المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

و‌

‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

(1) .

(1) لأن الدعاء عبادة، والإخلاص ركنها الأعظم قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ومجتنبا للحرام قال الشيخ: إذا لم يخلص الداعي في الدعاء، ولم يجتنب الحرام تبعد إجابته إلا مضطرا أو مظلوما ويكون بخوف

وخشوع، وحضور قلب، وعزم ورغبة ورهبة، ورجاء، وينتظر الإجابة، ولا يعجل، والحاصل أنه يستحب للعبد إذا فرغ من صلاته واستغفر الله، وذكره وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقب الصلاة مما تقدم، ونحوه، أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ويدعو بما شاء، فإن الدعاء عقب هذه العبادة من أحرى أوقات الإجابة لا سيما بعد ذكر الله وحمده والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن أبلغ الأسباب لجلب المنافع ودفع المضار، وفي حديث فضالة:«إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء» ، صححه الترمذي، والذكر بعد الإنصراف هو كما قالت عائشة: مثل مسح المرأة بعد صقالها، فإن الصلاة نور، فهي تصقل القلب، كما تصقل المرأة ثم الذكر بعد ذلك بمنزلة مسح المرآة فقمن أن يستجاب للداعي حينئذ، وإن ارتاضت نفسه على الطاعة وانشرحت بها وتنعمت بها وبادرت إليها طواعية ومحبة كان أبلغ فإنه أفضل ممن يجاهدها على الطاعة ويكرهها عليها، وينبغي أن يخفيه، فإن في إخفاء الدعاء فوائد، منها أنه أعظم إيمانا، وأعظم في الأدب والتعظيم، وأبلغ في التضرع والخشوع، والإخلاص وجمعية القلب على الله، وأنه دال على قرب صاحبه من الله، وأدعى إلى دوام الطلب والسؤال، وأبعد عن القواطع والمشوشات، وغير ذلك من الفوائد، وأما إظهاره والاجتماع عليه فلم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعا، لا في الفجر ولا في العصر ولا غيرهما من الصلوات، ولا استحب ذلك أحد من الأئمة قال الشيخ: ومن نقل عن الشافعي أنه استحب ذلك فقد غلط عليه، ويستحب جلوسه بعد فجر وعصر إلى طلوعها، وغروبها، نص عليه، واقتصر بعضهم على الفجر لفعله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.

ص: 85

............................................................

ص: 86

فصل (1)

(ويكره في الصلاة التفاته) لقوله عليه السلام «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد» ورواه البخاري (2) وإن كان لخوف ونحوه لم يكره (3) .

(1) أي هذا فصل فيما يكره في الصلاة، وما يباح ويستحب، وما يتعلق بذلك، والفصل لغة الحاجز بين الشيئين واصطلاحا هو الحاجز بين أجناس مسائل العلوم وأنواعها، وتقدم أنها إنما فصلت وبوبت تنشيطا لقارئها لأنه إذا ختم فصلا أو بابا وشرع في غيره كان أنشط له، وتسهيلا لمراجعة المسائل.

(2)

الاختلاس الاختطاف بسرعة على غفلة، ولأحمد وغيره عن أبي ذر مرفوعا «لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه انصرف عنه» وللترمذي وصححه عن أنس قال: إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، وغير ذلك من الأحاديث، ويكره بلا حاجة إجماعا، وذكر البزار عن أبي الدرداء، لا صلاة للملتفت وقال ابن عبد البر: جمهور الفقهاء على أن الالتفات لا يفسد الصلاة إذا كان يسيرا، ويقال: إن الحكمة في جعل سجود السهو جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره، مما ينقص الخشوع لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد، ليتيقظ العبد له فيجتنبه.

(3)

لحديث سهل قال: ثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب، رواه أبو داود، والمراد الشعب الذي يجيء منه الطليعة، ولم يكن من فعله الراتب، وإنما فعله لعارض، وكذا قال ابن عباس: كان

يلتفت يمينا وشمالا، ولا يلوي عنقه خلف ظهره، رواه النسائي والترمذي

بإسناد صحيح، ولمسلم صلينا وراءه وهو قاعد، فالتفت إلينا فرآنا قياما، فأشار إلينا، والتفت أبو بكر حين سبحوا به لمجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو الخوف غرض من الأغراض، أو حاجة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 87

وإن استدار بجملته (1) أو استدبر القبلة في غير شدة خوف، بطلت صلاته (2)(و) يكره (رفع بصره إلى السماء) إلا إذا تجشى فيرفع وجهه، لئلا يؤذي من حوله (3) لحديث أنس ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم (4) ، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: لينتهين أو لتخطفن أبصارهم.

(1) أي بجميع بدنه، في غير شدة خوف بطلت صلاته، لا إن التفت بصدره ووجهه، فلا يصدق عليه أنه استدار بجملته، فلا تبطل، ما لم يتحول عن القبلة مع تحول قدميه.

(2)

إجماعا، أو استدبر بجملته فقط، لتركه الاستقبال بلا عذر، وقال في الإنصاف: إن استدار بجملته أو استدبرها فإن صلاته تبطل بلا نزاع، لا بصدره مع وجهه، ذكره ابن عقيل والشيخ وغيرهما، وفهم الصحابة إشارته ولا يمكن إلا مع الالتفات، وكانوا يعلمون قراءته باضطراب لحيته، ولم يأمرهم بالإعادة وأما في شدة الخوف فلا تبطل، لسقوط الاستقبال، لأن ذلك من ضروريات قتاله، ومثل ذلك من في الكعبة فإنها لا تبطل بلا نزاع، لأنه إذا استدبر جهة فقد استقبل الأخرى.

(3)

براحة الجشاء إذا كان في جماعة وفاقًا، والجشاء كغراب خروج صوت مع ريح يستفرغ من المعدة إلى طريق الفم، يحصل عند الشبع.

(4)

أي ما حالهم وشأنهم، ويعبر بالبال عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان وهو الخاطر والقلب.

ص: 88

رواه البخاري (1)(و) يكره أيضا (تغميض عينيه) لأنه فعل اليهود (2)(و) يكره أيضا (إقعاؤه) في الجلوس (3) وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه (4) هكذا فسره الإمام (5) وهو قول أهل الحديث، واقتصر عليه في المغني والمقنع والفروع وغيرها (6) وعند العرب: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه، ناصبا قدميه، مثل إقعاء الكلب (7) .

(1) ولمسلم نحوه من حديث أبي هريرة وجابر وفيه «أو لا ترجع إليهم» و (ينتهن) بضم الهاء، أي ليتركن رفع أبصارهم إلى السماء، أو لتسلبن بسرعة.

(2)

نص عليه، واحتج به الإمام أحمد، ولأنه مظنة النوم، لا إن احتاج إليه كخوف محذور، مثل رؤية من يحرم نظره إليه، وقال ابن القيم: ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تغميض عينيه، والصواب أن يقال: إن كان تفتيحها لا يخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهناك لا يكره التغميض قطعا، والقول باستحبابه في هذه الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده، من القول بالكراهة.

