المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل في أحكام الإمامة (1)   ‌ ‌(الأولى بالإمامة الأقرأ) جودة (2) (العالم - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌ ‌فصل في أحكام الإمامة (1)   ‌ ‌(الأولى بالإمامة الأقرأ) جودة (2) (العالم

‌فصل في أحكام الإمامة

(1)

‌(الأولى بالإمامة

الأقرأ) جودة (2)(العالم فقه صلاته)(3) .

(1) الإمامة مصدر: أم الناس صار لهم إمامًا يتبعونه في صلاته، وفضلها مشهور، تولاها النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه، ولا يختارون إلا الأفضل فالأفضل فعلها، وله أجر بذلك لما في الحديث «ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة رجل أم قومًا وهم به راضون» ، الحديث، وحديث «له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه» ، ويجوز طلبها، لقوله: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال:«أنت إمامهم واقتد بأضعفهم» ، وليس من طلب الرياسة المكروهة، فإن ذلك مما يتعلق برياسة الدنيا التي لا يعان من طلبها، ولا يستحق أن يعطاها، ويشهد له عموم قوله {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} .

(2)

مصدر جاد بمعنى جيد، أي يقدم على غيره، تقديم استحباب، وإن لم يكن فقيها، قيل لأنه أعظم أجرًا، والمراد بالأقرأ جودة الذي يجيد قراءته أكثر من غيره، بأن يعرف مخارج الحروف، ولا يلحن فيها، على ما اقتضته طبيعة القارئ، من غير تكلف، لا الوسوسة والتكلف في خروج الحروف، وترقيقها وتفخيمها وإمالتها، والتمطيط المخرج له من حدوده، ونص ابن القيم وغيره على أن الأئمة كرهوا التنطع والغلو في النطق بالحروف، وأنها لم تكن متكلفة كما يتكلفها أهل الأمصار اليوم، وذكر غير واحد أنها قراءة محدثة.

(3)

كشروطها وأركانها وواجباتها، ومبطلاتها ونحو ذلك، قال الحافظ: لا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته، من أحوال الصلاة، أما إذا كان جاهلا فلا يقدم اتفاقًا.

ص: 296

(1) من حديث أبي مسعود البدري، وله من حديث أبي سعيد مرفوعًا، قال:«إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» وفي الصحيح عن عمرو بن سلمة «إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا» ولأبي داود من حديث ابن عباس «ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم أقرؤكم» ، وفي الصحيح عن ابن عمر: لما قدم المهاجرون الأولون كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وفيهم عمر، ولأبي داود وغيره، وأبو سلمة ففيه وما قبله دلالة قوية على تقديم الأقرأ قال شيخ الإسلام، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضيلة بالعلم بالكتاب والسنة، فإن استووا في العلم قدم بالسبق إلى العمل الصالح، وقدم بالسابق باختياره - وهو المهاجر - على من سبق بخلق الله وهو الكبير السن، وقدم في الإقناع والمنتهى الأقرأ الأفقه، لجمعه بين المرتبتين في القراءة والفقه، وإنما قدم النبي صلى الله عليه وسلم الأقرأ لأنه في زمانه كان أفقه، وقدم أبا بكر على من هو أقرأ منه كزيد وأبي زيد وأبي ومعاذ.

(2)

أي يقدم الأفقه لما تقدم من قوله: صلى الله عليه وسلم «فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ، أي أفقههم في دين الله، قال الزركشي: لا نزاع بين العلماء أنه يقدم بعد الأقرأ الأفقه، ولو قدم الأفقه على الإقرأ جاز، قال أبو محمد: لا أعلم فيه خلافًا، إذ الأمر فيه أمر إرشاد.

ص: 297

فإن اجتمع فقيهان قارئان، وأحدهما أفقه أو أقرأ قدم (1) فإن كانا قارئين قدم أجودهما قراءة (2) ثم أكثرهما قرآنا (3) ويقدم قارئ لا يعرف أحكام صلاته على فقيه أمي (4) وإن اجتمع فقيهان أحدهما أعلم بأحكام الصلاة قدم، لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة (5) .

(1) أي الأقرأ من الفقيهين القارئين أو الأفقه منهما، لقوله:«مروا أبا بكر فليصل بالناس» ومن شرط الأقرأ أن يكون عالما فقه صلاته، حافظا للفاتحة، ولو كان أحد الفقيهين أفقه، أو أعلم بأحكام الصلاة قدم، أما لو تعارض فضل القراءة وفضل الفقه قدم الأفقه، لأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر من احتياجه إلى القراءة، لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور، ولما تقدم من تقديم الصديق.

(2)

أي الأحسن تجويدا للقرآن، لأنه أعظم أجرا، لحديث:«من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة» صححه الترمذي، وقال أبو بكر وعمر، إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه، وإن لم يكن فقيها، إن كان يعرف فقه صلاته.

(3)

يعني مع الاستواء في الجودة يقدم الأكثر قرآنًا الفقيه، لفضله بكثرة أخذ القرآن، ثم يليه قارئ أفقه، ثم قارئ فقيه، ثم قارئ عالم فقه صلاته من شروطها وأركانها وواجباتها ومبطلاتها ونحو ذلك كما تقدم.

(4)

أي لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها كما يأتي، لأنها ركن في الصلاة، بخلاف معرفة أحكامها، ولو لم يأت بها إلا عادة.

(5)

قال شيخ الإسلام: إذا كان رجلان من أهل الديانة، فأيهما كان أعلم بالكتاب والسنة وجب تقديمه على الآخر، وكان ائتمامه به متعينا.

ص: 298

(ثم) إن استووا في القراءة والفقه (الأسن)(1) لقوله عليه الصلاة والسلام «وليؤمكم أكبركم» متفق عليه (2) .

(ثم) مع الاستواء في السن (الأشرف) وهو القرشي (3) وتقدم بنو هاشم على سائر قريش (4) إلحاقًا للإمامة الصغرى بالكبرى (5) ولقوله عليه الصلاة والسلام: «قدموا قريشًا ولا تقدموها» (6) .

(1) أي قدم الأسن، وهو الأكبر سنا، لأن كبر السن في الإسلام فضيلة يرجع

إليها.

(2)

من حديث مالك بن الحويرث، ولأنه أقرب إلى الخشوع، وإجابة الدعاء ولمسلم «وكان متقاربين في القراءة» ولأبي داود «في العلم» .

(3)

أي يقدم الأشرف نسبا، وهو القرشي من ولد النضر، سموا قريشًا لتجمعهم في الحرم، وقيل: غير ذلك والشرف العلو والمجد، أو لا يكون إلا بالآباء، يقال: رجل شريف، وماجد له آباء متقدمون في الشرف، وشرف يشرف شرفًا، علا في دين أو دنيا، وقال أبو محمد وغيره: أشرفهم أعلاهم نسبًا، وأفضلهم في نفسه، وأعلاهم قدرًا، وأشرف الناس قريش، وفي الحديث:«إن الله اصطفى قريشًا» وفيه «فأنا خيار من خيار» ، وفي مجمع البحرين: الشرف الأقرب فالأقرب منه صلى الله عليه وسلم فيقدم العرب على غيرهم، ثم قريش ثم بنو هاشم، وكذلك أبدًا.

(4)

لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم على من سواهم، كبني عبد شمس ونوفل ويأتي.

(5)

وهي الخلافة.

(6)

رواه أحمد وغيره عن ابن شهاب، وابن عدي عن أبي هريرة والبزار

عن علي وقال الحافظ بإسناد صحيح لكنه مرسل، وله شواهد وفي الصحيحين وغيرهما «لا يزال هذا الأمر في قريش» «الناس تبع لقريش» ، ولأحمد وغيره «الأئمة من قريش» ، وعليه فيقدمون في الإمامة، وقال شيخ الإسلام، ولا يقدم في الإمامة بالنسب وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد لقوله:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} ويجب تقديم من قدمه الله ورسوله، ولو كان بخلاف شرط الواقف فلا يلتفت لشرط يخالف شرط الله ورسوله، وفي المقنع وغيره: ثم أقدمهم هجرة، ثم أشرفهم، واختاره الشيخ، وجمع، وقيل: يقدم الأتقى على الأشرف، واختاره الشيخ وصوبه في الإنصاف.

ص: 299

(ثم الأقدم هجرة)(1) أو إسلامًا (2)(ثم) مع الاستواء فيما تقدم (الأتقى)(3) .

(1) يعني بنفسه لا بآبائه وهو سبقه إلى دار الإسلام مسلمًا، والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الأولى للثانية، وقوله:«لا هجرة بعد الفتح» ، يعني من مكة إذ ذاك بعد أن صارت دار إسلام، وإلا فـ «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها» ، وظاهر كلام أحمد تقديم الأقدم هجرة على الأسن، واختاره الموفق وغيره، وقدمه في الكافي، وصححه الشارح، وجزم به جمع للأخبار.

(2)

أي يقدم من تقدم إسلامه على من تأخر، لما في صحيح مسلم وغيره «فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلمًا» أي إسلاما.

(3)

والأورع فيقدم على الأعمر للمسجد، لأن مقصوده الصلاة هو الخضوع، ورجاء إجابة الدعاء والأتقى والأورع أقرب إلى ذلك والتقوى كلمة جامعة لخصال الخير، وقال بعضهم، التقوى ترك ما لا بأس به حذرًا مما به بأس، وهو أعلى مراتبها، وأدناها توقي الشرك، وأوسطها اتباع الأوامر، واجتناب النواهي

والورع اجتناب الشبهات والشهوات خوفًا من الله وفي الأصل: الكف، وقال ابن القيم: الفرق بين الزهد والورع أن الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يخشى ضرره في الأخرة، قال في الإقناع، ثم من يختاره الجيران المصلون، وكان أعمر للمسجد، وذكره الشارح وغيره، والمذهب ما ذكره تبعا للمقنع وغيره.

ص: 300

لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (1) .

(ثم) إن استووا في الكل يقدم (من قرع) إن تشاحوا (2) لأنهم تساووا في الاستحقاق وتعذر الجمع فأقرع بينهم، كسائر الحقوق (3)(وساكن البيت، وإمام المسجد أحق) إذا كان أهلًا للإمامة ممن حضرهم (4) ولو كان في الحاضرين من هو أقرأ أو أفقه (5) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا في سلطانه» رواه أبو داود عن ابن مسعود (6) .

(1) أي إنما تفاضلون بالتقوى، لا بالأحساب.

(2)

أي عليه، حذر فواته، فمن خرجت له القرعة قدم فهو الأحق.

(3)

أي المتشاح فيها، فإنها عند التشاح وعدم المرجح يقرع بينهم، والقرعة جاء بها الشرع، حتى أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه.

(4)

بشرط أن تصح إمامته بهم، وأحق أي مستحق لها.

(5)

أي من ساكن البيت، وإمام المسجد، قال في الشرح والمبدع: بغير خلاف نعلمه.

(6)

صوابه عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، رواه أبو داود وغيره من

طريقين وهو في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود بلفظ: «ولا يؤمن الرجل

الرجل في بيته ولا في سلطانه إلا بإذنه» وسلطان محل ولايته، ومظهر سلطانه أو فيما يملكه، ولأبي د داود «من زار قوما فلا يؤمنهم» ، وعن ابن مسعود «من السنة أن يتقدم صاحب البيت» ، قال الحافظ: إسناده ثقات، قال الخطابي: معناه أن صاحب المنزل أولى بالإمامة في بيته، إذا كان من القراءة أو العلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة، وأتى ابن عمر أرضًا له فيها مولى له، فصلى معهم، وقال: صاحب المسجد أحق، رواه البيهقي بسند جيد، وإن كان إمام المسجد عن ولاية سلطان أو عامله فهو داخل في حكم السلطان، وإن كان باتفاق من أهل المسجد فهو أحق، لأنها ولاية خاصة، ولأن التقدم عليه يسيء الظنه به، وينفر عنه، قال في الإقناع، فيحرم تقديم غيرهما عليهما بدون إذن، ولهما تقديم غيرهما، ولا يكره، بل يستحب إن كان أفضل منهما، وفي الغاية: لا يؤم في الجوامع الكبار إلا من ولاه السلطان أو نائبه، ويستنيب إن غاب، وما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد الحق لمن رضوا به، فإن تعذر فليس لرئيس القرية وليس لهم بعد الرضا عزله، ما لم تتغير حاله، لكن لا يستنيب إن غاب، وقال الحارثي، الأشهر أن للإمام النصب أيضا، لكن لا ينصب إلا برضى الجيران.

