الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(و) أن (يقصر الخطبة)(1) لما روى مسلم عن عمار مرفوعا «إن
طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة» (2) وأن تكون الثانية أقصر (3) ورفع صوته قدر إمكانه (4) .
(1) وفاقا، تقصيرا معتدلا، بحيث لا يملوا وتنفر نفوسهم، وخير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيمل.
(2)
وله عن عثمان أنه خطب وأوجز، فقيل له: لو كنت تنفست، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة» وقوله «مئنة» بفتح الميم، وكسر الهمزة، أي علامة أو دلالة على فقهه، وحتى لا يملوها، ويكون قصرها معتدلا، فلا يبالغ بحيث يمحقها.
(3)
أي ويسن أن تكون الثانية أقصر من الأولى، كالإقامة مع الإذان، والقراءة في الركعة الثانية أقصر من الأولى.
(4)
أي ويسن أن يرفع صوته بالخطبة فوق القدر الواجب حسب إمكانه
ويجوز كلامه، ويفخم أمر الخطبة، ويظهر غاية الغضب والفزع، لحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب علا صوته، واشتد غضبه واحمرت
وجنتاه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، ولأنه أوقع في النفوس، وأبلغ في الوعظ، ولذلك استحب المنبر، لأنه أبلغ في الإسماع، وأن يعربهما بلا تمطيط.
(و) أن (يدعو للمسلمين)(1) لأنه مسنون في غير الخطبة، ففيها أولى (2) ويباح الدعاء لمعين (3) .
(1) ولا نزاع في ذلك، لفعله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة مستسقيا ولأنه كان إذا خطب أومأ، وأشار بأصبعه عند ذكر الله ودعائه، وأمن الناس، ولا يستحب رفع اليدين في الخطبة، قال المجد، بدعة، وفاقا للمالكية والشافعية وغيرهم.
وقال الشيخ: الأصح أنه مكروه، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا، ورأى عمارة بشر بن مروان رفع يديه في الخطبة، فقال: قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بأصبعه المسبحة، رواه مسلم وغيره.
(2)
أي لأن الدعاء للمسلمين مسنون في غير خطبة الجمعة، كصلاة الجنازة وغيرها، ففيها أولى، ويدعو لنفسه وللحاضرين بما فيه صلاح الدين والدنيا، قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يختم خطبته بالاستغفار اهـ وينبغي أن يكون متغظا بما يعظ الناس به، ليحصل الانتفاع به، وذكر البغوي وغيره استحباب ختم الخطبة بقوله: أستغفر الله لي ولكم وعمل الأكثر عليه.
(3)
كسلطان ونحوه، ولأن الدعاء مستجاب في الجملة، ولجوازه في الصلاة على الصحيح، فكيف بالخطبة، ودعا أبو موسى في خطبته لعمر، واستمر عمل المسلمين عليه، والأكثر بدون تعيين، وقال أحمد: لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان، ولأن في صلاحه صلاح المسلمين، فأبيح ذلك أو استحب في الجملة، قال القاضي: والإمام العادل هو كل من نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام، قال ابن حامد: أما محبته إذا كان عدلا فلا أعلم خلافا في وجوبها.
وأن يخطب من صحيفة (1) قال في المبدع: وينزل مسرعا (2) وإذا غلب الخوارج على بلد فأقاموا فيه الجمعة جاز اتباعهم نصا (3) وقال ابن أبي موسى: يصلي معهم الجمعة ويعيدها ظهرا (4) .
(1) أي ويباح أن يخطب من صحيفة كقراءته في الصلاة من مصحف، وإن قرأ آية سجدة في أثناء الخطبة فإن شاء نزل فسجد، وإن أمكنه السجود على المنبر سجد عليه، وإن تركه فلا حرج.
(2)
أي إذا فزغ من الخطبة أقيمت الصلاة، ونزل مسرعا، من غير فصل، ولا عجلة تقبح، وعليه العمل، وقاله ابن عقيل وغيره، وصوبه غير واحد، ونظرا في الفروع الإسراع فقال: لا فرق يعني بين التؤدة والإسراع.
(3)
قاله ابن عقيل: قال القاضي: ولو قلنا من شرطها إمام، إذا كان خروجهم بتأويل سائغ، وتقدم ذكر صحتها خلف الفساق، والأئمة الجائرين والفجار.
(4)
وتقدم قول الشيخ أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعيدون.
فصل (1)
(و) صلاة (الجمعة ركعتان) إجماعا حكاه ابن المنذر (2)(يسن أن يقرأ جهرا) لفعله عليه الصلاة والسلام (3)(في) الركعة (الأولى بالجمعة) بعد الفاتحة (4)(وفي) الركعة (الثانية بالمنافقين)(5) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما، رواه مسلم عن ابن عباس (6) .
(1) في صفة صلاة الجمعة، وتحريم تعددها من غير حاجة، وذكر ما يسن من الغسل والطيب والتنفل قبلها، والراتبة بعدها وغير ذلك.
(2)
وغيره، وذلك معلوم بالضرورة، كما علم عدد ركعات الصلوات الخمس لا ينكره إلا مكابر، وتقدم قول عمر: صلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، وقد خاب من افترى.
(3)
نقله الخلف عن السلف، نقلا متواترا، وصار أمرا ظاهرا، مستمرا من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا، وأجمع المسلمون عليه، والحكمة في الجهر فيها وفي العيدين كونه أبلغ في تحصيل المقصود، وأنفع للجمع بل فيه من قراءة كلام الله عليهم، وتبليغه في تلك المجامع العظام، ما هو من أعظم مقاصد الرسالة.
(4)
أي يقرأ جهرا بسورة الجمعة بعد فراغه من الفاتحة.
(5)
بعد الفاتحة، وفاقا للشافعي، ولا نزاع في قراءة الفاتحة وسورة في كل ركعة منها، وقد استفاضت السنة بذلك، وجمهور العلماء مالك والشافعي وأحمد وغيرهم يستحبون ما جاءت به السنة في هذا وغيره.
(6)
ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة
الجمعة والمنافقين، ولمسلم أيضا: في الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالغاشية، وله أيضا: بسبح والغاشية فصح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانا بالجمعة والمنافقين، وأحيانا بسبح و (هل أتاك حديث الغاشية) ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها، أو إحداهما في الركعتين فإن ذلك خلاف السنة، وعن أبي جعفر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالجمعة والمنافقين، فأما سورة الجمعة فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم وأما سورة المنافقين فيؤيس بها المنافقين ويوبخهم.