(3)

وفاقا لما يأتي.

(4)

ومعنى الفرش هنا: جعل ظهرهما مما يلي الأرض، وعقبيه بكسر القاف تثنية عقب مؤخر القدم.

(5)

يعني: الإمام أحمد رحمه الله تعالى.

(6)

وتبعهم في الإقناع والمنتهى، وزاد: أو بينهما ناصبا قدميه.

(7)

ذكره أبو عبيد عن العرب، وقال غيره: ناصبا فخذيه، وقال ابن الأثير والطحاوي وغيرهما، الإقعاء: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض وينصب ساقيه وفخذيه ويضع يديه على الأرض، كما يقعي الكلب، وحكى هذه الصفة الجوهري عن العرب، قال في المغني: لا أعلم أحدا قال باستحباب هذه الصفة.

ص: 89

قال في شرح المنتهى (1) ، وكل من الجلستين مكروه، لقوله عليه السلام:«إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب» رواه ابن ماجه (2) ويكره أن يعتمد على يده أو غيرها وهو جالس (3) لقول ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده. رواه أحمد وغيره (4) وأن يستند إلى جدار ونحوه (5) .

(1) يعني لمصنف المنتهى، وهو ابن النجار.

(2)

من حديث أنس، وتمامه «ضع أليتيك بين قدميك، وألزق ظهر قدميك بالأرض» ، وله عن علي مرفوعا، «لا تقع بين السجدتين» ولحديث: نهى عن الإقعاء في الصلاة، رواه البيهقي وغيره، وفي رواية:«نهى أن يقعي الرجل في الصلاة» ولأحمد «وإقعاء كإقعاء الكلب» ، والنهي عنه جاء في السنن وغيرها، ولأنه يتضمن ترك الافتراش المسنون قولا وفعلا، فكان مكروها، ولا تبطل به، وما رواه مسلم عن ابن عباس في الإقعاء على القدمين هو سنة، فقال البيهقي: هو أن يضع أطراف أصابع رجليه على الأرض، ويضع أليتيه على عقبيه، ويضع ركبتيه على الأرض، يعني بين السجدتين، وهو غير ما تقدم عن أبي عبيد وغيره مما نهي عنه، وكذا نحوه إذا وضع أليتيه على الأرض، وركبتاه في الصورتين على الأرض.

(3)

من غير حاجة تدعو إليه.

(4)

فرواه أبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم، ومعناه أن يضع يده على الأرض ويتكئ عليها.

(5)

كعمود فيكره بلا حاجة وفاقا.

ص: 90

لأنه يزيل مشقة القيام إلا من حاجة (1) فإن كان يسقط لو أزيل لم تصح (2) .

(و) يكره (افتراشه ذراعية ساجدًا) بأن يمدهما على الأرض ملصقًا لهما بها (3) لقوله عليه السلام: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب» متفق عليه من حديث أنس (4) .

(و) يكره (عبثه)(5) لأنه عليه الصلاة والسلام رأى رجلا يعبث في صلاته فقال: «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (6) .

(1) كمرض ونحوه فلا يكره، لأنه عليه الصلاة والسلام لما أسن وأخذه اللحم اتخذ عمودا في مصلاه، يعتمد عليه، رواه أبو داود.

(2)

أي صلاته وفاقًا، لأنه بمنزلة غير القائم.

(3)

ولا يرفعهما عن الأرض كما يبسط الكلب والذئب ذراعيه، وفاقا، والافتراش افتعال منه، أي يبسطهما على الأرض كالفراش له.

(4)

ولقوله: «إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب» ، صححه الترمذي من حديث جابر، ولأنها صفة الكسلان، والمتهاون، مع ما فيه من التشبه بالسباع.

(5)

وفاقًا، وعبث يعبث عبثا من باب تعب، أي لعب وعمل ما لا فائدة فيه، فهو عابث ضد خاشع، ولا فرق بين العبث بيد أو رجل أو لحية أو ثوب أو غير ذلك.

(6)

رواه الترمذي وغيره، والخشوع التطامن والذل، وهو قريب من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في القلب، والبصر والصوت، ويكره تقليبه الحصا، ومسحه لحديث أبي ذر مرفوعًا: «إذا قام أحدكم في الصلاة

فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه» ، رواه أحمد وأهل السنن بإسناد جيد، وفي الصحيحين:«إن كنت فاعلا فواحدة» وفي السنن «واحدة أودع» ، والمعنى لا تمسح وإن مسحت فلا تزد على واحدة واتفق أهل العلم على كراهته إذا لم يكن عذر للأخبار، ولأنه يخالف التواضع والخشوع، والتقييد بالحصا والتراب خرج مخرج الغالب، فلا يدل على نفي غيره من الرمل والقذر وغيره، والأولى مسحه قبل الدخول في الصلاة لئلا يشغل باله وهو في الصلاة.

ص: 91

(و) يكره (تخصره) أو وضع يده على خاصرته (1) لنهيه عليه السلام أن يصلي الرجل متخصرا، متفق عليه من حديث أبي هريرة (2)(و) يكره (تروحه) بمروحة ونحوها (3) لأنه من العبث، إلا لحاجة، كغم شديد (4) .

(1) وفاقًا، أي شاكلته، وهي ما فوق رأس الورك، جمعها خواصر، والخضر الوسط، وهو المستدق فوق الوركين، والجمع خصور، والخصر والخاصرة مترادفان ويقال: الخصران والخاصرتان.

(2)

بلفظ الخصر والتخصر والاختصار، مختصرا، قال هشام: يضع يده على خصره وهو يصلي، وعلل أنه فعل الكفار أو المتكبرين، لما صح أنه راحة أهل النار، فلا يليق في الصلاة ولأنه فعل اليهود، وقيل: إنه فعل الشيطان، فنهى عنه كراهة للتشبه باليهود أو الشيطان، ولأنه يمنع الخضوع والخشوع.

(3)

أي يكره أخذه الريح بمروحة بالكسر، الآلة يتروح بها على نفسه، حكاه ابن المنذر عن عطاء ومالك وغيرهما، وفي الفروع، وفاقًا، ونحوها الخرقة، وما يشبهها يتروح بها.

(4)

من حر فلا يكره للحاجة، ما لم يكثر من التروح فيبطل الصلاة إن تولى، وكذا كل فعل من غير جنس الصلاة إذا طال عرفًا أبطلها إجماعًا، كما سيأتي.

ص: 92

ومراوحته بين رجليه مستحبة (1) وتكره كثرته لأنه فعل اليهود (2)(وفرقعة أصابعه وتشبيكها)(3) لقوله عليه السلام: «لا تقعقع أصابعك وأنت في الصلاة» رواه ابن ماجه عن علي (4) وأخرج هو والترمذي عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد شبك أصابعه في الصلاة، ففرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه (5) .

