المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة الصلاة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب صفة الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

‌باب صفة الصلاة

(1)

يسن الخروج إليها بسكينة ووقار (2) .

(1) أي كيفيتها، وهي الهيئة الحاصلة للصلاة، وبيان ما يكره فيها، وأركانها وواجباتها وسننها، وما يتعلق بذلك، إذ الشيء لا يعرف إلا ببيان حقيقته، ولا يوجد إلا بركنه، وعند شرطه، ولا يفعل إلا لحكمه، وحكمها سقوط الواجب عن ذمته في الدنيا، والثواب في الآخرة، إذ حكم الشيء هو ما يفعل لحكمة، والصفة لغة المصدر، يقال وصف الشيء يصفه صفة نعته بما فيه، من: وصف الثوب الجسم إذ أظهر حاله وبين هيئته، والصفة الأمارة القائمة بذات الشيء الموصوف، كالعلم والسواء.

(2)

وخوف وخشوع، والسكينة السكون والمهابة، والطمأنينة، والتأني في الخروج، واجتناب العبث، والوقار بفتح الواو: الرزانة والحلم والعظمة بغض الطرف وخفض الصوت، وقلة الإلتفات، وقد وقر يقر وقارا ووقر فهو وقور. وقال القرطبي: الوقار بمعنى السكينة، ذكره على سبيل التأكيد.

وقال النووي: بينهما فرق. فالسكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، والوقار في الهيئة كغض الطرف وخفض الصوت، لما في الصحيحين «إذا أتيتم الصلاة» وفي لفظ:«إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» .

ولمسلم: «فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة» وقال ابن القيم: السكينة هي التي تورث الخضوع والخشوع وغض الطرف، وجمعية القلب على الله، بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه، والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها،

وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب، وسببها مراقبة العبد لربه حتى كأنه يراه اهـ.

وينبغي ألا يتكلم بمستهجن ولا يتعاطى ما يكره، للخبر، وقوله {فاسعوا} أي اقصدوا واهتموا، ليس المراد السعي السريع، وإنما هو الاهتمام بها. وقال أحمد: فإن طمع أن يدرك التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع، ما لم تكن عجلة تقبح. وقال الشيخ: إن خشي فات الجمعة أو الجماعة بالكلية فلا ينبغي أن يكره له الإسراع، لأن ذلك لا ينجبر إذا فات اهـ. ويسن كونه متطهرا، لقوله عليه الصلاة والسلام «إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج عامدا المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة» رواه أبو داود وغيره، ويستحب المحافظة على إدراك تكبيرة الإحرام، بأن يتقدم إلى المسجد قبل وقت الإقامة، وقد جاء في فضل إدراكها آثار كثيرة، وأصح ما قيل تدرك به بأن يحضر تكبيرة الإحرام.

ص: 3

ويقارب خطاه (1) وإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى، واليسرى إذا خرج (2) .

(1) أي يسن ذلك، لتكثر حسناته. لحديث زيد بن ثابت: فقارب في الخطا، ثم قال «لتكثر خطاي في طلب الصلاة» وفي الصحيحين «إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة» ولحديث «دياركم تكتب آثاركم» رواه مسلم ويسن أن يقول إذا خرج من بيته، ولو لغير الصلاة: ما رواه الترمذي وغيره. وصححه «بسم الله آمنت بالله، اعتصمت بالله، توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي» وما رواه مسلم «اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، واعطني نورا» وغير ذلك مما ورد.

(2)

أي يسن تقديم رجله اليمنى عند دخول المسجد، لما تقدم أنه صلى الله عليه

وسلم كان يحب التيامن في شأنه كله، ويأمر به، وكذا يسن تقديم اليسرى عند الخروج من المسجد، فإن قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدها استحب فيه التياسر.

ص: 4

ويقول ما ورد (1) ولا يشبك أصابعه (2) .

(1) أي ويسن أن يقول ما ورد عند دخوله، ومنه «بسم الله أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، اللهم صل على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك» وإذا خرج قال «وافتح لي أبواب فضلك» وهذا الدعاء ثابت في بعض الأصول، والفرق بين المحلين أن المساجد محل تنزل الرحمة، وخارج المسجد محل طلب الرزق، وهو فضل من الله وإحسان، فناسب في كل مكان طلب ما يليق به، وفي جامع المسانيد لابن كثير «وأغلق عني أبواب سخطك وغضبك، واصرف عني الشيطان ووسوسته» و «إذا دخل المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» متفق عليه.

