الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجماعة
(1)
شرعت لأجل التواصل والتوادد وعدم التقاطع (2) .
(1) أي باب بيان أحكام صلاة الجماعة، ومن الأولى بالإمامة؟ وموقف الإمام والمأموم، وما يبيح تركها من الأعذار وما يتعلق بذلك، وقيل: إنه من المقلوب، فيقال: باب بيان أحكام الجماعة في الصلاة، وفصل أحكام الجماعة، لأنها صفة زائدة على ماهية الصلاة، وليست فعلا، حتى تكون من جنسها، وحيث إنها صفة تابعة لها أتبعها بها، وسميت جماعة لاجتماع المصلين في الفعل، مكانا وزمانا، فإذا أخلوا بهما أو بأحدهما لغير عذر كان ذلك منهيًّا عنه باتفاق الأئمة.
واتفق المسلمون على أن الصلوات الخمس في المساجد من أوكد العبادات، وأجل الطاعات، وأعظم القربات، بل وأعظم وأظهر شعائر الإسلام.
(2)
أي شرع الله عز وجل لهذه الأمة ببركة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة، كالمكتوبات، ومنها ما هو في الأسبوع، وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكررا، وهو صلاة العيدين، لجماعة كل بلد، ومنها ما هو عام في السنة، وهو الوقوف بعرفة، لأجل التواصل وهو الإحسان والتعطف والرعاية، ولأجل نظافة القلوب و (التوادد) وهو التحاب، ولأجل معرفة أحوال بعضهم لبعض، فيقومون بعيادة المرضى، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين، وإغاضة العدو (وعدم التقاطع) عطف تفسير قال شيخ الإسلام: لأن المقصود بالصلاة الائتلاف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم «لا تختلفوا فتخلتف قلوبكم» اهـ ومن فوائد الجماعة قيام نظام الألفة، وتعلم الجاهل من العالم، وعموم البركة، ومضاعفة الثواب، وزيادة العمل، عند مشاهدة أولى الجد، وغير ذلك من الحكم في مشروعيتها، وحقيقتها ربط صلاة المؤتم بصلاة الإمام.
(تلزم الرجال) الأحرار القادرين (1) ولو سفرا، في شدة خوف (2)(للصلوات الخمس) المؤداة وجوب عين (3) .
(1) أخرج المميزين، والنساء، والخناثى، والعبيد، والمبغضين، وذوي الأعذار.
(2)
أو غيره، لقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية لأنها نزلت في صلاة الخوف، والغالب كون الخوف في السفر.
(3)
أي متعين ثابت على الرجال، كل منهم بعينه، حضرا وسفرا، وبرهان ذلك الكتاب والسنة والآثار والاعتبار، وعمل المسلمين قرنا بعد قرن، خلفا عن سلف، وموجب عمارة المساجد، وفرض النداء وغير ذلك، قال في الإقناع وشرحه: يقاتل تاركها أي الجماعة، لحديث أبي هريرة المتفق عليه، وروى الإمام أحمد في مسنده «ما من ثلاثة في قرية، لا يؤذن ولا تقام فيهم الجماعة، إلا استحوذ عليهم الشيطان» ، ومن قال من الأئمة إنها سنة، فمؤكدة لتصريحهم بتأثيم تاركها، وسقوط عدالته وتعزيره، وأنه لا رخصة في تركها إلا لعذر، للأخبار، فوافقونا معنى، بل صرح بعضهم بأنها سنة مؤكدة، وأنهم أرادوا بالتأكيد الوجوب، أخذا بالأخبار الواردة بالوعيد الشديد على تركها.
وقال النووي وطوائف: الجماعة مأمور بها، للأحاديث الصحيحة المشهورة، وإجماع المسلمين وذكر الوجه الثالث أنها فرض عين، وأنه قول للشافعي، واثنين من كبار أصحابه المتمكنين في الفقه، أبي بكر بن خزيمة، وابن المنذر بل وليس لهم دليل مقاوم أدلة وجوبها، وقال الشافعي: أما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر، ذكره المزني، وقوله: المؤداة، أخرج المقضيات من الخمس، والمنذورة، والكسوف ونحوها، وفي قصة الخندق، ونومهم استحباب قضاء الفوائت جماعة، وهو قول أكثر أهل العلم.
لقول تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الآية (1) فأمر بالجماعة حال الخوف، ففي غيره أولى (2) ولحديث أبي هريرة المتفق عليه «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر (3) .
(1) أي إذا صليت بهم إماما، في صلاة الخوف، وذكر حالة الاجتماع والائتمام بإمام واحد، قال ابن كثير: وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك.
(2)
قال الشيخ: فإن الجماعة يعني في صلاة الخوف، يترك لها أكثر واجبات الصلاة فلولا وجوبها لم يؤمر بترك الواجبات لها اهـ، فأمر بالجماعة أولا، ثم أمر بها ثانيا، ولم يرخص لهم حال الخوف، فلو كانت سنة لكان أولى الأعذار بسقوطها: عذر الخوف، ولو كانت فرض كفاية لسقطت بفعل الطائفة الأولى، فدلت على وجوبها على الأعيان، ولقوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ *} فالسياق يدل على اختصاص الركوع بذلك وخص الركوع لأنه تدرك به الصلاة وقوله: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وقوله: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ *} قال ابن عباس: هو قول المؤذن: حي على الصلاة، وكذلك الجمع بين الصلاتين في المطر، لأجل تحصيل الجماعة، مع أن إحدى الصلاتين قد وقعت خارج الوقت، والوقت واجب، فلو لم تكن الجماعة واجبة لما ترك لها الوقت الواجب.
(3)
لأنهما وقت السكون والراحة، ولذة النوم، وليس لهم داع ديني، ولا تصديق بالأجر، ولأنهما في ظلمة، وداعي الرياء منتفٍ، فانتفى الباعث، وهي ثقيلة عليهم، قال تعالى:{وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى} .
ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا (1) ، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس (2) ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب، إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار (3) » .
(1) أي لو يعلمون ما فيهما من مزيد الفضل، لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة ولو زحفا، إذا منعهم مانع من المشي، ولابن أبي شيبة على الموافق والراكب.
(2)
وفي الصحيحين «والذي نفسي بيده لقد هممت» ، والهم العزم أن آمر من الأمر ضد النهي بالصلاة فتقام، من الإقامة وهو الكلمات المخصوصة.
(3)
انطلق أي أذهب، وحزم بضم الحاء، وروي كسرها جمع حزمة أي حملة من أعواد الحطب لا يشهدون أي لا يحضرون، وأحرق بتشديد الراء، وروي تخفيفها، لغتان فبين في هذا الحديث أنه إنما منعه من تحريق المتخلفين عن الجماعة من في البيوت من النساء والذراري الذين لا تجب عليهم الجماعة ولابن ماجه «لينتهين رجال عن تركهم الجماعات، أو لأحرقن بيوتهم» قال الحافظ: هذا الحديث ظاهر في كونها فرض عين، لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه، وكون الشيء واجبا لا ينافي كونه فضيلة وفي صحيح مسلم أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأله أن يرخص له أن يصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال:«هل تسمع النداء؟» قال: نعم، قال:«فأجب» .
قال شيخ الإسلام وهذا نص في إيجاب الجماعة، ولقوله:«فليؤمكما أكبركما» ، ولمسلم «إذا كانوا ثلاثة، فليؤمهم أحدهم» . وهو أمر ظاهر الوجوب وقوله «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» واضح وقد وثقه عبد الحق وغيره. وفي السنن
«من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر، فلا صلاة له» قال الشيخ: هذا يقتضي أن
النداء والصلاة في جماعة من الواجبات وقال صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لفرد خلف الصف» .
قال ابن القيم: فكيف بمن كان فردا في الجماعة والصفوف، ولمسلم وغيره عن ابن مسعود قال: من سره أن يلقي الله غدا مسلما، فليصل هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن فإنَّ الله شرع لنبيه سنن الهدى وإنَّ هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادي بهن، من سنن الهدي، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق، معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف، وهذا دليل على استقرار، وجوبها عند المؤمنين، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن كل أمر لا يتخلف عنه إلا منافق، يكون واجبا على الأعيان.
قال الشيخ: وهو المشهور عن أحمد وغيره، من أئمة السلف، وفقهاء الحديث، وغيرهم بل وإجماع الصحابة، ولأحمد وغيره مرفوعا «الجفا كل الجفا، والكفر والنفاق، من سمع منادي الله ينادي إلى الصلاة فلا يجيبه» وثبت حديث «يد الله على الجماعة، فمن شذ شذ في النار» ، وسئل ابن عباس عن رجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ولا يحضر الجماعة، فقال: هو في النار، وهذا له حكم الرفع، قال الشيخ: وقد اتبع الإمام أحمد ما دل عليه الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، من وجوب الجماعة مع عدم العذر، وسقوطها بالعذر.
(لا شرط) أي ليست الجماعة شرطًا لصحة الصلاة (1) .
(1) وإنما هي واجبة: لحديث فضل صلاة الجماعة، وعدم إنكاره على اللذين صليا في رحالهما، وعنه: أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، اختاره ابن عقيل، وابن أبي موسى، والشيخ وغيرهم، وعن ابن عباس مرفوعا:«من سمع النداء فلم يمنع من اتباعه عذر، لم يقبل الله منه الصلاة التي صلاها» رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان وغيرهم، ورواه ابن أصبغ بسند جيد بلفظ، «من سمع النداء فلم يجب
فلا صلاة له إلا من عذر» ، وروي عن غير واحد من الصحابة، منهم ابن مسعود وأبو موسى قالوا: من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر، فلا صلاة له، قال الشيخ: وهو قول طائفة من قدماء أصحاب أحمد، والقول الثاني تصح مع إثمه بالترك، وهو المأثور عن أحمد، وقول أكثر أصحابه، وشرط بالتنوين مرفوع عطف على مقدر، أي الجماعة لازمة، أو فرض عين، لا شرط ولا نافية عاطفة.
فتصح صلاة المنفرد بلا عذر (1) ، وفي صلاته فضل (2) .
(1) مع الإثم، ولا ينقص أجره مع العذر، قال الشارح: لا نعلم من أوجب الإعادة على من صلى وحده، إلا ما روي عن بعض الصحابة أن من صلى وحده من غير عذر فلا صلاة له، وقال شيخ الإسلام: الوقت لا يمكن تلافيه، فإذا فات لم يمكن فعل الصلاة فيه، ونظيره من فوت الجماعة الواجبة التي يجب عليه شهودها، وليس هناك جماعة أخرى، فإنه يصلي منفردا، وتصح صلاته هنا مع الإثم، لعدم إمكان صلاته جماعة.
(2)
لحديث ابن عمر وغيره لأنه يلزم من ثبوت النسبة بينهما بجزء معلوم ثبوت الأجر فيهما، ولا ينقص أجره مع العذر، واختاره أبو الخطاب والشيخ فيمن عادته الصلاة في الجماعة، لا من عادته الانفراد لما في الصحيح، «إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا» ، قال الشيخ: وهذه قاعدة الشريعة أن من كان عازما على الفعل عزما جازما، وفعل ما يقدر عليه منه، كان بمنزلة الفاعل، ولأبي داود «فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها، بلغت خمسين صلاة» حديث حسن، وجاء أنه يصلي خلفه من الملائكة خلق كثير ولا شك أنه في الفلاة لعذر، وقصد صحيح، واختصاصه بهذه المزية لما في السفر من الخلوة والمشقة ونحوهما، والإقبال مع ذلك على الصلاة أمر لا يناله إلا أهل الإخلاص، ولا يقتضي هذا ونحوه أن يكون نفس عمله مثل عمل من صلاها في جماعة، ولا أن من لم تكن عادته الصلاة في جماعة، وصلى وحده للعذر يكون له
كمن عادته الصلاة في الجماعة، اللهم إلا أن يتوب حال العذر، فإن أجره يكمل.
