الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالقِسْمُ الثَّانِي: وهُوَ الخَفِيُّ
المُدَلَّسُ
؛ بفتحِ اللَّامِ، سُمِّي بذلك لكونِ الرَّاوي لم يُسَمِّ مَنْ حَدَّثَهُ، وأَوْهَمَ سَماعَهُ للحَديثِ مِمَّن لم يُحَدِّثْهُ بهِ.
[قوله]
(1)
: «المُدَلَّسُ
…
إلخ»:
بفتح اللام، ولا يَخفى أنَّ المقْسم هو السَّقط؛ فيصير المعنى: والسَّقط الخفيُّ المدلَّس، ولا يخفى أنَّ هذا الحمل غيرُ حقيقي؛ إذ المدلَّس حقيقتُه: هو الإسناد الذي وقع فيه السَّقط الخفيُّ لا السَّقط الخفيُّ.
[قوله]
(2)
: «والقِسْم الثاني
…
إلخ»:
قال (ق)
(3)
: «القِسم الثاني: السَّقط الخفي، والمدلَّس: هو الإسناد الذي وقع فيه السَّقط؛ فلا يكون الحَمْل حقيقيًّا» انتهى، ولا يخفاك أنَّ التقدير فيه وفي أمثاله: ومحلُّ القِسمِ الثاني، وهو السَّنَد الذي فيه السقطُ الخفي: المدَلَّس، وقِسْ على هذا نظائرَه ولا تَهِم، قاله (هـ)
(4)
.
[قوله]
(5)
: «لم يُسَمِّ مَنْ حَدَّثَهُ» :
أي: بذلك الحديثِ، والحامل له على عدم تسميته: إمَّا صِغَرُه، وإمَّا ضَعفُه.
[قوله]
(6)
: «وأَوْهَمَ» :
عطفٌ على «لم يُسَمَّ» ، و «سماعَه» مفعول ثان لـ:«أوهَم» ، ومفعوله الأول:
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 83).
(4)
قضاء الوطر (2/ 985).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
محذوف، والتقدير: وأوهَم مَن رواهم أو الآخذين عنه [سماعه]
(1)
الحديث
…
إلخ، وهو صادقٌ بأنْ يكون بصيغة معيَّنة أو لا، وهو الحقُّ؛ فيدخل قول ابن خشرم
(2)
: «كنا عند ابن عُيَيْنَةَ فقال: الزُّهْريُّ، فقيل له: حدثَّك الزُّهْريُّ؟ فَسَكتَ، ثُمَّ قال: قال الزُّهْريُّ، فقيل له: سمعتَه من الزُّهْريِّ؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزُّهْريِّ، ولا مِمَّن سمِعَه من الزُّهْريِّ؛ حدَّثَني عبدُ الرزَّاق، عن [مَعْمَر]
(3)
، عن الزُّهْريِّ» رواه الحاكم. قال المؤلِّف: وهو من تدليس الإسناد، ويسمَّى: تدليسَ القطع، لكنَّه مثَّل له بما رواه ابنُ عَدِيٍّ وغيرُه عن الطَّنافِسيِّ أنَّه كان يقول: حدَّثَنا ثُمَّ [يسكت]
(4)
وينوي القطعَ، ثُمَّ يقول: هشامُ بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. ومنه: تدليس العَطف، وهو أن يُصرِّح بالتحديث عن شيخ له، ويعطف عليه [شيخًا]
(5)
آخَرَ له ولا يكون سَمِع ذلك المرويَّ منه، مثاله: ما رواه الحاكم في «علوم الحديث»
(6)
له، قال: «اجتمع أصحاب هُشَيمٍ فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئًا مما يدَلِّسه، ففطِن لذلك، فلما جَلس قال: حدثنا حُصين ومُغيرةُ عن
(1)
زيادة من (ب).
(2)
معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص 105).
(3)
في (هـ): [عمر].
(4)
في (ب) و (هـ): [سكت].
(5)
في (هـ): [سخا].
