الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجهر به في الجهرية (1) ومن ائتم بقانت في فجر تابع الإمام وأمن (2) ويقول بعد وتره: سبحان الملك القدوس، ثلاثا ويمد بها صوته في الثالثة (3) (و
التراويح) سنة مؤكدة
(4) .
(1) إجماعًا، ويؤمن من خلفه، كما تقدم.
(2)
أي: تابع الإمام في دعائه: «لحديث إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، ونحوه وأمن المأموم على دعاء إمامه إن سمع القنوت، وإن لم يسمع دعا، قال الشيخ: وإذا فعل الإمام ما يسوغ فيه الاجتهاد، تبعه المأموم فيه، وإن كان هو لا يراه، مثل القنوت في الفجر، ووصل الوتر.
(3)
رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، وقال العراقي: هي مصرح بها في حديث أبي وابن أبزى، وكلاهما عند النسائي بإسناد صحيح، وزاد ابن القيم وغيره:«رب الملائكة والروح» ، ويقول:«اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك» ، رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، وتقدم في قنوت الوتر، وللنسائي وغيره، يقوله إذا فرغ من صلاته، وفسر بعضهم رواية: في آخر وتره، يعني بعد السلام منه، وفي صحيح مسلم عن عائشة، في سجوده.
(4)
في رمضان، بإجماع المسلمين، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث عائشة الآتي وغيره، وليست محدثة لعمر، وهي من أعلام الدين الظاهرة، وقدمت على الرواتب لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره، ولاتفاق الصحابة على فعلها جماعة، بأمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي أمر الناس
بسنته، في قوله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين»
وفعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة عنهم خلفًا عن سلف، وجاء في فضلها أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم:«من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه، وليست واجبة، لأنه صلاها صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليلتين أو ثلاثًا ثم تركها وقال: خشية أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها.
سميت بذلك لأنهم يصلون أربع ركعات، ويتروحون ساعة أي يستريحون (1)(عشرون ركعة) لما روى أبو بكر عبد العزيز في الشافي، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في شهر رمضان عشرين ركعة (2) .
(1) وقال بعض أهل اللغة: التراويح جمع ترويحة، وهي في الأصل اسم للجلسة مطلقًا، ثم سميت بها الجلسة التي بعد أربع ركعات في ليالي رمضان، لاستراحة الناس بها، أو لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين، وفي المصباح، «أرحنا بالصلاة» ، أي أقمها، فيكون فعلها راحة، وصلاة التراويح مشتقة من ذلك، وهي قيام شهر رمضان، قال في الفروع: ويستريح بين كل أربع اتفاقًا، ويدعو فعله السلف ولا بأس بتركه.
(2)
ورواه ابن أبي شيبة، وفيه جده إبراهيم بن عثمان متفق على ضعفه وروى البيهقي في المعرفة عن السائب بن يزيد، قال: كنا نقوم في زمن عمر بعشرين ركعة والوتر، قال النووي: إسناده صحيح، وروى مالك وغيره: كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة، فكونها عشرين سنة الخلفاء الراشدين، قال القاضي: ولا خلاف أنه ليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وإنما الخلاف في فعل النبي صلى الله عليه وسلم وما اختاره لنفسه صلى الله عليه وسلم اهـ.
وتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يزيد في رمضان ولا في
غيره على إحدى عشرة ركعة، وفي رواية ثلاثة عشرة ركعة، ولما ثقل بتسع وسبع، وإنما اختار الإمام أحمد وجمهور العلماء عشرين ركعة، لأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر بلا نزاع.
وقال شيخ الإسلام: له أن يصلي عشرين: كما هو المشهور في مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصليها ستًّا وثلاثين، كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة وثلاث عشرة، وكله حسن فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام أو قصره، وقال: الأفضل يختلف باختلاف المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر والأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز، ولا يكره شيء من ذلك، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت لا يزاد فيه ولا ينقص فقد أخطأ، وقد ينشط العبد فيكون الأفضل في حقه تطويل العبادة وقد لا ينشط فيكون في حقه تخفيفها.
(تفعل) ركعتين ركعتين (في جماعة مع الوتر)(1) .
(1) أي يسلم من كل ركعتين، لحديث «صلاة الليل مثنى مثنى» ، ويوتر بعدهابسلامين كما تقدم، وفي جماعة أفضل من الانفراد لإجماع الصحابة رضي الله عنهم، وإجماع أهل الأمصار على ذلك، وهو قول جماهير العلماء، وتجوز منفردًا، وقال مالك والشافعي: في البيت أفضل لخبر «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» وقال البغوي وغيره: الخلاف فيمن يحفظ القرآن، ولا يخاف الكسل عنها لو انفرد، ولا تختل الجماعة في المسجد بتخلفه، فإن فقد أحد هذه الأمور فالجماعة أفضل بلا خلاف.
بالمسجد أول الليل (بعد العشاء) والأفضل: وسنتها (في رمضان)(1) لما في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلاها ليالي، فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر وقال:«إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها» (2) .
(1) قال الشيخ: باتفاق المسلم وأئمة المسلمين، وتسمى قيام رمضان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه» وكونها أول الليل لأن الناس كانوا يقومون أوله على عهد عمر، ويأتي أنهم يمدونها في آخره إلى آخر الليل، وقوله: والأفضل وسنتها، أي والأفضل أن تفعل بعد العشاء، وبعد سنتها، لتأكد سنتها بعدها، وإن صلاها بعد العشاء وقبل سنتها جاز، لكن الأفضل بعد سنتها، على المنصوص، قال المجد: لأن سنة العشاء يكره تأخيرها عن وقت العشاء المختار، فكان إتباعها بها أولى اهـ وكذا لو صلاها بعد الوتر وقبل الفجر جاز، ولا تصح قبل صلاة العشاء إجماعا، وقال الشيخ: من صلاها قبل العشاء فقد سلك سبيل المبتدعة المخالفة للسنة، وإذا طلع الفجر فات وقتها إجماعًا، وعبارة الإقناع وغيره: ووقتها بعد العشاء وسنتها، وقبل الوتر: إلى طلوع الفجر الثاني.
(2)
وظاهره خشية ترتب افتراض قيام رمضان في جماعة على مواظبتهم عليه، وفي الصحيح:«فلما كانت الرابعة عجز المسجد عن أهله» ، وفي حديث زيد «حتى خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به» ، والشاهد منه قوله:«فصلوها معه وأقرهم عليه» ، وقام:«من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» ، وكان أصحابه يفعلونها في المسجد أوزاعًا، في جماعات متفرقة، في عهده على علم منه بذلك وإقراره لهم.
وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح (1) وروى أحمد والترمذي وصححه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة (2) .
(1) وقال أحمد: كان علي وجابر وعبد الله يصلونها في الجماعة، واستمر عليه الصحابة ومن بعدهم، وروى البيهقي وغيره عن علي أنه كان يجعل للرجال إماما وللنساء إماما.
(2)
وهذا ترغيب في قيامها مع الإمام، وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقة، وإن أخروا التراويح أو بعضها إلى آخر الليل، أو مدوا القيام إلى آخره فهو أفضل، قال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً *} وهو وقت التنزل الإلهي الذي يقول الله تعالى فيه: «هل من سائل؟ هل من مستغفر؟ هل من تائب» وأولى ذلك العشر الأخير منه، واستحب الشيخ إحياءها، وقال: قيام بعض الليالي مما جاءت به السنة، وفي الصحيحين «كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله وشد المئزر» ، وللترمذي وغيره وصححه:«إذا كان في آخر الشهر دعا أهله ونساءه، وقام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح يعني السحور» ، وكان الصحابة والتابعون يمدون الصلاة في العشر الأواخر، إلى قرب طلوع الفجر، كماجاء ذلك عنهم من غير وجه، ولأبي داود عن عمر، لأن يؤخر القيام إلى آخر الليل، سنة المسلمين وروى مالك أن عمر أمر أبيًا وتميمًا أن يقوما للناس، وكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصا من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر، وله عن أبي: كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنتعجل الخدم بالسحور، مخافة الفجر وتقدم قوله: فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل، ولا نزاع في ذلك، والاعتماد على العصا في قيام الليل جائز بالاتفاق.
