المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الجمعة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب صلاة الجمعة

‌باب صلاة الجمعة

(1)

سميت بذلك لجمعها الخلق الكثير (2) .

(1) بتثليث الميم، والأفصح الضم، وهو الأصل، وأتبعها السفر لمناسبة تنصيف صلاة كل منهما قال الشيخ: فعلت بمكة على صفة الجواز، وفرضت بالمدينة، وهي واجبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى:{فَاسْعَوْا} والمراد بالسعي هنا الذهاب إليها، وقال عليه الصلاة والسلام،:«رواح الجمعة واجب على كل محتلم» ، «وقال لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات» ، وقال:«هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له» ، وحكى إجماع المسلمين على أنها فرض عين جماعة من أهل العلم، وقال العراقي: مذاهب الأئمة متفقة على أنها فرض عين، لكن بشروط يشترطها أهل كل مذهب اهـ بل صلاة الجمعة من أوكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين، وهو أعظم من كل مجمعون يجتمعه فيه، سوى مجمع عرفة وأفرضه، وخص بأكثر من أربعين خاصة لا توجد في غيره، من الاجتماع والعدد، والاستيطان، والجهر بالقراءة، وغير ذلك.

(2)

أو من اجتماع الناس لها، أو لأن آدم جمع خلقه، فيها، قال الحافظ: هو أصحها، ويليه ما قبله اهـ أو لأنه جمع مع حواء فيها، أو لأنه اليوم الذي اجتمعت فيه المخلوقات، أو لما جمع فيه من الخير، وقيل غير ذلك، مشتقة من الجمع، وكونها من الاجتماع أضيف إليها اليوم والصلاة، ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف، وفي المسند مرفوعا، لأي شيء سمي يوم الجمعة؟ قال «لأن فيه طبعت طينة أبيك آدم» ، قيل: أول من سماه يوم الجمعة كعب بن لؤي وجمع الجمعة جمعات، وجمع، واسمه القديم يوم العروبة، لأن العرب كانت تعظمه.

ص: 418

ويومها أفضل أيام الأسبوع (1) .

(1) ففي الصحيحين وغيرهما من حديث أوس «من أفضل أيامكم يوم الجمعة» ولمسلم والترمذي وصححه «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة» ، وفي صحيح الحاكم:«سيد الأيام يوم الجمعة» ، ولابن ماجه «يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله» ، وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر، وذكر فيه خمس خصال، وهي يوم عيد يتكرر في الأسبوع، وخصت به هذه الأمة، كما في الصحيحين وغيرهما «ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم القيامة، هدانا الله له، وضل الناس عنه» ، وفيها «نحن الآخرون الأولون السابقون يوم الجمعة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا لله له، والناس لنا فيه تبع» .

ولمسلم: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة» ، الذي فيه أنشئت الخلائق وتم وجودها، وشرع اجتماعهم فيه تنبيها على عظم ما أنعم الله به عليهم واحتيج فيه إلى الخطبة تذكيرا بالنعمة، وحثا على استدامتها بإقامة ما يعود بآلاء الشكر، ولما كان مدار التعظيم هو الصلاة، جعلت وسط النهار، ليتم الاجتماع، وفي مسجد واحد، ليكون أدعى إلى الاجتماع، ونوه به تعالى فقال:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} والخطبة والصلاة مشتملتان على ذكر الله، وقد شرفه الله تعالى، وخصصه بعبادات يختص بها عن غيره، وهو اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة، ويتخلى فيه عن أشغال الدنيا، فهو مع غيره في الأيام، كرمضان في الشهور، وله على سائر الأيام مزية كما لرمضان، وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان ولهذا من صحت له جمعته وسلمت له، صح وسلم له سائر أسبوعه، فهو ميزان الأسبوع، وعيد الأسبوع ويوم اجتماع الناس، وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد.

ص: 419

وصلاة الجمعة مستقلة (1) وأفضل من الظهر (2) وفرض الوقت، فلو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء الوقت لم تصح (3) وتؤخر فائتة لخوف فوتها (4) والظهر بدل عنها إذا فاتت (5)(تلزم) الجمعة (كل ذكر) ذكره ابن المنذر إجماعا (6) لأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال (7) .

(1) أي ليست بدلا عن الظهر، قال عمر: صلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ولعدم انعقادها بنية الظهر ممن لا تجب عليه، ولجوازها قبل الزوال، وعدم جواز زيادتها على ركعتين ولأنها لا تجمع مع العصر في محل يبيح الجمع.

(2)

بلا نزاع، والمراد غير يومها، أو يومها لكن ممن لا تجب عليه، وآكد منه، لأنه ورد فيها من التهديد ما لم يرد فيه، ولأن لها شروطًا وخصائص ليست له.

(3)

لأنهم صلوا ما لم يخاطبوا به، وتركوا ما خوطبوا به، كما لو صلوا العصر مكان الظهر، وتلزمهم الجمعة، ولا يعارض فرض الظهر ليلة الإسراء تأخر فرض الجمعة بعده، فإنه إذا فاتت وجب الظهر إجماعًا.

(4)

أي الجمعة، لأنه لا يمكن تداركها، بخلاف غيرها من الصلوات، والمراد أن لا يدرك منها ما تفوت به الجمعة، لا ما يشمل فوت الركعة الأولى.

(5)

إجماعا لأنها لا تقضى وزاد بعضهم، رخصة في حق من فاتته.

(6)

وقال الموفق: أجمع المسلمون على وجوب الجمعة، وقال ابن العربي: فرض بإجماع الأمة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} واستفاض الأمر بها، والوعيد على التخلف عنها، ويكفر جاحدها لثبوتها بالدليل القطعي.

(7)

ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن المرأة لا جمعة عليها وتعليله فيه

نظر لأنه لا يلزم من حضورها الجمعة الحضور مع الرجال، فيما يختص بهم في مجامعهم، بل إنما تكون من ورائهم، وكن يصلين خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده خلف الرجال.

وفي العيد أُمرنّ أن يشهدن الخير ودعوة المسلمين وأيضا اختلاط النساء بالرجال إذا لم يكن خلوة ليس بحرام.

ص: 420

(حر) لأن العبد محبوس على سيده (1)(مكلف مسلم) لأن الإسلام والعقل شرطان للتكليف، وصحة العبادة (2) فلا تجب على مجنون ولا صبي (3) لما روى طارق بن شهاب مرفوعًا «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة (4) عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض، رواه أبو داود (5) » .

(1) أشبه المحبوس بالدين، قال ابن المنذر: وهو قول أكثر العلماء، وعنه تجب على العبد، وعليه أكثر أهل العلم، واختاره المجد وغيره، وقال: هو كالإجماع

للخبر.

(2)

فالكافر والمرتد لا تجب عليهما بمعنى أنهما لا يقضيانها وتقدم أنهما مخاطبان بفروع الشريعة والمكلف الملزم بما فيه مشقة وشرعا المخاطب بأمر أو نهي.

(3)

إجماعًا، لنقصان أبدانهما، فلا تلزمهما فروض الأبدان.

(4)

بالنصب وما بعده بدل منه، وإن رفع فخبره محذوف، أو على تأويل لا يترك الجمعة مسلم بلا جماعة إلا أربعة أو أن (إلا) بمعنى (لكن) و (أربعة) مبتدأ، وقيل غير ذلك، وطارق رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، وهو طارق ابن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي، وتوفي سنة ثلاث وثمانين.

(5)

قال في المبدع: وإسناده ثقات، وقال الحافظ صححه غير واحد.

وقال: وهو مرسل صحابي، وهو مقبول على الراجح، وقال العراقي: حجة عند الجمهور، وادعى بعض الحنفية الإجماع على أن مرسل الصحابي حجة، وسمي مرسلاً لصغر طارق، ويؤيده حديث حفصة، «رواح الجمعة واجب على كل محتلم» ، ويؤيده أيضًا حديث جابر، وتميم الداري، وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم، وحديث جابر عند الدارقطني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، إلا مريضًا أو مسافرًا أو صبيًا أومملوكًا» و (عبد) وما عطف عليه يحتمل أن يكون منصوبًا على البدل، كما تقدم سقطت منه الألف على طريقة المتقدمين في عدم رسم الألف، اكتفاء في مثله بالشكل، ويحتمل أن يكون مرفوعًا على القطع، أي هم عبد، وتقدم أن المرض المسقط هو الذي يلحق صاحبه مشقة ظاهرة، غير محتملة، ويلحق بالمريض من به إسهال كثير، لأنه لا يؤمن تلويثه المسجد.

ص: 421

(مستوطن ببناءٍ) معتاد (1) ولو كان فراسخ (2) من حجر أو قصب ونحوه (3) .

(1) فأخرج من بخيام ونحوه، والبناء في الأصل مصدر بنا، وهو هنا مصدر مطلق على المفعول، أي بمبني واعتاد الشيء جعله من عادته، وكذا قرية خرابا، عزموا على إصلاحها والإقامة بها، كما يأتي، أو قريبًا من الصحراء، وكذا إقامتها بمكان من الصحراء قريب من البلد، لأن المسجد ليس شرطا فيها.

(2)

أي ولو كان البناء الذي تقام فيه الجمعة فراسخ، ولو لم يسمع النداء، فإن المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بريد في بريد، وكانت محالاً متفرقة، لكل بطن من الأنصار محلة، ولم تكن مسورة، والمحلة فيها المساكن، وحولها النخل والمقابر، ليست صغيرة، ولا أبنيتها متصلة.

