الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الكسوف
(1) .
يقال: كسفت بفتح الكاف وضمها، ومثله، خسفت (2) .
(1) أي صفتها وأحكامها وما يتبع ذلك، وهي سنة مؤكدة بالكتاب والسنة، واتفاق المسلمين، أما الكتاب فاستنبطها بعضهم من قوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} وأما السنة فقد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكى الاتفاق على مشروعيتها جمع والكسوف آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، ويعتبرهم فينظر من يحدث منهم توبة قال تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} ولما كسفت الشمس، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعًا فزعا، يجر رداءه فصلى بالناس، وأخبرهم أن الكسوف آية من آيات الله، يخوف الله به عباده، وأنه قد يكون سبب نزول عذاب بالناس، وأمر بما يزيله، فأمر بالصلاة عند حصوله، والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق، وغير ذلك مما يدفعه من الأعمال الصالحة حتى يكشف ما بالناس، وفيه الاستعداد بالمراقبة لله، والالتجاء إليه عند اختلاف الأحوال، وحدوث ما يخاف بسببه.
(2)
بفتح الخاء وضمها، وهما بمعنى يقال: كسفت الشمس وخسفت وبالعكس، ويقال انكسفا وخسفا وخسفا وانخسفا، وكلاهما جاءت به الأخبار وقال ثعلب: أجود الكلام: خسف القمر، وكسفت الشمس، وهو الأشهر في ألسنة الفقهاء، والكسوف مصدر لازم يقال: كسفت الشمس كسوفًا، والكسف مصدر المتعدي: كسفها الله كسفًا، ومعنى الكسف التغير إلى سواد، والخسوف ذهاب النور أو النقصان وكسفت الشمس كأنها أسودت في المرأى، وذهب شعاعها وإنما حال القمر دونها، وخسف القمر، وقع في ظل الأرض.
وهو ذهاب ضوء الشمس أو القمر أو بعضه (1) وفعلها ثابت بالسنة المشهورة (2) واستنبطها بعضهم من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا للهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} (3) .
(1) أي والكسوف ذهاب ضوء الشمس كله أو ضوء القمر كله أو بعض ضوء الشمس أو القمر، والمراد استتاره لا فقده لقوله «ينجلي» ونحوه القمر.
(2)
المستفيضة من أمره وفعله صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها، من وجوه كثيرة: منها ما أخرجاه من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافرغوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة» وفيهما أيضًا من حديث المغيرة، نحوه، وفي آخره «فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» وفيهما من حديث جابر نحوه وفي آخره «فصلوا حتى ينجلي» ، وفي رواية عن ابن مسعود، «فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» ، ومن حديث عائشة «حتى يكشف ما بكم» ، ويأتي، وفي البخاري عن أبي موسى قال:«هذه الآيات التي يرسل الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله يخوف بها عباده، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره» وغير ذلك مما استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بالمسلمين صلاة الكسوف، يوم مات ابنه إبراهيم.
(3)
أي اسجدوا لله عند كسوفهم والمراد على هذا التقدير الصلاة، عند طائفة من أهل العلم، فإنه حيث كان شرك المشركين منه بالشمس والقمر، وهو جعل حق رب العالمين لبعض الخلق، فالاستنباط بأن الله أمر بالسجود بعد ذكر أنها من آياته، ووقته عند تغيرهما، فاستنبطوا السجود من عمومها، ودل على أنه يسجد عند آياته، ويرشحه ما ورد في السنة، وقال زكريا الأنصاري: احتج بقوله {وَاسْجُدُوا للهِ} أي عند كسوفها، لأنه أرجح من احتمال أن المراد النهي عن عبادتهما، لأنهم كانوا يعبدون غيرهما، فلا معنى لتخصيصهما بالنهي، والمراد على تقديم تمام هذا الاحتجاج بالسجود الصلاة اهـ والحكمة في ذلك والله أعلم، لما يحصل عند ذلك من الخشوع، والمراقبة في تلك الحال المدهشة بحيث أن آيتين من أعظم آيات الله، لا صنع لهما، بل هما كسائر المخلوقات، يطرأ عليهما النقص والتغيير كغيرهما، ولأحمد «آيتان من آيات الله، يعتبر بهما عباده، فينظر من يحدث منهم توبة» .
