الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في قصر المسافر الصلاة
(1)
وسنده قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} الآية (2) .
(1) أي رد الرباعية من أربع إلى ركعتين، من قصر الشيء، إذا نقصه أو نقص منه أو حبسه، وهو مشروع بالكتاب والسنة، جائز بإجماع أهل العلم، منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر، واختاره فقهاء الحديث وغيرهم، كأحمد وغيره، وشيخ الإسلام وغيره اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يصل في السفر قط إلا مقصورة، حتى إن من العلماء من يوجبه، ومن صلى أربعا لم يبطلوا صلاته، لأن الصحابة أقروا من فعل ذلك منهم، بل منهم من يكره ذلك، ومنهم من لا يكرهه، وإن رأى تركه أفضل، قال الموفق وغيره: القصر أفضل من الإتمام، في قول جمهور العلماء، ولا نعلم خالف فيه إلا الشافعي في أحد قوليه، قال الشيخ: وإذا كان القصر أفضل عند جماهير أهل العلم، لم يجز أن يحتج بنفي الجناح على أنه مباح لا فضيلة فيه، وفي الصحيحين فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر، وقال عمر: صلاة السفر ركعتان، تمام غير قصر، وغير ذلك، وأوله بعضهم: لمن أراد القصر، لا أنها أصل، لمخالفة نص القرآن وإجماع المسلمين في أنها مقصورة، وأن المسافر إذا اقتدى بمقيم لزمه الإتمام، وقال غير واحد: متى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعا وجب ترك ظاهره.
(2)
ضربتم في الأرض، أي سافرتم في البلاد، تقصروا، من كميتها
وخفتم خرج مخرج الغالب، قاله غير واحد، وأنه إنما علق القصر على الخوف
لأن غالب أسفار النبي صلى الله عليه وسلم لم تخل منه وقال الشيخ: القصر قصران قصر الأفعال، وقصر العدد كصلاة الخوف حيث كان مسافرا، فإنه يرتكب فيها ما لا يجوز في صلاة الأمن، والآية وردت على هذا «ومقيد» وهو ما اجتمع فيه قصر العدد فقط، كالمسافر، أو قصر العمل فقط، كالخائف وهو حسن لكن يرد على هذا قول يعلى لعمر: ما لنا نقصر وقد أمنا؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» رواه مسلم، فظاهر ما فهماه تقييد قصر العدد بالخوف، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على ذلك: وقيل: قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ} كلام مبتدأ معناه وإن خفتم، وقال ابن عمر: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك متفق عليه.
(من سافر) أي نوى (سفرًا مباحًا) أي غير مكروه ولا حرام (1) .
(1) سن له قصر الرباعية ركعتين، وأجمعوا على جوازه في سفر الطاعة وأما السفر المحرم فمذهب مالك والشافعي وأحمد لا يقصر، وعن أحمد يقصر في سائر جنس الأسفار، وهو مذهب أبي حنيفة وطوائف من السلف والخلف، قال الموفق: الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، وقال شيخ الإسلام: الحجة مع من جعل القصر مشروعًا في جنس السفر، ولم يخص سفرًا من سفر، وهذا القول هو الصحيح، فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خص سفرًا من سفر، ولو كان مما يختص بنوع لكان بيانه من الواجبات، ولو بين لنقلته الأمة، وما علمت عن الصحابة في ذلك شيئًا، ولم يذكر تقييده في شيء من الكتاب والسنة بنوع دون نوع، فكيف يجوز أن يكون معلقًا بأحد نوعي السفر؟ ولا يبين الله ولا رسوله ذلك، بل يكون بيان الله ورسوله متناولاً سفر الطاعة وسفر المعصية.