ص: 301

(إلا من ذي سلطان) فيقدم عليهما لعموم ولايته، ولما تقدم من الحديث (1) .

(1) وهو قوله: «ولا يؤمن الرجل الرجل في بيته، ولا في سلطانه والسلطان المراد به الإمام الأعظم» ، ثم نوابه، كالقاضي، وكل ذي سلكان أولى من جميع نوابه، لأنه صلى الله عليه وسلم أم عتبان بن مالك وأنسًا في بيوتهما، ولأن، له ولاية عامة فإذاحضر قدم على جميع الحاضرين، سواء كان غيره أقرأ أو أفقه أو لا، فإن لم يتقدم الوالي قدم من شاء ممن يصلح للإمامة، وإن كان غيره أصلح منه، لأن الحق فيها له فاختص بالتقدم والتقديم.

ص: 302

والسيد أولى بالإمامة في بيت عبده، لأنه صاحب البيت (1)(وحر) بالرفع على الابتداء (2)(وحاضر) أي حضري، وهو الناشئ في المدن والقرى (3)(ومقيم وبصير ومختون) أي مقطوع القلفة (4) و (ومن له ثياب) أي ثوبان وما يستر به رأسه (5)(أولى من ضدهم) خبر عن حر وما عطف عليه (6) .

(1) فهو أولى من عبده لولايته عليه.

(2)

سوغ الابتداء به لكونه في مقام التفضيل، وللعلم به، يعني الحر أولى من العبد والمبعض كما يأتي وأم ذكوان مولى عائشة وهو غلام لم يعتق ولم تنكر، وأمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا فلا تكره.

(3)

ضد البادي، وحضر كنصر حضارة أقام في الحضر أي الحاضر أولى من البادي، ولا تكره، وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي لقوله:«يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» الحديث إذا لم يكن مانع شرعي عام.

(4)

بضم القاف وفتحها، جمعها قلف، مثل غرفة وغرف، وقصبة وقصب، وقصبات وهي الجلدة التي تقطع في الختان، أي هؤلاء أولى من ضدهم، وكذا حسن الخلق بضم الخاء، وفاقا لأبي حنيفة ومالك، وسوّى الشافعية

وغيرهم بين الأعمى والبصير، وهو رواية عن أحمد، ولا كراهة لاستخلافه ابن أم مكتوم.

(5)

إشارة إلى أن الجمع غير مقصود، وكذا نظافة الثوب والبدن، وحسن الصوت وطيب الصفة، ونحوها من الفضائل، لإفضائه إلى استمالة القلوب، وكثرة الجمع، والائتلاف ولأن الإمامة أرفع مراتب الإسلام، فلا يؤم إلا أهل

الكمال، وقال بعض الأصحاب، لا يرجح بحسن الوجه، ولا نظافة الثوب، ونحو ذلك.

(6)

وهو قوله ومقيم: إلى آخره، وأولى من ضدهم الآتي بيانه ما لم يكن

العبد أفضل من الحر، والأعرابي أفضل من الحضري، والأعمى أفضل من البصير، وهكذا فيكون الحكم بالضد، لقوله:«يؤم القوم أقرؤهم» الحديث قال الحافظ: فكل من اتصف بذلك جازت إمامته من عبد وصبي وغيرهما.

ص: 303

فالحر أولى من العبد والمبعض (1) والحضري أولى من البدوي الناشئ بالبادية (2) والمقيم أولى من المسافر لأنه ربما يقصر، فيفوت المأمومين بعض الصلاة في جماعة (3) .

(1) عند جمهور العلماء، مع التساوي لأنه أكمل في أحكامه وأشرف ولا يصلح إماما في الجمعة والعيد، ولئلا يؤدي إلى التنفير، وعنه: العيد أولى إذا كان أفضل وأدين، وهو قول جمهور العلماء، لعموم «يؤم القوم أقرؤهم» الحديث وصلى ابن مسعود وأبو ذر وغيرهما وراء مولى أبي أسيد وهو عبد فعليه لا يكون أولى، قال الشافعي وغيره، لا يترجح الحر عليه إذا تساويا في القراءة والعلم والورع، ولما انتهى أبو ذر إلى الربذة فإذا عبد يؤمهم، فتأخر فقال أبو ذر: أوصاني خليلي، الحديث، قال الشارح وغيره: وإمامة العبد صحيحة لما تقدم، يعني من الآثار عن الصحابة في ذلك، قال: ولم يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا، وقال الحافظ وغيره: مذهب جمهور العلماء صحة إمامة العبد أي فلا تكره والمبعض أولى.

(2)

للاختلاف في إمامته، ولأن الغالب على أهل البادية الجفاء، وقلة المعرفة بحدود الله، وأحكام الصلاة، لبعدهم عمن يتعلمون منه، قال تعالى في حق الأعراب:{واجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} ، ولا بأس بإمامته إذا كان يصلح وفاقًا لأبي حنيفة.

(3)

وقال القاضي: إن كان إماما فهو أحق، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي عام الفتح، ويقول:«اتموا فإنا قوم سفر» فلا تكره إمامة مسافر بمقيمين

إذا كان أولى بالإمامة، إلا أنه مسافر فإن قصر لم تكره إجماعا، قال في مجمع البحرين: ويقضي المقيم كمسبوق فإن أتم كرهت إمامته بالمقيم، خروجًا من خلاف من منعها نظرا إلى أن ما زاد على الركعتين نفل، وإن تابعه المقيم صحت ويأتي قال المجد، ولا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان لقوله:«إلا بإذنه» وعموم قوله: «ورجل أم قومًا وهم به راضون» .

ص: 304

وبصير أولى من أعمى (1) ومختون أولى من أقلف (2) ، ومن له من الثياب ما ذكر، أولى من مستور العورة مع أحد العاتقين فقط (3) وكذا المبعض أولى من العبد (4) والمتوضئ أولى من المتيمم (5) .

(1) لأنه أقدر على توقي النجاسة باجتهاده، وهي جائزة إجماعًا، حكاه الشارح وغيره، وتصح، ولو كان أصم، على الصحيح من المذهب، قاله في الإنصاف.

(2)

أي مقطوع الغرلة أولى بالتقديم في الإمامة ممن لم يختن قال الشيخ: وتصح خلف خصي، كما تصح خلف الفحل، باتفاق أئمة المسلمين، وهو أحق بالإمامة ممن هو دونه.

(3)

لا معهما، وكلما كان أكمل كان أولى، لأنه منظور إليه.

(4)

لأن فيه بعض أكملية وأشرفية.

(5)

لأن الوضوء رافع للحدث، بخلاف التيمم فإنه مبيح لا رافع، وتقدم وتيمم عمر بن العاص، وهو جنب في غزوة ذات السلاسل، في ليلة باردة وصلى بأصحابه، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأقره، رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وتصح خلفه، بلا كراهة عند الأئمة وجمهور الأمة، وحكى غير واحد جوازها إجماعًا، وأجمعوا على جواز إمامة الماسح على الخفين، بالغاسل القدمين لا من عدم الماء والتراب بمن تطهر بأحدهما.

ص: 305

والمستأجر في البيت أولى من المؤجر (1) والمعير أولى من المستعير (2) وتكره إمامة غير الأولى بلا إذنه (3) لحديث «إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزلوا في سفال» ، ذكره أحمد في رسالته (4) إلا إمام المسجد، وصاحب البيت، فتحرم (5)(ولا تصح) الصلاة (خلف فاسق) سواء كان فسقه من جهة الأفعال أو الاعتقاد (6) .

(1) بكسر الجيم، على صيغة اسم الفاعل، من الرباعي المزيد والذي قبله بصيغة اسم المفعول، لأن المستأجر مالك المنفعة، وقادر على منع المؤجر من دخوله.

(2)

لأن المعير مالك للعين والمنفعة، وقادر على منع المستعير، وإنما يملك الانتفاع مؤقتًا.

(3)

للإفتتات عليه، وإن فعل صحت مع الكراهة، وإذا قدم المستحق غيره جاز، ولا كراهة لأن الحق في التقدم له، وقد أسقطه، ولا بأس أن يؤم الرجل أباه بلا كراهة، إذا كان بإذنه أو فيه مزية يقدم بها عليه، كما قدم الصديق على أبيه.

(4)

بعد قوله: ومن الحق الواجب على المسلمين أن يقدموا خيارهم، وأهل الدين والأفضل منهم أهل العلم بالله، الذين يخافون الله ويراقبونه ورسالته هي المشهورة المعروفة بالرسالة السنية، في الصلاة وما يلزم فيها.

(5)

أي إمامة غيرهما إلا بإذنهما استثناء من قوله: وتكره إمامة غير الأولى إلخ.

(6)

لأنه لا يقبل خبره، ولا يؤمن على شرائط الصلاة، فلم تصح خلفه، والفاسق من الفسق، وهو الخروج عن حد الاستقامة، كمن يرتكب الكبائر ونحوها.

وجهة الأفعال كالزنا والسرقة وشرب المسكر ونحوه، وكالغيبة والنميمة والاعتقاد كالرفض والاعتزال والإرجاء ونحوه، سواء أعلن بفسقه أو لا، وقال الشيخ: لا تصح خلف أهل الأهواء والبدع مع القدرة اهـ وظاهر المذهب أنه إذا كان الفاسق معلنا بفسقه، وفاقًا لمالك، واختاره الموفق والمجد، وقال الحارثي: يجب أن يولى في الوظائف وإمامه المساجد الأحق شرعا، وليس للناس أن يولوا عليهم الفساق، وعن أحمد: تكره وتصح، وفاقًا لأبي حنيفة والشافعي

ص: 306

إلا في جمعة وعيد تعذرًا خلف غيره (1) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تؤمن امرأة رجلا، ولا أعرابي مهاجر، ولا فاجر مؤمنا، إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه» رواه ابن ماجه عن جابر (2) .

(1) أي الفاسق: بأن يعدم أخرى خلف عدل للضرورة، قال الشيخ: عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، ولهذا قالوا في العقائد: تصح الجمعة والعيد خلف كل إمام، برا كان أو فاجرا، وذكر أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتعطيل المفاسد، وأن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فسادا من الاقتداء فيها بإمام فاجر، ثم قال: ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعة خلف أئمة الجور مطلقا معدودين عند السلف والأئمة من أهل البدع.

(2)

يعني مهاجرًا من البادية إلى الحاضرة، والأعرابي نسبة إلى الأعراب، لا واحد له من لفظه، ولا جمعا لعرب، وهو من يسكن البادية، عربيا كان أو عجميا، و (فجر) عدل عن الحق و (فسق) خرج عنه، قال شيخ الإسلام عند بعضهم نهي تحريم، وبعضهم نهي تنزيه والصلاة خلفه منهي عنها، بإجماع المسلمين

ولا يجوز تقديمه مع القدرة على ذلك، وقال الماوردي، يحرم على الإمام

نصب الفاسق إماما للصلوات لأنه مأمور بمراعاة المصالح، وليس منها أن يوقع

الناس في صلاة مكروهة، فلو صلى خلف من يعلم أنه فاسق أو مبتدع، ففي صحة صلاته قولان مشهوران، في مذهب أحمد ومالك، ومذهب الشافعي وأبي حنيفة الصحة، وصلى ابن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد، وكان يشرب الخمر، وصلى مرة الفجر أربعًا، وصلى ابن عمر وغيره خلف المختار، وكان متهما بالإلحاد داعية إلى الضلال، وأجمعوا عليه هم وتابعوهم، لأن أئمة الصلاة في تلك الأعصار في كل بلدة هم الأمراء، وحالهم لا تخفي.

قال: والأصل أن من صحت صلاته صحت إمامته، وصلاة الفاسق صحيحة بلا نزاع، ولا خلاف في كراهتها، وأخرج البخاري في تأريخه عن عبد الكريم أنه قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يصلون خلف أئمة الجور، وفي صحيح مسلم وغيره، من غير وجه:«كيف أنت إذا كان عليك أمراء، يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتونها عن وقتها؟» ، قال: فما تأمرني؟ قال صلى الله عليه وسلم «صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة» فقد أذن بالصلاة خلفهم وجعلها نافلة، لأنهم أخرجوهم عن وقتها وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها، لكان مأمورًا بصلاتها خلفهم فريضة، لما في الصحيح وغيره، قال:«أئمتكم يصلون لكم ولهم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم» وكذا عموم أحاديث الجماعة، من غير فرق، وفي الصحيح وغيره أحاديث كثيرة، تدل على صحة الصلاة خلف الفساق والأئمة الجائرين.