(6)
معرفة علوم الحديث، للحاكم (ص 105).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إبراهيمَ، وساق عدةَ أحاديثَ، فلمَّا فرغ قال: هل دلَّستُ لكم شيئًا؟ قالوا: لا، فقال: بلى، كلُّ ما حدثْتُكم عن حُصين فهو سماعي، ولم أسمع من مُغيرة [من ذلك شيئًا]
(1)
». ومع ذلك هو محمول على أنَّه نوى القطع ثُمَّ قال: «وفلان، أي: في حديثِ فلان، أو
(2)
قال فلان» وإلا لكان كذابًا، والكلام مفروض في تدليس الثقة. فإن قُلْتَ: ظاهر كلامهم كقول المؤلِّف الآتي: «ويرد بصيغة تحتمل اللُّقي» أنَّه للتدليس من صيغة، قُلْتُ: نعم، لكنَّه لا يفيد قَصْرَه على صيغة بعَيْنِها ملفوظة، كما نعرفه من قول المؤلِّف:«كعن رواية» جري على الغالب، كما يُصرِّح به قولهم عن تدليس الإسناد: أنْ يُسْقِط الراوي أداة الرواية مقتصرًا على اسم الشيخ، ويفعلُه أهل الحديث كثيرًا ومثَّلوا له بما ذكرناه. «ممن لم يُحَدِّث به» أي: بذلك الحديثِ الذي دلَّس فيه، وأمَّا أصل اجتماعه به فأمرٌ لا بُدَّ منه، كما يأتي للشارح بعد ذلك خِلافًا لِما أوهمه كلامُ ابن الصَّلاح.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (ب)[و].
وَاشْتِقاقُهُ مِنَ الدَّلَسِ -بالتَّحريكِ- وهُوَ اختلاطُ الظَّلامِ بالنُّورِ، سُمِّيَ بذَلكَ لاشتراكِهِما في الخَفاءِ، ويَرِدُ المُدَلَّسُ بِصِيغَةٍ مِن صيغِ الأداءِ تَحْتَمِلُ وُقُوعَ اللُّقِيِّ بَيْنَ المُدَلِّسِ ومَنْ أَسنَدَ عنهُ؛ كَعَنْ، وَكَذَا قَالَ.
[قوله]
(1)
بفتح الدال، فإن قُلْتَ: المصدَرُ الدائرُ على ألسنة المحدِّثين: التدليس، (أ/103) فهلَّا وقع الاشتقاقُ منه؟ قُلْتُ: لم يَشْتَقُّوه منه؛ لأنَّه مَزيدٌ، والدَّلَس مُجَرَّد، والاشتقاق -على الراجح- لا يكون إلا من المصدر المجرَّدِ ملفوظًا كان أو مقدَّرًا، حتى قال الصَّرْفيُّون: إنَّ المصدر (هـ/120) المَزيد مشتَقٌّ من/المصدر المجرَّد، كالقعود من القعد، والدخول من الدخل، على أنَّ التدليس لُغةً: كَتْمُ العيب في مَبِيع [و]
(2)
نحوه؛ فلا يطَّرد في جميع مواقع المدلَّس، بخلاف الدَّلَس بالمعنى المذكور؛ فإنَّه مُطَّرِدٌ فيها؛ لأن الراويَ كأنَّه لتغطيته الحديثَ على الواقف عليه أظْلَمَ أمْرَه وأوقعه في الحَيرة فيه.
[قوله]
(3)
: «وهُو اخْتِلاطُ
…
إلخ»:
أي: الاختلاط الحاصل بسبب الظلام، كما يفيده كلام بعضهم، فإنَّه قال في قوله:«لاشتراكها في الخفاء» ؛ لخفاء الساقط [في]
(4)
الإسناد المدلَّس، وخفاء
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب): [أو].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [فمن].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشواخص ونحوها باختلاط الظلام.