(1) ذكره صاحب الفروع وغيره رواية واحدة، وعن أبي عبيدة أن عبد الله رأى رجلا يصلي صافًّا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل، رواه الأثرم، ورواه النسائي وفيه: قال أخطأ السنة، لو راوح بينهما كان أعجب إليّ، والمراوحة أن يعتمد على إحدى رجليه تارة، وعلى الأخرى تارة، إذا طال القيام وكذا تفرقته بينهما مستحبة، قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله يفرج بين قدميه، ورأيته يراوح بينهما، وأما تقديم إحدى رجليه فمكروه.

(2)

أي تكره كثرة المراوحة بين قدميه، لأنه يشبه تمايل اليهود، وفي الصحيح «إذا قام أحدكم في صلاته، فليسكن أطرافه، ولا يميل ميل اليهود» .

(3)

وفاقًا، والفرقعة غمزها حتى يسمع لمفاصلها صوت، وتشبيكها إدخال أصابع إحدى يديه بين أصابع الأخرى.

(4)

القعقعة كالفرقعة، فعل معروف في أصابع اليدين، وقد يفعل في أصابع الرجلين، قيل حكمة النهي أنه يجلب النوم، ونهى ابن عباس عن التفقيع في الصلاة، وهو فرقعة الأصابع، وغمز مفاصلها حتى تصوت.

(5)

وقال ابن عمر -في الذي يصلي وهو مشبك- تلك صلاة المغضوب عليهم رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما.

ص: 93

ويكره التمطي (1) وفتح فمه، ووضعه فيه شيئا (2) لا في يده (3) وأن يصلي وبين يديه ما يلهيه (4) أو صورة منصوبة، ولو صغيرة (5) أو نجاسة أو باب مفتوح (6) .

(1) وهو التمغط وتمطى فلان تمدد وتبختر ومد يديه في المشي، لأنه يخرج عن هيئة الخشوع، ويؤذن بالكسل.

(2)

فيكره لأنه يذهب الخشوع، ويمنع كمال الحروف.

(3)

أي لا يكره وضع شيء في يده، نص عليه، ولا في كمه، إلا إذا شغله عن كمالها فيكره.

(4)

فيكره وفاقًا، لأنه يشغله عن إكمال صلاته، وفي الصحيحين، أنه صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال:«اذهبوا بخميصتي هذه إلىأبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي» والخميصة كساء مربع له أعلام، والأنبجانية كساء غليظ.

(5)

فيكره وفاقا، ولو لم تبد للناظر، لما فيه من التشبه بعبادة الأصنام، وظاهره أنها لا تكره إذا لم تكن منصوبة، ولا إذا كانت خلفه في البيت، ولا فوق رأسه في سقف، ولا عن أحد جانبيه، ذكر نحوه في الفروع، وقال الشيخ: والمذهب الذي نص عليه عامة الأصحاب، كراهة دخول الكنيسة المصورة، فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك، وتقدم أنها لا تجوز الصلاة فيه ولا عليها.

(6)

أي فيكره إذا كانت بين يديه نجاسة، أو كان بين يديه باب مفتوح، قاله في المبدع وغيره، وتكره الكتابة في قبلته، أو تعليق شيء فيها، قال أحمد: كانوا يكرهون أن يجعلوا في القبلة شيئا حتى المصحف اهـ، ويكره التزويق فيها، وكل ما يشغل المصلي.

ص: 94

أو إلى نار من قنديل أو شمعة (1) والرمز بالعين، والإشارة لغير حاجة (2) وإخراج لسانه (3) وأن يصحب ما فيه صورة من فص أو نحوه (4) وصلاته إلى متحدث أو نائم (5) .

(1) أو سراج أو نار من حطب ونحو ذلك فيكره، لأنه تشبه بالمجوس في عبادتهم النيران، والصلاة إليها تشبه الصلاة لها، وعبارة الإقناع، ونار ولو سراجا وقنديلا ونحوه، وعبارة التنقيح والمنتهى، ونار مطلقا، وهي أعم، والقنديل المصباح جمعة قناديل، والشمعة بالتحريك، وتسكن وقيل مولدة، ما يستصبح بها، أو موم العسل، وهو ما يجعل على الهيئة المعهودة فيستضاء به.

(2)

بيد ووجه وعين ونحوها فيكره، وفي الشرح: لا بأس بالإشارة بالعين واليد، لحديث جابر وغيره، وفي الترمذي وغيره وصححه: أنه عليه الصلاة والسلام كان يشير في الصلاة، وقال أحمد وغير واحد: إذا سلم على المصلي رد بالإشارة، ولا يجب عليه بالاتفاق، وفي قول عائشة له: سمعتك تنهى عن هاتين الصلاتين، وأراك تصليهما، فأشار بيده، وفيه أيضا جواز استماع المصلي إلى كلام غيره، وفهمه له، ولا يقدح ذلك في صلاته، كما حكاه الحافظ وغيره.

(3)

أي: إبرازه من فيه من غير حاجة، فيكره لما فيه من العبث.

(4)

فيكره كدينار ودرهم، وكثوب فيه صورة، فيكره وفاقًا، لتشبهه بعباد الأوثان.

(5)

فيكره لنهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة إلى النائم والمتحدث، رواه أبو داود، ولأنه يشغله عن حضور قلبه فيها، وعنه لا يكره، ويأتي أن كان يصلي وعائشة في قبلته، متفق عليه، وحديث النهي ضعيف، قاله الخطابي وغيره، وكذا تكره صلاته إلى ميت، فهو أولى من النائم، وقيل: لا يكره استقبال ميت، قال شيخنا: كراهته تحتاج إلى دليل.

ص: 95

أو كافر (1) أو وجه آدمي (2) أو إلى امرأة تصلي بين يديه (3) وإن غلبه تثاؤب كظم ندبًا (4) فإن لم يقدر وضع يده على فمه (5)(و) يكره (أن يكون حاقنًا) حال دخوله في الصلاة (6) .

(1) وفاقًا للشافعي، لأنه نجس فتكره الصلاة إليه، قال الشارح: كرهها أحمد، لأنه نجس اهـ ونجاسته معنوية اعتقادية لا حسية بدنية، كما فسر به قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} ولو كانت عينية فلا كراهة، كالصلاة إلى البغل والحمار.

(2)

وفاقًا، وحكاه القاضي عياض عن عامة العلماء، وعزر عمر من صلى إلى وجه آدمي، لا إلى ظهره، فإن عمر وغيره يصلي إلى ظهر القاعد، وكالصف الثاني، ولا إلى حيوان غير الآدمي، لأنه عليه الصلاة والسلام يعرض راحلته ويصلي إليها، ولو كان نجس العين كالبغل والحمار.

(3)

لأمره عليه الصلاة والسلام بتأخيرهن، ويأتي وإلا تكن تصلي بين يديه فلا يكره، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي وعائشة في قبلته.