(تسن) صلاة الكسوف (جماعة)(1) وفي جامع أفضل (2) لقول عائشة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد: فقام وكبر، وصف الناس وراءه، متفق عليه (3) .
(1) وهو أفضل وفاقا، وقيل بوجوبها، وتقدم تأكد سنيتها وحكاه الوزير والنووي وغيرهما إجماعا، ومذهب مالك وأبي حنيفة يصلى لخسوف القمر فرادى، وثبتت الأحاديث بالتسوية، وجماعة بالنصب على التمييز، محول عن نائب الفاعل، ويصح جعله حالا، ويصح الرفع أي فيها.
(2)
وفاقا، وتشرع في حق النساء، لأن عائشة وأسماء صلتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري، ويسن أن ينادى لها «الصلاة جامعة» لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا ينادي الصلاة جامعة متفق عليه، واتفقوا على أنه لا يؤذن لها، ولا يقام.
(3)
ولأحمد فافزعوا إلى المساجد، فإن لم يخرج الإمام لها صلوها جماعة، فإن لم يجدوا إمامًا يصلي بهم صلوها فرادى، وهذا مذهب مالك والشافعي.
(وفرادى) كسائر النوافل (1)(إذا كسف أحد النيرين) الشمس والقمر (2) ووقتها من ابتدائه إلى التجلي ولا تقضى كاستسقاء وتحية مسجد (3) فيصلي (ركعتين)(4) .
(1) فلم يشترط لها الجماعة لا حضرًا ولا سفرًا، فلا يشترط لها الإيطان، ولا يشترط لها أيضا إذن الإمام وفاقا، لأنها نافلة، وكالجمعة وأولى، ويسن ذكر الله والدعاء والاستغفار والتكبير، والصدقة والعتق، والتقرب إلى الله ما استطاع العبد من القرب، لقوله:«فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله، وكبروا وصلوا وتصدقوا» الحديث متفق عليه، ولهما أنه أمر بالعتاقة، فيه.
(2)
لقوله عليه الصلاة والسلام فإذا رأيتم ذلك «فصلوا» ، متفق عليه، ولما تواتر من فعله صلى الله عليه وسلم وعبارة المقنع وغيره، إذا كسف الشمس أو القمر فزع الناس إلى الصلاة، وهو أولى حظا على المبادرة لقوله صلى الله عليه وسلم «فافزعوا إلى الصلاة» ، وفي لفظ إلى المساجد وخرج يجر رداءه مسرعًا إليها صلوات الله وسلامه عليه.
(3)
أي وقت صلاة الكسوف من ابتداء كسوف الشمس أو القمر، إلى تجليه لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا، حتى ينجلي» رواه مسلم. أي لا تقضي صلاة الكسوف بعد التجلي، كما لا تقضي صلاة الاستسقاء وتحية مسجد لفوات محلها، لقوله: إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، فجعله غاية لها، فإن تجلى قبل أن يعلموا به لم يصل له وفاقا، ولأن المقصود منها زوال العارض، وعود النعمة بنورهما وقد حصل.
(4)
بأربع ركعات، وأربع سجدات، كما ثبت من غير وجه، عن عائشة وجابر وابن عباس وعمرو بن العاص وغيرهم، وقال الشافعي وأحمد والبخاري
وابن عبد البر والشيخ وغيرهم: هذا أصح ما في الباب، وهو مذهب جمهور العلماء وباقي الروايات ضعيفة.
