المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب سجود السهو - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب سجود السهو

‌باب سجود السهو

(1)

قال صاحب المشارق: السهو في الصلاة النسيان فيها (2)(يشرع) أي يجب تارة ويسن أخرى، على ما يأتي تفصيله (3) .

(1) سها عن الشيء سهوا ذهل وغفل قلبه عنه إلى غيره فلا يتذكره، وفي النهاية: السهو في الشيء تركه من غير علم، وعن الشيء تركه مع العلم به، قال ابن القيم، وكان سهوه صلى الله عليه وسلم في الصلاة من إتمام نعمة الله على أمته، وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو، وفي الموطأ:«إني لأنسى أو أنسى لأسن» .

(2)

وتمامه وقيل: هو الغفلة، وقيل: النسيان عدم ذكر ما قد كان مذكورا والسهو ذهول وغفلة، عما كان في الذكر وعما لم يكن اهـ ونسي الشيء نسيانا ضد حفظه وقيل إنه مشترك بين معنيين: ترك الشيء على ذهول وغفلة وتركه على تعمد وقصد، وقيل: الفرق بين الساهي والناسي أن الناسي إذا ذكرته تذكر، بخلاف الساهي، وقال الحافظ: فرق بعضهم وليس بشيء، وقال غير واحد: السهو والنسيان والغفلة ألفاظ مترادفة معناها: ذهول القلب عن المعلوم في الحافظة، وقال الآمدي: يقرب أن تكون متحدة اهـ وجاء لفظ النسيان والسهو في الشرع بمعنى، وأما الخطأ فهو ما لا يتنبه بالتنبيه عليه، أو يتنبه بعد اتعاب، ويقال: حكمة سجود السهو أنه غم للشيطان، وجبر للنقصان، ورضى للرحمن، وصاحب المشارق، هو القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمر بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، إمام وقته، صاحب التصانيف الجليلة كشرح مسلم، ومشارق الأنوار في شرح غريب الأحاديث الصحاح الثلاثة الموطأ والبخاري ومسلم، توفي سنة خمسمائة وأربع وأربعين وتقدم.

(3)

لامرية في مشروعية سجود السهو، ولا خلاف، وأنه إذا سها في صلاته

جبره بسجود السهو، وهو سنة عند الشافعي، وأوجبه أبو حنيفة ومالك في النقصان وأحمد في الزيادة والنقصان، وقال: يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خمسة أشياء، سلم من اثنتين فسجد، وسلم من ثلاث فسجد، وفي الزيادة، والنقصان وقام من اثنتين ولم يتشهد فسجد، وقال الخطابي: المعتمد عند أهل العلم هذه الأحاديث الخمسة حديثا ابن مسعود وأبي سعيد، وأبي هريرة وابن بحينة.

ص: 137

(لزيادة) سهوا (ونقص) سهوا (وشك) في الجملة (1)(لا في عمد) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا سها أحدكم فليسجد» (2) فعلق السجود على السهو (3) .

(1) أي في بعض الصور فلا يشرع لكل شك، بل ولا لكل زيادة أو نقص.

(2)

وقوله: «إذا نسي أحدكم فليسجد» وقوله: «إذا شك أحدكم وغيرها من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم» .

(3)

لأن الشرع إنما ورد فيه ولأنه شرع جبرانا، والعامد لا يعذر فلا ينجبر خلل صلاته بسجوده، بخلاف الساهي، ولذلك أضيف السجود إلى السهو من إضافة المسبب إلى السبب أي سجود سببه السهو، وقال الحافظ: الحكمة في جعله جابرا للمشكوك فيه دون الالتفات وغيره مما ينقص الخشوع، لأن السهو لا يؤاخذ به المكلف، فشرع له الجبر دون العمد، ليتقظ العبد له فيجتنبه، وقال الشيخ: يشرع للسهو لا للعمد عند الجمهور اهـ. وهو من خصائص هذه الأمة، ولم يعلم في أي وقت شرع، قال في الذخيرة، التقرب إلى الله بالصلاة المرقعة المجبورة إذا عرض فيها الشك، أولى من الأعراض عن ترقيعها والشروع في غيرها، والاقتصار عليها بعد التوقيع أولى من إعادتها، فإنه منهاجه صلى الله عليه وسلم ومنهاج أصحابه والسلف الصالح بعدهم.