وقال (هـ)
(1)
: والظاهر أنَّ المراد بـ «اختلاط [الظلام]
(2)
»: امتدادُه وغباؤه وهو الظلمة، ونائب فاعل «سُمِّي»: راجعٌ للسَّنَدِ المدَلَّس وللحديث المدلَّسِ في سنده، وضمير «اشتراكهما»: راجع له وللظلام أو لاختلاطه.
[قوله]
(3)
: «ويَرِدُ المُدَلَّسُ
…
إلخ»:
فإن قُلْتَ: جَعْل المُدلَّس من أقسام ما فيه السَّقطُ يخالف قول العراقي
(4)
:
وصَحَّحُوا وَصْلَ معنعَنٍ سَلِمْ
…
من دُلْسةِ رَاوِيهِ، واللِّقا عُلِمْ
وبعضُهُم حَكَى بذا إجماعَا
…
ومُسْلِمٌ لم يَشْرِطِ اجتِماعَا
لكنْ تَعاصُرًا
…
إلخ.
فقد جَعل المُعَنْعَنَ من الموصول، وهو مقابل لِما وقع السَّقط في إسناده، قُلْتُ: قد قُيِّد جَعْلُه من الموصول بسلامة راويه من التدليس، وما هنا مفروض في من راويه مدلِّس.
وقوله: «يحتمل اللقاء» :
الأَولى أنْ يقول: يحتمل السماع، كما صرَّح به النواويُّ وغيرُه من أهل
(1)
قضاء الوطر (2/ 982).
(2)
في (هـ): [الطلام].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
ألفية العراقي (ص 105).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفنِّ، وقال (هـ)
(1)
: وقوله: «بصيغة» تقدَّم ما فيه، وأنَّه جرى على الغالب.
وقوله: «تَحْتَمِل وُقُوعَ اللُّقِيِّ» :
إنما اشترِط ألَّا تكونَ صريحةً في الاتِّصال؛ لئلَّا يصيرَ كذبًا، كما قاله بعدُ، والمراد باللقاء
(2)
: التحدِّيث؛ فالأولى التعبير بالسماع، ويمكِن منعُ دعوى الأولوية؛ فإنَّ اللُّقيَّ صار عُرفًا كنايةً عن السَّماع، وبهذا عُرف أنَّ اللقاء أمرٌ لا بُدَّ منه، وإنَّما الاحتمالُ في السماع منه.
وقوله: «كعَنْ، وكَذا: قَالَ» :
ومثله: فَعَل [فلان]
(3)
، كذا عند الجمهور، ومِثل ذلك إسقاط أداة الرواية، كما في قول سُفْيانَ الآتي: «الزُّهْريّ
…
إلخ»، ولعلَّ حِكْمةَ قوله في الشرح:«كذا» بيانُ أن «قال» إنَّما أُلْحِقت بـ «عن» ؛ لِما فيها من احتمال عدم السَّماع، أمَّا مع «لي» نحو:«قال لي» فصريحة، وإن غَلَب استعمالها في المذاكرة دون التحديث.
(1)
قضاء الوطر (2/ 989).
(2)
الكلام للبقاعي كما في قضاء الوطر (2/ 989).
(3)
زيادة من (ب).
ومَتَى وقَعَ بصيغةٍ صريحةٍ لا تَجَوُّزَ فيها، كَانَ كذِبًا.
وحُكْمُ مَنْ ثَبتَ عنهُ التَّدليسُ إِذا كَانَ عَدْلًا: أَلَّا يُقْبَلَ منهُ إِلَّا ما صرَّحَ فيهِ بالتَّحديثِ على الأصحِّ.