(4)

لحديث «إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع» ، متفق عليه ولمسلم «وليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخله» ، وفي الحديث «إن الشيطان لا يفتح غلقًا» ، وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق، سوى الأنف والأذنين، ولذلك كان الشيطان يبيت على الخيشوم، ويبول في الأذنين، لأنها منافذ يتوصل إلى القلب منها، والتثاؤب ينشأ من امتلاء المعدة، وثقل البدن، وأجمعوا على كراهته، حكاه الوزير وغيره، و (كظم) أي أمسك، ومنع فاه عن الانفتاح.

(5)

لقوله: «فليضع يده على فيه» ، رواه الترمذي، فيضع ظهر كفيه اليسرى، ليشبه الدافع له، وقد تقدم أن اليسرى لما خبث.

(6)

إجماعًا للنهي عن ذلك.

ص: 96

والحاقن هو المحتبس بوله (1) وكذا كل ما يمنع كمالها كاحتباس غائط أو ريح (2) وحر وبرد (3) وجوع وعطش مفرط (4) لأنه يمنع الخشوع (5) وسواء خاف فوت الجماعة أو لا (6) .

(1) كثيرًا بالنون، وحقن الرجل بوله حبسه، وجمعه، فهو حاقن.

(2)

وهو الحاقب والحازق مدافع الريح، فليبدأ بالخلاء، ليزيل ما يدافع من بول أو غائط أو ريح، ولو فاتتة الجماعة، ومن أهل العلم من قال بعدم صحتها، والأكثر أنها ناقصة، وقال الشيخ: إذا كان على وضوء وهو حاقن، يحدث ثم يتيمم، إذ الصلاة بالتيمم وهو غير حاقن أفضل من صلاه بالوضوء وهو حاقن، وقال: صلاته مع الاحتقان مكروهة، وفي صحتها روايتان، وصلاة المتيمم صحيحة لا كراهة فيها بالاتفاق.

(3)

أي شديد، لأن ذلك يقلقه، ويشغله عن حضور قلبه في الصلاة، ويستعمل ما يبرده، ويستدفئ ليدفع ألم ذلك، وتكره في مكان شديد الحر أو شديد البرد، لأنه يذهب الخشوع.

(4)

بغير خلاف، ونحو ذلك مما يزعجه ويشغله.

(5)

الذي هو لب الصلاة وروحها، والخشوع الإخبات، وهو معنى يقوم بالنفس يظهر منه سكون الأطراف، لقوله عليه الصلاة والسلام في العابث بلحيته «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» ، قال ابن القيم: والخشوع قيام العبد بين يدي الرب بالخضوع والذل، والجمعية عليه، وفي الأثر «إذا صلى يتضرع ويتخشع ويتمسكن، وإلا فهي خداج» ، وفي الأثر «أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع» .

(6)

أي يكره أن يدخل فيها على تلك الحال، سواء خاف فوات الجماعة باشتغاله بذلك، أو لم يخف، وتصح صلاته مع الكراهة بالاتفاق.

ص: 97

لقوله عليه السلام: «لا صلاة بحضرة طعام، ولاو هو يدافعه الأخبثان» رواه مسلم عن عائشة (1)(أو بحضرة طعام يشتهيه)(2) فتكره صلاته إذًا لما تقدم (3) .

(1) ولقوله «لا يصل أحدكم وهو حاقن» ، وفي رواية «وهو حقن حتى يتخفف» رواه الحاكم والبيهقي وغيرهما، وألحق بذلك ما في معناه مما ذكر ونحوه، وليس من تقديم حق النفس على حق الرب تعالى، وإنما هو صيانة لحق الله سبحانه، ليدخل العبد في العبادة بقلب مقبل على ربه.

(2)

أي بمشهد منه، وعبارة الإقناع والمنتهى والفروع وغيرها: أو تائقا إلى طعام أو شراب قال منصور: وظاهره سواء كان الطعام بحضرته أو لا، وعبارة المقنع وغيره، أو بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، وهو ظاهر الأخبار، وكذا إذا كان تائقا إلى شراب أو جماع، فيبدأ بما تاق إليه ولو فاتته الجماعة، وفي صحيح البخاري وغيره:«إذا قدم العشاء فابدءوا بالعشاء قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم» ولهما: «إذا وضع العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به، فيكره ابتداؤها وهو تائق إلى طعام اتفاقا، قال ابن القيم: عشر يؤذي انحباسها ومدافعتها الدم إذا هاج، والمني إذا اجتمع، والبول والغائط والريح والقيء والعطاس والنوم والجوع والعطش، وكل واحد يوجب حبسه داء من الأدواء بحسبه، وظاهر عباراتهم أنه إذا لم تتق نفسه إليه أنه يبدأ بالصلاة من غير كراهة، وكذا إن لم يحضر الطعام، لأنه لا تتوق نفسه إليه كما تتوق إلى المحضر.

(3)

من الدليل والتعليل، وفي الصحيح: كان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ، وإنه يسمع قراءة الإمام.

ص: 98

ولو خاف فوت الجماعة (1) وإن ضاق الوقت عن فعل جميعها وجبت في جميع الأحوال (2) وحرم اشتغاله بغيرها (3) ويكره أن يخص جبهته بما يسجد عليه، لأنه من شعار الرافضة (4) .

(1) للأخبار وفي الصحيح عن أبي الدرداء «من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ» ، وفي الحديث:«ولا يعجل حتى يفرغ منه» ، وفيه دليل على أنه يأكل حاجته من الطعام بكمال، وصوبه غير واحد، ووضع الطعام بين يدي الآكل فيه زيادة تشوف، وكلما تأخر تناوله ازداد، بخلاف باقي الأمور فلا يلحق بحكم الطعام كل أمر يكون للنفس تشوف إليه، إذ لو كان كذلك لم يبق للصلاة وقت في الغالب، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.

(2)

أي سواء كان حاقنا أو حاقبا، أو بحضرة طعام يشتهيه ونحو ذلك، ولا يكره ابتداء الصلاة كذلك.

(3)

لتعين الوقت لها.

(4)

أو من جُل شعارها، أي: من علاماتهم التي يتميزون بها، فإنهم يأخذون قطعة من طين من أرض مشهد الحسين يتبركون بها، ويسجدون عليها، فيكره أن يخص جبهته بنحو ذلك، لما فيه من التشبه بأهل الباطل، والرافضة فرقة من الشيعة بايعوا زيد بن علي بن الحسين، ثم قالوا له: تبرأ من أبي بكر وعمر، فأبي وقال: كانا ويري جدي صلى الله عليه وسلم فلا أبرأ منهما، فتركوه ورفضوه، فسموا رافضة، والنسبة رافضي، وتولى زيدا قوم منهم فسموا زيدية، ومن ذلك افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية.

ص: 99

ومسح أثر سجوده في الصلاة (1) ومس لحيته (2) وعقص شعره (3) وكف ثوبه ونحوه (4) ولو فعلهما لعمل قبل صلاته (5) ونهى الإمام رجلا كان إذا سجد جمع ثوبه بيده اليسرى (6) .