(ويوتر المتهجد) أي: الذي له صلاة بعد أن ينام (بعده) أي بعد تهجده (1) لقوله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا» متفق عليه (2)(فإن تبع إمامه) فأوتر معه، أو أوتر منفردًا، ثم أراد التهجد لم ينقض وتره (3) وصلى ولم يوتر (4) .
(1) التهجد الصلاة بالليل، أو بعد نوم ليلاً، وقال الجوهري: هجد وتهجد أي: نام ليلا، وهجد وتهجد أي: سهر، وهو من الأضداد، ومنه قيل لصلاة الليل تهجد.
(2)
وانتهى وتر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السحر، وتظاهرت الأحاديث الصحيحة عليه، وإن لم يكن له تهجد صلى الوتر مع الإمام، لينال فضيلة الجماعة.
(3)
وفاقًا وصفة نقضه فسخه إذا أراد أن يصلي بعد أن أوتر، بأن يصلي ركعة واحدة ينوي بها نقض وتره، ويسلم منها فيصير ما صلى من قبل شفعًا، ثم يصلي ما شاء مثنى، ثم يوتر بركعة، لحديث «لاوتران في ليلة» ، وسألت عائشة عن الذي ينقض وتره؟ فقالت: ذلك الذي يلعب بوتره، وإن أحب أن ينصرف من التراويح، ويوتر آخر الليل فعل.
(4)
أي صلى شفعًا ما شاء إلى طلوع الفجر الثاني، لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين، ولم يوتر بعدها اكتفاء بالوتر الذي صلى، ولقوله صلى الله عليه وسلم، «لا وتران في ليلة» ، رواه أحمد وأبو داود، وهو قول جمهور العلماء مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصححه الترمذي وغيره، ولأن الوتر الذي صلاه مضى على صحته، فلا يتوجه إبطاله بعد الفراغ منه.
وإن (شفعه بركعة) أي ضم لوتره الذي تبع إمامه فيه ركعة جاز، وتحصل له فضيلة متابعة إمامه، وجعل وتره آخر صلاته (1) و (يكره التنفل بينها) أي بين التراويح (2) روى الأثرم عن أبي الدرداء أنه أبصر قوما يصلون بين التراويح فقال: ما هذه الصلاة؟ أتصلي وإمامك بين يديك، ليس منا من رغب عنا (3) و (لا) يكره (التعقيب) وهو الصلاة (بعدها) أي بعد التراويح والوتر (في جماعة)(4) .
(1) وكذا إن كان إمامًا استخلف من يصلي بهم تلك الركعة، فإذا سلم الإمام قام وشفعها بركعة، لينال فضيلة الجماعة، وفضيلة جعل وتره آخر صلاته، وتقدم أدلة أفضليتهما.
(2)
نص عليه، وقال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه.
(3)
ونحوه عن عبادة وعقبة بن عامر، وذكر لأحمد رخصة فيه عن بعض الصحابة، فقال: هذا باطل، لأنه رغبة عن إمامه، وهذا ما لم يطل الفصل، كأن يخرج الإمام من المسجد، وكأن يؤخروا بعضها إلى آخر الليل، فلا كراهة إذا، قاله شيخنا، والأثرم هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أحد الأعلام، صاحب السنن وغيرها، روي عن أحمد وعفان وخلق، وعنه النسائي وغيره، مات بعد الستين والمائتين.
(4)
قال المجد وغيره: إذا أخر الصلاة إلى نصف الليل لم يكره، رواية واحدة، ولو تنفلوا جماعة بعد رقدة أو من آخر الليل لم يكره، نص عليه، واختاره جمع.
لقول أنس: لا ترجعون إلا لخير ترجونه (1) وكذا لا يكره الطواف بين التراويح (2) ولا يستحب للإمام الزيادة على ختمة في التراويح (3) إلا أن يؤثروا زيادة على ذلك (4) ولا يستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة، ليحوزوا فضلها (5) .
(1) وكان لا يرى به بأسا، ولأنه خير وطاعة، وكما لو أخروه إلى آخر الليل.
(2)
وظاهره ولا تكره سنته لما تقدم، ولو رجعوا إليه قبل النوم أو لم يؤخروه إلى نصف الليل.
(3)
لئلا يشق عليهم، قاله القاضي وغيره، وقال أحمد: يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخفف عليهم ولا يشق، سيما في الليالي القصار، وفي الغنية، لا يزيد على ختمة، لئلا يشق فيتركوا بسببه، فيعظم إثمه، وقيل: يعتبر حالهم، وتقدم قول الشيخ: أن الأفضل في حق من لا ينشط التخفيف.
(4)
فيستحب إجماعًا.
(5)
أي الختمة فيسمع المصلون معه جميع القرآن، قال شيخ الإسلام قراءة القرآن في التراويح سنة، باتفاق أئمة المسلمين، بل من جُل مقصود التراويح قراءة القرآن فيها، ليسمع المسلمون كلام الله، فإن شهر رمضان فيه أنزل القرآن، وفيه كان جبرئيل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجودما يكون في رمضان، حين يلقاه جبرئيل فيدارسه القرآن.
ويتحرى أن يختم آخر التراويح قبل ركوعه، ويستحب أن يدعو، نص عليه، واحتج بأنه رأى أهل الشام وسفيان بن عيينة يفعلونه، ونقل عن أهل البصرة ونقل فعله عن عثمان وغيره من الصحابة، ولا بأس برفع الأيدي فيه واستحبه
كثير من العلماء ولشيخ الإسلام دعاء عند ختم القرآن جامع شامل، قال: وروي أن عند كل ختمة دعوة مستجابة، فإذا دعا عقب الختمة لنفسه ولوالديه ولمشايخه وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات كان مشروعا اهـ وينبغي لمن يؤخر بعض التراويح في العشر الأخير إلى آخر الليل، ويحصرها من لا يحضر أوله، أن يبتدئ ختمة أخرى، ليسمعه من يحضر آخره دون أوله.
تتمة: يستحب حفظ القرآن إجماعًا وفيه فضل عظيم، وحفظه فرض كفاية إجماعًا وهو أفضل من سائر الذكر وفي الحديث «فضل الكلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» ، صححه الترمذي، ويجب منه ما يجب في الصلاة اتفاقًا، ويبدئ الصبي وليه به قبل العلم، إلا أن يعسر، والمكلف يقدم العلم بعد القراءة الواجبة كما يقدم الكبير نقل العلم على نفل القراءة، واستحب بعضهم القراءة في المصحف لاشتغاله حاسة البصر، ما لم يكن عن ظهر قلب أحضر وأخشع، وتستحب على أكمل الأحوال، والترتيل أفضل من السرعة، مع تبيين الحروف، وأجل قدرا وأقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيرا في القلب، بل قراءة آية بتدبر وتفهم، خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوق حلاوة القرآن، وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده، حتى أنه ليردد الآية إلى الصباح، وهذا هو أصل صلاح القلب، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر.
