المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجمع رخصة عارضة للحاجة - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

‌فصل في الجمع

(1)

(يجوز الجمع بين الظهرين) أي الظهر والعصر، في وقت أحدهما (2) .

(1) يعني بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لثلاثة أمور: السفر والمرض والمطر ونحوه، وقدم الجمع للسفر لأنه الأكثر، وكل من جاز له القصر جاز له الجمع والفطر، ولا عكس، قال الشيخ: و‌

‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

إليه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله إلا مرات قليلة، فلذلك فقهاء الحديث كأحمد وغيره يستحبون تركه إلا عند الحاجة إليه، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير، وفي الصحيح وغيره عن ابن مسعود، ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين، الحديث، وأوسع المذاهب مذهب أحمد، فإنه نص على أنه يجوز للحرج والشغل، وقال الشيخ: الجمع بين الصلاتين في السفر يختص بمحل الحاجة، لا أنه من رخص السفر المطلقة كالقصر، وهو مذهب مالك، وذكر ابن القيم أحاديث الجمع، وقال: كل هذه سنن في غاية الصحة والصراحه، ولا معارض لها، وأوقات المعذورين ثلاثة: وقتان مشتركان ووقت مختص، والوقتان المشتركان لأرباب الأعذار أربعة لأرباب الرفاهية ولهذا جاءت الأوقات في كتاب الله نوعين: خمسة وثلاثة، في نحو عشر آيات وجاءت السنة بتفصيل ذلك وبيانه وبيان أسبابه، فتوافقت دلالة القرآن والسنة، والاعتبار الصحيح، الذي هو مقتضى حكمة الشريعة، وما اشتملت عليه من المصالح.

(2)

وإنما سميا بالظهرين تغليبا كالقمرين والعمرين: وعبر بيجوز أي فلا يكره ولا يستحب، غير جمعي عرفة ومزدلفة فسنة، وقيل: يجب، وإذا ارتحل قبل زيغ الشمس ونحوه فيسن، وغير ذلك تركه أفضل من فعله.

ص: 396

(و) يجوز الجمع (بين العشائين) أي المغرب والعشاء (في وقت أحدهما في سفر قصر)(1) لما روى معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، يصليها جميعا (2) وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم سار، وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء، رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن غريب (3) .

(1) أي غير مكروه ولا حرام، وأن يكون مسيرة يومين وتقدم، وفي الإقناع وغيره: فلا يجمع من لا يباح له أن يقصر، كمكي ونحوه بعرفة ومزدلفة، لأنه عندهم ليس بمسافر سفر قصر، وقد ثبت جمعهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخليفتيه رضي الله عنهما وصوب الشيخ أنه يجوز في السفر القصير، وأن علته الحاجة لا السفر، فليس معلقا، به وإنما يجوز للحاجة بخلاف القصر.

(2)

قال شيخ الإسلام وغيره: هذا إذا كان لا ينزل إلا وقت الغروب، كما كان بعرفة لا يفيض حتى تغرب الشمس، أما إذا كان ينزل وقت العصر فإنه يصليها في وقتها، وقال الحافظ: قال بالإطلاق كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وفيه حديث أنس في الصحيح وغيره.

(3)

وحسنه البيهقي وقال: محفوظ صحيح، ورواه مالك في الموطأ وفيه: ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، وصححه ابن عبد البر وابن القيم، وكذا رواه مسلم وغيره، والغريب هو ما تفرد به أحد الرواة.

ص: 397

وعن أنس معناه: متفق عليه (1) و (و) يباح الجمع بين ما ذكر (لمريض يلحقه بتركه) أي ترك الجمع (مشقة)(2) .

(1) ولفظه: كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب ولمسلم: إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، حين يغيب الشفق، وفي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر: كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء، ولمسلم: كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر، حتى يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وجاء التأخير عنه من طرق، ولمسلم عن معاذ أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء، انفرد به، وعن ابن عباس: كان يجمع إذا كان على ظهر سيره.

قال البيهقي والنووي وغيرهما: والجمع بين الصلاتين في وقت الأولى أو الثانية بعذر السفر، هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو من الأمور المشهورة المستعملة فيما بين الصحابة والتابعين، مع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عن أصحابه، ثم ما أجمع عليه المسلمون من جمع الناس بعرفة ثم بمزدلفة هو موجود في كل الأسفار، وقال شيخ الإسلام: وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا، نزولا مستمرا فما علمت روي ما يستدل به عليه إلا حديث معاذ، وغزوة تبوك وحجه صلى الله عليه وسلم لم ينقل أنه جمع فيهما إلا بعرفة ومزدلفة وحديث معاذ ليس في المشهور من حديث أنس، لأن المسافر إذا ارتحل بعد زيغ الشمس، ولم ينزل وقت العصر فهذا مما لا يحتاج إلى الجمع، بل يصلي العصر في وقتها، وقد يتصل سيره إلى الغروب فهذا يحتاج إلى الجمع، بمنزلة جمع عرفة، وبه تتفق الأحاديث.