(1) أي يكره باتفاق السلف، لحديث أبي هريرة مرفوعا، «من الجفاء أن يكثر الرجل مسح جبهته، قبل الفراغ من صلاته» رواه ابن ماجه وفي البزار وغيره من حديث ابن بريدة عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من الجفاء أن يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته» في الصحيح، عن أبي سعيد أنه رأى أثر الطين على جبهته وأنفه قال الحميدي: يحتج به أن لا تمسح الجبهة في الصلاة، بل بعدها، قال الشيخ: وكره أحمد وغيره مسح الجبهة في الصلاة من التراب ونحوه الذي يعلق به في السجود، وتنازعوا في مسحه بعدها كالمنديل، وفي الفروع: لا يكره وفاقًا.

(2)

وفاقًا: لأنه من العبث، وقال عليه الصلاة والسلام في العابث بلحيته:«لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» .

(3)

وفاقًا: أي: ليّه وإدخال أطراف في أصوله، وهو أيضا جمع الشعر على الرأس، وشده بشيء حتى لا ينحل، ورأى ابن عباس رجلا يصلي ورأسه معقوص من ورائه، فقام فجعل يحله، فلما انصرف قال: ما لك ولرأسي؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف» رواه مسلم وغيره، وقال الترمذي: كرهوا أن يصلي الرجل وهو معقوص شعره.

(4)

كتشمير كمه وفاقًا، لحديث:«ولا أكف ثوبا ولا شعرا ما لم يخش بدو عورته» .

(5)

أي: عقص الشعر، وكف الثوب ونحوه كره، وتقدم قول أهل العلم في ذلك.

(6)

ونقل عبد الله: لا ينبغي أن يجمع ثيابه واحتج بالخبر.

ص: 100

ونقل ابن القاسم: يكره أن يشمر ثيابه (1) لقوله عليه السلام: «ترب ترب» (2)(و) يكره (تكرار الفاتحة) لأنه لم ينقل (3) و (لا) يكره (جمع سور في) صلاة (فرض كنفل)(4) لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعة من قيامه بالبقرة وآل عمران والنساء (5) .

(1) أي: أن يرفعها عن ساقيه، وابن القاسم هو أحمد بن القاسم، صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، حدث عنه، وعن الإمام أحمد كثيرا.

(2)

وروى نحوه الترمذي والنسائي وغيرهما، ولأحمد «ترب وجهك لله تعالى» ولها شواهد، قال الحافظ بأسانيد ضعيفة، وذكر بعضهم حكمة النهي أنها تسجد معه، وقال بعضهم: الحكمة الشاملة أنه إذا رفع ثوبه عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر.

(3)

وخروجًا من خلاف من أبطلها به، لأنها ركن ما لم يكن لتوهم خلل في المرة الأولى فلا يكره، والفرق بين الركن القولي والفعلي أن تكرار القولي لا يخل بهيئة الصلاة.

(4)

أي كما لا يكره جمع سور في نفل إجماعًا، وكان عثمان يختم القرآن في ركعة، وقال أحمد: ختمت القرآن في ركعتين، فكذا في الفرض لعدم الفارق.

(5)

وفيه أن رجلا من الأنصار كان يؤمهم فكان يقرأ قبل كل سورة (قل هو الله أحد) ثم يقرأ سورة أخرى معها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما يحملك على لزوم هذه السورة؟» فقال: إني أحبها، فقال:«حبك إياها أدخلك الجنة» ، وفي الصحيحين عن ابن مسعود لقد عرفت النظائر التي كان يقرن بينهن فذكر عشرين سورة من المفصل، سورتين في كل ركعة، وفي الموطأ أن ابن عمر كان يقرأ في المكتوبة بسورتين في ركعة، وكما لا يكره تكرار سورة في ركعتين وتفريقها فيهما نص عليه.

ص: 101

(و) يسن (له) أي: للمصلي (رد المار بين يديه)(1) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدعن أحدًا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين» رواه مسلم عن ابن عمر (2) وسواء كان المار آدميًّا أو غيره (3) والصلاة فرضا أو نفلا (4) بين يديه سترة فمر دونها (5) .

(1) صرف الشارح معنى العبارة من الإباحة إلى السنة لثبوتها برده وعنه يجب عليه رده لظاهر الأخبار.

(2)

وله عن أبي سعيد مرفوعا: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه، وليدرأ ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان» ولهما «فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره» الحديث ولحديث أم سلمة: وكان يصلي في حجرتها فمر بين يديه عبد الله فقال بيده فرجع، فمرت زينب فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى قال:«هن أغلب» رواه ابن ماجه، وأكثر الروايات عن أحمد وغيره أن على المصلي أن يجتهد في رده، ما لم يخرجه ذلك إلى إفساد صلاته بكثرة العمل فيها، قال القاضي عياض وغيره، أجمعوا على أنه لا يجوز له المشي كثيرا ليدفعوا ولا العمل الكثير في مدافعته، لأن ذلك أشد في الصلاة من المرور.

(3)

ظاهره ولو صغيرًا، للعموم، وكان يصلي عليه الصلاة والسلام فمرت شاة بين يديه فساعاها إلى القبلة، حتى ألصق بطنه بالقبلة، رواه ابن خزيمة وابن حبان والطبرانين وصححه في الفروع والمختارة وفي البخاري نحوه.

(4)

لعموم الأخبار فيسن رد المار بين يديه فيهما.

(5)

أي بينه وبين السترة فيسن رده، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره.

ص: 102

أو لم تكن فمر قريبا منه (1) ومحل ذلك ما لم يغلبه (2) أو يكن المار محتاجا للمرور (3) أو بمكة (4) ويحرم المرور بين المصلي وسترته ولو بعيدة (5) وإن لم يكن سترة ففي ثلاثة أذرع فأقل (6) .

(1) أي من المصلي، وقدر بنحو ثلاثة أذرع فأقل فيسن رده قال عثمان: محله إذا كان قريبا منه، بأن لا يكون بين المار وقدمي المصلي ثلاثة أذرع، كما يعلم من الإقناع وشرحه.

(2)

يعني المار، لما تقدم في بنت أم سلمة وغيره، فإن غلبة لم يرده وفاقًا.

(3)

لضيق الطريق ونحوه، فلا يرده، وتكره في موضع يحتاج فيه إلى المرور، وفي المستوعب، إن احتاج إلى المرور ألقى شيئا ثم مر.

(4)

أي: أو يكن المار مجتازًا بين يدي المصلي بمكة، نص عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بمكة والناس يمرون بين يديه، وليس دونهم سترة، رواه الخمسة، والحرم كمكة، قاله في المغني، وفي الصحيحين أنه صلى بمزدلفة إلى غير سترة.

(5)

لحديث أبي جهيم مرفوعا «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه» ، متفق عليه ولمسلم «لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي» .

