الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالَ عَبْدُ العزيزِ بنُ محمَّدٍ الدَّراوَردِيُّ: حَدَّثني بهِ رَبيعةُ بنُ أَبي عبدِ الرَّحْمنِ، عن سُهَيْلٍ، قَالَ: فَلقيتُ سُهَيلًا، فسأَلتُهُ عَنهُ؟ فَلَمْ يَعْرِفْهُ، فقُلْتُ له: إِنَّ ربيعةَ حَدَّثني عنكَ بكَذَا، فَكانَ سُهَيْلٌ بعدَ ذَلكَ يقولُ: حدَّثني رَبيعةُ عنِّي أَنِّي حَدَّثتُه عن أَبي بهِ.
وَنَظائِرُهُ كَثيرةٌ.
وَإِن اتَّفَقَ الرُّوَاةُ في إِسنادٍ مِنَ الأَسَانيدِ في صِيَغِ الأَداءِ؛ كَـ: سَمعتُ فُلَانًا، قَالَ: سَمعتُ فُلانًا
…
أَوْ: حدَّثنا فُلانٌ؛ قَالَ: حدَّثنا فُلَانٌ
…
وغَيرِ ذَلكَ من الصِّيَغِ، أَوْ غَيْرِها مِن الحَالاتِ القَوْليَّةِ؛ كـ: سَمعتُ فُلَانًا يَقُولُ: أُشْهِدُ اللهَ لقد حدَّثَني فُلَانٌ
…
إِلخ، أَو الفِعليَّةِ؛ كقولِهِ: دَخَلْنا عَلَى فُلَانٍ، فأَطْعَمَنا تَمرًا
…
إِلخ، أَو القَوْليَّةِ والفِعليَّةِ معًا؛ كقولِهِ: حدَّثَني فُلَانٌ وَهُوَ آخِذٌ بلحْيَتِهِ، قَالَ: آمَنْتُ بالقَدَرِ
…
إلخ؛ فَهُو
المُسَلْسَلُ
.
وَهُوَ مِن صِفَاتِ الإِسنادِ.
[قوله]
(1)
: «قال عَبْدُ العَزِيزِ
…
إلخ»:
قال (ق): «إنْ كان هذا لفظ القِصَّة مِنْ غير تصرُّفٍ؛ فكان حقُّ سُهَيلٍ أن يقول: حدثني الدَّارَوَرْدِيُّ، عن رَبِيعَة، عني أنِّي حدَّثته، عن أبي» انتهى. وممَّا يدلُّ على التصريف في القصَّة -أي: في بعض طرقها-: حدَّثني رَبِيعَةُ وهو عندي ثقة، وبعضهم يُسْقِطُه، قاله (هـ)
(2)
.
وفي كتابة: قوله: «حدَّثني عليك بكذا» ؛ كان الأنسب: حدَّثني عنك به.
[قوله]
(3)
: «فَلَمْ يَعْرِفْهُ» :
قال كالدَّارَوَرْدِيِّ: إنَّ سبب عَدَم معرفة سُهيلٍ له: أنَّه كان أصابته علَّةٌ أذهَبتْ بَعضَ عَقْلِه ونَسِيَ بعضَ حديثه.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (3/ 1418) وما بعدها.
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «حدَّثَني رَبِيعَةُ عَنِّي
…
إلخ»:
أنتَ خبير بأنَّ الواقع أنَّ الذي حدَّثه إنَّما هو عبد العزيز عن رَبيعَة عن نفسه؛ فكان حقُّ سُهيلٍ أنْ يقول: حدَّثَني عبد العزيز الدَّارَوَرْدِيُّ عن ربيعة عني أني حدَّثته
…
إلخ، وكون سهيل لَقِيَ رَبيعَةَ وحدَّثه ليس في الكلام ما يدلُّ عليه، ثُمَّ رأيتُ للشَّيخ العراقيِّ ما يُفيدُ أنَّ رَبيعَة حدَّث سُهَيْلًا به، وأنَّ الدَّارَوَرْدِيَّ لمَّا ذَكَر ذلك لسُهَيلِ، أي: ذكر له أنَّ رَبيعَة حدَّث عنه بذلك؛ فقال سُهَيلٌ: أخبرني ربيعة وهو عنده ثقة، أنِّي حدَّثْته إياه ولا أحفظه، فقد حَذَف المؤلِّفُ هنا قولَ سُهَيلِ للدَّارَوَرْدِيِّ: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أي حدَّثْته إياه ولا أحفظه، وكان مَحِل ذكره بعد قوله:«حدَّثني عنك بكذا» وقبْلَ قوله: «فكان سُهيلٌ
…
إلخ» قاله (ج)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «ونظائرُهُ كَثِيرَةٌ» :
منها رواية الخطيب عن مُعتمِر بن سليمانَ قال: حدَّثَني أبي، قال: حدَّثْتني أنت عني، عن أيوب، عن الحسن قال:«ويح كلمة رحمة»
(4)
. (هـ/197) قال ابن الصَّلاح
(5)
والنَّوويُّ
(6)
: هذا مثال طريفٌ يجمع أنواعًا من العلم؛ منها: رواية الأبِ عن ابنه، ورواية الأكبر عن الأصغر، ورواية التابعيِّ عن تابعيِّه، ورواية ثلاثة تابعين بعضهم عن بعضٍ، وأنَّه حدَّث واحدٌ عن نفسه، قالا: وهذا في غاية الحُسْن والغَرَابَة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 459).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
مقدمة ابن الصلاح (313).
(6)
تدريب الراوي (2/ 727).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «في إسناد» :
ظرْفٌ مستَقَرٌّ وَقَع حالًا أو صفةً بتقدير التَّعَلُّق، وقوله:«في صِيَغِ الأدَاءِ» لغوٌ، مُتَعَلِّقٌ بـ:«اتَّفَقَ» .
وقال (ج)
(2)
: ما نصُّه: المراد بالإسناد حكاية طريق المَتْن، وقوله:«في صِيَغِ الأدَاء» بَدلٌ من قوله: «في إسناد
…
إلخ»، وهذا تقدير يقتضي أنْ يكون قوله في المَتْن:«في صِيَغِ الأداءِ» بدلًا (أ/178) من شيء غير مذكور فيه.
وقوله: «كسَمِعْتُ فُلانًا يقولُ: أشْهَدُ بالله
…
إلخ»:
الحالة القوليَّة هي قوله: «أشهد بالله» ، وقال (هـ)
(3)
:
ما نصه: وأشار بقوله: «كسَمِعْتُ فُلانًا» إلى أنَّه لا بُدَّ أنْ تَتَّحِد صيغة أدائهم لفظًا من أوَّل السَّنَد
…
إلخ، خِلافًا للحاكم حيث جعل منه: أنْ تكون ألفاظ الأداء من جميع الرواة دالَّةً على الاتصال وإن اختلفت، كقول بعضهم: سمعت، وبعضهم: أخبرنا، وبعضهم: حدثنا، وما قاله الشَّارح هو ما عليه الأكثرون. ومن المُسَلْسَل بالحالات القوليَّة قوله عليه الصلاة والسلام لمُعاذٍ:«إنِّي أُحِبُّك؛ فقُل [في] دُبُرِ كلِّ صلاةٍ: اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسْنِ عبادتِكَ»
(4)
؛ فإنَّه مُسَلْسَلٌ بقول كلٍّ من الرُّواة: إنِّي أحبُّك فَقُلْ.
[قوله]
(5)
مِنْ أوَّل سَنَدِه إلى أنْ قال النبيُّ أيضًا: «أشهد بالله لقد حدَّثني جبريل، وقال:
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 460).
(3)
قضاء الوطر (3/ 1422).
(4)
أحمد (22119)، وأبو داود (1522)، وابن خزيمة (751)، والبيهقي في الكبرى (751).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أشهد بالله لقد حدَّثني ميكائيل، وقال: أشهد بالله لقد حدَّثني إسرافيل عن اللوح المحفوظ، أنَّه يقول الله تبارك وتعالى: شارب الخمر كعابد وثن»
(1)
.
ومن المُسَلْسَل بالفعل: قَولُ أبي هريرة فَشَبَّكَ بيدي أبو القاسم عليه الصلاة والسلام وقال: «خلق الله الأرض يوم السبت» الحديثَ
(2)
؛ فإنه مُسَلْسَل بتشبيك
(3)
كُلٍّ من رواته يَدَهُ بيد من روى عنه.
ومن المُسَلْسَل بالفعل والقول: حديث أنسٍ: «لا يجد العبدُ حلاوة الإيمان حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحلوه ومره» ، قال:«وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على لحيته، وقال: آمنت بالقدر»
(4)
؛ فإنَّه مُسَلْسَل بقَبْضِ كلٍّ منهم على لِحْيَتِه مع قوله: «آمنت بالقدر» .
قال ابن الصَّلاح
(5)
: «ومن فضيلة المُسَلْسَل: اشتماله على مَزِيد الضبط من الرواة» ، قال:«وخَيْرُ المُسَلْسَلات: ما فيه دِلَالَةٌ على اتصال السَّماَع وعدم التدليس، ولا يكاد المُسَلْسَل يَسْلَم في وَصْفه من ضَعْفٍ، أمَّا في أصل المَتْن فليس بلازمٍ» .
(1)
أبو نعيم في الحلية (3/ 204)، والفاسي في الأحاديث المسلسلات (44 (.
(2)
البيهقي في الأسماء والصفات (813).
(3)
في (ب): [بتشكيك].
(4)
أبو طاهر السِّلَفي في الطيوريات (2/ 352)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 31 - 32).
(5)
مقدمة ابن الصلاح (ص 443).
وقَدْ يَقَعُ التَّسلسُلُ في مُعْظمِ الإِسْنَادِ؛ كحَدِيثِ المُسَلْسَلِ بالأوَّليَّةِ، فَإِنَّ السِّلْسِلَةَ تَنْتَهي فِيهِ إِلى سُفْيانَ بْنِ عُييْنَةَ فَقَطْ، وَمَنْ رَواهُ مُسَلْسَلًا إِلى مُنْتَهاهُ، فَقَدْ وَهِمَ.
وَصِيَغُ الأَدَاءِ المُشَارُ إِليها عَلَى ثمانِ مَراتِبَ:
الأُولَى: سَمِعْتُ وحَدَّثَني.
[قوله]
(1)
: «كَحَدِيثِ المُسَلْسَلِ بالأَوَّلِيَّةِ» : كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي: «الراحمون يرحمهم الرحمن»
(2)
؛ فإنَّه إنَّما صحَّ تسَلْسُله إلى سفيان بن عُيَيْنَة، وانقطَع فيمن فوقه خلافًا لمن وصله من الرواة؛ إذ لم يصحَّ، قال الشَّارح:«قد روي الحديث المُسَلْسَل بالأوَّليَّة من ثلاث طرق من أوله إلى منتهاه بالثلاثة وهو من أصحِّ مُسَلْسَلٍ يُرْوَى في الدُّنيا المُسَلْسَلُ بسورة الصَّفِّ»
(3)
، قال الحافظ السيوطي
(4)
(5)
.
[قوله]
(6)
: «المُشار إليها
…
إلخ»: إشارة إلى أنَّ «ال» في «الأداء» للعهد الذكري.
وقوله: «على ثَمَانِي
…
إلخ»:
لو أسقط «على» ؛ لكان أولى كما مَرَّ مرارًا، وقد اخْتَصَر هنا اختصارًا عجيبًا؛ حيث ضمَّن التَّكَلُّم على صِيَغِ الأداء وُجوه التَّحَمُّل، وهي ثمانية أيضًا
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
أحمد (6494)، وأبو داود (4941)، والترمذي (1924)، و الحاكم (7274).
(3)
شرح النووي على مسلم (1/ 29)، وينظر: فتح المغيث (4/ 41).
(4)
تدريب الراوي (2/ 643).
(5)
في (أ) زيادة [وبعد أنْ ظهر أنَّ أو فيما قَبله لمَنْعِ الخُلُو لا لمَنْعِ الجَمْعِ].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كما سيأتي، وما جَمعه مع ما قبله بالواو فهو في مرتبةٍ واحدة، وما ابتداه بثُمَّ كانت مَرْتبته دون مَرْتبة ما قبله، واختَصَر المحدِّثون في الكتابة دون اللفظ «حدَّثنا» على «ثنا» وهو المشهور، وبعضهم يختصرها على «نا» ، وبعضهم على «دثنا» ، واختصروا (هـ/197) أيضًا «أخبرنا» على «أنا» وهو المشهور، وبعضهم على «أرنا» بحذف الخاء والباء، واختصرها البَيهقيُّ على «أبنا» .
قال شيخ الإسلام
(1)
: ويُخْتَصر «حدَّثني» على «ثني» أو «دثني» دون «أخبرني» ودون «أنبأنا» و «أنبأني» ، وبعضهم يَرْمُز «قال» الواقعة في الإسناد بصورة «ق»
(2)
.
قال ابن الصَّلاح
(3)
: وحَذْفُها برمَّتها خطأٌ عند المحدِّثين، ولا بُدَّ من النُّطق بها حال القراءة، لكن قال في «فتاويه»
(4)
: «إن الصحيح أنَّ عدم النُّطق بها حال القراءة لا يُبْطِل السَّماع وإنْ أخطأ فاعله» ، وجَزَمَ به النَّوويُّ في «شرح مُسْلِمٍ»
(5)
واستظهره في تقريبه
(6)
، قال:«للعِلْم بالمقصود» ، ويكون هذا من الحذف لدلالة الحال عليه، وحَذْفُ أيضًا:«قيل له» في مثل: قرأ عليَّ فلان، قيل له: أخبرك فلان.
قال ابن الصَّلاح
(7)
: «وينبغي للقارئ النطق بها» ، قال:«ووقع في بعض ذلك قَرَأَ على فلان، ثنا فلان، فهذا يُنْطَق فيه بـ «قال» لا بـ «قيل له» ؛ لأنَّه أخْصَر، لا لأنَّه لم يصحَّ؛ إذ لو قيل له: قُلْتَ: «حدَّثنا» صحَّ». وكتب المحدِّثون في كتبهم إذا
(1)
فتح الباقي (2/ 60).
(2)
ينظر حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 132).
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 227).
(4)
فتاوى ابن الصلاح (ص 176).
(5)
شرح النووي على مسلم (1/ 201).
(6)
تدريب الراوي (1/ 255).
(7)
مقدمة ابن الصلاح (393).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
جمعوا بين إسنادَيْ حديث أو أسانيده عند انتقال من سند لغيره: «حا» بالقصر مفردَة مُهمَلة، واختلفوا: أهل هي مختصرة من الحائل، أو من الحديث، أو من التحويل، أو من صح؟ وهل يُنْطَق بها أو بما رمزها له عند المرور بها في القراءة أو لا؟ والأصحُّ أنَّه ينطق بها في القراءة مقصورة، والأصحُّ (أ/169) أنَّها «حا» تحويل من إسناد إلى آخر، كما قاله النَّوويُّ
(1)
خلافًا لقول ابن الصَّلاح
(2)
: «أنَّها مختصرة من صح» ؛ لئلَّا يُتوهَّم أنَّ حديث هذا الإسناد سَقَطَ، ولئلَّا يُرَكَّب الإسناد الثاني على الأوَّل فَيُجَعلا إسنادًا واحدًا، قاله (هـ)
(3)
.