(2)

وهذا مذهب مالك، وطائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم.

ص: 398

لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر، وفي رواية: من غير خوف ولا سفر، رواهما مسلم من حديث ابن عباس، ولا عذر بعد ذلك إلا المرض (1) .

(1) علله ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يحرج أمته، وفي الطبراني وغيره:«لئلا تحرج أمتي» ، ودل الحديث بفحواه على الجمع للمرض والمطر والخوف، وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع، وأخبار المواقيت، فتبقى فحواه على مقتضاه، قال شيخ الإسلام، في الجمع لمطر أو غيره: وبهذا الحديث استدل أحمد على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى، فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى، وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جمع ليرفع الحرج الحاصل بدون الخوف والمطر والسفر، فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها، ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر، وإن كان أولى بالجواز، ما رواه مسلم عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال ابن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ولمسلم عنه: لما قال له رجل: الصلاة قال: أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد استدل على فعله وهو يخطب بالبصرة بما رواه لما رأى أنه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته، وكان عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، وكان رأى أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة

قال شيخ الإسلام: وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد، لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج، قد رفعه الله عن الأمة، وذلك

يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى

والأحرى وقال النووي وغيره: يجوز الجمع من أجل المرض، وفاقا لمالك وقواه، وقال: يستدل له بحديث ابن عباس: من غير خوف ولا مطر، لأنه إما أن يكون بالمرض، وإما بغيره مما في معناه أو دونه، ولأن حاجة المريض آكد من الممطور، وقال ابن المنذر: يجوز من غير خوف ولا مطر ولا مرض، قال الخطابي: وهو قول جماعة من أصحاب الحديث لظاهر حديث ابن عباس.

ص: 399

وقد ثبت جواز الجمع للمستحاضة وهي نوع مرض (1) ويجوز أيضا لمرضع لمشقة كثرة نجاسة (2) ونحو مستحاضة (3) وعاجز عن طهارة أو تيمم لكل صلاة (4) .

(1) قال الشيخ يجمع للمرض، كما جاءت بذلك السنة في جمع المستحاضة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالجمع في حديثين.

(2)

أي مشقة تطهيرها لكل صلاة، وهذه الحالة الثالثة، فإن لم تكن لكثرة نجاسة تشق فلا، قال في الاختيارات يجوز للمرضع الجمع، إذا كان يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة، نص عليه، وعنه لا يجوز وفاقا.

(3)

كذي سلس، أو جرح لا يرقأ دمه، أو مذي، أو رعاف دائم ونحوه، لقوله عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة:«وإن قويت على أن تؤخري الظهر، وتعجلي العصر، فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخري المغرب، وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين، وتجمعين بين الصلاتين فافعلي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، ويقاس عليها صاحب السلس ونحوه وهذه الحالة الرابعة.

(4)

لأنه في معنى المريض والمسافر، وهي الحالة الخامسة، قال الشيخ: ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقت إلا بحرج كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور.

ص: 400

وعن معرفة وقت كأعمى ونحوه (1) ولعذر أو شغل يبيح ترك جمعة وجماعة (2) .

(1) كمطمور، أومأ إليه أحمد، لما تقدم، واقتصر عليه في الإنصاف، وهي الحالة السادسة، ومحل ذلك إذا تمكن من معرفة الوقت في أحد الوقتين، وأما إذا استمر معه الجهل فلا فائدة في الجمع.

(2)

أي ويجوز الجمع لعذر كخوفه على نفسه أو ماله أو أهله، ويجوز الجمع لشغل يذهل الإنسان، يبيح ترك جمعة وجماعة، كمن يخاف بتركه ضررا في معيشة يحتاجها فيباح له الجمع كما تقدم، وهذه السابعة، قال الشيخ: ويجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما، ممن يخشى فساد ماله ومال غيره بترك الجمع، كما روى النسائي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجوز أحمد الجمع إذا كان له شغل واختار جمع جواز الجمع مطلقا للحاجة في الحضر، من غير اتخاذه عادة، وهو مذهب جماعة من الأئمة منهم ابن سيرين، واختاره ابن المنذر، وحكاه عن جماعة من أصحاب الحديث، والنووي عن جماعة من الأئمة، والثامنة، قال: أحمد الجمع في الحضر إذا كان لضرورة من مرض أو شغل، واستثنى جمع النعاس، منهم صاحب الوجيز، وكذا الحاقن والحاقب ونحوهما، ومن يخاف نقض وضوئه، ومن يشتهي الطعام ونحو ذلك، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته.