(6)

أي فيحرم المرور في ثلاثة أذرع من قدم المصلي فأقل وحكى ابن جزم الاتفاق على إثمه، وقيل: أبعد من موضع السجود، وأما البعيد فلا يتعلق به حكم وقال الموفق: لا أعلم أحدا حد البعيد في ذلك، ولا القريب، وقال: الصحيح تحديد ذلك بما إذا مشى إليه المصلي، ودفع المار بين يديه، للأمر به فتقيد بدلالة الإجماع بما يقرب منه.

ص: 103

فإن أبى المار الرجوع دفعه المصلي (1) فإن أصر فله قتاله ولو مشى (2) فإن خاف فسادها لم يكرر دفعه ويضمنه (3) وللمصلي دفع العدو من سيل وسبع (4) أو سقوط جدار ونحوه (5) وإن كثر لم تبطل في الأشهر قاله في المبدع (6) وله عد الآي والتسبيح (7) .

(1) لحديث «فليدرأ ما استطاع» رواه أبو داود ولغيره من الأحاديث.

(2)

له قليلا لقوله «فليدفعه فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان» متفق عليه، ولا تفسد صلاته، لكن لا بسيف، ولا بما يهلكه، بل بالدفع باليد واللكز فإن مات بذلك فدمه هدر قاله الشيخ.

(3)

إن كرر الدفع، لعدم الإذن فيه والحالة هذه، وتقدم أنها تكره في موضع يحتاج فيه إلى المرور، وتنقص صلاة من لم يرد مارًّا بين يديه وهو قادر على رده.

(4)

ونار وحية، وصائل عليه من حيوان وغيره، ويأتي الأمر بقتل الحية والعقرب.

(5)

كسقف وعريش وغير ذلك.

(6)

وفي الإنصاف وغيره: إن كان ثم ضرورة لم تبطل.

(7)

بأصابعه، وتوقف أحمد في عدد التسبيح، لأنه يتوالى لقصره، فيتوالى حسابه فيكثر العمل، بخلاف عد الآي، فهو منقول عن السلف، قال ابن عقيل: لا يكره وجها واحدا، وصححه ابن نصر الله وغيره، وكرهه أبو حنيفة والشافعي، لأنه يشغل عن خشوع الصلاة، قال ابن نصر الله، ومراد الأصحاب أن يعد ذلك بقلبه، ويضبط عدده في ضميره، من غير أن يتلفظ به فإنه متى تلفظ به، فبان حرفان بطلت.

ص: 104

وتكبيرات العيد بأصابعه (1) لما روى محمد بن خلف عن أنس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد الآي بأصابعه (2)(و) للمأموم (الفتح على إمامه)(3) إذا ارتج عليه أو غلط (4) لما روى أبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فلبس عليه (5) فلما انصرف، قال لأبي أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك؟ (6) .

(1) أي فيباح له عدها بأصابعها، وكذا صلاة الاستسقاء.

(2)

ورواه البيهقي وغيره موقوفًا عن أبي عبد الرحمن وإبراهيم وعروة، وروي عد الآي مرفوعًا عن ابن عمر، ومحمد بن خلف هو شهاب الدين ابن راجح المقدسي الحنبلي، أخذ عن ابن المنا وغيره، وكان من أقران الموقف وعبد الغني وأبي عمر، توفي سنة ستمائة وثماني عشرةِ.

(3)

أي تلقينه وفتح القراءة عليه.

(4)

أي: وللمأموم إذا استثقلت القراءة على الإمام أن يسمعه القراءة على الصواب ليذكرها وفاقًا، وأرتج عليه أي التبس يقال: ارتج على القارئ إذا لم يقدر على القراءة كأنه منع منها، من أرتجت الباب، أغلقته إغلاقا وثيقا، وهو مبني للمفعول مخفف أو غلط أي أخطأ وجه الصواب.

(5)

قال ابن رسلان: بفتح اللام والباء الموحدة المخففة، أي التبس واختلط عليه، وفي بعض النسخ بضم اللام وتشديد الموحدة المكسورة وقال المنذري: بضم اللام وتخفيف الموحدة.

(6)

أي أن تنبه علينا، وكالتنبيه بالتسبيح وفي رواية «فهلا ذكرتنيها» ولابن حبان: فالتبس عليه، وقال:«ما منعك أن تفتحها علي؟» .

ص: 105

قال الخطابي: إسناده جيد (1) ويجب في الفاتحة كنسيان سجدة (2) ولا تبطل به، ولو بعد أخذه في قراءة غيرها (3) ولا يفتح على غير إمامه (4) لأن ذلك يشغله عن صلاته (5) فإن فعل لم تبطل، قاله في الشرح (6)(و) له (لبس الثوب و) لف (العمامة)(7) .

(1) وأخرجه الحاكم وابن حبان، وصححه النووي وغيره، ولأحمد نحوه، ولأبي داود وغيره بإسناد جيد من حديث المسور أنه صلى الله عليه وسلم ترك شيئًا فقال له رجل: يا رسول الله، إنه كذا وكذا، فقال:«هلا ذكرتنيها؟» وصح عن علي أنه قال: إذا استطعمك الإمام فأطعمه، وروي مرفوعا، وللحاكم وغيره من طرق عن أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن بعضهم بعضًا في الصلاة، وهو مذهب جماهير العلماء، وعليه العمل من غير نكير، فكان إجماعا.

(2)

أي: يجب الفتح على إمامه إذا ارتج عليه أو غلط في الفاتحة، لتوقف صحة صلاته على ذلك، كما يجب تنبيهه عند نسيان سجدة ونحوها من الأركان ولا يجب في غير الفاتحة، قال في الإنصاف: بغير خلاف أعلمه، وإن عجز عن إتمام الفاتحة لم تصح صلاته، صححه الموفق وغيره، لقدرته على الصلاة بها.

(3)

لأنهم ذكروا الفتح من غير بطلان.

(4)

مصليًّا كان أو غيره.

(5)

فكره له، وللاختلاف في بطلانها به، قال أحمد: يكره أن يفتح من هو في الصلاة على من هو في صلاة أخرى، أو على من ليس في صلاة.

(6)

ولأنه قول مشروع فيها، ولكنه يكره لعدم الحاجة إليه، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«إن في الصلاة لشغلا» ، وعنه تبطل به، وهو مذهب أبي حنيفة، فتأكد كراهته.

(7)

وحمل شيء ووضعه، ويكره حمل مشغل عنها.

ص: 106

لأنه عليه الصلاة والسلام التحف بإزاره وهو في الصلاة (1) وحمل أمامة (2) وفتح الباب لعائشة (3) وإن سقط رداءه فله رفعه (4)(و) له (قتل حية وعقرب وقمل) وبراغيث ونحوها، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الأسودين في الصلاة الحية والعقرب، رواه أبو داود والترمذي وصححه (5) .

(1) رواه مسلم من حديث وائل: «أنه كبر ثم التحف بإزاره» .

(2)

بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي العاص بن الربيع، تزوجها علي بعد فاطمة، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها، متفق عليه، وفي رواية أنه الحسن أو الحسين، وفي حمله لها فوائد، منها أن العمل المتفرق في الصلاة لا يبطلها إذا كان للحاجة، ومنها الرحمة للأطفال، ومنها التواضع ومكارم الأخلاق، ومنها أن مس الصغيرة لا ينقض الوضوء.