وفي كتابة: ترتيب صِيَغ الأداء باعتبار ما أُدِّيت به؛ فمَرَاتِب الصِّيَغ تابعة لمَرَاتِب ما أُدِّيَتْ به.
واعلم أنَّ: «سمِعتُ منه» و «قرأتُ عليه» و «قرأَ عليه فلانٌ وأنا أسْمَع» إنَّما يقال في أدائه ما سمِعَهُ من لفظ الشيخ، أو قرأه عليه، أو سمعه من قراءة غيره عليه، أي: على الشيخ، وأمَّا «حدَّثني» ، و «حدَّثنا» ، و «أخبرني» ، و «أخبرنا» ، و «أنبأني» ، و «أنبأنا» ، و «قال لي» ، و «قال لنا» ، و «ذكر لي» ، و «ذكر لنا» ، أو بحَذْف الجارِّ [و]
(4)
المجرور، أو «عن فلانٍ» فهل يُقال شيءٌ منها فيما سُمِع من لفظ الشيخ أم لا؟ فذَكَرَ صاحب «النُّخْبَة» أنَّه يقال فيها:«حدَّثني» ، أو «حدَّثنا» فقط، وظاهره: أنَّه لا يُقال بقيتها، وهذا يوافِق ما نقله العراقيُّ عن ابن الصَّلاح في «شرح الألفيَّة» ، وما نقله مِنْ [مَنْعٍ]
(5)
عن الحاكم والتِّرْمِذِيِّ في بَحْث قوله: «تفريعات» ، وهو خِلاف ما ذَكَرَه عن غيره ودَرَج عليه في ألفيَّته.
(1)
تدريب الراوي (1/ 521).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 203).
(3)
قضاء الوطر (3/ 1428).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
ثمَّ: أَخْبَرَني وَقرَأْتُ عليهِ، وهي المَرتبةُ الثَّانيةُ.
ثمَّ: قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا أَسْمَعُ، وَهي الثَّالثةُ.
ثمَّ: أَنْبَأَنِي، وَهي الرَّابعةُ.
ثمَّ: نَاوَلَني، وَهي الخَامسةُ.
ثمَّ: شَافَهَني -أَيْ: بالإِجازَةِ- وهي السَّادسةُ.
ثمَّ: كَتَبَ إِليَّ أَيْ: بالإِجازَةِ، وَهي السَّابعةُ.
[قوله]
(1)
: «ثُمَّ: أخبرني، وقَرأتُ عليه، ثُمَّ: قُرِئَ عليه وأنا أَسْمَعُ» :
سيذكر بعد هذا أنَّ أوَّل هذه وثانيهما و «قرأ بنفسه» على الشيخ، أي: يؤدي بها من قرأ بنفسه على الشيخ، وأن ثالثها لمن سَمِعَ قراءة غيره على الشيخ، قال: ومِثلها في ذلك: «أخبرنا» و «قرأنا عليه» ، ويأتي أنَّ «قرأت عليه»: أصرحُ من «أخبرني» ، و «قُرئ عليه وأنا أسْمَع» أصرحُ من «أخبرنا» ، وهذا الذي ذَكَرَه موافقٌ لما قدَّمناه عن الحاكم ومن وافقه، ثُمَّ إنَّ هذا يقتضي أنَّه لا يُستعمَل هنا لفظ «حُدِّثْتُ» منفردًا ولا مجموعًا، ولا لفظ «أنبأ» و «نبأ» كذلك، وهو واضح حيث لم يُقَيَّد اللفظ بما يُتبيَّن به أنَّه عَرْضٌ، فإن قُيِّد لفظٌ من الألفاظ المذكورة بما يُفيد العَرْضَ فإنَّها تُستعمَل هنا. فإنْ قُلْتَ: قد تقدَّم عن «شرح الألفيَّة» ما يفيد أنَّه لا يستعمل «أنبَأ» و «نَبَّأ» إلَّا في الإجازة، قُلْتُ: مَحِله حيث لم يُقيَّد بما يفيد المراد، ثُمَّ إنَّ ما ذَكَرَه من أنَّ «أخبرنا» مثل:«قُرئ عليه وأنا أسْمَعُ» يوافِقُ ما عليه مُسْلِمٌ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وجُلُّ أهل الشَّرْقِ، ولا يُوافِقُ ما عليه أحمد ومن وافَقَه، ولا ما عليه الزُّهْريُّ ومالك ومن وافقهما؛ لأنَّهما لا يقولان بأنَّ «حدثنا» كـ «أخبرنا» ؛ تأمل، قاله (ج)
(1)
.
[قوله]
(2)
: «ثُمَّ: أَنْبَأَنِي، وهي الرابعة» :
فيه نظرٌ؛ لما يأتي أنَّ «أنبأنا» عند المتقدِّمين بمعنى «أخبرنا» ، وعليه فهي (هـ/198) في مَرْتَبَة لا متأخرة عنه، وعند المتأخرين للإجازة، وإذا كانت للإجازة [فتكون]
(3)
من صِيَغ الإجازة، وأعلى صِيَغ الإجازة: المُنَاوَلَةُ، وتقدم أنَّه اشْتُهر استعمال «أنبأنا» في الإجازة؛ فينبغي أنَّه لا يستعمل فيما سُمِعَ من الشَّيخ أو كان عَرْضًا.
[قوله]
(4)
: «ثُمَّ: ناوَلَنِي، وهي الخامسة» :
هذا إشارة إلى الصِّيَغ التي يقولها من تَحَمَّل بالمناولة حال تأديته ما تحمَّل بها، وما ذَكَرَه من أنَّها هي الخامسة مبنيٌّ على أنَّ:«أنبأنا» مَرْتبة رابعة، وقد عَلِمْتَ ما فيه، ومبنيٌّ أيضًا على أنَّ مَرْتبة المناولَة دونَ مَرْتبة السَّمَاع والعَرْض، وأمَّا على خِلافه فلا يَصْلُحُ ذلك، قال العراقيُّ في المناولة المقرونة بالإجازة: «حالَّة مَحَل السَّمَاع عند بعضهم، كما حكاه الحاكم عن: ابن شِهابٍ ورَبِيعَة ويحيى بن سعيدٍ
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 479 - 480).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في (هـ): [فيكون].
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ومالك في آخرِين من أهل: المدينة ومكة والكوفة ومصر والشَّأْم وخُرَاسان، وأما فقهاء الإسلام فإنَّهم لم يَرَوه سماعًا، وبه قال الشافعيُّ وجَمْعٌ.
قال ابن الصَّلاح: وهو الصحيح، وأنَّ هذا مُنْحَطٌّ عن السَّمَاع» انتهى. ومراده بالسَّمَاع: ما يَشْمَل العَرْضَ، وما ذَكَره من أنَّ صيغة مَنْ يروي ما تَحَمَّل بالمناولة «ناولَني» هو على سبيل المثال، إذ مِثلُه:«أخبرنا مُناولَة» ، و «حدَّثنا مُناولَة» ، و «أذن لي مُناولَة» ، و «أجازني مُناولَة» ، قاله (ج)
(1)
.
قوله: «ثُمَّ: شَافَهَنِي» :
هذه إشارةٌ إلى صِيغة أداءِ مَنْ تَحَمَّل الإجازة [باللفظ]
(2)
، ثُمَّ أن إنَّ الإجازة غير المُعَبَّر عنه بالمناولة تحتها أنواع تسعة كما ذَكَرَه العراقيُّ، وأشار السُّبْكِيُّ إلى أنَّ تحتها أنواعًا، انظرها إنْ شئتَ، وما ذَكَرَه المؤلِّف من أنَّ صيغة أدائه:«شَافَهَنِي» فعلى سبيل التمثيل كما يُفهَم ممَّا قدَّمناه (أ/170) عن العراقيِّ، ثُمَّ إنَّ استعمال «شَافَهَنِي» في ذلك مُسْتَبْعَدٌ، قال العراقيُّ
(3)
:
وَبَعْضُهُمْ أَتَى بِلَفَظٍ مُوْهِمْ
…
(شَافَهَنِي)(كَتَبَ لِي) فَمَا سَلِمْ
وَقَدْ أَتَى بِـ (خَبَّرَ) الأوزَاعِيْ
…
فِيْهَا وَلَمْ يَخْلُ مِنَ النِّزَاعِ
قال بعضُ من شَرَحَه: «استعمل بعض أهل العِلْم [في]
(4)
الرواية بالإجازة:
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 489).
(2)
زيادة من (ب)
(3)
ينظر: فتح المغيث (2/ 308).
(4)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«شَافَهَنِي» ، أو «أخبرنا فلانٌ مُشافَهَةً» إذا كان قد شَافَهَه بالإجازة لفظًا، واستعمل بعضهم في الإجازة بالكتابة:«كَتَبَ لي» ، و «أخبرنا مُكاتَبَةً» ، أو «في كِتَابِه» ، وهذه الألفاظ وإن استعملها طائفةٌ من المتأخرين فلا يَسْلَمُ من استعمَلها من الإيهام وطرَفٍ من التدليس، أمَّا المشافَهَة فتوهِم مشافَهَتَه بالتَّحديث، وأمَّا الكتابة فتوهِم أنَّه كَتَبَ له بذلك الحديث بِعَيْنِه كما كان يفعل المتقدِّمون، وأمَّا الأوْزَاعِيُّ فيخص بالإجازة بقوله:«خبَّرنا» بالتشديد، والقراءة بقوله:«أخبرنا» ، وهو ليس خالٍ من النِّزاعِ؛ لأنَّ «خبَّرنا» و «أخبرنا» معناهما واحد لغةً، وفي اصطلاح المحدِّثين
…
إلخ» قاله (ج)
(1)
.
[قوله]
(2)
أي: بالإجازة، وهذا في الكتابة المجرَّدة عن الأذن الإذْن، وهو على أحد القولين: أنَّ الكتابة دُونَ إذنٍ دُونِ الإجازة باللفظ، والقول الآخر: أنَّها أعلَى من الإجازة، وقدَّموا الأول في كلام السيوطيِّ، والثاني ذَكَرَه العراقيُّ
(3)
، وأمَّا إذا كانت مع الأذن الإذْن فهي كالمُناولَة مع الإذن، وما ذَكَرَه من أنَّ صيغة أداء من تحمَّل بالكتابة:«كَتَبَ إليَّ» هو على سبيل التمثيل، وإلَّا فـ «حدَّثنا» و «أخبرنا» مقيَّدًا بذلك كذلك.
(1)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 493 - 494).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
المرجع السابق.
ثمَّ: عَنْ ونَحْوُها مِنَ الصِّيغِ المُحْتَمِلةِ للسَّماعِ وَالإِجَازَةِ، ولِعدمِ السَّماعِ أَيضًا، وهذا مثلُ: قَالَ، وَذكرَ، ورَوَى.
فاللَّفظانِ الأوَّلانِ مِن صِيَغِ الأداءِ، وهُمَا: سَمعتُ، وحَدَّثني صَالِحانِ لمَن سَمِعَ وَحْدَهُ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ.
وَتَخْصيصُ التَّحديثِ بما سُمِعَ مِن لَفْظِ الشَّيخِ هو الشَّائعُ بَيْنَ أَهلِ الحَدِيثِ اصْطِلاحًا.
[قوله]
(1)
هذا على رأي المتأخِّرين، قال العراقيُّ
(2)
في مبحث العَنْعَنَة:
وَصَحَّحُوا [وَصْلَ]
(3)
مُعَنْعَنٍ سَلِمْ
…
مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، والِلِّقَا عُلِمْ
إلى أنْ قال:
وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ
…
إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ
قال شارحه شيخُ الإسلام: «وكَثُر -كما قال ابن الصَّلاح- بَيْنَ المُنتَسبين إلى الحديث استعمال «عن» في ذا الزمن المتأخر، أي: بعد الخمسمائة؛ إجازةً
(4)
، ثُمَّ قال:«فإذا قال أحدهم: قرأتُ على فلان عن فلان، فُظُنَّ أنَّه رواه بالإجازة»
(5)
، وهو في ذلك بوصل [ما]
(6)
أي: بنوع من الوَصل، فمِن بكسر الميم، وبفتحها وهو الأنسب هنا، أي: حقيق بذلك»
(7)
. (هـ/199)
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
شرح التبصرة (1/ 226).
(3)
في (ب): [أوصل].
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 62).
(5)
مقدمة ابن الصلاح (ص 62).
(6)
زيادة من (ب).
(7)
ينظر: فتح المغيث (1/ 213).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والحاصل: أنَّ ما فيه «عن» يُحْكم باتصاله سماعًا في الزمن المتقدِّم، وهو ما قدَّمه قبلُ، وباتصاله إجازة في الزمن المتأخِّر، وهو ما هنا
…
إلخ؛ فما ذَكَرَه المؤلِّف هنا على رأي المتأخِّرين، لكن ليس في كلامهم أنَّها بعد المُناولَة، بل ما مَرَّ عن العراقيِّ
(1)
يقتضي من قوله:
وَبَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ اسْتَعْمَلَ عَنْ
…
إِجَازَةً،
…
إلخ.
استعمالها في الإجازة الشاملة للمُناولَة والمُشافَهة، ثُمَّ إنَّ ما ذَكَرَه هنا خِلاف ما ذَكَرَه بَعْدُ من قوله: «وعَنعَنة المعاصِر محمولة على السَّماَع
…
إلخ»، قاله (ج)
(2)
.
وقال (هـ)
(3)
: «لا شَكَّ أنَّ: «عن» و «أنْ» من صِيَغ الأداء، لكن هل هما محمولتان على الإجازة أو على السَّمَاع؟ يأتي بيان ذلك بَعْدُ، وقَيَّد الشارح «أنْ» فقال: وحُكْم «أنْ» في ذلك حُكْم «عن» ، إذا لم يُحْكَ بها الإخبارُ أو التَّحديث، فإنْ حُكِيَ بها ذلك كـ: حدَّثنا فلانٌ أنَّ فلانًا أخبره؛ فهو تصريح بالسَّمَاع» انتهى، وبما أشرنا إليه تَندفِع الحيْرة الناشئة من قوله: «المُحتمِلة للسَّمَاع
…
إلخ» الذي ذَكَرَه لبيان احتمالها في حدِّ ذاتها، مع قطع النَّظر عن الاصطلاح الآتي بيانه.
[قوله]
(4)
: «مِن الصِّيَغ المُحْتَمِلَة
…
إلخ»:
لو قال: ولعدمها أيضًا لكان مناسبًا؛ إذ مُفاد ما ذَكَرَه: أنَّها لا تستعمل
(1)
المرجع السابق.
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 504).