وصلاة الجماعة أفضل بسبع وعشرين درجة، لحديث ابن عمر المتفق عليه (1) وتنعقد باثنين، ولو بأنثى وعبد (2) في غير جمعة وعيد (3) لا بصبي في فرض (4)(ولو فعلها) أي الجماعة (في بيته) لعموم حديث جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا (5) .
(1) ولفظه «صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» وفيهما أيضا بخمس وعشرين وأنكر شيخ الإسلام حمله على غير المعذور وقال: التفضيل لصلاة الجماعة على صلاة الفرد إنما دل على فضل هذه الصلاة، على هذه الصلاة، فمراد الشارع المعذور الذي يباح له الصلاة وحده.
(2)
والإمام رجل أو أنثى، أو عبد والإمام حر أو عبد أو مبعض، فإن أم عبده أو زوجته كانوا جماعة، لأن الجماعة مأخوذة من الاجتماع، والاثنان أقل ما يتحقق به الجمع، ولما روى ابن ماجه والبغوي من حديث أبي موسى مرفوعا «الاثنان فما فوقهما جماعة» وضعفه السيوطي، ولحديث «من يتصدق على هذا؟» فقام رجل، فصلى معه، فقال:«هذان جماعة» رواه أحمد وغيره، ولقوله لمالك بن الحويرث «وليؤمكما أكبركما» ، ولصلاته بابن عباس عن يمينه، وغيرها، قال الوزير وغيره: أجمعوا على أن أقل الجمع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرض غير الجمعة اثنان، إمام ومأموم قائم عن يمينه، وحكاه البغوي إجماع المسلمين.
(3)
متعلق بتنعقد، يعني والإمام حر أو عبد، لاشتراط العدد فيهما، على ما يأتي.
(4)
والإمام بالغ، لأنه لا يصلح إمام في الفرض، ويصح في النفل، لأنه عليه الصلاة والسلام أمَّ ابن عباس وهو صبي، رواه الجماعة، وعنه: يصح في الفرض كالنفل، للأخبار ويأتي.
(5)
متفق عليه، وفي لفظ «فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فعنده مسجده
وطهوره فمن أقامها في بيته خرج من العهدة، وفاتته الفضيلة» ، وكذا في صحراء على الصحيح من المذهب، وعنه: ليس له فعلها في بيته، قدمه في الحاوي وغيره، وأن حضور المسجد واجب على القريب منه، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» وعن علي مثله وزاد وجار المسجد من أسمعه المنادي، رواه البيهقي بإسناد جيد، وقال ابن عباس في قوله:(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ) من سمع النداء بالصلاة، ثم لم يجب، ولم يأت المسجد ويصلي فيه، فلا صلاة له، وقد عصى الله ورسوله، وله شواهد كثيرة، ولحديث الأعمى وغيره، وعموم الحديث الذي استدلوا به ضعيف، بل لا يدل هنا، لمخالفة النصوص، ومقصود الشارع بالجماعة.
قال ابن القيم: ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان، إلا لعارض، يجوز معه ترك الجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذر، كترك أصل لغير عذر، وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار، وسئل الحلواني الحنفي عمن يجمع بأهله أحيانا هل ينال ثواب الجماعة؟ فقال: لا، ويكون بدعة ومكروها بلا عذر اهـ، ولأنه تعطيل للمساجد، وقد علم من الدين ضرورة أن الله شرع الصلوات الخمس في المساجد واعتنى بإحيائها، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} وقال: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة، وما هو سبيل سلف الأمة وخلفها، وكل ما تقدم من الأدلة على وجوبها، فهي صريحة في وجوب إتيان المساجد لها.
وقال شيخ الإسلام: لا ينبغي له أن يترك حضور المسجد إلا لعذر، كما دلت على ذلك السنن والآثار، والصلاة في المساجد من أكبر شعائر الدين وعلاماته، وفي تركها بالكلية أو في المساجد محو آثار الصلاة بحيث أنه يفضي إلى تركها
ولو كان الواجب فعل الجماعة، لما جاز الجمع للمطر ونحوه، وترك الشرط، وهو الوقت لأجل السنة، ومن تأمل الشرع المطهر، علم أن إتيان المسجد لها فرض عين إلا لعذر.
وفعلها في المسجد هو السنة (1) وتسن لنساء منفردات عن رجال (2) .
(1) بلا ريب، وهو مذهب مالك وأبو حنيفة، لإظهار شعائر الإسلام، وما شرعت عمارة المساجد إلا لذلك، ولا يجوز ما يؤدي إلى هجرانها، وعنه: واجبة على القريب منه، جزم به وقدمه غير واحد، وتقدم حديث:«لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» وأما من كان ذهابه إلى المسجد يؤدي إلى انفراد أهله، فيتوجه إقامتها في بيته، ولو كان فعلها في المسجد في جماعة، أقل منهم في بيته، كان المسجد أفضل، وإن كان ذهابه إلى المسجد يؤدي إلى فعلها فذا، وفي البيت يؤدي إلى فعلها جماعة، تعين فعلها في بيته، تحصيلا للواجب، ما لم يكن في ذلك حيلة إلى تعطيل المساجد، قال الشيخ: وصلاته مع الراتب ولو ركعة، خير من صلاته في بيته ولو جماعة.
