الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن قال: إن أتم أتممت، وإن قصر قصرت، لم يضر (1)(أو أحرم بصلاة يلزمه إتمامها) لكونه اقتدى بمقيم، أو لم ينو قصرها مثلا (ففسدت) بحدث أو نحوه (وأعادها) أتمها، لأنها وجبت عليه تامة بتلبسه بها (2)(أو لم ينو القصر عند إحرامها) لزمه أن يتم، لأنه الأصل، وإطلاق النية ينصرف إليه (3) .
(1) أي لم يؤثر ذلك في النية، وله القصر، وإن نوى الإتمام أتم، وإن صلى مقيم ومسافر خلف مسافر أتم المقيم إذا سلم إمامه إجماعا، لصلاة أهل مكة خلفه عليه الصلاة والسلام وقوله لهم:«أتموا فإنا قوم سفر» وإذا أم مسافر مقيمين فأتم بهم الصلاة صح، لأن المسافر يلزمه الإتمام بنيته، ويسن للمسافر إذا أم مقيمين أن يقول: أتموا فإنا قوم سفر، لفعله عليه الصلاة والسلام، وخليفتيه من بعده بمكة، ولئلا يلتبس على الجاهل عدد الركعات، وإن قصر الصلاتين في وقت أولاهما ثم قدم وطنه قبل دخول وقت الثانية أجزأه، قال غير واحد: على الصحيح من المذهب.
(2)
فلزمه إعادتها تامة، ولا يجوز أن تعاد مقصورة، وإن ابتدأها جاهلا حدثه فله القصر، والفساد ضد الاستقامة.
(3)
كما لو نوى الصلاة وأطلق، فإن نيته تنصرف إلى الانفراد، ولكونه الأصل، وكذا لو نوى القصر عند الإحرام ثم رفضه فنوى الإتمام لزمه أن يتم لعدم افتقاره إلى التعيين، فبقيت النية مطلقة، وعنه: أن
القصر لا يحتاج إلى نية
وفاقا لمالك وأبي حنيفة، وعليه عامة العلماء.
واختاره شيخ الإسلام وجمع، وقال: لم ينقل أحد عن أحمد أنه قال: لا يقصر إلى بنية، وإنما هذا قول الخرقي ومن اتبعه.
ونصوص أحمد وأجوبته كلها مطلقة في ذلك، كما قاله جماهير العلماء وهو
اختيار أبي بكر، موافقة لقدماء الأصحاب، وما علمت أحدا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان اشترط نيته، لا في قصر، ولا في جمع، ولم ينقل قط أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه لا بنية قصر، ولا بنية جمع، ولا كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأمرون بذلك من يصلي خلفهم، قال: وإذا كان فرضه ركعتين فإذا أتى بهما أجزأه ذلك، سواء نوى القصر أو لم ينوه، وهذا قول الجماهير كمالك وأبي حنيفة وعامة السلف، وما علمت أحدا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان اشترط نية، لا في قصر ولا في جمع، ولو نوى المسافر الإتمام كانت السنة في حقه الركعتين، ولو صلى أربعا كان ذلك مكروها، كما لو لم ينوه، وقال ابن رزين: والنصوص صريحة في أن القصر أصل فلا يحتاج إلى نية.
(أو شك في نيته) أي نية القصر أتم لأن الأصل أنه لم ينوه (1)(أو نوى إقامة أكثر من أربعة أيام) أتم (2) .
(1) ولو ذكر في أثناء الصلاة أنه كان نواه، لوجود ما أوجب الإتمام في بعضها، فغلب، لأنه الأصل، هذا المذهب، وتقدم قول الجمهور فيمن لم ينو القصر، فالشك في النية أولى، ولا يعتبر أن يعلم أن إمامه نواه، عملا بالظن، لأنه يتعذر العلم غالبا كما تقدم، وإن أم مسافر مسافرين فنسي فصلاها تامة صحت صلاة الجميع.
(2)
لحديث جابر وابن عباس الآتي، سواء كان ببلده أو مفازة، وقال شيخ الإسلام وغيره: للمسافر القصر والفطر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن وتقسيم الإقامة إلى مستوطن وغير مستوطن، لا دليل عليه من جهة الشرع، بل هو مخالف للشرع، فإن هذه حال النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في غزوة الفتح، وفي حجة الوداع، وحاله بتبوك والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس هو أمرا معلوما، لا بشرع ولا عرف، وذكر إقامة النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة، وقصرهم في تلك المدة، وأنهم مجمعون على إقامة أكثر من أربعة أيام، وفي البلغة، إقامة الجيش للغزو لا تمنع الترخص وإن طالت لفعله صلى الله عليه وسلم بمكة وتبوك، وفعل السلف ويأتي الجواب عن الحديث إن شاء الله تعالى.