ويسن الغسل لها (1)(يقرأ في الأولى جهرًا) ولو في كسوف الشمس (2)(بعد الفاتحة سورة طويلة) من غير تعيين (3)(ثم يركع) ركوعًا (طويلاً) من غير تقدير (4)(ثم يرفع) رأسه (ويسمع) أي يقول سمع الله لمن حمده، في رفعه (ويحمد) أي.
(1) الصواب أنه لا ينبغي لتأكد سنية المبادرة إلى فعلها من حين العلم به، قال ابن القيم وغيره: الصحيح أنه لا يسن الغسل لها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لها، بل بادروا إلى فعلها.
(2)
لحديث عائشة المتفق عليه، أنه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف، وللترمذي وصححه أنه صلى صلاة الكسوف، فجهر بالقراءة فيها، قال أحمد وابن عبد البر: هذا أصح ما في الباب، وباقي الروايات معللة ضعيفة، وقال شيخ الإسلام: ثبت في الصحيح الجهر بالقراءة فيها، لكن روى في القراءة المخافتة، والجهر أصح اهـ والكسوف الذي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين فيه، إنما وقع أول النهار بلا نزاع.
(3)
قاله في المبدع وغيره، واقتصر عليه في المقنع والمنتهى وغيرهما، وذكر جماعة يقرأ بالبقرة أو قدرها، وفي الصحيحين عن ابن عباس: قام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة، وحزرت عائشة أنه قرأ بها، وفي الثانية بآل عمران، وهذا مذهب مالك والشافعي، ومهما قرأ به من السور جاز، لعدم تعيين القراءة.
(4)
جزم به جماعة، وفي الشرح وغيره: نحو مائة آية، وهو مذهب الشافعي، وقيل: بقدر معظم القراءة والأولى أن يكون نسبيا كالفريضة.
يقول: ربنا ولك الحمد، بعد اعتداله كغيرها (1)(ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى (2) ثم يركع فيطيل) الركوع (وهو دون الأول (3) ثم يرفع) فيسمع ويحمد كما تقدم، ولا يطيل (4)(ثم يسجد سجدتين طويلتين)(5) ولا يطيل الجلوس بين السجدتين (6)(ثم يصلي) الركعة (الثانية كـ) الركعة (الأولى (7)) .
(1) يعني من الصلوات، وتقدم ما يقوله فيها.
(2)
يعني دون القراءة في الأولى كمعظمها، وفي الشرح: آل عمران أو قدرها ومذهب مالك والشافعي، أنها لا تصح الصلاة إلا بقراءة الفاتحة في القيام الثاني.
(3)
نسبته إلى القراءة كنسبة ركوع الأولى من قراءة الأولى، قاله في المبدع وغيره، وفي الشرح نحوا من سبعين آية.
(4)
يعني اعتداله وفاقا، وحكاه القاضي إجماع العلماء، لعدم ذكره في الرويات الصحيحة، ولا يقرأ بل يقول: ربنا ولك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا إلى آخره، كما ثبت ذلك في الصحيحين من فعله صلى الله عليه وسلم.
(5)
بالنسبة إلى القيام، قالت عائشة: ما ركعت ركوعا قط، ولا سجدت سجودا قط كان أطول منه، وهو ثابت من رواية جماعة، ولا يزيد عليهما إجماعًا، لأنه لم يرد في شيء من الأخبار.
(6)
إجماعًا لعدم وروده.
(7)
بركوعين طويلين، وسجودين طويلين، مثل ما فعل في الركعة الأولى إجماعًا للأخبار.
لكن دونها في كل ما يفعل فيها (1)(ثم يتشهد ويسلم) لفعله عليه الصلاة والسلام (2) كما روي عنه ذلك من طرق، بعضها في الصحيحين (3) ولا يشرع لها خطبة، لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بها دون الخطبة (4) .
(1) وفاقًا، قال القاضي وغيره: القراءة في كل قيام أقصر مما قبله، وكذا التسبيح، وحكاه النووي وغيره اتفاق أهل العلم، والجمهور على إطالة الركوع والسجود نحو الذي قبله، للأحاديث الصحيحة الصريحة في ذلك.