وقال شيخ الإسلام: أما القراءة فيها بسورة الجمعة فلما تضمنته من الأمر بهذه الصلاة، وإيجاب السعي إليها، وترك العمل العائق عنها، والأمر بإكثار ذكره ليحصل لهم الفلاح في الدارين، وأما القراءة بسورة المنافقين فلما فيها من التحذير للأمة من النفاق المردي والتحذير لهم أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن صلاة الجمعة وعن ذكره وأنهم إن فعلوا ذلك خسروا ولا بد، وحظا لهم على الإنفاق الذي هو من أكبر سعادتهم وتحذيرا لهم من هجوم الموت وهم على حالة يطلبون الرجعة ولا يجابون إليها، ويتمنون الإقالة، وأما سبح والغاشية فلما فيهما من التذكير بأحوال الآخرة، والوعد والوعيد، ما يناسب قراءتهما في تلك الصلاة الجامعة، وربما اجتمع العيد والجمعة فقرأ بهما فيهما، كما رواه أبو داود وغيره.
وأن يقرأ في فجرها في الأولى (الم) السجدة وفي الثانية (هل أتى)(1) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما متفق عليه من حديث أبي هريرة (2) .
(1) وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، وخالف مالك وغيره، وهم محجوجون بالأحاديث الصحيحة، الصريحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس، قال النووي ويجوز رفع السجدة ونصبها.
(2)
قال الشيخ: إنما كان عليه الصلاة والسلام يقرأ هاتين السورتين في فجر
الجمعة، لأنهما تضمنتا ما كان وما يكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر الموت، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان في قراءتها هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، قال: ولا ينبغي المداومة عليها، بحيث يظن الجهال أنها واجبة، وأن تاركها مسيء، بل ينبغي تركها أحيانا، لعدم وجوبها اهـ.
قال أحمد: لا أحب أن يداوم عليها، لئلا يظن أنها مفضلة بسجدة اهـ، وجاءت السجدة تبعا، ليست مقصودة، حتى يقصد المصلي قراءتها.
قال الشيخ: ويحرم تحري قراءة سجدة غيرها، وقال: ولا يستحب أن يقرأ بسورة فيها سجدة أخرى، باتفاق الأئمة، ولا يفرقها، أو يترك بعضها، فإن السنة إكمالها.
(وتحرم إقامتها) أي إقامة الجمعة وكذا العيد (في أكثر من موضع بالبلد)(1) لأنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يقيموها في أكثر من موضع واحد (2)(إلا لحاجة)(3) كسعة البلد (4) .
(1) لغير حاجة، قال في المبدع والشرح وغيرهما: لا نعلم فيه خلافا إلا عن عطاء ويحرم إذن إمام فيها إذا.
(2)
وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، وقال:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، المهديين من بعدي» الحديث، وفي تعطيل من حول المدينة مساجدهم، واجتماعهم في مسجد واحد أبين بيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد، ولم يحفظ عن السلف خلاف ذلك.
(3)
فيجوز بحسبها، قال شيخ الإسلام: إقامة الجمعة في المدينة الكبيرة في أكثر من موضع يجوز للحاجة، عند أكثر العلماء، لصلاة علي رضي الله عنه بضعفة الناس في المسجد.
(4)
عن أهله، فيجوز، ولما بنيت بغداد ولها جانبان أقاموا فيها جمعة
في الجانب الشرقي، وجمعة في الجانب الغربي، وجوز ذلك علماء العصر وذكر شيخ الإسلام الحجة لذلك.
وتباعد أقطاره (1) أو بعد الجامع (2) أو ضيقه (3) أو خوف فتنة (4) فيجوز التعدد بحسبها فقط (5) لأنها تفعل في الأمصار العظيمة في مواضع، من غير نكير، فكان إجماعا، ذكره في المبدع (6) .
(1) فيشق على من منزله بعيد عن محلة الجمعة المجيء إليها، وقطر الشيء ناحيته وجانبه.
(2)
عن طائفة من البلد، ولأن في الإلزام باتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين، ولا دليل على عدم جواز التعدد، وقضية الضرورة عدم اشتراطه.
(3)
أي ضيق المسجد عن أهله ممن تصح منه، وإن لم يصل، وإن لم تجب عليه فيجوز لأن في الإلزام به مع ضيقه حرجا بينا لا تأتي به شريعة.
(4)
كعداوة بين أهل البلد، يخشى لاجتماعهم في محل واحد إثارتها، قال الشيخ: تجوز إقامة جمعتين في بلد واحد لأجل الشحناء، بأن إذا حضروا كلهم وقعت بينهم الفتنة، ويجوز ذلك للضرورة إلى أن تزول الفتنة.
(5)
أي بحسب الحاجة فحسب، في جميع ما تقدم، ونحوه مما يدعو لحاجة التعدد، فإن حصل الغناء بجمعتين لم تجز الثالثة، وهلم جرا، قال الموفق وغيره: لا نعلم في ذلك خلافا إلا ما روي عن عطاء، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه أنهم فعلوا ذلك، إذ لم تدع الحاجة إليه وكذا العيد حكمه حكم الجمعة.
(6)
وذكر الطحاوي وغيره من أتباع الأئمة أنه الصحيح، قال الشيخ الإسلام
يجوز للحاجة وأما كونه صلى الله عليه وسلم لم يقمها، هو ولا أحد من أصحابه في أكثر من موضع فلعدم الحاجة إليه، ولأن الصحابة كانوا يؤثرون سماع خطبته صلى الله عليه وسلم وشهود جمعته، وإن بعدت منازلهم، لأنه المبلغ عن الله عز وجل.
(فإن فعلوا) أي صلوها في موضعين أو أكثر بلا حاجة (1)(فالصحيحة ما باشرهم الإمام (2) أو أذن فيها) .
ولو تأخرت (3) وسواء قلنا: إذنه شرط أو لا (4) إذ في تصحيح غيرها افتيات عليه، وتفويت لجمعته (5)(فإن استويا في إذن أو عدمه فالثانية باطلة)(6) .
(1) أي من نحو ما تقدم.
(2)
أي الأعظم أو نائبه.
(3)
أي عن الثانية التي لم يباشرها، أو لم يأذن فيها، وإذا كانت التي أذن فيها هي السابقة فهي الصحيحة بلا نزاع.
(4)
أي شرط في صحتها، أو قلنا: إذنه ليس شرطا، فإن ما باشرها أو أذن فيها هي الصحيحة مطلقا.
(5)
وكلاهما لا يجوز، ولو أذن ولا حاجة لم يجز كما تقدم، لأن سقوط فرض على وجه لم يرد لا يجوز، ولأنه ما خلا عصر عن نفر تفوتهم الجمعة، ولم ينقل تجميع، بل صلوا ظهرا ولم ينكر، بل ذكر ابن المنذر، لا تجميع إجماعا، والإفتيات افتعال من الفوت، وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار من مؤتمر، يقال: لا يفتات عليه، أي لا يعمل شيئا دون أمره.
(6)
ولو كانت في المسجد الأعظم، والأخرى في مكان لا يسع الناس
أو لا يقدرون عليه، لاختصاص السلطان وجنوده به، أو كانت المسبوقة في قصبة البلد، والأخرى في أقصاه، فالسابقة منهما هي الصحيحة، ومن صور التساوي ما لو باشر واحدة وأذن في الأخرى، قال شيخ الإسلام، صرح العلماء ببطلان صلاة من صلى جمعة ثانية بغير إذن الإمام، وبغير حاجة داعية، وأوجبوا عليه الإعادة وقواعد الشرع تدل عليه، وذكر ما شرعت الجماعة له وتقدم.
