ عَلَيْهَا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) أَيْ الصُّنْدُوقِ فَالتَّفْصِيلُ إنَّمَا هُوَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ، أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضَاعَةَ مَالٍ) أَيْ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ تَعْظِيمُ الْمَيِّتِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِأَنَّ الْإِضَاعَةَ إنَّمَا تَكُونُ مُحَرَّمَةً إذَا لَمْ تَكُنْ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى صُنْدُوقٍ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ بَقَاءَ الْمَيِّتِ مَطْلُوبٌ وَأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي لَا تَبْلِيهِ سَرِيعًا أَوْلَى مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي تَبْلِيهِ سَرِيعًا عَكْسُ مَا يُتَوَهَّمُ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ مَطْلُوبٌ لِأَنَّ تَنَعُّمَ الرُّوحِ مَعَ الْبَدَنِ أَلَذُّ مِنْ تَنَعُّمِهَا وَحْدَهَا

(قَوْلُهُ: وَجَازَ دَفْنُهُ لَيْلًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دُفِنَ لَيْلًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا نَعَمْ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ مَنْعُ الْكُفَّارِ مِنْ الدَّفْنِ نَهَارًا إنْ أَظْهَرُوهُ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ تَحَرَّاهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ) أَيْ جَوَازُ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ إذْ الْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهًا وَهَذَا فِي غَيْرِ حَرَمِ مَكَّةَ، أَمَّا فِيهِ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا كَرَاهَةَ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِيهِ ح ل وَز ي قَالَ الشَّوْبَرِيُّ رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ الْأَوْجَهَ تَحْرِيمُ الدَّفْنِ عِنْدَ تَحَرِّي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَإِنْ لَمْ تَحْرُمْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ اهـ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الصَّلَاةَ يُضَاعَفُ ثَوَابُهَا فَاغْتُفِرَ فِعْلُهَا بِذَلِكَ وَلَا كَذَلِكَ الدَّفْنُ وَأَيْضًا لِلنَّصِّ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ " يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ " إلَخْ اهـ بِحُرُوفِهِ.

ص: 492

وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا، وَذَكَرَ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ وَالطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ» (وَالسُّنَّةُ) لِلدَّفْنِ (غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ اللَّيْلِ وَغَيْرُ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَتَعْبِيرِي بِهَذَا الْمُوَافِقِ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ وَإِنْ أُوِّلَ أَفْضَلُ بِمَعْنَى فَاضِلٍ

(وَدَفْنٌ بِمَقْبَرَةٍ أَفْضَلُ) مِنْهُ بِغَيْرِهَا لِيَنَالَ الْمَيِّتُ دُعَاءَ الْمَارِّينَ وَالزَّائِرِينَ (وَكُرِهَ مَبِيتٌ بِهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ

(وَدَفْنُ اثْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ) ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ ابْتِدَاءً (بِقَبْرٍ) بِمَحَلٍّ وَاحِدٍ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) كَكَثْرَةِ الْمَوْتَى لِوَبَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَيُقَدَّمُ) فِي دَفْنِهِمَا إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ (أَفْضَلُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ فَإِذَا أُشِيرَ إلَى أَحَدِهِمَا قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ» (لَا فَرْعٌ) فَلَا يُقَدَّمُ (عَلَى أَصْلٍ) مِنْ جِنْسِهِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهَا لِحُرْمَةِ الْأُمُومَةِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْأُنُوثَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى أُمِّهِ لِفَضِيلَةِ الذُّكُورَةِ (وَلَا صَبِيٌّ عَلَى رَجُلٍ) بَلْ يُقَدَّمُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَالتَّصْرِيحُ بِكَرَاهَةِ الدَّفْنِ مَعَ قَوْلِي مِنْ جِنْسٍ وَقَوْلِي لَا فَرْعٌ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَخَرَجَ بِالْجِنْسِ مَا لَوْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ حَقِيقَةً كَذَكَرٍ وَأُنْثَى أَوْ احْتِمَالًا كَخُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ سَيِّدِيَّةٌ كُرِهَ دَفْنُهُمَا بِقَبْرٍ وَإِلَّا حَرُمَ بِلَا تَأَكُّدِ ضَرُورَةٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: وَأَنْ نَقْبُرَ) بَابُهُ ضَرَبَ وَنَصَرَ أَيْ نَدْفِنَ وَأَمَّا ضَبْطُهُ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ أَقْبَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] فَغَلَطٌ لِأَنَّ مَعْنَى أَقْبَرَهُ فِي الْآيَةِ صَيَّرَ لَهُ قَبْرًا وَأَمَّا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ فَمَاضِيهِ قَبَرَ بِمَعْنَى دَفَنَ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ وَقْتَ إلَخْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَفْظُ ذَكَرَ إمَّا مِنْ الرَّاوِي أَوْ مِنْ الشَّارِحِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ) هِيَ الْأَوْقَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّمَنِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَقْتَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ كَوَقْتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَبِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ لَهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الصَّوَابُ التَّعْمِيمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَغَيْرُهُمَا أَفْضَلُ) أَيْ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ تَقْتَضِي أَنَّ غَيْرَهُمَا فِيهِ فَضْلٌ إنْ جُعِلَ عَلَى بَابِهِ وَإِنْ أُوِّلَ فَمَا لَا تَأْوِيلَ فِيهِ أَوْلَى

(قَوْلُهُ: وَدَفْنٌ بِمَقْبَرَةٍ أَفْضَلُ) وَفِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ بِالْبَلَدِ أَوْلَى وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنْ تَدْعُوَ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ وَإِنَّمَا دُفِنَ عليه الصلاة والسلام فِي بَيْتِهِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي مَدْفِنِهِ لِخَوْفِهِمْ مِنْ دَفْنِهِ بِالْمَقَابِرِ مِنْ التَّنَازُعِ وَلِأَنَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ دَفْنُهُمْ بِمَحَلِّ مَوْتِهِمْ أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ الدَّفْنُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ نُقِلُوا كَأَنْ مَاتُوا عَلَى سَقْفٍ لَا يَتَأَتَّى الدَّفْنُ فِيهِ فَالظَّاهِرُ دَفْنُهُمْ تَحْتَ الْمَوْضِعِ الَّذِي مَاتُوا فِيهِ بِحَيْثُ يُحَاذِيهِ كَمَا فِي حَجّ وَع ش (قَوْلُهُ: وَكُرِهَ مَبِيتٌ بِهَا) فِي كَلَامِهِ إشْعَارٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِصَحْرَاءَ أَوْ فِي بَيْتٍ مَسْكُونٍ اهـ وَالتَّفْرِقَةُ أَوْجَهُ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ التُّرَبِ مَسْكُونَةٌ كَالْبُيُوتِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ كَانَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا فِي زَمَنِنَا فِي الْمَبِيتِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ زِيَارَةٍ لَمْ يُكْرَهْ شَرْحُ م ر

(قَوْلُهُ: وَدَفْنُ اثْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ) أَيْ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسٍ وَهُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ فَمَدَارُ الْجَوَازِ عِنْدَهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عَلَى اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوْ اخْتِلَافِهِ مَعَ الْمَحْرَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَقَوْلُهُ: ابْتِدَاءً، أَمَّا دَوَامًا بِأَنْ يُفْتَحَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيُوضَعَ عِنْدَهُ مَيِّتٌ آخَرُ فَيَحْرُمُ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِيَّةٍ وَالْمُعْتَمَدُ التَّحْرِيمُ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ مُطْلَقًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمِيَّةٌ وَاتَّحَدَ الْجِنْسُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّأَذِّي م ر وع ش وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالِاثْنَيْنِ وَاحِدٌ وَبَعْضُ بَدَنِ آخَرَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ (قَوْلُهُ: كَكَثْرَةِ الْمَوْتَى) أَيْ وَعُسْرِ إفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ. اهـ. م ر فَمَتَى سَهُلَ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدٍ بِقَبْرٍ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَا يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِمَا اُعْتِيدَ الدَّفْنُ فِيهِ بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَوْ فِي غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ بَعِيدًا وَجَبَ حَيْثُ كَانَ يُعَدُّ مَقْبَرَةً لِلْبَلَدِ وَسَهُلَ زِيَارَتُهُ ع ش (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا) وَهُوَ الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يَجُوزُ تَجْرِيدُهُمَا بِحَيْثُ تَتَلَاقَى بَشَرَتُهُمَا بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُلٍّ ثِيَابُهُ وَلَكِنَّهُ يُضْجَعُ بِجَنْبِ الْآخَرِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ كَانَ وَقْتَ عَجْزٍ وَحِينَئِذٍ فَبَعْضُ الثِّيَابِ الَّتِي وُجِدَتْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بِحَيْثُ يَسَعُ اثْنَيْنِ يُدْرَجَانِ فِيهِ فَفَعَلَ فِيهِمَا ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَمَاسُّ عَوْرَتَيْهِمَا لِإِمْكَانِ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِإِذْخِرٍ وَنَحْوِهِ شَرْحُ الْمِشْكَاةِ شَوْبَرِيٌّ وَلَوْ حَفَرَ قَبْرًا فَوَجَدَ فِيهِ عَظْمَ مَيِّتٍ قَبْلَ فَرَاغِ الْحَفْرِ أَعَادَهُ وَلَمْ يَتِمَّ الْحَفْرُ وَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِهِ جَعَلَهُ فِي جَانِبٍ بَعْدَ حَفْرِهِ وَدَفَنَ الْمَيِّتَ بِجَانِبٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ لِلْقَبْرِ لَحْدَانِ وَدُفِنَ بِأَحَدِهِمَا مَيِّتٌ ثُمَّ أُرِيدَ دَفْنُ آخَرَ بِاللَّحْدِ الْآخَرِ لَمْ يَحْرُمْ نَبْشُ الْقَبْرِ حِينَئِذٍ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَةٌ مِنْ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ ح ل وَز ي (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ) كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذِهِ إلَى الْمَفْهُومِ الْآتِي لِأَنَّهَا مِنْ صُورَةِ لَا مِنْ صُوَرِ الْمَنْطُوقِ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ وَخَرَجَ بِالْجِنْسِ إلَخْ) هَلْ يُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى أُمِّهِ احْتِيَاطًا أَوْ هِيَ؟ قَالَ الشَّيْخُ فِيهِ نَظَرٌ. أَقُولُ وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا لِأَنَّ جِهَةَ تَقْدِيمِهَا مُحَقَّقَةٌ بِخِلَافِ الْخُنْثَى شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: كُرِهَ) الْمُعْتَمَدُ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ مُطْلَقًا إلَّا لِضَرُورَةٍ