[قوله]
(1)
: «ومتى وقَعَ بصيغةٍ لا تَجَوُّزَ فيها» :
أي: نحو حدَّثَني، وأمَّا ما فيها تجوُّزٌ فهي من المُحتمل، قال المؤلِّف: «أردتُّ بالتجوز نحو: قال الحسن: حدثنا ابن عباس على مِنبَرِ البصرة، فإنَّه لم يَسمَعْ منه، وإنما أراد أهلَ البصرة الذين هو
(2)
منهم، [وقول ثابتٍ البُنانيِّ: خطبنا عمر بن عِمران بن حصين» انتهى]
(3)
، وضابط ذلك أنْ يجمعَ الراوي الضمير ويَقْصِدَ: أهل بلدة، أو أقاربه، أو المشاركين له في صفةٍ ما، ويدل للجواز قولُ الرجل الذي يقتله الدجَّال:«أشهدُ أنك الرجُلُ الذي حدَّثَنا به رسولُ اللهِ» أي: حدَّث الأمَّة الذين أنا منهم.
وقال (هـ)
(4)
: قوله: «لا تَجَوُّزَ فيها» أي: لم يَصحَبها قَصْدُ تجوُّزٍ في ملاحظة العَلاقة، أمَّا إذا صَحِبَها ذلك فلا كذب ولو كانت صريحة في السماع، وأمَّا حديثُ الحَسَنِ الذي نقله (ق)
(5)
عنه فرواه الشافعيُّ، عن إبراهيم بن محمد: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن الحسن قال: «خَسَفَ القمرُ وابنُ عباسٍ بالبصرة، فصلَّى بنا ركعتين، في كل ركعة ركعتان،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في ب [هم].
(3)
زيادة من (ب).
(4)
قضاء الوطر (2/ 990).
(5)
حاشية ابن قطلوبغا (ص 83).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلما فرغ خطَبَنا وقال: صليتُ بكم كما رأيت الرسولَ يصلي بنا»
(1)
، قال شيخنا في «تخريج أحاديث الرافعي»: «وإبراهيم ضعيف
(2)
(هـ/121) وقول الحسن: «خَطَبَنا» لا يصحُّ؛ فإنَّ الحَسَنَ لم يكن بالبَصرة لما كان ابن عباسٍ بها، وقيل: إنَّ هذا من تدليساته، وأنَّ قوله:«خَطبنا» أي: خطب أهل البصرة
…
إلخ».
[قوله]
(3)
: «وحُكْمُ مَن ثَبَتَ
…
إلخ»:
هذه مسألة زائدةٌ على كلام المؤلِّف، ومقابِلُ «على الأصحِّ»: الردُّ (أ/104) للقول بعدم قَبوله ولو صرَّح بالتحديث، كذا نقل عن المؤلِّف وانظره، مع أنَّهم صرَّحوا أنَّ التدليس أخو الكذب.
وقال (هـ)
(4)
قوله: «إلَّا ما صرَّحَ فيهِ بالتَّحديثِ» أي: ولو في بعض الطرق عنه ولو لم يكن ذلك الطريق عند من نقل حديثه ذلك، ومراده بالتحديث: أنْ يؤدي بصيغة صريحة في الاتصال كما علمتَ، كحدَّثَنا وسمِعتُ وأخبَرَنا، وإنَّما قُبِل منه ما كان كذلك؛ لأنِّ التدليس ليس كذِبًا، وإنَّما هو تحسينٌ لظاهر الإسناد، وضربٌ من الإبهام بلفظٍ مُحتمل، فإذا صرَّح بوصله قُبِل؛ لعدم استجازته الكذبَ.
(1)
مسند الشافعي (ص 78)، بلفظ (أن القمر كسف).
(2)
التلخيص الحبير (2/ 217).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (2/ 991).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «على الأصَحِّ» :
هو قول الأكثرين من المحدِّثين والفقهاء والأصوليين، ومنهم الإمام الشافعيُّ
(2)
، وصحَّحه الخطيب
(3)
، وابن الصَّلاح
(4)
ولم يَعْزُه للأكثرين، و مقابِل الأصحِّ أقوال:
أحدها: يُرَدُّ حديثُهم مُطْلَقًا، سواءٌ غيّروا الاتصال أم دلَّسوا عن الثقات أم غيرهم، نَدَرَ تدليسهم أم لا، وبه قال جمعٌ من المحدِّثين والفقهاء حتى بعض مَن يحتج بالمرسَل؛ لأنَّ التدليس جَرْحٌ؛ لِما فيه من التهمة والفسق.