وإن أقام أربعة أيام فقط قصر، لما في المتفق عليه من حديث جابر وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلى الصبح في اليوم الثامن، ثم خرج إلى منى، وكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها (1)(أو) كان المسافر (ملاحا) أي صاحب سفينة (2)(معه أهله، لا ينوي الإقامة ببلد، لزمه أن يتم) لأن سفره غير منقطع، مع أنه غير ظاعن عن وطنه وأهله (3) .
(1) أي عزم على إقامة تلك الأيام الأربعة، لأن الحاج لا يخرج إلا يوم التروية، ودلالته على جواز القصر في نحو تلك الأيام وما دونها، وأما ما فوقها فلا حجة فيه لمنع القصر، وإنما يستفاد من أدلة أخر، وقال أنس: أقمنا بمكة عشرا نقصر الصلاة متفق عليه.
(2)
وهو كل من يتعاطى سيرها، من مالك ورئيس ونحوهما.
(3)
أشبه المقيم، ولأنه يعتبر للسفر المبيح كونه منقطعا، بخلاف الدائم، وعنه: يترخص وفاقا، واختاره الموفق والشيخ وغيرهما، وقالا: سواء كان معه أهله أو لا، لأنه أشق، وكونه يعتبر انقطاعه لم يكتفوا به، ونص عليه وخلاف ما ذهب إليه الأئمة، ومفهوم كلامه أنه إن كان له أهل وليسوا معه، أو معه وينوي الإقامة ببلد، فله القصر كغير من المسافرين، وهذا بلا نزاع.
ومثله مكار وراع ورسول سلطان ونحوهم (1) ويتم المسافر إذا مر بوطنه (2) أو ببلد له به امرأة (3) أو كان قد تزوج فيه (4) .
(1) أي ومثل ملاح على ما تقدم من المذهب في أنه لا يقصر إن كان معه أهله، ولم ينو الإقامة ببلد مكار، وهو من يكري دابته، وفي الكافي، وفيج وهو الساعي المسرع، وقيل: البريد فارسي معرب، وإباحة القصر لهما أظهر لدخولهما في عموم النص اهـ، وراع لإبل أو بقر أو غنم، ورسول سلطان الذي يتابع أخبار السلطان ونحوهم، كساع، وهو الوالي على أمر قوم، وبريد، وهو المرتب، سمي بذلك لقطعه المسافة، ومن لا أهل له ولا وطن، ولا منزل يقصده، ولا يقيم بمكان ولا يأوي إليه، وعنه: يقصرون وفاقا، واختاره الموفق وغيره: وشيخ الإسلام كما مر والبادية الذين حيث وجدوا المرعى رعوه يتمون، لأنهم مقيمون في أوطانهم، فإن كان لهم سفر من المصيف إلى المشتى، ومن المشتى إلى المصيف فإنهم يقصرون في مدة سفرهم، لعموم الأخبار، وكل من جاز له القصر جاز له الفطر والجمع، ولا عكس، والأحكام المتعلقة بالسفر أربعة القصر، والجمع والمسح ثلاثا، والفطر، وأما أكل الميتة، والصلاة على الراحلة إلى جهة السير، فلا تختص بالسفر المبيح للقصر.
(2)
وفاقا لأبي حنيفة، وقول لمالك، ولو لم تكن له به حاجة، غير أنه طريقه إلى بلد يطلبه.
(3)
أي زوجة وإن لم يكن وطنه، لزمه أن يتم حتى يفارقه.
(4)
صوابه أو تزوج فيه، فالمراد إذا دخل بلدا، وتزوج فيه بعد دخوله لزمه أن يتم، لما رواه أحمد عن عثمان، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم» رواه الحميدي والبخاري في تاريخه، ونص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام وهو
قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما وليس المراد أنه قد تزوج فيها أو لا، ثم أتاها بعد، وعنه: يقصر وفاقا للأئمة الثلاثة، وفي المستوعب فإن دخل بلدا فيه والده أو أولاده أو له فيه مال أو دار، أو بلدا كان وطنا له قديما فانتقل عنه واستوطن غيره، لم يمنعه ذلك من القصر.