ص: 493

وَحَيْثُ جُمِعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزُ تُرَابٍ وَقُدِّمَ مِنْ جِنْسَيْنِ الذَّكَرُ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةُ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ

(وَسُنَّ لِمَنْ دَنَا) مِنْ الْقَبْرِ بِأَنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه (ثَلَاثُ حَثَيَاتِ تُرَابٍ) بِيَدَيْهِ جَمِيعًا «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَثَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] وَمَعَ الثَّانِيَةِ {وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ} [طه: 55] وَمَعَ الثَّالِثَةِ {وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]

(وَ) سُنَّ (أَنْ يُهَالَ) عَلَيْهِ (بِمَسَاحٍ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا إسْرَاعًا لِتَكْمِيلِ الدَّفْنِ وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تُرَابِ الْقَبْرِ لِئَلَّا يَعْظُمَ شَخْصُهُ (فَتَمْكُثُ جَمَاعَةٌ) عِنْدَهُ سَاعَةً (يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَحَيْثُ جُمِعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْجَمْعُ مُحَرَّمًا بِأَنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَيْهِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: جُعِلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ نَدْبًا إنْ لَمْ يَكُنْ مَسٌّ وَإِلَّا وَجَبَ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقُدِّمَ مِنْ جِنْسَيْنِ الذَّكَرُ) أَيْ قُدِّمَ وَضْعُهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ وَهَذَا قَبْلَ وَضْعِ الْمَفْضُولِ فِي اللَّحْدِ وَلَوْ عَلَى شَفِيرِهِ وَإِلَّا فَلَا يُنَحَّى عَنْ مَكَانِهِ لِأَنَّهُ إزْرَاءٌ بِهِ وَيُقَدَّمُ فِي الْكَافِرِينَ أَخَفُّهُمَا كُفْرًا أَوْ عِصْيَانًا بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَيُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى أُمِّهِ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ لِمَنْ دَنَا) أَيْ حَضَرَ الدَّفْنَ وَلَوْ بَعُدَ شَوْبَرِيٌّ أَيْ وَلَوْ امْرَأَةً وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ قُرْبُهَا مِنْ الْقَبْرِ إلَى الِاخْتِلَاطِ بِالرِّجَالِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ عَلَى شَفِيرِهِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَضَابِطُ الدُّنُوِّ مَا لَا يَحْصُلُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ لَهَا وَقْعٌ فِيمَا يَظْهَرُ فَمَنْ لَمْ يَدْنُ لَا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ فِي الذَّهَابِ إلَيْهِ لَكِنْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الدَّفْنَ وَهُوَ شَامِلٌ لِلْبَعِيدِ أَيْضًا وَاسْتَظْهَرَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى التَّأْكِيدِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ دَنَا لَيْسَ بِقَيْدٍ (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ حَثَيَاتٍ) أَيْ حَثْوُ ثَلَاثِ حَثَيَاتٍ فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ لِأَنَّ الْحَثَيَاتِ اسْمٌ لِلْعَيْنِ مِنْ التُّرَابِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، وَالْحَثْوُ الْأَخْذُ بِالْكَفَّيْنِ مَعًا أَوْ أَحَدِهِمَا وَمُحَلُّ طَلَبِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ رَطْبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ، وَكَوْنِ التُّرَابِ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ أَوْلَى وَلَوْ فُقِدَ التُّرَابُ هَلْ يُشِيرُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي كَمَا فِي الْبِرْمَاوِيِّ وَانْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُ بِهَا أَعْنِي الْحَثَيَاتِ هَلْ يَرُدُّهَا لِلْقَبْرِ أَوْ لَا وَمَا حِكْمَةُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ: ثَلَاثُ حَثَيَاتٍ أَيْ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ عَلَى مَا قَيَّدَ بِهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَع ب وَغَيْرِهِمَا وَلَعَلَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ بِغَيْرِ تُرَابِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ ذَلِكَ لِلرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ اهـ وَعِبَارَةُ م ر لِمَا فِيهِ مِنْ إسْرَاعِ الدَّفْنِ وَالْمُشَارَكَةِ فِي هَذَا الْغَرَضِ وَإِظْهَارِ الرِّضَا بِمَا صَارَ إلَيْهِ الْمَيِّتُ. اهـ وَهِيَ تُفِيدُ أَنَّهَا تُرَدُّ لِلْقَبْرِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَلِيقَ بِهِ ذَلِكَ أَوْ لَا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الثَّانِي فَرَاجِعْهُ (فَائِدَةٌ) .

وَرَدَ أَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ بِيَدِهِ حَالَ إرَادَةِ الدَّفْنِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} [القدر: 1] سَبْعَ مَرَّاتٍ وَجَعَلَهُ مَعَ الْمَيِّتِ فِي كَفَنِهِ أَوْ قَبْرِهِ لَمْ يُعَذَّبْ ذَلِكَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ عَلْقَمِيٌّ ع ش عَلَى م ر وَق ل وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً إنْ تَعَدَّدَ الْمَدْفُونُ. (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى إلَخْ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ فِي الْأُولَى: اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ عِنْدَ الْمَسْأَلَةِ حُجَّتَهُ وَفِي الثَّانِيَةِ اللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ وَفِي الثَّالِثَةِ اللَّهُمَّ جَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. قَوْلُهُ: وَاَللَّهُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لِرُوحِهِ لَا يُنَافِي هَذَا أَنَّ رُوحَهُ يُصْعَدُ بِهَا عَقِبَ الْمَوْتِ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَلِكَ الصُّعُودُ لِلْعَرْضِ ثُمَّ يُرْجَعُ بِهَا فَتَكُونُ مَعَ الْمَيِّتِ إلَى أَنْ يَنْزِلَ قَبْرَهُ فَتَلْبَسُهُ لِلسُّؤَالِ ثُمَّ تُفَارِقُهُ وَتَذْهَبُ إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ ع ش عَلَى م ر

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُهَالَ بِمَسَاحٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِسْحَاةٍ بِكَسْرِهَا وَهِيَ آلَةٌ تُمْسَحُ بِهَا الْأَرْضُ وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ حَدِيدٍ بِخِلَافِ الْمِجْرَفَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنْ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى تُرَابِ الْقَبْرِ) أَيْ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِذَلِكَ لِأَجْلِ ارْتِفَاعِهِ وَإِلَّا زِيدَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ ح ف. (قَوْلُهُ: فَتَمْكُثُ جَمَاعَةٌ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ. اهـ. حَجّ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ) كَأَنْ يَقُولُوا: اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ عَلَى الْحَقِّ اللَّهُمَّ لَقِّنْهُ حُجَّتَهُ فَلَوْ أَتَوْا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالذِّكْرِ عَلَى الْقَبْرِ لَمْ يَكُونُوا آتِينَ بِالسُّنَّةِ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ ثَوَابٌ عَلَى ذِكْرِهِمْ وَبَقِيَ إتْيَانُهُمْ بِهِ بَعْدَ سُؤَالِ التَّثْبِيتِ لَهُ هَلْ هُوَ مَطْلُوبٌ أَوْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَمِثْلُ الذِّكْرِ بِالْأَوْلَى الْأَذَانُ فَلَوْ أَتَوْا بِهِ كَانُوا آتِينَ بِغَيْرِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُمْ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ لَهُ التَّثْبِيتَ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا غَيْرَ شَهِيدٍ وَغَيْرَ نَبِيٍّ لِأَنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ فَيُلَقَّنُ خَوْفَ الْفِتْنَةِ قَالَ فِي الْإِيعَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا غَيْرُ حَقِيقَتِهَا لِاسْتِحَالَتِهَا مِمَّنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَلْ نَحْوُ التَّلَجْلُجِ فِي الْجَوَابِ أَوْ عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ إلَيْهِ أَوْ مَجِيءِ الْمَلَكَيْنِ لَهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ حَسَنَةِ

ص: 494

لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.

(وَ) أَنْ (يُرْفَعَ الْقَبْرُ شِبْرًا) تَقْرِيبًا لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ وَلِأَنَّ قَبْرَهُ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ نَحْوُ شِبْرٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ تُرَابُهُ شِبْرًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُزَادَ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي (بِدَارِنَا) مَا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ بِدَارِ الْكُفَّارِ فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ وَأَلْحَقَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ الْأَمْكِنَةَ الَّتِي يُخَافُ نَبْشُهَا لِسَرِقَةِ كَفَنِهِ أَوْ لِعَدَاوَةٍ أَوْ لِنَحْوِهِمَا

(وَتَسْطِيحُهُ أَوْلَى مِنْ تَسْنِيمِهِ) كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبْرَيْ صَاحِبَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ

(وَكُرِهَ جُلُوسٌ وَوَطْءٌ عَلَيْهِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا رَوَاهُ فِي الْأَوَّلِ مُسْلِمٌ وَفِي الثَّانِي التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي مَعْنَاهُمَا الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَبِهِمَا صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ (بِلَا حَاجَةٍ) مِنْ زِيَادَتِي مَعَ التَّصْرِيحِ بِالْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ بِأَنْ لَا يَصِلَ إلَى مَيِّتِهِ أَوْ لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَفْرِ إلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا كَرَاهَةَ

(وَ) كُرِهَ (تَجْصِيصُهُ) أَيْ تَبْيِيضُهُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِبْسُ وَقِيلَ الْجِيرُ وَالْمُرَادُ هُنَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (وَكِتَابَةٌ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَتَبَ عَلَيْهِ اسْمَ صَاحِبِهِ أَمْ غَيْرَهُ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ (وَبِنَاءٌ عَلَيْهِ) كَقُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثَةِ رَوَاهُ فِيهَا التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مُسْلِمٌ وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ.