(3)

كسعف وإذخر، وثمام ونحو ذلك، وفي الصحيح: أول جمعة جمعت بعد

الجمعة بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجواثي قرية بالبحرين، وبيوتهم من جريد النخل ونحوه، وأقر عمر أهل المنازل التي بين مكة والمدينة على التجميع، ومعلوم أنها لم تكن بمدر وإنما هي من جريد أو سعف، والقصب الإباءة، وهو كل نبات يكون ساقه أنابيب.

ص: 422

لا يرتحل عنه شتاءً ولا صيفًا (1)(اسمه) أي البناء (واحد ولو تفرق) البناء حيث شمله اسم واحد، كما تقدم (2)(ليس بينه وبين المسجد) إذا كان خارجًا عن المصر (أكثر من فرسخ) تقريبًا (3) .

(1) قال شيخ الإسلام: كل قوم مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاء ولا صيفا، تقام فيه الجمعة، إذا كان مبنيا بما جرت به عادتهم، من مدر أو خشب أو قصب أو جريد أو سعف أو غير ذلك، فإن أجزاء البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك، إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين ليسوا كأهل الخيام والحلل، الذين ينتجعون في الغالب مواقع القطر، وينتقلون في البقاع، وينقلون بيوهعم معهم إذا انتقلوا وهذا مذهب جمهور العلماء، والإمام أحمد علل سقوطها عن البادية لأنهم ينتقلون.

(2)

في قوله: اسمه واحد والمراد التفريق اليسير، فإذا كان قرية ينقص العدد فيها، بقرب قرية، بفرسخ فأقل يجمع فيها، لزمت الجمعة القرية الناقص عددهم بغيرهم، بخلاف الكثير غير المعتاد فلا، وكانت المدينة محالا، وتسمى المحلة دارًا وقرية، والمحلة القرية الصغيرة فيها المساكن، وحولها النخل والبساتين وذلك كله مدينة واحدة وهي بريد في بريد وشملها اسم واحد، ولم يجمع فيها في غير المسجد الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم و (شملهم الأمر) عمهم من باب تعب وفي لغة من باب قعد، والأول الأشهر عند أهل اللغة.

(3)

لا تحديدا فلا يضر نقص يسير، لأنه من أهل الجمعة يسمع النداء كأهل المصر، لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«من سمع النداء فلم يجب، فلا صلاة له إلا من عذر» ، رواه أبو داود وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم، ولأبي داود «الجمعة على من سمع النداء» ، ولأن من سمعه داخل في عموم الآية، والعبرة بسماعه من المنارة، بين يدي الإمام، نص عليه، ولما كان سماع النداء غير ممكن دائما اعتبر بمظنته، والموضع الذي يسمع فيه غالبا فرسخ، قال شيخ الإسلام: تجب الجمعة على من حول المصر، عند أكثر العلماء، وهو يقدر بسماع النداء بفرسخ.

ص: 423

فتلزمه بغيره (1) كمن بخيام ونحوها (2) ولا تنعقد به (3) ولم يجز أن يؤم فيها (4) .

(1) أي إذا حضرها وجبت عليه، وأما السعي لها فلا يلزمه.

(2)

كبيوت الشعر والخراكي، قال في الفروع: وفاقًا، لأن العرب كانوا حول المدينة، وكانوا لا يصلون جمعة، ولا أمرهم بها، ولأنهم على هيئة المستوفزين، وكذا مسافر أقام ما يمنع القصر ولم يستوطن، والخيام جمع خيمة، وهي بيت تبنيه العرب من عيدان الشجر، قال ابن الأعرابي: لا تكون الخيمة عند العرب من ثياب، بل من أربعة أعواد، وتسقف بالثمام، وخيمت بالمكان أقمت فيه، واختار شيخ الإسلام وجوبها على المستوطنين بعمد أو خيام، واشترط أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية، وقدمه الآزجي، قال في الفروع، وهو متجه خلافًا للجميع وتقدم أن الأصل أن يكونوا مستوطنين، وأنه لا تأثير في مادة البناء.

(3)

حيث لم يكن من أهل وجوبها، قال الموفق: وإن قلنا تجب عليه، قال شيخ الإسلام: ولا دليل على أنها تجب على من لا تنعقد به، بل من وجبت عليه انعقدت به.

(4)

هذا المذهب جزم به الموفق وغيره، وعنه: يجوز وهو مذهب جمهور

العلماء، أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم، لصحتها منه، وتقدم أن من صحت صلاته صحت إمامته.

ص: 424

وأما من كان في البلد فيجب عليه السعي إليها، قرب أو بعد، سمع النداء أو لم يسمعه، لأن البلد كالشيء الواحد (1)(ولا تجب) الجمعة (على مسافر سفر قصر) لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون في الحج وغيره، فلم يصل أحد منهم الجمعة فيه، مع اجتماع الخلق الكثير (2) وكما لا تلزمه بنفسه لا تلزمه بغيره (3) فإن كان عاصيًا بسفره (4) أو كان سفره فوق فرسخ، ودون المسافة (5) .

(1) فلا فرق بين القريب والبعيد، ولأن المصر لا يكاد يكون أكثر من فرسخ، فهو في مظنة القرب، فاعتبر ذلك، وإن كان خارج البلد، وسمع النداء، وجبت عليه، وهو مذهب الشافعي وإسحاق وغيرهما، لقوله «الجمعة على من سمع النداء» رواه أبو داود وغيره، وله شاهد، ولقوله:«من سمع النداء ولم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» .

(2)

وهذا لا نزاع فيه، فقد علم من حالهم بالضرورة.

(3)

وقال الشيخ: يحتمل أن تلزمه تبعًا للمقيمين، قال في الفروع: وهو متجه وذكر بعضهم وجهًا، وحكى رواية، تلزمه بحضورها في وقتها، خلافًا للأئمة الثلاثة، ما لم ينضر بالانتظار، وتنعقد به، خلاف لأبي حنيفة ورواية عن مالك، ويؤم فيها كمن سقطت عنه تخفيفًا، لعذر مرض وخوف ونحوهما وفاقًا.

(4)

يعني لزمته بغيره، وتقدم جواز القصر في حقهم لكن فوق بريد.

(5)

يعني لزمته، هذا المذهب وتقدم أن هذا الفرق لا أصل له في كتاب ولا سنة، فيعطي حكم المسافرين ما زال منهم.

ص: 425

أو أقام ما يمنع القصر (1) أو لم ينو استيطانًا لزمته بغيره (2)(ولا) تجب الجمعة على (عبد) ومبغض (3) وامرأة لما تقدم (4) ولا خنثى، لأنه لا يعلم كونه رجلاً (5) .

(1) كتاجر أقام لبيع متاعه، أو أقام لطلب علم، ونوى إقامة فوق أربعة أيام.

(2)

ولا تنعقد به فلا يحسب من العدد، ولم يجز أن يؤم فيها، وعنه، لا تلزمه جزم به في التلخيص وغيره، لأنه لم ينو الإقامة في هذا البلد على الدوام، قال شيخ الإسلام في تقسيمهم المقيم إلى مستوطن تجب عليه الجمعة وتنعقد به، وغير مستوطن تجب عليه ولا تنعقد به: هذا لا دليل عليه من جهة الشرع، أما المستوطن وهو المقيم، الذي هو المقابل للمسافر، فهو الذي تنعقد به الجمعة، وتجب عليه بلا نزاع، وأما المقيم غير المستوطن، فلا تجب عليه وإيجابها عليه مخالف للشرع، والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة ليس هو أمرًا معلومًا لا بشرع ولا لغة ولا عرف، وتقدم ذكر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدون إتمام.

(3)

ومكاتب ومدبر ومعلق عتقه بصفة قبل وجودها، لأنه عبد، وهي أفضل في حقهم من الظهر، للاختلاف في وجوبها عليهم، وعند كثير من أهل العلم تجب على العبد، لعموم الأمر بها.

(4)

يعني في خبر أبي داود، أي فلا تجب على المرأة، قال ابن المنذر وغيره: أجمعوا أن لا جمعة على النساء، وأجمعوا أنهن إذا حضرن، فصلين الجمعة، أن ذلك يجزئ عنهن، وتقدم ذكر من يباح حضوره منهن.

(5)

يعني الخنثى المشكل، لأنه لم تتحقق ذكوريته، لكن يستحب له حضورها احتياطا.

ص: 426

(ومن حضرها منهم أجزأته) لأن إسقاطها عنهم تخفيف (1)(ولم تنعقد به) لأنه ليس من أهل الوجوب، وإنما صحت منه تبعا (2)(ولم يصح أن يؤم فيها) لئلا يصير التابع متبوعًا (3)(ومن سقطت عنه لعذر) كمرض وخوف (4) إذا حضرها (وجبت عليه وانعقدت به) وجاز أن يؤم فيها (5) .

(1) أي إسقاطها عن مسافر وعبد ومبعض وامرأة وخنثى تخفيف من الشارع، فإذا حضرها أحدهم أجزأته، وصحت جمعته إجماعًا، حكاه ابن المنذر وغيره، كالمريض إذا تكلف المشقة، ولنقل الخلف عن السلف، وإن قيل: إذا كان فرضهم الظهر أربعًا فكيف سقط بركعتي الجمعة؟ وجوابه، أنها وإن كانت ركعتين فهي أكمل من الظهر بلا شك، ولهذا وجبت على أهل الكمال، وإنما سقطت عن المعذور تخفيفا فإذا تكلفها فقد أحسن فأجزأه.