(2)
الذي استفاض عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بالمسلمين صلاة
الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم، والأحاديث الصحيحة في ذلك كلها متفقة لا تختلف.
(3)
وكذا في المسانيد والسنن وغيرها، فمنها ما روت عائشة رضي الله عنها أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام وكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعًا طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعًا طويلاً، هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك حتى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف متفق عليه، ومنها ما رواه جابر وابن عمر وابن عباس وغيرهم من غير وجه، وفي بعض ألفاظ حديث جابر، حتى جعلوا يخرون.
(4)
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، وإنما خطب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة ليعلمهم حكمها، وعنه: يخطب وفاقا للشافعي وجمهور السلف
لما في الصحيح عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:«إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا» إلخ فيسن أن يخطب، ويحذرهم الغفلة، والإغترار، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا تعاد إن فرغت قبل التجلي (1) بل يدعو ويذكر كما لو كان وقت نهي (2)(فإن تجلى الكسوف فيها) أي الصلاة (أتمها خفيفة)(3) لقوله عليه السلام «فصلوا وادعوا، حتى ينكشف ما بكم» متفق عليه من حديث ابن مسعود (4) .
(1) وفاقًا لأنه سبب واحد، فلا يتعدد مسببه، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يزد على ركعتين.
(2)
يعني من أنه يدعو ويذكر ولا يصلي، فكذلك إن فرغت الصلاة قبل التجلي، يدعو ويذكر للأمر بالدعاء والذكر، قال شيخ الإسلام: فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي ذكر الله ودعاه، إلى أن يتجلى اهـ وتقدم أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، للأدلة الدالة على ذلك، المخصصة لعموم النهي، فيصلي صلاة الكسوف إذا حصل الكسوف، ولو كان وقت نهي، للأمر المطلق بالصلاة إذا حصل الكسوف.
(3)
لأن المقصود التجلي وقد حصل، وعلم منه أنه لا يقطعها لقوله:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} .
(4)
وتقدم من حديث المغيرة وجابر، «حتى ينجلي» ومن حديث عائشة «حتى
يكشف ما بكم» ، وغيرها من الأدلة، على أن الصلاة تكون وقت الكسوف إلى أن
يتجلى، قال شيخ الإسلام: والكسوف يطول زمانه تارة، ويقصر أخرى، بحسب ما يكسف منه، فقد تكسف كلها، وقد يكسف نصفها أو ثلثها، فإذا عظم الكسوف طول الصلاة، حتى يقرأ بالبقرة ونحوها في أول ركعة، وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا، وذكر ما تقدم منها، وشرع تخفيفها لزوال السبب، وكذا إذا علم أنه لا يطول، وإن خف قبل الصلاة شرع وأوجز، وعليه جماهير أهل العلم، لأنها شرعت لعلة وقد زالت، وإن تجلى قبلها لم يصل وتقدم.
(وإن غابت الشمس كاسفة (1) أو طلعت) الشمس أو طلع الفجر (والقمر خاسف) لم يصل (2) .
(1) لم يصل، ومفهومه أنه إن غاب القمر خاسفًا ليلا يصلي، قال في الفروع: والأشهر أن يصلي إذا غاب خاسفًا ليلاً اهـ، وغيوبته خاسفًا ليلاً لا يمكن لأنه لا ينخسف إلا في ليالي الإبدار، إذا تقابل جرم الشمس والقمر، فحالت بينهما الأرض، قال الشيخ: وقد أجرى الله العادة أن القمر لا ينخسف إلا وقت الإبدار، وهي الليالي البيض، وللشمس والقمر ليالٍ معتادة، من عرفها عرف الكسوف والخسوف، كما أن من علم ما مضى من الشهر يعلم أن الشهر يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها، والعلم بالعادة فيه، يعرفه من يعرف حساب جريانهما وليس من باب علم الغيب، وإذا تواطأ خبرهم بوقت الصلاة لا يكادون يخطئون ومع ذلك لا يترتب على خبرهم حكم شرعي، فإنها لا تصلى إلا إذا شاهدنا ذلك اهـ، وقال غير واحد: معرفة الكسوف لا يختص بالمنجمين، بل هو مما إذا حسبه الحاسب عرفه.