(2)

لحديث أبي سعيد «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان» رواه أحمد، ولحديث كعب، رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة ففرج بين أصابعه رواه الترمذي. وقال ابن عمر: تلك صلاة المغضوب عليهم، وما ورد من تشبيكه صلى الله عليه وسلم فليس بينه وبين ما جاء من النهي عنه معارضة، لأن النهي إنما جاء عن فعله في الصلاة، أو المضي إليها. وفعله صلى الله عليه وسلم ليس في الصلاة ولا في المضي إليها وقال النووي وغيره: اتفق أهل العلم على كراهة تشبيكه الأصابع في طريقه إلى المسجد، وفي المسجد يوم الجمعة وغيره، وسائر أنواع العبث ما دام قاصدا الصلاة، أو منتظرها. لحديث كعب وغيره، ولا يخالف ما ثبت أنه شبك أصابعه في المسجد بعدما سلم من الصلاة، لأن النهي في حق المصلي وقاصد الصلاة، بخلاف من قام إلى ناحية المسجد يعتقد أنه ليس في صلاة اهـ. وإذا كان ينتظر الصلاة فلا يشبك، جمعا بين الأخبار، وكذلك لا يفرقع أصابعه لأنه من العبث.

ص: 5

ولا يخوض في حديث الدنيا (1) ويجلس مستقبل القبلة (2)(ويسن) للإمام فالمأموم (القيام عند) قول المقيم: (قد من إقامتها) أي من قد قامت الصلاة (3) لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، رواه ابن أبي أوفى (4) .

(1) أي لا يفيض، من خاض في الماء: دخل فيه، وفي الحديث «فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» وفي الحديث أيضا «سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم، ليس لله فيهم حاجة» وفي لفظ «يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم، فلا تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة» .

(2)

لأنه خير المجالس للخبر، وتقدم استحباب استقبالها في كل طاعة إلا لدليل.

(3)

هذا المذهب، وهو من المفردات، والمراد قيام غير مقيم إلى الصلاة، لأنه يأتي بها قائما، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا أهل الحرمين، ولأنه خبر بمعنى الأمر، ومقصوده الإعلام ليقوموا. قال في المبدع: والمراد بالقيام إليها هو التوجه إليها، ليشمل العاجز عنه.

(4)

وكان ابن عمر لايقوم حتى يسمع " قد قامت الصلاة " وعن أنس نحوه، وفي صحيح مسلم: كانت الصلاة تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه.

وفي رواية: كان لا يقيم حتى يخرج، فأول ما يراه يشرع في الإقامة، فإذا رأوه قاموا. وعن سعيد ابن المسيب: إذا قال المؤذن «الله أكبر» ، وجب القيام، وروى عبد الرازق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الناس كانوا

ساعة يقول المؤذن: «الله أكبر» ، يقومون إلى الصلاة، فلا يأتي صلى

الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف. وقال مالك: لم أسمع في

قيام الناس إلى الصلاة بحد محدود، إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس،

فإن فيهم الثقيل والخفيف. وذكر القاضي عياض عن مالك وعامة العلماء: يقومون بشروعه في الإقامة، فإن بلالا لا يقيم إلا إذا رآه، ثم إذا رأوه قاموا، وتقدم، وهذا مذهب أحمد وإسحاق وغيرهما. وكان عمر بن عبد العزيز وغيره يقومون في أول بدئه في الإقامة. قال بعض الأصحاب: وإذا أقيمت الصلاة وهو قائم جلس، وإن لم يكن صلى تحية المسجد لأن يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة، لما روى الخلال عن ابن أبي ليلى أنه عليه الصلاة والسلام جاء وبلال في الإقامة فقعد.

وروي عن أحمد، والأولى للداخل عند الإقامة أو قربها أن يستمر قائما، لتحريم الجلوس من غير صلاة من غير وجه، ولم يثبت خلافه، وغلط النووي وغيره من قال يجلس، وابن أبي أوفى هو عبد الله بن أبي أوفى، علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي صحابي شهد الحديبية، وعمر دهرا، ومات بالكوفة سنة سبع وثمانين.

ص: 6

وهذا إن رأى المأموم الإمام (1) وإلا قام عند رؤيته (2) ولا يحرم الإمام حتى تفرغ الإقامة (3) .

(1) أو علم قربه، لقوله «إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت» متفق عليه. وأشار الشارح إلى أن كلام الماتن جار على غير الصحيح من المذهب، وهو كذلك، جزم به في الإنصاف وغيره، وصححه المجد وغيره، وشاهده الخبر، وما مشى عليه الماتن هو رواية عن أحمد، وهو ظاهر المقنع والوجيز وغيرهما.

(2)

أي وإلا يرى المأموم والإمام عند قول المؤذن: «قد قامت الصلاة» . قام عند رؤية إمامه، للخبر المتقدم.

(3)

أي لا يكبر الإمام تكبيرة الإحرام حتى يفرغ المقيم من الإقامة، لأنه عليه الصلاة والسلام يسوي الصفوف بعد الإقامة. رواه البخاري. وفرغ من باب قعد، ومن باب تعب لغة لبني تميم.

ص: 7

(و) تسن (تسوية الصف) بالمناكب والأكعب (1) فيلتفت عن يمينه فيقول: استووا رحمكم الله. وعن يساره كذلك (2) ويكمل الأول فالأول (3) .