(2)

أما المرأة والخنثى فبلا خلاف، وأما العبد والمسافر فمن صحت منه انعقدت به، اختاره الشيخ وغيره.

(3)

أما إمامة المرأة والخنثى فلا نزاع فيه، وأما المسافر والعبد فيجوز وفاقا، إلا مالكا في العبد، وجمهور العلماء على خلافه، ونقل أبو حامد إجماع المسلمين على صحتها خلف المسافر.

(4)

يعني على نفسه أو ماله أو أهله ونحوه، ومن له شغل يبيح ترك الجماعة، قال ابن عباس: الجمعة كالجماعة، فكل عذر سقطت به الجماعة سقطت به الجمعة.

(5)

أي في الجمعة وفاقًا، وكل ما كان شرطا، لوجوبها فهو شرط لانعقادها.

ص: 427

لأن سقوطها لمشقة السعي وقد زالت (1)(ومن صلى الظهر) وهو (ممن) يجب (عليه حضور الجمعة (2) قبل صلاة الإمام) أي قبل أن تقام الجمعة (3) أو مع الشك فيه (لم تصح) ظهره (4) لأنه صلى ما لم يخاطب به، وترك ما خوطب به (5) وإذا ظن أنه يدرك الجمعة سعى إليها، لأنها فرضه (6) .

(1) يعني المشقة، فإذا تكلفها وحضرها تعينت عليه، كمريض بالمسجد ويحرم انصرافه إن دخل الوقت إلا أن يزيد ضرره بانتظاره لفعلها فيجوز ولا يلزمه العود مع بقاء العذر.

(2)

يعني بنفسه أو بغيره.

(3)

لم تصح ظهره وفاقا لمالك والشافعي وإسحاق وداود وغيرهم، ومرادهم والله أعلم بقاء ما تدرك به الجمعة لو ذهب وحضر معهم، ليس مرادهم قبل ابتدائها، ولا قبل الفراغ بالكلية، وعبارة الإقناع، ومن صلى الظهر ممن عليه حضور الجمعة قبل صلاة الإمام أو قبل فراغها لم يصح، قال الشارح: أي قبل فراغ ما تدرك به.

(4)

يعني مع الشك في تجميع الإمام، هل صلى الظهر قبله أو بعده.

(5)

فلم تصح كما لو صلى العصر مكان الظهر، وكشكه في دخول الوقت، لأنها فرض الوقت فيعيدها ظهرا إذا تعذرت الجمعة.

(6)

ولا نزاع في أنه مخاطب بالجمعة، فسقطت عنه الظهر، ولا خلاف في أنه يأثم بترك الجمعة، وترك السعي إليها، وإن صلى الظهر، ولا يأثم بترك الظهر، وفعل الجمعة إجماعا.

ص: 428

وإلا انتظر حتى يتيقن أنهم صلوا الجمعة، فيصلي الظهر (1) ، و (تصح) الظهر (ممن لا تجب عليه) الجمعة لمرض ونحوه (2) ولو زال عذره قبل تجميع الإمام (3) إلا الصبي إذا بلغ (4)(والأفضل) تأخير الظهر (حتى يصلي الإمام) الجمعة (5) .

(1) لكن إن أخرها الإمام تأخيرا منكرا، فللغير أن يصلي الظهر، ويجزئه عن فرضه، جزم به المجد، وجعله ظاهر كلامه، لخبر تأخير الأمراء، وكذا لو صلى الظهر أهل بلد مع بقاء وقت الجمعة لم تصح، لما تقدم، ويعيدونها إذا فاتت الجمعة، ومن فاتته الجمعة، أو لم يكن من أهل فرضها وهم بالبلد تسن الجماعة في ظهرهم، وخارج البلد تسن إجماعا، وتجب عندنا، ويخفونها إن خفي عذرهم، هذا إذا أمن أن ينسب إلى مخالفة الإمام، وفاقا للشافعي، فعله ابن مسعود وغيره، واحتج به أحمد، وقال: ما أعجب الناس ينكرون هذا.

(2)

كخوف على نفسه أو أهله قبل تجميع الإمام، في قوله عامة أهل العلم، وكذا لو صلى من لا تجب عليه، كالعبد والمسافر والمرأة ونحوهم الظهر قبله، في قول عامتهم، وحكاه في الفروع اتفاقا على الأصح، لأنها فرضهم وقد أدوه.

(3)

مرادهم فوات ما تدرك به الجمعة، كرفع الإمام رأسه من ركوع الثانية

فتصح ظهره، كمضوب حج عنه ثم عوفي، فإن حضروا الجمعة بعد ذلك كانت نفلا.

(4)

أي فلا تصح منه الظهر، ولو بعد بلغ تجميع الإمام وقد كان صلى الظهر أولا، أعادها لأن صلاته الأولى وقعت نفلا، فلا تسقط الفرض هذا المذهب وتقدم أنه مأمور بفعلها، وفعلها فامتنع أن يؤمر بصلاة ثانية.

(5)

أي والأفضل ممن لا تجب عليه الجمعة، كالعبد والمريض، تأخير الصلاة.

الظهر حتى يصلي الإمام الجمعة، فإنه ربما زال عذره فتلزمه الجمعة، قال ابن عقيل: من لزمته بحضوره لم يصح، ويستثنى من دام عذره كالمرأة، فالتقديم في حقه أفضل، قال في الفروع: قولا واحدا، وتوسط بعض أهل العلم فقال: إن كان جازما بأنه لا يحضر الجمعة، وإن تمكن منها، استحب له تقديم الظهر، وإن كان لو تمكن أو نشط حضر استحب له التأخير، وتقدم أنه إن أخر الإمام الجمعة تأخيرا منكرا فللغير أن يصلي ظهرا، وفاقا لمالك، ويجزئه عن فرضه، جزم به المجد، لخبر تأخير الأمراء الصلاة عن وقتها.

ص: 429

وحضورها لمن اختلف في وجوبها عليه كعبد أفضل (1) وندب تصدق بدينار أو نصفه لتاركها بلا عذر (2)(ولا يجوز لمن تلزمه) الجمعة (السفر في يومها بعد الزوال) حتى يصلي إن لم يخف فوت رفقته (3) .

(1) خروجا من الخلاف، وكذا المعذور تسقط عنه أفضل.

(2)

لخبر «من ترك الجمعة من غير عذر فيتصدق بدينار، فإن لم يجد فبنصف دينار» ، رواه أحمد وغيره، وضعفه النووي وغيره، ولا يجب إجماعا.

(3)

لتركه لها بعد الوجوب، وهذا مذهب مالك والشافعي وداود وغيرهم، قال الطوفي، وينبغي أن يقال: لا يجوز له السفر بعد الزوال، أو حين يشرع في الأذان لها، لجواز أن يشرع في ذلك وقت صلاة العيد، على الصحيح من المذهب، وكذا علل عثمان وغيره بإرادة من يلزمه الحضور، فيكون احترز بذلك عمن صلى العيد في يومها، فإنها تسقط عنه سقوط حضور لا وجوب، فإن الظاهر أن سفره في يومها كسفره في غيره من بقية الأيام، قال الطوفي: ولا نزاع في تحريم السفر بعد الزوال، أو الشروع في الأذان، لتعلق حق الله بالإقامة اهـ، كما لو تركها لتجارة، بخلاف غيرها، فإن خاف فوت رفقته سقط وجوبها كما تقدم.

ص: 430

وقبل الزوال يكره (1) إن لم يأت بها في طريقه (2) .

(1) ما لم يكن من العدد المعتبر، وكان يعلم أنها لا تكمل بغيره فيحرم، وإلا فيكره السفر في يومها، لمن هو من أهل وجوبها، خروجا من الخلاف، ولا يحرم، لقوله عليه الصلاة والسلام:«ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟» قال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال: «لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم» ولقول عمر: لا تحبس الجمعة عن سفر، وكما لو سافر من الليل، هذا إذا لم يكن أذن لها، فإن كان فيحرم كما تقدم، وقال ابن القيم: والاختيار أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر، حتى تصلى الجمعة، ما لم يخف فوت رفقته.

(2)

أي إن لم يكن غالب ظنه التمكن من الإتيان بها في طريقه، فإن كان ذلك لم يكره لأداء فرضه.

ص: 431

فصل (1)

يشترط لصحتها أي صحة الجمعة أربعة (شروط ليس منها إذن الإمام)(2) لأن عليا صلى بالناس وعثمان محصور، فلم ينكره أحد، وصوبه عثمان، رواه البخاري بمعناه (3)(أحدها) أي أحد الشروط (الوقت) لأنها صلاة مفروضة، فاشترط لها الوقت، كبقية الصلوات (4) فلا تصح قبل الوقت ولا بعده إجماعا، قاله في المبدع (5) .

(1) في شروط صحة الجمعة، وما يتعلق بها.

(2)

أي ليس من شروط الجمعة إذن الإمام في إقامتها، وفاقا لمالك والشافعي وليس لمن ولاه السلطان إقامتها أن يؤم في الصلوات الخمس، ولا بالعكس.

(3)

ولفظ الأثرم وغيره: إنه قد نزل بك ما ترى، وأنت إمام العامة، فقال: الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم، وصلى ابن مسعود بالناس لما أبطأ الوليد، وأبو موسى الأشعري حين أخرها سعيد بن العاص، وقال أحمد: وقعت الفتنة في الشام تسع سنين، وكانوا يجمعون ولأن المسلمين في الأمصار النائية يقيمونها بعد موت الأئمة ولم ينكر، فكان إجماعا وحكي أنها لا تصح إلا خلف السلطان أو نائبه أو بإذنه، وقال النووي: شاذ باطل.