لأن الاستغناء حصل بالأولى، فأنيط الحكم بها (1) ، ويعتبر السبق بالإحرام (2)(وإن وقعتا معا) ولا مزية لإحداهما بطلتا (3) لأنه لا يمكن تصحيحهما ولا تصحيح إحداهما (4) فإن أمكن إعادتها جمعة فعلوا (5) وإلا صلوها ظهرا (6)(أو جهلت الأولى) منهما بطلتا (7) .
(1) أي فتعلق حكم الصحة بالأولى لكونها سابقة.
(2)
لا بالشروع في الخطبة، ولا بالسلام.
(3)
لالتباس الصحيحة بالفاسدة، وذلك بأن أحرم إماماهما بهما في آن واحد.
(4)
على الأخرى، فترجح بها، أشبه ما لو جمع بين أختين معا.
(5)
وفاقا، لأنها فرض الوقت في مصر لم تصل فيه جمعة صحيحة، فوجب تداركها، وقال في الفروع: إن وقعتا معا صلوا جمعة وفاقا، واختار جمع الصحة مطلقا.
(6)
أي وإن لا تمكن إعادتها في الوقت لفقد شرط من شروطها فإنهم يصلونها ظهرا، لأنها بدل عن الجمعة.
(7)
ولا يعيدون جمعة، بخلاف ما قبلها.
ويصلون ظهرا لاحتمال سبق إحداهما، فتصح ولا تعاد (1) وكذا لو أقيمت في المصر جمعات وجهل كيف وقعت (2) وإذا وافق العيد يوم الجمعة سقطت عن من حضره مع الإمام (3) .
(1) أي الجمعة، والفرق بينها وما قبلها أن ما قبلها لم يحتمل تصحيح إحداهما والتي هنا وما بعدها يحتمل.
(2)
لأنه لم يعلم سبق إحداهما، أو علم ثم نسي، صلوا ظهرا، ولو أمكن فعل الجمعة، للشك في إقامة جمعة مجزئة، والظهر بدل عنها إذا فاتت، وقال بعض أهل العلم: إقامتها مجزئة، والشك في كونها مجزئة مطرح فتصح.
(3)
أي سقطت الجمعة عمن حضر صلاة العيد مع الإمام في ذلك اليوم، لأنه عليه الصلاة والسلام صلى العيد، وقال: من شاء أن يجمع فليجمع، رواه أحمد من حديث زيد بن أرقم، ولأن يوم الجمعة عيد، ويوم الفطر والأضحى عيد، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان، من جنس أدخل إحداهما بالأخرى، ولأن في إيجابها على الناس تضييق وتكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم فيه من السرور والانبساط فحينئذ تسقط الجمعة سقوط حضور، لا وجود فإن صلاها بعده لم يسقط الحضور، قال شيخ الإسلام، إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:(ثالثها) وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة، ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد، وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف، وقال: هو المنقول الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه، وهو قول من بلغه من الأئمة، كأحمد وغيره، والذي خالفوهم لم يبلغهم ما في ذلك من السنن والآثار، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظهر في وقتها.
كمريض، دون الإمام (1) فإن اجتمع معه العدد المعتبر أقامها (2) وإلا صلى ظهرا (3) وكذا العيد بها، وإذا عزموا على فعلها سقط (4)(وأقل السنة) الراتبة (بعد الجمعة ركعتان)(5) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، متفق عليه من حديث ابن عمر (6) .
(1) وأما الإمام فيلزمه الحضور، للخبر السابق، وفيه من حديث أبي هريرة و «إنا مجمعون» رواه أبو داود وابن ماجه، ورواته ثقات، وكذا من لم يصل العيد مع الإمام، ومثل المريض من له عذر أو شغل يبيح ترك الجمعة، لا كمسافر وعبد، لأن الإسقاط للتخفيف، فلو حضرها وجبت عليه، وانعقدت به، وصح أن يؤم فيها، والأفضل له حضورها، خروجا من الخلاف.
(2)
لما تقدم ولعدم المانع، وعليه فيجب أن يحضر مع الإمام من تنعقد به، لأنها هنا فرض كفاية، ومن لم يصل العيد يلزمه السعي إليها، بلغوا العدد أو لا قولا واحدا.
(3)
أي وإلا يجتمع معه العدد المعتبر صلى ظهرا للعذر.
(4)
أي وكذا تسقط صلاة العيد بصلاة الجمعة عمن حضرها، سقوط حضور إذا عزموا على فعلها، قبل الزوال أو بعده، لفعل ابن الزبير لما اجتمع يوم جمعة ويوم فطر، قال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فصلى ركعتين لم يزد عليهما وبلغ ابن عباس فقال: أصاب السنة، رواه أبو داود، ولجواز ترك الجمعة اكتفاء بالعيد.
(5)
في المسجد أو في بيته، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.
(6)
وفي رواية: في بيته، وفي صحيح مسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل
بعدها أربع ركعات، وروي عن ابن عمر، لفعله صلى الله عليه وسلم واختاره الموفق وغيره، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، والجمع بين الأخبار أنه إن صلى في بيته صلى ركعتين، وفي المسجد أربعا، واختاره الشيخ وتلميذه، وقال على هذا تدل الأحاديث.
(وأكثرها ست) ركعات، لقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، رواه أبو داود (1) ، ويصليها مكانه (2) بخلاف سائر السنن ففي بيته (3) ويسن فصل بين فرض وسنة، بكلام أو انتقال من موضعه (4) .
(1) ولفظه: إذا صلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم تقدم فصلى أربعا، وقال الشيخ وغيره، أدنى الكمال ست، وقال أحمد وغيره: إن شاء صلى ركعتين وإن شاء صلى أربعا، وإن شاء ستا، فأيها فعل ذلك فحسن، والكل كان يفعله صلى الله عليه وسلم.
(2)
أي في دخول المسجد، لأنه لا يفصل بينها وبين سنتها، ويأتي أنه يفصل بينهما، وتقدم في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم يصليهما في بيته ركعتين، وأن «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» ، قال ابن القيم: وهذا هو الأفضل.
(3)
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعا، كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته.
(4)
لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن توصل صلاة بصلاة، حتى يفصل بينهما بقيام أو كلام وذلك لئلا يتخذ ذريعة إلى تغيير الفرض،
وأن يزاد فيه ما ليس منه، ويكفي الانتقال من موضعه.
قال شيخ الإسلام: والسنة أن يفصل بين الفرض والنفل،
في الجمعة وغيرها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ولا يفعل
ما يفعله كثير من الناس، يصل السلام بركعتي السنة، فإن هذا ركوب لنهيه صلى الله عليه وسلم وفي هذا من الحكمة التمييز بين الفرض وغير الفرض، كما يميز بين العبادة وغيرها.
ولا سنة لها قبلها أي راتبة (1) .
