المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كراهة الجهر بالتشهدين - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

مضمومة إلى القبلة (1)(ويقول) سرًّا (2)(التحيات لله) أي الألفاظ التي تدل على السلام والملك (3) والبقاء والعظمة لله تعالى، مملوكة له ومختصة به (4) .

(1) ليستقبل القبلة بأطراف أصابعه، وهذه الجلسة على هذه الهيئة تمثل في الخدمة بين يدي ربه جاثيا على ركبتيه، كهيئة الملقي نفسه بين يدي سيده، راغبا راهبا، معتذرا إليه، مستعديا إليه على نفسه آتيا بأكمل التحيات وأفضلها، وأسنى الثنا ثم بالشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، ثم بالصلاة عليه، متخيرا من الدعاء أحبه إليه.

(2)

ندبًا إجماعًا لقول ابن مسعود: «من السنة إخفاء التشهد» ، رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وصححه الحاكم.

قال النووي: وأجمعوا على‌

‌ كراهة الجهر بالتشهدين

، لخبر ابن مسعود، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وقال الشارح وغيره: السنة إخفاء التشهد كالتسبيح، لا نعلم فيه خلافًا.

(3)

ملكًا واختصاصا، أو كل ما يحيي به من الثناء والمدح بالملك والعظمة لله تعالى، وهو سبحانه يحيي ولا يسلم عليه، وفي الصحيحين كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا السلام على الله، فإن الله هو السلام» لأن السلام دعاء بالسلامة، والله سبحانه هو المدعو، وهو السالم من كل نقص وعيب، وله الملك المطلق، وكانوا إذا نال أحد الملك قيل: نال فلان التحية، أي نال الملك الذي يستدعي له التحية، فهو سبحانه المستحق أن يحيي بأعلى التحيات، لتمام ملكه، ولا يسلم عليه لكماله وغناه المطلق.

(4)

فجميع التعظيمات لله سبحانه وتعالى، ومنه الخضوع والركوع والسجود والكتوف والخشوع، وأمثال ذلك، والبقاء الدوام، والعظمة والكبرياء، وإنما جمع التحية لأن ملوك الأرض يحيون بتحيات مختلفة، فيقال لبعضهم: أبيت اللعن، ولبعضهم: أنعم صباحا، ولبعضهم: أسلم كثيرًا، وغير ذلك، فقيل للمسلمين، قولوا: التحيات لله إلخ، فهو سبحانه أولى بالتحيات من كل ما سواه، فإنها تتضمن الحياة والبقاء والدوام، ولا يستحق هذه التحيات إلا الحي الباقي الذي لا يموت ولا يزول ملكه سبحانه وتعالى.

ص: 66

(والصلوات) أي الخمس (1) أو الرحمة، أو المعبود بها، أو العبادات كلها، أو الأدعية (2)(والطيبات) أي الأعمال الصالحة (3) أو من الكلم (4)(السلام) أي اسم السلام وهو الله (5) .

(1) وما هو أعم من الفرض والنفل لله تعالى، فإنه لا يستحق أحد الصلاة إلا الله عز وجل.

(2)

التي يراد بها تعظيم الله لله تعالى، ومنها الشهادتان، والخوف، والرجاء والتوكل والإنابة والخشية، وغير ذلك من أنواع العبادة لله تعالى، وهو مستحقها ولا تليق بأحد سواه.

(3)

لله، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، والطيبات صفة لموصوف محذوف أي الطيبات من الكلمات والأفعال والصفات والأسماء ونحو ذلك، مما هو ثناء على الله تعالى، وذكر له، وأولها الصلاة والزكاة والصوم والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكل عمل كالجهاد والنفقة وأمثال ذلك لله تعالى.

(4)

أي: الطيبات من الكلم، وحسن أن يثنى به على الله وكل عمل تعمله، فهذا كله لا حق فيه لغيره، وطيبه كونه خالصا من الشوائب.

(5)

إذ كان اسم الله يذكر على الأعمال، توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه، وانتفاء عوارض الشر منه، والسلام في الأصل مصدر بمعنى السلامة، واسم من التسليم، والسلام اسم من أسماء الله لسلامته من كل نقص وعيب، فإن اسمه

السلام متضمن لكل ما يتنزه عنه، وحقيقته البراءة والخلاص والنجاة من الشرور والعيوب، والسلام التحية.

ص: 67

أو سلام الله (عليك (1) أيها النبي) بالهمز من النبأ، لأنه مخبر عن الله، وبلا همز، إما تسهيلا أو من النبوة وهي الرفعة (2) وهو: من ظهرت المعجزات على يده (3) .

(ورحمة الله وبركاته) جمع بركة وهي: النماء والزيادة (4)(السلام علينا) أي على الحاضين من الإمام والمأموم والملائكة (5)(وعلى عباد الله الصالحين) جمع صالح وهو القائم بما عليه من حقوق الله، وحقوق عباده (6) .