ومن الناس من إذا حدر كان أخف عليه، وإذا رتل أخطأ، ومنهم من لا يحسن الحدر، والناس في ذلك على ما يخف عليهم، فيستحب لكل إنسان ملازمة ما يوافق طبعه، ويخف عليه، فربما تكلف ما يشق عليه، فيقطعه عن القراءة أو الإكثار، منها، ولا خلاف أن الأفضل الترتيل، لمن تساوى في حاله الأمران، وأما السرعة مع عدم تببين الحروف فتكره، ويسن تحسين الصوت، وفي الصحيح «زينوا القرآن بأصواتكم» ، «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» ، وهو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، وتفكر وتفهم ينفذ اللفظ إلى الإسماع، والمعاني إلى القلوب.
قال النووي: وإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع، ولا يخرج بتحسينه عن حد القراءة، وإلى التمطيط المخرج له عن حدوده، ويستحب البكاء عند القراءة وهي صفة العارفين، وشعار الصالحين، والآيات والأحاديث فيه كثيرة، وطريقه في تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرؤه من التهديد، والوعيد الشديد، والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك، فإنه من المصائب، وقال: والذي يتحصل من الأدلة أن حسن الصوت بالقرآن مطلوب، فإن لم يكن حسنا فليحسنه ما استطاع، ومن جملة تحسينه أن يراعي فيه قوانين النغم، فإن الصوت الحسن يزداد بذلك حسنا، وإن خرج عنها أثر ذلك في حسنه، وغير الحسن ربما انجبر بمراعاتها، ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبر عند أهل القرآن، فإن خرج عنه لم يف تحسين الصوت بقبح الأداء، فلعل هذا مستند من كره القراءة بالأنغام، لأن الغالب على من راعى الأنغام أن لا يراعي الأداء.
وفي شرح الرسالة، ويتحصل من كلام الأئمة أن تحسين الصوت بمراعاة قوانين النغم، مع المحافظة على الأداء هو محل النزاع، فمن العلماء من رأى أن النفس تميل إلى سماع القراءة أكثر من ميلها لمن لم يترنم، لأن للترطيب تأثيرا في رقة القلب، وإجراء الدمع، فقال بجوازه، بل بطلبه واستحبابه، ومن العلماء من رأى أنه خلاف ما كان عليه السلف، وأن القارئ على هذا الوجه ربما غفل عن وجه الأداء فقال بعدم الجواز سدا للذريعة وأما تحسين الصوت بالقرآن من غير مراعاة قوانين النغم فهو مطلوب بلا نزاع.
وقال الحافظ ما كان طبيعة وسجية كان محمودا، وما كان تكلفا وتصنعا مذموم، وهو الذي كرهه السلف وعابوه، ومن تأمل أحوالهم علم أنهم بريئون من التصنع، والقراءة بالألحان المخترعة دون التطريب والتحسين الطبيعي، وقد ندب إليه صلى الله عليه وسلم وقال ابن رشد: الواجب أن ينزه القرآن عما يؤدي إلى هيئة تنافي الخشوع، ولا يقرأ إلا على الوجه الذي يخشع منه القلب، ويزيد في الإيمان، ويشوق فيما عند الله اهـ، والتغني الممدوح بما تقتضيه الطبيعة، وتسمح به القريحة، من غير تكلف ولا تمرين وتعليم، بل إذا خلي وطبعه، واسترسلت طبيعته بفضل تزيين وتحسين، كما قال أبو موسى، لحبرته لك تحبيرا، فإن من هاجه الطرب والحب والشوق، لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة، والنفوس تقبله وتستحيله.
وقال شيخ الإسلام وابن القيم وغيرهما -في تزيين الصوت بالقرآن- هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب، لا صرف الهمة إلى ما حجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط، وشغله بالوصل والفصل، والإضجاع والإرجاع والتطريب، وغير ذلك، مما هو مفض إلى تغيير كتاب الله، والتلاعب به، حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه، ومن تأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره أهل كل لسان على قراءتهم تبين له أن التنطع بالوسوسة في إخراج الحروف ليس من سنته.
وقال ابن قتيبة: وقد كان الناس يقرءون القرآن بلغاتهم، ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء الأعاجم فهفوا وضلوا وأضلوا، وأما ما اقتضته طبيعة القارئ من غير تكلف فهو الذي كان السلف يفعلونه، وهوالتغني الممدوح، ولابن ماجه عن جابر مرفوعًا، «إن من أحسن الناس صوتا الذي إذا سمعته يقرأ حسبته يخشى الله» ، ولأبي داود عن جابر: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال:«اقرءوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه» ، أي يبالغون في عمل القراءة كمال المبالغة للرياء والمباهاة، والشهرة والتأكل، ويذهب الخشوع، قال الذهبي: القراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد، يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر كتاب الله، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة حتى ذكر أنهم ينظرون إلى حفاظ كتاب الله بعين المقت.
قال الشيخ: وأهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه، وإن لم يحفظه عن ظهر قلب، والثواب ورفع الدرجات والأقدار على قدر معاملة القلوب، وما يحصل عند تلاوته وذكر الله، ومن وجل القلب، ودمع العين، واقشعرار الجسم، هو أفضل ذلك، وإذا قرأ لله فإنه يثاب على ذلك، ولو قصد بقراءته أن لا ينساه لحديث استذكروا القرآن، والقرآن لا يؤذي ولا يؤذى به، فلا يرفع به صوته يغلط المصلين، أو يؤذي نائما ونحوه، وليس لأحد أن يجهر بالقرآن بحيث يؤذي غيره، قال النووي: جاء أحاديث صحيحة تقتضي استحباب رفع الصوت بالقراءة وأحاديث في الإسرار، وقال العلماء: طريق الجمع أن الإخفاء أبعد من الرياء، فهو أفضل ممن يخاف الرياء، وكذا من يتأذى بجهره، فإن لم يخف الرياء، ولا التأذي، فالجهر أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى السامعين، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط.
قال الشيخ: يستحب استماع القرآن، واستحب قراءة الإدارة أكثر العلماء، وأما قراءة واحدة والباقون يستمعون فمستحب لا كراهة فيه بلا نزاع. وهي التي كان الصحابة يفعلونها. وقال النووي: يسن طلب القراءة من حسن الصوت
والإصغاء إليها بالاتفاق اهـ.
ويكره التحدث عنده بما لا فائدة فيه، وينبغي الختم كل أسبوع مرة، لقوله صلى الله عليه وسلم لابن عمرو:«اقرأ القرآن كل أسبوع لا تزد على ذلك» متفق عليه، ولا بأس به كل ثلاث، لحديث ابن عمرو أيضا عند أبي داود وغيره، وفيما دونها أحيانا كأوتار عشر رمضان الأخير، رجاء ليلة القدر، وروي عن جميع من السلف الختم في كل ليلة، وكره تأخيره فوق الأربعين لإفضائه إلى نسيانه، والتهاون به، ويقدر بالنشاط وعدم المشقة، ولا يحد بحد، صححه غير واحد، ويحرم تأخيره إن خاف نسيانه، للوعيد عليه، ولأحمد وغيره عن أوس: سألت أصحاب محمد: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزب المفصل واحد.
قال الشيخ: وتحزيبهم بالسور معلوم بالتواتر، وأستحسنه على التحزيبات المحدثة بالإجزاء، ويختم في الشتاء أول الليل، وفي الصيف أول النهار (*) ويجمع أهله لينالهم من بركته، وكان أنس يجمع أهله، وإن قرأ وحده ففي الصلاة أفضل، واستحب السلف حضور الختم وقالوا: يستحب الدعاء عنده، وفيه آثار كثيرة ويلح في الدعاء ويدعو بالمهمات.