(3)

وصلى على المنبر وتكرر صعوده ونزوله متفق عليه، وعرض له الشيطان فذعته، قال النضر: خنقه، وقال:«لقد هممت أن أوثقه إلى سارية» الحديث متفق عليه، ولأنه عمل يسير فأبيح له.

(4)

لحديث وائل المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم التحف بإزاره وهو في الصلاة وغيره.

(5)

قال أحمد وغيره: يجوز له أن يذهب إلى النعل فيأخذ ويقتل به الحية والعقرب ثم يعيده إلى مكانه، وكذا سائر ما يحتاج إليه المصلي من الأفعال، وكان

أبو برزة يصلي ومعه فرسه، كلما خطا يخطو معه خشية أن ينفلت قال

أحمد: إن فعل كما فعل أبو برزة فلا بأس، وقال الخطابي: رخص أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة إلا النخعي، والسنة أولى ما اتبع، وفي الإنصاف: له قتل الحية والعقرب بلا خلاف أعلمه، وحكى في كتاب رحمة الأمة الإجماع عليه، وفي معنى الحية كل مضر مباح قتله، ومنه القمل، فإن عمر وأنسا والحسن كانوا يقتلونه وهو الصحيح من المذهب، ولأن في تركه أذى له إن تركه على جسده، ولغيره إن ألقاه، وهو عمل يسير، وقال القاضي: التغافل عنه أولى، والحية تكون للذكر والأنثى، والعقرب واحدة العقارب، وكذا القملة واحدة القمل، وكلها معروفة.

ص: 107

(فإن أطال) أي أكثر المصلي (الفعل عرفا (1) من غير ضرورة و) كان متواليا بـ (لا تفريق بطلت) الصلاة (2)(ولو) كان الفعل (سهوا) إذا كان من غير جنس الصلاة، لأنه يقطع الموالاة، ويمنع متابعة الأركان (3) فإن كان لضرورة لم يقطعها كالخائف (4) وكذا إن تفرق ولو طال المجموع (5) .

(1) وكان في نفس الصلاة من غير جنسها.

(2)

إجماعًا قاله في المبدع وغيره، والضرورة كحالة خوف وهرب من عدو، وحكة لا يصبر عنها، لم تبطل، والتوالي هو الذي لا تفريق فيه، فلو فرق بين العمل لم تبطل، إذا كان يسيرًا، بدليل حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة ووضعها في كل ركعة، وغير ذلك، فإن لم تكن ضرورة واحتاج إلى العمل متواليًا قطع الصلاة وفعل، ثم استأنفها.

(3)

ويذهب الخشوع فيها، ويغلب على الظن أنه ليس فيها، وكل ذلك مناف لها، أشبه ما لو قطعها.

(4)

من عدو وسبع ونار ونحو ذلك.

(5)

لم يقطعها لما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم.

ص: 108

واليسير ما يشبه فعله صلى الله عليه وسلم من حمل أمامة، وصعود المنبر، ونزله عنه، لما صلى عليه، وفتح الباب لعائشة، وتأخره في صلاة الكسوف ثم عوده، ونحو ذلك (1) وإشارة الأخرس ولو مفهومة كفعله (2) ولا تبطل بعمل قلب (3) .

(1) كرد المار، وقتل الحية والعقرب، والأخذ بالأذن، والغمز والإشارة، وعقد التسبيح، وغير ذلك، واتفق الأئمة على أنه لا بأس بالعمل اليسير للحاجة فإن احتاج إلى فعل كثير، قطع الصلاة وفعله، قال أحمد: إذا رأى صبيين يتخوف أن يلقى أحدهما صاحبه في البئر، فإنه يذهب إليهما فيخلصهما ويعود في صلاته، وقال: إذا لزم رجل رجلا فدخلا المسجد وقد أقيمت الصلاة فإذا سجد الإمام خرج الملزوم فإن للذي كان لزمه أن يخرج في طلبه، يعني ويبتدئ الصلاة، وكذا إن هرب غريمه ونحوه.

(2)

فتبطل إذا كثرت عرفًا وتوالت، لا كقوله.

(3)

ولو طال، لعموم البلوى، ولم يؤمر بالإعادة، وقد دلت النصوص على أن الأجر والثواب مشروط بحضور القلب، ولم تدل على وجوب الإعادة، وحضور القلب فراغه عن غير ما هو ملابس له، وهو هنا العلم بالعمل بالفعل والقول الصادرين عن المصلي، وإذا دفع الخواطر ولم يسترسل معها لم تضره، قال النووي: ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك، وحصلت له هذه الفضيلة، يعني قوله:«لا يحدث فيهما نفسه» ، لأن هذا ليس من فعله، وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر، وعلى العبد الاجتهاد في دفع ما يشتغل القلب من تفكر فيما لا يعنيه، ودفع الجواذب التي تجذب القلب عن مقصود الصلاة، ولا نزاع في كراهة التفكير بدنيوي، وكل ما كان مشغلا، ولا ريب أن

العبد كلما أراد توجها إلى الله بقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى

فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد أن يسير إلى الله أراد الشيطان قطع الطريق عليه، فعلى العبد الاجتهاد في أن يعقل ما يقوله ويفعله، ويتدبر القرآن والذكر والدعاء، ويستحضر أنه مناجٍ لله كأنه يراه.

ص: 109

وإطالة نظر في كتاب ونحوه (1)(وتباح) في الصلاة فرضًا كانت أو نفلا (قراءة أواخر السور وأوساطها)(2) لما روى أحمد ومسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأولى من ركعتي الفجر قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية (3) وفي الثانية الآية في آل عمران {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية (4) .

(1) ككتابة في جدار ونحوه لم تبطل إجماعًا، وكره إجماعا يعني النظر إلى ما يلهيه، حتى إذا قرأ ما فيه بقلبه ولم ينطق بلسانه مع كراهته لم تبطل، ولا تبطل إن قرأ من المصحف، سواء كان يحفظه أو لا وفاقا. ولا أثر لعمل غيره، وكمن مص ولدها ثديها، لعدم المنافي.

(2)

كأوائلها، قال أحمد: المنقول عنه صلى الله عليه وسلم قراءة السورة أو بعضها من أولها.

(3)

يعني إلى آخر الآية وهو قوله: {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} من سورة البقرة.

(4)

ولعموم قوله {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ولما رواه أبو داود وغيره عن أبي سعيد، أمرنا أن نقرأ بالفاتحة وما تيسر، وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ في الآخرة من صلاة الصبح آخر آل عمران: وأخر الفرقان، قال الشيخ: لم يكن غالبا عليهم، وأعدل الأقوال قول من قال: يكره اعتياد ذلك دون فعله أحيانًا، لئلا يخرج عما مضت به السنة، وعادة السلف من الصحابة والتابعين.