(4)

ولم يقل: دخول الوقت كما مر، لأن الجمعة لا تفعل بعد وقتها، بخلاف بقية الصلوات، وبدأ بالوقت لأنه آكد الشروط.

(5)

وحكاه الوزير والموفق والزركشي وغيرهم لقوله: إن الصلاة كانت

{إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا *} أي مفروضا في الأوقات، وقال عمر: لها وقت لا يقبلها الله إلا به.

ص: 432

(وأوله أول وقت صلاة العيد)(1) لقول عبد الله بن سيدان: شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت خطبته وصلاته قبل نصف النهار (2) ثم شهدتها مع عمر، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان، فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول قد زال النهار (3) فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره (4) رواه الدارقطني وأحمد واحتج به (5) .

(1) نصا فلا تصح قبله إجماعا، وتفعل فيه جوازا ورخصة، وتجب بالزوال.

(2)

فدل على جواز فعلها قبل الزوال، قال شمس الحق، وهو قول جماعة من السلف.

(3)

أي زالت الشمس.

(4)

فصار إجماعا، وفعلها ابن الزبير في وقت العيد، وصوبه ابن عباس وأبو هريرة، وابن سيدان بكسر السين المهملة، أو سندان المطرودي، قال البخاري: لا يتابع على حديثه، وقال النووي: اتفقوا على ضعفه.

(5)

يعني أحمد: ولحديث جابر: كان يصلي الجمعة، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس، رواه مسلم، ولهما ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به، ولهما من حديث سهل قال: ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن قتيبة لا يسمى قائلة ولا غذاء بعد الزوال.

ص: 433

قال: وكذلك روي عن ابن مسعود وجابر وسعد ومعاوية أنهم صلوا قبل الزوال، ولم ينكر (1)(وآخرها آخر وقت صلاة الظهر) بلا خلاف، قاله في المبدع (2) وفعلها بعد الزوال أفضل (3) (فإن خرج وقتها قبل التحريمة) أي قبل أن يكبروا للإحرام بالجمعة (صلوا ظهرا) قال في الشرح: لا نعلم فيه.

(1) فروى الإمام عن ابن مسعود أنه كان يصلي الجمعة ضحى، ويقول: إنما عجلت بكم خشية الحر عليكم، وعن معاوية نحوه، رواه سعيد، وكذا روي عن علي وسعيد بن زيد وغيرهما، أخرجها ابن أبي شيبة وغيره، وإذا صلى هؤلاء مع من يحضرهم من الصحابة ولم ينكر، فهو إجماع ولأنها صلاة عيد، فجازت قبل الزوال، والمراد أول وقت الجواز، وتقدم إراحتهم جمالهم وانصرافهم وليس للحيطان ظل يستظل به، ولو كانت خطبته وصلاته بعده لكان لها ظل، قال الزركشي، والتقديم ثبت رخصة بالسنة والآثار اهـ، وأما وقت الوجوب فزوال الشمس إجماعا وعن أحمد، وقتها كالظهر وفاقا، ولا ينافي ما تقدم، لأنا وسائر المسلمين لا يمنعون ذلك بعد الزوال.

(2)

وحكاه الزركشي وغيره، إلحاقا لها بها، لوقوعها موضعها.

(3)

لحديث سلمة بن الأكوع، قال: كنا نصلي الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، متفق عليه، وفي الصحيح عن أنس: حين تميل الشمس، وللخروج من الخلاف، فإن الإجماع منعقد على أن وقتها بعد الزوال، ولأنه الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته، فالأولى فعلها بعد الزوال صيفا وشتاء، حين تميل الشمس، لاجتماع الناس لها، وانتظار الإبراد يشق عليهم.

ص: 434

خلافا (1)(وإلا) بأن أحرموا بها في الوقت فـ (جمعة) كسائر الصلوات، تدرك بتكبيرة الإحرام في الوقت (2) ولا تسقط بشك في خروج الوقت (3) فإن بقي من الوقت قدر الخطبة والتحريمة لزمهم فعلها (4) وإلا لم تجز (5) .

(1) وحكاه غير واحد إجماعا، فلا يعيدون الجمعة، لفوات الشرط ولأنها لا تقضى.

(2)

هذا المذهب قياسا على بقية الصلوات، ولأن الوقت إذا فات لم يمكن استدراكه، فسقط اعتباره في الاستدامة للعذر، وكالجماعة في حق المسبوق، فإن قيل: لم اعتبر في الوقت الإدراك بالتكبيرة فقط، وفي الجماعة بالركعة؟ قيل: الوقت شرط، ولكنه خارج عن الماهية، والجماعة شرط داخل في الماهية، وما كان داخل الماهية أقوى مما كان خارجها، وقال في الإقناع: وإن خرج قبل ركعة بعد التحريمة استأنفوا ظهرا، قال ابن منجا: وهو قول أكثر الأصحاب، لأنه عليه الصلاة والسلام خص إدراكها بالركعة، وقال شيخ الإسلام: مضت السنة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، فهو مدرك للجمعة، كمن أدرك ركعة من العصر، أو الفجر وتقدم، ومذهب الشافعي إذا خرج وقتها وهم فيها يتمونها ظهرا، وعند أبي حنيفة يستأنفون الظهر.

(3)

لأن الأصل بقاؤه، والوجوب محقق، وإن علموا إحرامهم بعد خروج الوقت قضوا ظهرا، لبطلان جمعتهم.

(4)

لأنها فرض الوقت، وقد تمكنوا من فعلها، وتقدم أنها لا تدرك بأقل من ركعة.

(5)

أي وإن لم يبق من الوقت قدر التحريمة والخطبة لم تجزئ، ويصلونها ظهرا، لأنها لا تقضى وتقدم.

ص: 435

الشرط (الثاني حضور أربعين من أهل وجوبها) وتقدم بيانهم (1) الخطبة والصلاة (2) قال أحمد: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة، فلما كان يوم الجمعة جمع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أول جمعة جمعت بالمدينة (3) وقال جابر: مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق جمعة وإضحى وفطر، رواه الدارقطني وفيه ضعف، قاله في المبدع (4) .

(1) يعني أهل وجوبها، في قوله: تلزم كل ذكر حر مكلف مسلم إلخ، ولو كان بعضهم خرسا أو صما، لا إن كان الكل كذلك، واختار الشيخ أن هذا الشرط للوجوب لا للصحة وقال الشيخ عبد اللطيف، وهذا من أحسن الأقوال، وبه يتفق غالب كلام المتأخرين.

(2)

أي حضور العدد المعتبر حال الخطبة والصلاة.

(3)

رواه أبو داود عن كعب بن مالك قال: أول من صلى بنا الجمعة في نقيع الخصُمات أسعد بن زرارة وكنا أربعين صححه ابن حبان والبيهقي والحاكم قال بعض الأصحاب: ولم ينقل أنها صليت بدون ذلك، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم حين انفضوا عنه بدون ذلك، مع أنه لا يقتضي أنها لا تصح بدون ذلك، وحديثهم إنما كان يدل على أنه كان مبدأ الجمعة، وقال الحافظ وغيره، لا يصح في عدد الجمعة شيء، وقاله السيوطي وغيره، وقال الحافظ: وردت أحاديث تدل على الاكتفاء بأقل من أربعين وجمعت بتشديد الميم أي صليت جماعة ومصعب بن عمير هو ابن هاشم بن عبد مناف، أحد السابقين، استشهد في أحد ومعه اللواء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لهم مفقها.

(4)

وإذا قال الصحابي ذلك، كان له حكم الرفع ولكنه لم يصح ولا

يقاوم حديث جابر وغيره، وقال حافظ عصره الشيخ سليمان بن عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: هذا حديث ساقط، لا يحتج به، لأنه من رواية عبد العزيز بن عبد الرحمن، وهو ضعيف، قال البيهقي: هذا حديث لا يحتج به، ثم لو صح فليس فيه حجة، ويقال: اشتراط الأربعين العقلاء الحاضرين الذكور الأحرار تحكم بالرأي بلا دليل، وإسقاط للجمعة عمن دون الأربعين، وقد ثبت وجوب الجمعة بعموم الآية والأحاديث والإجماع على كل أحد فمن أراد إخراج أحد عن وجوبها فعليه الدليل، واتفق المسلمون على اشتراط الجماعة لها، واختلفوا في العدد المشترط لها، وذكر الأقوال، ونص أحمد على أنها تنعقد بثلاثة، اثنان يستمعان وواحد يخطب، اختاره الشيخ الإسلام.

قال الشيخ سليمان: وهذا القول أقوى، وهو كما قال، شرعا ولغة وعرفا، لقوله تعالى:{فَاسْعَوْا} وهذا صيغة جمع وأقل الجمع ثلاثة، وفي الحديث الصحيح إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، فأمرهم بالإمامة، وهو عام في إمامة الصلوات كلها، الجمعة والجماعة، ولأن الأصل وجوب الجمعة على الجماعة المقيمين، فالثلاثة جماعة تجب عليهم الجمعة، ولا دليل على إسقاطها عنهم أصلا، وإسقاطه عنهم تحكم بالرأي الذي لا دليل عليه من كتاب، ولا سنة ولا إجماع، ولا قول صاحب ولا قياس صحيح اهـ.