(وَحَرُمَ) أَيْ الْبِنَاءُ (بِ) مَقْبَرَةٍ (مُسَبَّلَةٍ) بِأَنْ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ بِالدَّفْنِ فِيهَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَنْظَرِ شَوْبَرِيٌّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ تَشْرِيفًا لِنَبِيِّنَا بِسَبَبِ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ السُّيُوطِيّ: وَلَمْ يَكُنْ لِأُمَّةٍ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِنَا قَطُّ سُؤَالٌ يُلْتَزَمُ وَقَالَ أَيْضًا وَالسُّؤَالُ سَبْعُ مَرَّاتٍ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُؤْمِنِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَأَرْبَعُونَ مَرَّةً بِالنِّسْبَةِ لِلْمُنَافِقِ تَوْبِيخًا لَهُ. (قَوْلُهُ لِلِاتِّبَاعِ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وَقَالَ «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ» اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ شِبْرًا) فَلَوْ زِيدَ عَلَى الشِّبْرِ كَانَ مَكْرُوهًا وَقِيلَ: خِلَافُ الْأَوْلَى بِرْمَاوِيٌّ وَع ش (قَوْلُهُ: فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَلْ يُخْفَى) وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَاجِبًا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فِعْلُهُمْ بِهِ ذَلِكَ ع ش عَلَى م ر

(قَوْلُهُ: وَتَسْطِيحُهُ) بِأَنْ يُعْرَضَ فَيُجْعَلُ كَالسَّطْحِ، وَالتَّسْنِيمُ أَنْ يُجْعَلَ كَسَنَامِ الْبَعِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا فُعِلَ بِقَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم) وَأَمَّا مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا فَإِنَّمَا سُنِّمَ بَعْدَ سُقُوطِ الْجِدَارِ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ وَقِيلَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ كَوْنُ التَّسْطِيحِ صَارَ شِعَارًا لِلرَّوَافِضِ إذْ السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ بِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ فِيهَا «وَقَوْلُ عَلِيٍّ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا أَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتُهُ» لَمْ يُرِدْ بِهِ تَسْوِيَتَهُ بِالْأَرْضِ بَلْ تَسْطِيحُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ جُلُوسٌ) أَيْ إنْ كَانَ مُحْتَرَمًا، أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَقَبْرِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِقَبْرِ الذِّمِّيِّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَجْلِ كَفِّ الْأَذَى عَنْ أَحْيَائِهِمْ إذَا وُجِدُوا وَلَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ الْمُكْثِ فِي مَقَابِرِهِمْ وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَ مِنْ كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ وَالْوَطْءِ فِي الْمُحْتَرَمِ عِنْدَ عَدَمِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَيَقَّنُ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمَيِّتِ شَيْءٌ فِي الْقَبْرِ سِوَى عَجْبِ الذَّنَبِ فَإِنْ مَضَتْ فَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَقَوْلُهُ: فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ أَيْ فِي الْجُلُوسِ وَالْوَطْءِ وَيَنْبَغِي عَدَمُ حُرْمَةِ الْبَوْلِ وَالتَّغَوُّطِ عَلَى قُبُورِهِمَا أَيْ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِمَا وَلَا عِبْرَةَ بِتَأَذِّي الْأَحْيَاءِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ أَيْ وُجُوبًا فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَنَدْبًا فِي نَحْوِ الْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَلَا كَرَاهَةَ فِي مَشْيِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ بِنَعْلٍ أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَنَجِّسًا بِنَجَاسَةِ رَطْبَةٍ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ إنْ مَشَى بِهِ عَلَى الْقَبْرِ، أَمَّا غَيْرُ الرَّطْبَةِ فَلَا ع ش (قَوْلُهُ وَوَطْءٌ عَلَيْهِ) أَيْ الْقَبْرِ الَّذِي لِمُسْلِمٍ وَلَوْ مُهْدَرًا فِيمَا يَظْهَرُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُحَاذِي الْمَيِّتِ لَا مَا اُعْتِيدَ التَّحْوِيطُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُحَاذٍ لَهُ لَا سِيَّمَا فِي اللَّحْدِ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ مَا قَرُبَ مِنْهُ جِدًّا بِهِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُحَاذٍ لَهُ. اهـ. حَجّ شَوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا) وَالْحِكْمَةُ فِيهِ تَوْقِيرُ الْمَيِّتِ وَاحْتِرَامُهُ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَفُسِّرَ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ لِلْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ أَيْضًا بِلَفْظِ «مَنْ جَلَسَ عَلَى قَبْرٍ يَبُولُ عَلَيْهِ أَوْ يَتَغَوَّطُ» إلَخْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَفِي مَعْنَاهُمَا الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ) أَيْ بِجَنْبِهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ أَيْ بِظَهْرِهِ فَهُمَا مُتَغَايِرَانِ ح ف وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْجُلُوسِ فَقَطْ وَفِي شَرْحِ م ر مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِلَا حَاجَةٍ) لَمْ يُبَيِّنْ الشَّارِحُ مَفْهُومَهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطْءِ وَكَذَلِكَ صَنَعَ م ر (قَوْلُهُ: إلَى مَيِّتِهِ) أَيْ مَنْ يُرِيدُ زِيَارَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَيِّتَهُ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَجْصِيصُهُ) أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (قَوْلُهُ: بِالْجَصِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ وَكِتَابَةٌ عَلَيْهِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ وَلِيًّا أَوْ عَالِمًا وَكُتِبَ اسْمُهُ لِيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِتَجْصِيصِهِ تَطْيِينُهُ) أَيْ فَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُبَاحُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ وَأَنْ يُقَبَّلَ التَّابُوتُ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَتَقْبِيلُ الْأَعْتَابِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ أَيْ وَأَعْتَابِهِمْ التَّبَرُّكَ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ أَيْ الْبِنَاءُ)

ص: 495

كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ يَتَأَبَّدُ بَعْدَ انْمِحَاقِ الْمَيِّتِ فَلَوْ بُنِيَ فِيهَا هُدِمَ الْبِنَاءُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بُنِيَ فِي مِلْكِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ زِيَادَتِي وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ

(وَسُنَّ رَشُّهُ) أَيْ الْقَبْرِ (بِمَاءٍ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْمَعْنَى فِيهِ التَّفَاؤُلُ بِتَبْرِيدِ الْمَضْجَعِ وَحِفْظِ التُّرَابِ وَيُكْرَهُ رَشُّهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ (وَوَضْعُ حَصًى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بِقَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسُنَّ أَيْضًا وَضْعُ الْجَرِيدِ وَالرَّيْحَانِ وَنَحْوِهِمَا عَلَيْهِ (وَ) وَضْعُ (حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ عِنْدَ رَأْسِهِ وَجَمْعُ أَهْلِهِ بِمَوْضِعٍ) وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ حَجَرًا أَيْ صَخْرَةً عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ، وَقَالَ أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَتَعْبِيرِي بِأَهْلِهِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِأَقَارِبِهِ

(وَزِيَارَةُ قُبُورٍ) أَيْ قُبُورِ الْمُسْلِمِينَ (لِرَجُلٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا»

ــ

[حاشية البجيرمي]

ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَقْفُهَا وَمُحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَمِنْ ثَمَّ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ بِعِمَارَةِ قُبُورِ الصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ أَوْ التَّبَرُّكِ ح ل وَمِنْ الْبِنَاءِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ جَعْلِ أَرْبَعَةِ أَحْجَارٍ مُرَبَّعَةٍ مُحِيطَةً بِالْقَبْرِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ إلَخْ كَمَا فِي حَجّ قَالَ سم إلَّا إذَا كَانَتْ الْأَحْجَارُ الْمَذْكُورَةُ لِحِفْظِهِ مِنْ النَّبْشِ وَالدَّفْنِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْمَوْقُوفَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِثْلُهَا الْمَوْقُوفَةُ بِالْأَوْلَى وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَةَ هِيَ الْمُسَبَّلَةُ وَعَكْسُهُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُسَبَّلَةِ يُدْخِلُ مَوَاتًا اعْتَادُوا الدَّفْنَ فِيهِ فَهَذَا يُسَمَّى مُسَبَّلًا لَا مَوْقُوفًا فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَالْمُسَبَّلَةُ أَعَمُّ شَوْبَرِيٌّ وَبِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ انْمِحَاقِ الْمَيِّتِ) أَيْ فَيُحْرِمُ النَّاسَ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ حَجّ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بُنِيَ فِيهَا هُدِمَ الْبِنَاءُ) وَلَوْ مَسْجِدًا أَوْ مَأْوًى لِلزَّائِرِينَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَى الْبِنَاءِ فِيهَا لِخَوْفِ نَبْشِ سَارِقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَخَرُّقِهِ بِسَيْلٍ فَلَا يُهْدَمُ إلَّا مَا حَرُمَ وَضْعُهُ، وَمِنْ الْمُسَبَّلِ قَرَافَةُ مِصْرَ فَيُهْدَمُ مَا بِهَا مِنْ الْبِنَاءِ إنْ عُرِفَ حَالُهُ فِي الْوَضْعِ فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ تُرِكَ حَمْلًا عَلَى وَضْعِهِ بِحَقٍّ كَمَا فِي الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى حَافَّةِ الْأَنْهَارِ وَالشَّوَارِعِ اهـ ع ش عَلَى م ر وَقَوْلُهُ: فَيُهْدَمُ مَا بِهَا أَيْ مَا عَدَا قُبَّةَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْوَقْفِ دَارًا لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ع ش وَلَا يَجُوزُ زَرْعُ شَيْءٍ فِي الْمُسَبَّلَةِ وَإِنْ تُيُقِّنَ بَلَاءُ مَنْ بِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الدَّفْنِ فَيُقْلَعُ وَقَوْلُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ بَعْدَ الْبَلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَمْلُوكَةِ حَجّ ع ش عَلَى م ر