(ثم) يلي الوتر في الفضيلة (السنن الراتبة) التي تفعل مع الفرائض (1) وهي عشر ركعات (ركعتان قبل الظهر (2))
(1) لتأكدها، ويكره تركها، وتسقط عدالة من دوام عليه، ويأثم فترد شهادته عند أحمد والشافعي، ويدل على قلة دينه، ويجوز لزوجة وعبد وأجير وولد فعلها مع الفريضة، ولا يجوز منعهم.
(2)
وعند الشيخ وأبي حنيفة والشافعي أربع، لخبر عائشة وغيره، قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم.
ــ
(*) إذا ختم أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي؛ فإذا ختم أول الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح.
وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء (1) وركعتان قبل الفجر (2) لقول ابن عمر: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات، ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته (3) وركعتين قبل الصبح، كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحد، حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن، وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه (4) .
(1) وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي.
(2)
أي قبل صلاة الفجر، للخبر، فلو صلاها قبل طلوع الفجر لم يجزئه.
(3)
ففي بيته قيد للأخيرتين، وفي صحيح مسلم وغيره أنه صلى سنة الفجر والجمعة في بيته مع قوله:«أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبه» ، رواه البخاري وهذا عام في جميع النوافل، شامل لرواتب الفرائض وغيرها، ولا يستثنى منه إلا النوافل التي شرع لها الجماعة، كالكسوف والاستسقاء والتراويح ونحو ذلك، وفي صحيح مسلم عن عائشة، كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين، ففيها أن صلاة الراتبة في البيت أفضل منها في المسجد، مع شرف مسجده صلى الله عليه وسلم لأن فعلها في البيت فضيلة تتعلق بها، فإنه سبب لتمام الخشوع والإخلاص، وأبعد من الرياء والإعجاب، وشبههما ولتنزل الرحمة في البيت، ويخرج الشيطان، وقال عليه الصلاة والسلام «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا» .
(4)
وكذا أخبرت عائشة في غير حديث، وحكى الوزير وغيره اتفاق أهل العلم على أن النوافل الراتبة عشر.
(وهما) أي ركعتا الفجر (آكدها) أي أفضل الرواتب (1) لقول عائشة رضي الله عنها: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدا منه على ركعتي الفجر، متفق عليه (2) فيخير فيما عداهما وعدا الوتر سفرا (3) ويسن تخفيفهما (4) .
(1) إجماعًا.
(2)
أي لم يكن صلى الله عليه وسلم أشد محافظة ومداومة من تعاهده عليهما حتى استدل به على الوجوب، وقال:«ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» ، رواه مسلم وقال:«لا تدعوهما ولو طردتكم الخيل» ، رواه أبو داود.
(3)
أي فإن شاء فعل ما عدا ركعتي الفجر، وركعة الوتر سفرا، وإن شاء ترك، لمشقة السفر، هذا معنى كلاما لأصحاب، وقال ابن عمر لما سئل عن سنة الظهر في السفر: لو كنت مسبحا لأتممت وقال شيخ الإسلام: لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة راتبة في السفر غير سنة الفجر والوتر.
وقال أيضا: وأما الصلاة قبل الظهر وبعدها، وبعد المغرب والعشاء، فلم ينقل عنه أنه فعل ذلك في السفر، ولم يصل معها شيئا وكذلك كان يصلي بمنى ركعتين ولم ينقل عنه أحد أنه صلى معها، والمسافر إذا اقتصر على ركعتي الفرض كان أفضل له من أن يقرن بها ركعتي السنة، وقال أيضا: يوتر المسافر، ويركع سنة الفجر، ويسن تركه غيرهما، والأفضل له التطوع في غير السنن الراتبة، ونقله بعضهم إجماعا، وقال ابن القيم: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في سفره الاقتصار على الفرض، ولم يحفظ عنه أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها، إلا ما كان من الوتر وسنة الفجر اهـ.
فأما ركعتا الفجر فيحافظ عليهما حضرًا وسفرًا، وكذا قيام الليل، لما ثبت عنه أنه هو وأصحابه فعلوها مع الفجر، وقضوها معه، وثبت أنه يسبح على راحلته ويوتر عليها.
(4)
أي ركعتي الفجر إجماعًا لما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة أنه كان
يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، حتى إني لأقول أقرأ بأم الكتاب أم لا؟ والمراد تخفيف نسبي إلى غيرهما من الصلوات لا النقر المنهي عنه، وعد الخلوتي ما يندب تخفيفه فقال:
أولها سنة فجر قد أتت
…
وحال خطبة لجمعة ثبت
وركعتان لقيام الليل
…
وركعتا الطواف قل في قول
ومثله تحية للمسجد
…
كلاهما للعكبري أسند
وركعتان بعد فعل الوتر
…
وفعل ذي من جالس فاستقر
قالوا وركعتان قبل المغرب
…
إن قيل يندبان فاعلم وادأب
كذاك نفل من أقيم فرضه
…
وهو به وخاف أن ينقصه
وتاسع عند صياح الولد
…
وهو الذي بذكره تم العدد
واضطجاع بعدهما على الأيمن (1) ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة (قل يا أيها الكافرون) وفي الثانية (قل هو الله أحد)(2) .
(1) لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن، وعنه: ليس بسنة وفاقًا لمالك: وقال أحمد: عائشة ترويه وابن عمر ينكره، وقال بعض أهل العلم: إنما اضطجاعه بعد الوتر، وقبل ركعتي الفجر، كما هو مصرح به في حديث ابن عباس، وأما حديث عاشة فرواية مالك بعد الوتر، وغيره بعد ركعتي الفجر، ولا يبعد أن يكون هذا تارة، وهذا تارة فيباح، وأما حديث أمره بالاضطجاع بعدهما، فقال شيخ الإسلام باطل.
(2)
لما رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي (قل يأيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) ولابن ماجه: وكان يقول: نعم السورتان يقرأ بهما، وهما الجامعتان لتوحيد العلم، والاعتقاد، وتوحيد العمل والإرادة.
أو يقرأ في الأولى (قولوا آمنا بالله)(1) وفي الثانية (قل يأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة) الآية (2) ويلي ركعتي الفجر ركعتا المغرب (3) ويسن أن يقرأ فيهما بالكافرون والإخلاص (4)(ومن فاته شيء منها) أي من الرواتب (سن له قضاؤه) كالوتر (5) لأنه صلى الله عليه وسلم قضى ركعتي الفجر مع الفجر، حين نام عنهما (6) .
(1) الآية التي في سورة البقرة.
(2)
التي في سورة آل عمران للخبر وتقدم.
(3)
يعني في الأفضلية.
(4)
لما روى الترمذي والبيهقي وغيرهما عن ابن مسعود قال: ما أحصي ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر قل يأيها الكافرون، و (قل هو الله أحد) وللبيهقي أيضا نحوه عن ابن عمر.
(5)
أي كما يسن قضاء الوتر، ونصره المجد، واختاره الشيخ، وجزم به غير واحد.
(6)
وفي الترمذي وصححه ابن خزيمة ومن لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس، وعن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام نام عن ركعتي الفجر فقضاهما بعدما طلعت الشمس، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم، وله أن يقضيهما بعدها، قال الشيخ: يقضيهما بعدها، لحديث قيس، يعني أنه صلاهما بعدها، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم وبه قال الشافعي.
وقضى الركعتين اللتين قبل الظهر بعد العصر (1) وقيس الباقي (2) وقال: من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر رواه الترمذي (3) لكن ما فات مع فرضه وكثر فالأولى تركه، إلا سنة فجر (4) ووقت كل سنة قبل الصلاة، من دخول وقتها إلى فعلها، وكل سنة بعد الصلاة من فعلها إلى خروج وقتها (5) .
(1) رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وهو مذهب الشافعي، قال الشيخ وهو أقوى.