(1) عند الإقامة وبعدها. لحديث «سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة» متفق عليه. ولهما «لتسون صفوفكم أو ليخالفكن الله بين وجوهكم» وذلك بعدما كاد أن يكبر. وفي الصحيحين «أقيموا صفوفكم» الحديث. قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه. ولأحمد «سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم» ولغيرها من الأحاديث والآثار، وظاهر كلام الشيخ وجوب التسوية، للخبرين وغيرهما. والأمر بتعديل الصفوف متواتر لا خلاف فيه. وقال: من ذكر الإجماع على استحبابه فمراده ثبوت استحبابه، لا نفي وجوبه، والمناكب مجتمع رأس الكتف والعضد، واحدها منكب بفتح الميم وكسر الكاف، والأكعب المفاصل بين الساق والقدم، والتسوية المسنونة محاذاتها دون أطراف الأصابع.

(2)

أي يقول: استووا. وفي الرعاية: اعتدلوا. لحديث أبي مسعود: كان يمسح مناكبنا في الصلاة. ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» رواه مسلم. ولقوله «اعتدلوا وسووا صفوفكم» رواه أبو داود. ولحديث أنس: كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا وهكذا. عن يمينه وعن شماله «استووا وتعادلوا» وكذا خلفاؤه. وكان عثمان وعلي يتعاهدان ذلك، ويقولان: استووا.

وكان علي يقول: تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، والأولى ترك زيادة: رحمكم الله، لعدم ورودها.

(3)

أي ويسن أن يكمل المأمومون الصف الأول فالأول الذي يليه وهكذا، حتى ينتهوا، فلو ترك القادر الأول فالأول كره، للأخبار، إلا مع البعد، فسماع الإمام ورؤية أفعاله أفضل ممن بالأول أو اليمين، لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أفضل من المتعلقة بمكانها.

ص: 8

ويتراصون (1) وميمنة والصف الأول للرجال أفضل (2) .

(1) أي يسن تراص المأمومين في الصف، لقوله:«سووا صفوفكم وتراصوا» رواه البخاري. وفيه أيضا «رصوا صفوفكم» أي لاصقوها، حتى لا يكون بينكم فرج. وفيهما «أقيموا صفوفكم وتراصوا» ولأبي داود وغيره «رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق» فالمراصة التصاق بعض المأمومين ببعض، وأصله تراصصوا من: رص الشيء يرصه رصا ألزق بعضه ببعض، وقال الخطابي وغيره: تراصوا تضاموا وتدانوا، ليتصل ما بينكم، وكذا يسن سد خلل الصفوف.

لحديث «سووا صفوفكم، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطعه قطعه الله» رواه أبو داود بسند صحيح، ولأحمد نحوه، ولغير ذلك من الأحاديث.

(2)

أي يمين الإمام أفضل من يساره. لحديث عائشة «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف» رواه أبو داود، ويمين الإمام يصدق على الملاصق، وعلى من وراءه من يمين كل صف. قال في الفروع: ويتوجه احتمال أن بعد يمينه ليس أفضل من قرب يساره، ولعله مرادهم، ومن قرب من الإمام من أيسر الصف فنحو ثلاثة أفضل من الأيمن نحو عشرة، والصف الأول للرجال أفضل من الذي خلفه، ولو قطع الأول المنبر، لقوله صلى الله عليه وسلم «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لا يجدون إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» متفق عليه.

وقوله: «خير صفوف الرجال أولها» رواه مسلم. أي أكثرها أجرا، وقوله «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصف الأول» قالوا: وعلى الثاني؟ قال في الرابعة «وعلى الثاني» رواه أحمد. وقوله «لا يزال أقوام يتأخرون عن الصف الأول، حتى يؤخرهم الله في النار» رواه أبو داود. وقد تواترت به الآثار. قال في الفروع: وظاهر كلامهم يحافظ عليه، وإن فاتته الركعة. قال: ويتوجه المحافظة على الركعة من نصه على التكبيرة الأولى اهـ. ولأن إدراك الركعة أفضل، فإن نفس العبادة أولى من مكانها.

ص: 9

وله ثوابه وثواب من وراءه ما اتصلت الصفوف (1) وكلما قرب منه فهو أفضل (2) والصف الأخير للنساء أفضل (3)(ويقول) قائما في فرض مع القدرة (الله أكبر)(4) .

(1) لاقتدائهم به. قاله الوزير وغيره. وقوله: ما اتصلت، أي مدة دوامها متصلة، فـ (ما) هنا مصدرية ظرفية، أي فيكون كل إنسان في الأول له ثوابه وثواب الذي يليه، والثاني له ثواب الثالث وما بعده، ومن وقف وراء الإمام فهو أفضل، ولو كان في آخر الصف ممن هو على يمين الإمام ملتصقا به، لأن العبرة بما خلف الإمام، ومن تقدم على الإمام إلى الكعبة في غير جهته فصلاته صحيحة بلا خلاف. ولكن منزلته في الفضيلة كمن وقف بجانب الإمام.

(2)

لقوله عليه الصلاة والسلام «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» رواه مسلم. وقال الشيخ: وقوف المأموم بحيث يسمع قراءة الإمام وإن كان في الصف الثاني أو الثالث أفضل من الوقوف في طرف الأول مع البعد عن سماع قراءة الإمام، لأن الأول صفة في نفس العبادة فهي أفضل من مكانها.