(3)
قضاء الوطر (3/ 1430).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[لعَدَم]
(1)
الإجازة، وحينئذٍ يُراد أنَّها إذا كانت للإجازة قطعًا وتحْتَمِل السَّمَاع؛ فتكون أعلى ممَّا لإجازة فقط ولا تحْتَمل السَّماع، كـ: شَافَهني بالإجازة، أو كَتَب لي بالإجازة.
وقوله: «وهذا» :
(2)
وقال (هـ)
(3)
: قوله «وهذا» أي: المُحْتمِل لما ذَكَر من الصِّيَغ، مثل:«قال» ، و «ذكر» ، و «روى» ، يريد مجرَّدة عن الجارِّ والمجرور، والدالُّ على الاتصال نحو:«قال لي» ، ولذا قال ابن الصَّلاح:«وهي حينئذٍ أوضح العبارات» ، أمَّا إذا لم تتجرَّد ممَّا ذَكَرْنا فهي في مَرْتبة «حدَّثني» ، وإنْ غَلَبَ في عُرْفِهم استعمالها والحالةُ هذه فيما سمعوه من الشيوخ في المذاكرات؛ إذ هي به أشْبَه من «حدَّثنا» ، قاله ابن الصَّلاح
(4)
، وهي محمولة على السَّمَاع إنْ عُلِم اللُّقيُّ بين الراوي والشيخِ، وسَلِم قائلها من التدليس، ولا يتقيَّد (أ/171) بصدورها ممَّن عُرِف أنَّه لا يروي بها إلَّا ما سمعه من لفظ شيخه، خلافًا لزاعمه ووِفاقًا لابن الصَّلاح والجمهور، وهو المعروف والمحفوظ.
قوله: «فاللفْظَان الأَوَّلَانِ
…
إلخ»:
اعلم أنَّ المؤلِّف سَلَك هنا مسلكًا من الاختصار عجيبًا؛ حيث أتى بصيغ الأداء مجملةً أولًا، ثُمَّ فصَّل أحكامها مبيِّنًا في ضمن تفصيلها وجوه التَّحَمُّل
(1)
زيادة من (ب).
(2)
في (أ) زيادة [أي: نحو ما قاله (ج)]، ولم أقف عليها في حاشية الأجهوري رحمه الله.
(3)
قضاء الوطر (3/ 1430).
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 136).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بقوله: «لمن سمع لفظ الشيخ، ولمن قرأ بنفسه
…
إلخ» وقوله: «صالحان
…
إلخ» صلوحهما لما ذَكَرَه لا يَمْنَع من استعمالها في غيره كما في القراءة على الشيخ، وإنْ كان الأجود فيه: قرأتُ، أو قُريءَ عليه وأنا أسمعُ، ثُمَّ حدَّثنا، أو حدَّثني، أو أخبرنا وأنبأنا، أو أخبرني وأنبأني، لكن لا بُدَّ من التقْيِيد بـ: قرأتُ عليه، أو قراءة عليه فيما بعد، أمَّا سمعتُ فلا على الأصحِّ، خلافًا لمالك والسُفْيانين، وحُمِل على ما إذا قال: سمعتُ على فلان، وأمَّا إطلاق التحديث والإخبار فيما سُمِع عَرْضًا لا من لفظ الشيخ فمُمْتنع عند: أحمد بن حَنبل، ويحيى التَّميميِّ، والنَّسَائيِّ، وابن المَبَارَك، قاله (هـ)
(1)
.
وفي كتابة: قوله: «صالحان لِمَن سَمِعَ
…
إلخ» الأحسن حَذْف «صالحان» ، وإبقاء المَتْن على ظاهره؛ لأنَّ كلامه بهذا التقدير لا يفيد اختصاصها بمن سَمِع وحده من لفظ الشيخ، بل مفاده أنَّهما صالحان لذلك ولغيره، قاله (ج)
(2)
.
[قوله]
(3)
قال (هـ)
(4)
:
هذا أعلى وجوه التحمِّل الثمانية عند الجمهور من المحدِّثين وغيرهم، سواء حدث من حفظه أو من كتابه، إملاءً كان تحديثه أو لا، لكن الإملاء أعلى
(1)
قضاء الوطر (3/ 1431).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 509).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (3/ 1432).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عندهم كما يأتي في كلام الشارح؛ [لما فيه]
(1)
من مَزِيد تحرُّز الشَّيخ والطالب، إذ الشيخ مشتغل بالتَّحديث، والطالب بالكتابة عنه؛ فهما أبْعَدُ من الغَفْلة، وأقْرَبُ إلى التَّحقيق مع جريان العادة بالمقابلة بعده.
[قوله]
(2)
: «وتَخْصِيصُ التَّحْدِيثِ» :
أي: دون الإخبار، وغير الشائع هو التسوية بين لفظ التَّحديث و (هـ/200) الإخبار، قال شيخ الإسلام:«وخُصَّ السَّماع بالتَّحديث دون الإخبار؛ لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة، فلفظ الإخبار أهم من التَّحديث»
(3)
.
[قوله]
(4)
: «بِمَا سَمِعَ» :
الظاهر أنَّ «الباء» داخلة على المقصور، لا بُدَّ من حمل القصر أيضًا على الإضافيِّ، أي: لا «أخبرنا» مثلًا، وإلَّا فـ «سمعتُ» كـ «حدَّثني» ، ولو جُعِلَتْ داخلةً على المقصور عليه والمقصور التَّحديث إذا كان مُطْلَقًا من غير تقْيِيد؛ استقام.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
قضاء الوطر (3/ 1432).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
ولَا فَرْقَ بينَ التَّحديثِ والإِخبارِ مِن حيثُ اللُّغةُ، وَفي ادِّعاءِ الفرقِ بَيْنَهما تَكلُّفٌ شديدٌ، لَكِنْ لمَّا تَقرَّر الاصْطِلَاحُ، صَارَ ذَلكَ حَقيقةً عُرفيَّةً، فتُقَدَّمُ على الحَقِيقَةِ اللُّغويَّةِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الاصْطِلَاحَ إِنَّما شَاعَ عندَ المَشَارِقَةِ ومَنْ تَبِعَهُمْ، وأَمَّا غَالِبُ المَغارِبَةِ، فلَمْ يَسْتَعْمِلوا هَذَا الاصْطِلاحَ، بَل الإِخبارُ والتَّحديثُ عندَهُم بمعنًى وَاحِدٍ.
فَإِنْ جَمَعَ الرَّاوي -أَيْ: أَتى بصِيغَةِ الجَمْعِ في الصِّيغَةِ الأُولَى؛ كَأَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنا فُلَانٌ، أَوْ: سَمِعْنا فلانًا يَقُولُ- فَهُو دَليلٌ عَلَى أَنَّه سَمِعَ منهُ مَعَ غَيْرِهِ، وقد تَكُونُ النُّونُ للعَظَمةِ، لَكِنْ بقِلَّةٍ.
وأوَّلُها -أَيْ: صيغُ المَرَاتِبِ- أَصْرَحُها، أَيْ: أَصْرَحُ صِيَغِ الأَداءِ في سَماعِ قَائِلِها؛ لأنَّها لا تَحْتَمِلُ الواسِطَةَ، وَلأنَّ «حدَّثني» قَدْ يُطْلَقُ في الإِجَازةِ تَدْليسًا.
[قوله]
(1)
: «وفي ادِّعَاءِ الفَرْقِ
…
إلخ»:
مُلخَّص الفرق المُتكلَّف: أنَّ «حدَّثَ» أشدُّ إشعارًا بالنطق والمشافهة من الإخبار؛ إذ كثيرًا ما يكون فيها بالواسطة؛ فالإخبار أعمُّ من التَّحديث.
[قوله]
(2)
: «عِنْدَ المَشَارِقَةِ» :
يعني جمهورهم، كابن جُرَيجٍ، والأوْزاعيِّ، وابن وَهْبٍ، والشافعيِّ، ومُسْلِمٍ، والمراد بـ «مَنْ تَبِعَهُم»: من وافقهم على ذلك من المغاربة، بل عزا صاحب «الإنصاف» للنَّسائيِّ نفي الخلاف في الفَرْق المذكور.
[قوله]
(3)
: «وأمَّا غالبُ المَغَارِبَةِ» :
أي: ومعظم الحجازيين، كمالكٍ، والزُهريِّ، والقَطَّان، وأبي حنيفة، وأحمد
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في أحد قوليه، وسفيان بن عُيَينَة، ومُعظم أهل الكوفة، وهو مذهب البخاريِّ، فلم يستعملوا هذا الفرق ولم يُعرِّجوا عليه، بل الإخبار والتحديث عندهم بمعنًى واحدٍ، وأجازوا إطلاق التَّحديث على ما أُخِذَ عَرْضًا كإطلاقه فيما سُمِعَ من لفظ الشَّيخ، خلافًا لأحمد كما مَرَّ.
[قوله]
(1)
الأَوْلى: صِيغتي المَرْتبة الأولى؛ ليشْمَل: سمعتُ وحدَّثنا، وقوله في المَتْن الآتي: «والثالث والرابع
…
إلخ» قرينةٌ على إرادة هذا.
[قوله]
(2)
: «كأنْ يَقُول
…
إلخ»:
أدْخَلت «الكاف» نحو: حدَّثني فلان مع غيري، أو سمعتُ مع غيري.
[قوله]
(3)
: «مَعَ غَيْرِهِ» :
يريد: ولو واحدًا، وهذا التفصيل الذي قاله هو الذي اختاره الحاكم وقال:«إنَّه عَهِد عليه أئمة عصره» ، ونحوه قول ابن وهب
(4)
: «ما قُلْتُ فيه: حدَّثنا؛ فهو ما سمعتُ مع النَّاس، وما قُلْتُ فيه: حدثني؛ فهو ما سمعتُ وحدي» ، إلَّا أنَّ [هذا]
(5)
ليس بواجبٍ، وإنما هو مستحَبٌ كما يأتي في:«أخبرني» .
وقوله: «وقَدْ تكونُ النُّونُ للْعَظَمَةِ» :
وكذا قد تكون «حدثني» مُستعمَل فيما سَمِع مع الجماعة.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
قضاء الوطر (3/ 1434).
(5)
في (أ) و (هـ): [الزهد].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي كتابة: «وقد تكون [النون]
(1)
للعظمة لكن بقلَّةٍ» أي: ويستعملها في سماعه وحده.
[قوله]
(2)
: «وأوَّلُهَا أَصْرَحُهَا» :
أي: المراتب، فيه نظرٌ؛ لأنَّ أوَّل المراتب فيها صيغتان:«سمعتُ» و «حدَّثني» ، وثاني المراتب:«أخبرني» و «قرأتُ» ، مع أنَّه قال في قوله:«والثالث: وهو أخبرني» فعُلم أنَّ المراد: وأوَّل صِيغ الأداء لا المراتب، ويؤيد ذلك قوله: «ولأنَّ حدَّثني
…
إلخ».
وقال (ج)
(3)
: حقه أنْ يقول: «وأولها» أي: الألفاظ؛ إذ (أ/172) أوَّلُ المراتب: «سمعتُ» و «حدَّثني» ، أو يقول: أي: المرتبة الأولى، وهو المناسب لقوله:«وأرفعها» أي: أرفع المرتبة الأولى، «ما يقع في الإملاء» أي: لأنَّ سماع لفظِ الشيخ يقع إملاءً وغير إملاءٍ؛ فالإملاء أعلى من غيره لِمَا فيه من شدة تحرُّز الشَّيخ والراوي، إذ الشيخ مُشتغِلٌ بالتحديث، والراوي بالكتابة عنه؛ فهما أبْعَدُ من الغفلة، وأقرب إلى التحقيق.
وقال (هـ)
(4)
: قوله: «وأوَّلها أصْرَحها» شرحه الشارح بما يُوجِب تشتيت الضمائر؛ حيث رَجَع الضمير الأول للمراتب والثاني للصِّيغ، مع كونه ربما يُبْعد عن المراد؛ إذ المراد: أنَّ «سمعتُ» أصرحُ صيغ الأداء، وهي أول أولى المراتب؛ إذ أولها مرتبة لا صيغة، لأنَّ اسم التفضيل بعض ما يضاف إليه؛ فلو رَجَع
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 510).
(4)
قضاء الوطر (3/ 1434).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ضمير «أولها» لـ «صيغ الأداء» لَسَلِم من كل ذلك، ومن إبهام دخول «حدثَّني» في الأصرح والأرفع، ومُلَخَّص القول: أنَّه يُطلق [في]
(1)
أداء سماع لفظ الشيخ الذي هو وحده التحمُّل، وأرفعها كما مَرَّ: سمعتُ، وحدَّثنا، وأخبرنا، وأنبأنا، وقال لنا، وذكر لنا، وينبغي فيما شاع استعماله من هذه فيما سُمِع من غير لفظ الشَّيخ أنْ (هـ/201) لا يُطْلَق فيما سُمِع من لفظه؛ لما فيه من الإبهام والإلباس، وأصرحها: سمعتُ ثُمَّ: حدَّثنا وحدتني، [و]
(2)
[مثلها]
(3)
: قال لنا وقال لي، وذَكَر لنا وذَكَر لي، ثُمَّ: أخبرنا وأخبرني، ثُمَّ: أنبأنا ونبأنا، إلَّا أنَّ: أخبرنا وأخبرني، فيما سُمِع من لفظ الشيخ كثيرًا، وأنبأنا ونبأنا فيه قليل الاستعمال.
قال ابن الصَّلاح
(4)
: «وهذا كله كان [قُبيل]
(5)
أنْ يَشِيع تخصيص «أخبرنا» بالعَرْضِ، بمعنى القراءة على الشيخ، كما كان «نبأنا» و «أنبأنا» للقراءة عليه قبل اشتهار استعمالها في الإجازة» وقد مشى المؤلِّف على تقْيِيد ابن الصَّلاح فخَصَّ «أخبرنا» بالقراءة على الشيخ، وجَعَل الإنباء الأخبار إلَّا في عرف المتأخرين.
[قوله]
(6)
: «لأنَّها تَحْتَمِلُ الواسِطَة» :
أي: بخلاف «حدَّثني» وما معه، فإنَّه يَحْتَمِلها، وهذا معنى قولهم:«سمعتُ» لا يَقبَلُ التأويلَ، بخلاف «حدَّثني» وما معها، وإن كان أولى في التعبير من
(1)
في (ب): [علي].
(2)
زيادة من (ب).
(3)
في (ب): [مثلهما].
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 132).
(5)
في (ب): [فبل]، وهو تصحيف.
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
«سمعتُ» ؛ لأنَّ «حدَّثنا» و «أخبرنا» يَدُلَّان على أنَّ الشيخ: رَوَّاه الحديث، وخاطبه به، وقصده بتحميله إياه دون «سمعتُ» .
[قوله]
(1)
: «ولأنَّ حَدَّثَنِي
…
إلخ»:
قال المؤلِّف في تقديره: وهذا يدل عليه ما رواه مسلم في قصة الرجل الذي يقتله الدجال ثُمَّ يُحْييه؛ فيقول عند ذلك: «أشهدُ أنَّك الرجل الذي حدثنا رسول الله عنك»
(2)
، ومعلوم أنَّ هذا الرجل لم يسمع من رسول الله، وإنَّما يريد بـ «حدَّثنا» جماعة المسلمين، وتعقَّبه (ق)
(3)
بأنَّ هذا يدل على جواز الإطلاق، لا على الإطلاق تدْلِيسا المُستَشْهَد عليه؛ فلا يصح استدلاله، قاله (ج)
(4)
.