(2)
أي من الرواتب في القضاء على ما فيه النص، قال شيخ الإسلام، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها» ، وهذا يعم الفرض وقيام الليل، والوتر والسنن الراتبة، قالت عائشة، إذا نام عن ورده بالليل قضاه من النهار، وهو مذهب الشافعي.
(3)
وأبو داود، فدل على سنية قضاء الرواتب، وقضاء الوتر على هيئته وهو المذهب، وقال شيخ الإسلام، الصحيح أنه يقضي شفعه معه، لما في صحيح مسلم، عن عائشة كان صلى الله عليه وسلم إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، وفيه عن عمر من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل وقال الشيخ في موضع: لا يقضي، ومراده على صفته، لأن المقصود به أن يكون آخر عمل الليل، كما أن وتر النهار: المغرب.
(4)
أي الأولى ترك قضاء الرواتب مع الفرائض لحصول المشقة، إلا سنة فجر لتأكدها، فيقضيها مطلقا.
(5)
فلا يصح تقديمها عليه، وبعده قضاء، وتجزئ السنة عن تحية المسجد ولا عكس، وإن نواهما حصلا.
فسنة فجر وظهر الأولة بعدهما قضاء (1) والسنن غير الرواتب عشرون، أربع قبل الظهر، وأربع بعدها (2) .
(1) يعني التي قبل صلاة الفرض، لأن وقتها يمتد إلى الصلاة فقط، ففعلها بعد الوقت يكون قضاء، ويبدأ بسنة الظهر قبلها، إذا قضاها قبل التي بعدها، مراعاة الترتيب عند الأصحاب، وروى ابن ماجه وغيره عن عائشة، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر، قال العراقي: والحديث دليل على امتداد وقتها إلى آخر وقت الفريضة، لأنها لو كانت تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء، وكانت مقدمة على سنة الظهر، وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر، وهو الصحيح عند الشافعية اهـ، ولا سنة للجمعة راتبة قبلها، وبعدها ركعتان أو أربع ويأتي، ويسن الفصل بين الفرض والسنة بكلام أو قيام، لحديث معاوية أمرنا أن لا نوصل صلاة بصلاة، حتى نتكلم أو نخرج، رواه مسلم، واستدل بعض المالكية بحديث عن عمر، أنه رأى رجلا قام بإثر فراغه من الفرض إلى النافلة، فقام إليه وجذبه بثيابه، وضرب به الأرض، وقال له: ما أهلك من كان قبلكم إلا أنهم كانوا لا يفصلون بين الفرض والنفل، وفرآه صلى الله عليه وسلم وقال:«أصاب الله بك يا عمر» .
(2)
لحديث أم حبيبة مرفوعا، «من حافظ على أربع قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار» ، صححه الترمذي، وللجماعة إلا البخاري عنها، «من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة» ، وفيه «أربع قبل الظهر» ، واستحب المواظبة عليها الجمهور، ورجح ابن القيم أن الأربع التي كان يصليها قبل الظهر ورد مستقل سببه انتصاف النهار، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح» رواه أحمد.
وأربع قبل العصر (1) وأربع بعد المغرب (2) وأربع بعد العشاء (3) غير السنن الرواتب (4) قال جمع: يحافظ عليها (5) وتباح ركعتان بعد أذان المغرب (6) .
(1) لحديث ابن عمر مرفوعا «رحم الله امرءا صلى أربعًا قبل العصر» ، رواه الترمذي وغيره، وله شواهد تدل على استحبابها وما رتب عليه من الأجر مما يتنافس فيه المتنافسون، وليست راتبة، ولا تلحق بالوراتب، وللشيخ قاعدة معروفة وهي أن ما ليس من السنن الراتبة لا يداوم عليه، حتى يلحق بالرواتب.
(2)
لحديث أبي هريرة يرفعه، «من صلى بعد المغرب ست ركعات، لم يتكلم فيما بينهن بسوء، عدلن له بعبادة ثنتي عشرة سنة» رواه الترمذي.
(3)
لقول عائشة: ما صلى العشاء قط، فدخل علي، إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات، رواه أبو داود.
(4)
وهن العشر الركعات المتقدم ذكرها، وأما قبل العصر وقبل المغرب والعشاء فقال شيخ الإسلام، لم يكن يصلي، لكن ثبت عنه في الصحيح أنه قال:«بين كل أذانين صلاة» ، ثم قال في الثالثة، «لمن شاء» ، فمن شاء أن يصلي تطوعا، فهو حسن، لكن لا يتخذ ذلك سنة، ولا يكره أن يصلي فيها، بخلاف ما فعله ورغب فيه، فإن ذلك أوكد من هذا، قال النووي: والمراد بالأذانين والإقامة، باتفاق العلماء.
(5)
استحبابًا لما تقدم وغيره من الأدلة الدالة على فضلها، وممن قال بالمحافظة عليها الشارح وابن عبيدان، وغيرهما من الأصحاب وغيرهم، لكن لا تستحب المداومة ليضاهي بها السنن الراتبة، ويكره تركها، وقال القاضي، يأثم وقال ابن تميم، تسقط عدالته.
(6)
أي فلا يكرهان ولا يستحبان، وعنه: يسن فعلهما للخبر الصحيح
وهو أصح الروايتين وقال ابن القيم: فعل هاتين الركعتين مستحب، مندوب إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«صلوا ركعتين قبل المغرب، صلوا ركعتين قبل المغرب» ثم قال في الثالثة: لمن شاء، خشية أن يتخذها الناس سنة، وليست بسنة راتبة كسائر السنن الرواتب.
فصل
وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار (1) لقوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل» رواه مسلم عن أبي هريرة (2) فالتطوع المطلق أفضله صلاة الليل (3) .
(1) بإجماع المسلمين.
(2)
وله أيضا وأهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال: «الصلاة في جوف الليل» ، وفيه أيضا:«إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه» ، وقال:«عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنها عن الإثم» ، رواه الحاكم وغيره، وفيه أحاديث كثيرة تدل على تأكد أفضلية قيام الليل، والاستكثار من الصلاة فيه، وقال تعالى:{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} ينامون قليلا منه، ويصلون أكثره وقال:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} وغير ذلك من الأدلة الدالة على فضل قيام الليل، وترتب الجزاء الجليل عليه.
(3)
وهو ما سوى الرواتب والوتر، إجماعا لقوله:«أفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل» ، وعن عمرو بن العاص، «ركعة بالليل خير من عشر ركعات بالنهار» ، وقال أحمد: ليس بعد المكتوبة أفضل من قيام الليل.
لأنه أبلغ في الإسرار، وأقرب إلى الإخلاص (1)(وأفضلها) أي الصلاة (ثلث الليل بعد نصفه مطلقا)(2) لما في الصحيح مرفوعًا «أفضل الصلاة صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» (3) ويسن قيام الليل (4) .
(1) وعمل السر أفضل من عمل العلانية، والإخلاص ركن العبادة الأعظم. ولأنه وقت غفلة الناس، وتركهم الطاعات، ولأن الصلاة بعد النوم أشق فكان أفضل، وتستحب النوافل المطلقة في جميع الأوقات غير أوقات النهي.
(2)
أي سواء كان الثلث الأوسط أو غيره، وقال الخلوتي: أي سواء انضم إليه السدس السادس أم لا، وقال شيخنا: أو الأخير، والنصف الأخير أفضل من الأول، ومن الثلث الأوسط.