أو نوى الإتمام ولو في أثنائها بعد نية القصر (1)(وإن كان له طريقان) بعيد وقريب (فسلك أبعدهما) قصر (2) لأنه سافر سفرا بعيدا (3)(أو ذكر صلاة سفر في) سفر (آخر قصر)(4) لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر، كما لو قضاها فيه نفسه (5) قال ابن تميم وغيره: وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها (6) .
(1) لزمه أن يتم، لأنه رجع إلى الأصل.
(2)
قال ابن عقيل: قولا واحدا، إذا كان سلوكه لغير القصر، كجلب مال أو نفي ضرر، وظاهر الإقناع وغيره جواز القصر ولو سلكه للقصر، أو غيره، وتقدم كلام شيخ الإسلام، وقال في الفروع: وظاهر كلامهم منع من قصد قرية بعيدة لحاجة هي في قريته.
(3)
يبلغها أشبه ما لو لم يكن له سواها، فأعطي حكمه، واختار الشيخ وغيره عدم القصر إذا لم يغب عن أهله يومه، لأنه لا يسمى مسافرا، ولا يدخل في حكم المسافر وهو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.
(4)
إجماعا.
(5)
أي في السفر الذي وجبت عليه فيه.
(6)
أي لا فرق، وابن تميم هو محمد بن تميم الحراني الفقيه، له المختصر في الفقه، توفي قريبا من سنة ست مائة وخمس وسبعين.
واقتصر عليه في المبدع، وفيه شيء (1)(وإن حبس) ظلما أو بمرض أو مطر ونحوه (2) .
(ولم ينو إقامة) قصر أبدا (3) لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول، رواه الأثرم (4) والأسير يقصر ما أقام عند العدو (5) .
(أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة) لا يدري متى تنقضي (قصر أبدا)(6) غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته (7) .
(1) أي في كلام ابن تميم وغيره كصاحب الرعاية، ولعل وجهه أنه لو شرع في قضاء الصلاة في السفر، ثم قدم بلده في أثنائها قصر، وليس بظاهر، على ما تقدم من تغليب الحضر.
(2)
كثلج وبرد.
(3)
إجماعا، ما دام حبسه بذلك.
(4)
وقيس عليه الباقي، وهذا الأثر ونحوه من حجج القائلين بنفي التقدير بأربعة أيام ونحوه، وأذربيجان بفتح الهمزة وسكون الذال، وفتح الراء، وهو جنوبي بحر الخزر بين روسيا وإيران.
(5)
أي مدة إقامته عند العدو تبعا لسفرهم، وتقدم، والأسير هو المأسور عند الكفار.
(6)
وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وعند الشافعية إلى غاية عشرين يوما، وفي الإنصاف: أبدا بلا خلاف.
(7)
أي المقام، وأقام دام واستقر، والفرق بين هذه والتي بعدها أنه في التي بعدها نوى الإقامة نفسه، ظانا أنها لا تنقضي حاجته قبل أربعة أيام، فكأنه بذلك
نوى أربعة أيام، وفي هذه الإقامة ليست مقصودة، ولا منوية، وإنما المنوي، قضاء حاجته، والإقامة صارت تبعا، ومن قصد بلدا غير عازم على الإقامة به مدة تقطع حكم السفر فله القصر، لفعله صلى الله عليه وسلموأصحابه، وكذا إن عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية إلى قرية، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في مقامه بمكة ومني وعرفات.
لأنه عليه السلام أقام بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة رواه أحمد وغيره، وإسناده ثقات (1) وإن ظن أن لا تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم (2) وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح لم تنعقد، صلاته (3) كما لو نواه مقيم (4) .
(1) فرواه: أبو داود والبيهقي وابن حبان، وصححه ابن حزم والنووي، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسعة عشر يصلي ركعتين، رواه البخاري وغيره، وقال أنس: أقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة، ورواه البيهقي بإسناد حسن، قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسافر يقصر ما لم يجمع على إقامة، ولو أتى عليه سنون.
(2)
كما لو علم ذلك أو نواه، قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب وتقدم ما أوضحه شيخ الإسلام، وعبارة غيره: أو نوى إقامته لحاجة، يعني مع نية الإقامة فوق الأربعة الأيام لأنه تقدمه قوله: أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة، ثم قال الشارح: غلب ظنه كثرة ذلك أو قلته، وتقدم الفرق بينهما.
(3)
كأن لم يكن سفره مباحا، وعلى ما تقدم، وتسميته سفرا يقضي بصحتها، لإطلاق الشارع.
(4)
فإنها لا تنعقد بالإجماع، لكنها ليست كهي من كل وجه.