الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) قال الشارح وغيره: بإسناد صحيح متصل، ورجاله كلهم ثقات، ورواه سعيد والدارقطني مرسلاً، قال الشيخ: وهذا المرسل قد عضده ظاهر القرآن والسنة، وقال به جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين، ومرسله من أكابرهم، ومثله يحتج به باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وقال: ورواه ابن منيع، وعبد بن حميد، من طرق مرفوعة صحيحة، رفعه سفيان وشريك وجرير وأبو الزبير وغيرهم، ورواه مالك عن جابر موقوفا، انتهى. ولقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} قال أحمد: أجمعوا على أن هذه الآية في الصلاة، ولقوله:«وإذا قرأ فأنصتوا» فلو أن القراءة تجب على المأموم، لما أمر بتركها لسنة الاستماع، وثبت عن عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القراءة خلف الإمام، وحكي إجماعًا، ولعله سكوتي، فإنه لما ثبت عن عشرة، منهم الخلفاء، ولم يثبت رد أحد عليهم، عند توفر الصحابة، كان إجماعا.
وقال الشعبي: أدركت سبعين بدريًا كلهم يمنعون المأموم عن القراءة خلف الإمام، وفي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعًا «مالي أنازع القرآن» قال: فانتهى الناس أن يقرءوا فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وقد توافرت الآثار فيه عن الصحابة والتابعين، وقال شيخ الإسلام: وإذا كانوا مشغولين عنه بالقراءة، فقد أمر أن يقرأ
على قوم لا يستمعون لقراءته، وهو سفه، تنزه عنه الشريعة، كمن يتكلم والإمام يخطب اهـ وإذا أخذت الأدلة من مواضع تفوت الحصر، وهي مع ذلك مختلفة المساق، لا ترجع إلى باب واحد، إلا أنها تنتظم المعنى الواحد الذي هو المقصود بالاستدلال عليه، وتكاثرت على الناظر، عضد بعضها بعضا، فصارت بمجموعها مفيدة للقطع.
(ويستحب) للمأموم أن يقرأ (في إسرار إمامه) أي فيما لا يجهر فيه الإمام (1) .
(1) لما رواه أحمد وغيره في الذي قال: إني لا استطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني الحديث، وظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث وجوب القراءة حالة السر فقط، قال: فإذا قرأ الإمام فأنصت، وإذا لم يجهر فاقرأ الحمد وسورة وهو نص حديث عبادة، وبه تجتمع الأدلة، بل دليل الخطاب مع الآية، وفي الأحاديث المشهورة من قوله:«فإذا قرأ فانصتوا» وقوله: «مالي أنازع القرآن» وحديث جابر الآتي وغيره، يدل على القراءة خلف الإمام حال إسراره، وما لم يسمعه، لبعد ونحوه، وأن قراءة المأموم كانت ثابتة في نفس الأمر، وقال شيخ الإسلام، يقرأ في أصح القولين، وهو قول أحمد وغيره، لأنه إما أن يكون مستمعًا وإلا قارئا وجميع الأذكار التي يشرع للإمام أن يقولها سرا، يشرع للمأموم أن يقولها سرا، ومعلوم أن القرآن أفضل من الذكر والدعاء، وجاء الأمر بذلك في الكتاب والسنة، والأمر متناول الإمام والمأموم والمنفرد، والسكوت بلا ذكر ولا قراءة ولا دعاء ليس عبادة، وقال النووي وغيره: لا يسكت في صلاته إلا في حال استماعه لقراءة إمامه، فلو سكت في قيامه، أو ركوعه أو سجوده أو قعوده يسيرا لم تبطل، فإن سكت طويلا لعذر، بأن نسي شيئا فسكت ليتذكره لم تبطل، وهو قول الجمهور، وإن سكت طويلا لغير عذر ففي بطلانها خلاف.
(و) في (سكوته) أي سكتات الإمام (1) وهي قبل الفاتحة (2) وبعدها بقدرها (3) .
(1) فإن لم يكن له سكتات يتمكن فيها من القراءة كره له أن يقرأ نص عليه، لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} وتقدم أن ذلك في الصلاة إجماعا، ولقوله صلى الله عليه وسلم «وإذا قرأ فأنصتوا» وغير ذلك من عمومات الكتاب والسنة، الدالة على وجوب الإنصات والاستماع والإنصات السكوت، والاستماع الإصغاء، قال شيخ الإسلام: وهو إجماع الأمة فيما زاد على الفاتحة، وقول جماهير السلف فيها وغيرها، وقال: القراءة مع جهر الإمام منكر، مخالف للكتاب والسنة، وما عليه الصحابة، وقال في موضع آخر: القراءة حال الجهر منهي عنه بالكتاب والسنة، وعلى النهي عنه جمهور السلف والخلف، وفي بطلان الصلاة به نزاع، ويستحب أن يقرأ في حال سكوته، إذا سكت سكوته بليغا، ولم يستحب أحمد وجمهور أصحابه قراءته في سكتات الإمام إلا أن يسكت سكوتا بليغا، يسع الاستفتاح والقراءة، وذكر أن مما يبين حكمة سقوط القراءة عن المأموم أن الإنصات من تمام الائتمام فمن نازع إمامه لم يكن مؤتما.