(2)
إذا اجتمعن، على الصحيح من المذهب، وعليه جمهور الأصحاب، وهو مذهب الشافعي، سواء كانت إمامتهن منهن، أو لا، لفعل عائشة، وأم سلمة، رواهما البيهقي وغيره، بإسنادين صحيحين، ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تجعل لهما مؤذنا، وأمرها أن تؤم أهل دارها، رواه أحمد وأهل السنن، ولأنهن من أهل الفرض، أشبهن الرجال فيدخلن في عموم «تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ، بسبع وعشرين درجة» قال ابن القيم: لو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله: «تفضل صلاة الجماعة» الحديث لكفى اهـ ولا تجب عليهن، فإن الشارع لم يسو بينهم في الجماعة، وكذا الجمعة، بل خص وجوبهما بالرجال، دون النساء، لأنهن لسن من أهل البروز ومخالطة الرجال، ويباح لهن الحضور تفلات غير مطيبات بإذن أزواجهن، لحضورهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويكره لحسناء حضورها مع رجال (1) ويباح لغيرها (2) ومجالس الوعظ كذلك وأولى (3)(وتستحب صلاة أهل الثغر) أي موضع المخافة (في مسجد واحد) لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة (4)(والأفضل لغيرهم) أي غير أهل الثغر الصلاة (في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره)(5) .
(1) خشية الافتتان، إما أن علم أو ظن فيحرم، قال الوزير: اتفقوا على أنه يكره للشواب منهن حضور جماعات الرجال.
(2)
أي ويباح لغير حسناء، كعجوز لا حسن لها، حضورها مع الرجال، تفلة غير مطيبة، بإذن زوجها، وبيتها خير لها بلا نزاع، للخبر، وقال الوزير: والذي أرى حضورهن الجماعات، وأنهن يكن في أواخر الصفوف من الرجال، على ما جاءت به الأحاديث، ومضى عليه زمان المصطفى صلى الله عليه وسلم والصدر الأول، وأنه غير مكروه بل مسنون.
(3)
أي يسن حضورهن، مجالس الوعظ، منفردات عن الرجال، ويكره لحسناء حضورها ويباح لغيرها وهو أولى من حضورهن للجماعة، لحديث أم عطية فإن فيه الترغيب في حضورهن مجالس الذكر، للتفقه، ونيل البركة.
(4)
قال في الإنصاف: بلا نزاع أعلمه، فإنه إذا جاءهم خبر عن عدوهم، سمعه جميعهم، وإن جاءهم عين للكفار، رأى كثرتهم، قال الأوزاعي: لو كان الأمر إلي لسمرت أبواب المساجد التي للثغور، ليجتمع الناس في مسجد واحد، وأصل الثغر الكسر والهدم، والفتح في الشيء، ينفذ منه إلى ما وراءه، وثغرت الجدار هدمته ومنه قيل للموضع الذي تخاف أن يأتيك العدو منه ثغر، لانثلامه وإمكان دخول العدو منه، وفي النهاية، هو الموضع الذي يكون حدا فاصلا بين بلاد المسلمين والكفار.
(5)
إجماعا.
لأنه يحصل بذلك ثواب عمارة المسجد (1) وتحصيل الجماعة لمن يصلي فيه (2)(ثم ما كان أكثر جماعة)(3) ذكره في الكافي والمقنع وغيرهما (4) وفي الشرح أنه الأولى (5) لحديث أبي بن كعب: «وما كان أكثر جماعة فهو أحب إلى الله تعالى» رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان (6) .
(1) يعني بإقامة الجماعة فيه لقوله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ} الآية.
(2)
وذلك معدوم في غيره، أو تقام فيه الجماعة بدون حضوره، لكن في قصده لغيره كسر قلب إمامه، أو جماعته فجبر قلوبهم أولى، قاله جمع، منهم الموفق والشارح وابن حمدان وغيرهم.
(3)
أي فهو أفضل لأنه أعظم أجرا.
(4)
وابن منجا والمنتخب والخلاصة وغيرها، وقطع به في المغني، وصححه ابن تميم، واستظهره في الرعاية الصغرى، وقدمه في النظم وغيره.
(5)
قال: لما ذكرنا من الحديث: «يعني صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر، فهو أحب إلى الله» .
(6)
وابن معين والذهلي وغيرهم، وأوله تقدم، ففيه أن ما كثر جمعه فهو أفضل، لما في الاجتماع من نزول الرحمة والسكينة، وغير ذلك، وقال القرافي: لا نزاع أن الصلاة مع الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير أفضل من غيرهم، لشمول الدعاء، وسرعة الإجابة، وكثرة الرحمة، وقبول الشفاعة اهـ، وفي قوله تعالى:{فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} استحباب الصلاة مع الجماعة الصالحين المحافظين على الإسباغ، والتنزه من القاذورات، والمقدار المذكور في صلاة الجماعة لا ينافي الزيادة في الفضل.
(ثم المسجد العتيق)(1) لأن الطاعة فيه أسبق (2) قال في المبدع: والمذهب أنه مقدم على الأكثر جماعة (3) قال في الإنصاف: الصحيح من المذهب أن المسجد العتيق أفضل من الأكثر جماعة، وجزم به في الإقناع والمنتهى (4)(وأبعد) المسجدين (أولى من أقربـ) ـهما إذا كانا حديثين أو قديمين (5) اختلفا في كثرة الجمع أو قلته أو استويا (6) لقوله صلى الله عليه وسلم «أعظم الناس أجرا في الصلاة، أبعدهم فأبعدهم
(1) يعني أفضل من الجديد مع الاستواء في الكثرة، على ما ذكره الماتن.
(2)
والعبادة فيه أكثر، وذكر أبو الخطاب أنها فيها أفضل، وإن قل الجمع اهـ لا سيما إذا كان مؤسسا على التقوى.
(3)
وقدمه في الفروع، والرعايتين وغيرها.
(4)
يعني بتقديم العتيق على الأكثر جماعة، وجزم به في الهدايا والمحرر والمنور وغيرهم.
(5)
لتكثر خطاه في طلب الثواب، فتكثر حسناته.