قال شيخنا: وما سوى هذا القول يحتاج إلى برهان، ولا برهان يخرجه من هذا العموم، فدل على أنها تنعقد بالجمع، والجمع أقله ثلاثة، ويقال: لو كانت الأربعون شرطا لما جاز أن يسكت عنه الشارع صلى الله عليه وسلم ولا يبينه، وحكى النووي وغيره إجماع الأمة على اشتراط العدد، وأنها لا تصح من منفرد، وأن الجماعة شرط لصحتها وقال الشيخ: تنعقد الجمعة بثلاثة، واحد يخطب، واثنان يستمعان، وهو إحدى الروايات عن أحمد، وقول طائفة من العلماء قال: وتصح ممن دون الأربعين، لأنه انتقال إلى أعلى الفرضين، وفوق بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة، ونية معناها.

ص: 436

الشرط (الثالث أن يكونوا بقرية مستوطنين) بها (1) مبنية بما جرت به العادة (2) فلا تتم من ممكانين متقاربين (3) .

(1) استيطان إقامة، لا يرحلون عنها صيفا ولا شتاء، والقرية الضيعة والمصر الجامع، أو كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا، وجمع الناس وتقع على المدن وغيرها، والجمع قرى، وليس من شرطها المصر، فإن قيل، هذا مكرر مع ما تقدم من اعتبار الاستيطان، قيل: ما تقدم إنما سيق لبيان من تجب عليه وما هنا لبيان صحتها.

(2)

من حجر أو لبن، أو طين أو قصب، أو شجر أو سعف، لأنه عليه الصلاة والسلام كتب إلى قرى عرينة أن يصلوا الجمعة، وتقدم التجميع بقرية جواثي وغيرها، وتعبير بعضهم بالأبنية للجنس، فيشمل البناء الواحد إذا حصل به العدد، وللغالب، إذ نحو الغيران والسراديب في نحو الجبل كذلك.

(3)

أي فلا تتم الأربعون من بلدين متقاربين لم يشملهما اسم واحد، في كل منهما دون الأربعين، لفقد شرطها، حتى قالوا: لا يصح تجميع أهل بلد كامل فيه العدد، في بلد ناقص، وإن الأولى مع تتمة العدد في بلدين فأكثر متقاربة تجميع كل قوم في بلدهم، إظهارا لشعائر الإسلام، وقد كانت المدينة قرى، فيها المساكن، وحولها النخل كل قرية لقبيلة، فبنوا مالك في قريتهم، وبنوا مازن، وبنوا سالم، وسائر بطون الأنصار كذلك، كل قبيلة في قرية ومع ذلك الاتساعوكثرة القرى لم يجمع كل أهل قرية في محلتهم، وهذا مع عدم المشقة، وإلا فقد قال في الفصول، وإن كان البلد قسمين بينهما بائرة، كان عذرا أبلغ من مشقة الازدحام ويأتي جواز تعددها لحاجة.

ص: 438

ولا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر ونحوهم (1) لأن ذلك لم يقصد للاستيطان غالبا (2) وكانت قبائل العرب حوله عليه السلام، ولم يأمرهم بها (3) وتصح بقرية خراب، عزموا على إصلاحها والإقامة بها (4)(وتصح) إقامتها (فيما قارب البنيان من الصحراء)(5) لأن أسعد بن زرارة أول من جمع في حرة بني بياضة، أخرجه أبو داود والدارقطني، قال البيهقي حسن الإسناد صحيح (6) .

(1) كالخراكي ونحوها، الذين ينتجعون في الغالب مواضع القطر، وينتقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم.

(2)

ولا يقع عليهم اسم الاستيطان، هذا مذهب جمهور العلماء، وإن كان أهل الخيام مستوطنين في خلال الأبنية لزمتهم.

(3)

وذلك لأنهم ليسوا من أهل المدينة، قال تعالى:{مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ} فجعلهم قسمين، مستوطنين وأعرابًا.

(4)

وأتى عليهم يوم الجمعة قبل ذلك، وجبت عليهم الجمعة، لأن حكمها باق في إقامة الجمعة بها، لعدم ارتحالهم، أشبهوا المستوطنين، لا إن عزموا على النقلة منها، ولا تجب ببلد يسكنها أهلها بعض السنة دون بعض، لعدم الاستيطان.

(5)

ولو بلا عذر فلا يشترط لها البنيان.

(6)

وتقدم تصحيح ابن حبان والحاكم، وقال الحافظ: إسناده حسن، وأسعد بن زرارة هو ابن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، أبو أمامة الأنصاري الخزرجي النجاري، شهد العقبة، وكان نقيبًا على قبيلته، مات في السنة الأولى، أول من صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 439

قال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة (1) وإذا رأى الإمام وحده العدد فنقص، لم يجز أن يؤمهم (2) ولزمه اسخلاف أحدهم (3) وبالعكس لا تلزم واحدًا منهم (4)(فإن نقصوا) عن الأربعين (قبل إتمامها) لم يتموها جمعة، لفقد شرطها (5) .

(1) في غربيها، وفيه: في هزم النبيت من حرة بني بياضة، وهي قرية في الحرة، أي جمع في قرية يقال لها هزم النبيت، وهي كانت في حرة بني بياضة، والمعنى أنه يجوز إقامتها في القرى، كالمدن والأمصار، وللدارقطني وغيره عن أم عبد الله الدوسية مرفوعًا، «الجمعة واجبة على كل قرية، وإن لم يكن فيها إلا أربعة» ، من طرق ضعيفة، لكنه لا يضر من استدل به على فرضيتها في القرى، لأنه قد ثبت أداؤها بأقل من أربعين، وصحة أدائها في القرى من عموم الآية، وتقدم إقامتها بجواثي، وكانت تقام في القرى بين مكة والمدينة في عهد السلف، وكما هو فرض عين في الأمصار، فهكذا في القرى، من غير فرق.

(2)

أي إذا رأى الإمام اشتراط العدد دون المأمومين لم يجز أن يؤمهم لاعتقاده البطلان.

(3)

ليصلي بهم فيؤدوا فرضهم.

(4)

أما الإمام فلعدم من يصلي معه، وأما المأمومون فلاعتقاد بطلان جمعتهم لوجوب العدد عندهم، هذا مقتضى كلام الأصحاب وغيرهم عفا الله عنهم، والتقليد والاعتقاد في مثل هذه المسائل الظاهرة بعد وضوح الوجه الشرعي خطأ مخالف للشرع، ولما عليه الأئمة رضوان الله عليهم، وتقدم تحقيق مذاهبهم.

(5)

كالطهارة على ما ذهبوا إليه، وتقدم وجوبها بمسمى الجماعة.

ص: 440

و (استأنفوا ظهرا) إن لم تمكن إعادتها جمعة (1) وإن بقي معه العدد بعد انفضاض بعضهم، ولو ممن لم يسمع الخطبة، ولحقوا بهم قبل نقصهم أتموا جمعة (2)(ومن) أحرم في الوقت و (أدرك مع الإمام منها) أي من الجمعة (ركعة أتمها جمعة)(3) لحديث أبي هريرة مرفوعًا، «من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصلاة» ، رواه الأثرم (4)(وإن أدرك أقل من ذلك) بأن رفع الإمام رأسه من الثانية، ثم دخل معه

(1) بشروطها، فإن أمكن إعادتها جمعة وجبت، لأنها فرض الوقت.

(2)

بلا نزاع، وقال أبو المعالي: سواء كانوا سمعوا الخطبة أو لحقوا قبل نقصهم بلا خلاف، كبقائه من السامعين، وجزم به غير واحد، ولحديث جابر وفيه: لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، رواه مسلم ولوجود الشرط، وانفضاض بفاء أي تفرق بعضهم، و (لحقوا بهم) ، جملة فعليه في محل نصب على الحالية، والمراد: لحقوا بمن كان مع الإمام.

(3)

إجماعًا إلا ما حكي عن عطاء وطاوس، واتفقوا على أنه ليس من شرط إدراك الجمعة إدراك الخطبة، ومن صلى الجمعة فقد صحت له الجمعة، وإن لم يدرك الخطبة، واتفقوا على أن الفضيلة في إدراك الخطبة والاستماع لها.

(4)

ورواه البيهقي عن ابن مسعود وابن عمر، وأصله في الصحيحين، وقال شيخ الإسلام: مضت السنة أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة اهـ أي لم تفته تلك الصلاة، ومن لم تفته الجمعة صلاها ركعتين، لقوله «فليصل إليها أخرى» ، ولا بد من إدراك المسبوق ركعة بسجدتيها.

ص: 441

(أتمها ظهرًا) لمفهوم ما سبق (1)(إذا كان نوى الظهر) ودخل وقته (2) لحديث «وإنما لكل امرئ ما نوى» (3) وإلا أتمها نفلاً (4) ومن أحرم مع الإمام، ثم زحم عن السجود، لزمه السجود على ظهر إنسان أو رجله (5) .

(1) من قوله «من أدرك ركعة» ، الحديث وهو من مفهوم المخالفة، وإلا فالجمعة لا تقضى، ولو لم يدرك إلا التشهد دخل معه، وتشهد حكاه أبو بكر عن الصحابة إجماعا، وقاله ابن مسعود، وكذلك فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

وفاقا لمالك والشافعي، لأن دخول الوقت شرط، والظهر لا تتأدى بنية الجمعة ابتداء.