(2)
أي أو طلعت الشمس والقمر خاسف لم يصل، قولاً واحدًا، أو طلع الفجر والقمر خاسف لم يصل، قدمه القاضي وغيره، أشبه ما إذا طلعت الشمس وهو خاسف.
لأنه ذهب وقت الانتفاع بهما (1) ويعمل بالأصل في بقائه وذهابه (2)(أو كانت آية غير الزلزلة لم يصل)(3) لعدم نقله عنه وعن أصحابه عليه السلام (4) مع أنه وجد في زمانهم انشقاق القمر، وهبوب الرياح والصواعق (5) .
(1) وزال التخويف، وانعدمت العلة التي لأجلها شرعت الصلاة، وصوابه إفراد الضمير لما تقدم.
وقال غير واحد: لأن القمر آية الليل، وقد ذهب الليل.
(2)
أي يعمل إذا شك في الكسوف بالأصل، فلا يصلى إذا شك في وجوده مع غيم ونحوه، لأن الأصل عدمه، ويصلى إذا علم الكسوف، ثم حصل غيم فشك في التجلي لأن الأصل بقاؤه، وكذا إذا خرج بعضه صافيا، وشك في ذهابه عن باقيه، لأن الأصل عدم ذهابه، وقد يقال: يغني قوله: في بقائه، عن قوله: وذهابه إذا المراد أنه يعمل بالأصل في بقائه كلاًٍ أو بعضًا.
(3)
وفاقًا لمالك والشافعي، وذلك كظلمة نهارًا، وضياءً ليلاً، وريح شديدة وصواعق وثلج ومطر دائمين.
(4)
فتركه مع وجوده في زمنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو السنة، كما أن ما فعله هو وأصحابه هو السنة.
(5)
كما هو مستفيض ولا ينكر وجود الآيات في عصرهم إلا مكابر وانشقاق القمر من أكبر الآيات التي دلت على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصل لها، وعنه: يصلي لكل آية، وفاقًا لأبي حنيفة، وصرح به في النصيحة وقال ابن أبي موسى: يصلى لكل آية، وهو ظاهر كلام أحمد، وفي الرعاية: قيل يصلى للرجفة، وفي الصاعقة، والريح الشديدة، وانتشار النجوم، ورمي الكواكب، وظلمة النهار، وضوء الليل وجهان.
وقال شيخ الإسلام: يصلى لكل آية كما دل على ذلك السنن والآثار وقاله
المحققون من أصحاب أحمد وغيرهم، ولولا أن ذلك يكون لشر وعذاب لم يصح التخويف بذلك، وهذه صلاة رهبة وخوف، كما أن صلاة الاستسقاء صلاة رغبة، ورجاء، وقد أمر الله عباده أن يدعوه خوفًا وطمعًا وقال عليه الصلاة والسلام:«إذا رأيتم من هذه الأفزاع شيئًا، فافزعوا إلى الصلاة» وقال ابن القيم: التخويف إنما يكون بما هو سبب لشر المخوف، كالزلزلة والريح العاصف، وإلا فما وجوده متكرر لا يحصل به تخويف اهـ وقال:«إذا رأيتم آية فاسجدوا» فدل على أن السجود شرع عند الآيات، وينبغي أن يوعظوا عند نزول البلاء، ويؤمروا بالتوبة والصدقة، وإن صلى أحدهم في بيته ركعتين، توبة إلى الله فحسن، لأن صلاة التوبة مشروعة.