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ رَشُّهُ) أَيْ الْقَبْرِ أَيْ بَعْدَ الدَّفْنِ مَا لَمْ يَنْزِلْ مَطَرٌ يَكْفِي حَجّ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ نَبَتَ عَلَيْهِ حَشِيشٌ اُكْتُفِيَ بِهِ عَنْ وَضْعِ الْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ الْآتِي قِيَاسًا عَلَى نُزُولِ الْمَطَرِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْمَاءِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ الْمَكَانَ لَا مَعْنَى لَهَا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ تَمْهِيدِ التُّرَابِ بِخِلَافِ وَضْعِ الْجَرِيدِ زِيَادَةً عَلَى الْحَشِيشِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ زِيَادَةُ رَحْمَةٍ لِلْمَيِّتِ بِتَسْبِيحِ الْجَرِيدِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِمَاءٍ) أَيْ طَاهِرٍ كَوْنُهُ بَارِدًا أَوْلَى وَيَحْرُمُ بِالنَّجَسِ لِأَنَّ فِيهِ إزْرَاءً بِهِ وَمَنْ قَالَ وَيُكْرَهُ يُحْمَلُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِتَبْرِيدِ الْمَضْجَعِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمَضْجَعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مَوْضِعُ الضُّجُوعِ وَالْجَمْعُ مَضَاجِعُ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَشُّهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ) أَيْ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ إنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِنْ إكْرَامِ الْمَيِّتِ وَإِقْبَالِ الزُّوَّارِ عَلَيْهِ لِطِيبِ رِيحِ الْبُقْعَةِ بِهِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِ لَمْ يَبْعُدْ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ لَا بَأْسَ بِالْيَسِيرِ مِنْهُ إذَا قَصَدَ بِهِ حُضُورَ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهَا تُحِبُّ الرَّائِحَةَ الطَّيِّبَةَ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: وَوَضْعُ حَصًى) أَيْ صِغَارٍ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِمَا) أَيْ مِنْ الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْبِرْسِيمُ وَنَحْوُهُ مِنْ جَمِيعِ النَّبَاتَاتِ الرَّطْبَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَيُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْجَرِيدِ الْأَخْضَرِ عَلَى الْقَبْرِ لِلِاتِّبَاعِ وَكَذَا الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهِ أَخْذُهُ مِنْ الْقَبْرِ قَبْلَ يُبْسِهِ لِعَدَمِ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ فَإِنْ يَبِسَ جَازَ لِزَوَالِ نَفْعِهِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ حَالَ رُطُوبَتِهِ وَهُوَ الِاسْتِغْفَارُ اهـ قَالَ ع ش عَلَيْهِ، أَمَّا مَالِكُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضُوعُ مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ عَادَةً حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُعْرَضُ عَنْ مِثْلِهِ عَادَةً لَمْ يَحْرُمْ وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَ الْجَرِيدِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ وَضْعِ الشَّمْعِ فِي لَيَالِي الْأَعْيَادِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْقُبُورِ فَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِعَدَمِ إعْرَاضِ مَالِكِهِ عَنْهُ وَعَدَمُ رِضَاهُ بِأَخْذِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ اهـ (قَوْلُهُ: عِنْدَ رَأْسِهِ) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ اسْتِحْبَابَهُ عِنْدَ رِجْلَيْهِ أَيْضًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَجَمْعُ أَهْلِهِ) الْمُرَادُ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجَةَ وَالْعَبْدَ وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَمِنْهُمْ الْأَزْوَاجُ وَالْعُتَقَاءُ وَالْمَحَارِمُ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَمِثْلُهُمْ الْأَصْدِقَاءُ اهـ وَقَوْلُهُ: بِمَوْضِعٍ أَيْ سَاحَةٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَبْرِ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: أَتَعَلَّمُ) أَيْ أَجْعَلُهَا عَلَامَةً عَلَى قَبْرِ أَخِي أَعْرِفُهُ بِهَا فَهُوَ مِنْ تَعَلَّمَ بِمَعْنَى جَعَلَ لَهُ عَلَامَةً وَقَوْلُهُ: قَبْرَ أَخِي أَيْ مِنْ الرَّضَاعِ (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرِي بِأَهْلِهِ أَعَمُّ) أَيْ لِشُمُولِهِ لِلْأَزْوَاجِ وَالْعُتَقَاءِ وَالْمَحَارِمِ مِنْ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَمِثْلُهُمْ الْأَصْدِقَاءُ ح ل وَشَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَزِيَارَةُ قُبُورِ إلَخْ)

ص: 496

أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الرَّجُلِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى (مَكْرُوهَةٌ) لِقِلَّةِ صَبْرِ الْأُنْثَى وَكَثْرَةِ جَزَعِهَا وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى احْتِيَاطًا وَذِكْرُ حُكْمِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَهَذَا فِي زِيَارَةِ قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. أَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ فَتُسَنُّ لَهُمَا كَالرَّجُلِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ (وَأَنْ يُسَلِّمَ زَائِرٌ) فَيَقُولَ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى فَنَظَرًا لِعُرْفِ الْعَرَبِ حَيْثُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إذَا سَلَّمُوا عَلَى قَبْرٍ يَقُولُونَ عَلَيْك السَّلَامُ (وَ) أَنْ (يَقْرَأَ) مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ (وَيَدْعُوَ) لَهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ (وَ) أَنْ (يَقْرُبَ) مِنْ قَبْرِهِ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ (حَيًّا)

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَرَدَ «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» (فَائِدَةٌ) .

رُوحُ الْمَيِّتِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ وَلَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ الْخَمِيسِ وَأَمَّا زِيَارَتُهُ صلى الله عليه وسلم لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ وَع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَمُبَاحَةٌ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْدُوبَةً مُطْلَقًا اط ف (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةً) وَقِيلَ حَرَامٌ لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَحُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ أَوْ كَانَ فِيهَا خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ وَقِيلَ تُبَاحُ إذَا أُمِنَ مِنْ الِافْتِتَانِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: فَتُسَنُّ لَهُمَا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَذِنَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ أَوْ الْوَالِي ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ قُبُورُ سَائِرِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ إلْحَاقِ قَبْرِ أَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا وَبَقِيَّةِ أَقَارِبِهَا بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الْإِلْحَاقَ شَرْحُ م ر وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِلْحَاقِ مَا لَمْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ أَوْ أَوْلِيَاءَ كَمَا فِي ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُسَلِّمَ زَائِرٌ) أَيْ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ السَّلَامِ عَلَيْهَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَالزَّائِرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يُنْدَبُ لِكُلِّ مَنْ مَرَّ عَلَى الْقَبْرِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَوْقَاتِ الَّتِي اُعْتِيدَتْ الزِّيَارَةُ فِيهَا وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الزَّائِرُ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ خُصُوصًا الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عليه السلام» كَمَا ذَكَرَهُ م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ: كَانَ يَعْرِفُهُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَسَلَّمَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عليه السلام فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤَدَّى لِلْمُسْلِمِ حَقَّهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ قُوَّةً بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُسْلِمَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ عَلَى الرَّدِّ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ دَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَفْصَحُ أَوْ النِّدَاءُ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ كُمْ شَوْبَرِيٌّ فَيَكُونُ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَيَكُونُ هُنَاكَ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ أَهْلُ دَارٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ الْمَشِيئَةِ مَعَ أَنَّ اللُّحُوقَ مَقْطُوعٌ بِهِ. قُلْت أَجَابَ حَجّ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ هِيَ لِلُّحُوقِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لِلُّحُوقِ بِهِمْ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ اهـ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ) وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الدُّنْيَا وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ أَنْزِلْ عَلَيْهَا رَحْمَةً مِنْك وَسَلَامًا مِنِّي بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَنَظَرًا لِعُرْفِ الْعَرَبِ) وَهُوَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْرَأَ) وَالْأَجْرُ لَهُ وَلِلْمَيِّتِ قَالَ شَيْخُنَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَنْفَعُ الْمَيِّتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إمَّا حُضُورُهُ عِنْده أَوْ قَصْدُهُ لَهُ وَلَوْ مَعَ بُعْدٍ أَوْ دُعَاؤُهُ لَهُ وَلَوْ مَعَ بُعْدٍ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ حَالَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَكَوْنُهُ وَاقِفًا أَفْضَلُ بِرْمَاوِيٌّ وَشَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَسَمِعَهُ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ إطْلَاقُهُمْ سَنَّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ مَعَ أَنَّ صَوْتَ الْمُسْلِمِ لَا يَصِلُ إلَى جُمْلَتِهِمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً ع ش عَلَى م ر.

وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ كَقُرْبِهِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِ مَعَهُ بِالْفِعْلِ لَا بِاعْتِبَارِ مَقَامِ الْمَيِّتِ وَمِقْدَارِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا بِحَيْثُ يَقْتَضِي مِقْدَارُهُ الْبُعْدَ عَنْهُ جِدًّا لَكِنَّ عَادَتَهُ مَعَ الزَّائِرِ التَّنَزُّلُ وَالتَّبَرُّكُ وَالتَّوَاضُعُ وَتَقْرِيبُهُ مِنْهُ وَقَفَ عِنْدَ زِيَارَتِهِ عَلَى عَادَتِهِ مَعَهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ يُقَرِّبُ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَظَمَةُ

ص: 497

احْتِرَامًا لَهُ

(وَحَرُمَ نَقْلُهُ) قَبْلَ دَفْنِهِ مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ (إلَى) مَحَلٍّ (أَبْعَدَ مِنْ مَقْبَرَةِ مَحَلِّ مَوْتِهِ) لِيُدْفَنَ فِيهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ (إلَّا مَنْ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَإِيلِيَاءَ) أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَيْهَا بَلْ يُخْتَارُ لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا.