قال النووي وغيره: وهو مذهب جمهور العلماء، وإذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد أو لم يمكنه إلا خلف هذا الفاسق، فقال شيخ الإسلام: تصلي خلفه الجماعة فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقا، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد والشافعي وغيرهما بل الجماعة واجبة على الأعيان، في ظاهر مذهب أحمد ومن ترك الجمعة أو الجماعة خلف الإمام

الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة، والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها، فإن الصحابة كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار، ولا يعديون، وذكر قول عثمان: إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا ساءا فاجتنب إساءتهم، ومثل هذا كثير، والمبتدع صلاته في نفس صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، وإنما كره من كره الصلاة خلفه، لأن الأمر والنهي واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورًا لا يرتب إمامًا للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب.

والتحقيق: أن الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها، لكن لأنهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا وأن لا يقدموا في الصلاة على المسلمين اهـ وتصح خلف إمام لا يعرفه لأن الأصل في المسلمين السلامة قال شيخ الإسلام: ويجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقده؟ بل يصلي خلف مستور الحال.

ص: 307

(ككافر) أي كما لا تصح خلف كافر (1) .

(1) سواء كان أصليًا أو مرتدا، وسواء كان كفره ببدعة أو غيرها، ولو أسره فإنها لا تصح لنفسه، فلا تصح لغيره، قال شيخ الإسلام: وأما الصلاة خلف من يكفر من أهل الأهواء، فمن قال: يكفر، أمر بالإعادة وحقيقة الأمر أن القول قد يكون كفرًا، فيطلق القول بتكفير صاحبه، ويقال: من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا كما في نصوص الوعيد، فلا يشهد عليه، لجواز أن

لا يلحقه، لفوات شرط، أو ثبوت مانع، وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده

أو لم يتمكن من فهمهما، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان مجتهدا في طلب الحق، وأخطأ إن الله يغفر له خطأه، سواء كان في المسائل النظرية أو العلمية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام، وأما تفريق المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل وفروع لا يكفر بإنكارها فهذا التفريق ليس له أصل، لا عن الصحابة، ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ من المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاها من ذكره من الفقهاء، وهو تفريق متناقض.

ص: 309

سواء علم بكفره في الصلاة، أو بعد الفراغ منها (1) وتصح خلف المخالف في الفروع (2) .

(1) أي فلا تصح صلاته، ولو علم منه حال ردة وحال إسلام، ولم يعلم في أي الحالين هو، أعاد لاحتمال أن يكون على الحال التي لا تصح إمامته فيها، وقال بعضهم: لا يعيد وصوبه في تصحيح الفروع، وإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه، وشك في ردته، فلا إعادة لأن الظاهر بقاؤه على ما كان عليه، وكذا حكم مجنون، وسكران والأولى خلف من يعرفه بالإسلام، ليتحقق براءة ذمته، وقال ابن تميم وغيره، ومن صلى بأجرة لم يصل خلفه، وإن أعطي بلا شرط فلا بأس نصا.

(2)

التي يفسق بها كالصلاة خلف من يرى صحة النكاح بغير ولي أو شهادة لفعل الصحابة ومن بعدهم، قال المجد، من قال لا تصح فقد خرق إجماع من تقدم من الصحابة فمن بعدهم، قال في الفروع وغيرها: ما لم يفسق بذلك، كمن شرب من النبيذ ما لا يسكر، مع اعتقاد تحريمه، وأدمن على ذلك، وقال شيخ الإسلام، تجوز صلاة أهل المذاهب بعضهم خلف بعض، كما كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة الأربعة يصلي بعضهم خلف بعض، مع تنازعهم فيمن تقيأ أو مس ذكره ونحوه، أو لم يتشهد أو لم يسلم ونحوه والمأموم يعتقد

وجوب ذلك، ولم يقل أحد من السلف إنه لا يصلي بعضهم خلف بعض، ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال مخالف للكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.

ص: 310

وإذا ترك الإمام ما يعتقده واجبا وحده عمدًا بطلت صلاتهما (1) وإن كان عند مأموم وحده لم يعد (2) ومن ترك ركنًا أو شرطًا أو واجبًا مختلفًا فيه، بلا تأويل ولا تقليد أعاد (3) .

(1) كالتشهد الأول، لا سهوا، إذ معه تصح، وهذا تنبيه منه على ما لو ترك الإمام ركنا عنده وحده، كالطمأنينة أو شرط كستر أحد العاتقين، ولو كان المأموم لا يرى ذلك واجبا، ولا ركنا، ولا شرطا، أو عنده وعند المأموم فمن باب أولى.

(2)

أي المأموم قال الشيخ: ولو فعل الإمام ما هو محرم عند المأموم دونه مما يسوغ فيه الاجتهاد صحت صلاته خلفه وهو المشهور عن أحمد وقال: الروايات المنقولة عن أحمد لا توجب اختلافًا وإنما ظواهرها أن كل موضع يقطع فيه بخطأ المخالف تجب الإعادة وهو الذي تدل عليه السنة والآثار، وقياس الأصول اهـ والمراد ما لم يعتقد المأموم الإجماع على المتروك، فيعيد إجماعا، وقال الشيخ: اتفق المسلمون على أن من ترك الأركان المتفق عليها لم يصل خلفه.

(3)

ذكره الآجري وغيره إجماعا كتركه فرضه لأمره عليه الصلاة والسلام تارك الطمأنينة بالإعادة والمراد بقوله: أو واجبا، إذا تركه شاكا في وجوبه، وأما إذا لم يخطر بباله أن عالما قال بوجوبه، فيسقط، وقوله: بلا تأويل، أي اجتهاد، وقال في الإقناع والمنتهى وغيرهما، لا إنكار في مسائل الاجتهاد أي ليس لأحد أن ينكر على مجتهد أو مقلده فيما يسوغ فيه الاجتهاد، وقال شيخ

الإسلام، قولهم، مسائل الاجتهاد لا إنكار فيه، ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل أما الأول فإن كان القول يخالف سنة

أو إجماعًا قديمًا، وجب إنكاره اتفاقًا، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر، عند من يقول: المصيب واحد، وهم عامة السلف والفقهاء، وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع، وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة، وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ، فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا، أو مقلدا، وقال: أيضا في قولهم: لا إنكار.. إلخ، أي المسائل التي ليس فيها دليل يجب العمل به، وجوبا ظاهرا مثل حديث لا معارض له من جنسه، وذكر حديث حذيفة في الذي لا يتم ركوعه إلخ، قال: وهو عام في الإنكار في مثل هذا.

ص: 311

(ولا) تصح صلاة رجل وخنثى خلف (امرأة)(1) لحديث جابر السابق (2)(و) لا خلف (خنثى للرجال) والخناثى، لا حتمال أن يكون امرأة (3) .

(1) إجماعا في الرجل بالمرأة وذكر النووي وغيره أن منع إمامة المرأة للرجال هو مذهب جماهير العلماء من السلف والخلف، والفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وقال أبو حامد: هو مذهب الفقهاء كافة إلا أبا ثور، وتقدم حديث أم ورقة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تتخذ في دارها مؤذنا، وأمرها أن تؤم أهل دارها وإن كان فيهم رجل وخالف ذلك جماهير أهل العلم.

(2)

«لا تؤمن امرأة رجلا» ، ولأن المرأة عورة، فربما تشوش الأمر على الرجل فيكون سببا لفساد صلاته، وصيانتها واجبة.

(3)

وتصح إمامة الخنيثى بنساء ويقفن خلفه، كالرجل وإن صلى رجل خلف خنثى وهو لا يعلم أنه خنثى، فبان بعد الفراغ أنه رجل، فلا إعادة عليه، لصحة صلاته في نفس الأمر، وعدم شكه حال الفعل، بما يفسدها، وتصح إمامة امرأة امرأة وخنثى خنثى قارئين، ورجالا أميين في نقل وتراويح فقط ويقفون

خلفهم لحديث أم ورقة قالت: يا رسول الله إني أحفظ القرآن وإن أهل بيتي لا يحفظونه فقال قدمي الرجال أمامك وقومي وصلى من ورائهم رواه الدارقطني وغيره ولما ذكر الشيخ اتباع الإمام أحمد لما دل عليه الكتاب والسنة قال: ولهذا جوز على المشهور عنه أن تؤم المرأة الرجال لحاجة، مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين فتصلي بهم التراويح اهـ ولا نزاع أن للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة، لكن هل يستحب؟ الأشهر أنه يستحب لهذا الخبر وغيره.

ص: 312

(ولا) إمامة (صبي لبالغ) في فرض (1) لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا تقدموا صبيانكم» قاله في المبدع (2) وتصح في نفل (3) .

(1) هذا المذهب أن الصبي لا يكون إمامًا للبالغ.

(2)

ولا يصح لمعارضته حديث عمرو وغيره، ولم يعز إلى شيء من كتب الحديث وقال ابن عبد الهادي: لا يصح ولا يعرف له إسناد صحيح، وعنه تصح إذا كان يعقلها وفاقا للشافعي وإحدى الروايتي لأبي حنيفة، وذكره غير واحد قول أكثر العلماء لحديث «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله» ، الحديث ولحديث عمرو بن سلمة عند البخاري وغيره، وهو ابن سبع أو ثمان، والذين قدموه جماعة من الصحابة في عصر النبوة ولا يعدل عنه إلا بدليل، وقال ابن حزم، لا نعلم لهم مخالفا، وتقدم أن ذكوان أم وهو غلام لم يبلغ، رواه الشافعي وعبد الرزاق وغيرهم، وكرهها مالك وأصحاب الرأي في الفرض، وقال في الفروع، وبناؤهم المسألة على أن صلاتهم نافلة، ويقتضي صحة إمامته إن لزمته، قاله صاحب النظم وهو متجه اهـ ومن جازت إمامته في النفل جازت في الفرض، إلا بمخصص يجب المصير وقصة معاذ مشهورة.

(3)

كتراويح ووتر، وصلاة كسوف واستسقاء إجماعا، لأنه متنفل يؤم متنفلا.

ص: 313

وإمامة صبي بمثله (1)(و) لا إمامة (أخرس)(2) ولو بمثله، لأنه أخل بفرض الصلاة لغير بدل (3)(ولا) إمامة (عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود) إلا بمثله (4)(أو قيام) أي لا تصح إمامة العاجز عن القيام لقادر عليه (5)(إلا إمام الحي) أي الراتب بمسجد (المرجو زوال علته)(6) .

(1) يعني تصح وفاقا، لأنها نفل في حق كل منهما، فاتحدت صلاتهما.

(2)

بناطق فلا تصح قولا، واحدا وفاقا، والأخرس محتبس اللسان عن النطق، خلقه أو إعياء، وتقدم.

(3)

وهو القراءة والتحريمة وغيرهما، فلا يأتي به، ولا بدل لذلك، فلم تصح إمامته.

(4)

أي عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود ونحو ذلك، فتصح إمامته به، وكذا عاجز عن استقبال، أو اجتناب نجاسة، أو عن الأقوال الواجبة، ونحو ذلك من الأركان والشروط، فلم تصح إلا بمثله في العجز عن ذلك الركن أو الشرط أو الواجب، كالقارئ بالأمي إلا بمثله، لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في المطر بالإيماء، واختار الشيخ صحة إمامة عاجز عن ركن أو شرط كالقاعد يؤم القائم.

(5)

فلم يصح الاقتداء به، كالعاجز عن القراءة إلا بمثله.

(6)

التي منعته القيام، ومفهومه أن إمام الحي إذا لم يرج زوال علته إن إمامته لا تصح، قال في الإنصاف، وهو الصحيح، وهو المذهب، وعليه أكثر الأصحاب والحي البطن من القبيلة ومحلة القوم، الجمع أحياء، وسميت القبيلة بالحي لأن بعضهم يحيا ببعض و (إمام) بالجر صفة لعاجز، وكذا المرجو، وزوال نائب فاعل.