ثانيها: يُقبَلُ حديثه مُطْلَقًا، كالمرسَل عند مَن يحتج به
…
إلخ.
تنبيه:
كلام الشرح والأصل ليس فيه إلَّا تدليس الإسناد، وهو: أن يَرويَ عمَّن لَقِيَه أو سَمِع منه ما لم يسمعْ منه مُوهِمًا أنَّه سمِعه منه، وسكتَ عن تدليس الشُّيوخ، وهو: أن يَصِفَ الشيخ الواحدُ الذي سمِع منه ذلك الحديثَ بما لا يكون معروفًا به ولا مشهورًا؛ من: اسم أو لقب أو كنية أو نسبة إلى قبيلة أو بلدة أو صَنعة، والحامل عليه مقاصدُ:
إمَّا ضَعفٌ في المرويِّ عنه.
وإمَّا صِغرُه عند المدَلِّس، بأنْ يكون أصغرَ من المدلِّس، أو أكبرَ منه لكن بيسير، أو بكثير لكن تأخَّرتْ وفاتُه حتى شارَكه في الأخذ مَن هو دونه، وملخَّصه: أن يستكبر المدلِّسُ عن الرواية عنه لشيء من هذه الأمور.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
الرسالة للشافعي (1/ 378).
(3)
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 357).
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 159).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وإمَّا لإيهام المدَلِّس أنَّه يروي ذلك الحديث عن عدة شيوخ، كما كان الخطيب يفعله، وفعَلَه أيضًا أبو بكر بن مجاهد المقرئُ، فقد قال: حدَّثَنا عبد الله ابن أبي عبد الله، يريد به: الحافظ عبد الله بن أبي داود السِّجِسْتانيَّ.
كما سكتَ أيضًا عن تدليس التَّسوية، المعبَّر عنه عند القدماء بـ: التجويد، فحيث قالوا: جوَّد فلانٌ الإسنادَ، فإنما يريدون: ذكَرَ فيه من الأجواد وحذَفَ الأدنياء، وهو أن يرويَ حديثًا عن ضعيف بين ثقتين لَقِيَ أحدُهما الآخَرَ، فيُسقط المدلِّسُ الضعيفَ، ويروي الحديث عن شيخه الثقة عن الثقة الثاني، ولعله إنَّما سكت عنهما؛ لرجوع الأول للرواية عن المجهول، والثاني لتدليس الإسناد كما صرح به المؤلِّف في الثاني، حيث جعَلَه نوعًا من تدليس الإسناد
…
إلخ.
ثُمَّ إنَّه يثبت التدليسُ بمَرةٍ، فمن عُرف به مَرةً لا يُقبَلُ مع ما تُقبل من أهل النصيحة في الصِّدق، حتى يقول: سمِعتُ أو حدَّثَني، وذلك بثبوت تدليسه مرة صار ذلك ظاهر حاله في مُعَنعَناتِه، كما أنَّه بثبوت اللقاء مَرةً صار ظاهرُ حالِه السَّماعَ، كما قاله الشافعيُّ، ويؤخَذُ من كلامه أنَّه في تدليس الإسناد، وعليه حمله بعضُهم، والظاهر أنَّه لا فرق بينه وبين بقية الأقسام.
ثُمَّ إنَّ التدليس بسائر أقسامه مذمومٌ؛ فقد روى الشافعيُّ
(1)
عن شُعبةَ بنِ الحَجَّاج أنَّه قال: التدليسُ أخو الكذب. ومراتبُ الذمِّ فيه متفاوتةٌ، انظر شرح الألْفيَّة
(2)
. (هـ/122)
(1)
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص 355)، حلية الأولياء (9/ 107).
(2)
شرح التبصرة والتذكرة (1/ 240)، فتح المغيث (1/ 236)، فتح الباقي (1/ 229)، شرح ألفية العراقي لابن العيني (ص 117).