المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ صفة كتابة الحديث - حاشية الخرشي منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة - جـ ٢

[الخرشي = الخراشي]

فهرس الكتاب

- ‌ المُدَلَّسُ

- ‌ المُرْسَلُ الخَفِيُّ

- ‌الفَرْقُ بينَ المُدَلَّسِ والمُرْسَلِ الخَفيِّ

- ‌ المَوضوعُ

- ‌ المَتْروكُ

- ‌ المُنْكَرُ

- ‌ الوَهَمُ

- ‌ المُعَلَّلُ

- ‌ المُخَالفَةُ

- ‌ المُضْطَرِبُ

- ‌ اخْتِصارُ الحَديثِ

- ‌ الرواية بالمعنى

- ‌«الوُحْدانَ»

- ‌ المُبْهَمِ

- ‌ مَجْهولُ العَيْنِ

- ‌ مَجْهولُ الحالِ

- ‌ قَولُ الصَّحابيِّ: «مِن السُّنَّةِ كذا»

- ‌ قَولُ الصَّحابيِّ: أُمِرْنا بكَذَا، أَوْ: نُهينا عَنْ كذا

- ‌ تَعريفِ الصَّحابيِّ

- ‌ التَّابِعيِّ

- ‌ المُخَضْرَمونَ

- ‌المُسْنَدُ

- ‌ العُلُوُّ المُطْلَقُ

- ‌ العُلُوُّ النِّسْبِيُّ

- ‌ النُّزولُ

- ‌ رِوَايةِ الأَكابِرِ عَنِ الأصاغِرِ

- ‌ الآباءِ عَنِ الأبْناءِ

- ‌ السَّابِقُ واللَّاحِقُ

- ‌ المُسَلْسَلُ

- ‌ المُتَّفِقُ وَالمُفْتَرِقُ

- ‌ المُؤتَلِفُ وَالمُخْتَلِفُ

- ‌ طَبَقاتِ الرُّوَاةِ

- ‌ مَراتِبِ الجَرْحِ

- ‌ مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ:

- ‌ المَوَالي

- ‌ الإِخْوَةِ

- ‌ آدَابِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ

- ‌ صِفَةِ كِتابَةِ الحَدِيثِ

- ‌صِفَةِ الرِّحْلَةِ

- ‌صِفَةِ تَصْنِيفِهِ

- ‌خَاتِمَةِ

الفصل: ‌ صفة كتابة الحديث

وَمِنَ المُهِمِّ: مَعْرفَةُ‌

‌ صِفَةِ كِتابَةِ الحَدِيثِ

، وهُوَ أَنْ يَكْتُبَهُ مُبيَّنًا مُفسَّرًا، ويَشْكُلَ المُشْكِلَ مِنْهُ، ويَنْقُطَهُ، ويَكْتُبَ السَّاقِطَ في الحَاشِيَةِ اليُمْنى، مَا دَامَ في السَّطْرِ بَقيَّةٌ، وإِلَّا ففي اليُسْرى.

[قوله]

(1)

: «ومِنَ المُهِمِّ: مَعْرِفَةُ صِفَةِ كتابة الحديث

إلخ»:

في كلامه إشارةٌ إلى جواز كتابة الحديث، وهو (أ/203) مذهب جماعة من الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب

(2)

ومنهم ابنه، وعليٌّ وابنه الحسن رضي الله عنهم، ومن التابعين منهم: قتادة وعمر بن عبد العزيز

(3)

، حتى قال جماعة منهم:«قيِّدوا العلم (هـ/237) بالكتابة»

(4)

، خِلافًا لمن كَرِهَها من الصحابة كابن مسعود وأبي سعيد الخُدْريِّ، ومن التابعين كالشعبي والنخعي

(5)

؛ مُحْتَجِّين بخبر مُسْلِمٍ عن أبي سعيد الخُدْريِّ أنَّ النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، مَن كتب عني شيئًا سوى القرآن فلْيَمْحُه»

(6)

، وفي رواية:«أنَّه استأذن النبيَّ عليه الصلاة والسلام في كتب الحديث فلم يأذن له»

(7)

، وهذا الخلاف إنَّما كان للصَّدْر

(1)

زيادة من: (أ) و (ب).

(2)

قال الحاكم في مستدركه (1/ 106): «قد صحت الرواية عن عمر بن الخطاب أنه قال: قيّدوا العلم بالكتابة» . راجع النكت للزركشي (3/ 556).