(3)

لقوله «وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» أي أقلها ثوابا وفضلا وأبعدها عن مطلوب الشرع، فيسن تأخيرهن. وروي «أخروهن حيث أخرهن الله» والمراد صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال، أما إذا صلين متميزات عن الرجال، فهن كالرجال.

وليس بين الإقامة والتكبير دعاء مسنون، قيل لأحمد: تقول قبل التكبير شيئًا؟ قال: لا. إذ لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا على أحدٍ من الصحابة.

(4)

أي يقول الإمام ثم المأموم، وكذا المنفرد، قائما منتصبا بين يدي الرب تبارك وتعالى. مستقبل القبلة، مستشعرا حضور المتوجه إليه، شاهدا بقلبه قيوميته وكبريائه، متخليا عن الشواغل، متهيئا للدخول على الله، دخول العبد على الملك

بالتعظيم والإجلال: الله أكبر. والراء ساكنة، والقيام مع القدرة ركن في الفرض بإجماع المسلمين، لا تصح إلا به. قال النووي وغيره: من استحله، أو قال ليس بفرض يكفر انتهى، وليس ركنا في النفل إجماعا، والله أكبر من كل شيء أي: أعظم، أو أكبر: كبير، أو الكبير على خلقه، أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بوحدانيته، والكبير العظيم المتعالي، و (أكبر) أفعل تفضيل، وهو لا يستعمل مجردا من الألف واللام إلا مضافا، أو موصولا بمن لفظا أو تقديرا، وتكبيره سبحانه جامع لإثبات كل كمال له، وتنزيهه عن كل نقص وعيب، وإفراده وتخصيصه بذلك، وتعظيمه وإجلاله، وأكبر من أن يذكر بغير المدح والتمجيد والإثناء الحسن، وحكمة الاستفتاح بها ليستحضر عظمة من يقف بين يديه، وأنه أكبر شيء يخطر بباله، فيخشع له، ويستحيي أن يشتغل قلبه بغيره، ولهذا أجمع العلماء على أنه ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل منها وحضر قلبه. وروى ابن ماجه عن حذيفة مرفوعا «إن الرجل إذا دخل في صلاة أقبل الله عليه بوجهه، فلا ينصرف عنه حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء» وفي الأثر «لو يعلم من يناجي ما انفتل» ولابن خزيمة «إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه؟» ونظائره كثيرة، ومناجاة الرب تعالى أرفع وأشرف درجات العبد، وعن أنس مرفوعا «اذكر الموت في صلاتك فإن الرجل إذا ذكره حري أن يحسنها، وصل صلاة من يظن أن لا صلاة غيرها» حسنه الحافظ، وعن أم سلمة، قال:«فليصل صلاة مودع» ولمسلم «ألا ينظر المصلي كيف يصلي، فإنما يصلي لنفسه» وقال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} والخشوع إنما يحصل لمن استحضر عظمة ملك الملوك، وأنه يناجيه، ويخشى أن يردها عليه، فيفرغ قلبه لها، ويشتغل بها عما عداها، ويؤثرها على ما سواها، فتكون راحته وقرة عينه، قال صلى الله عليه وسلم:«وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقال لبلال «أرحنا بالصلاة» .

ص: 10

فلا تنعقد إلا بها نطقا (1) لحديث: «تحريمها التكبير» (2) رواه أحمد وغيره (3) .

(1) أي لا تنعقد الصلاة إلا بقول مصل: الله أكبر. إذا قدر عليها، لما فيها من التعظيم والتخصيص، وغيرها لا يقوم مقامها، بل ولا يؤدي معناها. كما قال ابن القيم وغيره، فلا تنعقد الصلاة إلا بها، ولا يجزئه غيرها، وعليه عوام أهل العلم، مالك والشافعي وجمهور السلف والخلف، لنقلهم ذلك نقلا مشهورا، أنه لا يدخل في الصلاة إلا بقوله: الله أكبر. ولما نقل عن بعضهم أنه سنة أو أنه يكفي مجرد النية. قال النووي: لا يصح عنهم مع هذه الأحاديث، ولا تجزئ بغير العربية إجماعا.

(2)

أي تحريم ما كان حلالا قبلها كالأكل والكلام ونحو ذلك حاصل بالتكبير، وقد جعل الله لكل عبادة تحريما يدخل منه إليها، فكأن المصلي إذا كبر ودخل في الصلاة كان ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير تحريم، لمنعه المصلي من ذلك. قال الجوهري: وأحرم الرجل دخل في حرمة لا تنتهك، وسميت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة.

(3)

فرواه أبو داود والترمذي وقال: هذا أصح شيء في هذا الباب، والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم. ولقوله «إذا قمت إلى الصلاة فكبر» وقوله «لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه، ويستقبل القبلة ويقول: ألله أكبر» وحديث: «كان إذا استفتح الصلاة استقبل القبلة ورفع يديه وقال: ألله أكبر ولم ينقل أنه كان يستفتح الصلاة بغير لفظ " ألله أكبر"» وقال شيخ الإسلام: ثبت بالنقل المتواتر وإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير. قال ابن القيم: يتعين ألله أكبر. وذكر الأخبار ثم قال: ولو انعقدت بغيره لفعلها في عمره ولو مرة واحدة.