وأما الزلزلة وهي رجفة الأرض واضطرابها وعدم سكونها فيصلى لها إن دامت (1) لفعل ابن عباس رواه سعيد والبيهقي (2) وروى الشافعي عن علي نحوه، وقال: لو ثبت هذا الحديث لقلنا به (3)(وإن أتى) مصلي الكسوف (في كل ركعة بثلاث ركوعات، أو أربع، أو خمس جاز) رواه مسلم من حديث
(1) أي الزلزلة وسببها والله أعلم جولان الرياح في الأرض، ودخولها في تجاويفها، وتحدث فيها الأبخرة وتطلب منفذًا ويتعذر فيأذن الله لها في التنفس، فتحدث فيها الزلازل العظام، ويحدث من ذلك الخوف للعباد، والخشية والإنابة، والإقلاع عن المعاصي، والتضرع إلى الله، والندم، حتى قال بعض السلف: إن ربكم يستعتبكم وربما تنخسف منها قطعة، وتهوي في باطن الأرض، فإن لم تدم الزلزلة لم يصل لها.
(2)
في سننه، وابن جرير عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنهما.
(3)
وقال: هو ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما.
جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات، في أربع سجدات (1) ومن حديث ابن عباس: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات، في أربع سجدات (2) وروي أبو داود عن أبي ابن كعب، أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، في كل ركعة خمس ركعات وسجدتين (3) واتفقت الروايات على أن عدد الركوع في الركعتين سواء (4) .
(1) لكن سئل عنه الشافعي فقال: هو من وجه منقطع، ونحن لا نثبت المنقطع على الانفراد ووجه نراه والله أعلم غلطًا وقال الشيخ فيما زاد على ركوعين في ركعة، هي غلط وإنما صلى صلى الله عليه وسلم مرة واحدة.
(2)
ومع كونه في صحيح مسلم، وصححه الترمذي، فقد قال ابن حبان: ليس بصحيح، لأنه من رواية حبيب، عن طاوس، ولم يسمعه حبيب منه، وحبيب معروف بالتدليس.
(3)
لكن في إسناده عيسى بن عبد الله الرازي، قال الفلاس: سيء الحفظ وقال ابن المديني: يخلط، وقال البخاري وغيره، من أهل العلم بالحديث، لا مساغ لحمل هذه الأحاديث على بيان الجواز، إلا إذا تعددت الواقعة وهي لم تتعدد لأن مرجعها كلها إلى صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس يوم مات ابنه إبراهيم، وحينئذ يجب ترجيح أخبار الركوعين فقط، لأنها أصح وأشهر اهـ والمصير إلى الترجيح أمر لا بد منه، وأحاديث الركوعين، أصح وأرجح بلا مرية.
(4)
يعني أنه أتى في كل ركعة بركوعين على الصحيح، وفي بعض الروايات ثلاث ركوعات، وأربع وخمس في كل ركعة.
قال النووي: وبكل نوع قال بعض الصحابة (1) وما بعد الأول سنة، لا تدرك به الركعة (2) ويصح فعلها كنافلة (3) وتقدم جنازة على كسوف، وعلى جمعة وعيد أمن فوتهما (4) .
(1) وقال شيخ الإسلام: قد ورد في صلاة الكسوف أنواع، ولكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم كمالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، أنه صلى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان.
(2)
أي وما بعد الركوع الأول في كل ركعة لا تدرك به الركعة.
(3)
إن تجلى قبل الركوع الأول، أو فيه، وإلا أتمها صلاة كسوف، لتأكدها بخصائصها.
(4)
وفاقًا، فتقدم صلاة جنازة على صلاة كسوف، لأنها فرض كفاية ويخشى على الميت بالانتظار، فيقدم على ما يقدم عليه، والوجه الثاني يقدم الكسوف وصوبه في تصحيح الفروع، ويقدم هو على جمعة إن أمن فوتها، ولم يشرع في خطبتها وفاقًا، ويقدم على مكتوبة أمن فوتها خشية تجليه قبل الصلاة وللأمر بالإسراع إليه، فإن خيف فوت الجمعة، أو كان شرع في خطبتها، أو خيف فوت مكتوبة قدمت، لتعين الوقت لها، إذ السنة لا تعارض فرضًا، ويقدم على صلاة عيد، إن أمن فواته اتفاقا، قاله في الفروع وغيره، واتفاقه مع العيد بعيد، لا يتصور اجتماعهما ولم تجربه عادة.