(1) يعني قبل صلاة الجمعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته ويصعد المنبر، ثم يأخذ بلال في الأذان، فإذا كمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، من غير فصل كما تقدم، وذكر الحافظ وغيره أن ما قبل دخول الوقت مطلقا نافلة لا راتبة، وأنه كان صلى الله عليه وسلم يخرج إذا زالت الشمس فيشتغل بالخطبة ثم بالصلاة، وأن ما ذكر أنه لا يصلي بعدها، إلا ركعتين في بيته أنه لا ينبغي أن يتنفل قبلها ركعتين، متصلتين بها، خشية أن يظن أنها التي فرضت.
وقال شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم وجمع: لا سنة للجمعة قبلها، وهو أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة قال الشيخ: وهو مذهب الشافعي وأكثر أصحابه، وعليه جماهير الأئمة، لأنها وإن كانت ظهرا مقصورة فتفارقها في أحكام، وكما أن ترك المسافر السنة أفضل، لكون ظهره مقصورة اهـ، وجاء في الصحيحين وغيرهما أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته، وعد رواتب الصلوات، وفيه، وصلى بعد الجمعة ركعتين في بيته، وهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر، ولما لم يذكر لها راتبة إلا بعدها علم أنه لا راتبة لها قبلها، وهذا مما انعقد سبب فعله في عهده صلى الله عليه وسلم فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة، قال أبو شامة، وما وقع من بعض الصحابة أنهم كانوا يصلون قبل الجمعة فمن باب التطوع، ولأنهم كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام، وذلك جائز وليس بمنكر، وإنما المنكر اعتقاد العامة منهم، وبعض المتفقهة أن ذلك سنة للجمعة قبلها، كما يصلون السنة قبل الظهر، وكل ذلك بمعزل عن التحقيق، والجمعة لا سنة لها قبلها كالمغرب والعشاء.
قال الشيخ: والأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام، لما في الصحيح:«ثم يصلي ما كتب له» ، وقال: بل ألفاظه صلى الله عليه وسلم فيها الترغيب في الصلاة إذا قدم الرجل المسجد يوم الجمعة، من غير توقيت، وهو المأثور عن الصحابة، كانوا إذا أتوا المسجد يوم الجمعة يصلون من حين يدخلون ما تيسر، فمنهم من يصلي عشر ركعات، ومنهم من يصلي اثنتى عشرة ركعة، ومنهم من يصلي ثماني ركعات، ومنهم من يصلي أقل من ذلك، ولهذا كان جماهير الأئمة متفقين على أنه ليس قبل الجمعة سنة موقتة بوقت، مقدرة بعدد، قال: والصلاة قبل الجمعة حسنة، وليست بسنة راتبة، إن فعل أو ترك لم ينكر عليه، وهذا أعدل الأقوال، وحينئذ فقد يكون الترك أفضل، إذا اعتقد الجهال أنها سنة راتبة؛ واختار أنه لا تكره الصلاة فيه وقت الزوال؛ لأن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي إلى أن يخرج الإمام.
قال عبد الله: رأيت أبي يصلي في المسجد إذا أذن المؤذن ركعتين (1)(ويسن أن يغتسل) لها في يومها (2) .
(1) يعني فيستدل به على استحباب الصلاة قبلها، لئلا يقال: لا نافلة لها قبلها مطلقها وقال ابن القيم في قول إسحاق بن إبراهيم: إن أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى الزوال، وإذا أخذ المؤذن في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا، قال: وقد أخذ من هذا بعض أصحابه، رواية أن للجمعة قبلها سنة، ركعتين أو أربعا، وليس هذا بصريح، بل ولا ظاهر، وإنما أتم تطوعه.
(2)
وهو كالإجماع عن الصحابة، وحكى الترمذي وغيره أنه ليس بواجب عند الصحابة ومن بعدهم، وعن أحمد وغيره أنه واجب، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر، وأوجبه الشيخ على من له عرق أو ريح، وقال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديما وحديثا على أن غسل الجمعة ليس بفرض، لقوله صلى الله عليه وسلم ومن اغتسل فالغسل أفضل، وليس بشرط إجماعا، ومن قال بوجوبه فتصح بدونه، وقوله صلى الله عليه وسلم واجب، محمول على تأكيد الاستحباب، كما يقال حقك على واجب، جمعا بين الأدلة، ويرشحه قرنه بالسواك والطيب وهما غير واجبين إجماعًا.
لخبر عائشة لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا (1) وعن جماع وعند مضي أفضل (2) .
(1) رواه البخاري وغيره، أي لكان حسنًا، وذلك أنهم كانوا ينتابون الجمعة من منازلهم، ومن العوالي، فيأتون في العباءة فيخرج منهم الريح، فقال:«لو أنكم تطهرتم» ، إلخ، ولأبي داود وغيره عن ابن عباس في بدء الغسل، كان الناس يلبسون الصوف، ويعملون والمسجد ضيق، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وقد عرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح، آذى بعضهم بعضا، فأمرهم بالغسل، والمس من الطيب، فهو آكد الأغسال المستحبة مطلقا لهذه العلة، وفي الصحيحين وغيرهما «غسل الجمعة واجب على كل محتلم» ، «ومن أتى الجمعة فليغتسل» ، وقال ابن القيم: الأمر به مؤكد جدا، ووجوبه أقوى من وجوب الوتر والبسملة، والوضوء من مس النساء والذكر، فالأحوط أن لا يخل به، ويجزئ ولو أحدث بعده، أو لم يتصل به المضي إليها، لا بعدها، فقد حكى ابن المنذر الإجماع على أن من اغتسل بعد الصلاة، لم يغتسل للجمعة، ولا فعل ما أمر به، وكان أصله قصد التنظيف، وإزالة الروائح الكريهة التي يتأذى بها الحاضرون من الملائكة والناس.
(2)
لأنه أبلغ في المقصود، وظاهره ولو أدى إلى عدم التبكير المشروع يوم الجمعة، لقوله:«من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح» ، الحديث رواه أهل السنن وعند مالك لا يجزئه إلا أن يتعقبه الرواح لها، وإذا نوى غسل الجنابة وغسل الجمعة أجزأ عنهما، كما لو أحرم بصلاة نوى بها الفرض وتحية المسجد قال:
النووي: وهو قول أكثر أهل العلم، ويؤيده قوله:«من غسل واغتسل» ، وقال الموفق وغيره: بغير خلاف علمناه، وقال الماوردي: هو قول العلماء كافة، لأن غسل الجمعة يراد للتنظيف فإذا تعقبه غسل الجنابة لم يبطله بل هو أبلغ في النظافة ويستحب للمرأة، وهو مذهب مالك والشافعي وغيرهما، للعموم، وليس بطيب، والعلة موجودة فيها، وأما من لا يأتي الجمعة فلا غسل عليه.