(1) حكاه الأزهري وغيره، ولفظه: أو سلم الله عليك تسليما، فتضمن معنيين، ذكر الله وطلب السلامة، وأتى بلفظ الحاضر المخاطب تنزيلا له منزلة المواجه، لقربه من القلب، حتى أنه لأدنى إلى العبد من روحه.

(2)

فعيل بمعنى فاعل، وفي الحديث لا تنبزوا باسمي إنما أنا نبي الله وتركها هو المختار عند العرب، وقيل: مأخوذ من النبي الذي هو الطريق الواضح، لأنه الطريق إلى الله تعالى.

(3)

معجزة النبي ما أعجز به الخصم عند التحدي، وتسمى آيات النبوة، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم لا تنحصر، ولم يؤت نبي قبله ولا رسول معجزة إلا وله مثلها وزيادة.

(4)

والمراد نزلت عليه السلامة والرحمة والبركة.

(5)

وقاله النووي وغيره.

(6)

من الملائكة ومؤمن الإنس والجن، قاله الزجاج والقاضي وغيرهما؟

ودرجاتهم متفاوتة، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع القديم على تفضيل صالحي البشر على الملائكة، وعباد جمع عبد، وتقدم أنه لا أشرف ولا أتم للمؤمن من وصفه بالعبودية لله تعالى.

ص: 68

وقيل: المكثر من العمل الصالح، ويدخل فيه النساء، ومن لم يشاركه في الصلاة (1)(أشهد أن لا إله إلا الله) أي أخبر بأني قاطع بالوحدانية (2)(وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)(3) .

(1) لقوله في رواية لهما: «فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح، في السماء والأرض» ، ويقصد بألفاظ التشهد معانيها، مرادة له على وجه الإنشاء، كأنه يحي الله ويسلم على نبيه، وعلى نفسه، وعلى كل عبد صالح في السماء والأرض، قال الترمذي، من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة، فليكن عبدا صالحا، وإلا حرم هذا الفضل العظيم.

(2)

أي: نفي الألوهية عما سوى الله، وإفراده بالعبادة، والشهادة خبر قاطع، والقطع من فعل القلب، واللسان مخبر عن ذلك، والمشاهدة المعاينة، فتشهد شهادة اليقين أن لا معبود بحق إلا الله، وإن كان ابتداء هذه الكلمة العظيمة نفيًا، فالمراد به غاية الإثبات، ونهاية التحقيق، ومن خواصها أن حروفها مهملة، تنبيها على التجرد من كل معبود سوى الله، وكلها جوفية، تنبيهًا على أن المراد بها الإخلاص للإتيان بها من خالص جوفه، وهو القلب لا من الشفتين وفي الحديث:«أفضل الذكر لا إله إلا الله» ، وذكر جماعة أنه لا بأس بزيادة «وحده لا شريك له» .

(3)

بصدق ويقين، وذلك يقتضي متابعته، وأتى بهاتين الصفتين، رفعا للإفراط والتفريط، ولفظهما ثبت في جميع الأمهات الست، وإضافتهما إلى الله إضافة تشريف وتكريم.

ص: 69

المرسل إلى الناس كافة (1)(هذا التشهد الأول)(2) علمه النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود، وهو في الصحيحين (3) .

(1) قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} بل إلى جميع الثقلين الجن والإنس بالإجماع.

(2)

في المغرب، والرباعية ونحوهما، وهو مشروع بغير خلاف، نقله الخلف عن السلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، نقلا متواترا يفيد القطع ويشترط موالاته، وذكر العاطف بين الشهادتين، ولفظ أشهد، ورعاية حروفه، وتشديداته، والإعراب المخل بالمعنى، وإسماع نفسه، ويكتفي بالنطق بالحروف كما تقدم، فإنه متى حرك لسانه كان متكلما، وصحح في تصحيح الفروع أنه إذا أتى بالألفاظ المتفق عليها أجزأه، وإن كان الساقط ثابتا في حديث ابن مسعود وغيره، والأولى الإتيان بالوارد دون التلفيق، وتخفيفه وعدم الزيادة عليه، لحديث كان يجلس في الأوليين كأنه على الرضف، رواه أبو داود وغيره، والرضف الحجارة المحماة، وحديث:«نهض حين فرغ من تشهده» ، قال الطحاوي: من زاد عليه فقد خالف الإجماع، وقال أحمد: من زاد فقد أساء، ولو فرغ المؤتم قبل إمامه سكت وفاقا، وقيل يتمهل، وقيل: يكرره اختاره شيخنا وغيره، ولم يشرع في الصلاة سكوت إلا لمستمع لقراءة إمامه، ولا يخلو موضع من الصلاة من قول أو عمل.