قال الشيخ: ويجمع لتحصيل الجماعة: وللصلاة في الحمام مع جوازها فيه خوف فوات الوقت، ولخوف تحرج في تركه، وذكر حديث ابن عباس: أنه سئل لم فعل ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أحد من أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره اهـ، وجاء عن عمر: أن من الكبائر الجمع بين الصلاتين إلا من عذر، وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز، وحكي أنه إجماع، وخولف في ذلك قال الشيخ: فدل على جواز إباحة الجمع للعذر، ولم يخص عمر عذرا دون عذر اهـ.

فيباح لمن تقدم في ثمان الحالات، بين الظهرين والعشائين، ويأتي ما يختص بالعشائين وهي ست حالات.

ص: 401

(و) يباح الجمع (بين العشائين) خاصة (لمطر يبل الثياب) وتوجد معه مشقة (1) والثلج والبرد والجليد مثله (2) ولوحل وريح شديدة باردة (3) .

(1) وفاقا في الجملة، وهذا قيد لما في المتن، يفهم منه أنه إذا لم توجد معه مشقة لم يجز الجمع، ومفهوم كلام الماتن أنه إن لم يبل الثياب لم يجز الجمع، وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب، وقال جمع: أو يبل النعل، أو البدن، لا الطل ولا المطر الخفيف الذي لا يبل الثياب، لعدم المشقة، قال شيخ الإسلام وذكر آثارا عن الصحابة في الجمع ليلة المطر فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم، المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدا منهم أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك، وقول ابن عباس: من غير خوف ولا مطر ولا سفر، ليس نفيا منه للجمع لتلك الأسباب بل إثبات منه، لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضا، ولو لم ينقل أنه جمع بها، فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى، وقال: جواز الجمع للمطر في وقت الثانية فيه وجهان: لأنا لا نثق بدوام المطر إلى وقتها، وقوله: خاصة أخرج الظهرين، والوجه الآخر يجوز بين الظهرين كالعشائين، اختاره القاضي وأبو الخطاب والشيخ وغيرهم، ولم يذكر الوزير عن أحمد غيره، وقدمه وجزم به وصححه غير واحد وهو مذهب الشافعي.

(2)

أي مثل المطر في إباحة الجمع بين العشائين، لأن الثلج والبرد بالفتح في حكم المطر، والجليد وهو من شدة البرد، قال أحمد، وكان ابن عمر يجمع في الليلة الباردة اهـ، وأمر ابن عمر مناديه في ليلة باردة فنادى: الصلاة في الرحال.

(3)

ونحو ذلك وفاقا لمالك وظاهره: وإن لم تكن مظلمة ويعلم مما تقدم

كذلك لو كانت شديدة بليلة مظلمة، وإن لم تكن باردة، والوحل الطين الرقيق فإذا لوث الرجلين بالرطوبة والطين جاز.

ص: 402

لأنه عليه السلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة، رواه النجاد بإسناده (1) وفعله أبو بكر وعمر وعثمان (2) .

(1) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذا ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة ثمانيا جميعا، وسبعا جميعا ولأنه صلى الله عليه وسلم جمع من غير خوف ولا مطر، فمع أحد هذه الأعذار أولى، والنجاد هو أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس، أبو بكر البغدادي، الفقيه الحافظ شيخ الحنابلة بالعراق، صاحب التصانيف مشهور، بالنون والدال، وكثيرا ما يصحف في بعض كتب الأصحاب فيبدل بالبخاري صاحب الصحيح، توفي النجاد سنة ثلاثمائة وثمان وأربعين، قال العليمي: وكان يملي الحديث بجامع المنصور، ويكثر الناس في حلقته، وصنف كتابا في الفقه والاختلاف، وهو ممن اتسعت رواياته واشتهرت مصنفاته.

(2)

ففي المدونة: عن ابن قسيط أنه سنة، وأنه قد صلاها أبو بكر وعمر وعثمان على ذلك، وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء فعله أبان ابن عثمان في أهل المدينة، وفيهم عروة وأبو بكر بن عبد الرحمن، ولا يعرف لهم مخالف، فكان إجماعا وهو قول الفقهاء السبعة، ومالك والشافعي وغيرهم: قال شيخ الإسلام: يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء، ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلا في أصح قولي العلماء، وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت، باتفاق المسلمين، والصلاة جمعا في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة، باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد.

ص: 403

وله الجمع لذلك (ولو صلى في بيته أو في مسجد طريقه تحت ساباط) ونحوه (1) لأن الرخصة العامة يستوي فيها حال وجود المشقة وعدمها كالسفر (2)(والأفضل) لمن له الجمع (فعل الأرفق به من) جمع (تأخير) بأن يؤخر الأولى إلى الثانية (و) جمع (تقديم) بأن يقدم الثانية فيصليها مع الأولى لحديث معاذ السابق (3) .