(وَ) حَرُمَ (نَبْشُهُ) قَبْلَ الْبَلَاءِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ (بَعْدَ دَفْنِهِ) لِنَقْلٍ وَغَيْرِهِ كَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَدَفْنٍ بِلَا طُهْرٍ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْمَيِّتِ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ مُجَرَّدُ التَّجَبُّرِ وَالظُّلْمِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ لَمْ يُحْتَرَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يُطْلَبْ الْإِبْعَادُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ خَيْرٍ وَعَدْلٍ اُحْتُرِمَ وَطَلَبُ الْإِبْعَادِ بِحَسَبِ الْحَالِ م ر قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ مَعَهُ الْبُعْدَ وَقَدْ أَوْصَى بِالْقُرْبِ مِنْهُ قَرُبَ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ سم (قَوْلُهُ: احْتِرَامًا لَهُ) وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا كَرَاهَةُ مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ زُوَّارِ الْأَوْلِيَاءِ مِنْ دَقِّهِمْ التَّوَابِيتَ وَتَعَلُّقِهِمْ بِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهِمْ التَّأَدُّبُ فِي زِيَارَتِهِمْ وَعَدَمُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُمْ وَالْبَعْدُ عَنْهُمْ قَدْرَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زِيَارَتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَإِكْرَامًا قَالَ حَجّ وَالْتِزَامُ الْقَبْرِ أَوْ مَا عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ تَابُوتٍ وَلَوْ قَبَرَهُ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِ يَدِهِ وَتَقْبِيلُهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ قَبِيحَةٌ وَأَفْتَى م ر بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ قَصَدَ بِتَقْبِيلِهِمَا التَّبَرُّكَ ز ي.

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ نَقْلُهُ) أَيْ وَإِنْ أَمِنَ التَّغَيُّرَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ الْمَأْمُورِ بِتَعْجِيلِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: قَبْلَ دَفْنِهِ، أَمَّا بَعْدَ دَفْنِهِ فَسَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَحَرُمَ نَبْشُهُ (قَوْلُهُ: مِنْ مَقْبَرَةِ مَحَلِّ مَوْتِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ دَفْنَ أَهْلِ أُنْبَابَةَ مَوْتَاهُمْ فِي الْقَرَافَةِ لَيْسَ مِنْ النَّقْلِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ الْقَرَافَةَ صَارَتْ مَقْبَرَةً لِأَهْلِ أُنْبَابَةَ فَالنَّقْلُ إلَيْهَا لَيْسَ نَقْلًا مِنْ مَقْبَرَةِ مَحَلِّ مَوْتِهِ وَهُوَ أُنْبَابَةُ م ر أَيْ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ اعْتَادَ الدَّفْنَ فِيهَا أَوْ فِي أُنْبَابَةَ فِيمَا يَظْهَرُ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ الْوَاحِدِ مَقَابِرُ مُتَعَدِّدَةٌ كَبَابِ النَّصْرِ وَالْقَرَافَةِ وَالْأَزْبَكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ مِصْرَ فَلَهُ الدَّفْنُ فِي أَيُّهَا شَاءَ لِأَنَّهَا مَقْبَرَةُ بَلَدِهِ بَلْ لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَ سَاكِنًا بِقُرْبِ أَحَدِهَا جِدًّا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: إلَّا مَنْ بِقُرْبِ مَكَّةَ) الْمُرَادُ بِالْقُرْبِ مَسَافَةٌ لَا يَتَغَيَّرُ الْمَيِّتُ فِيهَا قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ جَمِيعُ الْحَرَمِ لَا نَفْسُ الْبَلَدِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ: وَلَا يَنْبَغِي التَّخْصِيصُ بِالثَّلَاثَةِ بَلْ لَوْ كَانَ بِقُرْبِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّخْصَ يَقْصِدُ الْجَارَ الْحَسَنَ وَلَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحَلٍّ مِنْ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ نَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ حَيْثُ قَرُبَ وَأُمِنَ التَّغَيُّرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ مِنْ مَحَلِّ مَوْتِهِ إلَى مَحَلٍّ غَيْرِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ فَيَحْرُمُ تَنْفِيذُهَا وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ دَفْنِهِ إذَا أَوْصَى بِهِ وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ هُوَ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَاجِبٌ هَذَا، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ نَقْلِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ فِي ع ب وَلَا أَثَرَ لِوَصِيَّتِهِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْقُرْبُ مِنْ الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَدَفْنُهُ بَيْنَ أَهْلِهِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا بَحَثَهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَإِيلِيَاءَ) بِوَزْنِ كِبْرِيَاءَ وَحُكِيَ قَصْرُ أَلِفِهِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ أَيْضًا، وَقَالَ فِي الْمَطَالِعِ بِحَذْفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ وَيُقَالُ الْإِلْيَاءُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَمَعْنَاهُ بَيْتُ اللَّهِ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَحْرُمُ نَقْلُهُ إلَيْهَا) مَحَلُّ جَوَازِهِ نَقْلُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِتَوَجُّهِ فَرْضِ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَحَلِّ مَوْتِهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِجَوَازِ نَقْلِهِ قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَحْوُ السَّيْلِ يَعُمُّ مَقْبَرَةَ الْبَلَدِ وَيُفْسِدُهَا جَازَ لَهُمْ النَّقْلُ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: يَعُمُّ مَقْبَرَةَ الْبَلَدِ وَيُفْسِدُهَا أَيْ وَلَوْ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ كَأَنْ كَانَ الْمَاءُ يُفْسِدُهَا زَمَنَ النِّيلِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ نَقْلُهُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَقَوْلُهُ: جَازَ لَهُمْ النَّقْلُ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْ وَلَوْ لِبَلَدٍ آخَرَ لِيَسْلَمَ الْمَيِّتُ مِنْ الْفَسَادِ وَهَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ شَهِيدٍ، أَمَّا هُوَ فَلَا يُنْقَلُ أَيْ وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ أَحَدِ الْأَمَاكِنِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُرَدُّوا إلَى مَصَارِعِهِمْ وَكَانُوا نُقِلُوا إلَى الْمَدِينَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَالرَّشِيدِيِّ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْبَلَاءِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْمَدِّ ح ف (قَوْلُهُ: إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَلَيْسَ مِنْهَا مَا لَوْ كُفِّنَ فِي حَرِيرٍ فَلَا يَجُوزُ نَبْشُهُ لِتَجْرِيدِهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْكَفَنَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: كَدَفْنٍ بِلَا طُهْرٍ) وَكَمَا لَوْ دُفِنَتْ امْرَأَةٌ حَامِلٌ بِجَنِينٍ تُرْجَى حَيَاتُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ فَيُشَقُّ جَوْفُهَا وَيُخْرَجُ إذْ شَقُّهُ لَازِمٌ قَبْلَ دَفْنِهَا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ تُرْجَ حَيَاتُهُ فَلَا لَكِنْ يُتْرَكُ دَفْنُهَا إلَى مَوْتِهِ ثُمَّ تُدْفَنُ م ر وَقَوْلُهُ لَكِنْ يُتْرَكُ دَفْنُهَا إلَى مَوْتِهِ أَيْ لَوْ تَغَيَّرَتْ لِئَلَّا يُدْفَنَ الْحَمْلُ حَيًّا ع ش

ص: 498

مِنْ غُسْلٍ أَوْ تَيَمُّمٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَجِبُ طُهْرُهُ (أَوْ) بِلَا (تَوْجِيهٍ) لَهُ إلَى الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) فِيهِمَا فَيَجِبُ نَبْشُهُ تَدَارُكًا لِطُهْرِهِ الْوَاجِبِ وَلِيُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَقَوْلِي وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ زِيَادَتِي (أَوْ) كَدَفْنٍ (فِي مَغْصُوبٍ) مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ وَوُجِدَ مَا يُدْفَنُ أَوْ يُكَفَّنُ فِيهِ الْمَيِّتُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ لِيُرَدَّ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ مَا لَمْ يَرْضَ بِبَقَائِهِ.

(أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَالٌ) خَاتَمٌ أَوْ غَيْرُهُ فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ لِأَخْذِهِ سَوَاءٌ أَطَلَبَهُ مَالِكُهُ أَمْ لَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَقَيَّدَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالطَّلَبِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْأَصْحَابُ مَسْأَلَةَ الِابْتِلَاعِ الْآتِيَةِ وَقَدْ فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَوْ بَلَعَ مَالًا لِنَفْسِهِ وَمَاتَ لَمْ يُنْبَشْ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ وَطَلَبَهُ مَالِكُهُ نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ وَأُخْرِجَ مِنْهُ وَرُدَّ لِصَاحِبِهِ وَلَوْ ضَمِنَهُ الْوَرَثَةُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ رَادًّا بِهِ عَلَى مَا فِي الْعُدَّةِ مِنْ أَنَّ الْوَرَثَةَ إذَا ضَمِنُوا لَمْ يُشَقَّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهَا مِنْ أَنَّهُ يُشَقُّ حَيْثُ لَا ضَمَانَ وَلَهُ تَرْكُهُ وَفِي نَقْلِ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ مَا يُوَافِقُ مَا فِيهَا تَجَوُّزٌ أَمَّا بَعْدَ الْبِلَا فَلَا يَحْرُمُ نَبْشُهُ بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَتُهُ وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ لِظَنِّهِمْ عَدَمَ الْبِلَا وَاسْتَثْنَى قُبُورَ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ

(وَسُنَّ تَعْزِيَةُ نَحْوِ أَهْلِهِ) كَصِهْرٍ وَصَدِيقٍ وَهِيَ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالْحَمْلُ عَلَيْهِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الْوِزْرِ بِالْجَزَعِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ وَلِلْمُصَابِ بِجَبْرِ الْمُصِيبَةِ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَى بَطْنِهَا شَيْءٌ لِيَمُوتَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَلْيُحْذَرْ حَجّ. (قَوْلُهُ: أَوْ تَيَمُّمٌ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا يُمِّمَ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ لِلْغُسْلِ وَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ فِي الْأَصْلِ لِفَقْدِ الْغَاسِلِ أَوْ لِفَقْدِ الْمَاءِ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَغَيَّرْ) الْمُرَادُ بِالتَّغَيُّرِ النَّتِنُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقَطُّعُ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ شَيْخُنَا وَاعْتَمَدَهُ ز ي (قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَغْصُوبٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِلَا طُهْرٍ فِي قَوْلِهِ كَدَفْنٍ بِلَا طُهْرٍ وَمِنْ الْمَغْصُوبِ الْمَسْجِدُ وَإِنْ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَى الْمُصَلِّينَ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَوُجِدَ مَا يَدْفِنُ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ فَلَا يُنْبَشُ بَلْ يُدْفَعُ لِلْمَالِكِ ثَمَنُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَيُدْفَعُ الثَّمَنُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَمِنْ مُنْفِقِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ أَيْ الْمَالِكُ مِنْهُمْ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَع ش.