ص: 314

لئلال يفضي إلى ترك القيام على الدوام (1)(ويصلون وراءه جلوسًا ندبا)(2) ولو كانوا قادرين على القيام، لقول عائشة: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وهو شاك، فصلى جالسا، وصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» إلى قوله: «وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا أجمعون» قال ابن عبد البر: روي هذا مرفوعا من طرق متواترة (3) .

(1) ومخالفة الخبر، ولا حاجة إليه، والأصل فيه فعله صلى الله عليه وسلم وكان يرجى زوال علته.

(2)

أي وراء إمام الحي، إذا مرض ورجي زوال علته.

(3)

من حديث أنس وجابر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وحكاه ابن حزم قول جمهور السلف، وادعي إجماع الصحابة فيه، وثبت عن أربعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن إمام الحي يحتاج إلى تقديمه، بخلاف غيره، والقيام أخف، بدليل سقوطه في النفل، وسدا لذريعة مشابهة الكفار، حيث يقومون على ملوكهم وهم قعود، وعنه: تصح قيامًا، لما في الصحيحين وغيرهما، أنه صلى الله عليه وسلم صلى جالسًا، والناس خلفه قيام، وذلك يوم السبت أو الأحد وتوفي يوم الاثنين.

قال الخطابي: وقد صلى قاعدا، والناس من خلفه قيام، فدل على أن حديث أنس وجابر منسوخ، وقاله الشافعي، وحكى الخطابي والقاضي والنووي وابن دقيق العيد وغيرهم صحتها خلفه قياما، قول أكثر العلماء، وذكره في الفروع اتفاقا،

ولأنه الأصل، ولم يأمر من صلى خلفه قائما بالإعادة، واختاره في النصيحة والتحقيق

وعنه: يصح مع غير إمام الحي وإن لم يرج زوالها، حكاه في الفروع وفاقا، لما ثبت عنه وعن الصحابة في حياته وبعد وفاته.

وقال الشافعي: يستحب للإمام إذا لم يستطع القيام استخلاف من يصلي بالجماعة قائما، كما استخلف النبي صلى الله عليه وسلم اهـ. ولأن فيه خروجا من خلاف من منع الاقتداء بالقاعد، ولأن القائم أكمل، وأقرب إلى كمال هيئات الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، وكان الاستخلاف أكثر، فدل على فضيلته وأم قاعدا في بعض الصلوات لبيان الجواز، ولأن الصلاة خلفه قاعدا، أفضل منها خلف غيره قائما، بدرجات، و (أجمعون) قال ابن هشام وغيره: روي بالرفع، تأكيد للضمير، وروي (أجمعين) بالنصب على الحال، وهو ضعيف، لاستلزامه التنكير وهو معرفة بنية الإضافة.

ص: 315

(فإن ابتدأ بهم) الإمام الصلاة (قائما ثم اعتل) أي حصلت له علة عجز معها عن القيام (فجلس أتموا خلفه قيامًا وجوبًا)(1) لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته قاعدًا، وصلى أبو بكر والناس خلفه قيامًا، متفق عليه عن عائشة (2) .

(1) ولم يصح الجلوس، نص عليه، وقال في الإنصاف: بلا نزع، ولأن القيام هو الأصل، فإذا بدأ به في الصلاة، لزمه في جميعها إذا قدر عليه، كمن أحرم في الحضر ثم سافر.

(2)

ولفظه: جلس إلى جنبه، عن يسار أبي بكر، وكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر، ولمسلم: يصلي بالناس، وأبو بكر يسمعهم التكبير، وهو ظاهر الدلالة في اقتداء القائم بالقاعد.

ص: 316

وكان أبو بكر قد اتبدأ بهم قائما، كما أجاب به الإمام (1)(وتصح خلف من به سلس البول بمثله)(2) كالأمي بمثله (3)(ولا تصح خلف محدث) حدثا أصغر أو أكبر (4)(ولا) خلف (متنجس) نجاسة غير معفو عنها (5) إذا كان (يعلم ذلك) لأنه لا صلاة له في نفسه (6)(فإن جهل هو) أي الإمام، (و) جهل المأموم حتى انقضت (7) .

(1) يعني أحمد رحمه الله، فيتمها كذلك، وقال: ليس في الحديثين الآخرين حجة، وأنكر النسخ، وجمع بينهما.

(2)

لا بغير مثله، لأن في صلاته خللا غير مجبور ببدل، لكونه يصلي مع خروج النجاسة التي يحصل بها الحدث، المنافي للطهارة، أشبه ما لو ائتم بمحدث يعلم حدثه، وإنما صحت صلاته في نفسه للضرورة، وبمثله لتساويهما في خروج الخارج المستمر وكذا من به نجو وريح ورعاف لا يرقأ دمه وقروح سيالة تصح بمثله، لا بغير مثله، ولو عبر كالفروع بـ (من حدثه مستمر) لكان أشمل.

(3)

أي كما تصح صلاة الأمي بمثله إجماعا فتصح، خلف من به سلس البول ونحوه بمثله، إذا اتحد عذرهما، لا إن اختلف.

(4)

يعلم حدثه، لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة، أشبه المتلاعب، ولكنه لا صلاة له في نفسه، فيعيد من خلفه، وقال غير واحد: أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف محدث علم حدثه.

(5)

سواء كانت ببدنه أو ثوبه أو بقعته.

(6)

أشبه التلاعب فيعيد من خلفه.

(7)

أي جهلوا الحدث أو النجس حتى فرغوا منها والنسيان كالجهل.

ص: 317

(صحت) الصلاة (لمأموم وحده)(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى الجنب بالقوم أعاد صلاته، وتمت للقوم صلاتهم» رواه محمد بن الحسين الحراني، عن البراء بن عازب (2) .

(1) وفاقا لمالك والشافعي، وجمهور السلف والخلف، ويعيد الإمام وحده.

(2)

ابن الحارث الأنصاري، صحابي ابن صحابي، استصغر يوم بدر، ونزل الكوفة ومات سنة اثنتين وسبعين رضي الله عنه، ولقوله: صلى الله عليه وسلم «يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن اخطأوا فلكم وعليهم» رواه البخاري وغيره، ولحديث أبي بكرة: دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، وقال:«إنما أنا بشر، وإني كنت جنبا» وإسناده صحيح، وصح عن عمر أنه صلى بالناس الصبح، ثم خرج إلى الجرن، فإهراق الماء، فوجد في ثوبه احتلاما، فأعاد ولم يعد الناس، ونحوه عن عثمان وعلي وابن عمر، وهذا في محل الشهرة، ولم ينكر، فكان إجماعا.

وقال الشيخ: وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين، فإنهم صلوا بالناس، ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة، فأعادوا، ولم يأمروا الناس بالإعادة، ولأن الحدث مما يخفي ولا سبيل إلى معرفته، فكان المأموم معذورا، وقال: الناس في انعقاد صلاة المأموم بصلاةالإمام على ثلاثة أقوال، (أحدها) أنه لا ارتباط بينهما (والثاني) أنها منعقدة بها مطلقا، (والثالث) أنها منعقدة بها، لكن إنما يسري النقص، إلى صلاة المأموم، مع عدم العذر منهما، فإما مع العذر فلا يسري النقص، فإذ كان الإمام يعتقد طهارته، فهو معذور في الإمامة، والمؤتم معذور في الإمامة، والمؤتم معذور في الإئتمام، وهذا قول مالك وأحمد وغيرهما، وعليه يتنزل ما يؤثر عن الصحابة في هذه المسألة، وهو أوسط الأقوال، ويدل على صحته ما في الصحيح، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، ولهم، وإن اخطأوا فلكم وعليهم» فهذا نص في أن درك خطئه عليه، لا على المأموم.

ص: 318

وإن علم هو، أو المأموم فيها استأنفوا (1) وإن علم معه واحد أعاد الكل (2) وإن علم أنه ترك واجبًا عليه فيها سهوا (3) أو شك في إخلال إمامه بركن أو شرط صحت صلاته معه، بخلاف ما لو ترك السترة أو الاستقبال، لأنه لا يخفى غالبا (4) وإن كان أربعون فقط في جمعة، وفيهم واحد محدث أو نجس،

(1) أي وإن علم الإمام الحدث أو النجس وهو في الصلاة استأنفوا أو علم المأموم حدثه أو نجسه في الصلاة استأنفوا لعدم صحتها، قال أحمد: يعجبني أن يبتدئوا الصلاة، وإن كان المأموم واحدا وادعاه، وكان غير مقبول الخبر، لم يرجع القول: واستأنف هو فقط، وعنه: ببني المأموم، وفاقًا لمالك والشافعي، محافظة على فضيلة الجماعة، قال الشافعي: يبنون على صلاتهم، لأن مامضى منها صحيح، وقالت الحنفية: اختلفت الصحابة في ذلك، فيصار للقياس، وهو ظااهر وعنه يستخلف الإمام، والدليل على ثبوت الاستخلاف شرعًا إجماع الصحابة، وقصة عمر مشهورة، وعلى رعف فأخذ بيد رجل فقدمه وانصرف، رواه سعيد.

(2)

أي فتبطل صلاة الكل بعلم واحد من المأمومين الذين معه، واختار القاضي والموفق والشارح وغيرهم، يعيد العالم، ونقل أبو طالب: إن علم اثنان وأنكر هو أعاد الكل، واحتج بخبر ذي اليدين، وقاعدة الشيخ: يعيد من علم فقط، وفهم منه أنه لو علم واحد أو أكثر ممن ليس معه، لم تبطل صلاة المأمومين.

(3)

صحت صلاته معه.

(4)

وكذا إن فسدت صلاته لترك ركن، فسدت صلاتهم، كما لو ترك تكبيرة الإحرام.

ص: 319

أعاد الكل سواء كان إماما أو مأموما (1)(ولا) تصح (إمامة أمي)(2) منسوب إلى الأم، كأنه على الحالة التي ولدته عليها (3) .

(وهو) أي الأمي (من لا يحسن) أي يحفظ (الفاتحة)(4) أو يدغم فيها ما لا يدغم بأن يدغم حرفا فيما لا يماثله أو يقاربه، وهو الأرت (5) .

(1) لأن المحدث أو النجس وجوده كعدمه، فينقص العدد المعتبر للجمعة، وكذا العيد، وهذا على القول بأن الأربعين شرط فيها ويأتي.

(2)

بمن يحسنها، مضت السنة على ذلك، قاله الزهري وغيره، فتبطل صلاة المأموم لاقتدائه بمن لا يجوز الاقتداء به إجماعًا، لأن القراءة شرط، فلم يصح اقتداء القادر عليه بالعاجز، كالطهارة وهو يتحملها عن المأموم، والعاجز عنها ليس من أهل التحمل، وعند أبي حنيفة ومالك تبطل صلاة الإمام أيضا، لإمكانه الصلاة خلف من يحسنها، والمذهب وفاقًا للشافعي، لا تبطل صلاة الإمام كالأميين، والأمي لغة من لا يكتب، ومن ذلك وصفه صلى الله عليه وسلم بالأمي، وقال:«أنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب»

(3)

باقٍ على جبلته، لم يقرأ ولم يكتب، وقال القاضي عياض: منسوب إلى الأم، إن النساء - في الغالب من أحوالهن - لا يكتبن ولا يقرأن مكتوبًا فلما كان الابن بصفتها نسب إليها، كأنه مثلها وقيل لأمة العرب، أمية، لأنها لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب.

(4)

يعني عند الفقهاء اصطلاحا، من لا يحفظ الفاتحة.

(5)

بالمثناة المشددة، ورت رتتا كان في لسانه رتة أي عجمة فهو أرت، وهو من يدغغم حرفا في حرف، في غير موضع الإدغام، وقيل: من يبدل الراء

بالياء وقيل: من يلحقه رتج في كلامه، وفي المذهب هو الذي في لسانه عجلة تسقط بعض الحروف، وكذا الألكن لا تتبين قراءته.

ص: 320

(أو يبدل حرفا) بغيره، وهو الألثغ (1) كمن يبدل الراء غينًا (2) إلا ضاد المغضوب عليهم والضالين بظاء (3)(أو يلحن فيها لحنا يحيل المعنى) ككسر كاف (إياك) وضم تاء (أنعمت) وفتح همزة (أهدنا)(4) .

(1) بالمثلثة والمعجمة وهو تحول اللسان من حرف إلى حرف كما صرح به هو وغيره، وحبسة بالكلام، وأبدل الشيء وبدله غيّره اتخذ عوضا عنه.