(1) كمجاور بالمسجد، ومن بينه وبين المسجد خطوات يسيرة، وقوله: وله الجمع لذلك، متعلق بما بعده، وهو قوله: ولو صلى في بيته، والساباط سقيفة بين دارين، تحتهما طريق، جمعه سوابيط وساباطات.

(2)

أي فله الجمع، لم تقدم من الأعذار المبيحة للجمع، ولو صلى في بيته وفي مسجد لا يشق عليه الوصول إليه، مع وجود العذر كعدم الصيام في السفر، ولو لم يكن مشقة، ولأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم جمع في مطر وليس بين حجرته والمسجد شيء فالمعتبر وجود المشقة في الجملة، لا لكل فرد من المصلين.

(3)

وعن ابن عباس نحوه رواه الشافعي وأحمد وغيرهما، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوما بغزوة تبوك، ثم خرج فصلى، الحديث رواه مالك عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ، وقال ابن عبد البر: هذا حديث صحيح ثابت الإسناد، قال شيخ الإسلام: والجمع جائز في الوقت المشترك، فتارة يجمع في أول الوقت، كما جمع بعرفة، وتارة يجمع في وقت الثانية، كما جمع بمزدلفة، وفي بعض أسفاره، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين، وقد يقعان معا في آخر وقت الأولى، وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، وكل هذا جائز، لأن أصل هذه المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك، والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة.

ص: 404

فإن استويا فالتأخير أفضل (1) والأفضل بعرفة التقديم، وبمزدلفة التأخير مطلقا (2) وترك الجمع في سواهما أفضل (3) .

(1) لأنه أحوط، وعمل بالأحاديث وليس على إطلاقه، بل في الجملة قال شيخ الإسلام في جمع المطر، السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب، حتى اختلف مذهب أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟ وقيل: إن ظاهر كلامه أنه لا يجمع، وفيه وجه ثالث أن الأفضل التأخير وهو غلط، مخالف للسنة وللإجماع القديم، وصاحب هذا القول ظن أن التأخير أفضل مطلقا، وهذا غلط فليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم، بل ذلك بحسب الحاجة والمصلحة فقد يكون هذا أفضل، وقد يكون هذا أفضل، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو ظاهر مذهب أحمد المنصوص عنه وغيره، وقال أيضا: كان الجمع المشروع مع المطر هو جمع التقديم في وقت المغرب، ولا يستحب أن يؤخر بالناس المغرب إلى مغيب الشفق، بل هذا حرج عظيم على الناس، وإنما شرع الجمع لئلا يحرج المسلمون.

(2)

أي سواء كان هو الأرفق أو لا، فالتقديم بعرفة أفضل، ولو كان التأخير أرفق، لأنه لأجل العبادة، والتأخير بمزدلفة أفضل، ولو كان التقديم أرفق، لأجل السير، وصرح في المنتهى وغيره أنه إن عدم الأرفق فإذا وصل إليها أول الوقت لم يؤخره، ما لم يكن أرفق، والأولى إذا وصل في وقت الاختيار صلى المغرب وحدها، لزوال العلة، كما أن الأولى للنازل صلاة كل فرض في وقته.

(3)

فلا يستحب إلا عند الحاجة إليه للاختلاف فيه، غير جمعي عرفة ومزدلفة فيسن بشرطه إجماعا، وهو التقديم بعرفة، والتأخير بمزدلفة، لفعله عليه الصلاة والسلام، قال شيخ الإسلام: الجمع بعرفة ومزدلفة متفق عليه، وهو منقول بالتواتر، فلم يتنازعوا فيه، والصواب أنه لم يجمع بعرفة ومزدلفة لمجرد السفر، بل لاشتغاله باتصال الوقوف عن النزول، ولاشتغاله بالمسير إلى مزدلفة اهـ.

وكذا يستحب عند الحاجة، كما كان يصنع صلى الله عليه وسلم في سفره إذا جد به السير، كما فعل بمزدلفة، وفي غزوة تبوك قال شيخ الإسلام: وفعل كل صلاة في وقتها أفضل إذا لم يكن حاجة، عند الأئمة كلهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع في حجته إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى، ولا في ذهابه وإياه، ولكن جمع في غزوة تبوك، إذا جد به السير، والذي جمع هناك يشرع أن يفعل نظيره.

ص: 405

ويشترط للجمع ترتيب مطلقا (1)(فإن جمع في وقت الأولى اشترط) له ثلاثة شروط (نية الجمع عند إحرامها) أي إحرام الأولى دون الثانية (2) . (و) الشرط الثاني الموالاة بينهما فـ (لا يفرق بينهما إلا بمقدار إقامة) صلاة (ووضوء خفيف)(3) لأن معنى الجمع المتابعة والمقارنة (4) .