وقال أيضًا: ويجوز قصر الصلاة في كل ما يسمى سفرًا، قل أو كثر، وسواء كان مباحا أو محرما ونصره ابن عقيل، وقاله بعض المتأخرين من أصحاب أحمد والشافعي اهـ وعليه العمل، وأما من ارتكب المعاصي في سفره فله الترخص بلا خلاف، لأنه ليس ممنوعًا من السفر، وإنما منع من المعصية، وقول الشارح «نوى» صرفٌ لعبارة الماتن عن مقتضاها كالمنقح لما يرد عليها، كخروج من طلب ضالة أو آبقًا جاوز ستة عشر فرسخا على التقييد به، فإنه يصدق عليه أنه مسافر، وكون المعتبر المسافة لا حقيقتها فلو نواها ثم رجع قبل استكمالها وقد قصر لم يعد، لكن قد يقال بأنه قد ينوي السفر ولا يسافر، فيرد على عبارة الشارح عدم الاكتفاء بالنية، ويجاب بأنه إذا فارق عامر قريته يدل على السفر، إلا أنه يحتاج إلى إضمار: إذا فارقها مسافرًا، وقال عثمان: الأخلص في العبارة أن يقال: من ابتدأ سفرًا مباحًا ناويًا، فله القصر إذا فارق.. إلخ، والسفر قطع المسافة، وجمعه أسفار، سمي بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال أي يكشفها وقيل غير ذلك.
فيدخل فيه الواجب والمندوب (1) والمباح المطلق (2) ولو نزهة وفرجة (3) .
(1) كحج وجهاد متعينين، وكزيارة رحم وإخوان، وعيادة مريض، وأحد المساجد الثلاثة بلا نزاع، لا المشاهد، على القول بعدم جواز القصر في السفر المحرم. لقوله عليه الصلاة والسلام «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» ، الحديث متفق عليه، قال الشيخ: لم ينقل جوازه عن أحد من المتقدمين، وذكر أنه بدعة، واختار القاضي والجويني تحريم السفر لزيارة القبور مطلقا، وغلط أهل التحقيق من استثنى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الاستثناء في قوله «لا تشد الرحال» ونحوه عند أهل الأصول معيار العموم.
(2)
أي غير المقيد بالواجب والمستحب.
(3)
قال النووي: قطع به أهل التحقيق، وكرهه شيخ الإسلام وغيره والنزهة الخروج إلى البساتين والخضر والرياض، يقال، نزه المكان ككرم، نزاهة
فهو نزيه، إذا كان ذا ألوان حسان، قال ابن قتيبة: ذهب بعض أهل العلم في قول الناس: خرجوا يتنزهون، أنه غلط، وهو عندي ليس بغلط لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد، فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان اهـ والفرجة بالضم عطف تفسير، وفي المجمل: الفرجة التقضي عن الهم، قال في الفروع: أطلق أصحابنا إباحة السفر للتجارة، ولعل المراد: غير مكاثر في الدنيا، وأنه يكره، وقال ابن حزم: اتفقوا أن الاتساع في المكاسب والمباني من حل إذا أدى جميع حقوق الله قبله مباح، ثم اختلفوا فمن كاره ووغير كاره، وقال النووي: من سافر لأي قصد من المقاصد دينًا أو دنيا ترخص بلا خلاف، ولغير قصد إلا الترخص ترخص، وفاقًا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي.
يبلغ (أربعة برد)(1) وهي ستة عشر فرسخًا (2) .
(1) جمع بريد، أربعة فراسخ، أو اثنا عشر ميلاً، أو ما بين المنزلتين قال الشيخ: والبريد هو نصف يوم بسير الإبل والإقدام، وهو ربع مسافة يومين وليلتين
(2)
يعني أربعة البرد قال الشاعر:
إن البريد من الفراسخ أربع
…
والفرسخ فثلاث أميال ضعوا
والميل ألفًا قدروا بالباع
…
والباع أربعة من الذراع
والفرسخ واحد الفراسخ، فارسي معرب، ويقال: الفرسخ ثلاثة أميال، والميل اثنا عشر ألف قدم ستة آلاف ذراع، وهو الأشهر وأربعة آلاف خطوة، وجزم الجوهري أنه منتهى مدى البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض، والذراع أربعة وعشرون أصبعا معترضة معتدلة، كل أصبع ست شعيرات، كل شعيرة ست شعرات برذون، وصحح غير واحد أن مقدار المسافة تقريب لا تحديد وقال في الإنصاف: هذا مما لا نشك فيه.