(2)
في الركعة الأولى فقط، للنصوص الصحيحة، الدالة على سكوته صلى الله عليه وسلم بعد التحريم للاستفتاح.
(3)
أي وسكتات الإمام عندهم رحمهم الله ثلاث: الأولى قبل الفاتحة، وتقدم ثبوتها، والسكتة الثانية بعد الفاتحة بقدرها، وفاقا للشافعي، قال ابن القيم وغيره، قيل: لأنها لأجل قراءة المأموم فعلى هذا ينبغي تطويلها بقدر قراءة المأموم الفاتحة، وقال طائفة من السلف، ومالك وأصحاب الرأي مكروهة، وعنه لا يسكت مطلقا، وفاقا لأبي حنيفة ومالك، قال المجد والشيخ وغيرهما، هما سكتتان على سبيل الاستحباب، إحداهما تختص بأول ركعة للاستفتاح، والثانية سكتة يسيرة بعد القراءة كلها، ليتراد إليه نفسه، لا لقراءة الفاتحة خلفه، على ظاهر كلام الإمام أحمد
وقال أيضًا شيخ الإسلام: ولم نعلم نزاعا بين العلماء أنه لا يجب على الإمام أن يسكت ليقرأ المأموم الفاتحة، ولم يستحبه أحمد، ولا مالك، ولا أبو حنيفة، وكذا جماهير العلماء، لا يستحبون أن يسكت الإمام ليقرأ المأموم، لأن قراءة المأموم عندهم إذا جهر الإمام ليست بواجبة ولا مستحبة، بل منهي عنها، ومقتضى نصوص أحمد وأكثر أصحابه أن القراءة بغيرها أفضل، يعني لمن سمعها، فإنه لا يستحب أن يقرأ بها مع استماعه قراءتها، ولم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة، ولا عن الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية يقرءونها، ولو كان مشروعا لكانوا أحق الناس بعلمه، فعلم أنه بدعة والسكتتان اللتان جاءت بهما السنة، الأولى بعد التكبير للاستفتاح ثبت سكوته في ذلك في الصحيح وغيره، وفي السنن أنه كان له سكتتان سكتة في أول القراءة وسكتة بعد القراءة وهي لطيفة للفصل لا تتسع لقراءة الفاتحة، ولم يقل أحد أنه كان له ثلاث سكتات فمن نقلها فقد قال قولاً لم ينقله أحد من المسلمين، والسكتة التي عند قوله:{وَلا الضَّالِّينَ} من جنس السكتات التي عند رءوس الآي، ومثل هذا لا يسمى سكوتا.
بعد فراغه من القراءة (1) ، وكذا لو سكت لتنفس (2) .
(1) أي يستحب أن يقرأ بعد فراغ الإمام من القراءة، وقبل الركوع، وتقدم قول شيخ الإسلام وغيره أنه لم يستحب أحمد وجمهور أصحابه القراءة في سكتات الإمام إلا أن يسكت سكوتًا بليغًا، وهذه السكتة ليتراجع إلى الإمام نفسه، ولئلا يصل قراءته بتكبير الركوع.
(2)
أي يستحب أن يقرأ إذا سكت الإمام لتنفس وقال شيخ الإسلام: ولم ينقل أحد من العلماء أنه يقرأ في مثل هذا، قال: وكان بعض من أدركنا من أصحابنا يقرأ، وهذا لم يقله أحد من العلماء.
(و) فيما إذا (لم يسمعه لبعد) عنه (1)(لا) إذا لم يسمعه (لطرش) فلا يقرأ إن أشغل غيره عن الاستماع (2) وإن لم يشغل أحدا قرأ (3)(ويستفتح) المأموم (ويستعيذ فيما يجهر فيه إمامه) كالسرية (4) .
(1) أي يسن أن يقرأ إذا لم يسمع إمامه لأجل بعده عنه، لحديث جابر: كنا نقرأ في الظهر والعصر، خلف الإمام، في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
قال الترمذي: أكثر أهل العلم من الصحابة، والتابعين يرون القراءة خلف الإمام، وخروجًا من خلاف من أوجبه، ولعموم الأدلة وتقدم قول الشيخ: يقرأ في أصح القولين، وهو قول أحمد وغيره، وأن السكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة، وقال: ولو سمع همهمته، واستظهره في الفروع، وصوبه في الإنصاف.
(2)
يعني من إلى جانبه من المأمومين، والطرش محرك أهون الصمم مولد، وهو والوقر، أن لا تبلغ الآفة عدم الحس منهما، وأما الصمم فهو انسداد الأذن ويأتي.
(3)
لأنه لا يحصل له مقصود استماع القراءة، أشبه البعيد، قال الشيخ: وإن كان لا يسمع لصمم، أو كان يسمع همهمهمة الإمام، ولا يفقه ما يقول، فالأظهر أن يقرأ لأن الأفضل أن يكون إما مستمعًا وإما قارئًا، وهذا ليس بمستمع ولا يحصل له مقصود السماع، فقراءته أفضل من سكوته.