(3)

وقال البزار والذهلي وغيرهما: أصح حديث في التشهد حديث ابن مسعود، روي من نيف وعشرين طريقًا، قال الحافظ والبغوي: لا خلاف في ذلك، وقال مسلم: اتفق الناس عليه، وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء: التشهد به أفضل، لمرجحات كثيرة: منها الاتفاق على صحته، وتواتره بل هو أصح

التشهدات، وأشهرها، ولأمره أن يعلمه الناس، وكونه محفوظ الألفاظ، لم يختلف في حرف منه، وكون غالبها يوافق ألفاظه، فاقتضى أنه الذي يأمر به

غالبا واتفق العلماء على جواز التشهدات كلها، الثابتة من طريق صحيح، قال الشيخ: كلها سائغة باتفاق المسلمين، وتقدم أن أصل أحمد استحسان كل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

ص: 70

(ثم يقول) في التشهد الذي يعقبه السلام (1)(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد (2) .

(1) سواء كان من واحدة كالوتر، أو اثنتين كالفجر، أو ثلاث كالمغرب، أو أربع كالظهر، أو خمس كمن يوتر بها، أو أكثر، وهو ركن فيه، وفاقا للشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: هو مستحب، لحديث المسيء، وحجتنا قوله تعالى:{صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} والأحاديث الصحيحة المتواترة.

(2)

قال ابن عبد البر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رويت من طرق متواترة بألفاظ متقاربة اهـ. والصلاة من الله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، كما تقدم، وأمرنا تعالى أن نصلي عليه، ليجتمع له صلى الله عليه وسلم ثناء أهل السماء والأرض وهو ركن في هذا الموضع، وتقدم الكلام في آل محمد وآل إبراهيم إسماعيل وإسحاق وأولادهما، وقد جمع الله لهم الرحمة والبركة بقوله:{رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} فسأل صلى الله عليه وسلم إعطاء ما تضمنته الآية واستشكل التشبيه هنا بعض العلماء، وذكروا فيه أقوالا، ولعل المراد بالتشبيه التشبيه في الصلاة لا في القدر كقوله {كما أوحينا إلى إبراهيم} وقد انعقد الإجماع على أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق على الإطلاق، وقال ابن القيم: شرعت الصلاة على آله مع الصلاة عليه تكميلا لقرة عينه،

بإكرام آله، والصلاة عليهم، وأن يصلي عليه وعلى آله كما صلى على

أبيه إبراهيم، وآله، والأنبياء كلهم بعد إبراهيم من آله، ولذلك كان

المطلوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة مثل الصلاة

على إبراهيم، وعلى جميع الأنبياء من بعده، وآله المؤمنين، فلهذا كانت هذه الصلاة أكمل ما يصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم بها وأفضل اهـ فحصل له أعظم ما لإبراهيم وغيره، وإذا كان المطلوب بالدعاء إما هو مثل المشبه به، وله نصيب وافر من المشبه، ظهر به فضله على كل من النبيين، ما هو اللائق به، وإبراهيم هو الخليل عليه الصلاة والسلام ابن آزر، ولد قبل المسيح بألفي عام، ومعناه بالسريانية: أب رحيم.

ص: 71

وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد) (1) ، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك في المتفق عليه من حديث كعب بن عجرة (2) .

(1) البركة هي الثبوت والدوام، أي: أثبت له وأدم ما أعطيته من الشرف والكرامة و (حميد) أي محمود على كل حال، مستحق لجميع المحامد و (مجيد) أي ماجد، والماجد هو العظيم الواسع المتصف بالمجد، وهو كمال الشرف والكرم والصفات المحمودة.

(2)

ولفظه: قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: قد عرفنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال:«قولوا اللهم صلى على محمد» إلخ، ويجوز أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بغيره مما ورد، كما في الصحيحين وغيرهما، وفي رواية «كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم» ، وتجوز الصلاة على غيره مفردا نص عليه، واختاره الشيخ، إلا أن يتخذ شعارا فيحرم، وقال: السلام على غيره باسمه جائز من غير تردد، وكعب بن عجرة هو ابن أمية بن عدي بن عبيد بن خالد بن عمرو بن عوف بن غنم البلوي ثم القضاعي، حليف الأنصار، نزل الكوفة، ومات بالمدينة قبل الستين.

ص: 72

ولا يجزئ لو أبدل آل بأهل (1)، ولا تقديم الصلاة على التشهد (2) (ويستعيذ) ندبًا (3) فيقول: أعوذ بالله (من عذاب جهنم (4) و) من (عذاب القبر)(5) .