(قَوْلُهُ: أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَالٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى دَفْنٍ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ أَوْ وُقُوعِ مَالٍ فِيهِ لِيُنَاسِبَ الْمَعْطُوفَاتِ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ أَطَلَبَهُ مَالِكُهُ أَمْ لَا) الْمُتَبَادِرُ مِنْ عَدَمِ الطَّلَبِ السُّكُوتُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ نَهَى عَنْهُ لَمْ يُنْبَشْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِالطَّلَبِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَقَدْ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ) وَهُوَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الِابْتِلَاعِ فِيهَا انْتِهَاكُ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ بِشَقِّ جَوْفِهِ فَقُيِّدَتْ بِطَلَبِ الْمَالِكِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَلِعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ عَلِمَ اط ف (قَوْلُهُ: مَالًا لِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: لَمْ يُنْبَشْ) أَيْ لِاسْتِهْلَاكِهِ لَهُ حَالَ حَيَاتِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَقَالَ ع ش عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشَقُّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِإِهْلَاكِهِ قَبْلَ تَعَلُّقِ الْغُرَمَاءِ بِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ اهـ.

(قَوْلُهُ: نُبِشَ وَشُقَّ جَوْفُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: رَادًّا بِهِ عَلَى مَا فِي الْعِدَّةِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْعِدَّةِ فَمَتَى ضَمِنَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ حَرُمَ نَبْشُهُ وَشَقُّ جَوْفِهِ لِقِيَامِ بَدَلِهِ مَقَامَهُ وَصَوْنَا لِلْمَيِّتِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ شَرْحُ م ر وَع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ أَنَّهُ إذَا شُقَّ جَوْفُهُ مَعَ وُجُودِ التَّرِكَةِ فَكَذَلِكَ يُشَقُّ مَعَ ضَمَانِ الْوَرَثَةِ وَقَدْ يُقَالُ: لَا تَأْيِيدَ لِأَنَّ الضَّمَانَ أَثْبَتُ مِنْ التَّرِكَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلتَّلَفِ بِخِلَافِ مَا فِي الذِّمَّةِ الْحَاصِلُ بِالضَّمَانِ شَبْشِيرِيٌّ وَز ي (قَوْلُهُ: كَلَامُهَا) أَيْ الْعِدَّةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَوْلُهُ: مَا يُوَافِقُ مَا فِيهَا أَيْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى الْمَرْدُودَةِ (قَوْلُهُ تَجَوُّزٌ) أَيْ تَسَاهُلٌ فِي النَّقْلِ فَالتَّحْقِيقُ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ الْإِطْلَاقِ مِنْ أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ وَلَوْ ضَمِنَهُ الْوَرَثَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْغَايَةُ ضَعِيفَةً شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: بَلْ تَحْرُمُ عِمَارَتُهُ) أَيْ فِي الْمُسَبَّلَةِ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَسْوِيَةُ التُّرَابِ عَلَيْهِ) جُمْلَةٌ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا أَيْ عِمَارَتُهُ بِتَسْوِيَةِ التُّرَابِ إلَخْ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى) أَيْ مِنْ حُرْمَةِ الْعِمَارَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ بَلَاؤُهُمْ وَإِلَّا فَهَؤُلَاءِ لَا تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبْشِ لَا مِنْ تَحْرِيمِ الْعِمَارَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ تَعْزِيَةُ نَحْوِ أَهْلِهِ) أَيْ التَّعْزِيَةُ مِنْ الْأَجَانِبِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَتُسَنُّ التَّعْزِيَةُ أَيْضًا لِفَقْدِ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَقِيقًا أَيْ وَإِنْ قَلَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَأَثَّرُ بِهِ وَيَدْعُو لَهُ بِمَا يُنَاسِبُ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ فِيهَا جَبْرًا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَكَسْرًا لِسَوْرَةِ الْحُزْنِ أَيْ شِدَّتِهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْمُصَافَحَةِ فِي الْعِيدِ وَتَحْصُلُ سُنَّةُ التَّعْزِيَةِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ كَرَّرَهَا هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الِاقْتِصَارِ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ عَدَمُ كَرَاهَةِ التَّكْرِيرِ فِي الثَّلَاثِ سِيَّمَا إذَا وَجَدَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ جَزَعًا عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَع ش (قَوْلُهُ كَصِهْرٍ) فِي الْمُخْتَارِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهِيَ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ) أَيْ اصْطِلَاحًا وَأَمَّا لُغَةً فَهِيَ التَّسْلِيَةُ لِمَنْ أُصِيبَ بِمَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ وَلَوْ مَالًا (قَوْلُهُ: بِوَعْدِ الْأَجْرِ) أَيْ إنْ كَانَ الْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ مُسْلِمًا وَقَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ أَيْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا كَمَا هُوَ

ص: 499

تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا فَقَالَ لَهَا اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا الصَّبْرُ أَيْ الْكَامِلُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى رَوَاهُ» الشَّيْخَانِ وَلِأَنَّ «أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ أَرْسَلَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ ابْنًا لَهَا فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لِلرَّسُولِ ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ» وَتَقْيِيدِي بِنَحْوِ أَهْلِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَسُنَّ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِهَا حَتَّى الصِّغَارِ وَالنِّسَاءِ إلَّا الشَّابَّةَ فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا وَنَحْوُهُمْ (وَ) هِيَ (بَعْدَ دَفْنِهِ أَوْلَى) مِنْهَا قَبْلَهُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ قَبْلَهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا أَنْ يَرَى مِنْ أَهْلِهِ جَزَعًا شَدِيدًا فَيُخْتَارُ تَقْدِيمُهَا لِيُصَبِّرَهُمْ وَذِكْرُ الْأَوْلَوِيَّةِ مِنْ زِيَادَتِي. (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَقْرِيبًا) مِنْ الْمَوْتِ لِحَاضِرٍ وَمِنْ الْقُدُومِ أَوْ بُلُوغِ الْخَبَرِ لِغَائِبٍ فَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَهَا إذْ الْغَرَضُ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ فِيهَا فَلَا يُجَدِّدُ حُزْنَهُ.

(فَيُعَزَّى مُسْلِمٌ بِمُسْلِمٍ) بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا (وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) بِالْمَدِّ أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا (وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَبِكَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك) مَعَ قَوْلِهِ (وَصَبَّرَك) أَوْ أَخْلَفَ عَلَيْك أَوْ جَبَرَ مُصِيبَتَك أَوْ نَحْوَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ لَا يُخْلَفُ بَدَلُهُ كَأَبٍ فَلْيَقُلْ بَدَلَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك: خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْك نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ (وَ) يُعَزَّى (كَافِرٌ مُحْتَرَمٌ بِمُسْلِمٍ) بِأَنْ يُقَالَ لَهُ (غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك)

ــ

[حاشية البجيرمي]

ظَاهِرٌ رَشِيدِيٌّ (قَوْلُهُ: تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا) أَيْ مَعَ جَزَعٍ مِنْهَا فَلِذَلِكَ أَمَرَهَا بِالتَّقْوَى (قَوْلُهُ: إنَّمَا الصَّبْرُ) الصَّبْرُ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى كَرِيهٍ تَتَحَمَّلُهُ أَوْ لَذِيذٍ تُفَارِقُهُ وَهُوَ مَمْدُوحٌ وَمَطْلُوبٌ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) الْمَعْنَى إنَّمَا يُحْمَدُ الصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ الْأُولَى وَالْمُرَادُ ابْتِدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوْلَى فَالْمُرَادُ عِنْدَ أَوَّلِ كُلِّ مُصِيبَةٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا، وَقَالَ الشَّوْبَرِيُّ أَيْ إنَّمَا يُحْمَدُ الصَّبْرُ عِنْدَ مُفَاجَأَةِ الْمُصِيبَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَقَعُ السَّلْوُ طَبْعًا اهـ (قَوْلُهُ: إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) هِيَ زَيْنَبُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ رُقَيََّةَ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِلَّهِ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ، أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا عَلَى الْعَاقِلِ إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيهِ تَغْلِيبُ غَيْرِ الْعَاقِلِ عَلَى الْعَاقِلِ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ شَامِلٌ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ وَقُدِّمَ ذِكْرُ الْأَخْذِ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا فِي الْوَاقِعِ لِاقْتِضَاءِ الْمَقَامِ لَهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ أَعْطَاهُ فَقَدْ أَخَذَ مَا هُوَ لَهُ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ) أَيْ مِنْ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ أَوْ مِنْ الْأَنْفُسِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُؤَكَّدَةِ وَيَجُوزُ فِي كُلٍّ النَّصْبُ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إنَّ فَيَنْسَحِبُ التَّأْكِيدُ أَيْضًا عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ) الْمُرَادُ بِالْعِنْدِيَّةِ الْعِلْمُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَجَلٍ) يُطْلَقُ الْأَجَلُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ وَعَلَى مَجْمُوعِ الْعُمْرِ وَقَوْلُهُ: مُسَمًّى أَيْ مَعْلُومٍ أَوْ مُقَدَّرٍ (قَوْلُهُ: حَتَّى الصِّغَارِ) أَيْ الَّذِينَ لَهُمْ نَوْعُ تَمْيِيزٍ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: إلَّا الشَّابَّةَ فَلَا يُعَزِّيهَا إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَا يُعَزِّي الشَّابَّةَ إلَّا مَحَارِمُهَا أَوْ زَوْجُهَا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَكَذَا مَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ فِيمَا يَظْهَرُ كَعَبْدِهَا وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَيُكْرَهُ لَهُ ابْتِدَاؤُهَا بِالتَّعْزِيَةِ وَالرَّدِّ عَلَيْهَا وَيَحْرُمَانِ مِنْهَا قِيَاسًا عَلَى سَلَامِهَا لِأَنَّ كَلَامَهَا لَهُمْ يُطْعِمُهُمْ فِيهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: تَقْرِيبًا) فَلَا تَضُرُّ الزِّيَادَةُ بِنَحْوِ نِصْفِ يَوْمٍ مَثَلًا ح ل (قَوْلُهُ: مِنْ الْمَوْتِ) أَيْ لَا مِنْ الدَّفْنِ هَلْ وَإِنْ تَأَخَّرَ دَفْنُهُ عَنْهَا الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ ح ل (قَوْلُهُ: لِحَاضِرٍ) أَيْ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْبَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ الْبَلَدِ مُجَاوِرُهَا ع ش (قَوْلُهُ: وَمِنْ الْقُدُومِ) أَيْ قُدُومِ الْمُعَزِّي أَوْ الْمُعَزَّى وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، أَمَّا عِنْدَ غَيْبَةِ الْمُعَزَّى أَوْ الْمُعَزِّي أَوْ مَرَضِهِ أَوْ حَبْسِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا كُلُّ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ فَتَبْقَى إلَى الْقُدُومِ وَالْعِلْمِ وَزَوَالِ الْمَانِعِ.