(وتقدم) وفيه نظر (1)(و) يسن (تنظيف وتطيب)(2) لما روى البخاري عن أبي سعيد مرفوعا: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر (3)
(1) أي في قول الماتن: وتقدم ويجاب بأنه تقدم ذكر المصنف استحباب الغسل للجمعة في كتاب الطهارة، والمراد أنه يحتاج أن يعاد فيه النظر، أو يحتاج أن ينظر فيه، لإظهار ما يلوح فيها من فساد، ولا يقال: فيه نظر، في كلام مقطوع بفساده، ولا صحته، بل فيما كان فساده محتملا، فإن قيل في كلام مقطوع بفساده، كان كناية أو محاباة، وإن قيل فيما هو مقطوع بصحته كان عنادا ومكابرة.
(2)
فتنظف بقص شارب، وتقليم ظفر، ونتف إبط ونحوه، لما رواه الطبراني وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم يقلم أظفاره، ويقص شاربه، يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة، وبقطع روائح كريهة، بسواك وغيره، وتطيب بما يقدر عليه وفاقا، ولو من طيب امرأته، وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه، لتأكد الطيب والاتفاق على سنيته، وينبغي لمن أراد الاجتماع بالناس أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ويزيل كل حال تغير فيه رائحة البدن، ويغسل الثوب إذا توسخ، لقوله:«أما يجد أحدكم ما يغسل به ثوبه» ، رواه أبو داود.
(3)
المراد به المبالغة في التنظيف، أو بأخذ الشارب والظفر والعانة، ونحو ذلك، وفي رواية له «وأن يستن» ، أي يدلك أسنانه بالسواك، لتطيبه الفم الذي هو مجرى الذكر والمناجاة، وإزالة ما يؤذي الملائكة وبني آدم.
ويدهن، ويمس من طيب امرأته (1) ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم أي خطب الإمام (2) إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى» (3)(و) أن (يلبس أحسن ثيابه)(4) لوروده في بعض الألفاظ (5) .
(1) هذا إن لم يتخذ لنفسه طيبا، وله عن سلمان «من طيب بيته» وهو مؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا، ويجعل استعماله له عادة، ويمس منه فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع، والإدهان المراد به إزالة شعث الشعر به، وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة، وحسن الرائحة ذلك اليوم.
(2)
وفي رواية «ثم ينصت إذا تكلم الإمام» .
(3)
يعني التي قبلها، ونحوه للطبراني بإسناد حسن، وقال في آخره:«إلا كان كفارة لما بينه وبين الجمعة الأخرى، وما اجتنبت المقتلة، وذلك الدهر كله» ، وأصل الحديث مستفيض عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متعددة، وذكر الحافظ وغيره أن التكفير مشروط بوجود ما ندب إليه من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب، والمشي بالسكينة، وترك التخطي، والتفرقة بين الاثنين، وترك الأذى، والتنفل، والإنصات، وترك اللغو، وغير ذلك مما أمر به ونهى عنه الشارع صلى الله عليه وسلم.
(4)
وفاقا، وقال تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} والجمعة آكد لكونها عيد الأسبوع.
(5)
ولابن ماجه عن أبي هريرة، «ولبس من صالح ثيابه» ، ولأحمد، «ولبس أحسن ثيابه» ، ولأبي داود أنه يقول على المنبر «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبي مهنته» ، ولابن ماجه:«أحسن ما زرتم الله في مساجدكم البياض» ، وفي الصحيحين قال عمر: يا رسول الله ابتع هذه، فتجمل بها للجمعة والوفد؟
وأقره على مشروعية التجمل، وقال ابن بطال وغيره: وكان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه، ولا خلاف في استحباب ذلك، وقد تواردت الأخبار بالندب لمن وجد سعة أن يتخذ الثياب الحسان، للجمع والأعياد.
وأفضلها البياض (1) ويعتم ويرتدي (2)(و) أن (يبكر إليها ماشيا)(3) لقوله صلى الله عليه وسلم ومشى ولم يركب (4) ويكون بسكينة ووقار (5) .
(1) أي أفضل ألوانها البياض، لما رواه الترمذي وغيره وصححه:«البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم» .
(2)
أي يلبس العمامة على رأسه، ويلبس الرداء يعني الملحفة يشتمل بها لعموم الآية والأخبار، وللطبراني:«إن الله وملائكته يصلون على المتعممين» .
(3)
أي يبكر إلى صلاة الجمعة أول النهار ماشيا وفاقا، قال في المبدع: ولو كان مشتغلا بالصلاة في منزله، ويأتي:«أن سبق أهل الزيارة يوم المزيد، بحسب سبقهم إلى الجمعة وتبكيرهم» .
(4)
وسيأتي وعن يزيد بن أبي مريم، قال: لحقني عبادة بن رافع وأنا أمشي إلى الجمعة، فقال: أبشر فإن خطاك هذه في سبيل الله، سمعت أبا عبس يقول: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم «من أغبرت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار» ، صححه الترمذي، وأصله في الصحيح، ولأحمد وغيره، «ثم مشي إلى الجمعة وعليه السكينة غفر له» ، الحديث، وللطبراني:«فإذا أخذ في المشي كتب له بكل خطوة عشرون حسنة» .
(5)
لما تقدم في المشي إلى الصلاة ولأحمد من حديث أبي الدرداء «ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة» ، قال الحافظ: السكينة التأني في الحركات، واجتناب العبث، والوقار الهيبة، كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، أو هما بمعنى واحد، والثاني مؤكد للأول.
بعد طلوع الفجر الثاني (1)(و) أن يدنو من الإمام (2) مستقبل القبلة (3) .
(1) وفاقا للشافعي، لحديث:«من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة» لا قبل طلوع الفجر، لأنه ليس بوقت للسعي لها، وقال الحافظ: لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه ذهب إلى الجمعة قبل طلوع الشمس، أو عند انبساطها اهـ، والساعات في لسان الشارع وأهل اللغة الجزء من أجزاء الزمان، وقال ابن رجب: في أول الساعة ثلاثة أقوال، الأول من طلوع الفجر، وهو قول أحمد والشافعي، والثاني من طلوع الشمس، وهو قول طائفة من الشافعية والمالكية ومال إليه، والثالث من الزوال، وهو قول مالك، ولأبي داود بسند صحيح، «الجمعة اثنتا عشرة ساعة» ، وذكر الساعات للحث على التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل فضيلة الصف الأول، وانتظارها بالتنفل والقراءة والذكر.
(2)
إجماعا للخبر، ولما تقدم في فضل الصف الأول، والدنو من الإمام، وغير ذلك، قال عبد الله، سارعوا إلى الجنة، فإن الله يبرز إلى أهل الجنة في كل يوم جمعة في كثيب كافور، فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم، فيحدث الله لهم من الكرامة ما لم يكونوا رأوه من قبل ذلك، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله عز وجل على قدر رواحهم إلى الجمعات، الأول والثاني والثالث» الحديث، وسنده حسن، ولأبي داود:«احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد، حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها» وللطبراني «فيؤخر عن الجنة وإنه لمن أهلها» ، وقال ابن القيم وغيره: قرب أهل الجنة يوم القيامة، وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة.