(3)
فكان يجم نفسه بنوم أول الليل، ثم يقوم في الوقت الذي ينادي الله فيه «هل من سائل فأعطيه سؤاله؟» ، ثم يستدرك بالنوم ما يستريح به من نصب القيام في بقية الليل، وهو النوم عند السحر، فيستقبل صلاة الصبح وأول النهار بنشاط فدل دلالة ظاهرة على فضيلة قيام ثلث الليل بعد نوم نصفه، وذلك حين يسمع الصارخ، وقد جرت العادة أن الديك يصيح عند نصف الليل غالبا، وتواتر عنه صلى الله عليه وسلم خبر التنزل الإلهي، حين يبقى ثلث الليل الآخر، «فيقول: من يدعوني فاستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» ، وللترمذي وصححه «أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر» .
(4)
قال جمع من أهل العلم: سنة مؤكدة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، والأحاديث الواردة فيه في الصحيحين وغيرهما أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر وقد أفرد بالمصنفات.
وافتتاحه بركعتين خفيفتين (1) ووقته من الغروب إلى طلوع الفجر (2) .
(1) لحديث أبي هريرة «إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين» رواه مسلم وغيره، والسر والله أعلم لتكون توطئة لقيام الليل، وليذوق لذة العبادة.
(2)
قال أحمد: قيام الليل من المغرب إلى طلوع الفجر، فالنافلة بين العشائين من قيام الليل، وتقدم أن صلاة آخر الليل أفضل وقال تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً *} والناشئة لما بعد النوم، ومن لم يرقد فلا ناشئة له، وينبغي أن ينوي قيام الليل لخبر، «يكتب له ما نوى» ، رواه النسائي وغيره بسند صحيح، وله نظائر، والتهجد إنما يكون بعد النوم، فإذا استيقظ من نومه مسح النوم عن وجهه، وتسوك، وذكر الله، وقال ما ورد.
ومنه «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» ، ثم إن قال:«اللهم اغفر لي» ، أو دعا استجيب له، ويقول:«الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علىَّ روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره» ، وغير ذلك مما ورد، ويقول عند الصباح والمساء، وعند النوم والانتباه، وفي السفر وغير ذلك ما ورد.
ويتأكد الإكثار من الدعاء والاستغفار آخر الليل، للآيات والأخبار، وإن شاء استفتح صلاته بافتتاح المتكوبة، وإن شاء بغيره مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كقوله:«اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض» إلخ، أو «اللهم رب جبرائيل» إلخ، أو «اللهم باعد بيني وبين خطاياي» ، إلخ قال الشيخ: ويستحب للمصلي أن يستفتح بها كلها، وهو أفضل من أن يداوم على نوع ويهجر غيره.
ولا يقومه كله (1) إلا ليلة عيد (2) .
(1) أي لا يستحب، لما تقدم، ولقوله لعبد الله بن عمرو «يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال:«فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لنفسك عليك حقًّا» ، ولزوجك عليك حقا، متفق عليه، ولقصة النفر الذين قال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أنام، فقال عليه الصلاة والسلام «ولكني أنام وأقوم، فمن رغب عن سنتي فليس مني» ، وغير ذلك من الأحاديث.
وقالت عائشة: ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح، ويحمل قولها على غير العشر، وتقدم، ولم يكثر ذلك منه، ولأنه لا بد في قيامه كله من ضرر أو تفويت حق، وتشق المداومة، وفي الصحيح «خذوا من العمل ما تطيقونه، فوالله لا يسأم الله حتى تسأموا» ، وفي لفظ «لا يمل حتى تملوا» ، فإذا خشي الملل فلا ينبغي له أن يكره نفسه، وإن نعس فليرقد، لما في الصحيحين «إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد، حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه» ، وفي الصحيح، «ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد، وظاهره حتى ليالي العشر، واستحبه الشيخ، وقال: قيام بعض الليالي مما جاءت به السنة، وقال أحمد: ينبغي أن يكون له ركعات معلومة من الليل والنهار، فإذا نشط طولها وإلا خففها، لحديث «أحب العمل إلى الله أدومه» ، ويستحب أن يكون للعبد تطوعات يداوم عليها، وإذا فاتته قضاها ويوقظ أهله، وتوقظه للأخبار، وفي الصحيح «إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا» ونحوه للطبراني.
(2)
لما روى ابن ماجه «من قام ليلتي العيدين محتسبا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» ، وفي سنده: بقية والمرار، وروى مالك عن ابن عمر أنه كان يحيي ليلة العيد، وإلا ليالي العشر الأخير من رمضان لما في الصحيحين، «إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل» ، وتقدم.
ويتوجه: وليلة النصف من شعبان (1) .
(1) هذا التوجيه لابن رجب، وفيه حديث معاذ، رواه الأصبهاني، وقال شيخ الإسلام: وأما ليلة النصف من شعبان ففيها فضل، وكان في السلف من يصليها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها بدعة، قال ابن رجب: وفي استحباب قيامها ما في ليلة العيد، قال الشيخ: وأما إنشاء صلاة بعدد مقدر، وقراءة مقدرة، وفي وقت معين، تصلي جماعة راتبة، كصلاة الرغائب، والألفية، ونصف شعبان، وسبع وعشرين من رجب، وأمثال ذلك، فهذا غير مشروع باتفاق علماء الإسلام، ولا ينشئ هذا إلا جاهل مبتدع، وفتح مثل هذا الباب يوجب تغيير شرائع الإسلام، وقال أيضا: صلاة الرغائب بدعة محدثة، لم يصلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف، وقال أيضا: لا أصل لها، بل هي محدثة، فلا يتستحب لا جماعة ولا فرادى، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام، أو يوم الجمعة بصيام، والأثر الذي ذكر فيها كذب، موضوع باتفاق العلماء.
وقال النووي في صلاة الرغائب والألفية هاتان الصلاتان بدعتان مذمومتان ومنكرتان قبيحتان فلا تغتروا بذكرهما، ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن ذلك باطل، والرغائب أول جمعة من رجب، وقال ابن الجوزي وأبو بكر الطوسي: هي موضوعة، وقال شيخ الإسلام: صلاة التسبيح نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوا بها بالكلية، وقال: العمل بالخبر الضعيف لا يجوز، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، ومثله الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات، ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي، لا استحباب ولا غيره، لكن يجوز ذلك في الترغيب والترهيب، فيما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع، فإنه ينفع ولا يضر، واعتقاد موجبه يتوقف على الدليل الشرعي، وقال ابن القيم وغيره: الأصل، في العبادات البطلان، حتى يقوم دليل على الأمر، فإن الله لا يعبد إلا بما شرعه على ألسن رسله.
(وصلاة ليل ونهار مثنى مثنى) لقوله عليه الصلاة والسلام: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» رواه الخمسة، وصححه الترمذي (1) ومثنى مثنى معدول عن اثنين اثنين (2) .
(1) الحديث أخرجه الجماعة بلفظ «صلاة الليل مثنى مثنى» ، وكرر للمبالغة في التأكيد، ولمسلم عن ابن عمر «تسلم من كل ركعتين» ورواه الخمسة كما ذكر بلفظ «والنهار» ، وقال النسائي: خطأ، والدارقطني: وهم، لأنها من رواية علي البارقي في الأزديين، وهو ضعيف عن ابن معين وغيره، وقد خالف جماعة من أصحاب ابن عمر لم يذكروا فيه النهار، وله طرق وشواهد لا تخلو من مقال وصححه بعض أهل العلم، وثبت في كون صلاة النهار ركعتين ما لا يحصى من الأحاديث، وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، ما أدركت فقهاء أرضنا إلا يسلمون من كل اثنتين من النهار، وليس بمعارض ما ثبت بأكثر من ركعتين ركعتين، لوقوعه جواب سؤال، ولا مفهوم له اتفاقًا، وجاءت السنة الصحيحة بالأربع والست والثمان، والسبع والتسع وغيرها، فلا منافاة، ولا يقتضي الكراهة بأكثر من ركعتين ولا تناقض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام: وكل ما جاءت به السنة فلا كراهة لشيء منه، بل هو جائز اهـ، وحديث «مثنى» حمله الجمهور على أنه لبيان الأفضلية لما صح من فعله، وقوله، ويحتمل أن يكون للإرشاد إلى الأخف، إذ السلام من ركعتين أخف على المصلي من الأربع فما فوق، أو لما فيه من الراحة غالبًا.