وقال (هـ)
(5)
:
قوله: «تَدْليسًا» أي: أو على قول ضعيفٍ بإطلاق «حدَّثنا» فيما أُخِذ بالإجازة، والظاهر: أنَّ «تَدْليسًا» مفعول لأجْله، أي أنَّه: قد يُطْلِقُ «حدَّثني» وما معه؛ لقصد التدليس، وقد روي أنَّ الحسن البصريَّ كان يقول:«حدَّثنا أبو هريرة» ، ويتأول حدَّث أهل المدينة وأنا بها، كما كان يقول:«خَطَبَ ابن عباسٍ بالبَصْرَة» ويريد: خَطَب أهلها، مع أنَّ الحسن لم يَسْمَع من أبي هريرة، بل ما [رآه]
(6)
قطُّ، [ومفهومه]
(7)
أنَّه لو قَيَد فقال: حدَّثنا أو حدَّثني إجازة؛ خَرَجَ من التَّدْلِيس، وهو كذلك كما مَرَّ.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
البخاري (7132)، ومسلم (2938).
(3)
حاشية ابن قطلوبغا على شرح نخبة الفكر (ص 130 - 131).
(4)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 510) وما بعده.
(5)
قضاء الوطر (3/ 1437).
(6)
في (هـ): [رواه].
(7)
في (هـ): [مفهوم].
وأَرْفَعُها مِقْدارًا ما يَقعُ في الإِمْلَاءِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّثبُّتِ والتَّحفُّظِ.
وَالثَّالِثُ، وهُوَ: أَخْبَرَنِي.
وَالرَّابِعُ وهُوَ: قَرأْتُ، لِمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ على الشَّيْخِ.
فَإِنْ جَمَعَ كَأَنْ يقولَ: أَخْبَرَنا، أَوْ: قَرَأْنا عَلَيهِ، فَهُوَ كالخَامِسِ، وهُوَ: قُرِئَ عَلَيْهِ وأَنا أَسْمَعُ.
وعُرِفَ مِن هَذَا أَنَّ التَّعبيرَ بـ قَرأتُ لمَنْ قَرأَ- خيرٌ مِنَ التَّعْبِيرِ بالإِخبارِ؛ لأنَّهُ أَفْصَحُ بصورةِ الحَالِ.
[قوله]
(1)
: «ما يَقَعُ في الإِمْلَاءِ» :
لو قال بدله: وخصوصًا ما يقع في الإملاء؛ كان أنسب وأولى من هذا التقدير الذي لا يطابقه المَتْن، وإن كان جاريًا على ما اصطُلح عليه من دَمْجِ الشَّرح بالمَتْن وجَعْلِهما شيئًا واحدًا، وبالجملة: فما كان في الإملاء فهو أرفع، كما يصرح به كلامهم من خارج، وإنَّما كان كذلك لِمَا فيه من شدَّة تحرُّز الشَّيخ والراوي؛ إذا الشَّيخ مشتغِلٌ بالتحديث، إلى آخر ما مَرَّ.
[قوله]
(2)
«والرابع
…
إلخ»:
ويُسمِّيها أكثر المحدِّثين: عَرْضًا، من حيث إنَّ القارئ يعْرِضُ على الشَّيخ ما يَقْرَؤه كما يَعْرِض القرآن على المقرئ، لكن قال المؤلِّف في «شرح البخاريِّ»: بَيْنَ القراءة والعَرْضِ عمومٌ وخصوصٌ؛ لأنَّ الطالب إذا قرأ كان أعمَّ من العرض، [إذ العَرْضُ]
(3)
عبارة عما يُعارِض به، والرواية بهذا القِسم صحيحةٌ اتفاقًا.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال (هـ)
(1)
: اعلم أنَّ القراءة على الشَّيخ تُسمَّى العرض؛ لعَرْض القارِئ الحديث على الشَّيخ، وهي مع كونها من وجوه التحمُّل أدنى من السماع من لفظ الشَّيخ، والأجود عندهم في أداء ما (أ/173) تحملونها أنْ يقول: قرأتُ على فلانٍ إنْ كان العَرْضُ بنفسه، أو قُرِأَ عليه وأنا أسمع إن كان بقراءة غيره، ودونها الآداء [بكل ما تقدم]
(2)
في تأدية السماع من لفظ الشَّيخ ما عدا: «سمعتُ» ، لكن مع التقْيِيد بقولك: قِراءة أو بقراءتي؛ فيقول: حدَّثنا فلان بقراءتي عليه، أو أخبرنا فلان قراءة عليه، أو بقراءتي عليه، خِلافًا لمن جَوَّز إطلاقها، ولمن جَوَّز إطلاق «أخبرنا» دون «حدَّثنا» ، وأمَّا جمع الضمير المتصل بصيغة الأداء أو إفراده فالذي اختاره الحاكم
(3)
ومن لَقيه من أهل العصر: أنَّ السامع (هـ/202) بقراءة غيره يقول: أخبرنا بالجمع، وأنَّ القارئ بنفسه [يقول]
(4)
: أخبرني بالإفراد، وهذا التفصيل على طريق الاستحسان المُمَيِّز بين أحوال التحمل.
تتمة:
وجرت عادةُ أهل الحديث بحَذْفِ «قال» ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط، وينبغي للقارئ أن يَلْفِظ بها، وإذا كان في الكتاب: قرأ على فلان، أخبرك فلان؛ فليَقُل القارئ: قُرِئ على فلان، قيل له: أخبرك فلان، وإذا كان فيه: قُرئ على فلان، أخبرنا فلان؛ فليقل: قُرئ على فلان، قيل له قُلْتَ: أخبرنا فلان، وإذا تكررت كلمة «قال» كقوله: حدَّثنا صالح، قال: قال الشَّعبيُّ؛ فإنَّهم يحذفون إحداهما في الخَطِّ، فليَلْفِظ بهما القارئ، فلو ترك القارئ لفظ «قال» في هذا كله؛ فقد أخطأ، والسَّمَاع صحيحٌ للعِلْم بالمقصود، ويكون هذا من الحَذْف لدلالة الحال عليه، وإذا قرأ الطالب إسناد شيخه
(1)
قضاء الوطر (3/ 1441).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
معرفة أنواع علوم الحديث (ص 678).
(4)
في (هـ): [بقول].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالكتاب أو الجزء قال في أوَّل كلِّ حديثٍ منه إذا انتهى ما قبله: وبه قال: حدَّثنا؛ ليكون كأنَّه أسنده لصاحبه في كلِّ حديثٍ، ولو قال في كلِّ مجلسٍ من مجالسِ شيخه: وبسندكم -يعني الماضي إلى فلان، يعني صاحب الكتاب أو الجزء- قال: حدثنا؛ كفى، وقد جَرَت العادة بإعادة السَّنَد يوم خَتْم الكتاب لأجْل من يتجَدَّدُ
(1)
.
[قوله]
(2)
: «لمن قرأ بنفسه» : لا فرْق فيما قرأه بنفسه، وبَيْن ما قرأه من [حفظه، وبَيْن ما قرأه من]
(3)
كتابه أو كتاب غيره، كما أنَّ السامع بقراءة غيره كذلك، ولا بُدَّ من كون الشيخ في جميع الوجوه حافظًا لما قرئ عليه، أو يكون بيدِه أصْله، أو بيدِ ثقة غيره ولو القارئ، أو يكون هناك ثقة يَحْفَظُ المقروء مع استماعه لما يُقرأُ على الشَّيخ وتمْيِّزه إياه.
[قوله]
(4)
: «وعُرِفَ من هذا» : أي: [ما]
(5)
قرَّره في: سمعتُ وحدثني.
[قوله]
(6)
: «خَيْرٌ من التَّعْبيرِ بالإخْبَارِ» : أي: من «قرأنا» أيضًا، وقوله:«لأنَّه أفصَحُ» يَحْتمل الفعليَّة والاسميَّة، ويكون اسم تفضيل، أي: أشدُّ إفصاحا بالنِّسبة لأخبرني، وأما بالنِّسبة لقرأنا ولأخبرنا ففيه إفصاح.
وفي كتابة: أي: أشدُّ [إفصاحًا]
(7)
عنها، أي: تصريحًا بها.
(1)
قضاء الوطر (3/ 1444).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
في (ب): [مما].
(6)
زيادة من: (أ) و (ب).
(7)
في (أ) و (هـ): [أفصاحفا].
تَنْبيهٌ:
القرَاءةُ عَلَى الشَّيخِ أَحَدُ وُجُوهِ التَّحمُّلِ عندَ الجُمْهورِ.
وَأَبْعَدَ مَنْ أَبَى ذَلكَ مِنْ أَهلِ العِرَاقِ، وقَد اشتدَّ إِنكارُ الإِمامِ مَالِكٍ وغيرِهِ مِن المَدَنيِّينَ عَليْهِمْ في ذَلكَ، حتَّى بَالغَ بَعْضُهُم، فَرجَّحَها عَلَى السَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ الشَّيخِ!
وَذهَبَ جمعٌ جَمٌّ -مِنْهُم البُخاريُّ، وحَكَاهُ في أَوَائلِ «صَحِيحِهِ» ، عن جَمَاعةٍ مِنَ الأئمَّةِ- إِلى أَنَّ السَّماعَ مِن لَفْظِ الشَّيخِ، والقِرَاءَةَ عليهِ يَعْني فِي الصِّحَّةِ وَالقُوَّةِ- سَوَاءٌ، وَاللهُ أَعلمُ.
وَالإِنْبَاءُ من حَيثُ اللُّغةُ وَاصْطِلاحُ المُتَقدِّمينَ بمَعْنَى الإِخْبارِ، إِلَّا في عُرْفِ المُتَأَخِّرينَ، فَهُو للإِجازَةِ؛ كَـ «عَنْ» ؛ لأنَّها في عُرْفِ المُتأَخِّرينَ للإِجَازةِ.
وَعَنْعَنَةُ المُعَاصِرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ بخلافِ غَيْرِ المُعاصِرِ، فَإِنَّها تَكُونُ مُرسَلةً، أَو مُنْقطِعَةً، فَشَرْطُ حَمْلِها عَلَى السَّماعِ: ثُبُوتُ المُعَاصَرةِ، إِلَّا مِنْ مُدَلِّسٍ؛ فإِنَّها لَيْسَتْ مَحْمولةً عَلَى السَّماعِ.
وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ في حَمْلِ عَنْعَنَةِ المُعَاصرِ على السَّماعِ: ثُبُوتُ لِقَائِهِمَا -أَيْ: الشَّيخِ وَالرَّاوي عَنْهُ- وَلَوْ مَرَّةً وَاحدَةً؛ ليَحْصُلَ الأَمْنُ فِي بَاقي العَنْعَنَةِ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ المُرْسَلِ الخَفِيِّ، وَهُوَ المُخْتَارُ، تَبعًا لعَليِّ بْنِ المَدينيِّ، وَالبُخاريِّ، وغَيْرِهِمَا مِنَ النُّقَّادِ.
[قوله]
(1)
: «تَنْبِيهٌ» :
قدَّمنا أنَّ معناه لغةً: الإيقاظ، وعُرْفًا: عنوان البحث الآتي بحيث يُعلَم من الكلام السابق على طريق الإجمال، وقوله:«عِنْدَ الجمهور» بل أجمع المحدِّثون على صحة الأخذِ والتحمل بها، وقوله:«حتى بالَغ بعضهم فرجَّحَها على السَّماَع من لفظ الشَّيخ والقراءِ عليه» المراد بالبعض: ابن أبي ذؤيب، وأبو
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حنيفة
(1)
، واحتجَّا على ذلك بأنَّ الشَّيخ لو سهى لم يَتهيَّء للطالب الردُّ عليه؛ إمَّا لجَهله، أو لهيبة الشيخ، أو لغير ذلك بخلاف الطالب.
وقوله: «جَمٌّ» :
بفتح الجيم نعت «جَمْعٍ» ، معناه كثيرٌ من الجمهور -بضم الجيم- وهو الكثرة.
[قوله]
(2)
: «منهم البُخَارِيُّ» :
ومالك، ومعظم علماء الكوفة، ومعظم علماء الحجاز، والأصحُّ ترجيح السَّمَاع من لفظ الشيخ على القراءة والعَرْض عليه، كما [هو]
(3)
رأيُ جُلِّ علماء خُراسان، وقد يعْرِضُ ما يكون العَرْضُ أولى؛ كأن يكون الضابط أعلم أو أضبط، أو الشَّيخ في حال العَرْض عليه أوعى منه في حال قراءته.
[قوله]
(4)
: «بمعنى الإخْبار» :
وحينئذٍ يُفرَدُ لمن قرأ بنفسه، ويُجْمَع لمن سمع بقراءة غيره، على ما هو الأحسن السابق.
تنبيه:
قال (ق)
(5)
: «قوله: «في عُرْفِ المتأخِّرين» قُلْتُ: المقام مقام إضمار لتقدُّم غيرهم، وهو أخصر» انتهى، يريد أنَّ ذِكْرَهم تقدَّم في قوله:«إلَّا في عُرْفِ المتأخِّرين» وقوله: «كعن» ، مِثْلُها:«أنْ» حيث لا إفصاح كما مَرَّ.
(1)
في (أ) و (هـ): [وأبو ضيفة].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
حاشية ابن قطلوبغا (ص 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «وعَنْعَنَةُ المُعَاصِر
…
إلخ»:
[هي]
(2)
مصدر عَنْعَن الحديث: إذا رواه بكلمة «عن فلان» ، من غير بيانٍ (هـ/203) للتحديث أو الإخبار أو السَّمَاع، وحمْلُها على السَّمَاع والاتصال، قال الخطيب
(3)
: «إجماع أئمة النَّقل والبخاريُّ [وغيره]
(4)
».
وفي كتابة: قوله: «عَنْعَنَة المعاصِر
…
إلخ» هو عند المتقدِّمين، وما مَرَّ له عند المتأخِّرين.
[قوله]
(5)
يُحْتمل إنْ كانت من تابعيٍّ، أو منقطِعَة إنْ كانت من غيره؛ فـ «أو» للتنويع (أ/174)، ويُحْتمل أنَّه يُعبَّر عنها بكلٍّ من هذين اللقبين على التخْيير.
قوله: «فَشَرْطُ حَمْلِها على السَّمَاع» :
زيادةٌ مستغنًى عنها، وإنَّما ذُكِرت لأجْل الاستثناء الذي في المَتْن، مع تقدُّم قوله:«بخلاف غير المعاصِر» ؛ فلو أخَّره كان أولى، قاله (ق)
(6)
، وهو بَيِّنٌ، إلَّا قوله: «فلو أَخَّره
…
إلخ» فإنَّ الذي ظَهَرَ لي في فهمه: أنَّ مراده أنَّه كان أولى أن لا يَفصِل بَيْن قوله: «إلَّا من مُدلِّس» ، وبَيْن قوله:«وعَنعَنَة المُعاصِر محمولة على السَّمَاع» [ويأخذه بعد قوله: «إلَّا من مُدلِّس» ، ويُسقِط قوله: «وشَرْط
…
إلخ»،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب): [هو].