(2)

لأن الغين لم تكن من أحرف الإبدال، وإنما هما مختلفتان صوتا ومخرجا فلا يحصل بهما مقصود القراءة، وكذا إبدال الراء لامًا أو ياء، أو السين ثاء أو الجيم شينًا أو إبدال حرف بحرف مختلفي المخرج، وحكي فيه الإجماع.

قال الشيخ: فلا يصلي خلف الألثغ يعني إلا من هو مثله اهـ ولا تضر لثغة يسيرة لم تمنع أصل المخرج.

(3)

فلا يصير به أميًا، سواء علم الفرق بينهما لفظا ومعنى أو لا، لأن كلا منهما من طرف اللسان، وبين الأسنان، وكذلك مخرج الصوت واحد، وقال الشيخ: الضاد إذا أخرجه من طرف الفم، كما هو عادة كثيرة من الناس، ففيه وجهان، الثاني يصح، لأن الحرفين في السمع شيء واحد، وجنس وأحدهما من جنس الآخر، لتشابه المخرجين والقارئ إنما يقصد الضلال المخالف للهدي، وهو الذي يفهمه المستمع، وقال ابن كثير: والصحيح من مذاهب العلماء أنه يغتفر الإخلال بتحرير ما بين الضاد والظاء لقرب مخرجيهما.

(4)

إذا غيّره عجزًا عن إصلاحه فهو أمي قال الجوهري اللحن الخطأ في

الإعراب، يقال: فلان لحان أي يخطئ، ولحانة أيضا اهـ وإذا فتح همزة (أهدنا) لم تصح إمامته إلا بمثله، لأن معنى (أهدنا) بفتح الهمزة: أهد إلينا، وإذا عجز عن فرض القراءة لم تصح إلا بمثله.

ص: 321

فإن لم يحل المعنى كفتح دال (نعبد) ونون (نستعين) لم يكن أميا (1)(إلا بمثله) فتصح لمساواته له (2) ولا يصح اقتداء عاجز عن نصف الفاتحة الأول، بعاجز عن نصفها الأخير، ولا عكسه (3) ولا اقتداء قادر على الأقوال الواجبة بعاجز عنها (4) .

(1) فتصح إمامته.

(2)

إجماعا وهو استثناء من قوله: ولا تصح. إلخ، قال الشيخ: إن لحن لحنا يحيل المعنى في الفاتحة لم يصل خلفه إلا من يكون لحنه مثل لحنه، إذا كانا عاجزين عن إصلاحه، وذكر أنه مثل أن يقول (أنعمت) وهو يعلم أنه ضمير المتكلم، فلا تصح، وإن لم يعلم أنه يحيل، واعتقد أنه ضمير المخاطب ففيه نزاع اهـ والمساواة المماثلة والمعادلة.

(3)

أي العاجز عن نصفها الأخير، بعاجز عن نصفها الأول، ولا من يبدل حرفا منها، بمن يبدل حرفا غيره، والعلة في لك عدم المساواة، وإن لم يحسنها، لكن أحسن بقدرها من القرآن، لم يجز أن يأتم إلا بمن لا يحسن شيئا منها، ولو اقتدى في سرية بمن لا يعرف حاله، لم يجب البحث عن كونه قارئا، بناء على الغالب.

(4)

لعدم المساواة.

ص: 322

(وإن قدر) الأمي (على إصلاحه لم تصح صلاته) ولا صلاة من ائتم به، لأنه ترك ركنا مع القدرة عليه (1)(وتكره إمامة اللحان) أي كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى (2) فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته (3) إلا أن يتعمده، ذكره في الشرح (4) .

(1) وذلك بإخراجه عن كونه قرآنا فهو كسائر الكلام، قال في الشرح والمبدع: لأنه ترك ركنا من أركان الصلاة، مع القدرة عليه، أشبه تارك الركوع، قال في الفروع: ويكفر إن اعتقد إباحته، ومتى أصلحه صحت.

(2)

ولا تبطل به، قال الشيخ: فأما اللحن الخفي، واللحن الذي لا يحيل المعنى فلا يبطل الصلاة، وفي الفاتحة قراءات كثيرة، قد قرئ بها فلو قرأ عليهم و (عليهُم) و (عليهٌم) أو قرأ (الصراط) و (السراط) و (الزراط) فهذه قراءات مشهورة ولو قرأ (الحمدُ) و (الحمدَ) أو قرأ (ربَّ العالمين) أو (ربُّ العالمين) أو قرأ بالكسر، ونحو ذلك لكان قد قرأ قراءات قد قرئ بها، وتصح الصلاة خلف من قرأ بها، وإن كان إمام راتب، في البلد أقرأ منه صلى خلفه اهـ ولا تكره إمامة من سبق لسانه باليسير منه، فقل من يخلو منه.

(3)

لأن ما سوى الفاتحة ليس بركن ولا واجب.

(4)

فيصير عمده كالكلام، فإن تعمد غير الأمي إدغام ما لا يدغم، أو اللحن المحيل للمعنى، أو قدر أمي على إصلاحه فتركه، أو زاد من يدغم أو يبدل أو يلحن على فرض القراءة، يعني الفاتحة عمدا، لم تصح صلاته، قال الشيخ: وإن لحن لحنا يحيل المعنى، في غير الفاتحة، وتعمده بطلت صلاته.

ص: 323

وإن أحاله في غيرها سهوا أو جهلا، أو لآفة صحت صلاته (1)(و) تكره إمامة (الفأفاء والتمتام) ونحوهما (2) والفأفاء الذي يكرر الفاء، والتمتام الذي يكرر التاء (3)(و) تكره إمامة (من لا يفصح ببعض الحروف) كالقاف والضاد (4) وتصح إمامته أعجميا كان أو عربيا (5) .

(1) لقوله: «عفي عن أمتي الخطأ والنسيان» وجعلًا له كالمعدوم، وقال الشيخ: إن لحن لحنا لا يحيل المعنى في غير الفاتحة، سهوا أو عجزا صحت الصلاة خلفه والآفة العاهة جمعها آفات.

(2)

كالوأواء، وهو من يكرر الواو، وكذا سائر الحروف، لزيادته، ونفرة الطبع عن سماعه.

(3)

وفأفأ فأفأة أكثر الفاء، وتردد فيها في كلامه، وقيل حبسه في اللسان والتمتمة رده الكلام إلى التاء والميم، أو يخطئ موضع الحرف، فيرجع إلى لفظ كتاء والميم، وإن لم يكن بينا، والقياس التأتاء، وتصح لأنهما يأتيان بالحروف على وجهها، ويزيدان هما مغلوبان عليها، فعفي عنها، وكرهت لهما.

(4)

لعدم فصاحته، وقيل: من قرأ ولا الضالين بالظاء المشالة لم تصح، لأنه يحيل المعنى، يقال ظل يفعل كذا، إذا فعله نهارًا، فهو كالألثغ، وقال الشيخ: يصح في أصح الوجهين، وعلله بأنه إنما يقصد الضلال الذي هو ضد الهدي، ولأن مخرجهما من طرف اللسان وبين الأسنان، فمخرج الصوت واحد وتقدم.

(5)

لإتيانه بفرض القراءة والأعجمي كل من ليس من العرب، سواء كان من الفرس أو الترك أو الإفرنج أو غيرهم، والعرب جيل من الناس خلافهم وهم البينوا العروبة، والذين لهم نسب صحيح في العرب.

ص: 324

وكذا أعمى وأصم وأقلف (1) وأقطع يدين أو رجلين، أو إحداهما إذا قدر على القيام (2) ومن يصرع (3) .

(1) فتكره لأنه إذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا إشارة، وتصح، والصمم انسداد الأذن، وثقل السمع، وفي الكليات، هو أن يكون الصماخ قد خلق باطنه أصم ليس فيه التجويف الباطن، المشتمل على الهواء الراكد، الذي يسمع الصوت بتموجه، وأما الأقلف فللاختلاف في صحة إمامته، وأما صحة إمامتهم فلأن الكل منهم ذكر مسلم عدل، قارئ لا يخل بشيء من أفعال الصلاة ولا بشروطها، فصحت إمامته كالبصير والسميع والمختون، ثم إن كان الأقلف مفتوق القلفة يمكنه غسل ما تحتها، فلا بد من غسل النجاسة التي تحتها، فلو تركها لم تصح صلاته قولا واحدا، لحمله نجاسة لا يعفى عنها، مع القدرة على إزالتها وإلا فهي معفو عنها، لعدم إمكان إزالتها، وكل نجاسة معفو عنها، لا تؤثر في بطلان الصلاة.

(2)

بأن جعل له رجلين من خشب ونحوه، وأما إذا لم يمكنه القيام فلا تصح إمامته إلا بمثله، وأما أقطع اليدين، فإذا أمكنه السجود عليهما فقال شيخ الإسلام: إذا كانت يداه يصلان إلى الأرض في السجود، فإنه تجوز الصلاة خلفه بلا نزاع، وإنما النزاع فيما إذا كان أقطع اليدين والرجلين ونحو ذلك، ولم يمكنه وأما إذا أمكنه السجود على الأعضاء السبعة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم» ، الحديث، فإن السجود تام، وصلاة من خلفه تامة.

(3)

بالبناء المجهول، من الصرع، وهو داء يشبه الجنون، وفي الصحاح وغيره: علة معروفة، وعند الأطباء، علة تمنع الأعضاء النفسانية عن أفعالها، منعا غير تام، وسببه سدة تعرض في بعض بطون الدماغ، وفي مجاري الأعصاب المحركة للأعضاء، من خلط غليظ، أو لزج كثير، فتمنع الروح، عن السلوك فيها، فتشنج الأعضاء، وتحدث فيها رعدة، وحركات مختلفة.

ص: 325

فتصح إمامتهم مع الكراهة، لما فيه من النقص (1)(و) يكره (أن يؤم) امرأة (أجنبية فأكثر لا رجل معهن)(2) لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالأجنبية (3) فإن أم محارمه (4) أو أجنبيات معهن رجل، فلا كراهة، لأن النساء كن يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة (5)(أو) أن يؤم (قومًا أكثرهم يكرهه بحق) كخلل في دينه أو فضله (6) .

(1) قال في الفروع: أو تضحك رؤيته، ومن اختلف في صحة إمامته، ويؤخذ منه كراهة إمامة الموسوس لئلا يقتدى به.

(2)

أي من محارم إحداهن، فإن كان فيهن رجل لم يكره، وكذا لو كان فيهن محرم له.

(3)

ففي الصحيحين «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» ، وغير ذلك من الأحاديث، فيحرم عليها وعليها، ويكره بأكثر، لما فيه من مخالطة الوسواس، ولا يحرم، لأن النساء المجتمعات لا يتمكن في الغالب من مفسدة بعضهن في حضرتهن.

(4)

وهن من يحرمن عليه، بنسب أو سبب مباح، أو محارمه ومعهن أجنبيات فلا كراهة.

(5)

وأقرهن على ذلك، وإن خلا رجال بامرأة فالمشهور تحريمه لأنه قد يقع اتفاق رجال على فاحشة امرأة، إلا أن يكونوا ممن يبعد مواطأتهم على الفاحشة، والأمرد الحسن له حكم المرأة، لأن المعنى المخوف في المرأة موجود فيه.

(6)

وكان فيهم من هو أولى منهم، وقال أحمد: إذا كرهه اثنان أو ثلاثة فلا بأس، وحتى يكرهه أكثرهم، وقيل: عني به الظلمة.

ص: 326

لقوله: صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم (1) العبد الآبق حتى يرجع (2) وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط (3) وإمام قوم وهم له كارهون» (4) رواه الترمذي وقال في المبدع: حسن غريب وفيه لين (5) .

(1) جمع أذن، أي لا ترفع إلى الله، رفع العمل الصالح.

(2)

أي إلى أمر سيده.

(3)

يعني لسوء خلقها ونحوه.