(3)

أي فإنه إذا كان إنما نوى جمعة، ولم ينو الظهر لم يصح، وإن نواه صح.

(4)

أي وإن لم يدخل وقت الظهر، أو دخل ولم ينوه، بل نوى جمعة، أتمها نفلا، أما الأولى فكمن أحرم بفرض، فبان قبل وقته، فإنه لا يصح إتمامها جمعة، لعدم إدراكه لها بدون ركعة، لمفهوم الأخبار، وأما الثانية فلحديث «إنما الأعمال بالنيات» ، وهو لم ينو ظهرا، فيتمها نفلا.

وقال ابن إسحاق: ينوى جمعة تبعا لإمامه، ويتمها ظهرا، وذكره القاضي المذهب إذا كان دخل وقت الظهر.

(5)

لقول عمر: إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه، رواه أبو داود وغيره: وقاله بمحضر من الصحابة وغيرهم، ولم يظهر له مخالف، وهو قول جمهور العلماء، مالك والشافعي وغيرهما، ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز، فوجب وصحت كالمريض.

ص: 442

فإن لم يمكنه فإذا زال الزحام (1) وإن أحرم ثم زحم وأخرج عن الصف، فصلى فذا لم تصح (2) وإن أخرج في الثانية نوى مفارقته وأتمها جمعة (3) الشرط الرابع: تقدم خطبتين، وأشار إليه بقوله:(ويشترط تقدم خطبتين)(4) .

(1) أي فإن لم يمكنه السجود على ظهر إنسان أو رجله ونحو ذلك، قال في الإنصاف، بلا نزاع فإذا زال الزحام سجد بالأرض، ولحق إمامه للعذر، إلا أن يغلب على ظنه فوت الثانية، فإن غلب على ظنه فوتها تابعة فيها، ويتمها جمعة، وهو قول مالك والشافعي، وجماهير العلماء، فإن لم يتابعه عالما بطلت صلاته بلا نزاع، لتركه متابعة إمامه بلا عذر، وإن كان جاهلا ثم أدركه في التشهد بعد أن سجد سجدتي الأولى، أتى بركعة ثانية بعد سلام إمامه، وصحت جمعته.

(2)

لترك متابعة إمامه عمدا، وترك متابعة إمامه عمدا يبطلها وفاقا، وإن تابع إمامه فذا فتقدم قول شيخ الإسلام.

(3)

لإدراكه ركعة مع إمامه، وكذا لو تخلف عنه لمرض أو نوم أو سهو ونحوه وإن أقام على متابعة إمامه وأتمها معه فذا صحت جمعته.

(4)

أي ويشترط لصحة صلاة الجمعة تقدم خطبتين، وفاقا لمالك والشافعي وجماهير العلماء، وحكاه النووي إجماعا، إلا أن أبا حنيفة يقول: إذا قال: الحمد لله كفاه ومشروعيتهما مما استفاضت به السنة، وقال في الشرح: والخطبة شرط لا تصح بدونها، ولا نعلم مخالفا إلا الحسن، وقال في الفروع: ومن شرطهما يعني الخطبتين تقديمهما وفاقا، والخطبة بضم الخاء، وهي الكلام المؤلف، المتضمن وعظا وإبلاغا، يقال: خطب يخطب خطبة بضم الخاء وخطابة بفتحها، وأما خطبة المرأة وهي طلب نكاحها فبالكسر.

ص: 443

لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} والذكر هو الخطبة (1) ولقول ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس، متفق عليه (2) وهما بدل ركعتين لا من الظهر (3)(ومن شرط صحتهما حمد الله) بلفظ الحمد لله (4) لقوله عليه الصلاة والسلام «كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم» رواه أبو داود عن

(1) وهذا قول كثير من أهل التفسير فأمر بالسعي إليه، فيكون واجبا، إذ لا يجب السعي لغير واجب، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما.

(2)

هذا لفظ النسائي والدارقطني وغيرهما، ولفظ البخاري: يخطب خطبتين يقعد بينهما، ولهما: يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم، وللشافعي وغيره عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يقعد، ثم يقوم فيخطب وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» .

(3)

أي لا يقال إنهما بدل ركعتين من الظهر، لأن الجمعة ليست بدلا عن الظهر، بل الجمعة مستقلة، وإنما الظهر البدل عنها إذا فاتت فظاهره أن الجمعة في الأصل أربع، قامت الخطبتان مقام ركعتين منها، لا أنها ظهر مقصورة ولهذا يصلي من فاتته أربعا، وعن عمر وعائشة، قصرت الصلاة من أجل الخطبة، فهما بدل ركعتين، فالإخلال بإحداهما إخلال بإحدى الركعتين، واشترط تقديمهما لفعله صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين.

(4)

قال المجد: لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أخل به، وقطع به غير واحد من الأصحاب، وقال ابن مفلح: لم أجد فيه خلافا.

ص: 444

أبي هريرة (1)(والصلاة على رسوله) محمد صلى الله عليه وسلم (2) لأن كل عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى افتقرت إلى ذكر رسوله، كالأذان (3) ويتعين لفظ الصلاة (4) .

(1) وله عن ابن مسعود مرفوعا، كان إذا تشهد قال: الحمد لله وفي صحيح مسلم عن جابر: كانت خطبته يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله وقال أحمد: لم يزل الناس يخطبون بالثناء على الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والمراد بالشرط هنا ما تتوقف عليه الصحة، أعم من أن يكون داخلا أو خارجا، فيعم الركن، كالحمد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة آية، والوصية بتقوى الله، وفاقا للشافعي، ورواية عن مالك، وجماهير السلف، واستمر العمل عليه.

(2)

وظاهر كلامهم يشترط إذا اسمه الشريف صلى الله عليه وسلم كقوله اللهم صل على محمد، أو على النبي، فلا يكفي: صلى الله عليه وسلم، ونحوه ولو سبقه قوله: أشهد أن محمدا عبده ورسوله، ونحوه.

(3)

أي كما افتقرت إلى ذكر رسوله في الأذان، وذكره مع ذكر ربه هو الشهادة له بالرسالة.

(4)

فلا يكفي معناها قال في المبدع: ويتعين أن يشهد أنه عبد الله ورسوله، وهو قول للمجد وغيره، وأوجب شيخ الإسلام وتلميذه وغيرهما الشهادتين في الخطبة وهما مشروعتان في الخطاب والثناء، قالوا: وكيف لا يجب التشهد الذي هو عقد الإسلام في الخطبة، وهو أفضل كلماتها، فلتأكد هنا ذكر الشهادة له صلى الله عليه وسلم لدلالته عليه، ولأنه إيمان به، والصلاة عليه دعاء له،

ومشروعيتها أمر معروف عند الصحابة رضي الله عنهم، وقال ابن القيم: خصائص الجمعة الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده، والشهادة له بالوحدانية

ولرسوله بالرسالة، وتذكير العباد بأيامه، ونحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جناته، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.

ص: 445

وقراءة آية كاملة (1) لقول جابر بن سمرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية، ويذكر الناس، رواه مسلم (2) قال أحمد: يقرأ ما شاء (3) وقال أبو المعالي: لو قرأ آية لا تستقل بمعنى أو حكم كقوله (ثم نظر) أو (مدهمتان) لم يكف (4) والمذهب لا بد من قراءة آية، ولو جنبا مع تحريمها (5) .

(1) لأنهما أقيما مقام ركعتين، والخطبة فرض، فوجبت فيها القراءة كالصلاة.

(2)

ولفظه: يقرأ القرآن، ولأبي داود نحوه، وله أيضا: يقرأ آيات من القرآن وإسناده صحيح، وثبت في صحيح مسلم قراءته (ق) ولهما (ونادوا يا مالك) وروي أيضا غير ذلك قال النووي: وأقلها آية.

(3)

فلا يتعين آية: والأحاديث ظاهرة في أنه صلى الله عليه وسلم لا يلازم قراءة آية أو سورة، بل مرة سورة ومرة آية ومرة آيات.

(4)

وقال الشارح: قال أصحابنا: ولا يكفي أقل من آية، وظاهر كلام أحمد لا يشترط ذلك، ويحتمل لا يجب سوى حمد الله والموعظة، اختاره الشيخ، لأنه يسمى خطبة وما عداه ليس على اشتراطه دليل، ولكن يستحب أن يقرأ آيات، لما ذكر عنه صلى الله عليه وسلم اهـ، وللإجماع على مشروعيتها، وأبو المعالي اسمه أسعد، وهو ابن منجا.

(5)

أي ولو كان الخطيب جنبا، مع تحريم قراءة الآية للجنب، وكذا تحريم اللبث، لأنه لا تعلق له في وجوب العبادة، وعلى القول بالسنية فلا تجوز القراءة للجنب.

ص: 446

فلو قرأ ما تضمن الحمد والموعظة، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه (1)(والوصية بتقوى الله عز وجل لأنه المقصود (2) .

(1) لأن عمر قرأ سورة الحج على المنبر، ولم يخطب بغيرها.

(2)

أي من الخطبة ولا يتعين لفظها، بل إذا قال: أطيعوا الله ونحوه، أجزأ، وقد يقال: الواجب لفظ التقوى، فليست كلمة أجمع لما أمر الله به، وأوقع في النفوس من كلمة التقوى، وتقوى الله امتثال أمره، واجتناب نهيه، قال شيخ الإسلام وغيره، لا يكفي في الخطبة ذم الدنيا، وذكر الموت، لأنه لا بد من اسم الخطبة عرفا، بما يحرك القلوب، ويبعث بها إلى الخير اهـ، وذم الدنيا، والتحذير منها، مما تواصى به منكروا الشرائع، بل لا بد من الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية، والدعوة إلى الله، والتذكير بآلائه، وقال: ولا تحصل الخطبة باختصار يفوت به المقصود، وقد طال العهد، وخفي نور النبوة على الكثير، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فعدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها، وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه، وعلى صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم.