(3)
الكفاية (2/ 229).
(4)
في (هـ): [غيرها].
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
حاشية ابن قطلوبغا (ص 132).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا شَكَّ بَعَّدَ هذا في اتجاهه على المؤلِّف قوله: «ثبوت المعاصَرة» سواء ثبت السَّمَاع أو لا، وهذا رأي مُسْلِمٍ وجماعة، وقوله:«فإنَّها» أي: العَنعَنَة منه «ليست محمولة على السَّمَاع والاتِّصال» ، ولو قال: فإنها محمولة على عَدَم السَّمَاع]
(1)
كان أولى؛ لاحتمال ما قال للقولِ بالوَقْفِ.
[قوله]
(2)
: «وقيل: يُشْتَرَطُ» :
هذا قول ابن السَّمْعانيِّ
(3)
، وقال أبو عمرو الدَّانِي
(4)
: أنَّه لا بُدَّ من شَرْطٍ أخصُّ، وهو معرفة الراوي بالأخذ عمَّن عنعن عنه، وقيل: هو محمول على الانقطاع ولو لم يكن الراوي مدلِّسًا، حتى يَظْهَر وصْلُه بمجيئه من طريق آخر أنَّه سمعه؛ لأنَّ «عن» لا تُشعِر بشيءٍ من أنواع التَّحَمُّل.
وهو مردود بإجماع السَّلف، وحُكْم «أنَّ» حُكْم «عن» عند جُلِّ العلماء، كما نقله عنهم ابن عبد البَرِّ في «التمهيد» ؛ إذ لا عِبرة في الحروف والألفاظ بل باللقاء والمجالَسَة والسَّمَاع، يعني مع السلامة من التَّدْليس، وقال البَرْدِيجيُّ:«ما روِيَ بـ «أنَّ» محمول على الانقطاع حتى يَتَبَيَّن وصله له؛ لأنَّه سَمِعَه ممَّن رواه عنه في رواية أخرى»
(5)
، والذي اختاره العراقيُّ
(6)
: أنَّ كلَّ من أدرك ما رواه من قصة أو غيرها ولم يكن مدَلِّسا ثُمَّ روى بـ «عن» ، أو «أنَّ» ، أو بـ «قال» ؛ فإنَّه يُحْكَم لمرويِّه
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
القواطع (2/ 457).
(4)
ينظر: رسالة أبي عمر الداني (ص 24 - 25 - 26)، فلم أقف على ما نقل عنه هنا.
(5)
ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 62)، وشرح علل الترمذي (2/ 603)، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار (1/ 306).
(6)
شرح التبصرة (2/ 76).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بالوصل على ما قاله ابن عبد البَرِّ وغيره، صحابيًّا كان الراوي أو تابعيًّا، ومن لم يدرك ذلك فمرويُّه مُرسَل صحابيٍّ أو تابعيٍّ، أو مُنقطِعٌ إن لم يُسْنِده إلى من رواه عنه، وإلَّا فمتَّصِل، وسواء في ذلك روى بـ «عن» أو بغيرها، وهذه القاعدة يُحْمَل عليها ما خالفها ويُنَزَّل عليها بردِّه إليها.
قال الشَّارح: وقد تَرِدُ «عن» ولا يُراد بها بيان حُكْم اتصالٍ أو انقطاع، بل ذِكُرُ قصةٍ سواء أدركها أم لا بتقدير محذوف، أي: عن قصة فلان أو شأنه أو نحو ذلك، مثاله ما رواه ابن أبي خَيثَمَة في تاريخه، عن أبيه قال: حدَّثنا أبو بكر بن عَيَّاش، قال: حدَّثنا أبو إسحاقَ، عن أبي الأحوص أنَّه أخبره:«أنَّه طلع عليه جماعة من الخوارج قتلوه وأخذوا ماله»
(1)
، فهو وإنْ كان قد لَقِيه وسمع منه إلَّا أنَّه يَستَحِيل أنْ يكون أخبره بَعْد قَتْلِه، وإنَّما أراد نَقْل ذلك بتقدير مضافٍ محذوف كما تقرَّر، أي: عن قصة أبي الأحوص والراوي عنه، ولا يخفى أنَّ المراد: أنَّه لا بُدَّ من ثبوت سماع الراوي من ذلك الشَّيخ الذي عَنْعَن عنه.
[قوله]
(2)
: «لِيَحْصُلَ الأَمْنُ مِن
…
إلخ»:
أنتَ خبيرٌ بأنَّ [«أَمِن» يتَعَدَّى للمَخُوف عليه بـ «على» أو «في»، وللخَوف منه بـ «مِنْ»، ولا شَكَّ أنَّ]
(3)
باقي المُعَنْعَن مَخُوفٌ عليه؛ فحقُّه أنْ يُؤتى معه بـ «مِنْ» ، فلعلَّه مشى على طريق من يرى نِيَابَة بعض حروف الجرِّ عن بعض.
(1)
قضاء الوطر (3/ 1453)، ولم أقف عليه في الجزء المطبوع من التاريخ.
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
وَأَطْلَقُوا المُشافَهَةَ في الإِجَازَةِ المُتَلَفَّظِ بِهَا تَجوُّزًا.
وَكَذا المُكَاتَبَةَ في الإِجَازَةِ المَكْتُوبِ بِهَا، وهُوَ مَوْجودٌ في عِبَارةِ كَثِيرٍ مِنَ المُتأَخِّرينَ بخِلَافِ المُتَقدِّمينَ، فَإِنَّهُم إِنَّما يُطْلِقونَها فيما كَتَبَ بهِ الشَّيخُ مِنَ الحَديثِ إِلى الطَّالبِ؛ سَواءٌ أَذِنَ لَهُ في رِوايتِهِ أَم لَا، لَا فيما إذا كَتَبَ إِليهِ بالإِجَازةِ فَقَطْ.
وَاشْتَرَطُوا في صِحَّةِ الرِّوايَةِ بالمُنَاوَلَةِ: اقْتِرَانَها بِالإِذْنِ بالرِّوَايةِ، وَهِيَ إذَا حَصَلَ هَذَا الشَّرطُ- أَرْفَعُ أَنْوَاعِ الإِجَازَةِ؛ لمَا فيهَا مِنَ التَّعْيِينِ وَالتَّشْخيصِ.
[قوله]
(1)
: «وأَطْلَقُوا» :
أي: علماء الحديث من المتقدِّمين، «المشافَهَة» أي: استعملوها في الأداء لما تحمَّلوه (هـ/204) بالإجازة، حيث قالوا: شافَهَنِي فلان، وفيه طَرَفٌ من التدْلِيس والإيهام؛ لأنَّه لا يُتبادر منه إلَّا مشافهة الشيخ له بالتحديث لا بالإجازة، كما لا يَتَبَادر من المكاتَبَة عند علماء الحديث من المتأخِّرين إلى المكاتَبَة بالحديث، كما قاله الشارح فيما إذا قال: كتب إليَّ، لا الكتابة بالإجازة إلَّا تجوُّزًا فَحُذِفَ «تَجَوُّزًا» من الثاني لدلالة الأول عليه؛ فقوله:«وهو موجود في عبارة كثير من المتأخرين» قاصِرٌ على المكاتَبَة، والضمير المنفصل عائد على الإطلاق.
[قوله]
(2)
: «بخِلافِ المُتقدِّمين فإنَّهم
…
إلخ»:
هذا الذي عليه المتقدِّمون هو المكاتَبَة التي هي أحد أقسام التَّحمُّل عند العراقيِّ
(3)
، فإنَّه قال: الخامس أي: من أقسام التحمِّل الكتابة
ثُمَّ الْكِتَابَةُ بِخَطِّ الشَّيْخِ أَوْ
…
بِإِذْنِهِ عَنْهُ لِغَائِبٍ وَلَوْ
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
ألفية العراقي (ص 139)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لكن وقع الخلاف في صيغة أداء من تحمَّل بالكتابة، هل له أنْ يقول:«أخبرنا» «حدثنا» ، أو لا بُدَّ من التقْيِيد بقوله: كتابة؟ وقال الحاكم: الذي أختاره وعَهِدت عليه أكثر مشايخي وأئمة عصري، أنْ يقول فيما كَتَب إليه المحدِّث من مَدِينَةٍ ولم يُشافِهه بالإجازة: كَتَب إليَّ فلان.
وفي كتابة: قوله: «فيما كَتَب به الشَّيخ من الحديث» مِثْل «كتب الشَّيخ» : كَتَب ثقة بإذنه، سواءٌ كان [ذلك]
(1)
المكتوب له حاضرًا بالبلد أم لا، ويكفي معرفة المكتوب إليه الخطَّ، وأنَّه عن إذْنِ الشيخ، ولو لم تَقُم بيِّنةٌ على رؤية كتابته، ولا أقرَّ أنَّه خطُّه، خلافًا لمَنْ شَرَط ذلك كالحكم بالمكاتبات، وفُرِّق بنُدرة التباس الخطوط مع التوسُّع في الرواية، والرواية جائزة بما كَتَب به، سواءٌ قَرَنَ الشَّيخ (أ/175) الكتابة بالإجازة أم لا، والصحيح في التَّأْدِيَة أنْ يقول: حدَّثَنا أو أخبرنا كتابةً، أو مُكاتَبةً، أو كَتَب إليَّ، كما قاله الحاكم، خِلافًا لمنصور والليث حيث جَوَّزا الإطلاق فيما ذُكِر.
[قوله]
(2)
عَطْفٌ على: «فيما كَتَبَ به الشَّيخ من الحديث» .
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «واشْتَرَطُوا في صِحَّة الرِّوَايَةِ بالمُنَاوَلَةِ
…
إلخ»:
تقدَّم الخِلاف في كونها إذا قُرِنَت بالإذْن هل تَحِلُّ مَحِل السَّمَاع أو تكون بعده؟ وهو ماذَكَرَه هنا وفيما مَرَّ؛ إذ الإجازة المجرَّدة عن المُناولَة مُنْحَطَّةٌ عن السَّمَاع.
وقوله: «أَرْفَعُ أنواع الإجازة» :
أي: ممَّا يَفْتَقِر لإجازةٍ، أمَّا ما لا يَفتَقِر لها كـ: سماع الشَّيخ، أو ما قرئ عليه، أو قرأه؛ فليس بأرفع منه، فإن قُلْتَ: جَعْل اقترانها بالإذن بالرواية شرطًا في صحتها؛ يقتضي أنَّها عِنْدَ عَدَمه لا تصحُّ، وقوله إنَّها إذا اقْتَرنَت بالإذن:«أرفع أنواع الإجازة» ؛ يقتضي أنَّها عِنْد عَدَمه صحيحةٌ ولا تكون أرفعَ وهذا تناقضٌ! قُلْتُ: لا نُسَلِّم ذلك أنَّ قوله أنَّها إذا اقتَرنَت بالإذن تكون: «أرفعَ أنواع الإجازة» ، لا يقتضي أنَّها عند عَدَمه صحيحةٌ، بل كما يَحْتَمل ذلك يَحْتَمل خلافه، وكلامه يُعَيِّن الثاني؛ فتأمله، قاله (ج)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «بالإذْن بالرِّوَايَةِ» :
ضمَّن الإذْن معنى الإجازة فعداه بـ «الباء» ، وإلَّا فحقُّه أن يقول: في الرواية.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 516).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
وصُورَتُها: أَنْ يَدْفَعَ الشَّيخُ أَصْلَهُ، أَوْ مَا قامَ مَقامَهُ للطَّالِبِ، أَو يُحْضِرَ الطَّالِبُ الأَصْلَ للشَّيْخِ، ويَقُولَ لهُ في الصُّورَتَينِ: هَذَا رِوَايَتي عَنْ فُلانٍ فَارْوِهِ عنِّي.
وَشَرْطُهُ أَيضًا: أَنْ يُمَكِّنَهُ منهُ؛ إِمَّا بالتَّمْليكِ، وَإِمَّا بالعَاريَّةِ؛ لِيَنْقُلَ منهُ، ويُقَابِلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا إِنْ نَاوَلَهُ، وَاسْتَردَّ فِي الحَالِ، فَلَا تُتَبَيَّنُ أَرْفَعِيَّتُهُ، لَكِنَّ لَهَا زِيَادةَ مَزيَّةٍ عَلَى الإِجَازةِ المُعَيَّنَةِ، وَهِيَ أَنْ يُجيزَهُ الشَّيخُ برِوَايةِ كِتَابٍ مُعيَّنٍ، ويُعَيِّنَ لَهُ كَيْفيَّةَ رِوَايتِهِ لهُ.
وَإِذَا خَلَتِ المُنَاولَةُ عَن الإِذْنِ، لَمْ يُعْتَبَرْ بِهَا عندَ الجُمْهورِ.
[قوله]
(1)
: «أو ما قام مَقَامَهُ» : أي: من فرعه، أو أصْل أصْلِه المقابَل به فيهما.
[قوله]
(2)
: «أو يُحْضِرَ الطَّالبُ الأصْلَ» : أي: ويعرفه، فإن لم يعرفه واستمر على قول المُحْضَر ناوله له وأذِن له؛ فإن كان الطالب ثقة جاز ذلك، وإلَّا بَطَلَتْ المناولة والإذن مالم يُتَبَيَّن صِدْقه فتصحَّ المناولة والإذن.
وفي كتابة: قوله: «أو يُحْضِرَ الطَّالِبُ» أي: أو أصْله أو فَرْعه المقابل، ثُمَّ ظاهره ولو لم يَنظُر الشَّيخ الأصل الذي أحضَره الطالب، ولكنَّه ناوله إياه وأذِن له في روايته، وهو كذلك الطالب الذي أحضره وأخبره من حديثه ثقة واعْتَمَد عليه الشَّيخ في ذلك؛ فإن لم يكن ثقة بَطَلَت المناولة والإذن، إلَّا أن يَتَبَيَّن بَعْدَ ذلك بخبر ثقة أنَّ ذلك الكتاب من مرويَّه؛ لزوال ما (هـ/205) كان يُخْشَى، على ما اختاره العراقيُّ.
[قوله]
(3)
: «[ويقول]
(4)
له في الصُّورَتَينِ»:
الفاعل بـ «يقول» ضمير الشَّيخ، والمجرور باللام عائد على الطالب في الصورتين.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
في (هـ): [قول].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «هذا رِوَايَتِي» :
هذه الجملة مَقُولة القول، والراوية بمعنى المَرْوي، وقوله:«روايتي» خَرَج مَخْرَج التمثيل، وكذا: مَسْمُوعِي، ومُجَازِي، ومُنَاوَلِي مثلًا.