ص: 12

فلا تصح إن نكسه (1) . أو قال: الله الأكبر أو الجليل ونحوه (2) أو مد همزة ألله أو أكبر (3) أو قال: إكبار (4) وإن مططه كره مع بقاء المعنى (5) فإن أتى بالتحريمة أو ابتدأها (6) .

(1) بأن قال: أكبر الله، لأنه لا يكون تكبيرا.

(2)

كالكبير والعظيم، أو ألله، أو أكبر، فقط، فإن زاد على التكبير كالله أكبر كبيرا أو ألله أكبر وأعظم، أو أجل، ونحوه كره لأنه محدث.

(3)

لم تنعقد وفاقا، لأنه يصير استفهاما، أو زاد بين الكلمتين واوا ساكنة، أو متحركة.

(4)

لم تنعقد وفاقا، لأنه جمع كبر بفتح الكاف وهو الطبل.

(5)

جزم به في الفروع، ومططه مدده، من مط الشيء يمطه مطا مده، شدد للمبالغة، والمط والمطو والمد واحد، فإن تغير المعنى بأن مد في غير موضع المد لم يجز إجماعا، ويلزم جاهلا تعلمها. قال في الإنصاف: بلا نزاع من حيث الجملة. فإن عجز أو ضاق الوقت كبر بلغته، لقوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ويحرم أخرس ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه. اختاره الشيخ. وقال: لو قيل ببطلان صلاته بذلك لكان أقرب اهـ. وكذا حكم القرآن، وباقي الأذكار، وإن أحسن البعض أتى به، لقوله «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» وقيل: المسائل التي يعرف بها فقه الإمام ثلاث: أحدها أن يخفف إحرامه وسلامه، أي يسرع فيهما، لئلا يشاركه المأموم فيهما فتبطل صلاته، وتقصير الوسطى، ودخول المحراب بعد الإقامة.

(6)

يعني غير قائم. بأن قال- وهو قاعد في فرض أو راكع ونحوه-: ألله أكبر.

أو ابتدأها قاعدا ثم أتمها قائما، صحت نفلا إن اتسع الوقت.

ص: 13

أو أتمها غير قائم صحت نفلا إن اتسع الوقت (1) ويكون حال التحريمة (رافعا يديه) ندبا (2) فإن عجز عن رفع إحداهما رفع الأخرى (3) مع ابتداء التكبير وينهيه معه (4) .

(1) لإتمام النفل والفرض كله قبل خروج الوقت، إلا استأنف الفرض قائما.

(2)

أي ويكون المصلي من إمام ومأموم ومنفرد حال التحريمة في فرض أو نفل رافعا يديه معا مع القدرة ندبا بغير خلاف. وقال ابن المنذر: لا يختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، وليس بواجب وفاقا. وقال ابن عمر: زينة الصلاة. وقال الشافعي وغيره: تعظيم لله تعالى واتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واليدان هنا الكفان، فإن اليد إذا أطلقت اقتضت الكف، أومأ إليه أحمد، فلو قطعت يده من الكوع رفع الساعد، أو من المرفق رفع العضد، والمندوب في اللغة المدعو إليه، والندب هو الدعاء، وعند الفقهاء ما تعلق الثواب بفعله، ولا يتعلق العقاب بتركه. وقيل: كل ما لا لوم على تركه.

(3)

لقوله «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استعطتم» .

(4)

أي يبتدئ رفع يديه مع ابتداء التكبير، وينهيه مع إنهائه، لأن الرفع للتكبير، فكان معه، هذا المذهب، وروى أحمد وأبو داود من حديث وائل بن حجر: كان يرفع يديه مع التكبير، وقضيته المعينة أنه ينتهي بانتهائه، وصححه في شرح المهذب، وهو المرجح عند المالكية، وفي الصحيحين عن ابن عمر: كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر، فيكون ابتداؤه مع ابتدائه، ولا استصحاب في انتهائه، وصححه النووي في شرح الروضة ومسلم، لأنه لا حد لانتهائه، وقال: لا استحباب في الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو العكس تمم الباقي اهـ. ويرفعهما قبله ثم يكبر نص عليه، لخبر ابن عمر الآتي وغيره، وثبت تقديم التكبير على الرفع، لكن قال حافظ وغيره: لم أر من قال بتقديم التكبير على الرفع.

ص: 14

(مضمومتي الأصابع ممدودة) الأصابع (1) مستقبلا ببطونها القبلة (2)(حذو) أي مقابل (منكبيه)(3) لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه ثم يكبر. متفق عليه (4) .

(1) لقول أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مدا.

رواه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد حسن.

(2)

وفاقا للشافعي. وقيل: قائمة حال الرفع والحط، وهو رواية عن مالك.