(1) وصوبه في تصحيح الفروع: وقال في الإقناع وشرحه، الصواب عدم إبدال آله بأهله، لأن أهل الرجل أقاربه أو زوجته، وآله أتباعه على دينه فتغايرا وفي الصحيحين قولوا:«اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته» ، وقيل: هم القرابة من غير تقييد، وإليه ذهب جماعة من أهل العلم، وقيل الأمة، ولا شك أن القرابة أخص الآل، فتخصيصهم بالذكر ربما كان لمزايا لا يشاركهم فيها غيرهم.

(2)

لفوات الترتيب بينهما.

(3)

إجماعًا وقيل بوجوبه، لحديث أبي هريرة:«إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بالله من أربع» ، فذكره رواه أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم، ولمسلم إذا فرغ من الشتهد الأخير، والتعوذ الالتجاء والاعتصام وتقدم، وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة:«كان يدعو في صلاته اللهم إني أعوذ بك» إلخ، وفيه وأعوذ بك من المأثم والمغرم، والمغرم الدين وذلك لأن المأثم يوجب خسارة الآخرة، والمغرم يوجب خسارة الدنيا، وقول بعضهم بوجوبه يدل على تأكده.

(4)

اسم لنار الآخرة، وهي لفظة أعجمية وقيل عربية، سميت به لبعد قعرها، من الجهومة وهي الغلظ، وتواترت الأحاديث بالاستعاذة منها، والعذاب في الأصل الضرب والنكار والعقوبة، ثم استعمل في كل عقوبة مؤلمة، وسمي عذابا لأن صاحبه يحبس ويمنع عنه ما يلائمه من الخير، ويقرن به ما يؤلمه، ولأنه يمنعه من المعاودة ويمنع غيره من مثل ما فعله.

(5)

وتواترت أيضا بالاستعاذة من عذاب القبر، وعذابه ونعيمه متواتر

والإيمان به من أصول أهل السنة والجماعة، قال الشيخ: ويقع على الأبدان والأرواح إجماعا، وقد ينفرد أحدهما عن الآخر بالألم.

ص: 73

(و) من (فتنة المحيا والممات (1) و) من (فتنة المسيح الدجال)(2) والمحيا والممات الحياة والموت (3) ، والمسيح بالحاء المهملة على المعروف (4) .

(1) هذا من باب ذكر العام مع الخاص، وأصل الفتنة الامتحان والاختبار وفتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته، من الافتتان بالدنيا وشهواتها، والجهالات أو الابتلاء مع زوال الصبر ونحو ذلك، فأمرنا بالاستعاذة من ذلك، وفتنة الممات قيل عند الموت، ومنه سكرات الموت، أضيف إليه لقربه منه، أو فتنة القبر وعذابه، وقد تواترت الأحاديث بالاستعاذة منه، وفي حديث الكسوف «إنكم تفتنون في قبوركم» ، ومنه سؤال الملكين، ولا يكون تكرار لعذاب القبر، لأن عذاب القبر متفرع على ذلك.

(2)

وهذه الأربع هي مجامع الشر كله، فإن الشر إما عذاب الآخرة وإما سببه، والعذاب نوعان عذاب في البرزخ وعذاب في الآخرة، وأسبابه الفتنة، وهي نوعان: كبرى وصغرى، فالكبرى: فتنة الدجال، وفتنة الممات، والصغرى: فتنة الحياة التي يمكن تداركها بالتوبة، بخلاف فتنة الممات وفتنة الدجال، فإن المفتون فيهما لا يتداركها، والجمع بينها من ذكر الخاص مع العام.

(3)

فالمحيا نقيض الممات، مفعل من الحياة، وكذا الممات مفعل من الموت عدم الحياة، والموضع الذي يحيا فيه ويموت فيه، ومنه:{سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} جمعه محاي وممايت.

(4)

المشهور، سمي بذلك لمسحه الأرض ذهابه فيها، أو لكونه ممسوحًا عن كل خير، أو لأنه ممسوح العين اليمنى أعورها، قال عليه الصلاة والسلام:«إنه أعور» ، وسمي دجالاً لخداعه أو لكذبه، أو لتمويهه على الناس، وتغطيته الحق

بالباطل وتلبيسه من الدجال، وهو التغطية والخداع، وقيل: إنه بالخاء المعجمة، وهو بمعنى الخداع والكذب، وأما المسيح ابن مريم فلحسنه، أو لسياحته، أو لخروجه من بطن أمه ممسوحا بالدهن، أو لكونه لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، وقال أبو الهيثم وغيره: المسيح بالمهملة ضد المسيخ، بالمعجمة، عيسى مسحه الله إذ خلقه خلقًا حسنًا، ومسخ الدجال إذ خلقه خلقًا ملعونًا.

ص: 74

(و) يجوز أن (يدعو بما ورد)(1) أي في الكتاب والسنة (2) .