ص: 138

(في) صلاة (الفرض والنافلة) متعلق بيشرع (1) سوى صلاة جنازة وسجود تلاوة وشكر وسهو (2)(فمتى زاد فعلا من جنس الصلاة (3) قياما) في محل قعود (أو قعودا) في محل قيام ولو قل، كجلسة الاستراحة (4) .

(1) أي يشرع سجود السهو بوجود أسبابه في فرض ونفل، لعموم الأخبار وفاقا وقال الشارح: لا فرق بين النافلة والفرض في سجود السهو في قول عوام أهل العلم.

(2)

فلا سجود للسهو فيها وفاقا، فأما صلاة الجنازة فلأنها لا سجود في صلبها ففي جبرها أولى، وأما سجود التلاوة والشكر فإنه لو شرع كان الجبر زائدا على الأصل، وأما سجود السهو فلأنه يفضي إلى التسلسل، وحكاه إسحاق وغيره إجماعا وسواء كان السهو قبل السلام أو بعده، ولو سها بعد سجود السهو وقبل السلام لم يشرع له السجود، وكذا حديث النفس ولو طال، لعدم إمكان التحرز منه، فعفى عنه، ولما ثبت:«إن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها» ، وسوى نظر إلى شيء فلا يشرع له السجود، لأن الشرع لم يرد به، ولا يشرع سجود السهو في صلاة خوف.

(3)

بدأ في تفصيل الأحوال الثلاثة، بالزيادة وهي إما زيادة أفعال أو أقوال وكل منها ينقسم إلى قسمين ويأتي مفصلا.

(4)

أي ولو كان الجلوس الذي زاده قدر جلسة الاستراحة عقب الركعة، بأن جلس عقبها للتشهد لأنه لم يردها فيسجد لذلك لأنه زاد جلسة، أشبه ما لو كان قائما فجلس، وصفة جلسة الاستراحة كالجلوس بين السجدتين، وقال الزركشي، إن كان يسيرا فلا سجود عليه، ومال إليه في المغني، وصححه في تصحيح الفروع، ولو رفع رأسه من سجود ليجلس للاستراحة وكان موضع جلوس للفصل أو التشهد ثم ذكر، أو جلس للفصل يظنه التشهد وطول له لم يجب له سجود، ولو جلس للتشهد قبل سجود سجد.

ص: 139

(أو ركوعا أو سجودا عمدا بطلت) صلاته إجماعا قاله في الشرح (1)(و) إن فعله (سهوا يسجد له)(2) لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: «فإذا زاد الرجل أو نقص في صلاته فليسجد سجدتين» رواه مسلم (3) ولو نوى القصر فأتم سهوا ففرضه الركعتان (4) ويسجد للسهو استحبابا (5) .

(1) لأنه بها يخل بنظم الصلاة ويغير هيئتها، فلم تكن صلاة، ولا فاعلها مصليا، إلا في الإتمام إذا نوى القصر فأتم عمدا فلا تبطل، لأنه رجع إلى الأصل، وقوله بطلت أي فسدت والباطل والفاسد اسمان لمسمى واحد، وهو ما لم يكن صحيحا، وفي الغاية: ويتجه الباطل ما اختل ركنه والفاسد ما اختل شرطه.

(2)

أي وإن زاد قياما أو قعودا ولو قدر جلسة الاستراحة أو ركوعا أو سجودا سهوا لم تبطل، قال شيخ الإسلام: بالسنة وإجماع المسلمين، وكذلك الزيادة خطأ إذا اعتقد جوزاها اهـ ويسجد له وجوبا، ومتى ذكر عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير.

(3)

وفي رواية عنه قال: صلى بنا خمسا، فلما انفتل توشوش القوم، فقال:«ما شأنكم؟» قالوا: هل زيد في الصلاة؟ قال: «لا» قالوا: فإنك صليت خمسا فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم، وقال:«فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» ، ولأن الزيادة سهو، فتدخل في قول الصحابي، سها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد بل هي نقص في المعنى، فشرع لها السجود لينجبر النقص.