(قَوْلُهُ بِمُسْلِمٍ) أَيْ وَلَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا وَتَارِكَ صَلَاةٍ وَإِنْ قُتِلَ حَدًّا أَيْ وَلَوْ رَقِيقًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ الَّتِي فِي الْمَقَامِ أَرْبَعَةٌ: تَعْزِيَةُ مُسْلِمٍ بِمُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ وَتَعْزِيَةُ كَافِرٍ بِمُسْلِمٍ وَبِكَافِرٍ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَمُبَاحَةٌ فِي الْأَخِيرَيْنِ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْمُعَزَّى بِفَتْحِ الزَّايِ وَإِلَّا سُنَّتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَعْظَمَ) هُوَ أَفْصَحُ مِنْ عَظَّمَ خِلَافًا لِثَعْلَبٍ وَقَدَّمَ الدُّعَاءَ لِلْمُعَزَّى هُنَا لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلَهُ عَظِيمًا) وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ بِكَثْرَةِ مَصَائِبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلَهُ حَسَنًا) يَعْنِي بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَغَفَرَ لِمَيِّتِك) قَدَّمَ الْمُعَزَّى لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ وَتُكْرَهُ لِنَحْوِ تَارِكِ صَلَاةٍ وَمُبْتَدِعٍ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِهِ وَصَبَّرَكَ) وَلَا يُقَالُ وَغُفِرَ لِمَيِّتِك؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ ز ي وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَكِنْ فِي حَجّ قَبْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجِبُ غُسْلُ كَافِرٍ مَا نَصُّهُ وَيَظْهَرُ حِلُّ الدُّعَاءِ لِأَطْفَالِ الْكُفَّارِ بِالْمَغْفِرَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ بِخِلَافِ صُورَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ع ش عَلَى م ر وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ تَعْزِيَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَعْنَى وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حَجّ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيُعَزِّي كَافِرٌ) وَالْمُعَزَّى كَافِرٌ أَوْ مُسْلِمٌ ح ل (قَوْلُهُ: غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك) وَقَدَّمَ هُنَا الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ مَعَ أَنَّ الْمُخَاطَبَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِشَرَفِ الْمُسْلِمِ ح ل (قَوْلُهُ: وَأَحْسَنَ عَزَاءَك) وَلَا يَقُولُ وَأَعْظَمَ أَجْرَكَ لِكُفْرِهِ

ص: 500

وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مُحْتَرَمٌ الْحَرْبِيُّ وَالْمُرْتَدُّ فَلَا يُعَزَّيَانِ إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمَا وَلِلْمُسْلِمِ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ مُحْتَرَمٍ بِمِثْلِهِ فَيَقُولُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدَك

(وَجَازَ بُكَاءٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «بَكَى عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَ: إنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إلَّا مَا يُرْضِي رَبَّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِك يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ» . «وَبَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ» . «وَزَارَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ» رَوَى الْأَوَّلَ الشَّيْخَانِ وَالثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وَالثَّالِثَ مُسْلِمٌ وَالْبُكَاءُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ أَسَفًا عَلَى مَا فَاتَ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ بَلْ نَقَلَ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَبَرِ: «فَإِذَا وَجَبَتْ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الْمَوْتُ»

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَيَنْبَغِي لِلْمُعَزَّى إجَابَةُ التَّعْزِيَةِ بِنَحْوِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَلَعَلَّهُمْ حَذَفُوهُ لِوُضُوحِهِ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: عَزَاءَكَ) الْعَزَاءُ بِالْمَدِّ الصَّبْرُ أَوْ السَّلْوُ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مُحْتَرَمٌ إلَخْ) وَلَا يُعَزَّى الْمُسْلِمُ أَيْضًا بِالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إذَا مَاتَا شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ فَلَا يُعَزَّيَانِ) أَيْ تُكْرَهُ تَعْزِيَتُهُمَا نَعَمْ لَوْ كَانَ فِيهَا تَوْقِيرُهُمَا حَرُمَتْ وَقَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُمَا أَيْ فَإِنْ رُجِيَ فَهِيَ سُنَّةٌ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ وَلِلْمُسْلِمِ تَعْزِيَةُ كَافِرٍ) أَيْ جَوَازًا لَا نَدْبًا إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ وَإِلَّا فَنَدْبًا شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا نَقَصَ عَدَدَكَ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ كَمَا سَمِعْته مِنْ شَيْخِنَا ح ف، وَنَصْبُ عَدَدَ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَوْ رَفْعُهُ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا وَمِثْلُهُ فِي ق ل عَلَى خ ط وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: وَلَا نَقَصَ عَدَدُكَ بِنَصْبِهِ وَرَفْعِهِ مَعَ تَخْفِيفِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِهَا مَعَ النَّصْبِ اهـ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَهُوَ دُعَاءٌ بِدَوَامِ الْكُفْرِ أَيْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِتَكْثِيرِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمِنْ لَازِمِ ذَلِكَ دَوَامُ الْكُفْرِ وَمَنَعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ مَعَ كَوْنِهِمْ أَهْلَ ذِمَّةٍ بَقَاؤُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ ح ل.

(قَوْلُهُ: وَجَازَ بُكَاءٌ عَلَيْهِ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ لِخَوْفٍ عَلَيْهِ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَوْ لِمَحَبَّةٍ وَرِقَّةٍ كَطِفْلٍ فَكَذَلِكَ لَكِنَّ الصَّبْرَ أَجْمَلُ أَوْ لِصَلَاحٍ وَبَرَكَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَفَقْدِ نَحْوِ عِلْمٍ فَمَنْدُوبٌ أَوْ لِفَقْدِ صِلَةٍ وَبِرٍّ وَقِيَامٍ بِمَصْلَحَةٍ فَمَكْرُوهٌ أَوْ لِعَدَمِ تَسْلِيمٍ لِلْقَضَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِهِ فَحَرَامٌ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْبُكَاءُ عَشْرَةُ أَنْوَاعٍ: بُكَاءُ فَرَحٍ، وَبُكَاءُ حُزْنٍ عَلَى مَا فَاتَ، وَبُكَاءُ رَحْمَةٍ، وَبُكَاءُ خَوْفٍ مِمَّا يَحْصُلُ، وَبُكَاءُ كَذِبٍ كَبُكَاءِ النَّائِحَةِ فَإِنَّهَا تَبْكِي لِشَجْوِ غَيْرِهَا، وَبُكَاءُ مُوَافَقَةٍ بِأَنْ يَرَى جَمَاعَةً يَبْكُونَ فَيَبْكِي مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّبَبِ، وَبُكَاءُ الْمَحَبَّةِ وَالشَّوْقِ، وَبُكَاءُ الْجَزَعِ مِنْ حُصُولِ أَلَمٍ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَبُكَاءُ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ، وَبُكَاءُ النِّفَاقِ وَهُوَ أَنْ تَدْمَعَ الْعَيْنُ وَالْقَلْبُ قَاسٍ، فَالْبُكَى بِالْقَصْرِ دَمْعُ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ صَوْتٍ وَالْمَمْدُودُ مَا كَانَ مَعَهُ صَوْتٌ وَأَمَّا التَّبَاكِي فَهُوَ تَكَلُّفُ الْبُكَاءِ وَهُوَ نَوْعَانِ: مَحْمُودٌ وَمَذْمُومٌ فَالْأَوَّلُ مَا يَكُونُ لِاسْتِجْلَابِ رِقَّةِ الْقَلْبِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ «سَيِّدِنَا عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا رَأَى الْمُصْطَفَى وَأَبَا بَكْرٍ يَبْكِيَانِ فِي شَأْنِ أَسَارَى: أَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُبْكِيَك فَإِنْ وَجَدْت أَيْ سَبَبًا لِبُكَائِي بَكَيْت وَإِلَّا تَبَاكَيْت وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم» ، وَالثَّانِي مَا يَكُونُ لِأَجْلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَسْبَابِ الْبُكَاءِ الْعَشَرَةِ قَدْ يَرْجِعُ إلَى اثْنَيْنِ السُّرُورُ وَالْحُزْنُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ. (قَوْلُهُ: قَبْلَ مَوْتِهِ وَبَعْدَهُ) لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ عِنْدَ الْمُخْتَضِرِ ح ل.

(قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهِ إبْرَاهِيمَ) وَمَاتَ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ عُمْرُهُ إذْ ذَاكَ سَنَةً وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ وَقِيلَ سَبْعُونَ يَوْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ سَنَةٌ وَعَشْرَةُ أَشْهُرٍ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ وَحِينَ سَمَّاهُ قَالَ سَمَّيْتُهُ عَلَى اسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ لَهُ أَتَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ نَهَيْتنَا عَنْ الْبُكَاءِ فَقَالَ وَيْحَك يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنَّهُ رَحْمَةٌ وَكَنَاهُ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَبَا إبْرَاهِيمَ وَمَاتَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ بِرْمَاوِيٌّ وَق ل. (قَوْلُهُ: عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ) لَعَلَّهَا أُمُّ كُلْثُومَ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْمَوَاهِبِ وَأَمَّا أُمُّ كُلْثُومَ وَلَا يُعْرَفُ لَهَا اسْمٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِكُنْيَتِهَا فَمَاتَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَصَلَّى عَلَيْهَا صلى الله عليه وسلم وَنَزَلَ فِي حُفْرَتِهَا عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ «جَلَسَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْقَبْرِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ فَقَالَ هَلْ فِيكُمْ مَنْ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ» ، وَقَوْلُهُ: عَلَى الْقَبْرِ أَيْ قَبْرِ أُمِّ كُلْثُومَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: فَإِذَا وَجَبَتْ) أَيْ الْمُصِيبَةُ يَعْنِي الْمَوْتَ أَيْ حَصَلَتْ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَكَى عَلَى قَبْرِ بِنْتٍ لَهُ إلَخْ لِأَنَّ ذَاكَ دَلِيلُ الْجَوَازِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ خِلَافَ الْأُولَى، وَالْمَكْرُوهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْمَوْتُ) فِي الْمُخْتَارِ وَوَجَبَ الْمَيِّتُ إذَا سَقَطَ وَمَاتَ

ص: 501

رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ.

(لَا نَدْبٌ) وَهُوَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ فَلَا يَجُوزُ كَأَنْ يُقَالَ: وَا كَهْفَاهْ وَا جَمَلَاهْ وَا سَنَدَاهْ وَقِيلَ عَدُّهَا مَعَ الْبُكَاءِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) لَا (نَوْحٌ) وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ (وَ) لَا (جَزَعٌ بِنَحْوِ ضَرْبِ صَدْرٍ) كَضَرْبِ خَدٍّ وَشَقِّ جَيْبٍ. قَالَ صلى الله عليه وسلم «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ أَوْ بَدَلِ الْوَاوِ وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَعَ كَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا وَبِكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الطَّاءِ دُهْنُ شَجَرٍ يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجُرْبُ وَيُسْرَجُ بِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ بِالنَّائِحَةِ (وَسُنَّ لِنَحْوِ جِيرَانِ أَهْلِهِ) كَأَقَارِبِهِ الْبُعَدَاءِ وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ وَهُوَ بِآخَرَ (تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً) لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ (وَأَنْ يُلَحَّ عَلَيْهِمْ فِي كُلٍّ) لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ وَنَحْوُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي (وَحَرُمَتْ) أَيْ تَهْيِئَتُهُ (لِنَحْوِ نَائِحَةٍ) كَنَادِبَةٍ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْأَصْلُ فِيمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَيُقَالُ لِلْقَتِيلِ وَاجِبٌ فَقَوْلُهُ قَالَ الْمَوْتُ أَيْ حُلُولُ الْمَوْتِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ نَفْسَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: لَا نَدْبٌ وَنَوْحٌ) كُلٌّ مِنْ النَّدْبِ وَالنَّوْحِ صَغِيرَةٌ لَا كَبِيرَةٌ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ، وَفِي حَجّ هُنَا أَنَّ النَّوْحَ وَالْجَزَعَ كَبِيرَةٌ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَدُّ مَحَاسِنِهِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي مَثَّلَ بِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِحَرْفِ النُّدْبَةِ فَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ نَعِيِّ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ عَدُّ الْمَحَاسِنِ لَكِنْ لَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ) الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فَالْبُكَاءُ وَحْدَهُ لَا يَحْرُمُ وَعَدُّ الشَّمَائِلِ مِنْ غَيْرِ بُكَاءٍ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ نَعِيُّ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَحْرُمُ تَعْدَادُ الشَّمَائِلِ إلَّا إنْ قَارَنَهُ الْبُكَاءُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ ح ل وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَعِيَّ الْجَاهِلِيَّةِ مَكْرُوهٌ وَالشَّمَائِلُ جَمْعُ شِمَالٍ بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ مَا اتَّصَفَ بِهِ الشَّخْصُ. اهـ. ز ي وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ عَدُّهَا مَعَ الْبُكَاءِ كَوَاكَهْفَاهُ وَاجَبَلَاه لِمَا سَيَأْتِي وَلِلْإِجْمَاعِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُحَرَّمُ النَّدْبُ لَا الْبُكَاءُ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْمُحَرَّمِ بِجَائِزٍ لَا يُصَيِّرُهُ أَيْ الْجَائِزَ حَرَامًا خِلَافًا لِجَمْعٍ وَمِنْ ثَمَّ رَدَّ أَبُو زُرْعَةَ قَوْلَ مَنْ قَالَ يَحْرُمُ الْبُكَاءُ عِنْدَ نَدْبٍ أَوْ نِيَاحَةٍ أَوْ شَقُّ جَيْبٍ أَوْ نَشْرُ شَعْرٍ أَوْ ضَرْبُ خَدٍّ فَإِنَّ الْبُكَاءَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَهَذِهِ الْأُمُورُ مُحَرَّمَةٌ مُطْلَقًا.

اهـ وَلَا بَأْسَ بِالرِّثَاءِ بِالْقَصَائِدِ كَقَوْلِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ بِنْتَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -

مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ

أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا

صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا

صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى تَجْدِيدِ حُزْنٍ أَوْ تَأَسُّفٍ أَوْ مُجَاوَزَةِ حَدٍّ وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ إلَّا بِمَا أَوْصَى بِهِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا جَزَعٌ) فِي الْمُخْتَارِ الْجَزَعُ ضِدُّ الصَّبْرِ وَبَابُهُ ضَرَبَ (قَوْلُهُ: كَضَرْبِ خَدٍّ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِاللَّطْمِ وَكَذَا التَّضَمُّخُ بِنَحْوِ رَمَادٍ، وَصَبْغٌ بِسَوَادٍ فِي مَلْبُوسٍ، وَفِعْلُ كُلُّ مَا يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَضَرْبِ يَدٍ عَلَى أُخْرَى عَلَى وَجْهٍ يَدُلُّ عَلَى إظْهَارِ الْجَزَعِ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ وَشَقُّ جَيْبٍ) أَيْ جَيْبِ الثَّوْبِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الرَّأْسُ كَمَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ وَمَتَى حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِثْمُهُ عَلَى فَاعِلِهِ أَوْ قَائِلِهِ وَلَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ مَدْخَلٌ كَأَنْ أَوْصَى بِهِ وَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ» فَإِنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ بِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ إثْمُ الْأَمْرِ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ ح ل (قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا أَوْ طَرِيقَتِنَا شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ ذَكَرَ فِي تَأَسُّفِهِ مَا تَذْكُرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي تَأَسُّفِهَا عَلَى مَا فَاتَ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: جِيرَانِ أَهْلِهِ) أَضَافَ الْجِيرَانَ إلَى أَهْلِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِيرَانُ أَهْلِهِ لَا جِيرَانُ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَأَهْلُهُ بِآخَرَ اُعْتُبِرَ جِيرَانُ أَهْلِهِ سم. (قَوْلُهُ: كَأَقَارِبِهِ الْبُعَدَاءِ) وَكَذَا مَعَارِفُهُ وَلَوْ غَيْرَ جِيرَانٍ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ إلَخْ) وَيَجْرِي فِي هَذَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي النُّقُوطِ فَمَنْ فَعَلَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ شَيْئًا يَفْعَلُونَهُ لَهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا حَجّ (قَوْلُهُ: يَوْمًا وَلَيْلَةً) أَيْ مِقْدَارَ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْجِيرَانُ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ يَقْضِي الْعُرْفُ بِتَنَاوُلِ أَهْلِهِ مَا يَكْفِيهِمْ لَا يُسَنُّ لَهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيَةِ حَيْثُ تُشْرَعُ بَعْدَ الْعِلْمِ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسْكُنُ فِيهَا الْحُزْنُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا جَبْرُ خَلَلِ الْبِنْيَةِ وَقَدْ زَالَ وَثَمَّ بَقَاءُ الْوُدِّ بِالتَّعْزِيَةِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ح ل (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلٍ) وَلَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إذَا عَرَفَ أَنَّهُمْ يَبَرُّونَ قَسَمَهُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لِنَحْوِ نَائِحَةٍ) أَيْ وَلَوْ مِنْ أَهْلِهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا يَشْغَلُهُمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ شَاذٌّ شَوْبَرِيٌّ.

ص: 502

وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْكَرْكِ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ وَسُكُونُ الْهَمْزَةِ) وَيَجُوزُ قَلْبُهَا وَاوًا كَمَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّوْبَرِيُّ (قَوْلُهُ مَوْضِعٌ) أَيْ قَرْيَةٌ أَوْ قَلْعَةٌ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: الْكُرْكِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ع ش اط ف وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِهَا وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِمَّا يُسَمَّى بِالْكَفَّارَةِ، وَمِنْ صُنْعِ طَعَامٍ إلَى الْأَرْبَعِينَ لِاجْتِمَاعٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ، وَمِنْ الذَّبْحِ عَلَى الْقَبْرِ، وَمِنْ الْوَحْشَةِ وَالْجَمْعِ وَالْأَرْبَعِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ إنْ كَانَ مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 503