(3)

فتح المغيث (3/ 31).

(4)

أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (ص 368)، وابن شاهين في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (624)، والقضاعي في» مسند الشهاب» (637)، عن أنس رضي الله عنه، وأخرجه الطبراني (13/ 466)(14329)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (3/ 321) مطولاً، والبيهقي في «المدخل إلى السنن» (763)، عن ابن عمرو رضي الله عنهما.

(5)

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (3/ 33).

(6)

مسلم (2004).

(7)

الترمذي (2665)، و الدارمي (465).

ص: 437

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأول، ثُمَّ انعَقَد الإجماع بعدهم على الجَزْمِ بالجواز؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين -حين سأله أبو شاةٍ أنْ يكتب له خطبته التي سمعها منه يوم فتح مكة-:«اكتبوا له»

(1)

، وجُمِع بين الأدلة: بأنَّ النهي متقدِّمٌ والإذْن ناسخٌ له، أو يُحْمَل النَّهي على وقت نزول القرآن خيفة التباسه بغيره، أو على من تمكَّن من الحفظ، أو على من خُشي منه الاتِّكال على الكتابة دون الحفظ، أو على كتابة غير القرآن مع القرآن في شيءٍ واحد؛ لأنَّهم كانوا في قلَّة فربَّما كتبوه معه، فنهو عن ذلك خوف الاشتباه، وحُمِل الإذْن على خلاف ذلك في الجميع، وبالجملة فالكتابة مسنونة، بل قال الشارح: لا يُبْعُد وجوبها على من خَشِيَ النسيان ممَّن يَتعيَّن عليه تبليغ العِلْم.

[قوله]

(2)

: «وهو أنْ يَكْتُبَ» : الظاهر أنَّ الضمير عائدٌ على «صفة الكتابة» ، بمعنى وصف، أو راعى فيه الخبر، كما هو الرَّاجح فيما إذا اختلف مرْجع الضمير مع ما هو خبر عنه بالتذكير والتأنيث، ويصح عوده لكتابة الحديث، والتوجيه بحاله، إلَّا أنَّه يَلْزَم عليه سكوته عن الصفة وتعَرُّضه لمُتَعلَّقِها.

[قوله]

(3)

: «مُبَيَّنًا» : حال من نائب فاعل «[يُكْتَبُ]»

(4)

، وهذا على سبيل النَّدب، إذ يُكْره الخطِّ الدَّقِيق لأنَّه ربَّما ضَعُفَ البصر عن إدراكه، وكذا يُكْرَه التَّعليق، وهو: خَلِيط الحروف التي ينبغي تفرقتها، وكذلك يُكْرَه المَشْقُ وهو: سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف، وقوله:«مُبيَّنًا» ناظرٌ للأول، وقوله:«مُفَسَّرًا» ناظرٌ للأخيرين.

(1)

البخاري (2434)، ومسلم (1355).

(2)

زيادة من: (أ) و (ب).

(3)

زيادة من: (أ) و (ب).

(4)

زيادة من (ب).

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقوله: «ويُشْكَلُ المُشْكِلَ منه» :

أي: ويُطْلب من كاتب الحديث بل وسائر العُلُوم المحتاج إليها، أنْ يُشْكِل، أي: يضبط بالقلم اللفظ المُشْكِل الذي تَلْتَبِسُ صورته بصورة غيره لولا الضبط، وهذا الحكم على سبيل النَّدب؛ لتظهر الغرابة وتتَّضح الهيئة، سواء وقع في المَتْن أو في السَّنَد، وضمير «يَنْقُطَه» راجعٌ للمُشكِل، أي: ويَنقُط الحرف المُشكِل ندبًا، فالمُعجَم يَنُقطه من أعلاه، وممَاثِله في صورته المُهمَل من أسفله، [إلا الحاء لئلَّا تَلْتَبِس بالجيم، ومنهم من لا ينقطه من أسفله]

(1)

، بل يَكتُب صورته تحته أصغر منه، [ومنهم]

(2)