(3)
لأنه خير المجالس، للخبر، ولا يكره الاحتباء وفاقا، ويقال له القرفصاء، وهو الجلوس على أليتيه، رافعا يديه إلى صدره، مفضيا بأخمص قدميه إلى الأرض
وكان أحمد يقصدها، ويقول: لا جلسة أخشع منها، وعن يعلى بن شداد قال: شهدت مع معاوية بيت المقدس، فجمع بنا فنظرت فإذا جل من في المسجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب، رواه أبو داود وعد جماعة من الصحابة، وقال: لم يبلغن أن أحدا كرهها، إلا عبادة بن نسي، وروى هو والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة، وحسنه الترمذي، وتعقب أن في إسناده ضعيفين، وقال ابن القيم: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة، لأنه ذريعة إلى النوم اهـ، وإذا نعس فليتحول عن موضعه، لقوله:«إذا نعس أحدكم في مجلسه، فليتحول إلى غيره» ، صححه الترمذي، وإن كان الصواب وقفه، فإنهم اتفقوا عليه، حكاه النووي وغيره، وقال مالك: إن تحفظ من النعاس بوجه يراه منافيا له لم يتحول.
لقول صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل (1) وبكر وابتكر (2)
(1) أي أوجب على غيره الغسل بالجماع، واغتسل هو منه، وقيل: غسل رأسه، أو غسل أعضاءه للوضوء، أو غسل ثيابه، واغتسل للجمعة، وقيل: هما بمعنى واحد، وكرر للتأكيد، وقال القرطبي: أنسب الأقوال قول من قال: غسل زوجته.
(2)
بكر بالتشديد أي خرج في بكرة النهار إلى الجمعة، وهو أوله، أو إلى الصلاة في أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، وابتكر أي بالغ في التبكير، وفي المطلع، بكر أسرع، وابتكر سمع أوائل الخطبة، كما يبتكر الرجل الباكورة من الفاكهة.
وفي النهاية: بكر سابق، وهذا واحد فعل وافتعل، وإنما كرر للمبالغة والتأكيد، قال الشافعي، من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام، قال البيهقي: هذا موجود في الأحاديث الصحيحة، وهو أنه رغب في التبكير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام اهـ، فإن الصلاة من أفضل
العبادات وهي فيها أفضل من غيرها، لاختصاصها بمضاعفة الحسنات إلى سبعين
على سائر الأوقات، والتعجيل إلى المسجد، بدل من القربان، فإن الجمعة في الأسبوع كالعيد في العام.
وجاء في الصحيحين وغيرهما من غير وجه فضل التهجير والرواح إلى الجمعة، والمراد به التبكير، يدل عليه مجموع الروايات، وصرح به علماء اللغة، ولاعتناء السلف الصالح بها كانوا يبكرون لها، قال الشيخ: وما نقل عن أهل المدينة من أنهم لا يبكرون فليس بحجة، فقد يكون الرجل يشتغل بمصالحه، ومصالح أهله، ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه، أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار.
ومشى ولم يركب (1) ودنا من الإمام، فاستمع ولم يلغ (2) كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة عمل صيامها وقيامها» ، ورواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات (3) ويشتغل بالصلاة والذكر والقراءة (4) .
(1) أي سار إليها على قدميه، ولم يركب دابة ولا غيرها، قال النووي وغيره: اتفقوا أنه يستحب لقاصد الجمعة أن يمشي، وأن لا يركب في شيء من طريقه إلا لعذر.
(2)
دنا أي قرب من الإمام، فاستمع الخطبة، وهما شيئان مختلفان، فقد يستمع ولا يدنو، وقد يدنو ولا يستمع، فندب إليهما جميعا، «ولم يلغ» ، أي لم يتكلم، ولم يشتغل بغير ما ندب إليه.
(3)
ورواه الترمذي وحسنه، والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححاه ورواه عبد الرزاق وغيره، وفي «آخره وذلك على الله يسير» وله شواهد كثيرة.
(4)
أي إلى خروج الإمام للخطبة، لما في ذلك من تحصيل الأجر الجزيل، وكذا
بعد خروجه لمن لا يسمعه سرا، وفعله أفضل من سكوته، نص عليه وليس
له إقراء القرآن، ولا المذاكرة في الفقه، لئلا يشغل غيره عن الاستماع، ولا أن يجلس في حلقة.
قال الشارح: ويكره التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، رواه أحمد والشافعي وأبو داود والنسائي ويسجد للتلاوة حيث يسن، وإذا خرج الإمام يحرم ابتداء صلاة غير تحية المسجد للخبر، ويخفف ما ابتدأه ولو نوى أربعا صلى اثنتين ليستمع الخطبة.
(و) أن (يقرأ سورة الكهف في يومها)(1) لما روى البيهقي بإسناد حسن، عن أبي سعيد مرفوعا، «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (2) .
(1) أي ويسن أن يقرأ السورة التي يذكر فيها أصحاب الكهف، في يوم
الجمعة، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، والكهف الغار في الجبل، والقصة مشهورة.
(2)
ورواه النسائي والحاكم في صحيحه، وروي ليلة الجمعة، ولابن مردوية عن ابن عمر مرفوعا:«من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه، إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين» ، قال المنذري:«لا بأس به، وروي من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة وقي فتنة الدجال» ، وقال في الإنصاف وغيره: يستحب أن يقرأ سورة الكهف في يومها أو ليلتها، وذكر الشيخ أنها مطلقة يوم الجمعة، ونقل عن الشافعي أنها نهارا آكد، وأولاها بعد الصبح، مسارعة للخير، والحكمة في تخصيصها أن فيها ذكر أحوال يوم القيامة، ويوم الجمعة شبيه به، لما فيه من اجتماع الناس، ولأن الساعة تقوم يوم الجمعة.
(و) أن (يكثر الدعاء) رجاء أن يصادف ساعة الإجابة (1)(و) أن يكثر (الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله صلى الله عليه وسلم «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة» رواه أبو داود وغيره (2) وكذا ليلتها (3) .
(1) لحديث أبي هريرة: «إن في الجمعة ساعة، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» وأشار بيده يقللها متفق عليه.
(2)
من حديث أوس بن أوس: «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» ، قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: «إن الله حرم على الأرض لحوم الأنبياء» ، وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اكثروا علي من الصلاة في كل يوم الجمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي، في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة، كان أقربهم مني منزلة» رواه البيهقي، وروي عن أبي مسعود قال:«أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإنه ليس أحد يصلي علي يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته» ولابن عدي عن أنس نحوه، وكذا في المراسيل عن الحسن وأمر به عمر بن عبد العزيز، فدلت هذه الأحاديث وغيرها، على مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقال:«من صلى علي صلاة واحدة، صلى الله عليها بها عشرا» وفضلها مشهور، قال الشيخ: والصلاة عليه بلفظ الحديث أفضل من كل لفظ، ولا يزاد عليه، كما في الأذان والتشهد، عند الأئمة الأربعة وغيرهم.