وذكر ابن القيم وغيره أن خطبه صلى الله عليه وسلم إنما كانت تقريرا لأصول الإيمان، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، ودعوة إلى الله، وتذكير بآلائه التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، وأمرا بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وآياته وآلائه وأيامه، ومحبة لذكره وشكره، فينصرف السامعون وقد أحبوا الله وأحبهم.

ص: 447

قال في المبدع: ويبدأ بالحمد لله، ثم بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم بالموعظة، ثم القراءة في ظاهر كلام جماعة (1) ولا بد في كل واحدة من الخطبتين من هذه الأركان (2)(و) يشترط (حضور العدد المشترط) لسماع القدر الواجب (3) لأنه ذكر اشترط للصلاة فاشترط له العدد، كتكبيرة الإحرام (4) فإن نقصوا وعادوا قبل فوت ركن منها بنوا (5) وإن كثر التفريق، أو فات منها ركن (6) أو أحدث فتطهر استأنف مع سعة الوقت (7) .

(1) على وجه الاستحباب، وقيل بوجوبه، حكاه البغوي، ولم يرد فيه نص.

(2)

قال الزركشي، واعلم أن هذه الأربع من الحمد والصلاة والقراءة والموعظة أركان الخطبتين، لا تصح واحدة من الخطبتين إلا بهن، وتقدم الدليل على ذلك وهو مذهب الشافعي.

(3)

أي من الخطبتين حيث لا مانع، وتقدم أنه حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله، وقراءة آية: فإن كان هناك مانع من نوم أو غفلة أو صمم أو بعد صحت.

(4)

وهو مذهب جمهور العلماء مالك والشافعي وغيرهما.

(5)

أي قبل فوت ركن من أركان الخطبة بنوا عليها، لإدراكهم الواجب منها.

(6)

أي وإن كثر التفريق بين أجزاء الخطبة، أو فات ركن من أركان الخطبة استأنف مع طول التفريق، لفوات الموالاة، وإن لم يطل كفاه إعادته.

(7)

وإن ضاق الوقت صلوا ظهرا، والمرجع في طول الفصل وقصره إلى العادة.

ص: 448

ويشترط لهما أيضا الوقت (1) وأن يكون الخطيب يصلح إماما فيها (2) والجهر بهما، بحيث يسمع العدد المعتبر، حيث لا مانع (3) والنية، والاستيطان للقدر الواجب منهما (4) والموالاة بينهما وبين الصلاة (5)(ولا يشترط لهما الطهارة) من الحدثين والنجس (6) .

(1) فلا تصح واحدة منهما قبله وفاقا، لأنهما بدل ركعتين وتقدم.

(2)

أي صلاة الجمعة، ككونه حرا مستوطنا، فلا تصح خطبة من لا تجب عليه بنفسه، كعبد ومسافر، وتقدم الراجح في الإمامة فالخطبة أولى.

(3)

من نحو غفلة أو نوم أو صمم، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم إذا خطب علا صوته إلخ.

(4)

أي من الخطبتين فالنية للخبر، والاستيطان احتراز من أن يكون في سفينة مثلا، ويفعل من الأركان شيئا قبل قدوم بلده.

(5)

فلا يفصل بين الخطبتين، ولا بينهما وبين الصلاة فصلا طويلا عرفا، وقدر بقدر الموالاة في الوضوء بالقصر في الزمن المعتدل، ولهذا يستحب قرب المنبر من المحراب، لئلا يطول الفصل بينهما، وعمل المسلمين عليه، ورثوه خلفا عن سلف، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الخطبة تقام الصلاة وينزل فيصلي بالناس.

(6)

أي من الحدثين الأكبر والأصغر، ومن النجس، قال أحمد: إن خطب وهو جنب ثم اغتسل وصلى بهم أجزأ والسنة أن يخطب متطهرا، وعنه شرط، فتتأكد الطهارة لهما، وهو قول في مذهب الشافعي، لقوله:«صلوا كما رأيتموني أصلي» ولم يكن يخطب إلا متطهرا وقال البغوي: القولان في الطهارة من الحدث

الأصغر، فإن خطب جنبا لم تصح قولا واحدا، لأن القراءة في الخطبة واجبة ولا تحسب قراءة الجنب اهـ، فالأولى الخروج من الخلاف.

ص: 449

ولو خطب بمسجد، لأنهما ذكر تقدم الصلاة أشبه الأذان (1) وتحريم لبث الجنب بالمسجد لا تعلق له بواجب العبادة (2) وكذلك لا يشترط لهما ستر العورة (3)(ولا أن يتولاهما من يتولى الصلاة)(4) بل يستحب ذلك، لأن الخطبة منفصلة عن الصلاة، أشبها الصلاتين (5) ولا يشترط أيضا حضور متولي الصلاة الخطبة (6) ويبطلها كلام محرم ولو يسيرا (7) ولا تجزئ بغير العربية مع القدرة (8) .

(1) أي فتصح خطبة جنب كما يصح أذانه.

(2)

كصلاة من معه درهم غصب.

(3)

لأنهما ليسا صلاة، وكذا إزالة النجاسة كطهارة صغرى.

(4)

فإن خطب رجل وصلى آخر، جاز لكن قال أحمد: لا يعجبني لغير عذر.

(5)

فتصح إمامة من لم يحضر الخطبة بهم، حيث كان ممن تصح إمامته فيها.

(6)

وهو الذي صلى الصلاة ولم يخطب، لصدور الخطبة من غيره، ما لم يكن من العدد المعتبر لها، فلا بد من حضوره، كما يعلم مما تقدم.

(7)

كالأذان وأولى.

(8)

كقراءة قال ابن رجب: على الصحيح وتصح مع العجز، لأن القصد بها الوعظ والتذكير وحمد الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم غير#

القراءة فلا تجزئ بغير العربية فإن عجز عنها وجب بدلها ذكرا قياسا على الصلاة واجتزيت واجتزأت به، إذا اكتفيت به.

ص: 450

(ومن سننهما) أي الخطبتين (أن يخطب على منبر) لفعله عليه الصلاة والسلام (1) وهو بكسر الميم من النبر وهو الارتفاع (2) واتخاذه سنة مجمع عليها، قاله في شرح مسلم (3) .

(1) المستفيض عنه، ولا نزاع في ذلك، وفي الصحيح وغيره: أنه عمل له من أثل الغابة، فكان يرتقي عليه، وكان اتخاذه سنة سبع أو ثمان، وكان ثلاث درج، وفي الصحيحين من حديث سهل أنه أرسل إلى امرأة من الأنصار:«أن مري غلامك النجار يعمل أعوادا أجلس عليها إذا كلمت الناس» ، واستحباب صعود المنبر لا نزاع فيه، فقد ثبت اتخاذه وتوارثته الامة بعده، ولأن ذلك أبلغ في الإعلام، وإذا شاهدوه كان أبلغ في وعظهم، وهو حكمة مشروعية المنبر، وحكى الإجماع عليه غير واحد، واستثنى بعض أهل العلم مكة، فإنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه يخطبون على بابها، وإنما أحدث المنبر معاوية، ولكن أقره السلف وتبعهم الخلف.

(2)

ونبرت الشيء إذا رفعته، والمنبر المكان المرتفع في الجامع لمرقاة الخاطب سمي به لارتفاعه وعلوه عما حوله، وكسرت الميم على التشبيه له بالآلة، جمعه منابر.

(3)

للنووي رحمه الله، وليس بواجب، لأنه صلى الله عليه وسلم يقوم على الأرض قبل أن يوضع المنبر، وكان عليه الصلاة والسلام يجلس على الدرجة الثالثة التي تلي مكان الاستراحة، ثم وقف أبو بكر على الثانية، ثم عمر على الأولى تأدبا، ثم وقف عثمان مكان أبي بكر، ثم زمن معاوية قلعه مروان، وزاد فيه ست درج، فكان الخلفاء يرتقون ستا، يقفون مكان عمر على السابعة ولا يجاوزون ذلك تأدبا وكذا من بعدهم.

ص: 451

ويصعده على تؤدة إلى الدرجة التي تلي السطح (1) .

(أو) يخطب على (موضع عال) إن عدم المنبر (2) لأنه في معناه (3) عن يمين مستقبل القبلة بالمحراب (4) ، وإن خطب بالأرض فعن يسارهم (5) .

(و) أن (يسلم على المأمومين إذا أقبل عليهم)(6) . لقول جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم، رواه ابن ماجه (7) .

(1) قاله في التلخيص وغيره: والدرجة التي تلي السطح هي مكان الاستراحة والتؤدة بضمة وهمزة مفتوحة، الرفق والتأني والتثبت يقال: أتأد في فعله إذا تأنى وثبت ولم يعجل، بخلاف النزول.

(2)

وفاقا: ليحصل المقصود من الإبلاغ.

(3)

أي في معنى المنبر، فإنه مماثلة ومشابهة، لاشتراكهما في المبالغة في الإعلام.