(4)

وفاقا، ومقتضى إطلاق كلامهم عدم الكراهة لذلك، وذكر الشيخ أنه يكره كما في الغاية.

(5)

لأن عمده لا يبطلها فلم يجب السجود إذا.

ص: 140

وإن قام فيها أو سجد إكراما لإنسان بطلت (1)(وإن زاد ركعة) كخامسة في رباعية (2) أو رابعة في مغرب، أو ثالثة في فجر (فلم يعلم حتى فرغ منها سجد)(3) لما روي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمسا، فلما انفتل قالوا: إنك صليت خمسا، فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم، متفق عليه (4)(وإن علم) بالزيادة (فيها) أي في الركعة (جلس في الحال) بغير تكبير (5) لأنه لو لم يجلس لزاد في الصلاة عمدا وذلك يبطلها (6)(فيتشهد إن لم يكن تشهد)(7) .

(1) إجماعا والقيام قد نهى عنه خارجها لئلا يتشبهوا بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود، والسجود لا يجوز فعله إلا لله عز وجل، وإن كان على وجه التحية في غير شريعتنا كما في قصة يوسف، ففي شريعتنا لا يصلح إلا لله عز وجل، وإذا كان قد نهى عن القيام فكيف بالركوع والسجود.

(2)

أي قام إلى ركعة زائدة كخامسة في ظهر أو عصر أو عشاء.

(3)

وهو قول جمهور العلماء مالك والشافعي والنخعي والزهري وغيرهم.

(4)

ولمسلم «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» وفي رواية له: «وإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» .

(5)

وبنى على فعله قبل تلك الزيادة لئلا يغير هيئة الصلاة.

(6)

وتقدم ذكر الإجماع عليه، وما ذكر عن أبي حنيفة أنه يضيف إليها أخرى فتكون الركعتان تطوعا بخلاف السنة.

(7)

يعني قبل قيامه.

ص: 141

لأنه ركن لم يأت به (وسجد) للسهو (وسلم) لتكمل صلاته (1) وإن كان قد تشهد سجد للسهو وسلم (2) وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، ثم سجد للسهو، ثم سلم، (3) وإن قام إلى ثالثة نهارا وقد نوى ركعتين نفلا رجع إن شاء وسجد للسهو (4) وله أن يتمها أربعا ولا يسجد، وهو أفضل (5) وإن كان ليلا فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر نص عليه (6) لأنها صلاة شرعة ركعتين، أشبهت الفجر (7) .

(1) قال النووي وغيره: إجماعا.

(2)

ولا يتشهد لوقوع سهوه قبل قيامه موقعه.

(3)

ذكره في الشرح وغيره، وهو قول مالك والشافعي وغيرهما.

(4)

يفهم منه أنه إذا نوى أربعا نهارا ثم قام إلى خامسة كان كالقائم إلى ثالثة ليلا، وقال عثمان: كقيام إلى خامسة بظهر، ولا يعارضه ما يأتي في التطوع من أن الزيادة على أربع نهارا مكروهة فقط، لأن ذلك مفروض فيمن نوى الزيادة ابتداء، وما هنا فيمن لم ينوها.

(5)

أي إتمامها أربعا، لإباحة التطوع بأربع نهارا.

(6)

وعليه فيلزمه الرجوع، فإن لم يرجع عالما عمدا بطلت، وعنه: يتمها أربعا ويسجد للسهو في الليل أو النهار، وهو مذهب مالك والشافعي، لما ثبت من تطوعه صلى الله عليه وسلم في الليل بأربع.

(7)

لحديث: «صلاة الليل مثنى مثنى» ، ويأتي حمله على الأفضلية أو الأخفية، وصرح في الإنصاف بالأفضلية.

ص: 142

(وإن سبح به ثقتان)(1) أي نبهاه بتسبيح أو غيره (2) ويلزمهم تنبيهه (3) لزمه الرجوع إليهما (4) سواء سبحا به إلى زيادة أو نقصان (5) .

(1) أي عدلان ضابطان، سواء كانا حرين أو عبدين، رجلين أو امرأتين أو رجلا وامرأة شاركاه في العبادة أو لا، واختار أبو محمد الجوزي جواز رجوعه إلى قول واحد إن ظن صدقه، وجزم به في الفائق والموفق، قال في الإنصاف، عملا بظنه لا بتسبيحه.