(1) بل يسن أن يدعو بما ورد، فقد شرع له من الدعاء ما يختاره من مصالح دنياه وآخرته، ما لم يشق على مأموم ففي الصحيح:«وليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به» ، ولمسلم «ثم ليتخير من المسألة ما شاء» ، أو «ما أحب» والمأثور أفضل، قال الشيخ الإسلام: والدعاء في آخرها قبل الخروج مشروع، مسنون، بالسنة المستفيضة وإجماع المسلمين وقد ذهب طائفة إلى وجوب المأمور به فيه اهـ وقد كان غالب دعائه صلى الله عليه وسلم بعد التشهد قبل السلام، وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، وهو اللائق بحالة المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فلا ينبغي للعبد أن يترك سؤال مولاه، في حال مناجاته، والقرب منه، والإقبال عليه، وآكده عند خروجه من هذه العبادة على هذه الهيئة، وقد شرع له أمام استعطافه كلمات التحية، مقدمة بين يدي سؤاله، بمنزلة خطبة الحاجة أمامها، ثم يتبعها بالصلاة على من نالت أمته هذه النعمة على يديه، فكأنه توسل إلى الله بعبوديته، وبالثناء عليه، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله بالرسالة، ثم الصلاة على رسوله، ثم قيل له: تخير من الدعاء أحبه إليك، فهذا الحق الذي عليك وهذا الحق الذي لك، وليكن منك بأدب وخشوع، وحضور قلب ورغبة ورهبة، فإنه لا يستجاب الدعاء من قلب غافل.

(2)

كقوله {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *} وكما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا

كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم» ، وكقوله:«اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وماأسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» قال علي وكان آخر ما يقول بين التشهد والسلام، والأول علمه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليدعو به في صلاته، وكقوله:«اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره» وغير ذلك مما ورد.

ص: 75

أو عن الصحابة والسلف (1) أو بأمر الآخرة، ولو لم

يشبه ما ورد (2) وليس له الدعاء بشيء مما يقصد به ملاذ الدنيا وشهواتها (3) كقوله: اللهم ارزقني جارية حسناء، أو طعاما طيبا، وما أشبهه (4) .

(1) مما ثبت عنهم، فهم القدوة، نحو: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك.

(2)

نحو: اللهم أحسن خاتمتي، وكالدعاء بالرحمة والعصمة من الفواحش، وكالدعاء بالرزق الحلال، ونحو ذلك، لحديث ابن مسعود «ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه» ، وحديث:«ثم ليدع بما شاء» صححه الترمذي.

(3)

لحديث «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم، والدنيا اسم لهذه الدار، وما فيها، ما سميت به بدنوها وقربها، والملاذ المشتهيات، والشهوات مفردها شهوة، وهي اللذة، واللذة إدراك الملائم من حيث أنه ملائم، وكذا الشهوة حركة النفس طلبا للملائم أو الملذ.

(4)

كبستانا أنيقا، وكحلة خضراء، أو دابة هملاجة، أو دارا واسعة، ونحو ذلك.

ص: 76

وتبطل به (1)(ثم يسلم) وهو جالس (2) لقوله عليه السلام: «وتحليلها التسليم» (3) .

(1) أي تبطل الصلاة بالدعاء به، لأنه من كلام الآدميين، وعنه يجوز الدعاء بحوائج دنياه وملاذها، مما ذكره ونحوه، قال أحمد: لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه من حوائج دنياه وأخراه، قال الشارح: وهو الصحيح، اختاره شيخنا، لظواهر الأخبار اهـ، ولا بأس بالدعاء لشخص معين، ما لم يأت بكاف الخطاب فتبطل به، وفي الفروع، وظاهر كلامهم لا تبطل بقوله: لعنه الله، عند ذكر الشيطان على الأصح، لقوله صلى الله عليه وسلم:«اللهم العن فلانا وفلانا» .

(2)

بلا نزاع قاله في المبدع ملتفتا يبدأ السلام مع ابتداء التفاته وينهيه معه، وهو تحليلها وليس لها تحليل سواه.

(3)

أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح، أي وتحليل ما كان حراما فيها حاصل بالتسليم جعل تحليلا لها يخرج به المصلي، كما يخرج بتحليل الحج منه، وكل عبادة وهو بابها الذي يخرج به منها، وليس لها تحليل سواه، قال في محاسن الشريعة: فيه معنى لطيف، كأن المصلي مشغول عن الناس، ثم أقبل عليهم كغائب حضر اهـ. والحكمة أنه ما دام في صلاته فهو في حمى مولاه، فإذا انصرف ابتدرته الآفات، فإذا انصرف مصحوبا بالسلام الذي جعل تحليلا لها لم يزل عليه حافظ من الله إلى وقت الأخرى، وجعل هذا التحليل دعاء الإمام لمن وراءه بالسلامة التي هي أصل كل خير وأساسه وشرع لمن وراءه أن يتحلل بمثل ما تحلل به، وذلك دعاء له، وللمصلي معه ثم شرع لكل مصل، وإن كان منفردا، لتوقف الخروج منها إلا به، قال عليه الصلاة والسلام:«إنما يكفي أحدكم أن يسلم على أخيه عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك» .