من يجعل فوقه قُلامَة تُشبه صورة الهلال فُرجتها فوق وقُفلها لأسفل، وبعضهم يجعلها فوقه خطًّا صغيرًا كالفتحة، وبعضهم يجعل تحته صورة الهمزة، وخرج بالمُشْكِل: ما يُفهم بلا إشكال ونقطٍ، فإنَّ شَكْله ونَقْطه تضييع للزمان، وحُكِيَ كراهته عن أهل العلم، ولو قُطِّع اللفظ المُشكِل في الحاشية بحروف هجائية مفرقة كان أنفع، وينبغي الفصل بين الحديثين بكتْب دائرة ليس بعدها شيء إلى آخر السطر، وهكذا بعد التراجم ورؤوس المسائل، وإنما يثحتاج لها في الأحاديث عند تجرذثدها من أسانيدها، ثُمَّ يُندب جَعْلها صِفْرًا، أي: خالية الوسط من النَّقط، إلَّا بعد العَرْض فيَنْقِطَها بعدد مرات العَرْض.

وكرهوا في الكتب: فَصْل اسمٍ مضافٍ لاسم الله تعالى منه، إن كان بعده ما ينافيه ولا يليق بالرسم [الأعظم]

(3)

، وتعبير الخطيب

(4)

يجب اجتناب ذلك.

(1)

زيادة من (ب).

(2)

زيادة من (ب).

(3)

في (ب): [المعظم].

(4)

الجامع، للخطيب (1/ 168).

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حَمَله الشارح على تأكد المنع منه، نحو: عصى الله ملعون، نحو: سبحان الله العظيم، فلا يُكْره فعله في الكتب وإن كان وصله فيه أولى عندهم.

قال العراقيُّ

(1)

: وكذلك المضاف إلى النبيِّ عليه الصلاة والسلام

(2)

، وأسماء الصحابة، (هـ/238) نحو: سابُّ النبيِّ عليه الصلاة والسلام

(3)

كافرٌ، وقاتل الزُّبير في النَّار؛ فلا يكتب المضاف من كل ذلك في سطر والمضاف إليه في آخر.

قال بعضهم: ولا اختصاص للكراهة بالفَصْل [بين المتضايفين، بل غيرهما مما لا يستقيم فيه الفَصْل]

(4)

كذلك، نحو: ما في حديث شارب الخمر الذي أتى به النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال عمر: «أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به»

(5)

فلا يكتب: «فقال» في آخر سطرٍ وما بَعْدَه في أول آخر، (أ/204) ويُندب كَتْب الصلاة والسلام على النبيِّ وقراءتها أيضًا كلما مَرَّ ذِكْرُه عليه الصلاة والسلام، ولو لم يُكتبا في الأصل الذي يقرأ فيه، ولكن يَرفَع القارئ رأسه عن الأصل حينئذٍ؛ لئلَّا يتَوَهَّم السامعون أنَّها مكتوبة، ويُكْرَه الرَّمْز لهما كما يُكْرَه حَذْفُهما وإفراد أحدهما عن الآخر.

تنبيه:

المختار أنْ لا [يَرْمُز بأسماء الرواة الذين سمع الكتاب برواياتهم فإنْ]

(6)

رَمَز لهم بَيَّن مراده به في ورقة أوَّل الكتاب أو آخره، ويَنُصُّ على أسماء من رَمَزَ لهم فيها.

(1)

شرح التبصرة والتذكرة (1/ 474).

(2)

في (هـ): عليه السلام.

(3)

في (هـ): عليه السلام.

(4)

زيادة من (ب).

(5)

البخاري (6399).

(6)

زيادة من (ب).

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

[قوله]

(1)

: «ويَكْتُبَ السَّاقِطَ في الحاشِيَةِ اليُمْنَى

إلخ»: يقال للسَّاقط أيضًا: «اللَّحَق» -بفتح الحاء-، وإنما كُتب جهة اليمنى لشرفها، ولاحتمالِ آخرَ يَخْرُج له إلى جهة اليسار، فلو خَرَج للأولى على جهة اليسار ثُمَّ ظَهَر في السطر سقطٌ آخر فإنْ خَرَج له إلى اليسار أيضًا اشتبه محل أحد السَقطين بمحل الآخر، وإنْ خَرَج إلى اليمنى تقابل طرفا التخريجين وربَّما التقيا لقُرْب السَّقْطَين؛ فيظهر أنَّ ذلك ضَرْبٌ على ما بينهما، على أحَدِ وجوه الضَّرْب كما سبق.