(3)

وإبهاميه عند شحمتي اذنيه جمعًا بين الاخبار وفقًا للجمهور مالك والشافعي وغيرهما. وقال النووي: مذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه، بحيث تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، وإبهاماه، شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه. وبهذا جمع الشافعي وغيره بين روايات الأحاديث، واستحسنه الناس منه. أو إلى فروع أذنيه، وحذاء أي إزاء، من حذوته أحذوه حذوا، وحاذيته محاذاة، من باب قاتل، وهي الموازاة، وعنه يخير وهي أشهر، قال ابن القيم: وكان يرفع يديه مع التكبير ممدودة الأصابع مستقبلا بها القبلة إلى فروع أذنيه، وروي إلى منكبيه، ولم يختلف عنه في محل هذا الرفع.

(4)

ولحديث وائل وابن عمر المتقدمين. ولحديث علي: إذا قام إلى الصلاة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه. صححه الترمذي. ولحديث مالك: كبر ورفع يديه. وحديث أبي حميد وغيرهم في خمسين صحابيا منهم العشرة رضي الله عنهم. قال الحاكم: لا نعلم سنة اتفقوا على روايتها غير هذه، واستدلال الشارح بخبر ابن عمر صريح في أن التكبير إنما هو بعد رفع اليدين، كما هو معلوم من أن (ثم) تفيد الترتيب والتراخي، وذكره في المتفق عليه، وكذا صاحب المنتقى، وهذا لفظ مسلم والسنن.

ص: 15

فإن لم يقدر على الرفع المسنون رفع حسب إمكانه (1) ويسقط بفراغ التكبير كله (2) وكشف يديه هنا وفي الدعاء أفضل (3) ورفعهما إشارة إلى رفع الحجاب بينه وبين ربه (4)(كالسجود) يعني أنه يسن في السجود وضع يديه بالأرض حذو منكبيه (5) .

(ويسمع الإمام) استحبابا بالتكبير كله (من خلفه) من المأمومين ليتابعوه (6) وكذا يجهر بـ «سمع الله لمن حمده» (7) .

(1) أو لم يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما، لإتيانه بالسنة وزيادة هو مغلوب عليها، أو كانا في ثوبه رفعهما حيث يمكن.

لحديث وائل: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم، رواه أبو داود.

وفي رواية: فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تتحرك أيديهم تحت الثياب.

(2)

يعني رفع اليدين، لأنه سنة فات محلها، ثم يحطهما من غير ذكر.

(3)

لأن كشفهما أدل على المقصود، وأظهر في الخشوع.

(4)

ذكره ابن شهاب، أو ليستقبل بجميع بدنه، وفي التمهيد وغيره: ورفعهما عند أهل العلم تعظيم لله تعالى، وابتهال إليه، واستسلام له، وخضوع للموقوف بين يديه، واتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

لحديث أبي حميد الآتي وغيره.

(6)

فيه لقوله: «إذا كبر فكبروا» و «يسمع» من سمعه بالتشديد، أو أسمعه أي جعله يسمعه.

(7)

أي وكذا يستحب لإمام أن يجهر بقول: سمع الله لمن حمده، ليحمد

المأمومون عقبه، لقوله عليه الصلاة والسلام «وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد» ولا يسن جهره بالتحميد، بل يقوله سرا، و (يجهر) بفتح الياء، ويجوز ضمها، يقال جهر بالقراءة ونحوها، وأجهر إذا أعلنها.

ص: 16

والتسليمة الأولى (1) فإن لم يمكن إسماع جميعهم جهر به بعض المأمومين (2) لفعل أبي بكر معه صلى الله عليه وسلم متفق عليه (3)(كقراءاته) أي كما يسن لإمام أن يسمع قراءته من خلفه (4)(في أولتي غير الظهرين) أي الظهر والعصر (5) .

(1) أي يسن للإمام الجهر بالتسليمة الأولى، ليتابعه المأمومون في السلام، وكذا بالثانية، اختاره ابن حامد وغيره، لئلا يسابق المأموم الإمام، ولا يقوم قبل تمام الصلاة.

(2)

ليسمع من لا يسمع الإمام، لنحو بعد أو كثرة.

(3)

من حديث أنس وعائشة وجابر وغيرهم. قال جابر: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه خلفه فإذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر أبو بكر ليسمعنا، ولا تبطل به الصلاة، وإن قصد الإعلام، وذكر البرزلي وغيره أن مذهب الجمهور جواز صلاة المسمع، والاقتداء به، وأنه جرى عليه العمل في الأعصار، والعلماء متوافرون. قالوا: وبالجملة فما عليه السلف والخلف من جواز هذا القول حجة بالغة على من خالفهم. وقال الشيخ: إذا كان الإمام يبلغ صوته المأمومين كلهم لم يستحب لأحد المأمومين التبليغ باتفاق المسلمين، لعدم الحاجة إليه.

(4)

ليتابعوه، وليحصل لهم استماع قراءته.

(5)

غلب أحد الاسمين على الآخر، كالعمرين والقمرين.

ص: 17

فيجهر في أولتي المغرب والعشاء والصبح والجمعة والعيدين والكسوف والإستسقاء والتراويح والوتر بقدر ما يسمع المأمومين (1)(وغيره) أي غير الإمام وهو المأموم والمنفرد ليس بذلك كله (2) .