(3)
أي وكما يسن أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، كذلك يسن أن يكثر منها في ليلتها، لحديث:«أكثروا علي من الصلاة في ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» ، رواه البيهقي بإسناد جيد.
(ولا يتخطى رقاب الناس)(1) لما روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر رأى رجلا يتخطى رقاب الناس، فقال له «اجلس فقد آذيت» (2) .
(إلا أن يكون) المتخطي (إماما) فلا يكره للحاجة (3) وألحق به في الغنية المؤذن (4) .
(1) وهو مذهب الشافعي وغيره، قال ابن المنذر: لا يجوز شيء من ذلك لأن الأذى يحرم قليله وكثيره، وهذا أذى، وقال: لا أعلم خلافا بين العلماء أن من بكر وانتظر الصلاة، وإن لم يصل في الصف الأول، أفضل ممن تأخر ثم تخطى إلى الصف الأول.
(2)
وله من حديث أبي الدرداء: «ولم يتخط أحدا ولم يؤذه» ، ومن حديث أبي أيوب، «ولم يؤذ أحدا» وفي الصحيح:«ولم يفرق بين اثنين» قال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم، كرهوا أن يتخطى الرجال رقاب الناس يوم الجمعة، وشددوا في ذلك، واختار النووي وأبو المعالي والشيخ وغيرهم تحريمه، وقال ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس، ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة لايوم الجمعة ولا غيره، لأنه من الظلم، والتعدي لحدود الله وظاهر عبارتهم يحرم، ولو في غير صلاة الجمعة، كما صرح به الشيخ، والتفريق متناول القعود بينهما، وإخراج أحدهما والقعود مكانه، وقد يطلق على مجرد التخطي، وفيه زيادة رفع رجليه على رءوسهما.
(3)
بلا نزاع لأنه عليه الصلاة والسلام تخلص حتى وقف في الصف، إلا أن يجد طريقا فليس له التخطي.
(4)
بين يديه، فلا يكره للحاجة، وكذا من كان بصدد أن يحتاج الإمام إلى استخلافه، وتقدم أن الغنية لعبد القادر الجيلاني رحمه الله.
(أو) يكون المتخطي (إلى فرجة) لا يصل إليها إلا به (1) فيتخطى، لأنهم أسقطوا حق أنفسهم بتأخرهم (2)(وحرم أن يقيم غيره)(3) ولو عبده أو ولده الكبير (4)(فيجلس مكانه (5)) لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، متفق عليه (6) .
(1) أي بالتخطي إلى أن يصل إليها، فلا يكره، ولا يكون ذلك معدودا من
الأذى.
(2)
أي عنها، فجاز له أن يتخطاهم قال الحسن: ولأنهم خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ورغبوا عن الفضيلة، وذلك مثل الذين يصفون في آخر المسجد، ويتركون بين أيديهم صفوفا خالية، فلا حرمة لهم، وتخطيهم مما لا بد منه، وإن جلسوا في مكانهم، لامتلاء ما بين أيديهم، ولم يفرطوا إلا أنه لم تمكنهم الصلاة إلا بتخطيهم جاز، لأنه موضع حاجة.
(3)
فيجلس مكانه وفاقا، وله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه.
(4)
لأنه ليس بمال، وإنما هو حق ديني، فاستوى فيه السيد وعبده، والوالد وولده، ولو كانت عادته الصلاة فيه كمعلم للأخبار، قال أحمد فيمن يتأخر عن الصف الأول لأجل أبيه: لا يعجبني هو يقدر بر أبيه بغير هذا وفي رواية جماعة: لا طاعة للوالدين في ترك مستحب، وظاهره استثناء الصغير كما يأتي.
(5)
قال المنقح وغيره: وقواعد المذهب تقتضي عدم الصحة، لأنه في معنى الغاصب.
(6)
ولمسلم وغيره: «لا يقيمن أحدكم أخاه ثم يخالفه إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن» يقول: «تفسحوا» ولهما «من سبق إلى مكان فهو أحق به» ، فمن سبق إلى
موضع مباح، سواء كان مسجدا أو غيره، في جمعة أو غيرها، لصلاة أو غيرها من الطاعات فهو أحق به، ويحرم على غيره إقامته منه، والقعود فيه.
ولكن يقول: افسحوا، قاله في التلخيص (1)(إلا) الصغير (2) و (من قدم صاحبا له، فجلس في موضع يحفظ له)(3) وكذا لو جلس لحفظه بدون إذنه (4) قال في الشرح: لأن النائب يقوم باختياره (5) لكن إن جلس في مكان الإمام (6) أو طريق المارة (7) أو استقبل المصلين في مكان ضيق أقيم، قاله أبو المعالي (8) .
(1) للفخر ابن تيمية، ولفظ أحمد ومسلم، «ولكن ليقل افسحوا» وفي الصحيحين «ولكن تفسحوا وتوسعوا» .
(2)
حرا كان أو عبدا، أي فلا تحرم إقامته من الصف، لأن صلاته نفل وتقدم.
(3)
فإن المحفوظ له المكان، يقيم الحافظ، ويجلس فيه، لأنه كنائبه في حفظه له، ونقل عن ابن سيرين أنه يرسل غلاما له يوم الجمعة، فيجلس مكانه، فإذا جاء قام الغلام فجلس محمد فيه.
(4)
جاز جلوسه فيه، لقيامه باختياره عنه أشبه النائب.
(5)
أي فلم يكره جلوسه فيه.
(6)
أقيم لتعين مكانه، وألحق به المؤذن كالتخطي.
(7)
يعني أو جلس في طريق المارة، جاء به للمبالغة، ومر يمر مرورا جاز والممر مكان المرور فإذا جلس به أقيم.
(8)
لئلا يشغل المصلين، وأبو المعالي اسمه أسعد، وهو ابن منجا، تقدم.
وكره إيثار غيره بمكانه الفاضل (1) لا قبوله (2) وليس لغير المؤثر سبقه (3)(وحرم رفع مصلى مفروش) لأنه كالنائب عنه (4) .
(1) ويتحول إلى ما دونه، كالصف الأول ونحوه، وكيمين الإمام، لما في ذلك من الرغبة عن المكان الأفضل، وظاهره، ولو آثر به والده ونحوه، قال في تصحيح الفروع، يكره مطلقا جزم به في الوجيز لقوله:«لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله» ، فالإيثار بالقرب مكروه، هذا المذهب ويحتمل أن لا يكره، إذا كان الذي آثره من أهل الفضل، لأن تقديمهم مشروع، وقال ابن القيم: قولهم لا يجوز الإيثار بالقرب، لا يصح، وقد طلب أبو بكر من المغيرة أن يبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفد ثقيف، ففيه جوار طلب الإيثار بالقرب، وجواز الإيثار، وقد آثرت عائشة عمر بدفنه في بيتها، جواز النبي صلى الله عليه وسلم وسألها عمر، ولم تكره له السؤال، ولا لها البذل، فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره بمقامه في الصف الأول لم يكره له السؤال، ولا لذلك البذل.