(6)
أي لا التفات إلا إلى التساوي في التجدد والقدم، وأما الكثرة والقلة فلا تبعا للمنتهى ولفظ الإقناع وشرحه: ثم إن استويا فيما تقدم يعني العتيق ثم الأكثر جماعة فالصلاة في المسجد الأبعد أفضل.
ممشى» رواه الشيخان (1) وتقدم الجماعة مطلقا على أول الوقت (2)(ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب، إلا بإذنه أو عذره)(3) .
(1) ولهما بعد ذكر التفضيل: «وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن الوضوء، وأتى المسجد لا يزيد إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد» ، فظهر الفضل، لكثرة حسناته، بكثرة خطاه، ولقوله:«يا بني سلمة دياركم، تكتب آثاركم» ، وعنه الأقرب أولى، وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، لأن له جوارا فكان أحق بصلاته، ولقوله:«لا صلاة لجار المسجد في المسجد» ولما في تخطيه إلى غيره من إثارة الوحشة في جيرانه الأقربين إليه.
وقال ابن بشير المالكي: لا يجوز تعدي المسجد المجاور إلى غيره، إلا لجرحه إمامه، ومن حديث بقية:«ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه، ولا يتخطاه إلى غيره» ، وما ذاك إلا لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه، وقال ابن القيم: نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه، إلى غيره، لأنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه، وإيحاش صدر الإمام، وإن كان الإمام لا يتم الصلاة، أو يرمي ببدعة، أو يعلن بالفجور فلا بأس بتخطيه إلى غيره.
(2)
يعني سواء سن تعجيل تلك الصلاة أو لا، كثرت الجماعة أو قلت، ذكره الموفق وغيره، وقال في الفروع: ذكره في كتب الخلاف وغيرهم اهـ لأنها واجبة، وأول الوقت سنة ولا تعارض بين واجب ومسنون، وفضيلة أول الوقت أفضل من انتظار كثرة الجمع، مشى عليه في الإقناع، وصوبه في الإنصاف، وقال الشيخ: ليس للإمام تأخير الصلاة عن الوقت المستحب، وبعد حضور أكثر الجماعة منتظرا لأحد بل ينهى عن ذلك إذا شق، ويجب عليه رعاية المأمومين.
(3)
يعني الراتب، صرح به في الفروع، وأبو الخطاب والسامري وغيرهم
والراتب هو الثابت الدائم من رتب الشيء رتوبا، من باب قعد، استقر ودام، فهو راتب أي ثابت دائم.
لأن الراتب كصاحب البيت، وهو أحق بها (1) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن الرجل في بيته إلا بإذنه» (2) ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه (3) ومع الإذن هو نائب عنه (4) قال في التنقيح: وظاهر كلامهم لا تصح (5) وجزم به في المنتهى (6) وقدم في الرعاية: تصح (7) .
(1) أي الإمامة وصاحب البيت الملازم، ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن، وهو الأصل والأكثر، أو بالعناية ولا يقال في العرف إلا لمن كثرت ملازمته.
(2)
رواه أبو داود وغيره، وفي صحيح مسلم وغيره، «ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه» قال النووي: معناه أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره وعن ابن مسعود: من السنة أن يتقدم صاحب البيت، فإمام المسجد الراتب أولى ولأخبار:«من زار قوما فلا يؤمهم» وعمومات أخر.
(3)
أي التفريق والإعراض، قال أحمد: ليس لهم ذلك، وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم.
(4)
فيباح للمأذون له في الإمامة أن يؤم، وتصح بلا نزاع.
(5)
يعني إن أم قبل إمامه الراتب، وقاله في الفروع والمبدع والإقناع وغيرها.
(6)
ولفظه: فتحرم.
(7)
أي مع الكراهة: قال القاضي في الخلاف: قد كره أحمد ذلك.
وجزم به ابن عبد القوي في الجنائز (1) وأما مع عذره فإن تأخر وضاق الوقت صلوا، لفعل الصديق رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف، حين غاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«أحسنتم» (2) ويراسل إن غاب عن وقته المعتاد، مع قرب محله، وعدم مشقة (3) ، وإن بعد محله، أو لم يظن حضوره (4) أو ظن ولا يكره ذلك صلوا (5) .
(1) في كتاب (عقد الفرائد) له، المعروف بالنظم، على روي الدال.
(2)
يعني في صلاتهما بالناس، لما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم، صلى أبو بكر الصديق بأمره صلى الله عليه وسلم إن حضرت الصلاة، والقصة في الصحيحين وعبد الرحمن بن عوف لما تخلف صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وصلى معه النبي صلى الله عليه وسلم الركعة الأخيرة، ثم أتم صلاته، قال:«أحسنتم وأصبتم» ، يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها، متفق عليه.
(3)
في الذهاب إليه، وسعة الوقت، ولا يجوز أن يتقدم غيره قبل ذلك.
(4)
صلوا سواء عرف عذره أو لا، لما تقدم من صلاة أبي بكر وعبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهما.
(5)
أي أو ظن حضوره، والمعروف عنه أنه لا يكره، بفتح الياء أن يصلي غيره صلوا جماعة علموا عذره أولا، لأنهم معذورون، وقد أسقط حقه بالتأخير، ولأن تأخره عن وقته المعتاد يغلب على الظن وجود عذر له، ولا يحرم أن يؤم بعده، لكن قال في الإقناع، ويتوجه إلا لمن يعادي الإمام، ويؤخذ من مجيء بلال إلى أبي بكر ليصلي بالناس أن للمؤذن وغيره أن يعرض التقدم على الفاضل، وأن الفاضل يوافقه، بعد أن يعلم أن ذلك برضا الجماعة.
(ومن صلى) ولو في جماعة (ثم أقيم) أي أقام المؤذن لـ (فرض سن) له (أن يعيدها)(1) إذا كان في المسجد (2) أو جاء غير وقت نهي، ولم يقصد الإعادة (3) ولا فرق بين إعادتها مع إمام الحي أو غيره، لحديث أبي ذر، «صل الصلاة لوقتها، فإن أُقيمت وأنت في المسجد فصل، ولا تقل: إني صليت فلا أصلي» رواه أحمد ومسلم (4) .