تنبيه

(2)

:

قيَّد بعضهم كَتْب الساقط بالحاشية اليُمنى بكونه في الصفحة اليمنى، أمَّا إذا كان السَّقط في الصفحة اليسرى فينبغي كتبه في الحاشية اليسرى، إلَّا أنْ تستوي الحاشيتان.

وفي كتابة أخرى: «ويَكْتُبَ السَّاقِط

إلخ» مَحِلُّه إذا كان الساقط في الصفحة اليمنى، وإلَّا فليكتبه في الحاشية اليسرى، ومَحِل ذلك كلِّه: مالم تكن الحاشية اليمنى في الأول تنقص عن اليسرى أو تساويها؛ فإنه يكتبه في اليسرى في الأول ويخير في الثاني، ويجري مِثل ذلك فيما ذَكَرْناه في الصفحة اليسرى.

[قوله]

(3)

: «ما دام في السَّطْرِ بَقِيَّةٌ» : «ما» فيه مصدريةٌ ظرفيَّة، معمول لـ «يَكتُبَ» مقيَّدًا بقيده، والمراد بقيةٌ لها كما يأتي.

والحاصل: أنَّ الساقط يُكتب في اليمنى إلَّا أن يكون آخر سطرٍ، وإلَّا أُلحِق إلى جهة اليسار للأمن حينئذٍ من نَقْصٍ فيه بَعْدَه وليكُن متصلًا بالأصل، نعم: إن ضاق المَحِل لقُرب الكتابة من طرف الورقة أو التجليد خرج إلى جهة اليمنى، وكالآخر في الكتابة على اليسار ما قَرُب منه أو من وقوع سَقْطٍ آخر بَعْدَه فيما يأتي.

(1)

زيادة من: (أ) و (ب).

(2)

قضاء الوطر (3/ 1641).

(3)

زيادة من: (أ) و (ب).

ص: 441

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واعلم أنَّ الساقط من أيِّ جهةٍ يُكتب صاعدًا إلى أعلى الورقة لا نازلًا إلى أسفلها؛ لاحتمال وقوع سَقْط فيما بَعْدُ فلا يجد له محلًا يقابله، فإن كان الساقط سطرًا فقط فلا زيادة، وإن زاد على سطر وكان في جهة اليمنى فلتكن السطور من أعلى الطُرَّة نازلًا بها إلى أسفلها، بحيث تنتهي السطور إلى جهةِ باطن الورقة، وإن كان في جهة اليسار ابتدأ سطوره من جانب الكتابة بحيث تنتهي سطوره إلى جهة طرف الورقة، وهذا فيما يُكْتَب لفوقٍ؛ فلو كُتِبَ إلى أسفل لكونِه في السطر الثاني أو خالف الأمر انعَكَس الحال، فإن انتهى الهامش قبل فراغ السَّاقط كُمّل في أعلى الورقة أو أسفلها بحسَب ما يكون من الجهتين، وكيفيَّة التخريج: أنْ يخُطَّ خطًّا صاعدا من السطر إلى جهة السطر الذي فوقه منقطِعًا إلى جهة السَّاقط يسيرًا، ومنهم من يصل بين الساقط ومحله بخطٍّ مُمْتدٍّ بينهما، ورُدَّ بأنَّه تسخيمٌ للكتابة وتسويدٌ لاسيما لها لا سيَّما إنْ كَثُرَ التَّخْرِيجُ، (هـ/239) نعم: إنْ بَعُدَ مَحِلُّ كتابة المُلحَق من مَحِلِّ السقط فلا بأس بذلك كما قاله العراقيُّ

(1)

، وبعضهم يكْتُب في البعيد قُبَالَة المَحِلِّ: يتلوه كذا في المحل الفلاني أو نحو ذلك، ويكْتُب بعد تمام المُلحَق: صحَّ، أو رجعَّ، أو يكرر الكلمة التي لم تسقُط معه، [ورُدَّ]

(2)

هذا بأنَّ فيه لبسًا، ويَخْرُج لِمَا لم يكن من الأصل، بل ربما يكتب لتفسير أو بيان غريب من وسط الكلمة، وبعضهم يُضَبِّب له صادًا ممدودة، وبعضهم يكتُب: صحَّ، وأباه بعضهم.

(1)

شرح التبصرة (1/ 486).

(2)

زيادة من (ب).

ص: 442

وَصِفَةِ عَرْضِهِ، وهُوَ مُقابَلتُهُ مَعَ الشَّيخِ المُسمِعِ، أَو مَعَ ثِقَةٍ غَيْرِهِ، أَو مَعَ نفسِهِ شَيئًا فشَيئًا.