(1) أي سواء ذكره أو نسيه، قال في الإنصاف، وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب اهـ، يعني بخلاف سقوطه بالنسيان في قضاء الفوائت والترتيب أن يبدأ بالأولى، لأن الوقت لها والثانية تبع، فلو صلاها قبل الأولى لم تصح.

(2)

لأنه عمل فيدخل في عموم: «إنما الأعمال بالنيات» ، وكل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في أولها، وقال شيخ الإسلام: لا يفتقر الجمع إلى نية عند جمهور أهل العلم، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحد القولين في مذهب أحمد، وعليه تدل نصوصه وأصوله، قال: وقول الجمهور وهو الذي تدل عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(3)

لأنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بينهما والى بينهما وترك الراتبة وفرقت بين الشيئين فصلت أحدهما من الآخر.

(4)

وفي الأصل تأليف المفترق، وفي المفردات، ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعته فاجتمع.

ص: 406

ولا يحصل ذلك مع التفريق الطويل، بخلاف اليسير، فإنه معفو عنه (1)(ويبطل) الجمع (براتبة) يصليها (بينهما) أي بين المجموعتين، لأنه فرق بينهما بصلاة فبطل، كما لو قضى فائتة (2) وإن تكلم بكلمة أو كلمتين جاز (3)(و) الثالث (أن يكون العذر) المبيح (موجودا عند افتتاحهما وسلام الأولى) لأن افتتاح الأولى، موضع النية وفراغها، وافتتاح.

(1) وصحح في المغني والشرح أنه راجع إلى العرف، وذكر الشيخ أن كلام أحمد يدل على أن الجمع عنده هو الجمع في الوقت، وإن لم يصل إحداهما بالأخرى، كالجمع في وقت الثانية، على المشهور في مذهبه ومذهب غيره، وأنه إذا صلى المغرب في أول وقتها، والعشاء في آخر وقت المغرب حيث يجوز له الجمع جاز ذلك، وأنه نص على نظير هذا فقال: إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس، وهذا نص منه على أن الجمع هو المغرب في الوقت، لا تشترط فيه المواصلة، وقال: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال، لا في وقت الأولى، ولا في وقت الثانية، فإنه ليس في ذلك حد في الشرع اهـ، وفي الصحيحين في قصة جمع النبي صلى الله عليه وسلم بمزدلفة بعد أن صلى الصبح، أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة.

(2)

أي يبطل الجمع إذا فرق بينهما، كما أن الجمع يبطل لو قضى بينهما فائتة، لطول الفصل، وعنه: لا يبطل براتبة بينهما، قال الطوفي: أظهر القولين دليلا عدم البطلان، إلحاقا، للسنة الراتبة بجزء من الصلاة لتأكدها.

(3)

فيه تسامح، يفيد أنه مقيد بما ذكر، وليس كذلك فلو قال: ولا يضر كلام يسير لا يزيد على قدر الإقامة والوضوء الخفيف، لكان أولى، يعني على المذهب.

ص: 407

الثانية موضع الجمع (1) ولا يشترط دوام العذر إلى فراغ الثانية في جمع المطر ونحوه (2) بخلاف غيره (3) وإن انقطع السفر في الأولى بطل الجمع والقصر مطلقا (4) فيتمها وتصح (5) وفي الثانية يتمها نفلا (6) .

(1) ولو أحرم بالأولى مع وجود مطر، ثم انقطع ولم يعد، فإن حصل وحل لم يبطل الجمع، لأن الوحل من الأعذار المبيحة، أشبه ما لو لم ينقطع المطر، وإلا بطل الجمع، ولو خلفه مرض ونحوه، وإن شرع في الجمع مسافر لأجل السفر، فزال سفره ووجد مطر ونحوه، بطل الجمع، لزوال مبيحه، والعذر المتجدد غير حاصل عن الأول، بخلاف الوحل بعد المطر.

(2)

كبرد وثلج إن خلفه، وحل.

(3)

أي غير جمع المطر ونحوه، فيشترط له ذلك.

(4)

أي وإن انقطع السفر في الأولى من المجموعتين، بأن نوى الإقامة، أو وصلت السفينة به إلى وطنه وهو في وقت الأولى، ولم يقيده الشارح، بطل الجمع والقصر مطلقا، سواء وجد عذر يبيح الجمع كمطر ووحل، أو لم يوجد، لزوال العذر المبيح المشروط استمراره إلى فراغ الثانية.

(5)

فرضا، لكونها صادفت وقتها.

(6)

أي وإن انقطع وهو في الثانية من المجموعتين، والوقت وقت الأولى، ولم يقيده أيضا، بطل الجمع والقصر، لزوال مبيحهما، ويتمها يعني الثانية نفلا، لأنها لم تصل في وقتها، وتصح الأولى فرضا، ومريض كمسافر فيما إذا برأ في الأولى أو الثانية.