(4)
أي يسن للمأموم أن يستفتح، ويستعيذ حال جهر إمامه، كما يسن في السرية، لأن مقصود الاستفتاح والتعوذ لا يحصل باستماع قراءة الإمام، لعدم جهره به، وتقدم الإجماع على وجوب الإنصات لقراءة الإمام، وأما حال المخافتة
فقال الشيخ: الأفضل أن يستفتح وهو أفضل من قراءته في ظاهر مذهب أحمد
وأبي حنيفة وغيرهما، لأن القراءة يعتاض عنها، بخلاف الاستفتاح، قال: وما ذكره ابن الجوزي من أن قراءة المأموم وقت مخافته الإمام أفضل من استفتاحه غلط، بل قول أحمد وأكثر أصحابه: الاستفتاح أولى، لأن استماعه بدل من قراءته.
قال في الشرح وغيره: ما لم يسمع قراءة إمامه (1) وما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته، وما يقضيه أولها (2) يستفتح له، ويتعوذ ويقرأ سورة (3) .
(1) قال في الإقناع: وإن لم يكن للإمام سكتات يتمكن فيها من القراءة كره أن يقرأ نصا، وقال شيخ الإسلام، إذا لم يسكت الإمام سكوتا يتسع لا يستفتح ولا يستعيذ وهو أصح، وهو قول أكثر العلماء، كمالك والشافعي وأبي حنيفة، لأنه مأمور بالإنصات والاستماع، وممنوع من القراءة، وقوله: قال في الشرح: إلى آخره إشارة إلى أن قول الماتن جارٍ على غير المذهب.
(2)
وفاقا لأبي حنيفة ومالك، لقوله:«وما فاتكم فاقضوا» وعنه: ما أدركه أولها، وما يقضيه آخرها، وهو الرواية الثانية عن مالك، وفاقا للشافعي: واختاره ابن المنذر وغيره، وقوله:«فاقضوا» لا ينافي قوله «فأتموا» وهو رواية الجمهور وقول مخرجي الحديث وغيرهم، قال الشافعي: هو أولها حكما ومشاهدة، وقال الماوردي وغيره: إتمام الشيء لا يأتي إلا بعد تقدم أوله، وبقية آخره، والقضاء محمول على الفعل، لا القضاء المعروف في الاصطلاح لأن هذا اصطلاح متأخري الفقهاء، والعرب تطلق القضاء بمعنى الفعل، قال تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} وقال: {فإذا قضيت مناسككم} قال الحافظ وغيره: إذا كان مخرج الحديث واحدا، واختلف في لفظة منه، وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد، كان أولى ويحمل فاقضوا على معنى الأداء أو الفراغ، فلا حجة لمن تمسك بلفظة فاقضوا.
(3)
وعنه فيما يدركه معه، وقد أجمعوا على تكبيرة الافتتاح في الركعة الأولى
وذكر شيخ الإسلام والموفق، والمجد أنه يقرأ السورة فيما يقضيه مطلقا، لا يعلمون فيها خلافا، وأجمعوا على أنه لا يحتسب التشهد الأخير، لا من أول صلاته، ولا من آخرها، فترجح إنما يدركه أولها، وما يقضيه آخرها، وهو مقتضى الامر بالإتمام، والأمر بمتابعة الإمام، والائتمام به، وعن علي: ما أدركت فهو أول صلاتك، وقال ابن عمر: يكبر، فإذا سلم الإمام قام إلى ما بقي من صلته، وهو قول طوائف من الصحابة، ومقتضى الشرع والقياس.
لكن لو أدرك ركعة من رباعية أو مغرب تشهد عقب أخرى (1) ويتورك معه (2)(ومن ركع أو سجد) أو رفع منهما (قبل إمامه، فعليه أن يرفع) أي يرجع (ليأتي به) أي بما سبق به الإمام (بعده)(3) لتحصل المتابعة الواجبة (4) .
(1) استدراك من قوله: وما أدرك المسبوق مع الإمام فهو آخر صلاته، نص عليه لئلا يلزم تغيير هيئة الصلاة، لأنه لو تشهد عقب ركعتين، لزم عليه قطع الرباعية على وتر الثلاثية شفعا، ومراعاة هيئة الصلاة ممكنة، فلزم الإتيان بها وفي المحرر: ولا يحتسب له بتشهد الإمام الأخير، إجماعا، لا من أول صلاته، ولا من آخرها، ويأتي فيه بالتشهد الأول فقط.
(2)
أي يتورك المسبوق مع إمامه في موضع توركه، وإن لم يعتد له لوجوب المتابعة، فلو أدرك ركعة من المغرب، تشهد عقب الركعة الأولى من القضاء، كما تقدم، ولا يسردها إجماعًا.
(3)
وهذا مبني على القول بأن السبق إلى الركن غير مبطل، وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
(4)
بشرط أن لا يدركه إمامه في الركن، فإن لحقه إمامه فيه بطلت، كما يأتي.