[قوله]
(2)
: «وشَرْطُه أيضًا» :
أي: شَرْطُ الاعتداد بذلك الفعل، وصحة الرواية به: أن يُمكِّن الشَّيخ الطالبَ منه ذلك الأصل المُناوَلِ، أو ما يَقُوم مَقَامه بقدرِ ما يروي عنه منه، أو يَنْسَخُ منه فرعًا، أو يقابِلُه عليه، أو يُقابِل فرعه، وقوله:«أيضًا» أي: كما اشْتُرِط في صحة الرواية بالمُناولَة اقترانها بالإذْن.
[قوله]
(3)
: «بالتَّمْلِيكِ» :
ولو بالبيع؛ فالصَّدَقَة والهِبَةُ والعَطِيَّة أولى.
[قوله]
(4)
: «وإمَّا بالعَاِريَّة» :
ربَّما يُفْهَم من قوله: «إمَّا بالتَّمليك وإمَّا بالعَاريَّة» أنَّه لا تفاوت بينهما كما سكت عنه ابن الصَّلاح
(5)
، إلَّا أنَّه هو والقاضي عِيَاضٌ قدَّمَاه على العاريَّة؛ فأَخَذ منه العراقيُّ وغيره التَّفَاوت، وأنَّ التَّمليك أرفعُ من العاريَّة، ولا فَرْقَ بين كون التَّمليك بهِبةٍ أو بيعٍ أو غير ذلك، لا بُدَّ من قول الشَّيخ حين المناولة: هذا من تأليفي، أو سماعي، أو روايتي عن فلان، وأنا عالمٌ بما فيه؛ فارْوِه عنِّي، ونحو ذلك،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).
(5)
مقدمة ابن الصلاح (ص 166).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وكذا لو لم يَذْكُر اسم شيخه وكان مَذْكورًا في الكتاب المُناوَل مع بيان سماعه أو إجازته أو نحو ذلك، ولا يخفى أنَّ «إمَّا» في كلامه لمَنْع الجَمْع، نعم: كان ينبغي له أنْ يقول مثلًا: لتدخل الإجازة، لا بُدَّ في كل من العارية والإجازة أن يقول له مع ما مَرَّ في التمليك: انتَسِخْه ثُمَّ قابِل به نسختك التي انتَسخْتَها، أو نحو ذلك، ثُمَّ رُدَّه لي.
قوله: «لِيَنْقِل
(1)
مِنْهُ»:
أي: يَنْسَخَ منه، وأشار بقوله:«ويُقَابِل عليه» أي: اشتراط المقابلة، يريد بالأصل أو بالفرع المقابَل عليه.
[قوله]
(2)
: «وإلَّا إنْ ناوَلَه واسْتَرَدَّ
…
إلخ»:
حقُّه أنْ يقول: وإلَّا فإن ناوله
…
إلخ، وفي بعض النُّسخ: «وأمَّا إذا ناوله واسترده
…
إلخ»، وهي صحيحة.
وقوله: «فلا يَتَبَيَّنُ لها زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ
…
إلخ»:
أي: وله الرواية بهذه الرواية من نُسخَة قد وافَقَتْ النَّسخة التي استردها، إمَّا بمقابلتها عليها، أو بإخبار ثقة بموافقتها، أو من النُّسخة التي ردَّها المُخْبر إن ظَفَر بها وغَلَب على ظنِّه عَدَم [حصول]
(3)
التَّغْيِير فيها، قاله (ج)
(4)
.
وقال (هـ)
(5)
:
قوله: (أ/176)«وإلَّا» أي: وإن لم يمكِّنه الشَّيخ من الأصل لا بتمْليكٍ ولا
(1)
في (هـ): [ينقل].
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
زيادة من (ب).
(4)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 516 - 517).
(5)
قضاء الوطر (3/ 1460).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بعاريَّة، بأنْ ناولَه الشَّيخ الأصل وأذِن له في روايته عنه، ولكنَّه استردَّه منه في الحال
…
إلخ، وبهذا ظَهَر لك حَذْفٌ، فالجواب من قوله:«إن ناوله» ، ويجوز أنْ يكون من باب تكرير الشَّرْط؛ فيجري على بابه، وقوله:«زيادة مَزِيَّة» فيه إفادة أنَّها صحيحة بلا مزيَّة، وحينئذ يُؤخَذُ من أصلٍ موافق لأصل شيخه، أو لفرعٍ مقابَلٍ به ولو بإخبار ثقة.
[قوله]
(1)
: «على الإجازة المُعَيَّنَةِ» :
أي: المُعيَّن فيها المُجاز به، أو المُجاز له، أو هما؛ فإيقاع التَّعْيِين عليها مَجازٌ، ولا يخفى أنَّ المراد: المعيَّنة المجرَّدة عن المناولة وعدم المزية، إنما هو رأي المحقِّقين من الفقهاء والأصوليين؛ لأنَّ العَرْض يعني المُجاز به، فلا فَرق بين حضوره وغَيبته، وأما أهل الحديث فقد جعلوا لها مَزيِّة عليها في القديم والحديث كما لو يمسك مرويَّه عن الطالب سواء بسواء.
[قوله]
(2)
: «وعَيَّن له كَيْفِيَّةَ روايَتِهِ له» :
ظاهره أنَّه شَرْطٌ في صحة الرواية بالإجازة، وهو كذلك؛ فلا بُدَّ من تعْيِين أنَّه يرويه بالقراءة، أو السَّمَاع، أو الإجازة، أو المناولة، ولا بُدَّ من بيان كيفية الإجازة أيضًا، بل قال ابن الصَّلاح
(3)
وغيره: يتَعَيَّن على من يَروي عن شيخٍ بالإجازة أنْ يَعْلَم أنَّ ما يرويه عنه ممَّا تحمَّله شيخُه قبل إجازته له، ومِثلُها ما يتجدَّد للمُجِيز بعدها من نَظْمٍ وتأليف.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
مقدمة ابن الصلاح (ص 161).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تنبيه
(1)
: (هـ/206)
كلامه مع صراحته في شرطيَّة ما ذُكِر يوهِم وجوب تعْيِين المُجاز به والمُجاز له، وقد مَرَّ لنا: أنَّ دونه مع الصحة تعْيِين المُجاز دون المُجاز به؛ فما يُفْهَم من كلامه من تخصيص ما ذُكِر بالجواز دون غيره خلاف الأرجح، وإن كان الخلاف فيما ذكرناه وجودًا، قاله (هـ)
(2)
.
[قوله]
(3)
: «وإذا خَلَت المُنَاوَلَةُ عن الإِذْنِ
…
إلخ»:
أي: عن الإذْن باللفظ، واقتَرَن بها ما يُشْعِر بالإذْن، هذا مَحِل الخلاف، وأما إذا خَلَت عمَّا يشعر به أيضًا؛ فلا يجوز بها الرواية اتفاقًا كما يأتي، وهذا شامل لِمَا إذا وُجِد معها ما يَصْرِف عن الإذْن، أو ما هو مُحْتَمِلٌ له ولِعَدَمِه، قال العراقيُّ: وإنْ خَلَتْ مِنْ إذْنِ المُنَاْولَهْ
…
قِيْلَ: تَصِحُّ والأَصَحُّ بَاْطِلَهْ
(4)
.
قال في شرحه: «إذا خَلَت المناولَة [عن الإذن]
(5)
» بأنْ ناوله مرويَّة فارَق الإعلام، واقتصر على قوله: هذا من مرويي، أو حديثي، أو نحوه؛ فقيل: تجوز الرواية بذلك لإشعاره بالإذْن في الرواية، والأصحُّ عَدَم الجواز؛ لعَدَم التَّصريح فيها بالإذْن.
وقال الزَّرْكَشِيُّ
(6)
: «ولو ناوله الكتاب ولم يخبره أنَّه سماعه أو مرويه لم تَجُز الرواية اتفاقًا» .
(1)
في (هـ): [تنبه].
(2)
قضاء الوطر (3/ 1465).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
ألفية العراقي (ص 137).
(5)
زيادة من (ب).
(6)
بنصه من حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 517 - 518).
وجَنَحَ مَنِ اعْتَبَرَها إِلَى أَنَّ مُنَاولَتَهُ إِيَّاهُ تَقُومُ مَقامَ إرْسَالِهِ إلَيْهِ بالكِتَابِ مِن بلدٍ إِلى بلدٍ.
وقَدْ ذهَبَ إِلى صحَّةِ الرِّوايةِ بالمُكَاتَبةِ المُجرَّدةِ جَماعةٌ مِنَ الأئمَّةِ، ولَوْ لم يَقْتَرِنْ ذَلكَ بالإِذْنِ بالرِّوايَةِ، كأَنَّهُم اكْتَفَوْا في ذَلكَ بالقَرينَةِ.
ولَمْ يَظْهَرْ لي فَرقٌ قويٌّ بَيْنَ مُنَاولةِ الشَّيخِ الكِتَابَ مِن يَدِهِ للطَّالبِ، وبينَ إِرْسَالِهِ إِليهِ بالكِتَابِ مِنْ مَوْضعٍ إِلى آخَرَ إِذَا خَلَا كلٌّ مِنْهُما عَن الإِذْنِ.
وَكَذَا اشْتَرَطُوا الإِذْنَ في الوِجَادَةِ، وَهِيَ: أَنْ يَجِدَ بِخَطٍّ يَعْرِفُ كَاتِبَهُ، فيَقُولُ: وَجَدْتُ بخطِّ فُلَانٍ، وَلَا يَسُوغُ فِيهِ إِطْلَاقُ:«أَخْبَرَني» بمُجرَّدِ ذَلكَ إِلَّا إِنْ كَانَ لهُ منهُ إِذنٌ بالرِّوايَةِ عنهُ.
وأَطلقَ قَوْمٌ ذَلكَ فَغَلِطُوا.
قوله: «يَقُوم مَقَامَ إرْسَالِه بالكِتَابِ» :
الذي فيه الحديث مجرَّدًا عن الإجازة والإذْن في روايته؛ فإنَّ الصحيح جواز روايته له بمجرد الإرسال إليه.
قوله: «بَيْنَ مُنَاوَلَه الشَّيخِ الكِتابَ من يَدِهِ للطَّالِبِ» :
أي: بلا إذْن له في روايته، حيث لا تجوز له روايته عنه بذلك، «وبَيْنَ إرساله إليه الكتاب من مَوضِعٍ إلى آخر» أي: حيث يجوز له روايته عنه بذلك، وإنْ لم يكن معه إذنٌ في روايته عنه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تتمة
(1)
:
يقول الراوي بالمُناولَة والإجازة إذا أدَّى: حدَّثنا أو أخبرنا، مع التقْيِيد بما ذُكِر ولا يُطْلِقُ على الأصحِّ عند الجمهور، خوفًا من حَمْله على غير المراد، كما أنَّ الأصح عند الجمهور أنَّه لا بُدَّ أن يَأتِيَ بما يُبَيِّن الواقع في كيفيَّة التحمُّل من: سماعٍ، أو مناولَة، أو إجازةٍ، بحيث يتمَيَّز كلٌّ عن غيره، كأن يقول: حدَّثنا أو أخبرنا فلان إجازةً أو مُناولَة، أو إجازةً ومُناولَةً، أو أذِن لي وأطْلَق لي، أو سوَّغ أو أباح لي، أو ناولَني، بل لو أباح المُجيز للمُجاز أنْ يُطْلِق: حدَّثنا أو أخبرنا؛ لم يَجُز له اعتماده لعَدَم إفادته، لا بُدَّ من الإتْيان بما يُبَيِّن الواقع كما مَرَّ.
[قوله]
(2)
: «وكذا اشْتَرَطُوا الإذْنَ في الوِجَادَةِ» :
أي: رواية ما تحمَّله بالوجادة، بلفظ: أخبرني، هذا مراده كما يدلُّ عليه ما ذَكَرَه في الشرح من قوله: «فيقول: وَجَدت بخطِّ فلانٍ، ولا يَسُوغ فيه
…
إلخ»، وانظر: هل يَسُوغ أنْ يَقول: أخبرني وِجَادةٍ من غير إذنٍ وهو الظاهر، أم لا؟ قاله (ج)
(3)
.
وفي كتابة: «الوِجَادَةُ» بكسر الواو، وتقدَّم بيان مَرْتَبَتِها، وهي مصدَرٌ مولَّدٌ قَصَدَ به المحدِّثون بيان معنى هذا النَّوع من وجوه (أ/177) التحَمُّل،
(1)
قضاء الوطر (3/ 1461).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 518).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حيث رأوا العَرَب فرَّقوا بين مصادر وَجَدَ على اختلاف معانيه، فقالوا: وَجَدَ- بمعنى استغنى- وُجْدًا بالضم، وَوَجَدَ -بمعنى حَزِنَ- وَجْدًا بالفتح، وَوَجَدَ -بمعنى أصاب- وجُودًا، وهَلُمَّ جَرًّا.
[قوله]
(1)
: «يَعْرِفُ كَاتِبَهُ» :
أي: سواءٌ عاصره أو لا، وظاهره ولو لم يكن ثقة كما هو ظاهر كلامهم، ولا يَبْعُد إبقاؤه على ظاهره، نعم: وجوب العمل الآتي ينبغي أن لا يكون إلَّا حيث كان ثقة؛ تأمل.
إن وَثَقْت أنَّه بخطه؛ فلا إشكال أنْ تقول: وَجَدَت بخطِّ فلانٍ، أو قرأتُ بخطِّ فلانٍ، ثُمَّ تسوق سنده ومَتْنَه، وإن لم تَثِق أنَّه خطُّه فقل: وجدتُ عنه، أو ما قال لي فلانٌ أنَّه خطُّ فلانٍ، أو ما ظَنَنْتُ أنَّه خطُّ فلانٍ، وهذا النَّوع الذي لم يقارنه إذنٌ سواءٌ ما وَثَقت فيه بالخَطِّ وما لم تَثِق: كلُّه عندهم منقَطِعٌ أو مُعَلَّقٌ؛ لأنَّ الوِجَادة العاريَة من الإذن ليست من أسباب الرواية، وإنَّما هي حكايةٌ لِمَا وَجَد في الكتاب، ولكنَّ النَّوع الأول وهو: ما وَثَقت بأنَّه خطُّه، فيه شائبةُ أصْلٍ لزيادة (هـ/207) القوة غير أنَّه لا يؤدَّى فيه بـ «عن» ، ولا بـ «حدَّث» ولا بـ «أَخْبر» ؛ لأنَّه بهذا يكون دَلَّسَه فيوهم أنه أخذَهُ عن صاحبه سماعًا أو إجازةً.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثُمَّ في العَمَل بالوِجَادةِ وما تضَمَّنَتْه ثلاثةُ أقوالٍ: وجوب العَمل على ما جَزَم به بعض المحقِّقين من أصحاب الشَّافعيِّ، [وامتناعه]
(1)
قياسًا على المُرسَل ونحوه مما لا يَتَّصِل، وجوازه ونُسِبَ للشَّافعيِّ، قال القاضي عِياضٌ
(2)
: وهو الذي نَصَرَه الجُوينيُّ واختاره غيرُه من أرباب التحقيق، قال العراقيُّ
(3)
: والأول هو الصواب الذي لا يَتَّجِه غيره في الأعصار المتأخرة؛ لقُصور الهِمَم فيها عن الرواية بالقراءة أو السَّمَاع، فلم يَبقَ إلَّا الوِجادة، وقال النَّوويُّ
(4)
: إنَّه الصحيح.