ص: 408

(وإن جمع في وقت الثانية اشترط) له شرطان (نية الجمع في وقت الأولى (1) لأنه متى أخرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعا (2)(إن لم يضق) وقتها (عن فعلها) لأن تأخيرها إلى ما يضيق عن فعلها حرام، وهو ينافي الرخصة (3)(و) الثاني (استمرار العذر) المبيح (إلى دخول وقت الثانية)(4) فإن زال العذر قبله لم يجز الجمع، لزوال مقتضيه (5) كالمريض يبرأ والمسافر يقدم، والمطر ينقطع (6) .

(1) مع وجود مبيحه، فإن لم ينو الجمع حتى ضاق وقت الأولى عنها لم تصح النية حينئذ.

(2)

وعنه لا تشترط النية لجمع التقديم، اختاره أبو بكر والشيخ وغيرهما.

(3)

يعني الجمع، وأثم بالتأخير، ولفوات فائدة الجمع، وهي التخفيف بالمقارنة بين الصلاتين.

(4)

من سير ومرض ومطر ونحوها، قال في الإنصاف: لا أعلم فيه خلافا.

(5)

المجوز له، وهو العذر قبل دخول وقت الثانية، فإذا لم يستمر إليه لم يجز الجمع، وأثم بالتأخير، لأن تأخيرها إلى ضيق الوقت حرام، فينافي رخصة الجمع.

(6)

تمثيل لزوال العذر قبل دخول وقت الثانية، ولا أثر لزواله بعد دخول وقت الثانية إجماعا، وقال في الإنصاف: لو قصر الصلاتين في السفر، في وقت أولاهما، ثم قدم قبل دخول وقت الثانية أجزأ، على الصحيح من المذهب.

ص: 409

ولا بأس بالتطوع بينهما (1) ولو صلى الأولى وحده ثم الثانية إماما أو مأموما، أو صلاهما خلف إمامين، أو من لم يجمع صح (2) .

(1) أي فلا تشترط الموالاة، لأن الثانية مفعولة في وقتها، فهي أداء بكل حال، والأولى معها كصلاة فائتة، قال في المبدع: وهذا هو الأصح.

(2)

يعني الجمع في هذه الصور كلها، لأن لكل صلاة حكم نفسها، وهي منفردة، فلم يشترط في الجمع اتحاد إمام ولا مأموم ولا جامع.

ص: 410

فصل (1)

وصلاة الخوف صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم بصفات كلها جائزة (2) قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: تقول بالأحاديث كلها، أو تختار واحدا منها؟ قال: أنا أقول: من ذهب إليها كلها فحسن (3) .

(1) في كيفية صلاة الخوف، من حيث إنه يتحمل في الصلاة فيه ما لا يتحمل فيها في غيره، فيغتفر في تغيير هيئاتها وصفاتها، والإخلال ببعض واجباتها، لا تغيير عدد ركعاتها في قول الأكثر، وهي مشروعة بالكتاب والسنة، وأجمع الصحابة على فعلها، وأجمع المسلمون على جوازها، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، وهو مذهب الجمهور، إلا أبا حنيفة، وهي مشروعة في زمنه صلى الله عليه وسلم إلى آخر الدهر، وحكاه الوزير إجماعا، وأجمع على ذلك الصحابة وسائر الأمة، إلا أبا يوسف، وإجماع الصحابة والأئمة الأربعة حجة عليه.

(2)

قال أحمد: صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه أو ستة وفي رواية من ستة أوجه أو سبعة كلها جائزة، والإضافة بمعنى اللام، أي الصلاة للخوف، أو بمعنى (في) أي الصلاة في الخوف، ضد الأمن، وإن كانت أولى المجموعتين فالأولى تأخيرها.

(3)

قال الشيخ وغيره: وهذا قول عامة السلف، اتباعا لما جاء به الشارع صلى الله عليه وسلم وأحمد رحمه الله على قاعدته يجوز جميع ما ورد، قال رحمه الله: وفقهاء الحديث كأحمد وغيره متبعون لعامة الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجوزون في صلاة الخوف الأنواع المحفوظة عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكاه الوزير إجماعا.

ص: 411

وأما حديث سهل فأنا أختاره (1) وشرطها أن يكون العدو مباح القتال (2) سفرا كان أو حضرا (3) مع خوف هجومهم على المسلمين (4) وحديث سهل الذي أشار إليه، هو صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع (5) .

(1) ووجه اختياره له كونه أشبه بكتاب الله، وأحوط للصلاة والحرب وأنكى للعدو وأقل في الأفعال.

(2)

كقتال الكفار والبغاة والمحاربين لقوله: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقيس عليه الباقي ممن يجوز قتاله، لأنها رخصة، فلا تستباح بالقتال المحرم، كقتال من بغي، وقطع الطريق.