(2)

كإشارة أو تنبيه بقرآن، كما دلت عليه النصوص، قاله الشيخ وغيره، وعبارة الفروع: نبه، وهو أولى لشموله، ولذلك صرفه الشارح إليه.

(3)

على ما يجب السجود لسهوه وظاهره ولو غير مأمومين أما المأمومون فلارتباط صلاتهم بصلاته، بحيث تبطل ببطلانها ولأمره عليه الصلاة والسلام بتذكيره.

(4)

هذا جواب الشرط ليرجع إلى الصواب إلى تنبيههم لأنه صلى الله عليه وسلم قبل قول أبي بكر وعمر في قصة ذي اليدين وأمر بتذكيره، وظاهره أنه لا يرجع إلى قول واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين وحده، وتقدم اختيار الموفق وغيره رجوعه إلى واحد يظن صدقه.

(5)

أي سواء كان تنبيههم لرجوع عن زيادة كقيام من رابعة إلى خامسة، أو كان تنبيههم للرجوع إلى الإتيان بنقصان كقيامه عن التشهد الأول، ويلزمه قبول قولهما بشرطه، ولا يلزمه الرجوع إلى فعل مأمومين من نحو قيام أو قعود بلا تنبيه، لأمر الشارع بالتنبيه بتسبيح الرجال وتصفيق النساء، ولا تبطل إن رجع لفعلهم وفي الإنصاف، وفعل ذلك منهم مما يستأنس به، ويقوى ظنه، ونقل أبو طالب: إذا صلى بقوم تحرى ونظر إلى من خلفه، فإن قاموا تحرى وقام، وفعل ما يفعلون، وذلك والله أعلم ما لم يكن عنده يقين.

ص: 143

وسواء غلب على ظنه صوابهما أو خطؤهما (1) والمرأة كالرجل (2)(فـ) إن (أصر) على عدم الرجوع (ولم يجزم بصواب نفسه بطلتا صلاته)(3) لأنه ترك الواجب عمدا (4) وإن جزم بصواب نفسه لم يلزمه الرجوع إليهما (5) لأن قولهما إنما يفيد الظن، واليقين مقدم عليه (6) وإن اختلف عليه من ينبهه سقط قولهم (7) .

(1) فيلزمه الرجوع نص عليه، وجزم به الموفق وغيره، ما لم يتيقن صواب نفسه، والفرق بين الظن وغالب الظن، أن الظن إذا قوى أحد الطرفين وترجح على الآخر ولم يأخذ القلب ما ترجح به، ولم يطرح الآخر فهو الظن، وإذا عقد القلب على أحدهما وترك الآخر فهو غالب الظن.

(2)

في تنبيه الإمام، وإلا لم يكن في تنبيهها فائدة، ولما شرع تنبيهها بالتصفيق في أشرف العبادة، والمراد بخلاف المميز فلا عبرة بتنبيهه.

(3)

قولا واحدا، ما لم يكن إصراره على عدم الرجوع لجبران نقص، كما لو قام قبل أن يتشهد التشهد الأول ونحوه ونبهوه بعد أن قام ولم يرجع، لحديث المغيرة.

(4)

ولا ينجبر بسجود في قول جمهور العلماء.

(5)

كالحاكم إذا علم كذب البينة، وأما هما فيفارقانه حيث جزما بذلك.

(6)

وهو ما جزم به في نفسه، فيعمل بيقينه كالحاكم.

(7)

وذلك بأن أشار بعضهم بالقيام وبعضهم بالقعود مثلا، سقط قولهم، كبينتين تعارضتا ويأخذ بالأقل وفاقا وفي المبدع: ويعمل بغلبة ظنه، واختاره جمع، فإن قيل: التنبيه إنما يكون بالتسبيح أو التصفيق فكيف يتصور اختلافهم؟ قيل قد ينبه بعضهم بالتسبيح، وبعضهم بالإشارة أو قبض يد، أو غير ذلك مما يدل على خلاف قول المسبح.