(2)
وهو غير منصرف للوصف والعدل.
ومعناه معنى المكرر، وتكريره لتوكيد اللفظ، لا للمعنى (1) وكثرة ركوع وسجود، أفضل من طول قيام فيما لم يرد تطويله (2)(وإن تطوع في النهار بأربع) بتشهدين (كالظهر فلا بأس)(3) .
(1) وقال غيره: للمبالغة وقال في النهاية وغيرها: مثنى مثنى أي ركعتان ركعتان بتشهد وتسليم فهي ثنائية لا رباعية.
(2)
فما ورد في الشرع تطويله فالأفضل اتباعه وإلا فالأفضل كثرة الركوع والسجود لقوله: «أعني على نفسك بكثرة السجود» ، ولقوله:«أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» ، وعنه طول القيام أفضل لما اختص به من تلاوة كتاب الله الذي هو أفصل الكلام على الإطلاق، وعنه التساوي واختاره الشيخ وقال: التحقيق أن ذكر القيام وهو القراءة أفضل من ذكر الركوع والسجود، وأما نفس الركوع والسجود فأفضل من نفس القيام، فاعتدلا، ولهذا كانت صلاته صلى الله عليه وسلم معتدلة.
وقال: الصلاة إذا قام من الليل، أفضل من القراءة في غير الصلاة، نص على ذلك أئمة الإسلام للخبر «استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» ، ولغيره من الأخبار، لكن إن حصل له نشاط وتدبر وتفهم للقراءة دون الصلاة فالأفضل في حقه ما كان أنفع له، وقال: العبادة التي ينتفع بها، فيحضر لها قلبه، ويرغب فيها، ويحبها أفضل من عبادة يفعلها مع الغفلة، وعدم الرغبة وقد تكون مداومته على النوع المفضول أنفع: لمحبته وشهود قلبه، وفهمه ذلك الذكر.
(3)
أي لا كراهة: لمجيء النصوص بذلك منها حديث عائشة: يصلي الضحى أربعا، لا يفصل بينهن بسلام، ولو تشهد في كل ركعة، فذكر الشافعية المنع، لما فيه من ابتداع صورة في الصلاة لم تعهد، قال يوسف، وهو حسن، ولم أره لأصحابنا.
لما روى أبو داود وابن ماجه، عن أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا، لا يفصل بينهن بتسليم (1) وإن لم يجلس إلا في آخرهن فقد ترك الأولى (2) ويقرأ في كل ركعة مع الفاتحة سورة (3) وإن زاد على اثنتين ليلا، أو أربع نهارا، ولو جاوز ثمانيا نهارا بسلام واحد صح، وكره في غير الوتر (4) .
(1) ولفظ أبي داود: ليس فيهن تسليم، وزاد ابن ماجه: إذ زالت الشمس، وصرح غير واحد أن هذه سنة الزوال، غير سنة الظهر.
(2)
أي الأفضل لأنه أكثر عملا.
(3)
كسائر التطوعات.
(4)
وفاقا، بشرط نيته للزيادة، وإلا لم يصح، وجزم في التبصرة بعدم الكراهة وفاقا للشافعي، وقدمه في الفروع وغيره، وصححه المجد وغيره، واختاره القاضي وغيره، وذكر الزركشي أنه المشهور، سواء علم العدد أو نسيه، وتقدم أنه يجوز وإن لم ينو إلا عند الدخول في الثالثة، قال في الحاوي الكبير: لو صلى نافلة فقام إلى ثالثة، فلا خلاف بين العلماء أنه يجوز أن يتمها أربعا، ويجوز أن يرجع إلى الثانية ويسلم، وأي ذلك فعل سجد للسهو، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، وفيهم أيضا: يصلي خمسا وسبعا وتسعا بسلام واحد، وصلى الضحى ثماني ركعات، لم يفصل بينهن، وهو تطوع، فألحق به، سائر التطوعات، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما يكره فعله، وتقدم أن قوله:«مثنى» : لا ينفي ما عداه، ولا يدل على كراهته، ومرادهم في غير الوتر، كثلاث وخمس وسبع وتسع، وإذا لم يكره في ذلك فما تقدم أولى، لفعله صلى الله عليه وسلم ولو شرع في أربع بتسليمة فله أن يسلم من ركعتين وفاقا.
ويصح التطوع بركعة ونحوها (1)(وأجر صلاة قاعد) بلا عذر (على نصف صلاة قائم) لقوله عليه السلام «من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر صلاة القائم» متفق عليه (2) .
(1) كثلاث وخمس، قال في الإقناع: مع الكراهة، وروي عن عمر أنه صلى ركعة، وقال: هو تطوع وصح عن غيره من الصحابة تقصير الوتر بركعة، وهو تطوع، وتقدم أن النافلة في البيت أفضل، واتفق أهل العلم أن صلاة التطوع في البيت أفضل سوى ما تقدم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله في بيته، وقال:«صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» رواه مسلم وغيره، ولأنه أقرب إلى الإخلاص، ولا بأس بصلاة التطوع جماعة.
قال الشيخ: وما لا تسن له الجماعة الراتبة، كقيام الليل، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وتحية المسجد، ونحو ذلك، فهذا إذا فعله جماعة أحيانا جاز، وأما اتخاذه سنة راتبة فغير مشروع، بل بدعة مكروهة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تطوع بذلك في جماعة قليلة أحيانا، وإنما كان يقوم الليل وحده، ولم يكن هو صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا التابعون يعتادون الاجتماع للرواتب على ما هو دون هذا، ولا ينبغي الجهر نهارا، وليلا يراعي المصلحة، فإن كان الجهر أنشط في القراءة أو بحضرته من يستمع قراءته أو ينتفع بها، فالجهر أفضل، وإن كان بقرب من يتهجد، أو يتضرر برفع صوته، أو خاف رياء، فالإسرار أفضل، والنبي صلى الله عليه وسلم ربما أسر، وربما جهر، وقال:«أيها الناس كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة» .
(2)
وأما مع العذر فكالقائم، قال الشيخ: إذا كان من عادته أنه يصلي قائما، وإنما قعد لعجزه، فإن الله يعطيه أجر القائم، لقوله صلى الله عليه وسلم إذا مرض العبد أو سافر، كتب له من العمل ما كان يعمله وهو صحيح مقيم» فلو عجز عن الصلاة كلها لمرض كان الله يكتب له أجرها كله، لأجل نيته وفعله بما قدر عليه، فكيف إذا عجز عن أفعالها» اهـ. وجواز التطوع جالسا مع القدرة على القيام مجمع عليه، واتفقوا على أنه لو شرع في صلاة تطوع قائما، لم يلزمه إتمامها قائما وظاهر المذهب أن صلاة المضطجع تطوعا لا تصح، وقال الشيخ: لا يجوز التطوع مضطجعا لغير عذر، ولعذر تصح، ويسجد إن قدر وإلا أومأ اهـ ومن فاته تهجده استحب له قضاؤه قبل الظهر لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} وتقدم: «من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل» .
ويسن تربعه بمحل قيام، وثني رجليه بركوع وسجود (1) .