(3)

أي سواء كان القتال سفرا أو حضرا، وفاقا، لأن المبيح الخوف، لا السفر ولا تأثير له في قصر الصلاة، وإنما تأثيره في الصفة، قال الوزير: أجمعوا على أن صلاة الخوف في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتان، إذا كانت رباعية، وغير الرباعية على عددها، لا يختلف حكمها حضرا ولا سفرا، ولا خوفا.

(4)

لقوله: {إِنْ خِفْتُمْ} وفعله عليه الصلاة والسلام، يقال: هجمت عليه هجوما، من باب (قعد) دخلت عليه بغتة، على غفلة منه، وأهجمت الرجل هجما، طردته قال الزركشي: واعلم أن من شروط صلاة الخوف بلا نزاع عندنا أن يكون العدو يحل قتاله، ويخاف هجومه، وحكى الوزير الإجماع على خوف الهجوم، وكون بالمسلمين كثرة تمكن تفرقتهم فرقتين.

(5)

بكسر الراء فقاف مخففة، آخره عين مهملة، غزوة إلى أرض غطفان من ناحية نجد، سميت الغزاة بذلك لأن أقدامهم نقبت، فلفوا عليها الخرق، كما في الصحيح، وسهل هو ابن أبي حثمة بن ساعدة الأنصاري الأوسي، ولد سنة ثلاث من الهجرة، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأتقن، وعن زيد بن ثابت وغيره، وتوفي في أول خلافة معاوية بالمدينة رضي الله عنهما.

ص: 412

طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو (1) فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، متفق عليه (2) .

(1) بكسر الواو، بمعنى: تجاه، وهذه الصفة موافقة لقوله:{فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} وهذا فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، ولا نزاع في ذلك، بشرط أن تكفي الطائفة العدو.

(2)

من رواية صالح بن خوات بن جبير، عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع، صلاة الخوف، وهذا أشبه بكتاب الله، فإن قوله:{وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} يقتضي أن جميع صلاتها معه، وهو أحد الأوجه التي صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم والوجه الثاني، ما رواه جابر قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصففنا صفين، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرنا جميعا، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضي النبي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، فسجدوا ثم سلم صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا، رواه مسلم وللبخاري بعضه.

ورواه أحمد وغيره من حديث أبي عياش وقال: صلاها مرة بعسفان ومرة ببني سليم.

والوجه الثالث ما رواه ابن عمر قال: صلى صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين، والأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم، مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم، ثم قضي هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة، متفق عليه، والوجه الرابع أن يصلي بكل طائفة صلاة، ويسلم بها، رواه أحمد وأبو داود والنسائي، عن أبي بكرة مرفوعا، والشافعي عن جابر، والوجه الخامس ما رواه جابر، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع، قال: فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، قال: فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان، متفق عليه، والسادس أن يصلي بكل طائفة ركعة بلا قضاء، كما جاء في خبر ابن عباس وغيره، ومنعه الأكثر وفاقا، وقال البغوي، وأكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم على أن الخوف لا ينقص من العدد شيئا، وقال الموفق وغيره: يستحب أن يخفف بهم الصلاة، لأن موضوع صلاة الخوف على التخفيف.

وقال الشيخ: لا شك أن صلاته صلى الله عليه وسلم حال الخوف كانت ناقصة عن صلاته حال الأمن في الأفعال الظاهرة، قال الموفق: ويجب أن تكون الطائفة التي بإزاء العدو ممن يحصل الثقة بكفايتها وحراستها، ومتى خشي اختلال حالهم، واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الأخرى فاللإمام أن ينهض إليهم بمن معه، ويمضوا على ما مضى من صلاتهم اهـ وهذه أصولها، وربما اختلف بعض ألفاظها، فذكرها بعضهم أكثر، قال ابن القيم، والصحيح هذه الأوجه، وصح أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في أربع، ذات الرقاع، وبطن نخل، وعسفان وذي قرد المعروف بغزوة الغابة.

ص: 413

....................................................

ص: 414

وإذا اشتد الخوف (1) صلوا رجالا وركبانا، للقبلة وغيرها (2) يومئون طاقتهم (3) .

(1) أي تواصل الطعن والضرب، والكر والفر، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما ذكر.