ص: 77

وهو منها (1) فيقول: (عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله (2) وعن يساره كذلك) (3) وسن التفاته عن يساره أكثر (4) .

(1) أي من الصلاة وركن من أركانها، عند جمهور العلماء للخبر.

(2)

يبتدئ السلام متوجها إلى القبلة، وينهيه مع تمام الالتفات وفاقا للشافعي وغيره، ويكون مرتبا معرفا وجوبا، لأن الأحاديث صحت بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول كذلك ولم ينقل خلافه، وقال:«صلوا كما رأيتموني أصلي» .

(3)

أي ويقول عن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، لحديث سعد أنه رآه يسلم عن يمينه وعن يساره، حتى يرى بياض خده، رواه مسلم، ولأهل السنن نحوه عن ابن مسعود، وقال الترمذي: حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، قال العقيلي: والأسانيد صحيحة ثابتة في حديث ابن مسعود في التسليمتين، ولا يصح في تسليمة واحدة شيء اهـ وقد أجمع العلماء على مشروعيتهما، وهو فعله الراتب، وقال ابن القيم: ثبتت بهما السنة الصحيحة المحكمة عن خمسة عشر صحابيا، ما بين صحيح وحسن اهـ. ونص الطحاوي وغيره على تواتر التسليمتين عنه صلى الله عليه وسلم وقال البغوي، وغيره: التسليمة الثانية زيادة من ثقات يجب قبولها، والواحدة غير ثابتة عند أهل النقل.

(4)

بحيث يرى خده، لفعله عليه الصلاة والسلام، رواه يحيى بن محمد، عن عمار، وفيه وإذا سلم عن يساره يرى بياض خده الأيمن والأيسر، والالتفات سنة فيهما لما تقدم، وقال أحمد: ثبت عندنا من غير وجه أنه كان يسلم عن يمينه ويساره، حتى يرى بياض خده.

ص: 78

وأن لا يطول السلام (1) ولا يمده في الصلاة (2) ولا على الناس (3) وأن يقف على آخر كل تسليمة (4) وأن ينوي به الخروج

من الصلاة (5) ولا يجزئ إن لم يقل: ورحمة الله. في غير صلاة الجنازة (6) .

(1) أي لا يمد به صوته.

(2)

عطف تفسير، والمد إطالة الصوت بحرف من حروف المد، لقول أبي هريرة: حذف السلام سنة، وروي مرفوعا، عنه صلى الله عليه وسلم وصححه الترمذي وعليه أهل العلم، وقال ابن سيد الناس: قال العلماء: يستحب أن يدرج لفظ السلام، ولا يمد مدا، لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء اهـ وحذفه تخفيفه، واختصاره، أي عدم تطويله ومده، يقال حذف في قوله: أوجز واختصر.

(3)

أي لا يطول السلام ولا يمده إذا سلم على الناس.

(4)

فيسكن الهاء من لفظ الجلالة، قال النخعي: السلام جزم.

(5)

لتكون النية شاملة لطرفي الصلاة، وينوي به السلام على الحفظة وعلى الحاضرين، لحديث سمرة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض، رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وإسناده ثقات، والبزار وزاد، في الصلاة قال الحافظ: وإسناده حسن، وقال النووي: السلام على الملائكة والمقربين، ومن تبعهم من المسلمين، اعتضدت طرقه، فصار حسنا أو صحيحا، وعند مالك يجب نية الخروج منها، واختاره ابن حامد، وهو قول الشافعي وغيره.

(6)

لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقوله، ولأنه سلام في صلاة ورد مقرونا بالرحمة، فلم يجزئه بدونها، كالسلام في التشهد، وأما صلاة الجنازة فيجزئه.

ص: 79

والأولى أن لا يزيد: وبركاته (1)(وإن كان) المصلي (في ثلاثية) كمغرب (أو رباعية) كظهر (نهض مكبرا بعد التشهد الأول)(2) ولا يرفع يديه (3) .

(1) لعدم وروده في أكثر الأخبار، وإن زاد جاز، لما رواه أبو داود من حديث وائل، كان يسلم عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله كذلك، ما لم يتخذ ذلك عادة فلا، لمخالفة السنة المستفيضة.

(2)

قائما على صدور قدميه، لأنه انتقال إلى قيام، فأشبه القيام من سجود الأولى، وثلاثية أي ثلاث ركعات أي المغرب، ورباعية أي أربع ركعات أي الظهر والعصر والعشاء، نسبة إلى رباع المعدول عن أربعة، كثلاث تقول في المذكر رباعي، وفي المؤنث رباعية.