ص: 110

(وإذا نابه) أي عرض للمصلي (شيء) أي أمر (1) كاستئذان عليه، وسهو إمامه (2) (سبح رجل) (3) ولا تبطل إن كثر (4) (وصفقت امرأة ببطن كفها على ظهر الأخرى) (5) وتبطل إن كثر (6) لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا نابكم شيء في صلاتكم فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء» متفق عليه من حديث سهل بن سعد (7) .

(1) أي أصابه أمر في صلاته.

(2)

عن واجب أو بفعل في غير محله، وكخوفه على إنسان الوقوع في شيء أو أن يتلف شيئا، وكتنبيه المار من يريد منه أمرا، وهو لا يدري أنه يصلي فينبهه على أنه يصلي.

(3)

بلا نزاع بإمام وجوبًا، وبمستأذن استحبابًا.

(4)

أي لاتبطل بالتسبيح وإن كثر، لأنه من جنس المصلاة، بخلاف التصفيق.

(5)

أو ظهرها أو ضرب ظهر كف على بطن الأخرى، بإمام وجوبا، وبمستأذن استحباب، وكذا أعمى خشيت وقوعه في محذور ونحو ذلك.

(6)

لأنه من غير جنس الصلاة، فأبطلها كثيره، عمدا كان أو سهوًا فلو ضربت بيديها بطنا لبطن بقصد اللعب ولو قليلا مع علم التحريم، وكذا إن فعله لاعبا عالما بتحريمه بطلت وإن قل لمنافاته الصلاة.

(7)

ولهما عنه «ما لي أراكم أكثرتم التصفيق، من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء» ، وعن علي: كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم سبح، وإن كان في غير صلاة أذن رواه أحمد وغيره، وللبيهقي عن أبي هريرة «إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح وإذا استؤذن على المرأة فإذنها التصفيق» وقال: رواته كلهم ثقات.

ص: 111

وكره التنبيه بنحنحة (1) وصفير، وتصفيقه (2) وتسبيحها (3) لا بقراءة وتهليل وتكبير ونحوه (4)(وبصفق) ويقال بالسين والزاي (5)(في الصلاة عن يساره (6) وفي المسجد في ثوبه) (7) .

(1) للاختلاف في إبطالها بها.

(2)

صوبه في الإنصاف واستظهره ابن نصر الله، لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والصفير كل صوت يمتد ولا يغلظ، وهو خالٍ من الحروف، والتصفيق ضربه بيده على يده حتى يسمع لها صوت.

(3)

أي: ويكره التنبيه من المرأة بالتسبيح، لأنه خلاف ما أمرت به، ولئلا يفتتن بصوتها.

(4)

وكتسبيح وتحميد واستغفار فيباح له، لأنه من جنس الصلاة، وكذا إن ترك إمامه ذكرا، فرفع المأموم صوته به ليذكره ونحوه.

(5)

أي يبسق ويبزق، وكلها من باب نصر، ثلاث لغات، أفصحهن بالصاد، والبصاق من الفم، والمخاط من الأنف، والنخامة هي النخاعة من المصدر.

(6)

لا عن يمينه، لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس وغيره، «إذا قام أحدكم في صلاته فإنه يناجي ربه، فلا يبزقن قبل قبلته، لكن عن يساره وتحت قدمه» وفي الصحيح «فإن عن يمينه ملكا» ، ولابن أبي شيبة «فإن عن يمينه كاتب الحسنات» .

(7)

أي ويبصق إذا كان في المسجد في ثوبه، ظرف للفعل، فلا يشترط كون الفاعل فيه، حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله، وعطف أحمد بوجهه وهو في المسجد فبزق خارجه.

ص: 112

ويحك بعضه ببعض، إذهابًا لصورته (1) قال أحمد: البزاق في المسجد خطيئة، وكفارته دفنه للخبر (2) ويخلق موضعه استحبابًا (3) ويلزم حتى غير الباصق إزالته (4) وكذا المخاط والنخامة (5) .

وإن كان في غير المسجد جاز أن يبصق عن يساره، أو تحت

(1) أي البصاق، لما في الصحيح عن أنس، ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه، ثم رد بعضه على بعض، ولمسلم عن أبي هريرة، أنه رأى نخامة في قبلة المسجد فأقبل على الناس فقال:«ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه، فينتخع أمامه، أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، تحت قدمه، فإن لم يجد فليقل هكذا» ، فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض، قال النووي وغيره: إذا بصق في المسجد فقد ارتكب الحرام، وعليه أن يدفنه، ومن رآه يبصق فيه لزمه الإنكار عليه، ومنعه إن قدر.

(2)

يعني الخبر الآتي وغيره.

(3)

لفعله عليه الصلاة والسلام، رواه مسلم وغيره من حديث جابر «ويخلق» بضم أوله وشد اللام، أي يطلي موضع البصاق ونحوه بعد إزالته بالخلوق، وهو أخلاط من الطيب.

(4)

من مسجد، لخبر أبي ذر:«وجدت في مساوي أعمالنا النخامة تكون في المسجد فلا تدفن» رواه مسلم.

(5)

أي هما في الحكم كالبزاق، لحديث «فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره، أو تحت قدمه، فمن لم يجد فليقل هكذا» ، ووصف القاسم فتفل في ثوبه، ثم مسح بعضه على بعض.

ص: 113

قدمه لخبر أبي هريرة (وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه فيدفنها) ، رواه البخاري (1) وفي ثوبه أولى (2) ويكره يمنة وأمامًٍا (3) وله رد السلام إشارة (4) .

(1) وظاهره: لا قدامة، ولا عن يمينه، كما في حديث أبي سعيد، وخبر أنس مقيد بالصلاة، كما تقدم، وقال مالك وغيره: لا بأس به خارج الصلاة، وكذا قيده بها جمهور الفقهاء.

(2)

أي: وبصقه في ثوبه ونحوه أولى من كونه عن يساره، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره به ولئلا يؤذي به.

(3)

للأخبار واحترامًا للإمام وحفظ اليمين ويمنة بفتح الياء، وكذا يسرة، واليمين واليسار والميمنة والميسرة هي الجهة.

(4)

ومذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم يستحب، ونقله الخطابي وغيره عن أكثر العلماء، لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في صلاته، صححه الترمذي ونحوه لأبي داود وغيره من حديث أنس، ولا يجب عليه أن يرده في نفسه، بل يستحب بعدها، لرده عليه الصلاة والسلام علي ابن مسعود بعد السلام، وإن رده لفظًا بطلت، لأنه خطاب آدمي ولو صافحه لم تبطل، ولا يكره السلام على المصلي، وفاقًا لمالك والشافعي، قال النووي وغيره، وهو الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة، وقال أبو الطيب: يستحب في الصلاة كغيرها للحديث الصحيح فيه، وقال الشيخ: من لا يحسن الرد لا ينبغي السلام عليه، وإدخاله فيما يقطع صلاته، أو يترك به الرد الواجب.

ص: 114