ص: 144

ويرجع منفرد إلى ثقتين (1)(و) بطلت (صلاة من تبعه) أي تبع إماما أبي أن يرجع حيث يلزمه الرجوع (عالما (2) لا) من تبعه (جاهلا أو ناسيا) للعذر (3) ولا من فارقه لجواز المفارقة للعذر (4) ويسلم لنفسه (5) ولا يعتد مسبوق بالركعة الزائدة إذا تابعه فيها جاهلا (6) .

(1) ما لم يجز بصواب نفسه كما تقدم في الإمام، حتى في طواف.

(2)

أي بزيادتها وبطلان صلاته بذلك، ذاكرا لها لأنه إن قيل ببطلان صلاة الإمام لم يجز اتباعه فيها، كما لو اقتدى بمن يعلم حدثه، وإن قيل بصحتها فهو يعتقد خطأه وأن ما قام إليه ليس من صلاته.

(3)

لأن الصحابة رضي الله عنهم تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة حيث لم يعلموا، وتوهموا النسخ، ولم يؤمروا بالإعادة.

(4)

أي ولا تبطل صلاة من فارقه، لجواز المفارقة للعذر وهو زيادته فيها وعبارة الأقناع والمنتهى، وجوب مفارقته لاعتقاد خطئه، وعنه ينتظر ليسلم معه، وعنه يخير في انتظاره ومتابعته، قال الشيخ وغيره: وانتظاره حتى يسلم معه أحسن.

(5)

أي ويسلم المأموم المفارق لإمامه بعد قيامه لزائدة، وتنبيهه وإبائه الرجوع إذا تم التشهد الأخير لنفسه للعذر.

(6)

أي لا يحتسب مسبوق بالركعة الزائدة إذا تابع الإمام فيها جاهلا، سواء دخل مع الإمام فيها أو قبلها، لعدم اعتداد الإمام بها ولوجوب المفارقة على من علم الحال، وقال القاضي والموفق وغيرهما، يعتد بها، قال في الرعاية: في الأصح، لأنه لو لم يحسب له بها للزمة أن يصلي خمسا مع علمه بذلك، ولأن الإمام يعتقد وجوبها عليه.

ص: 145

(وعمل) في الصلاة متوال (مستكثر عادة من غير جنس الصلاة (1)) كالمشي واللبس ولف العمامة (2)(يبطلها عمده وسهوه) وجهله (3) إن لم تكن ضرورة وتقدم (4)(ولا يشرع ليسيره) أي يسير عمل من غير جنسها (سجود) ولو سهوا (5) .

(1) هذا هو القسم الثاني من زيادة الأفعال، وهو كل عمل عد في العادة كثيرا، ولا يتقيد بثلاث ولا غيرها، بل بخلاف ما يشبه فعله صلى الله عليه وسلم في فتحه الباب لعائشة وحمله أمامة ونحو ذلك، فلا يبطلها والمتوالي هو الذي لا تفريق بينه فلو فرق بين العمل لم تبطل، ويكفي نحو قراءة آية أو ركوع.

(2)

وكالخياطة والكتابة، لما لم يكن من جنسها، هذا إذا كثر وإلا فلا.

(3)

لقطعه الموالاة بين الأركان، فأما بطلانها بالكثير عمدا فلا نزاع فيه حكاه في الشرح والإنصاف وغيرهما، وأما سهوا فعلى الصحيح من المذهب، واختار المجد وغيره، لا تبطل بالعمل الكثير سهوا، لقصة ذي اليدين، فإنه مشي وتكلم، وبنى على ما تقدم من صلاته، والمراد ببطلانها بالمستكثر، إذا لم يكن حاجة إلى ذلك، وإشارة أخرس كفعله، لا كقوله، فلا تبطل الصلاة إلا إذا كثرت وتوالت.

(4)

فيما يكره في الصلاة، والضرورة كخوف وهرب من عدو ونحوه وكسيل وحريق وسبع، فإذا كان ضرورة لم تبطل، لأن الضرورات تبيح المحظورات وعدا ابن الجوزي من الضرورة من به حك لا يصبر عنه، وكذا إن كان يسيرا عادة ولم يتوال ولو كثر، ولا بأس به لحاجة، لما تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم.