وَصفةِ سَمَاعِهِ بألا يتشاغلُ بما يخل به من نسخٍ أو حديثٍ أو نعاسٍ.

وَصِفَةِ إِسْمَاعِهِ كَذلكَ، وأَنْ يَكُونَ ذَلكَ مِنْ أَصلِهِ الَّذي سَمِعَ فِيهِ كِتَابَهُ، أَوْ مِنْ فَرْعٍ قُوبِلَ عَلَى أَصْلِهِ، فَإِنْ تَعذَّرَ؛ فَلْيَجْبُرْهُ بالإِجَازَةِ لمَا خَالَفَ إِنْ خَالَفَ.

[قوله]

(1)

: «وصِفَةِ عَرْضِهِ» :

يقال: العَرْضُ والمُعارَضَة والمُقابَلة لمعنى واحدٍ، فيقال: قابَلْتُ الكتاب بالكتاب، وعارضْتُه به، وعَرْضْتُه عليه؛ إذا جَعَلْتُ فيه مِثل ما في المقابَل به، وحكم المقابلة بعد تحصيل الطالب مرويه بخطِّه أو خطِّ غيره الوجوب، مقابلة موثق قائلها بأصل شيخه أو بما قوبل به ولو كثرت الوسائط، أو بأصل أصل شيخه ولو كان الطالب أخذه بالإجازة، بل هو شَرْطٌ في صحة الرواية على ما اعتمده كثيرون، منهم: القاضي عِياضٌ

(2)

حيث قال:

«لا تَحِلُّ الرواية من كتاب لم يقابَل؛ لأنَّ الفِكْر يَذْهَب، والقلب يسهُو، والبصر يزيغ، والقلم يطغى» وخالف في ذلك جماعة.

التنبيه

(3)

:

لا فرق في المعارضة بين كونها بنفسه، أو ثقة يَقِظٍ مع شيخه، أو ثقة يَقِظٍ غيره، وقعت حال (أ/205) السَّمَاع أم لا، إلَّا أن أحسن العرض ما كان مع شيخه حال السَّمَاع منه أو عليه، وقال ابن دقيق العيد: «الأولى: العرض قبل

(1)

زيادة من: (أ) و (ب).

(2)

الإلماع (ص 158).

(3)

قضاء الوطر (3/ 1647).

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السَّمَاع؛ لأنَّه أيسر»، وقال بعضهم:«أحْسَنُ العرض مع نَفْسِه» ، وأوجبه بعضهم للتيقُّن، ونُسِبَ فيه للغَلَطِ.

وها هنا فرعٌ، وهو:

[أنَّه]

(1)

يُنْدَب للطَّالب حال السَّمَاع أنْ ينظُر في نسخةٍ له أو لمن حضر معه، خلافًا ليحيى بن مَعِينٍ إذ قال

(2)

: يَجِبُ ذلك، فقد قال لما سُئل [عمن]

(3)

لم ينظر في الكتاب والمحدث يقرأ: أيجوز له أن يحدِّث بذلك عنه؟ «أمَّا عندي فلا، [و]

(4)

لكن عامَّة الشيوخ هذا سماعهم».

قال ابن الصَّلاح

(5)

: وهذا مذهب المتشدِّدين في الرواية، والصحيح: عَدَمُ اشتراطه، وصحة السَّمَاع ولو لم ينظر في الكتاب حال القراءة.

[قوله]

(6)

«وصِفَةُ سَمَاعِهِ

إلخ»:

اعلم أنَّ المحدثين وغيرهم اختلفوا في صحة سماع الناسخ سامعًا كان أو مُسْمِعًا، فقال بامتناعه مُطْلَقًا: أبو إسحاق الإسفراييني، وإبراهيم الحربي، وابن عَديٍّ في آخرين

(7)

.

لأنَّ الاشتغال بالنَّسخ ونحوه مَحِل السَّمَاع، حتى قال أبو بكر بن أحمد بن

(1)

زيادة من (ب).

(2)

الكفاية، للخطيب (2/ 107).

(3)

رسمت في (ب): [عن من].

(4)

زيادة من (ب).

(5)

مقدمة ابن الصلاح (ص 193).

(6)

زيادة من: (أ) و (ب).