(4)

قيده أهل العلم بالكراهة الدينية، لسبب شرعي، قال الخطابي والبغوي وغيرهما، إذا كرهوا لمعنى مذموم، كوالٍٍٍ ظالم، أو من تغلب على إمامة الصلاة ولا يستحقها، أو لا يتصون من النجاسات، أو يمحق هيئات الصلاة، أو يتعاطى معيشة مذمومة، أو يعاشر أهل الفسوق ونحوهم، فإن لم يكن شيء من ذلك فلا كراهة، والعتب على من كرهه، وقال الشيخ: إذا كانوا يكرهونه لأمر في دينه مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك، ويحبون آخر أصلح منه في دينه، مثل أن يكون أصدق أو أعلم أو أدين، فإنه يجب أن يولي عليهم هذا الذي يحبونه، وليس لذلك الرجل الذي يكرهونه أن يؤمنهم، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: رجل أم قومًا وهم له كارهون، ورجل لا يأتي الصلاة إلا دبارًا، ورجل اعتبد محررا» وقال أيضا: إذا كان بينهم معاداة من جنس معاداة أهل الأهواء والمذاهب لم ينبغ أن يؤمهم لأن المقصود بالصلاة جماعة إنما يتم الائتلاف وقال عليه الصلاة والسلام «لاتختلفوا فتختلف قلوبكم» وقال القاضي: المستحب أن لا يؤمهم صيانة لنفسه، وقال المجد: أو لدنياه، وهو ظاهر كلام جماعة، ولا يكره الائتمام به، لأن الكراهة في حقه.

(5)

وحسنه الترمذي والحافظ، ورواه ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عباس

وأبو داود وغيره عن عبد الله بن عمرو، ولأبي داود من طريق الإفريقي أنها لا تقبل صلاته، قال الشيخ: أتى بواجب ومحرم فقاوم صلاته، فلم تقبل إذ الصلاة المقبولة ما يثاب عليها.

ص: 327

فإن كان ذا دين وسنة، وكرهوه لذلك، فلا كراهة في حقه (1) (وتصح إمامة ولد الزنا والجندي إذا سلم دينهما) (2) وكذا اللقيط والأعرابي حيث صلحوا لها (3) لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:«يؤم القوم أقرؤهم» (4)(و) تصح إمامة (من يؤدي الصلاة بمن يقضيها (5) وعكسه) من يقضي الصلاة بمن يؤديها (6) .

(1) وإنما العتب على من كرهه كما تقدم.

(2)

قال الحافظ وغيره: وهو مذهب جمهور العلماء، والجندي جمعه أجناد وجنود، أعوان السلطان وأنصاره وعساكره، وتجند صار جنديا.

(3)

وسلم دينهم وقال الحافظ وغيره: هو مذهب جمهور العلماء وكذا منفي لعان، وصلى الناس خلف ابن زياد، وهو ممن في نسبة نظر، وقالت عائشة في ولد الزنا، ليس عليه من وزر أبويه شيء، واللقيط الملقو المولود، الذي ينبذ لا يدري ما أصله فيلقط ويأتي في بابه، إن شاء الله تعالى.

(4)

الحديث وتقدم فهو بعمومه شملهم.

(5)

إذا كان يؤخر صلاة الظهر مع العصر جمعا، فيأتي آخر وقد خرج وقت الظهر ولم يصله، فيصلي الظهر مع ذلك الناوي للجمع، أو لعذر نوم ونحوه، لصحة القضاء بنية الأداء فيما إذا صلى فبان بعد خروج الوقت.

(6)

كظهر أداء، خلف ظهر قضاء، قال الخلال، المذهب عندي في هذا رواية واحدة، وغلط من نقل غيرها.

ص: 328

لأن الصلاة واحدة، وإنما اختلف الوقت (1) وكذا لو قضى ظهر يوم، خلف ظهر يوم آخر (2) (لا) ائتمام (مفترض بمتنفل) (3) لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه» (4) .

(1) فصحت، لأنه في معناه.

(2)

كقضاء ظهر يوم أربعاء، خلف ظهر يوم خميس، ونحوه.

(3)

هذا المذهب، وعللوا بأن صلاة الأموم لا تؤدى بنية الإمام، لاختلافهما.

(4)

أي فيكون صلاة المأموم غير صلاة الإمام اختلاف عليه؛ لأن صلاة المأموم لا تتأدى بنية صلاة الإمام، إلا إذا صلى بهم في خوف صلاتين، فيصح وعنه: يصح، وفاقًا للشافعي، لصلاة معاذ بقومه العشاء، وكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة، متفق عليه، وفي بعض ألفاظ حديث جابر:«هي له تطوع» ، ولما استدلوا به من صلاته صلى الله عليه وسلم بالطائفة الثانية في صلاة الخوف، وهي له نافلة، ولأنهما صلاتان اتفقتا في الأفعال المعهودة، وتصحان جماعة وفرادى، فصح بناء إحداهما على الأخرى، وقوله:«فلا تختلفوا عليه» يعني في الأفعال، كما هو ظاهر من فعله صلى الله عليه وسلم، وإقراره لمعاذ، ولقوله في آخر الحديث:«وإذا ركع فاركعوا» إلخ، واختاره في النصيحة، والتبصرة، والموفق، والشيخ، وعبد الله بن الشيخ محمد وشيخنا وغيرهم.

قال الشيخ: والذين منعوا ذلك ليس لهم حجة مستقيمة، فإنها احتجوا بلفظ لا يدل على محل النزاع كقوله:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» ، وبأن الإمام ضامن، وليس في هذين ما يدفع تلك الحجج، والاختلاف المراد به الاختلاف في الأفعال، كما جاء مفسرًا، واختار جواز صلاة من يصلي العشاء الآخرة، خلف من يصلي قيام رمضان، يصلي خلفه ركعتين، ثم يقوم فيصلي، فيتم ركعتين.

ص: 329

ويصح النفل خلف الفرض (1)(ولا) يصح ائتمام (من يصلي الظهر بمن يصلي العصر أو غيرهما)(2) ولو جمعة في غير المسبوق، إذا أدرك دون ركعة (3) قال في المبدع: فإن كانت إحداهما تخالف الأخرى كصلاة كسوف واستسقاء، وجنازة وعيد منع فرضًا (4) وقيل: ونفلاً لأنه يؤدي إلى المخالفة في الأفعال انتهى (5) .

(1) إجماعا لقوله: «ألا رجل يتصدق على هذا؟» وقوله: «فصليا معنا، فإنها لكما نافلة» ولأن في نية الإمام ما في نية المأموم، وهو نية التقرب وزيادة، وهي الوجوب، فلا وجه للمنع.

(2)

لأنه يؤدي إلى الاختلاف كما تقدم، وعنه: يصح ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر وغيرها، واختاره الشيخ وغيره: وهي فرع على ائتمام المفترض بالمنتفل وتقدم، بل هنا أولى، لصحة الظهر خلف من يصلي الجمعة، كما سيأتي.

(3)

أي من الجمعة، وكان نوى الظهر، ودخل وقته، فإنه ينويها ظهرًا، حالة كونه داخلاً مع الإمام، فيجوز أن يقتدي به.

(4)

أي امتنع فعلها خلف فرض، لأنه يؤدي إلى التخالف في الأفعال، لتغايرهما صورة كمن يصلي فجرًا خلف استسقاء أو غيرها، هذا إذا اعتقد أن تلك فرض كفاية، قال شيخنا: وهو في بعض الصور ظاهر في الدليل، وأما صلاة فجر خلف استسقاء وعيد فالاختلاف يسير، ولو ترك لم تبطل به.

(5)

أي وقيل: صلاة نفل خلف نفل تخالفًا، كشفع مثلا خلف كسوف لتغايرهما صورة، ولم يذكر الأصحاب هذه العبارة سوى صاحب المبدع.

ص: 330

فيؤخذ منه صحة نفل خلف نفل آخر لا يخالفه في أفعاله، كشفع وتر خلف تراويح (1) حتى على القول الثاني (2) .

(1) أي: يؤخذ من قول صاحب المبدع: منع فرضًا، لأن النافلة أوسع من الفريضة.

(2)

وهو قوله: وقيلا نفلا، قال في الغاية: شروط الإمامة ثمانية، إسلام وعدالة وعقل ونطق وتمييز، وبلوغ إن أم بالغا في فرض، وذكورية إن أم ذكرا، وقدرة على شرط وركن، وواجب إن أم قادرًا، وتقدمت مفصلة موضحة.

ص: 331

فصل

في موقف الإمام والمأموين (1)

السنة أن (يقف المأمومون) رجالاً كانوا أو نساء، إن كانوا اثنين فأكثر (خلف الإمام)(2) لفعله عليه الصلاة والسلام، كان إذا قام إلى الصلاة قام أصحابه خلفه (3) ويستثنى منه إمام العراة يقف وسطهم وجوبًا (4) .

(1) في الفرض أو النفل في صلاة الجماعة.

(2)

بإجماع المسلمين، سواء كانوا رجلين فأكثر، أو صبيين فأكثر، أو رجلاً وصبيًا، عند العلماء كافة، إلا ابن مسعود وصاحبيه فيكونون صفًا، وقال ابن القيم، الإمام يسن له التقدم بالاتفاق، والمؤتمون يسن في حقهم الاصطفاف بالاتفاق.

(3)

نقله الخلف عن السلف، واستمر أمر المسلمين عليه، إلا ما استثني لحاجة كضيق مكان ونحوه، وفي صحيح مسلم: أن جابرًا وجبارًا وقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فأخذ بأيديهما حتى أقامهما خلفه، ولأنه إنما قدم ليراه المأمومون فيأتموا به، ويكون الإمام مقابلا لوسط الصف، لخبر وسطوا الإمام وسدوا الخلل، ونقله الخلف عن السلف، وبنيت المحاريب كذلك، وتقدم الإجماع على أنه إذا كان المأموم واحدا قام عن يمينه، لصلاته صلى الله عليه وسلم بابن عباس وجابر وغيرهما، وهو قول العلماء كافة، ويأتي الجواب عن أثر ابن مسعود إنه لضيق المكان.

(4)

إذا لم يكونوا في ظلمة، فإن كان فلا وجوب وتقدم.

ص: 332

والمرأة إذا أمت النساء تقف وسطهن استحبابًا، ويأتي (1)(ويصح) وقوفهم (معه) أي مع الإمام (عن يمينه أو عن جانبيه)(2) لأن ابن مسعود صلى بين علقمة والأسود، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، رواه أحمد.

وقال ابن عبد البر: لا يصح رفعه، والصحيح أنه من قول ابن مسعود (3) لإقدامه أي لإقدام الإمام، فلا تصح للمأموم ولو بإحرام (4) .

(1) يعني قوله: وإمامة النساء تقف في صفهن، لأنه يستحب لهن التستر. وهذا أستر.

(2)

ويكره عند جماهير العلماء، قال النووي: لأن تقدم الإمام سنة لمواظبته صلى الله عليه وسلم والإعراض عن سنته مكروه.

(3)

وهو في صحيح مسلم وغيره من طريقين، بدون آخره، وفي طريق به، وإن صح فلعله لضيق المكان، كما قاله ابن سيرين، وأيضا كان بمكة، وخبر جابر وغيره كان بالمدينة، وتقدمه متواتر لا عدول عنه، ولعل ابن مسعود لم يطلع على قصة جابر واليتيمم وخفي عليه النسخ، كما صرح به الحازمي وغيره، وأيضا هو مهجور الظاهر بالإجماع، وفي الثلاثة لا فيما زاد عنهم، وعلقمة هو ابن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، توفي بعد الستين أو السبعين، والأسود هو ابن يزيد بن قيس النخعي مات سنة أربع وسبعين.

(4)

أي ولو كان تقدم على إمامه بإحرام ثم إن كان متقدما حال الإحرام لم تنعقد وبعده بطلت بتقدمه وذكر الشيخ وجهًا يكره، وتصح وفاقًا لمالك قال في

الفروع وأمكن الاقتداء وهو متجه، وقيل: تصح جمعة ونحوها بعذر، اختاره شيخنا، وقال: من تأخر بلا عذر فلما أذن جاء فصلى قدامة عذر، قال: إذا لم يمكنه أن يصلي مع الجماعة إلا قدام الإمام، فإنه يصلي هنا، لأجل الحاجة، وهو قول طوائف من أهل العلم، ومن الأصول الكلية أن المعجوز عنه في الشرع ساقط الوجوب، والمضطر إليه بلا معصية غير محظور، فلم يوجب الله ما يعجز عنه العبد، ولم يحرم ما يضطر إليه.

ص: 333

لأنه ليس موقفًا بحال (1) والاعتبار بمؤخر القدم وإلا لم يضر (2) وإن صلى قاعدا فالاعتبار بالألية (3) حتى لو مد رجليه وقدمهما على الإمام لم يضر (4) وإن كان مضطجعا فبالجنب (5) .