(1) أي الفرض ثانيًا، مع الجماعة الثانية، سواء كان وقت نهي أو لا، حيث كان الشروع في الإقامة وهو في المسجد على ما تقدم، ولا يجب، وقيل يجب مع إمام الحي لظاهر الخبر، والأولى فرضه، والمعادة نفل لقوله:«فإنها لكما نافلة» وغيره، قال شيخ الإسلام، على الصحيح.
(2)
للخبر على ما يأتي من التفصيل، وقال الشيخ: إقامة الجماعة وهو في المسجد سبب، فيعيدها.
(3)
يعني أو جاء بعد الإقامة، وقبل الصلاة، إذا لم يكن وقت نهي، ولم يقصد الإعادة، والأول: شرط لصحة الإعادة وسنيتها، والثاني: لسنيتها فقط، فإن جاء وكان وقت نهي، أو قصد الإعادة فلا يعيدها، وظاهر خبر يزيد سنية الإعادة مطلقًا، فإنه لم يستثن صلاة دون صلاة، وأما قصد الإعادة فمنهي عنه، إذ لو كان مشروعًا لأمكن أن تصلى الصلاة الواحدة مرات، قال الشيخ: وهذا لا ريب في كراهته، ولأنه غير مشروع تتبع المساجد للإعادة.
(4)
ونحوه حديث الرجلين اللذين دخلا مسجد الخيف بمنى، وأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، فسبب الإعادة حضور الجماعة، ولئلا يكون قعوده والناس يصلون ذريعة إلى إساءة الظن به، وأنه ليس من المصلين، ويأتي أنه لا يعيدها بلا سبب، لحديث ابن عمر «لا تعاد الصلاة مرتين» .
(إلا المغرب) فلا تسن إعادتها ولو كان صلاها وحده، لأن المعادة تطوع، والتطوع لا يكون بوتر (1) ، ولا تكره إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب كغيره (2) وكره قصد مسجد للإعادة (3)(ولا تكره إعادة جماعة في غير مسجدي مكة والمدينة)(4) .
(1) ولفظ المقنع: إلا المغرب، فإنه يعيدها ويشفعها، وقدم في المغني والشرح: يعيدها وصححه ابن عقيل وابن حمدان، للعموم قال في الفائق: وهو المختار، وروي عن حذيفة أنه أعادها، رواه الأثرم، قال شيخنا: وهو الراجح في النظر والبديل.
(2)
أي كما لا تكره الجماعة الثانية والثالثة في مسجد ليس له إمام راتب بالإجماع وعنه: تكره فيما إذا كان له إمام راتب، وليس مطروقا، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي، لئلا يفضي إلى اختلاف القلوب، والتهاون بها مع الإمام، وعلى المذهب، فإذا صلى إمام الحي، ثم حضر جماعة أخرى استحب لهم أن يصلوها جماعة، لعموم أحاديث التفضيل، وقوله:«من يتصدق على هذا فيصلي معه» ، وما ذكره الأصحاب من قولهم: لا يكره أو يستحب إعادة الجماعة فهو مع المخالف، فلا ينافي ما تقدم من وجوب الجماعة، أو يقال: هو على ظاهره ليصلوا في غير المسجد الذي أقيمت فيه الجماعة، أشار إليه في الإنصاف، قال شيخ الإسلام: ولا يعيد الصلاة من بالمسجد وغيره بلا سبب، وهو ظاهر كلام أصحابنا وليس للإمام إعادة الصلاة مرتين، وجعل الثانية عن فائتة أو غيرها، والأئمة متفقون على أنه بدعة لا لعذر مثل صلاة خوف ونحوه.
(3)
زاد بعضهم: ولو صلى وحده، ولا يكره قصد المسجد لقصد الجماعة.
(4)
فقط، وفاقًا، فالمسجد الأقصى كسائر المساجد، وعنه: والمسجد الأقصى ومعنى إعادة الجماعة أنه إذا صلى الإمام الراتب ثم حضر جماعة، فإنه يستحب أنهم يصلون جماعة، وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وذكره بعضهم رواية واحدة، وكمساجد الأسواق وكالمساجد في ممر الناس.
ولا فيهما لعذر (1) وتكره فيهما لغير عذر (2) لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مع الإمام الراتب (3) .
(وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة) رواه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا (4) .
(1) كنوم ونحوه عن الجماعة، فلا يكره إذا لمن فاتته إعادتها بالمسجدين لقوله:«من يتصدق على هذا؟» ولأن إقامتها إذًا أحق من تركها، ولظاهر خبر أبي سعيد وأبي أمامة.
(2)
إذا أمكنهم الصلاة في جماعة أخرى.
(3)
علله أحمد بأنه أرغب في توقير الجماعة، وعنه: لا تكره فيهن، اختاره الموفق وغيره، وعنه يستحب، اختاره في المغني والشرح، وهو ظاهر الخبر، قال الشيخ: ومن أدرك جماعة في الأثناء وبعدها أخرى فهي أفضل، لأن إدراك الجماعة من أولها أفضل، إلا أن تتميز الأولى بكثرة، أو فضل إمام، أو كونها راتبة، ولا ريب أن صلاته مع الإمام الراتب في المسجد جماعة ولو ركعة، خير من صلاته في بينه، ولو كان جماعة.