(1) إجماعا في غير كسوف، وفيه عند الجمهور، لفعله عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت ذلك بنقل الخلف عن السلف، والإسرار فيما عدا ذلك ثبت بإجماع المسلمين، مع الأحاديث الصحيحة المتظاهرة على ذلك، والحكمة في الجهر- والله أعلم- ما ذكره ابن القيم وغيره أن الليل مظنة هدوء الأصوات، وفراغ القلوب، واجتماع الهمم، ومحل مواطأة القلب اللسان، ولهذا كانت السنة تطويل قراءة الفجر، لأن القلب أفرغ ما يكون من الشواغل، فإذا كان أول ما يقرع سمعه كلام الله تمكن فيه، ولما كان النهار بضد ذلك، كان الأصل في القراءة فيه الإسرار إلا لعارض راجح، كالمجامع العظام في العيدين والجمعة والإستسقاء والكسوف، فإن الجهر حينئذ أحسن وأبلغ في تحصيل المقصود، وأنفع للجمع، وفيه من قراءة كلام الله عليهم، وتبليغه في المجامع العظام ما هو من أعظم مقاصد الرسالة.

(2)

أي التكبير والتسميع، والسلام والقراءة، لأنه لا حاجة إليه، وربما لبس على المأمومين إلا أنه يخير منفرد، وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهره بالقراءة وإخفائه بها، وفي الإنصاف: لو قضى صلاة سر، لم يجهر فيها، سواء قضاها ليلا أو نهارا، لا أعلم فيه خلافا، وحكاه الشارح وغيره، وإن قضى صلاة جهر ليلاً جهر فيها ولا أعلم فيها خلافًا ونهارا لم يجهر على الصحيح من المذهب، وقال النووي: يسن للمنفرد كالإمام، وهو مذهب مالك والشافعي.

قال العبدري: هو مذهب العلماء كافة إلا أبا حنيفة، فجهر المنفرد عنده وإسراره سواء. والمرأة إذا صلت بالنساء جهرت بالقراءة، وإلا فلا تجهر إذا صلت وحدها، ويجوز إن لم يسمعها أجنبي.

ص: 18

لكن ينطق به بحيث يسمع (نفسه) وجوبا في كل واجب (1) لأنه لا يكون كلاما بدون الصوت، وهو ما يتأتى سماعه (2) حيث لا مانع، فإن كان، فبحيث يحصل السماع مع عدمه (3)(ثم) إذا فرغ من التكبيرة (يقبض كوع يسراه) بيمينه (4) .

(1) وكذا يجب على كل مصل نطق بكل ركن، كتكبيرة إحرام وتشهد أخير وسلام، وواجب كتسميع وتحميد، وباقي تكبير وتشهد أول.

(2)

أي الصوت، وأقرب السامعين إليه نفسه، فيجب بقدر ما يسمعها، واختار الشيخ الاكتفاء بالحروف، وإن لم يسمعها، وهو وجه في المذهب، وقدمه في الفروع، ومال إليه في الإنصاف، واختاره الكرخي وغيره. قال الشيخ: يجب أن يحرك لسانه بالذكر الواجب في الصلاة من القراءة ونحوها مع القدرة. ومن قال: إنها تصح بدونه. يستتاب.

(3)

أي حيث لا مانع من السماع كصمم، فإن كان ثم مانع فإنه يجب الجهر بالركن والواجب بحيث يحصل السماع مع عدم المانع، وكذا الأخرس ونحوه كمقطوع اللسان يحرم ونحوه بقلبه، ولا يحرك لسانه حركة مجردة، ولو قيل: إن الصلاة تبطل بذلك كان أقرب، لأنه عبث ينافي الخشوع، وزيادة على المشروع.

(4)

لحديث وائل: وضع يده اليمنى على اليسرى. رواه مسلم وغيره. ولأحمد وأبي داود بسند صحيح: ثم وضع كفه اليمنى على كفه اليسرى والرسغ والساعد. ونحوه عن ابن مسعود، وفي الصحيح عن سهل: كانوا يأمرون أن يضع الرجل اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، وفي الترمذي وحسنه: كان يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه. وقال ابن الزبير: وضع اليد على اليد من السنة، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم.

وقال الوزير: وأجمعوا على أنه يسن وضع اليمين على الشمال في الصلاة، إلا في إحدى الروايتين عن مالك، فقال مباح، والأخرى مسنون.

وقال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك وغيره اهـ.

وإذا أرسلها أرسلها إرسالا خفيفا، ثم يضع اليمنى على اليسرى، وصححه النووي وغيره، وقيل يرسلهما ثم يرفعهما، فيضع اليمنى على اليسرى، والكوع طرف الزند الذي يلي الإبهام، من باب باع، وجمعه أكواع، والزند زندان الكوع والكرسوع، قال بعضهم:

وعظم يلي الإبهام كوع وما يلي

لخنصر كرسوع والرسغ ما وسط

وعظم يلي إبهام رجل ملقب

ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط

ص: 19

ويجعلها (تحت سرته) استحبابا (1) لقول علي: من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة. رواه أحمد وأبو داود (2) .