(3)

حكاه بعضهم وفاقا، وعليه جماهير الأصحاب، وعنه يرفع يديه، قال الشيخ: مندوب إليه عند محققي العلماء العاملين بالسنة، وقد ثبت في الصحاح والسنن، ولا معارض لها ولا مقاوم، واختاره هو والمجد وصاحب الفائق وابن عبدوس، واستظهره في المبدع والفروع، وصوبه في الإنصاف، وهو أصح الروايتين عن أحمد، ومذهب أهل الحديث، لما في صحيح مسلم من حديث ابن عمر أنه كان يرفع يديه في هذا الموضع، وهي في بعض طرق البخاري أيضا، وجاء ذكرها مصرحا به في حديث أبي حميد الساعدي. قال: ثم إذا قام من الركعتين رفع يديه، حتى يحاذي بهما منكبيه، كما صنع عند افتتاح الصلاة، رواه مسلم وابن أبي حاتم في صحيحه وغيرهما، وصححه الترمذي وغيره من حديث علي، وهو عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه، ولأبي داود نحوه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر، وصححه البخاري في جزء رفع اليدين، وقال: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة صحيح

لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض والزيادة مقبولة من أهل العلم، وقال ابن بطال: هذه زيادة يجب قبولها اهـ وقد رواه جماعة من الصحابة بحضرة أصحابهم، وصدقوهم على ذلك، وثبت عن خلائق من السلف والخلف فتعين استحبابه.

ص: 80

(وصلى ما بقي (1) كـ) الركعة (الثانية بالحمد) أي الفاتحة (فقط)(2) ويسر بالقراءة (3)(ثم يجلس في تشهده الأخير متوركا)(4) يفرش رجله اليسرى (5) .

(1) أي من صلاته، وهو ركعة من مغرب، ووتر، وركعتان من رباعية.

(2)

هذا قول أكثر أهل العلم، وقال ابن سيرين: لا أعلمهم يختلفون فيه اهـ ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين بعد الفاتحة شيئا، وحديث أبي قتادة المتفق عليه ظاهر في الاقتصار على الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، وربما قرأ في الأخيرتين بشيء فوق الفاتحة لما رواه مسلم من حديث أبي سعيد وغيره، وهو قول للشافعي.

(3)

إجماعا، نقله الخلف عن السلف، وصرح في المبدع والإنصاف وغيرهما أنه لا يجهر في الثالثة والرابعة بلا خلاف.

(4)

بلا نزاع متفعلا من الورك، والورك ما فوق الفخذ، والتورك الإتكاء على إحدى وركيه، وهو في الصلاة القعود على الورك اليسرى.

(5)

بضم الراء على المشهور، وحكى القاضي كسرها ولم يحك الضم، ومعنى فرشها جعل ظهرها على الأرض، وعند الخرقي يجعل باطن اليسرى تحت فخذه اليمنى، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يفعله، رواه مسلم، واختاره المجد والقاضي، والشارح، وقال: أيهما فعل فحسن.

ص: 81

وينصب اليمنى، ويخرجهما عن يمينه، ويجعل أليتيه على الأرض (1) ثم يتشهد ويسلم (2)(والمرأة مثله) أي مثل الرجل في جميع ما تقدم (3) حتى رفع اليدين (4)(لكن تضم نفسها) في الركوع والسجود وغيرهما، فلا تتجافى (5) .

(1) لقول أبي حميد: فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة. رواه أبو داود، وللبخاري عنه قال: وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقعد على مقعدته، ونحوه عند مسلم من حديث أبي سعيد، وغيره، وهذا التورك جعل فرقا بين الجلوس في التشهد الأول الذي يسن تخفيفه، فيكون الجالس فيه متهيئا للقيام، وبين الجلوس في التشهد الثاني الذي يكون الجالس فيه على هيئة المستقر، وأيضا تكون هيئات الجلوسين فارقة بين التشهدين، مذكرة للمصلي حاله فيهما، وإن سجد لسهو بعد السلام في ثلاثية فأكثر تورك، قال في الإنصاف، بلا خلاف أعلمه، وفي ثنائية ووتر يفترش، والسنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق أهل العلم، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة، وأليتيه بفتح اللام، وقال ابن السكيت وجماعة، لا تكسر الهمزة والتثنية أليان بحذف التاء على غير قياس، وبإثباتها في لغة، ولا يقال لية، والجمع أليات، مثل سجدة وسجدات.

(2)

وهو جالس بلا نزاع، كما تقدم.

(3)

من أركان وواجبات ومندوبات، قولية أو فعلية، لشمول الخطاب لها، سوى ما استثنى في حقها.

(4)

في مواضع. وقال المجد: ترفع قليلا، وهو أوسط الأقوال.