(7)

الكفاية، للخطيب (1/ 232)، ومقدمة ابن الصلاح (ص 145).

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسحاق الضُّبَعِيُّ: لا يؤدي النَّاسخ ما يسمعه إلَّا كما يؤدي من حضر صغيرًا بلا فهم؛ فيقول: حضرتُ، لا حدَّثنا، ولا أخبرنا إلَّا مُقَيَّدًا بالحضور.

وجوَّزه: الحَنْظَلِيُّ، وابن المبارك، وموسى بن هارون الحَمَّال

(1)

.

وذهب الشيخ ابن الصَّلاح

(2)

إلى أنَّ الأحسن: التفصيل؛ فحيث كان مع النَّسخ ونحوه فَهْمٌ للمقروء صحَّ، وإن لم يكُن معه فَهْمٌ كان باطلًا وصار حضورًا لا سماعًا، وهذا هو الذي عليه العمل، وكان الشَّارح يفعله، فكان يفتي ويردُّ على القارئ، وسَمِع الدَّارَقُطنيُّ على إسماعيل الصفار ثمانية عشر حديثًا وهو يَنْسَخ، فقال له بعض الحاضرين: إنَّ سماعك باطلٌ؛ لاشتغالك عنه بالنسخ، فقال [له]

(3)

الدارَقُطْنيُّ: كم أملى الشيخ حديثًا؟ فلم يَعِرف؛ فقال الدَّارَقُطنيُّ: أملى ثمانية عشر حديثًا، وسردها بأسانيدها مرتبةً الأول فالأول؛ فتعَجَبَ النَّاس من فَهْمِه

(4)

.

وهذا التفصيل هو الذي رمز إلى اختياره بقوله: «بأن لا يَتَشَاغَلَ بما يُخِلُّ به» فاعتبر في النِّسخ الإخلال بالسَّمَاع، وهو لا يُخِلُّ إلَّا إذا لم يَصحبه فَهْمٌ.

[قوله]

(5)

: «أو حَدِيثٍ أو نُعَاسٍ» :

مثله: إذا أفْرَط القارئ في الإسراع، أو خَفي صوته حتى خَفي بعض الكَلِم

(1)

الكفاية، للخطيب (1/ 234).

(2)

مقدمة ابن الصلاح (ص 145).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

سير أعلام النبلاء، للذهبي (16/ 453).

(5)

زيادة من: (أ) و (ب).

ص: 445

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والحروف، وكذا إذا بَعُدَ السامع عن القارئ بحيث لا يَسْمَع بعضها أيضًا، [و]

(1)

وقع في كلام (هـ/240) شيخ الإسلام تقْيِيد النُّعاس بالخفيف، والظاهر أنَّه قَيْدٌ لبيان الواقع؛ إذ العبرة بهذا التفصيل السابق، وقد كان الدَّارَقُطنيُّ يصلي في حال قراءة القارئ عليه وربما يشير بردِّ ما يخطئ فيه القارئ، وعلى اعتماد التفصيل: يُغتَفَر الكلمة والكلمتان، إذا كان فواتهما لا يُخِلُّ بفَهْم القارئ، كما قاله الشارح.

تتمة

(2)

:

وتُسنُّ الإجازة من الشَّيخ لسامعين مع إسماعهم إياه جَبرًا لما عساه أنْ يقع من الخَلَل في الإعراب، أو أسماء الرجال، أو عُروض النُّعاس، وأوجَبَها معه: ابن عَتَّابٍ الأندَلُسيِّ، وينبغي لكاتب الطبقة: أنْ يَكْتُب الإجازة عَقِبَ كلِّ سماعٍ، وأول من كَتَبها: الأَنْمَاطِيُّ إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن، وبها حَصَل خيرٌ كثيرٌ.

خاتمة:

كلُّ من سَمِعَ على نوع وَهَنٍ من: نَسْخٍ منه أو من شيخه، أو نعاس، أو كان سماعُه أو سماع شيخه بقراءة لحانٍ أو مصحِّف، أو كاتب كتابة التسميع بخطِّ من فيه مقال؛ وجَبَ عليه البيان عند التَّحَمُّل والأداء، وكذا من سَمِع من شخصٍ مُذاكرة، وأمَّا من سَمِع من عَدْلٍ ومجروح حديثًا لا يَحْسُن حَذْفُه للمجروح والاقتصار على روايته عن العدل؛ لاحتمال أن يكون فيه شيء يَخْتَصُّ به المجروح، وإنْ صحَّ حذفه بناء على أنَّ الأصل اتِّفاق الروايتين، وإنْ كانا عَدْلَين

(1)

زيادة من (ب).