(4)
وفي رواية «فلا صلاة إلا التي أقيمت» :
أي إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة، لما في بعض ألفاظ الحديث «إذا أخذ المؤذن في الإقامة فلا صلاة إلا المكتوبة» ، وفي رواية لابن عدي وغيره،
قيل: يا رسول الله ولا ركعتي الفجر، قال:«ولا ركعتي الفجر» ، فلا
يشرع في نفل مطلقًا، ولا راتبة من سنة فجر، أو غيرها، في المسجد أو غيره، إذا أقيمت الصلاة، ولو بينته لعموم الخبر، قال الشيخ: وقد اتفق العلماء
على أنه لا يشتغل عنها بتحية المسجد، ولكن تنازعوا في سنة الفجر،
والصواب أنه إذا سمع الإقامة فلا يصلي السنة، لا في بيته، ولا في غير بيته ونقل
أبو طالب: إذا سمع الإقامة وهو في بيته، فلا يصلي ركعتي الفجر ببيته ولا بالمسجد، وفي الصحيحين: أنه رأى رجلاً -وقد أقيمت الصلاة- يصلي ركعتين فلما انصرف لاث به الناس، فقال صلى الله عليه وسلم:«الصبح أربعًا، الصبح أربعا؟» وفيهما أنه قال: «يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعًا» ولمسلم «بأي الصلاتين اعتددت؟ بصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا؟» .
وكان عمر يضرب على الصلاة بعد الإقامة (1) فلا تنعقد النافلة بعد إقامة الفريضة التي يريد أن يفعلها مع ذلك الإمام الذي أقيمت له (2) ويصح قضاء الفائتة بل يجب مع سعة الوقت (3) ولا يسقط الترتيب بخشية فوات الجماعة (4) .
(1) وصح عن ابنه أنه كان يحصب من يشتغل في المسجد بعد الشروع في الإقامة، قال النووي: والحكمة أن يتفرغ للفريضة من أولها، فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة، أولى من التشاغل بالنافلة، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختلاف على الأئمة، ولحصول تكبيرة الإحرام، ولا تحصل فضيلتها المنصوصة إلا بشهود تحريم الإمام.
(2)
ولو جهل الإقامة، كما لو جهل وقت النهي، حيث كان الإحرام بعدها وإلا فالأصل الإباحة، فتنعقد، وإن لم يرد أن يفعلها مع ذلك الإمام انعقدت كما لو أقيمت بمسجد لا يريد الصلاة فيه، وتقدم النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، فالإقامة أولى.
(3)
وتقدمت الأدلة على وجوبها فورا.
(4)
فلو أقيمت العصر مثلا، وكان عليه صلاة الظهر، صلى الظهر قبل العصر، وعنه: يصلي مع الجماعة العصر، ثم يصلي الظهر، قال الموفق، ولا يحتاج إلى إعادة
العصر، وأفتى شيخ الإسلام من فاتته صلاة العصر، فوجد المغرب قد أقيمت صلاها
مع الإمام، ثم يصلي العصر، وقال: باتفاق الأئمة، وهل يعيد المغرب؟ الصحيح لا يعيد فإن الله لم يوجب الصلاة مرتين إذا اتقى الله ما استطاع.
(فإن) أقيمت و (كان) يصلي (في نافلة أتمها) خفيفة (1)(إلا أن يخشى فوات الجماعة فيقطعها) لأن الفرض أهم (2)(ومن كبر) مأمومًا (قبل سلام إمامه) الأُولى (لحق الجماعة)(3) لأنه أدرك جزءًا من صلاة الإمام، فأشبه ما لو أدرك ركعة (4) .
(1) ولو كان خارج المسجد، ولو فاتته ركعة، لقوله تعالى:{وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولا يزيد على ركعتين، فإن كان شرع في الثالثة أتمها أربعا، وإن سلم من ثلاث جاز، نص عليه فمثله واحدة، وقطع الصلاة يكون حرامًا، ومباحًا ومستحبًا، وواجبًا، فالحرام لغير عذر، والمباح إذا خاف فوت مال، والمستحب القطع للكمال، والواجب لإحياء نفس ونحوه.
(2)
لفرضيته بأصل الشرع، ولأن وجوب إتمام النفل هنا يعارضه، و «يقطعها» بضم العين على الاستئناف.
(3)
قال المجد: هذا إجماع من أهل العلم، وإن لم يجلس فيبني ولا يجدد إحراما، ومفهومه أنه لو أدركه بين التسليمتين لم يدركها ولو قلنا إنها ركن.
(4)
ومعناه أصل فضل الجماعة، ولا حصولها فيما سبق به، فإنه منفرد به حسًا وحكمًا إجماعًا، واختار الشيخ وغيره أنه لا يدرك الجماعة إلا ركعة قال: إذا أدرك مع الإمام ركعة، فقد أدرك الجماعة وإن أدرك أقل من ركعة فله بنيته أجر الجماعة، ولا يعتدله به، وإنما يفعله متابعة للإمام، وإن قصد الجماعة، ووجدهم قد صلوا، كان له أجر من صلى في الجماعة، كما وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي السنن فيمن تطهر في بيته، ثم ذهب إلى المسجد، يدرك الجماعة فوجدها قد فاتت، أنه يكتب له أجر صلاة الجماعة، وكما في الصحيح فيمن حبسهم
العذر عن الجهاد، وغير ذلك فالمعذور يكتب له مثل ثواب الصحيح، إذا كانت نيته أن يفعل، وقد عمل ما يقدر عليه، ويستحب أن يصلي في جماعة أخرى إذا فاتته فإن لم يجد استحب لبعضهم أن يصلي معه، لقوله عليه الصلاة والسلام «من يتصدق على هذا فيصلي معه؟» .
(وإن لحقه) المسبوق (راكعًا دخل معه في الركعة)(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة» رواه أبو داود (2) فيدرك الركعة إذا اجتمع مع الإمام في الركوع بحيث ينتهي إلى قدر الأجزاء، قبل أن يزول الإمام عنه (3) .
(1) أي: وإن لحق المسبوق الإمام في الركوع، قبل رفع رأسه منه، دخل معه في تلك الركعة، ولا يضره سبقه بالقراءة، بخلاف التشهد فيتمه إذا سلم، لعدم وجوب القراءة عليه إجماعًا، حكاه جماعة منهم شيخ الإسلام، وعليه عمل الأمة من الصحابة والتابعين، لا يعرف عن السلف خلاف في ذلك.