(5)

ندبا بل تجمع نفسها، وتنخفض وتلصق مرفقيها بجنبيها وبطنها بفخذيها، وغيرهما في جميع الصلاة، لأنه أستر لها، قال في الإنصاف: بلا نزاع

والنفل كالفرض في الجلوس، وهو مذهب مالك والشافعي، والجمهور، ومثلها الخنثى احتياطا.

ص: 82

(وتسدل رجليها في جانب يمينها) إذا جلست (1) وهو أفضل (2) أو متربعة (3) ، وتسر بالقراءة وجوبا إن سمعها أجنبي (4) وخنثى كأنثى (5) ثم يسن أن يستغفر ثلاثا (6) .

(1) أي تسدلهما في جميع الجلسات، لوجود المعنى الذي لأجله شرع الجلوس على هذه الكيفية، ولم يصرحوا بحكم جلوسها على غير هذه الكيفية، المشروعة في حقها، إلا ما يفهم بالكراهة في الفروع، حيث قال: ولا تجلس كالرجل، لكن قال البخاري: كانت أم الدرداء تجلس كالرجل وهي فقيهة.

(2)

أي من تربعها، قال في المبدع وغيره: لأنه فعل عائشة، وأشبه بجلسة الرجل، وأبلغ في الإكمال والضم، وأسهل عليها.

(3)

لأن ابن عمر كان يأمر النساء أن يتربعن في الصلاة، والتربع هو الجلوس المعروف، اسم فاعل من تربع، سمي بذلك لأنه قد ربع نفسه كما يربع الشيء، إذا جعل أربعا، والأربع هنا الساقان والفخذان، ربعها أي أدخل بعضها تحت بعض.

(4)

خشية الفتنة بها، ولأن صوت المرأة عورة، وقال الشيخ في المرأة، إذا صلت بالنساء جهرت بالقراءة وإلا فلا.

(5)

فيما تقدم احتياطا إن سمعها أجنبي، لاحتمال أن يكون امرأة.

(6)

فيقول: استغفر الله، ثلاث مرات، للخبر الآتي وغيره.

ص: 83

ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام (1) ويقول: سبحان الله، والحمد لله والله أكبر، معا ثلاثا وثلاثين (2) .

(1) لما في الصحيح وغيره، كان إذا سلم استغفر ثلاثا، وقال:«اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام» ، وفي الصحيحين ثم يقول:«لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون» ، وهو في الصحيحين أيضا من حديث ابن الزبير، أنه كان يقوله، وفي الصحيح أنه كان يهلل بهن، وفي لفظ: حين يسلم، ولمسلم: بأعلى صوته، ففيه تقديمه يلي السلام، مقدما على غيره، وفي الصحيح: أن رفع الناس أصواتهم بالذكر بعد الصلاة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين أنه كان يقول: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ، أي لا ينفع ذا الحظ منك حظه وغناه، إنما ينفعه العمل الصالح، وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ: لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: «اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك» .

(2)

أي يقولها جميعا ثلاثا وثلاثين مرة، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة:«تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتمام المائة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» ، قال الشيخ: ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة وقال بعض السلف والخلف، ويعقده والاستغفار، بيده لحديث يسيره عليكن

بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وسواء ضبط عدده بأصابعه أو برءوسها أو بمفاصلها بأن يضع إبهامه في كل ذكر على مفصل، قال الشيخ: وعد التسبيح بالأصابع سنة وبالنوى والحصى ونحو ذلك حسن، وأما ما يجعل في نظام الخرز ونحوه فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا حسنت فيه النية فهو حسن، وأما اتخاذه من غير حاجة أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق، أو جعله كالسوار في اليد، ونحو ذلك، فهذا إما رئاء الناس، أو مظنة المراءة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة اهـ.

وروى الخمسة وصححه الترمذي من حديث ابن غنم عن أبي ذر: «من قال بعد صلاة الصبح وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات كتب له كذا وكذا» ، الحديث ولأحمد والنسائي وغيرهما عن معاذ نحوه، وفيه «وصلاة المغرب والصبح» ، ولأحمد وغيره نحوه من حديث أم سلمة وأخرجه الرافعي بلفظ:«إذا صليتم صلاة الفرض فقولوا عقب كل صلاة عشر مرات» والحديث، وذكر بعضهم أنه لا خلفا في استحبابه بعد الصبح والمغرب، وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم، من حديث الحارث:«اللهم أجرني من النار» سبع مرات، ولأحمد وغيره عن أبي أمامة وغيره: يقرأ سرا بعد كل صلاة آية الكرسي وصححه في المختارة، وقال ابن القيم: له طرق تدل على أن له أصلا اهـ، ويقرأ سرا سورة الإخلاص والمعوذتين، لحديث عقبة رواه أحمد وأهل السنن.

ص: 84