(1) وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما جعل الإمام ليؤتم به» ولأنه لم ينقل ولا هو في معنى المنقول فلا يصح، وقال الشيخ: فيه ثلاثة أقوال: أولاها الصحة إذا لم يمكنه إلا تكلفا.

(2)

عطف على محذوف تقديره: فإن تقدم بمؤخر القدم ضر، وإلا لم يضر، والقدم هو العقب لما في الصحيحين، «أقيموا صفوفكم» قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وكعبه بكعبه ولا يضر تقدم أصابع المأموم لطول قدمه، ولا تقدم رأسه في السجود لطوله، والحكم على كل من تقدم بكل القدمين أو تأخر بهما، أو انفصل بقدرهما، ببطلان صلاته، لا دليل عليه، ولا نزاع أن تسوية الصف سنة، والتراص إلزاق الكعاب سنة مؤكدة، وشريعة مستقرة.

(3)

لأنها محل القعود.

(4)

كما لو قدم القائم رجله مرفوعة عن الأرض، لعدم اعتماده عليها، وقال في الفروع ويتوجه العرف.

(5)

وقال بعض أهل العلم: لا أعرف هذا، ولا إمامة فيه، وقال ابن رشد: القياس جوازه إن أمكن فالله أعلم.

ص: 334

وتصح داخل الكعبة إذا جعل وجهه إلى وجه إمامه أو ظهره إلى ظهره (1) لا إن جعل ظهره إلى وجه إمامه، لأنه متقدم عليه (2) وإن وقفوا حول الكعبة مستديرين صحت (3) فإن كان المأموم في جهته أقرب من الإمام في جهته جاز (4) إن لم يكونا في جهة واحدة، فتبطل صلاة المأموم (5) ويغتفر التقدم في شدة خوف، وإذا أمكن المتابعة (6)(ولا) يصح للمأموم إن وقف (عن يساره فقط) أي مع خلو يمينه (7) .

(1) في الأصح وفاقًا، لأنه لا يتحقق تقدمه عليه، ولا يعتقد خطؤه.

(2)

مع اتحاد جهتهما.

(3)

كما فعله ابن الزبير، واجمعوا عليه، ولا يضر تقدم المأموم حيث كان في الجهة المقابلة للإمام لأنه في غير جهته، ولا يتحقق تقدمه عليه، وقال في الفروع: يجوز تقديم المأموم في جهتين وفاقًا، والصف الأول حينئذ في غير جهة الإمام هو ما اتصل بالصف الأول الذي وراء الإمام، لا ما قرب من الكعبة.

(4)

صرح به في المبدع، وهو معنى كلام صاحب المنتهى وغيره.

(5)

إن تقدم عليها فيها، لأنه يكون في حكم المتقدم على إمامه.

(6)

أي أمكن المأموم المتابعة حال شدة الخوف، كوقوع المسايفة والمضاربة والمصاولة والمجاولة، لدعاء الحاجة إليه، وحذف المفعول لأنه فضلة، فإن لم يمكنه متابعته لم يصح الاقتداء.

(7)

سواء كان خلفه مأمومون أو لا.

ص: 335

إذا صلى ركعة فأكثر، لأنه صلى الله عليه وسلم أدار ابن عباس وجابرا عن يساره إلى يمينه (1) وإذا كبر عن يساره أداره من ورائه إلى يمينه (2) فإن كبر معه آخر وقفا خلفه (3) فإن كبر الآخر عن يساره، أدارهما بيده وراءه (4) فإن شق ذلك أو تعذر تقدم الإمام فصلى بينهما، أو عن يسارهما (5) .

(1) ففي الصحيحين عن ابن عباس: أخذ برأسي من روائي فجعلني عن يمينه، وتقدم حديث جابر: أخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، وهذا فيما إذا صلى ركعة فأكثر، أما إذا استدار قبل فصحيحة، وعنه تصح عن يساره مع خلو يمينه وفاقًا، اختاره أبو محمد وغيره، وصوبه في الإنصاف، واستظهره في الفروع، وقال في الشرح: وهي القياس، كما لو كان عن يمينه، وكونه رد جابرًا وابن عباس لا يدل على عدم الصحة، بدليل رد جابر وجبار، وصحة إحرامهما وأكثر ما تدل عليه أن اليمين هو الموقف الشرعي، وقال في الإفصاح،: اجمعوا على أن المصلي إذا وقف عن يسار الإمام وليس عن يمينه أحد أن صلاته صحيحة إلا أحمد فقال: تبطل.

(2)

لخبر ابن عباس وغيره: وإدارته من قدامة مبطل لصلاته.

(3)

أو كانا اثنين فكبر أحدهما، وتوشوش الآخر ثم كبر قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، أو كبر واحد عن يمين الإمام فأحس بآخر، فتأخر معه قبل أن يحرم الثاني، ثم أحرم صح نص عليه.

(4)

لإدارة النبي صلى الله عليه وسلم جابرا وجبارا، ففي مسلم عن جابر، قمت عن يساره، فأخذ بيدي فأدراني عن يمينه، فجاء ابن صخر، حتى قام عن يساره، فأخذ بيديه جميعا، فدفعنا حتى أقامنا خلفه.

(5)

أي فإن شق إدارتهما على المأموم أو الإمام، أو تعذر ذلك، تقدم الإمام عليهما، ليصيرا وراءه، وصلى بينهما، أو صلى عن يسارهما.

ص: 336

ولو تأخر الأيمن قبل إحرام الداخل ليصليا خلفه جاز (1) ولو أدركهما الداخل جالسين كبر وجلس عن يمين صاحبه أو يسار الإمام، ولو تأخر إذن للمشقة (2) فالزمنى لا يتقدمون ولا يتأخرون (3)(ولا) تصح صلاة (الفذ) أي الفرد (خلفه) أي خلف الإمام (4)(أو خلف الصف) إن صلى ركعة فأكثر، عامدًا أو ناسيًا، عالمًا أو جاهلاً (5) .

(1) وفي نهاية أبي المعالي والرعاية وغيرهما أن ذلك أولى، لأنه لغرض صحيح، ثم إن بطلت صلاة أحدهما تقدم الآخر إلى يمين الإمام، وكذا إن كانا اثنين خلف الصف، تقدم إلى الصف إن أمكنه على ما سبق.

(2)

أي لا تأخر في حالة إدراك الداخل الإمام والمأموم جالسين، لمشقة التأخر والحالة هذه.

(3)

للعلة المذكورة قبل، والزمنى بفتح الزاي، وسكون الميم المصابون بالزمانة، وهي العاهة وعدم بعض الأعضاء، أو تعطيل القوي، جمع زمن.

(4)

ركعة فأكثر، عامدا أو ناسيا، عالما أو جاهلا.

(5)

مفهومه أنه إن دخل معه آخر، أو دخل في الصف قبل فوات الركعة صحت، كما صرح به فيما بعد، قال في الإنصاف، وهو المذهب قال شيخ الإسلام: لأنه أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركا للركعة، فهو بمنزلة أن يقف وحده، ثم يجيء آخر فيصافه في القيام، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة، حتى لو قدر أن أبا بكرة دخل في الصف بعد اعتدال الإمام؛ -كما يجوز ذلك في أحد القولين في مذهب أحمد وغيره - لكان سائغا.

ص: 337

لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لفرد خلف الصف» رواه أحمد وابن ماجه (1) ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا يصلي خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وإسناده ثقات (2) .

(1) بإسناد صحيح وابن حبان وابن خزيمة في صحيحيهما، وأول الحديث: أنه رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده، فقال له: استقبل صلاتك الحديث.

(2)

ورواه ابن حبان وابن خزيمة وغيرهما: وقال شيخ الإسلام: قد صحح الحديثين غير واحد من أئمة الحديث، وأسانيدهما مما تقوم به الحجة، وليس فيهما ما يخالف الأصول، بل ما فيهما هو مقتضى النصوص المشهورة، والأصول المقررة، فإن صلاة الجماعة سميت جماعة لاجتماع المصلين في الفعل مكانا وزمانا، فإذا أخلوا لغير عذر كان منهيا عنه باتفاق الأئمة، فلو كان هذا خلف هذا كان من أعظم الأمور المنكرة، وأمروا بتقويم الصفوف، مبالغة في تحقيق اجتماعهم على أحسن وجه، بحسب الإمكان، وقياس الأصول يقتضي وجوب الاصطفاف، وأن صلاة المنفرد لا تصح، كماجاء به هذان الحديثان، من خالف ذلك من العلماء فلا ريب أنه لم تبلغه هذه السنة من وجه يثق به، ووقوفه وحده خلف الصف، مكروه، وترك للسنة باتفاقهم، إلا أن لا يجد موقفا إلا خلفه، ففيه نزاع، والأظهر صحة صلاته في هذا الموضع، لأن جميع واجبات الصلاة تسقط بالعجز، وأما التفريق بين العالم والجاهل - كقول في مذهب أحمد - فلا يسوغ فإن المصلي المنفرد لم يكن عالما بالنهي، وقد أمره الإعادة، كما أمر المسيء اهـ وروي أحمد وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل صلى وحده خلف الصف، قال: يعيد صلاته قال شيخ الإسلام: وهذا مقتضى الأصول نصا وقياسا، واختاره تلميذه وشيخنا وقال: دليله واضح.

ص: 338

(إلا أن يكون) الفذ خلف الإمام أو الصف (امرأة) خلف رجل فتصح صلاتها (1) لحديث أنس (2) وإن وقفت بجانب الإمام فكرجل (3) وبصف رجل لم تبطل صلاة من يليها أو خلفها (4) فصف تام من نساء، لا يمنع اقتداء من خلفهن من رجال (5)(وإمامة النساء تقف في صفهن) ندبًا (6) .

(1) قال شيخ الإسلام: باتفاق أهل العلم، إذا لم يكن في الجماعة امرأة غيرها، كما جاءت به السنة، ولأنها لا موقف لها مع الرجال.

(2)

ولفظه: صففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، رواه الجماعة ولأن وقوفها في صف الرجال مكروه، فلم يكن لها من تصافه، إلا أن يقف معها امرأة فجاز للعذر كالرجل المنفرد.

(3)

أي فإن وقفت عن يمينه صح، لا عن يساره مع خلو يمينه، على ما تقدم في الرجل.

(4)

أو أمامها، ولا صلاتها وفاقا للثلاثة وجمهور العلماء، لكنه غير مشروع، وصرح بعضهم بالكراهة، كما ولو وقفت من غير صلاة، قال الشيخ فيما إذا وقفت في الصف: في بطلان صلاتها قولان، أحدهما لا تبطل، كقول مالك والشافعي، وهو قول ابن حامد والقاضي وغيرهما: والمنصوص عن أحمد بطلان صلاة من يليها في الموقف اهـ والأمر بتأخيرها لا يقتضي الفساد مع عدمه، وعند الحنفية تفسد صلاة الرجل دونها، قال الحافظ وهو عجيب.

(5)

وكذا لو كثرت صفوفهن.

(6)

قال في الإنصاف وغيره: هذا مما لا نزاع فيه، وفي الفروع وغيره: والأشهر يصح تقديمها.

ص: 339

روي عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما (1) ، فإن أمت واحدة وقفت عن يمينها، ولا يصح خلفها (2) .

(ويليه) أي يلي الإمام من المأمومين (الرجال) الأحرار، ثم العبيد، الأفضل فالأفضل (3) لقوله عليه الصلاة والسلام:«ليلني منكم أولو الأحلام والنهى» رواه مسلم (4) .

(1) رواهما ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، وروى الحاكم والبيهقي والدارقطني ومحمد بن الحسن وغيرهم أيضا حديث عائشة، والشافعي وغيره حديث أم سلمة وأنهما يقمن بينهن، وروى عبد الرزاق عن ابن عباس قال:«تؤم المرأة النساء، تقوم في وسطهن» .

(2)

كرجل وصححه في الكافي، وإن وقفت عن يسارها فكوقوف رجل عن يسار إمامه.

(3)

هذا مذهب جماهير أهل العلم.