(2)
ولفظه «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة» ، ولما في الصحيح من حديث أبي بكرة وكان ركع دون الصف، ولم يأمره بإعادة الركعة، فدل على الاجتزاء بها، ولأنه لم يفته من الأركان غير القيام، وهو يأتي به مع التكبيرة، ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة.
(3)
أي: عن قدر الأجزاء منه، وهو قدر ما يمس الوسط في الخلقة ركبتيه بيديه، وحكى ابن العربي وغيره الإجماع عليه، وقال الزين العراقي: مذاهب الأئمة الأربعة -وعليه الناس قديمًا وحديثًا- إدراك الركعة بإدراك الركوع، بأن يلتقي هو وإمامه في حد أقل الركوع، حين لو كان في الهوى والإمام في الارتفاع، وقد بلغ هويه حد أقل الركوع قبل أن يرفع الإمام عنه وإن لم يلتقيا فيه فلا.
ويأتي بالتكبيرة كلها قائمًا كما تقدم (1) ولو لم يطمئن ثم يطمئن ويتابع (2)(وأجزأته التحريمة) عن تكبيرة الركوع (3) والأفضل أن يأتي بتكبيرتين (4) فإن نواهما بتكبيرة (5) أو نوى به الركوع لم يجزئه لأن تكبيرة الإحرام ركن، ولم يأت بها (6) .
(1) يعني في باب صفة الصلاة، فإن لم يأت بها قائمًا انقلبت نفلاً على الأصح مع سعة الوقت، وقد تقدم أن القيام مع القدرة ركن في الفرض إجماعًا.
(2)
فإذا أتى بها قائمًا، وأدركه بجزء، ولو لم يطمئن قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، ثم يطمئن ويتابع إمامه، وإذا لم يدرك الركوع لم يحتسب له الركوع وهو مذهب جماهير العلماء، وإن شك هل أدركه راكعا أو لا؟ لم يعتد بها، وتقدم، وإن كبر والإمام في الركوع، ثم لم يركع حتى رفع الإمام لم يكن مدركًا له فيها.
(3)
روي عن زيد وابن عمر، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، ولأنه اجتمع عبادتان من جنسٍ واحد، في محلٍ واحد، فأجزأ الركن عن الواجب كنظائره.
(4)
خروجًا من خلاف من أوجبه، كابن عقيل وابن الجوزي، ولأنهما مشروعتان قال أحمد: إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف.
(5)
أي نوى المدرك إمامه في الركوع تكبيرتي الإحرام، والركوع بتكبيرة واحدة لم تجزئه، لأنه شرك بين الواجب وغيره، وعنه تجزئه، اختاره في المغني والشرح والمحرر، وفاقًا لمالك وأبي حنيفة، لأن نية الركوع لا تنافي نية الافتتاح، لأنهما من جملة العبادة حسًا وحكمًا إجماعًا، قال ابن رجب: وهذا يدل على أن تكبيرة الركوع تجزئ في حال القيام.
(6)
قال ابن رشد: لو كبر للركوع وهو ذاكر للإحرام متعمد لما أجزأته صلاته بالإجماع اهـ، وإن لم ينو بها شيئًا انعقدت فرضا، صححه النووي وغيره لأن قرينة الافتتاح تنصرف إليه، وكذا عند المالكية وغيرهم، يجزئ وإن لم ينوهما.
ويستحب دخوله معه حيث أدركه (1) وينحط معه في غير ركوع بلا تكبير (2) ويقوم مسبوق به (3) وإن قام قبل سلام إمامه الثانية ولم يرجع انقلبت نفلا (4) .
(ولا قراءة على مأموم) أي يتحمل الإمام عنه قراءة الفاتحة (5) .
(1) لما تقدم من حديث أبي هريرة وغيره، «إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئًا» ، ويأتي بالتكبير في حال قيامه، لوجوب التكبير لكل انتقال يعتد به المصلي.
(2)
نص عليه ولو ساجدًا، إن أدركه في السجود، لأنه ليس من مواضعه وقد فات محل التكبير، وعنه: ينحط معه بتكبير وفاقًا.
(3)
أي بالتكبير، كالقائم من التشهد الأول، لأنه انتقال يعتد به، أشبه سائر الانتقالات.
(4)
لتركه الواجب، بلا عذر يبيح المفارقة، ففسد فرضه بذلك، ذاكرًا أو ناسيًا، عامدًا أو جاهلاً، وهذا على القول بوجوب التسليمة الثانية في الفرض، وتقدم ومن لم يره لم تبطل في حقه، كالجاهل والناسي، وصحتها نفلاً مبني على أن التسليمة الثانية ليست ركنًا في النفل على المذهب.
(5)
وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، قال في المبدع: وهو قول الأكثر، وقال ابن كثير: ولمشروعية التأمين على قراءة الإمام، فينزل بمنزلة قراءتها، فإن قوله:{قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} دال على أن هارون أمَّن على دعاء موسى، فنزل منزلة من دعا، فدل على أن من أمَّن على دعاء فكأنما قاله، وقال بلال: لا تسبقني بآمين، فدل على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية اهـ وكذا يتحمل عنه سجود السهو، وسجود التلاوة إذا لم يسجد، وسترة صلاة، ودعاء قنوت، حيث سمعه ويؤمن فقط، وكذا تشهد أول، وجلوس له إذا سبقه بركعة من رباعية، وتقدم أنه إذا سبقه بالقراءة وركع تبعه، بخلاف التشهد فيتمه، وقال ابن القيم: فإن قيل كيف يتحمل الجنب القراءة عن المأموم، وليس من أهل التحمل؟ قيل: لما كان معذورًا بنسيان حدثه نزل في حق المأموم منزلة الطاهر، فلا يعيد المأموم، وفي حق نفسه تلزمه الإعادة.