(1) ذلا بين يدي ربه عز وجل، والسرة هي الموضع الذي في وسط البطن يقطع منه السر بعد الولادة.

وحكى النووي وغيره عن العلماء أن الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع.

(2)

تقدم أن قول الصحابي: من السنة، له حكم الرفع، لكن قال النووي هذا الأثر اتفقوا على ضعفه، وعنه: على صدره، وفاقا لمالك والشافعي، لحديث وائل: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه على صدره إحداهما على الأخرى، صححه ابن خزيمة وغيره، وحديث هلب وفيه: ورأيته يضع هذه على صدره، رواه أحمد.

قال النووي: ورواتهما كلهم ثقات، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فوق السرة أو تحتها شيء، وصحح عن علي رضي الله عنه من فعله فوق السرة.

ويعضده ما رواه أبو داود في المراسيل عن طاوس وقال

ابن القيم في كتاب الصلاة لما ساق صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: ثم كان يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعهما على صدره، وقال في موضع آخر لم يصح موضع وضعهما وعنه مخير لأن الجميع مروي، والأمر فيه واسع، واختاره في الإرشاد والمحرر وحكي عن مالك.

ص: 20

(وينظر) المصلي استحبابا (مسجده) أي موضع سجوده لأنه أخشع (1) إلا في صلاة خوف لحاجة (2)(ثم) يستفتح ندبا (3) .

(1) وأكف لبصره، وأبلغ في الخضوع، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل في الصلاة طأطأ رأسه، وقال أبو هريرة، كانوا يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة فلما أنزل الله {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} رمقوا بأبصارهم إلى موضع سجودهم، ويأتي النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، فيما يكره فيها، وقد أجمع العلماء على استحباب الخشوع والخضوع في الصلاة، وغض البصر عما يلهي، وكراهة الالتفات، وتقريب نظره، وقصره على ما بين يديه، ومسجد بفتح الميم وكسر الجيم وتفتح موضع السجود نفسه، وقال الليث: اسم جامع حيث سجد عليه، وقال الزجاج: كل موضع يتعبد فيه فهو مسجد، ومنه المسجد للجامع.

(2)

إذا كان العدو في جهة القبلة، وكذا إذا اشتد الخوف، أو كان خائفا من سيل أو سبع، أو فوات الوقوف بعرفة، أو ضياع مال ونحو ذلك، مما يحصل به الضرر إذا نظر إلى موضع سجوده، وكذا في حال تشهده، فينظر إلى سبابته لحديث، وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته، رواه أحمد وغيره، وفي الغنية: يكره إلصاق الحنك بالصدر.

(3)

أي مسنونا عند جمهور الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وأحمد، لما ثبت من الأحاديث الصحيحة وفي المذهب قول بوجوبه، وخالف مالك رحمه الله

والأحاديث الصحيحة متظاهرة بإثباته، وكذا جهر عمر به وخلفه الصحابة حجة عليه، واستفتح بمعنى فتح، وفاتحة الشيء أوله الذي يفتح به.

ص: 21

فـ (يقول: سبحانك اللهم) أي أنزهك اللهم عما لا يليق بك (1)(وبحمدك) سبحتك (2)(وتبارك اسمك) أي كثرت بركاته (3)(وتعالى جدك) أي ارتفع قدرك وعظم (4) .

(1) من النقائص والرذائل، وأصل التسبيح التنزيه والتقديس، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعا، يقال: سبحته أسبحه تسبيحا وسبحانا قدسته، فسبحان اسم مصدر، منصوب بفعل مقدر، لا يجوز إظهاره، ولا يستعمل إلا مضافا.

(2)

ويقال الواو عاطفة على محذوف، تقديره: سبحتك بكل ما يليق تسبيحك به، وبحمدك سبحتك، وبنعمتك التي توجب علي حمدا سبحتك، لا بحولي ولا بقوتي، ويشاهد بقلبه ربا منزها عن كل عيب، سالما من كل نقص، محمودا بكل حمد، وحمده يتضمن وصفه بكل كمال.

(3)

تبارك أي كمل وتعاظم وتقدس، جاء بناؤها على السعة والمبالغة فدل على كمال بركتها وعظمتها وسعتها، ولا يقال إلا له سبحانه وتعالى، ومن قال: تبارك بمعنى ألقي البركة وبارك فيه، فلم يصب، وإن كان من لوازم كونه متبارك، فإن (تبارك) من باب مجد، والمجد كثرة صفات الجلال والكمال والسعة والفضل.

(4)

أي شأنك و (جد) بفتح الجيم العظمة والحظ والسعادة والغناء، وتعالى تعاظم، جاء على بناء السعة والمبالغة، فدل على كمال العلو ونهايته، وقدرك بسكون الدال وفتحها أي علا جلالك وارتفعت عظمتك، وجلت فوق كل عظمة، وعلا شأنك على كل شأن، وقهر سلطانك كل سلطان.

ص: 22