(2)
أي لا يكره للمؤثر بفتح الثاء قبول المكان الأفضل، ولا رده.
(3)
أي ليس لغير المؤثر بفتح الثاء، سبق المؤثر بفتحها أيضا، إلى المكان الذي أوثر به، لأنه قام مقام من آثره في استحقاق مكانه، أشبه ما لو تحجز مواتا، ثم آثر به غيره، بخلاف ما لو وسع في طريق لشخص، فمر غيره فيه.
(4)
ولما فيه من الافتيات على صاحبه، والتصرف في ملكه بغير إذنه، أو الإفضاء إلى الخصومة وعنه: لا يحرم، لأنه لا حرمة له بنفسه، والفضيلة بالسبق بالبدن، بل ليس له فرشه، وجزم به في الوجيز وغيره، وقال الشيخ: وهل له أن يرفع
ذلك؟ فيه قولان: الثاني وهو الصحيح، أن لغيره رفعه، والصلاة مكانه لأن هذا السابق يستحق الصلاة في ذلك الصف المقدم، وهو مأمور بذلك أيضا،
وهو لا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق، إلا برفع ذلك المفروش
وما لا يتم المأمور إلا به فهي مأمور به، وأيضا وضعه هناك على وجه الغصب، وذلك منهي عنه، وقال: يجب رفع تلك السجاجيد ويمكن الناس من مكانها، مع أن أصل الفرش بدعة، ولو عوقبوا بالصدقة بها لكان مما يسوغ فيه الاجتهاد، وقال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون على سجادة اهـ.
والمصلى أي السجادة أو نحوها يصلي عليها أو يضعها مكانه، كلمة عامية، والمفروش يعني المبسوط، وشبهه بالنائب لبقائه في مقامه.
(ما لم تحضر الصلاة) فيرفعه (1) لأنه لا حرمة له بنفسه (2) ولا يصلي عليه (3) .
(1) أي ما لم يحضر ربه فلغيره رفعه والصلاة مكانه.
(2)
وإنما الحرمة لربه الذي كان سبق إلى المكان، ولم يحضر.
(3)
جزم جماعة بتحريمه، قال في الفروع: ولو صلى على أرضه ومصلاه بلا غصب صح، في الأصح، ورجح شيخ الإسلام وغيره أن له رفعه، والصلاة مكانه كما تقدم.
وقال: وما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش ونحوها إلى المسجد يوم الجمعة قبل صلاتهم، فهذا منهي عنه، باتفاق المسلمين، بل محرم، وهل تصح صلاته على ذلك المفروش؟ فيه قولان للعلماء، لأنه غصب بقعة في المسجد، بفرش ذلك المفروش فيها، ومنع غيره من المصلين، الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان، والمأمور به أن يسبق الرجل بنفسه إلى المسجد، فإذا قدم المفروش ونحوه، وتأخر هو فقد خالف الشريعة من وجهين: من جهة تأخره، وهو مأمور بالتقدم، ومن جهة غصبه لطائفة من المسجد، ومنعه السابقين له، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ثم إنه إذا حضر يتخطى رقاب الناس.
تتمة
قال: وما عليه أكثر أهل الوسواس من توقي الأرض وتنجيسها، باطل بالنص، وإن كان بعضه فيه نزاع، وبعضه باطل بالإجماع، أو غيره من الأدلة الشرعية، وقال: ولا نزاع بين أهل العلم في جواز الصلاة والسجود على المفارش، إذا كانت من جنس الأرض، كالخمرة والحصير ونحوهما، وإنما تنازعوا في كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض، كالإنطاع المبسوطة، والبسط والزرابي، وأكثرهم يرخص في ذلك، وهو مذهب أهل الحديث، وكذا قال ابن بطال وغيره: إنه لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة، والخطابي وغيره في جواز استعمال الثياب اتقاء حر الأرض وبردها، وجاء الخبر بصلاته صلى الله عليه وسلم على الخمرة والحصير، وهو قدر طول الرجل، والخمرة دون ذلك فهي مصلى صغير، يعمل من سعف النخل، سميت بذلك لسترها الوجه والكفين، من حر الأرض وبردها.
(ومن قام من موضع لعارض لحقه، ثم عاد إليه قريبا، فهو أحق به)(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام من مجلسه ثم رجع إليه قريبا فهو أحق به» رواه مسلم (2) .
(1) ومفهومه أنه إذا كان قيامه لغير عذر سقط حقه، وصرح به الأصحاب، إلا أن يخلف مصلى أو وطاء ففيه وجهان، وإن قعد فيه غيره فله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه.
(2)
وسبق فيهما من: «سبق إلى مكان فهو أحق به» ، وللترمذي وصححه:«الرجل أحق بمجلسه، وإن خرج لحاجة ثم عاد فهو أحق بمجلسه» ، وحكمه في التخطي إلى موضعه إذا قام لحاجة، حكم من رأى بين يديه فرجة.
ولم يقيده الأكثر بالعود قريبا (1)(ومن دخل) المسجد (والإمام يخطب لم يجلس) ولو كان وقت نهي (حتى يصلي ركعتين (2) يوجز فيهما) (3) لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، وقد خرج الإمام، فليصل ركعتين» متفق عليه (4) زاد مسلم «وليتجوز فيهما» (5) فإن جلس قام فأتى بهما، ما لم يطل الفصل (6) .
(1) وفي الإنصاف: أنه مراد من أطلق، وقيده في الوجيز بما إذا عاد، ولم يتشاغل بغيره، والمراد والله أعلم ما لم تطل مفارقته له بحيث يعد راغبا عنه.
(2)
إجماعا وتقدم ولا تجوز الزيادة عليهما، ولا تحصل بأقل من ركعتين ولا بصلاة جنازة ولو هنا إشارة إلى خلاف من قال يعتبر وقت النهي حال قيام الشمس يوم الجمعة، وتقدم.
(3)
أي يستحب أن يخففهما ويسرع فيهما، وهو مذهب الشافعي، وجمهور أهل الحديث.
(4)
في أحاديث متواترة، وكلها صريحة في الدلالة على استحباب صلاة ركعتين وكراهة الجلوس قبل أن يصليهما وقال غير واحد من السلف، منهم عمر رضي الله عنه: خروج الإمام يمنع الصلاة، فينقطع التطوع بجلوس الإمام على المنبر وفاقا، فلا يصلي أحد غير الداخل تحية المسجد، لأنه يشتغل بها عن سماع الخطبة، وخطبته تمنع الكلام، وفي الحاوي للشافعية، يحرم ابتداء نافلة والإمام يخطب إجماعا.
(5)
ليسمع بعدهما الخطبة، وأوجز وتجوز بمعنى أسرع.
(6)
أي بين جلوسه وقيامه لهما، لقوله عليه الصلاة والسلام:«قم فاركع ركعتين» متفق عليه، فإن طال الفصل لم يشرع له قضاؤهما، لفوات محلهما.