[قوله]
(5)
: «إِطْلَاقُ: أَخْبَرَنِي» :
أمَّا لو قَيَّد كـ: أخبرني فيما قرأتُ بخطِّه، أو بقراءتي بخطِّه، ونحوه؛ لم يكن مَحِل خِلَافٍ.
(1)
في (ب): [واتباعه].
(2)
الإلماع (120).
(3)
شرح التبصرة والتذكرة (1/ 460).
(4)
التقريب والتيسير للنووي (ص 66).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
وَكَذا الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ، وَهي أَنْ يُوصِيَ عندَ موتِهِ أَو سفرِهِ لشَخْصٍ مُعيَّنٍ بأَصلِهِ، أَوْ بأُصُولِهِ، فقَد قَالَ قومٌ مِنَ الأئمَّةِ المُتَقدِّمينَ: يَجُوزُ لهُ أَنْ يَرْوِيَ تلكَ الأُصُولَ عَنْهُ بمُجرَّدِ هذه الوَصيَّةِ!
وَأَبَى ذَلكَ الجُمْهورُ، إِلَّا إِنْ كَانَ لهُ مِنْهُ إِجَازةٌ.
وَكَذَا شَرَطوا الإِذْنَ بالرِّوايَةِ في الإِعْلَامِ، وهُوَ أَنْ يُعْلِمَ الشَّيخُ أَحدَ الطَّلَبةِ بأَنَّني أَرْوي الكِتَابَ الفُلانيَّ عَنْ فُلَانٍ.
فَإِنْ كَانَ لهُ منهُ إِجَازةٌ، اعْتبرَ، وَإِلَّا فلَا عِبْرَةَ بذَلكَ؛ كالإِجَازَةِ العَامَّةِ في المُجَازِ لَهُ، لَا في المُجَازِ بهِ؛ كأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لجَمِيعِ المُسْلمينَ، أَوْ: لِمَنْ أَدْرَكَ حَيَاتِي، أَوْ: لأَهْلِ الإِقليمِ الفُلَانيِّ، أَو: لِأهْلِ البَلْدةِ الفُلانيَّةِ.
وَهُوَ أَقْرَبُ إِلى الصِّحَّةِ؛ لقُرْبِ الانْحصَارِ.
وَكَذَلكَ الإِجَازَةُ للمَجْهُولِ؛ كأَنْ يَكُونَ مُبْهَمًا أَوْ مُهْملًا.
[قوله]
(1)
: «وكذا الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ» :
قال بعضهم: كان ينبغي إثبات «في» بعد قوله: «كذا» ؛ ليستقيم إعرابُ المَتْن، قُلْت: إعرابُه مستقيمٌ بعدمها؛ فـ «الوصية» مبتدأ، و «كذا» خبره، واسم الإشارة راجِعٌ للوجادة بالمعنى المصدريِّ، يعني أنَّ الوصية كالوِجَادة في اشتراط الإجازة
(2)
.
قوله: «أو بِأُصُولِهِ» :
أي: ولو كلُّها، لكن لا مع إعلامه صريحًا بأنَّه يرويه حتى يفارِق الإعلام.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (3/ 1471).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «من أئِمَةِ المُتَقَدِّمِينَ» :
منهم ابن سيرين، محتَجِّين في ذلك بأنَّ فيه نوعًا من الإذْن وشَبَهًا من العَرْضِ أو المُناولَة، ورُدَّ بأنَّ الوصِيَة ليست بتحديثٍ ولا إعلامٍ بمرويه، على أنَّ ابن سيرين القائل بالجواز توقَّف فيه بعد، قال ابن الصَّلاح
(2)
: والقول بجواز الرواية بالوصيَّة زَلَّة عالم، مالم يُرِدْ قائله الرواية بالوِجَادَة، ولا يَصِحُّ تشبيهه بواحد من قِسمَي الإعلام والمُناولَة؛ فإنَّ لمجوِّزيها مستندًا ذَكَرْناه لا يتقَرَّرْ مثله ولا قريبٌ منه هنا، وأنْكَرَ ذلك ابن أبي الدَّمِّ وقال: الوصيَّة أرفعُ رتبة من الوِجَادة بلا خلافٍ، وهي معمولٌ بها عند الشافعيِّ وغيره
(3)
؛ فهذه أولى وتَبعه الشارح في بعض كتبه كما نَقَلَه عنه بعض تلامذته في «شرح ألفيَّة العراقيِّ»
(4)
.
[قوله]
(5)
: «فإنْ كان له» :
أي: للطالب، «منه» أي: من الشيخ «إجازةٌ» ، وجواب الشَّرْطِ محذُوفٌ تقديره: رواه.
وقوله: «وإلَّا» :
أي: وإن لم يَكُن للطالب إجازة من الشَّيخ؛ «فلا عِبْرة بذلك» الإعلام المجرَّد فهو قاصر على ما بعد، كذا ما قبله فينبغي فيه التصريح باشتراط الإذن معه، وما مشى عليه في الإعلام وهو قول الطُوسيِّ، وربما لا يجوز روايته عنه بلا
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 177).
(3)
ينظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (3/ 21).
(4)
المرجع السابق.
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إذن فِرْقَةٌ من المتقدمين كابن جُريجٍ، وصاحب «الشامل» ردَّ بأنَّ هذا محمول على باب الاستدعاء في تحمُّل الشهادة، فكما لا يكفي إعلامه لها أو سماعه [لها]
(1)
منه في غير مجلس الحُكْم، وأنَّه لا بُدَّ أن يأذَن له في أن يشهد على شهادته، ولجواز أن يمتَنِع من أدائها لشكٍّ دخله؛ فكذلك هنا، قال ابن الصَّلاح: فهذا مما تساوت فيه الرواية والشهادة، نعم: إذا صحَّ عند أحدٍ ما حَصَل به الإعلام من الحديث وَجَبَ عليه العمل به وإن لم يَجُز له روايته؛ لأنَّ العمل به يُكْتَفى فيه بصحته في نفسه وإن لم يكن له به رواية، كما في نقل الحديث من الكتب المعتَمَدة، قيل: وفي القول بالمَنْع نظرٌ يؤخذ من كلام ابن أبي الدَّمِّ الذي قدَّمناه. (أ/178)
[قوله]
(2)
أي: سواء كان مشتملا على وصفٍ خاصٍّ
(3)
أو لا، كما يعلم من أمثلة الشارح، وما مشى عليه من المنع هو قول ابن الصَّلاح
(4)
، لكن قد أجازها جماعات من الأئمة المُقْتَدَى بهم ممَّن تقدَّم على ابن الصَّلاح وممَّن تأخر عنه، ورجَّحه ابن الحاجب والنووي (هـ/208) وغيرهما
(5)
، هذا وقد قال العراقيُّ
(6)
مع أنَّه ممن يروي بها: وفي النَّفس منها شيءٌ، وإنَّما أتوَقَّف عن الرواية بها، وقال في «نكته»: والاحتياط تَرْك الرواية بها.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من: (أ) و (ب).
(3)
في هامش (ب): لأن الرواية تجوز بالوصية فهنا أولى.
(4)
مقدمة ابن الصلاح (ص 164).
(5)
الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص 483)، وينظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح، للزركشي (3/ 516).
(6)
شرح التبصرة والتذكرة (1/ 420).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
صورتها أن يُعَيِّن المُجاز له ويُعَمِّم في المُجَاز به، كقوله: أجَزتُ لفلان جميعَ مسموعاتي، وجميعَ مروياتي، أو جميع مجازاتي، وليس معناه أنَّه عمَّم في المُجاز له لا في المُجاز به؛ لأنَّه متى عمَّم في المُجاز له بَطَلَت سواء عمَّمَ في المُجاز به أو خَصَّصَ، كقوله: أجَزت لجميع المسلمين جميع إجازاتي، أو لهم أو لمن أدرك زماني في الكتاب الفلاني، أو مروياتي، على الراجح وأشار بقوله: «أو لأهل الإقليم
…
إلخ» إلى أنَّ التعميم على قسمين: تارةً لا يكون مع وَصْفِ حَصْرٍ، وتارةً يكون معه.
وقوله: «وهو أَقْرَبُ إلى الصِّحَّة
…
إلخ»:
وجْهُهُ: أنَّ التعميم الذي معه وصفُ حَصْرٍ أقْرَب إلى الجواز عِنْدَ مُجيزي الإجازة العامة مما ليس معه وَصْف حَصْرٍ كما قاله ابن الصَّلاح، بل قال القاضي عِيَاضٌ
(2)
: فما أحسبهم اختلفوا في جوازه ممن تصح عنده الإجازة ولا رأيت منعه لأحد لأنه محصور موصوف كقوله لأولاد فلان أو إخوة فلان.
[قوله]
(3)
: «وكَذَا الإِجَازَةُ للْمَجْهُولِ
…
إلخ»:
سياق كلامه يعطي أنَّه المُجَاز له، مع أنَّه لا فَرْق في الجهل بين كونه في المُجَاز
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
الإلماع (ص 101).
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
له، أو في المُجَاز به، أو فيهما؛ فالأول: كأجزتُ بعضَ الناس صحيح البخاري، والثاني: كأجزت بعضَ مسموعاتي، والثالث: كأجزتُ جماعةً من الناس بعضَ مسموعاتي.
[قوله]
(1)
: «كأنْ يكون مُبْهَمًا أو مُهْمَلًا» :
قال (ق)
(2)
: «تقدَّم أنَّ المُبْهَم: من لم يُسَم، والمهمل: من سُمِّيَ ولم يَتمَيَّز» انتهى، قُلْتُ: وذلك بترك ما يُعْرَف به من كُنْيَةٍ، أو لقبٍ، أو حِرْفَةٍ، أو نسَبٍ، ولا يخفى عليك أنَّ الإبهام والإهمال يجريان أيضًا في المُجَاز له والمُجَاز به، كأجزتُ محمد بن خالد الدمشقيَّ وهناك جماعة يشاركونه في اسمه ونِسبَته المذكورة، أو أجَزت الفلاني كتابَ السُّنن وفي مرويَّاته عدة كتب يعرف كل منها بالسُّنن، ومَحِل المَنْع ما لم يتعَيَّن الشَّخص أو الكتاب فإن تعَيَّن؛ جاز، كأنْ يقال للشيخ: أجَزتَ لي كتاب السُّنن لأبي داود، فيقول: أجزتُ لك رواية السُّنن، أو يُقال له: أجزتَ لمحمد بن خالد بن علي بن مسعود، فيقول: أجزتُ لمحمد
…
إلخ؛ لأنَّ الجواب يُنَزَّل على السؤال.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
حاشية ابن قطلوبغا (ص 135).
وَكَذَلكَ الإِجَازةُ للمَعْدُومِ؛ كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لِمَنْ سَيُولَدُ لِفُلَانٍ.
وَقَدْ قيلَ: إنْ عَطَفَهُ عَلَى مَوْجُودٍ، صَحَّ؛ كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ، وَلِمَنْ سيُولَدُ لَكَ، والأقْرَبُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَيضًا.
وكَذَلكَ الإِجَازةُ لمَوْجودٍ أَو مَعْدومٍ عُلِّقَتْ بشَرْطِ مَشِيئةِ الغَيْرِ؛ كَأَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لكَ إِنْ شَاءَ فُلَانٌ، أَوْ: أَجَزْتُ لمَنْ شَاءَ فُلَانٌ، لَا أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكَ إِنْ شِئْتَ.
[قوله]
(1)
: «وكَذَا الإِجَازَةُ للْمَعْدُومِ» :
أي: سواءٌ كان تابعًا لموجودٍ أو كان خاصًّا به استقلالًا.
فالأول: كأجزت مروياتي أو كتابَ كذا لفلان وأولاده ونَسْله وعَقِبه ولمن يُولَد له.
والثاني: كقوله: أجزت لمن يولَد لفلانٍ، ولم يُصَرَّح به؛ لأنَّه في الخلاف أضيق من الأول، وممن أجاز الأول:
[ابن أبي داود السِّجِسْتَانيُّ]
(2)
وفَعَلَه أيضًا، وحجَّته: القِياس على الوصيَّة والوَقْف على المعدوم، وعليه حيث يَصَّحان إذا عُطف على موجود، كوقفت أو أوصيت فلانًا على أولادي الموجودين ومن يُحْدِّث الله لي من الأولاد، كذا قاله الشافعية، وما مشى عليه الشارح كلام القاضي أبي الطيب، فإنه ردَّ القِسمين جميعًا، قال العراقيُّ
(3)
: وهو الصحيح المعْتَمَد، ووَجَّهه بأنَّ الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز به؛ فكما لا يصحُّ الإخبار للمعدوم لا تصحُّ الإجازة له،
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في النسخ الثلاث [أبو داود] وهو تصحيف، الكفاية، للخطيب (2/ 295).
(3)
شرح التبصرة (2/ 207).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفارَقت الوقف والوصية بأنَّ المقصود فيها: اتصال السَّنَد، ولا اتصال بين الموجود والمعدوم، ويَلْزم بعض أتباع أبي حنيفة ومالك ممَّن أجاز الوقف والوصية للمعدوم أنْ يُجِيز الإجازة له بل هي أولى، وقد مَرَّ الفَرْق بينهما.
قوله: «بِشَرْطِ مَشِيئَة الغَيْرِ» :
أي: غير المُجَاز له؛ فيشْمَل ما عُلِّق بمشيئة المجيز.
[قوله]
(1)
: «إلَّا أنْ يقول: أجزتُ لك إنْ شِئْتَ» :
أي: بأنْ علَّق الإجازة بمشيئة المُجَاز له مُعَيَّنًا، فإنْ (هـ/209) علَّقَها بمشيئة مُبْهَمًا كقوله: مَنْ شاء أنْ أجيز له فقد أجزتُ له؛ فقال ابن الصَّلاح
(2)
: الظاهر بطلانها، وأفتى به القاضي أبو الطيب الطبري الشافعي، وأجازها أبو يعلى بن الفراء الحنبلي، وأبي الفضل بن عَمروس بفتح أوله، وذا الخلاف يجري فيما إذا علَّقَها بمشيئة غير (أ/179) المُجَاز له معيَّنًا ولو عَيَّن المُجَاز، ويدخل في ذلك: تعليقُها بمشيئة الشيخ المُجِيز كقوله: من شاء فلانٌ أن أجِيزَه فقد أجزتُه، أو أجزتُ لمن شاءه فلانٌ، أو أجزتُ إنْ شئتَ إجازته، وأمَّا إذا علَّقَها بمشيئة [غير]
(3)
المُجَاز له وهو غير مُعَيَّنٍ كقوله: أجزتُ لمن شاء بعض النَّاس أنْ أجِيزَه، فهي باطلة قطعًا؛ فالصُور أربعٌ: منها واحدة باطلةٌ قطعًا وهي الأخيرة، وواحدةٌ جائزةٌ قطعًا وهي الأولى، والمتوسطتان فيهما خلاف، قاله (ج)
(4)
.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 156)، وما بعدها.