(4)

يلي جنبه من جهة يمين المصلي في المحراب، لأن منبره صلى الله عليه وسلم كان كذلك، وأجمع المسلمون على ذلك في كل مصر.

(5)

أي عن يسار مستقبلي القبلة، خلاف المنبر.

(6)

وهذا مذهب الشافعي، وعمل الجمهور عليه، وقال في الإنصاف: بلا نزاع، وإنما قال مالك وأبو حنيفة، لا يسلم إن سلم إذا أقبل عليهم وهو على الأرض، ثم صعد المنبر لا يعيده، وهذا والله أعلم فيمن إقباله من عند المنبر، فإن السلام إذا صعده وأقبل عليهم، كما لو أتى من طائفة أخرى.

(7)

وفيه ابن لهيعة، وله شواهد عن ابن عمر وغيره، وأصله مستفيض في الجملة، وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي: كان صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر

يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: السلام عليكم، وقال ابن القيم: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه إذا دخل المسجد سلم عليهم، فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم، وقال القاضي وجماعة، لأنه استقبال بعد استدبار، أشبه من فارق قوما ثم عاد إليهم اهـ، أو لأنه إذا دخل المسجد يسلم على من هناك وعلى من عند المنبر إذا انتهى إليه.

ص: 452

ورواه الأثرم عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وابن الزبير، ورواه النجاد عن عثمان (1) كسلامه على من عنده في خروجه (2) (ثم) يسن أن (يجلس إلى فراغ الأذان) (3) لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إذا صعد المنبر، حتى يفرغ المؤذن ثم يقوم فيخطب، رواه أبو داود (4) .

(1) يعني أنهم رضي الله عنهم كانوا يسلمون على المأمومين إذا صعد أحدهم المنبر وأقبل عليهم بوجهه.

(2)

أي كما أنه يسن أن يسلم على من عنده في خروجه إليهم، قال الزركشي: لا نزاع فيما نعلم أنه يسلم عليهم إذا خرج عليهم كغيره اهـ، ورد هذا السلام واجب كغيره من كل سلام مشروع، فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين.

(3)

وفاقا، وذكره ابن عقيل إجماع الصحابة ونقل عن أبي حنيفة خلاف، وعبارة الهداية لهم، وإذا صعد الإمام المنبر جلس فصار إجماعا.

(4)

فإنه صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر جلس، وأخذ بلال في الأذان فإذا كمله أخذ صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، وهذا مستفيض ثابت من غير وجه، واستمر عمل المسلمين عليه، وفي الصحيح وغيره، وكان التأذين

يوم الجمعة، حين يجلس الإمام، والحكمة والله أعلم ليعرف الناس جلوس

الإمام على المنبر، فينصتون له ولجلوسه سكون اللغط والتهؤ للإنصات والاستنصات لسماع الخطبة، وإحضار الذهن للذكر، ولأن الإمام يستريح بذلك من تعب الصعود ويتمكن من الكلام، التمكن التام، ولا نزاع في مشروعية الأذان عقب صعود الإمام المنبر، ولا يجوز تركه، قال في الإنصاف: بغير خلاف وهو الذي يمنع البيع، ويلزم السعي، لأنه الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين نزول آية {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} فتعلقت الأحكام به إلا لمن منزله في بعد، فعليه أن يسعى في الوقت الذي يكون فيه مدركا للجمعة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأما السعي المسنون فمن طلوع الفجر عند الجمهور وسيأتي.

وأما الأذان الأول فزاده عثمان رضي الله عنه، فقد روى السائب بن يزيد قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان في خلافة عثمان، وكثروا أمر يوم الجمعة بالأذان الثلث فأذن به على ذلك، رواه البخاري وغيره، وصعد من باب تعب، يقال: صعد في السلم والدرجة، يصعد في الجبل وعليه رقى.

ص: 453

(و) أن يجلس بين الخطبتين (1) لحديث ابن عمر السابق (2) .

(1) أي ويسن أن يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة، قال جماعة، بقدر سورة الإخلاص.

(2)

وهو قوله: يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم، والحديث رواه الجماعة من وجوه، وقال الترمذي: وهو الذي رآه أهل العلم، أن يفصل بين الخطبتين بجلوس اهـ، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والجمهور أنه سنة ليس بواجب، ولا شرط فإن أبى أن يجلس بينهما فصل بسكتة، ولا يجب الجلوس، لأن جماعة من الصحابة منهم علي والمغيرة وأبي سردوا الخطبتين من غير جلوس، وأوجبها الشافعي.

ص: 454

(و) أن (يخطب قائما) لما تقدم (1)(ويعتمد على سيف أو قوس أو عصا)(2) لفعله عليه السلام، رواه أبو داود عن الحكم بن حزن (3) وفيه إشارة إلى أن هذا الدين فتح به (4) .

(1) أي ويسن أن يخطب قائما، لما تقدم في حديث ابن عمر من قوله: وهو قائم، واستفاض من غير وجه، ولا نزاع في سنيته، وقال ابن المنذر: وعليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار، ولا يجب لأنه ليس من شرطها الاستقبال فلم يجب لها القيام كالأذان، وأجمعوا على مشروعية القيام لقوله:{وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} وعمل المسلمين عليه، ودخل كعب بن عجرة وعبد الرحمن بن أم الجهل يخطب قاعدا، فقال: انظروا إلى هذا الخبيث، يخطب قاعدا، وقرأ الآية، ومذهب الشافعي أن القيام مع القدرة شرط، للآية والأخبار، فعليه تتأكد سنيته، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائما لمن أطاقه.

(2)

من عادة ما يحمل أي يسن ذلك، والقوس مؤنثة ومذكرة، والتأنيث أشهر، وجمعها أقواس، والعصا مقصور، والسيف معروف.

(3)

قال: وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة، فقام متوكئا على قوس أو عصا، وفي سنده شهاب بن خراش، قال ابن حبان: كان ممن يخطئ كثيرا، وقال أحمد: لا بأس به، وحسنه الحافظ، وله شاهد وليس فيهما ذكر السيف.

(4)

أي بالسيف ولم يحفظ أنه صلى الله عليه وسلم بعد اتخاذه المنبر كان يرقاه بسيف ولا قوس، وقال ابن القيم: لم يحفظ أنه توكأ على سيف، وكثير من الجهلة يظن أنه يمد السيف على المنبر، إشارة إلى أن الدين إنما قام بالسيف، وهذا جهل قبيح من وجهين: أحدهما أن المحفوظ إنما هو الاتكاء على العصا أو القوس، والثاني أن الدين إنما قام بالوحي، وأما السيف فلحق أهل العناد والشرك ومدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت خطبه فيها إنما فتحت بالقرآن، ولم تفتح بالسيف، وإنما كان في الحرب يعتمد على قوس، وفي الجمعة على عصا وفاقا.

ص: 455

قال في الفروع: ويتوجه باليسرى (1) والأخرى بحرف المنبر (2) فإن لم يعتمد أمسك يمينه بشماله أو أرسلهما (3) .

(و) أن (يقصد تلقاء وجهه) لفعله عليه السلام (4) ولأن التفاته إلى أحد جانبيه إعراض عن الآخر (5) وإن استدبرهم كره (6) وينحرفون إليه إذا خطب، لفعل الصحابة، ذكره في المبدع (7) .

(1) أي ويتوجه الاعتماد على العصا أو القوس باليسرى.

(2)

أي طرفه، فإن حرف كل شيء طرفه وجانبه.

(3)

أي من جانبيه وسكنهما فلا يحركهما ولا يرفعهما في دعائه حال الخطبة.

(4)

أي أنه عليه الصلاة والسلام يقصد تلقاء وجهه في الخطبة، إذا أقبل عليهم بعد صعوده المنبر، لا يخطب مستقبل القبلة، بل مستقبلا المأمومين قال ابن المنذر: هذا كالإجماع، وقال النووي: لا يلتفت يمينا ولا شمالا، قال ابن حجر، لأن ذلك بدعة.

(5)

أي عن الجانب الآخر، وتخصيص لبعض المأمومين دون بعض.

(6)

لما فيه من الإعراض عنهم ومخالفة السنة، فروى الطبراني وابن أبي شيبة وابن عدي وغيرهم من غير وجه، أنه يستقبل الناس، قال في المبدع: وظاهره أنه إذا التفت أو استدبر الناس أنه يجزئ مع الكراهة، صرحوا به في الاستدبار لحصول المقصود اهـ، وصح في الأصح وفاقا.

(7)

أي ينحرف المأمومون إلى الخطيب فيستقبلونه، قال ابن مسعود: كان إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا، رواه الترمذي، وقد تقرر استقباله الناس وقت الخطبة، واستدارة أصحابه إليه بوجوههم من غير وجه.

وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم من الصحابة وغيرهم، يستحبونه اهـ، ولأنه الذي يقتضيه الأدب، وهو أبلغ في الوعظ، قال النووي: وهو مجمع عليه، قال إمام الحرمين: سبب استقبالهم له واستقباله إياهم واستدباره القبلة أن يخاطبهم، فلو استدبرهم كان قبيحا، وإن استقبلوه استدبروا القبلة، فاستدبار واحد واستقبال الجميع أولى من عكسه، ويتربعون حال الخطبة، وهو أخشع، وفي الصحيح مسلم أنه كان عليه الصلاة والسلام يفعله إذا صلى الفجر، وفي الصحيح عن ابن عمر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم محتبيا بيديه، وهو القرفصاء، وروي عن جماعة من الصحابة ويأتي.

ص: 456