(2)

ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة، وهو قول أكثر أهل العلم، مالك والشافعي، وأحمد وغيرهم، وقال الزركشي، لا تسقط الصلاة حال المسايفة والتحام الحرب بلا نزاع، ولا يجوز تأخيرها إن لم تكن الأولى من المجموعتين لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} أي فصلوا رجالا أو ركبانا، والأمر للوجوب، قال ابن عمر: فإذا كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا، قياما على أقدامهم، وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها متفق عليه، زاد البخاري: قال نافع: لا أرى ابن عمر قال ذلك إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في غير شدة الخوف، وأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو وهم في الصلاة، ثم يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم، فمع شدة الخوف أولى، ولا يلزم الإحرام إلى القبلة، ولو أمكن، وقال أحمد وغيره: تجوز صلاة شدة الخوف رجالا وركبانا جماعة، كما يجوز فرادى، وهو مذهب الشافعي، ولم يجوزه مالك وأبو حنيفة، والرجال جمع راجل، لا رجل، والراجل الكائن على رجليه، واقفا كان أو ماشيا، والركبان جمع راكب، وأكثر ما يقال لراكب الإبل بدون إضافة.

(3)

أي يومئون بالركوع والسجود، إيماء على قدر طاقتهم، لأنهم لو تمموا الركوع والسجود كانوا هدفا لأسلحة العدو، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم، ولا يلزمهم السجود على ظهر الدابة، وسواء وجد شدة الخوف قبلها أو فيها، ولو احتاج عملا كثيرا، وإن أمكنت الجماعة وجبت، ولا يزول الخوف إلا بانهزام الكل.

ص: 415

وكذا حالة هرب مباح من عدو، أو سيل ونحوه (1) أو خاف فوت عدو يطلبه (2) أو وقت وقوف بعرفة (3) .

(1) أي وكشدة الخوف مما تقدم حالة هرب مباح من عدو، بأن كان الكفار أكثر من مثلي المسلمين، أو متحرف لقتال، أو متحيز إلى فئة، أو هرب من سيل ونحوه، كهرب من سبع أو نار، أو غريم ظالم، أو خوف على نفسه أو أهله أو ماله، إن صلى صلاة آمن، أو ذب عنه أو عن غيره، لأن ذلك إما واجب أو مباح، وكلاهما مبيح للصلاة على هذه الحال، وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه في صلاة المطلوب، وإن كان طالبا نزل فصلى، وقال الشافعي: إلا أن ينقطع فيخاف، وإن خاف فحكمه حكم المطلوب.

(2)

أي وكشدة خوف مما تقدم خوف فوت عدو يطلبه، لفعل عبد الله بن أنيس لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي ليقتله، صلى بالإيماء نحوه، رواه أبو داود وغيره، ولأن فوت عدوه ضرر عظيم، فأبيحت له صلاة الخوف، كحال لقائه، ومن خاف في الصلاة كمينا أو مكيدة أو مكروها، وكذا أسير خاف على نفسه فيصلي من ذكر كيف أمكن، قائما أو قاعدا أو مضطجعا ومستلقيا إلى القبلة وغيرها بالإيماء، حضرا وسفرا، وإن خاف هدم سور أو طم خندق إن صلى آمنا، صلى صلاة خائف ما لم يعلم خلافه.

(3)

إذا قصدها المحرم ليلا، ولم يبق من وقت الوقوف إلا مقدار ما إن صلاها فيه على الإتمام فاته الوقوف، فإنه يصليها صلاة خائف، وهو ماش أو راكب اختاره الشيخ، وصوبه في تصحيح الفروع، وقال ابن القيم: يقضي الصلاة وهو سائر إلى عرفة، فيكون في طريقه مصليا، كما يصلي الهارب من سيل أو سبع اتفاقا أو الطالب لعدم يخشى فواته، على أصح القولين، وهو أقيس الأقوال وأقربها إلى قواعد الشرع ومقاصده اهـ، وكذا من في الصلاة وخاف انتقل وبنى، لأن

الحكم يوجد لوجود علته، وينتفي بانتفائها، والمقتضى لهذه الصلاة هو الخوف

فإذا أمن زال الخوف، فيصلي صلاة أمن، وما صلى وهو خائف على صفته محكوم بصحته.

ص: 416

(ويستحب أن يحمل معه في صلاتها من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله كسيف ونحوه) كسكين (1) لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} (2) ويجوز حمل سلاح نجس في هذه الحال للحاجة بلا إعادة (3) .

(1) لصيانته، والسكين الشفرة والمدية، ويؤنث، والجمع سكاكين سمي به لأنه يسكن حركة المذبوح.

(2)

ولمفهوم قوله: {جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} واختار جماعة: يجب وفاقا لمالك والشافعي، واستظهره أبو المظفر، والشارح، ولا يشترط وفاقا، وقال غير واحد، لا يجب وفاقا، لأن الأمر به للرفق بهم والصيانة لهم، فلم يكن للإيجاب، وكره ما يثقلة كجوشن أو يضر غيره كرمح، ما لم يكن على جانب، ولا يكره حمل السلاح في الصلاة بلا حاجة في ظاهر كلام الأكثر.

(3)

للعذر وكذا ما يخل ببعض أركان الصلاة للحاجة إليه.

ص: 417