(1) رواه النسائي، وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عائشة، أنه كان يصلي متربعا، والتربع أن يجعل باطن قدمه اليمنى تحت الفخذ اليسرى، وباطن اليسرى تحت اليمنى، مطمئنا وكفيه على ركبتيه مفرقا أنامله كالراكع، وثني رجليه هو رد ركبهما إلى القبلة، وعنه: لا يثنيهما في ركوعه، قال الموفق: هذا أقيس وأصح في النظر، وعنه: يفترش، وفاقا للشافعي، ومذهب أبي حنيفة يخير بينهما، والتربع قول مالك، وثنيهما حال سجوده لا نزاع فيه، ويجوز له القيام إذا ابتدأ الصلاة جالسا، وعكسه وفاقا، لما في الصحيحين من حديث عائشة كان يقرأ قاعدا حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحوا من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع، ولمسلم، كان يصلي ليلا طويلا قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد، ركع وسجد وهو قاعد، ولما روي عن أنس وابن عمر، فإذا بلغ الركوع فإن شاء قام فركع، وإن شاء ركع من قعود، قال أحمد وغيره، والعمل على تلك الأحاديث يعني في ركوعه عن قيام أو قعود فهي صحيحة، معمول بها عند أهل العلم قال الشيخ: وتحريه مع قعوده أن يقوم
ليركع ويسجد وهو قائم، دليل على أنه أفضل إذ هو أكمل، وأعظم خشوعا لما فيه من هبوط رأسه، وأعضائه الساجدة لله من القيام.
(وتسن صلاة الضحى) لقول أبي هريرة: «أوصاني خليلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» ، رواه أحمد ومسلم (1) وتصلي في بعض الأيام دون بعض، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم عليها (2)(وأقلها ركعتان)(3) لحديث أبي هريرة (4) .
(1) وهو في الصحيحين، ولمسلم عن أبي الدرداء نحوه، وله من طرق عن عائشة: كان يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله، وصلاة الضحى، والترغيب فيها بلغت حد التواتر وتستحب المداومة عليها، لمن لم يقم في ليله لخبر أبي هريرة ونحوه، وكان يشتغل بالليل بتذكر الحديث فحظه النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضحى، ولشيخ الإسلام قاعدة، أن ما ليس من السنن الرواتب لا يداوم عليه، حتى يلحق بالرواتب، واختار المداومة عليها لمن لم يقم من الليل، لتأكدها في حقه بالأمر الشرعي وكونها سنة هو مذهب جمهور السلف، وقول الفقهاء المتأخرين قاله النووي وغيره.
(2)
قال شيخ الإسلام: باتفاق العلماء بسنته، ففي الصحيحين عن عائشة: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط، ولأحمد والترمذي وغيرهما من حديث أبي سعيد، كان يصلي الضحى، حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول لا يصليها، ولأنها دون الفرائض، والسنن المؤكدة فلا تشبه بها.
(3)
إجماعا.
(4)
المتقدم في قوله «وركعتي الضحى» ، ولحديث أنس:«من قعد في مصلاه حين ينصرف من الصبح، حتى يسبح ركعتي الضحى، لا يقول إلا خيرا، غفرت له خطاياه وإن كانت أكثر من زبد البحر» ، رواه أبو داود، ولمسلم عن عائشة كان يصلي الضحى أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله، وروي عن جابر أنه رآه يصلي ستا، وللخمسة إلا ابن ماجه:«ابن آدم أركع أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره» وقال الحاكم: صبحت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات فوجدتهم يختارون هذه الصلاة، يعني أربع ركعات، ويصلون هذه الصلاة أربعا، لتواتر الأخبار الصحيحة، وصوب ابن جرير وغيره أن تصلي بغير عدد.
(وأكثرها ثمان) لما روت أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح صلى ثماني ركعات، سبحة الضحى، رواه الجماعة (1)(ووقتها من خروج وقت النهي) أي من ارتفاع الشمس قدر رمح (2)(إلى قبيل الزوال) أي إلى دخول وقت النهي، بقيام الشمس (3) وأفضله إذا اشتد الحر (4) .
(1) أي نافلة الضحى، والسبحة الدعاء، وصلاة التطوع، لأنها يسبح بها، ولأحمد عن أنس نحوه، وثمان في الأصل منسوب إلى الثمن، لأنه الجزء الذي صير السبعة ثمانية، فهو ثمنها، فتحوا أوله، وحذفوا منه إحدى ياءي النسب، وعوضوا منها الألف، كما فعلوا في المنسوب إلى اليمن، فتثبت ياؤه عند الإضافة والنصب، كما تثبت ياء القاضي، وتسقط مع التنوين عند الرفع والجر.
(2)
في رأي العين، ويأتي أن المراد ارتفاع الشمس وإشراقها، لا مجرد ظهور القرص.
(3)
أي استوائها في كبد السماء.
(4)
أي أفضل صلاة الضحى إذا اشتد الحر، لحديث:«صلاة الأوابين حين يرمض الفصال» ، رواه مسلم، أي تحمي الرمضاء، وهي الرمل، فتبرك الفصال، من شدة الحر، أو تبول من شدة الحر في أخفافها.
................................................ (1) .
(1)
تتمة
تسن صلاة الاستخارة بلا نزاع، إذا هم بأمر، ولو في خير كحج وعمرة إذا كان نفلا، فإن الاستخارة في المباحات والمندوبات لا الواجبات والمحرمات فيركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو، لحديث جابر، كان يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:«إذا هم أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني استخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – ويسمي حاجته- خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فيسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي، في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم ارضني به» .
قال الشيخ: يجوز الدعاء في صلاة الاستخارة وغيرها قبل السلام وبعده والدعاء قبل السلام أفضل، لأنه قبل السلام لم ينصرف، وهو أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون وقت الاستخارة عازما على الأمر أو عدمه، ويستشير فإذا ظهرت المصلحة في شيء فعله اهـ، وقيل: تسن صلاة الحاجة، لحديث عبد الله بن أبي أوفي مرفوعًا: «من كانت له حاجة إلى الله، أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ وليحسن الوضوء، ثم ليصل ركعتين ثم ليثن على الله، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين،
أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلام من كل إثم، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك
رضي إلا قضيتها يا أرحم الراحمين» رواه ابن ماجه والترمذي وقال غريب وتسن صلاة التوبة، لحديث «ما من رجل يذنب ذنبا، فيتوضأ ويحسن الوضوء، فيصلي ركعتين، فيستغفر الله، إلا غفر له» ، رواه أهل السنن، وحسنه الترمذي وابن كثير، ويشهد له ما في الصحيحين، من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه» ، وفي لفظ ثم قرأ {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية، وله شاهد عند مسلم، وتسن الصلاة عقب الوضوء، لحديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال:«يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» ، فقال: ما عملت عملا أرجى عندي، إلا أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصليه، متفق عليه، قال الوزير: وإن كان بعد عصر احتسب بانتظاره بالوضوء الصلاة، فيكتب له ثواب مصل، وقال الشيخ: يستحب أن يصلي ركعتين عقب الوضوء، ولو كانت وقت نهي وفاقا للشافعي.
(وسجود التلاوة) والشكر (صلاة)(1) لأنه سجود يقصد به التقرب إلى الله تعالى (2) له تحريم وتحليل، فكان كسجود الصلاة (3) .
(1) في الجملة، وإضافة السجود للتلاوة من إضافة المسبب للسبب، لأن التلاوة سببه، وإضافته للشكر من الإضافة البيانية، لأن السجود شكر وسببه هجوم النعمة.
(2)
فهو سجود شرعه الله ورسوله عبودية، عند تلاوة تلك الآيات واستماعها وقربه إليه، وخضوعا لعظمته وتذللا بين يديه.
(3)
أي له تكبيرة إحرام كالصلاة وفاقا، وتحليل أي سلام، ويأتي أنه لم يشرع.