(3)
زيادة من (ب).
(4)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 520).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال (هـ)
(1)
: قوله: «لموجودٍ أو مَعْدُومٍ عُلِّقَت بِشَرْطِ
…
إلخ» يجعله من قِسم الإجازة للمعْدوم فقط، ولا من قسم الإجازة للمجهول فقط؛ لأنَّه قد يتركب منها جميعًا كما أشار إليه بقوله:«لموجود أو معدوم» بِجَعْل «أو» في كلامه مانعة خلوٍّ لا جَمْعٍ، وأمَّا ابن الصَّلاح فلم يُفْرِده بترجمة بل أدْخَله في الإجازة للمجهول؛ لأنَّ فيه جهالة وتَعْلِيقًا، وأفرَده العراقيُّ؛ لأنَّ الصورة الأخيرة منه لا جهالة فيها، أعني ما أشار إليه الشارح هنا بقوله:«أجَزتُ لك إنْ شئتَ» ، وملخَّص القول في المسألة: أنَّ المشيئة تارة تكون في الإجازة ولها صورتان:
الأولى: تعليقها بمشيئة المُجاز له، كقوله: من شاء أن أُجيز له فقد أجزتُ له، أو أجزتُ لمن شاء.
والثانية: تعليقها بمشيئة غيره معيَّنًا كقوله: من شاء فلانٌ أن أُجيزه فقد أجزتُه، أو أجزتُ لمن يشاؤه فلانٌ، أو أجزتُ من شئتَ إجازته.
وما قاله المؤلِّف تَبِع فيه ابن الصَّلاح
(2)
وغيره، معلِّلًا له بأنَّه إجازة لمجهول؛ فهو كقوله: أجزت لبعض الناس، وقد يعلَّلُ أيضًا بما فيها من التعليق بالشَّرْطِ، وأجازهما أبو يَعلى بن عَمروس، مجيبين باندفاع الجهل بالمشيئة.
وتارةً يكون في الرواية بها، بأنْ يقول: من شاء أن يروي عني أجزتُ له أن يروي عني، وهذه الصُورة عند من يجوِّز الأوليَيْن أولى؛ من حيث إنَّ مقتضى كلَّ إجازةٍ تفويض الرواية بها إلى مشيئة المُجَاز له، فكان هذا مع كونه بصيغة التعْلِيق تصريحًا بما يقتضيه الإطلاق وحكايةً للحال لا تعليقًا في الحقيقة، وأيده
(1)
قضاء الوطر (3/ 1481).
(2)
مقدمة ابن الصلاح (ص 158).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بتجويز البيع بقوله: بعتك هذا بكذا إنْ شئتَ مع القبول، ورده العراقيُّ بأنَّ: المتاع مُعيَّن والمُجَاز هنا مبهَمٌ
…
إلخ.
[قوله]
(1)
: «لا أنْ يقولَ
…
إلخ»:
يعني أنَّه إذا عَيَّن فقال: أجزتُ لفلانٍ أنْ يردَّ أو يُجيب أو يشاء الإجازة أو الرواية عني فالأظهر الجواز، وهو الأقوى؛ لانتفاء الجهالةٍ حينئذٍ.
خاتمة
(2)
:
بَقِيَ من أنواع الإجازة: الإجازة لغير المتأهِّل حال الإجازة، كالكافر، والفاسق، والمبتدع، والمجنون، والحمل، والطفل الذي لم يميِّز، والجمهور على صحتها للأخير؛ لأنَّ الإجازة إنما هي إباحة المُجيز الرواية له، والإباحة تصحُّ للعاقل وغيره، فكأنَّهم رأوا الطفل أهلًا لتحمُّل هذا النوع الخاصِّ ليؤدي به بعد أهليَّته، حرصًا على إبقاء سلسلة الإسناد التي اخْتُصَّت بها هذه الأمة، وعلى تقريبه من رسول الله، وقيل: لا تصح الإجازة له؛ لعدم تميِّزه وبه قال الشافعي
(3)
، ويؤخذ من التوجيه صحتها للمجنون، ولا نَقْل في الكافر مع صحة سماعه، إلَّا ما فُعِل بحضرة يوسف بن عبد الرحمن المِزي وإقراره له بجميع مروياته، وعليه فالفاسق والمبتدع أولى، فإذا زال مانع الأداء صحَّ الأداءُ كالسَّمَاع، ولا نَقْل في الحمل أيضًا لكنه أولى بصحة الإجازة منها للمعدوم عند من قال (هـ/210) بصحتها له.
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
قضاء الوطر (3/ 1483).
(3)
فتح الباقي بشرح ألفية العراقي (1/ 404).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وبَقِيَ من أنواع الإجازة أيضًا أنْ يُجيز الشَّيخ الطالبَ بما سيحمِله الشَّيخ المُجيز ليرْويَه المُجاز له بعد أنْ يحمِله المُجيز من غير استئناف تحمُّل ثانٍ، قال العراقيُّ
(1)
والقاضي عِياضٌ
(2)
والنَّوويُّ
(3)
في هذا النَّوع من الإجازة: إنَّه باطل لا اعتداد به، كما يَبْطُل توكيل من وَكَّل ببيع ما لم يتملَّكه، ولأنَّ الإجازة في حكم الإخبار بالمُجاز جُمْلَة؛ فلا يُجيز بما لا خبر عنده منه، ولم يفرِّقوا بين عطفه على تحمُّله كـ: أجزت لك ما رويته وما سأرويه، وعَدَمِ عطفه عليه، نعم: إن قال الشَّيخ لطالبٍ: أجزتُك ما صحَّ عندك، أو ما سيصح عندك أنَّه من مسموعاتي مثلًا؛ كانت الإجازة صحيحة، وإنْ كان المجيز وقت الإجازة غير عالمٍ بما صحَّ عند المُجَاز بعدها، وكذا لو حَذَف الصحة فقال: أجَزتك ما هو من مروياتي، سواءٌ حيث عَرَف الراوي حال الإجازة أو بعدها بطريق يُعْتَمد عليه عندهم أنَّه مما تحمَّله الشيخ قبلها؛ صحت له روايته، وفارَقَ هذا القسمُ ما (أ/180) قبله بقِسميه: بأنَّ الشيخ فيهما لم يرو بعدُ، وأما هنا فروى لكنَّه قد يكون غير عالم بما رواه؛ فيُحيل الأمر فيه على ثبوته عند المُجاز له.
وبَقِيَ من أنواع الإجازة: أن يجيز الشَّيخ للطالب رواية ما أُجيز الشَّيخ به، بأنْ تكون إجازة على إجازة؛ [فمنعها]
(4)
قومٌ، سواءٌ عُطفَت على الإذْن بمسموعٍ أو لا، وردَّه ابن الصَّلاح بأنَّه قول [من]
(5)
لا يُعْتَدُّ به من المتأخِّرين،
(1)
شرح التبصرة (1/ 432).
(2)
الإلماع (ص 106).
(3)
تدريب الراوي (1/ 461).
(4)
زيادة من (ب).
(5)
زيادة من (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقيل: إنْ عُطف على ما ذُكِر جاز، وإلَّا [فلا]
(1)
، وثالث الأقوال وهو الصحيح الذي عليه العمل: الاعتماد عليه، أي: على الإذن بما أُجيز مُطلقًا، ولا يُشبه مَنْع الوكيل من التوكيل بغير إذن موكِّله؛ لأنَّ الحقَّ هناك لموكِّله فإنه ينفذ عزله، بخلافه هنا إذ الإجازة مُخْتَصَّة بالمُجَاز له ولو رجع المُجِيز عنها، وهذا [هو]
(2)
الذي عليه النُقَّاد كأبي نُعَيم
(3)
وابن عُقْدَة
(4)
والدَّارَقُطْنِيُّ
(5)
، حتى منهم من والى بثلاث أجايز، ومنهم من والى بخمس وهو ممَّن يُعتمد عليه من الحفاظ، كالحافظ أبي محمد عبد الكريم الحَلَبِيُّ.
تتمة:
ينبغي وجوبًا لمن يريد الرواية بذلك تأمُّل كيفيَّة إجازة شيخ شيخه، وكذا إجازة من فوقه لمن يليه، وهَلُمَّ جَرًّا، ويتأمَّل مقتضاها حتى لا يروي بها ما لم يندَرِج تحتها، فربَّما قَيَّد بعض المجيزين بما سمعه، أو بما حدَّث به من مسموعاته، أو بما صحَّ عند المُجَاز له أو نحوها فلا يتعداه، حتى لو صحَّ شيء من مرويِّه عند الراوي لم يَطَّلع عليه شيخه المُجَاز له إذا اطلع عليه لكنه لم يصح عنده لا يَسُوغ له روايته بالإجازة، وقال بعضهم: بل ينبغي أنْ يَسُوغ له؛ لأنَّ صحة ذلك قد وُجِدت فلا فرق بين صحته عند شيخه وغيره.
(1)
زيادة من (ب).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
معرفة أنواع علوم الحديث (ص 162).
(4)
الكفاية (2/ 353).
(5)
المرجع السابق.
وَهَذَا عَلَى الأَصَحِّ في جَمِيعِ ذَلكَ.
وقَدْ جَوَّزَ الرِّوايةَ بجَميعِ ذَلكَ سِوى المَجْهُولِ -مَا لَمْ يَتَبَيَّنِ المُرَادُ مِنْهُ- الخَطيبُ، وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعةٍ مِنْ مَشَايخِهِ.
وَاسْتَعْمَلَ الإِجَازةَ للمَعْدُومِ مِنَ القُدَماءِ: أَبو بَكْرِ بْنُ أَبي دَاودَ، وَأَبو عبدِ اللهِ بْنُ مَنْدَه.
وَاسْتَعْمَلَ المُعَلَّقةَ مِنْهُم أَيضًا: أَبو بكرِ بْنُ أَبي خَيْثَمَةَ.
ورَوَى بالإِجَازَةِ العَامَّةِ جَمعٌ كَثيرٌ، جَمَعَهُمْ بَعضُ الحُفَّاظِ في كِتَابٍ، وَرتَّبَهُم على حُرُوفِ المُعْجَمِ لكَثْرَتِهمْ.
وكُلُّ ذَلكَ -كَما قَالَ ابنُ الصَّلاحِ- تَوسُّعٌ غيرُ مَرْضِيٍّ؛ لأنَّ الإِجَازةَ الخَاصَّةَ المُعيَّنَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهَا اخْتِلافًا قَويًّا عِنْدَ القُدَمَاءِ، وَإِنْ كَانَ العَملُ قد اسْتَقرَّ عَلَى اعْتِبَارِها عندَ المُتأَخِّرينَ، فَهِيَ دُونَ السَّماعِ بالاتِّفاقِ، فكَيفَ إِذا حَصَلَ فيها الاسْتِرْسَالُ المَذكورُ؟! فَإِنَّها تَزْدادُ ضَعفًا، لَكنَّها في الجُملَةِ خيرٌ مِن إِيرادِ الحَدِيثِ مُعْضلًا، وَاللهُ تعالى أَعْلَمُ.
وَ إِلَى هُنَا انْتَهى الكَلامُ في أَقْسَامِ صِيَغِ الأدَاءِ.
وقوله: «في جَمِيعِ ذلك» :
يعني من الإجازة العامة وما بعدها، قاله (هـ)
(1)
.
(1)
قضاء الوطر (3/ 1477).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
[قوله]
(1)
: «سوى المجهول» :
أراد
(2)
به ما يشمَل المُبْهَم والمُهْمَل وتقدَّم ما في هذا.
[قوله]: «سوى المجهول» :
أراد منه: أنَّ ما يَتَبيَّن المراد من المجهول بقرينةٍ صحت الإجازة له عند الخطيب وغيره؛ لأنَّ القرينة تقوم مقام النص عليه.
[قوله]
(3)
: «للمعدوم» :
أي: المُقيَّد كأجزتُ لمن يوجَد من نسلِ فلانٍ، إذ غيره لم يَقُلْ أحدٌ كما مَرَّ، قاله (ج)
(4)
.
[قوله]
(5)
: «واسْتَعْمَلَ المُعَلَّقَة
…
إلخ»:
أي: المُعَلَّقة بمشيئة غير المُجَاز له إن عُيِّن، أو بمشيئة المُجاز له غير المعيَّن، وأمَّا المعلَّقة بمشيئة غير المُجاز له إذا لم يُعيَّن فتُمْنَع اتفاقًا، والمُعَلَّقة بمشيئة المُجاز له المُعَيَّن فتجوز اتفاقًا، قاله (ج)
(6)
.
[قوله]
(7)
: «بالإجازة العَامَّةِ
…
إلخ»:
يشمل ثلاث صور: الأولى: أن يكون العموم في المُجاز له، سواء تعيَّن المُجَاز
(1)
زيادة من: (أ) و (ب).
(2)
في (ب): [المراد].
(3)
زيادة من: (أ) و (ب).
(4)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 522).
(5)
زيادة من: (أ) و (ب).
(6)
حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 522).
(7)
زيادة من: (أ) و (ب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
به أم لا، كقوله: أجَزتُ المسلمين أو لمن أدرك زماني الكتاب الفلاني، أو مروياتي، ومال إلى الجواز في الصُورتين: الخطيبُ وابن مَنْدَه
(1)
وأبو العلاء الحسن بن أحمد الهمداني، مُطْلَقًا أي: في الموجود وقت الإجازة وبعدها قبل وفاة المُجيز، ومال الطَّبريُّ للجواز في الصورتين أيضًا، لكن في الموجود وقت الإجازة، ومال ابن الصَّلاح إلى المنع في الصورتين.
قال شيخ الإسلام: لكن أجازها جماعة من المعْتمَدِين ممَّن تقدَّم ابن الصَّلاح وممَّن تأخَّر عنه، ورجحه ابن الحاجب والنَّوويُّ وغيرهما
…
إلخ، وكلام المؤلِّف هنا يقتضي خصوص الخلاف بالقسم الأول من هذه الصورة، وليس بظاهرٍ لِمَا ذَكَرْنا.
الثانية: أن يقع العموم في المُجاز به ويعيَّن المجاز [له]
(2)
، كقوله: أجزتُ لك جميع مسموعاتي ومروياتي، والجمهور على القبول في هذه روايةً وعملًا، انظر شرح العراقيِّ
(3)
.
[قوله]
(4)
: «فكيفَ إِذا حَصَلَ فيها الاسْتِرْسَالُ المَذْكُورُ» :
قد قدَّمنا: جواز الإجازة على الإجازة، وهو الصحيح المعتَمَدُ.
(1)
ينظر: الكفاية (2/ 353).
(2)
زيادة من (ب).
(3)
شرح التبصرة (1/ 418).
(4)
زيادة من: (أ) و (ب).