(4)

ولأبي داود «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ، وقال أبو مالك الأشعري، ألا أحدثكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصف، فصف الرجال، وصف الغلمان خلفهم، رواه أبو داود، ولأحمد نحوه وزاد، والنساء خلف الغلمان وقوله: ليلني بكسر اللامين وتخفيف النون، من غير ياء قبلها، ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد ورووه بهما في صحيح مسلم، من الولي وهو القرب، وحق هذا اللفظ أن تحذف منه الياء، على صفة الأمر، وقد جاء بإثبات الياء وسكونها، في سائر كتب الحديث، قال الرافعي: والظاهر أنه غلط، وأولو الأحلام ذوو الألباب والعقول، واحدها حلم بضم الحاء واللام، وهو ما يراه النائم أريد به البالغون

لأن الحلم سب البلوغ، والحلم السكون والوقار والأناءة، والتثبت في الأمور وضبط النفس عن هيجان الغضب، ويراد به العقل، وقيل: العقلاء، وقيل البالغون، وقيل أهل العلم والفضل، والنهى بضم النون العقول، واحدها نهية بضم النون لأنها تنهى صاحبها عن القبائح، أي ليدن مني البالغون العقلاء، لشرفهم ومزيد تفطنهم.

ص: 340

(ثم الصبيان) الأحرار ثم العبيد (1) .

(1) أي ثم الصبيان العبيد، الأفضل، فالأفضل، لما تقدم فيقدم أحرار الكل على الأرقاء لمزيتهم بالحرية، فمتى تم صفهم وفقوا خلفهم، قال بعض الأصحاب الأفضل تأخير مفضول وكذا تأخير صبي، واختاره الشيخ، وقطع به ابن رجب، لقصة عمر، وقال أحمد: يكره أن يقوم الصبي مع الناس في المسجد خلف الإمام، وقال في الفروع: وظاهر كلامهم في الإيثار بمكانه وفيمن سبق إلى مكان، ليس له ذلك، أي تأخير صبيان لبالغين لاتحاد جنسهم، وقاله الحافظ وغيره، واختاره القاضي وغيره، وهو مذهب الشافعي، وعليه عمل الناس، وصوبه في الإنصاف وقطع به المجد وغيره، وصرحوا بعدم الإيثار.

وقوله ليلني: الحديث لا يتم الاستدلال به على إخراجهم من صفوف الرجال البالغين، إنما فيه تقديم البالغين، أو نوع منهم، وإذا كانوا أقرأ ففيهم أهلية لذلك، واحتمال: أن يكونوا أولى فيعمل بالأحوط، وتقديمه فعل لا يدل على فساد خلافه، فإن الصبي إذا عقل القربة، كالبالغ في الجملة، وقد قدم عمرو في الإمامة وهو ابن ست أو سبع سنين، ففي المصافة أولى، وقد يكون صبي أقرأ من مكلف، ولا ينضبط.

وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} وأحاديث من سبق إلى مكان فهو أحق به، ولا يقم أحدكم أخاه من مجلسه، ونحو ذلك مطلقة. وحديث أبي مالك

فيه شهر، ويحمل فعل عمر وقول أحمد، على نقرة الإمام ما لم يكن أقرأ

لكونه أولى بالإمامة عند الحاجة إليه للاستخلاف، ولو كان تأخيرهم أمرًا مشهورًا

لاستمر العمل عليه، كتأخير النساء، ولنقل كما نقلت الأمور المشهورة نقلا لا يحتمل الاختلاف وقال الحافظ على قول ابن عباس وأنا فيهم: فيه أن الصبيان مع الرجال، وأنهم يصفون معهم، لا يتأخرون عنهم.

ص: 341

(ثم النساء) لقوله عليه الصلاة والسلام: «أخروهن من حيث أخرهن الله» (1) ويقدم منهن البالغات الأحرار، ثم الأرقاء، ثم من لم تبلغ من الأحرار فالأرقاء (2) الفضلى فالفضلى (3) وإن وقف الخناثى صفا لم تصح صلاتهم (4)(كـ) الترتيب في (جنائزهم) إذا اجتمعت فيقدمون إلى الإمام وإلى القبلة في القبر، على ماتقدم في صفوفهم (5)(ومن لم يقف معه) في الصف (إلا كافر (6) .

(1) رواه عبد الرزاق موقوفًا على ابن مسعود، ولم يثبت رفعه، وعزي إلى مسند رزين، وتأخير هن لا نزاع فيه.

(2)

أي المملوكات واحدتهن رقيقة، وسمي العبد رقيقا لأنه يرق لمالكه ويخضع له.

(3)

كبشرى تأنيث الأفضل، اسم تفضيل، مشتق من فعل لموصوف بالزيادة على غيره.

(4)

لأن كل واحد منهم يحتمل أن يكون رجلا، والباقي نساء، ولا تصح صلاة من يصاففه.

(5)

يعني الرجال، ثم الصبيان ثم النساء، ويأتي في الجنائز.

(6)

ففذ، وقال في الإنصاف وغيره: بلا خلاف أعلمه، لأن صلاة الكافر غير صحيحة، وكذا لو وقف معه مجنون.

ص: 342

أو امرأة) أو خنثى وهو رجل (1)(أو من علم حدثه) أو نجاسته (أحدهما) أي المصلي أو المصافف له (2)(أو) لم يقف معه إلا (صبي في فرض ففذ) أي فرد فلا تصح صلاته ركعة فأكثر (3) وعلم منه صحة مصافة الصبي في النفل (4) أو من جهل حدثه أو نجسه حتى فرغ (5) .

(1) ففذ على الصحيح من المذهب، وذكره المجد وغيره عن أكثر الأصحاب والشيخ وغيره منصوص أحمد، لأنهما ليسا من أهل الوقوف معه.

(2)

ففذ وعليه الأصحاب، فإن وقوف المحدث أو النجس كعدمه، وكذا لو علم المصاف حدث نفسه أو نجسه.

(3)

لأنه لا تصح إمامته بالرجل في الفرض، فلا تصح مصافته له وصرح منصور بأنه سواء كان فرض عين أو كفاية، فيشمل صلاة الجنازة، وتقدم خبر عمرو وهو غلام وصحة إمامته لبالغ فمصافته أولى واختاره ابن عقيل وصوبه في القواعد الأصولية، قال في الفروع: وهو أظهر وفاقا، وعليه العمل، قال شيخنا: وهو قول قوي: ولأن الفريضة والنافلة سواء إلا بمخصص.

(4)

لقول أنس: صففت أنا واليتيم وراءه وكذا حكم صبية مع نساء.

(5)

أي وعلم منه أيضا صحة مصافة من جهل حدثه من أي حدث كان، أو نجسه سواء كان ببدنه أو ثوبه أو بقعة، حتى فرغ منها فليس بفذ قال في الإنصاف وغيره: وهو صحيح وهو المذهب اهـ، ومثله من نسي ولا علمه مصاففه، وكذا إن لم يعلم ما ببدنه أو ثوبه أو بقعته، من نجاسة، ولا علمه مصاففه حتى فرغت فليس بفذ وتصح مصافة مفترض لمنتقل بالغ، كأمي وأخرس، وعاجز عن ركن وشرط، وناقص طهارة ونحوه وفاسق.

ص: 343

ومن وجد فُرجة بضم الفاء (1) وهي الخلل في الصف (2) ولو بعيدة (دخلها)(3) وكذا إن وجد الصف غير مرصوص وقف فيه (4) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله وملائكته يَصِلون على الذين يصلون الصفوف» (5)(وإلا) يجد فرجة (6) وقف (عن يمين الإمام) لأنه موقف الواحد (7) فإن لم يمكنه فله أن ينبه من يقوم معه، بنحنحة أو كلام أو إشارة (8) .

(1) اقتصر عليه الجوهري وغيره ويجوز فتحها.

(2)

وفي الأصل منفرج ما بين الشيئين وكذا الخلل، وكل منفرج بين شيئن فهو فرجة، وانفرج ما بينهما اتسع، والفرجة الموضع الذي يوسعه القوم، في الموقف والمجلس.

(3)

لحديث وسدوا الخلل هذا إذا كانت مقابلة له.

(4)

وجوبا من غير إلحاق مشقة لغيره، ويكره مشيه إليها عرضا، وعنه: لا يكره لمشروعية المراصة، ووجود الموقف، وما لم يحضر ثان ليصاففه وإلا وجب.

(5)

رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن عائشة، زاد ابن ماجة ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة، وللطبراني نحوه عن أبي هريرة، وأبي داود وغيره عن البراء.

(6)

أي يدخلها، ووجد الصف مرصوصا.

(7)

إجماعا، لخبر ابن عباس وغيره، وفي المبدع: ويندب تخلفه قليلا خوفًا من التقدم.

(8)

أي فإن لم يمكنه أن يدخل الصف، ولا يقف عن يمين الإمام فله أن ينبه من يقوم معه صفا ليتمكن من الاقتداء، بـ (نحنحة) ترديده الصوت في الجوف أو (كلام) كأن يقول: ليستأخر أحدكم أكون صفا معه ونحو ذلك أو إشارة بيد أو عين أو حاجب.

ص: 344

وكره بجذبه (1) ويتبعه من نبهه وجوبًا (2)(فإن صلى فذًا ركعة لم تصح) صلاته لما تقدم (3) وكرره لأجل ما أعقبه به (4)(وإن ركع فذًا) أي فردًا لعذر، بأن خشي فوات الركعة (ثم دخل في الصف) قبل سجود الإمام (5) .

(1) أي وكره تنبيهه بجذبه، لأنه تصرف فيه بغير إذنه، ولا يحرم، وصحح في المغني وغيره، جوازه، وقال الشيخ: يصلي خلف الصف فذًا، ولا يجذب غيره وتصح في هذه الحالة فذا لأن غاية المصافة، أن تكون واجبة، فتسقط بالعذر، وقال: الأفضل أن يقف وحده، ولا يجذب لما في الجذب، من التصرف في المجذوب، وإن كان المجذوب يطيعه، قائما أفضل له، وللمجذوب الاصطفاف معه مع بقاء فرجة أو وقوف المتأخر وحده ونحوه، وقوله:(اجتررت رجلا) ، فيه مقال، ولو حضر اثنان فالأفضل اصطفافهما وفاقا، لأن سد الفرجة مستحب، والاصطفاف واجب، ورجحه الشيخ وغيره.

(2)

وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به، وهو أفضل من بقائه في مقامه.

(3)

يعني في قوله، ولا الفذ خلفه، أو خلف الصف، وتقدمت الأدلة عليه وصحتها مع العذر.

(4)

أي كرر قوله: فإن صلى فذا وإن تغاير اللفظ فالمعنى واحد، وعلل جواز التكرر بما أعقبه به من دخول الصف إن وجد فرجة، أو الوقوف خلف الإمام، أو تنبيه من يقوم معه وهو مسوغ.

(5)

صحت صلاته إجماعا، لأنه أدرك في الصف ماتدرك به الركعة.

ص: 345

(أو وقف معه آخر قبل سجود الإمام صحت) صلاته (1) لأن أبا بكرة ركع دون الصف، ثم مشى حتى دخل في الصف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«زادك الله حرصا ولا تعد» رواه البخاري (2) وإن فعله ولم يخش فوات الركعة لم تصح، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع، قبل أن يدخل الصف، أو يقف معه آخر (3) .

(1) أي وإن ركع فذا خشية فوات الركعة، ثم وقف معه آخر قبل سجود الإمام في تلك الركعة، صحت صلاته إجماعًا.

(2)

وأقره النبي صلى الله عليه وسلم ولعل غايته أنه دخل الصف قبل سجوده صلى الله عليه وسلم وتعد بضم العين من العود، قال الحافظ: لا تعد إلى ما صنعت من السعي الشديد، ثم من الركوع دون الصف، ثم من المشي إلى الصف، وقد ورد ما يقتضي ذلك صريحا، في طرق حديثه، وفعله زيد بن ثابت وابن مسعود وأخرجه مالك وغيره، وكما لو أدرك معه الركوع، وأبو بكرة اسمه نفيع بين الحارث بن كلدة الثقفي، قيل له: أبو بكرة لأنه تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بكرة من حصن الطائف، فأعتقه توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين.

(3)

لأن الرخصة وردت في المعذور، فلا يلحق به غيره، وقدم في الكافي أنها تصح، لأن الموقف لا يختلف بخيفة الوات وعدمه، وقال الشيخ: إذا ركع دون الصف، ثم دخل الصف بعد ركوع الإمام صحت صلاته، وتقدم نحوه، وتقدم أيضا قوله: إنها تصح صلاة الفذ لعذر، وفاقًا لأبي حنيفة، وأن الأفضل وقوفه وحده ولا يجذب، إلخ وقال: من آخر الدخول في الصف مع إمكانه، حتى قضي القيام، فهذا تجوز صلاته، عن جماهير العلماء.

ص: 346