قال شيخ الإسلام: وأما ما ذكره طائفة من الفقهاء، ومن اجتماع صلاة العيد والكسوف فهذا ذكروه في ضمن كلامهم، فيما إذا اجتمع صلاة الكسوف وغيرها من الصلوات، فقدروا اجتماعها مع الظهر والوتر، وذكروا صلاة العيد مع عدم استحضارهم، هل يمكن ذلك في الخارج أو لا يمكن؟ فلا يوجد في تقديرهم ذلك العلم بوجود ذلك في الخارج، لكن استفيد من ذلك العلم علم ذلك على تقدير وجوده، كما يقدرون مسائل يعلم أنها لا تقع، لتحرير القواعد، وتمرين الأذهان على ضبطها اهـ وقيل: قد يتصور بأن يشهدوا على نقصان رجب وشعبان فيقع العيد في آخر رمضان، فإن خشي فواته قدم وفاقا، لأن صلاة العيد واجبة في قول والكسوف سنة.
وتقدم تراويح على كسوف، إن تعذر فعلهما (1) ، ويتصور كسوف الشمس والقمر في كل وقت (2) .
(1) أي التراويح والكسوف في وقتهما، لأن التراويح تختص برمضان، فتفوت بفواته، والكسوف بالتجلي، والوجه الثاني يقدم الكسوف، صوبه في تصحيح الفروع، لأن الكسوف آكد، ويقدم على وتر، ولو خيف فوته، لأنه يقضى دونها ولأنها آكد منه.
(2)
وقال في الإقناع: ولا يمكن كسوف الشمس إلا في الاستسرار، آخر الشهر، إذا اجتمع النيران، ولا خسوف القمر إلا في الإبدار، وهو إذا تقابلا اهـ فكسوف الشمس بحيلولة القمر بيننا وبينها، فيمنع وصول ضوئها إلينا، وخسوف القمر بحيلولة الأرض، بينه وبين الشمس، فيقع ظلها عليه، لأن نوره مستمد من نورها، فإذا حالت الأرض بينهما صار لا نور له.
وقال شيخ الإسلام: أجرى الله العادة أن الشمس لا تنكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا ينخسف إلا وقت الإبدار، ومن قال من الفقهاء، إن الشمس تنخسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط.
وقال: ما ليس له به علم، والكسوف والخسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك مما أجرى الله عادته بالليل والنهار،
وسائر ما يتبع جريان الشمس، وذلك من آيات الله، وما يروى عن الواقدي
أن ابن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم العاشر من الشهر وهو اليوم
الذي كسفت فيه الشمس، فغلط، وهو لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد، وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ فأما هذا فيعلم أنه خطأ قطعا، والفقهاء رحمهم الله ذكروه مع عدم استحضارهم هل ذلك ممكن أم لا؟ ومن جوز هذا فقد قال ما ليس له به علم، ومن حاج في ذلك فقد حاجَّ فيما ليس له به علم.
والله على كل شيء قدير (1) فإن وقع بعرفة صلى ثم دفع (2) .
(1) بإجماع المسلمين، بقدرة عامة شاملة، متعلقة بكل ممكن، وهو ما ليس بواجب الوجود، ولا مستحيل الوقوع، بل اتفقت جميع الكتب والرسل أنه تعالى قادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء يريده، بل هو الفعال لما يريد، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
(2)
أي فإن وقع الكسوف بعرفة صلى صلاة الكسوف، ثم دفع، وتقدم أنه مستحيل كسوفها بعرفة، ولم تجر به عادة، كما لم تجر بالاستهلال ونحوه في غير وقته، والمستحيل عادة كالمستحيل في نفسه.