(2)

قضاء الوطر (3/ 1651).

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جاز الحذف وإن طرقه الاحتمال السابق؛ لضعفه هنا، وإنْ كان عن كلِّ شيخٍ قِطعةً جاز خَلْطُه معا للبيان ودونه، فإنْ كان بعضهم مجروحًا سَقَطَ الحديث كلُّه، إذ ما من قِطعةٍ إلَّا وجاز أن يكون عن ذلك المجروح، ولا يجوز حَذْفُ واحدٍ منهم ثقات كانوا أو بعضهم؛ لأجل زيادة بعض الرواة على بقيتهم ما ليس من حديثهم إذا لم يُحْذَف منه شيءٌ، ولجواز حَذْفِ ما اختَّص به بعض الباقيين إنْ حُذِفَ منه.

[قوله]

(1)

: «الذي سَمِعَ فيه» :

أي: من الشَّيخ، أو ممن قرأ على الشَّيخ، ومثل سماعه على الوجه المذكور قراءته على الشَّيخ، وقوله:«فإنْ تَعَذَّر» أي: تعذر إسماعه لغيره من أصله أو فرعه المذكور، ولو قال: فإن أراد إسماعه (أ/206) لغيره لكان أظهر؛ إذ لا يخْتَصُّ ما ذَكَرَه بحالة التعذُّر، بل الوارد ذلك مع إمكان الإسماع من أصله أو فرعه لكان الحُكْم كذلك، ولعله عبر بالتَّعَذُّر لاستفادة حُكْم غيره بالأولى.

[قوله]

(2)

: «فَلْيَجْبُرْهُ بالإِجَازَةِ» :

لو قال بدله: كان له ذلك أن أُجيزَ به؛ لكان ظاهرًا في موافقة ما كَرِه غيره من غير تكلُّفٍ؛ إذ قوله: «فليَجبُرْه بالإجازة» إن كان من الجَبْر، [و]

(3)

المعنى فليجبر [ما]

(4)

يرويه من كتاب غير أصله أو فرعه بالإجازة الحاصلة له بذلك من شيخه ولو على وجه عموم، ولا يخفى ما فيه، وإن كان بالخاء المعجمة من

(1)

زيادة من: (أ) و (ب).

(2)

زيادة من: (أ) و (ب).

(3)

زيادة من (ب).

(4)

زيادة من (ب).

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الإخبار، أي: فليخبر من يرويه له أنَّه أجيز من شيخه، وهذا أجْلى كما يدلُّ له كلامهم كما يأتي، وقوله:«لِمَا خَالَف» متعلِّق بالإجازة، أي: لِمَا خالف فيه أصله ولو احتمالًا، «إنْ خالف» أي: إن كان فيه مخالفة، فإنْ تحقَّق عَدَم المخالفة؛ فلا حاجة في روايته للإجازة ولا للإخبار بها.

وحاصل هذا على ما في كلامهم:

أنَّ من أراد رواية ما تحمَّله من كتابٍ آخر غير أصله وفرعه المقابل عليه، واحْتَمل الكتاب المذكور أنْ يكون فيه مخالفة لأصله؛ فقيل: ليس له ذلك ولو تحقَّق أنَّه سمع على شيخه وعليه الجمهور، وقيل: له ذلك إنْ تحقَّق أنَّه سمع على شيخه، وسكنت نفسه إلى سلامته من التغْيِير، وقال ابن الصَّلاح

(1)

: «إنْ كانت له من شَيْخه إجازة بمروياته أو بالكتاب المذكور جاز له رواية ما خالف أصله؛ إذ ليس فيه أكثر من رواية تلك الزيادة بالإجازة بلفظ: أخبرنا أو حدَّثنا من غير بيان للإجازة فيها، والأمر في ذلك قريب يقع مثله في مَحِل (هـ/241) التَّسامُح» كذا في «شرح الألفيَّة» إلى آخر ما نَقَلَه (ج)

(2)

.

(1)

ينظر: مقدمة ابن الصلاح (ص 317 - 212).

(2)

حاشية الأجهوري على شرح نخبة الفكر (ص 583)، وما بعدها.

ص: 448