(5)

لأنه لم يرد السجود له، ولا يصح قياسه على ما ورد من السجود، لمفارقته إياه، ولأنه لا يكاد يخلو منه صلاة، ويشق التحرز منه.

ص: 146

ويكره العمل اليسير من غير جنسها فيها (1) ولا تبطل بعمل قلب (2) .

(1) كفتح الباب، ولف العمامة، لغير حاجة، لأنه عبث ويذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة وروحها.

(2)

وإن طال وفاقا لأبي حنيفة والشافعي، لمشقة التحرز منه، ما لم يترك واجبا، وإلا أبطل قال عليه الصلاة والسلام:«إنها ألهتني آنفا عن صلاتي» وقال: «أخاف أن تفتنني» وقوله: «حتى لا يدري كم صلى» ففيها أنها تصح وإن حصل فيها فكر واشتغال قلب بغيرها، قال النووي: وهذا بإجماع من يعتد به في الإجماع اهـ، ونقل الإجماع غير واحد أنها لا تبطل بحديث النفس ولو كثر، واتفقوا على كراهته وفي الحديث «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها» ، ما لم تعمل، أو تكلم متفق عليه، وفي الصحيح «ذكرت وأنا في الصلاة تبرأ عندنا» الحديث ولكن كانت قرة عينه في الصلاة، ولم يشغله ما هو فيه عن مراعاة أحوال المأمومين وغيرهم مع كمال إقباله وقربه من الله، وخضوعه بين يديه، وقال عمر: وإني لأجهز جيشي في الصلاة، رواه البخاري ولأن الشيطان كثيرا ما يحول بين المرء ونفسه، ويذكره ما لم يكن يذكر.

قال شيخ الإسلام: إذا غلب الوسواس على أكثر الصلاة لا يبطلها، قال: وهو أنواع: ما لا يمنع ما يؤمر به بل بمنزلة الخواطر، فلا يبطلها، لكن من سلمت صلاته فهو أفضل، وما منع الفهم، وشهود القلب، بحيث يصير غافلا، فلا ريب في منع الثواب لقوله:«إلا ما عمل بقلبه» ، وهل يبطل ويوجب الإعادة؟ فيه تفصيل فإن كانت الغفلة أقل من الحضور لم تجب الإعادة وإن كان الثواب ناقصا فإن النصوص قد تواترت بأن السهو لا يبطلها وإنما يجبر بعضه بسجدتي السهو.

وإن غلبت الغفلة على الحضور، فقيل: لا تصح في الباطن، وإن صحت في الظاهر، وقيل: لا تجب عليه الإعادة وإن كان لا ثواب له هذا المأثور عن أحمد

وغيره لما ثبت «إن الشيطان يخطر بين المرء ونفسه، يذكره ما لم يكن يذكر، حتى لا يدري كم صلى» وأمره بسجدتين السهو ولم يأمره بالإعادة، ولم يفرق بين القليل والكثير، فإن النصوص والآثار إنما دلت على أن الأجر والثواب مشروط بالحضور، لا تدل على وجوب الإعادة لا باطنا ولا ظاهرا، ورجح أن الغفلة سبب لنقص الثواب، أو فواته الخاص، لا أنه لا أجر له فيه بالكلية بقصة تخفيف عمار، وقوله:«لا يستجاب الدعاء من قلب غافل» ، وقوله فيمن صلى ركعتين «لا يحدث فيهما نفسه غفر له» ، وغير ذلك، وقال في موضع آخر: هذا في المؤمن الذي يقصد العبادة لله بقلبه مع الوسواس وأما المنافق الذي لا يصلي إلا رياء وسمعة فعمله حابط، ولا يحصل له به ثواب، ولا يرتفع به عنه عذاب، ولا يثاب على عمل مشوب إجماعا.

ص: 147

وإطالة نظر إلى شيء وتقدم (1)(ولا تبطل) الصلاة (بيسير أكل وشرب وسهوا أو جهلا)(2) لعموم عفى لأمتي عن الخطأ والنسيان (3) .

(1) فيما يكره في الصلاة وكنقش في جدار، وككتاب ولو بقلبه دون لسانه.

(2)

فرضا كانت الصلاة أو نفلا.

(3)

ولأن تركهما عماد الصوم، وركنه الأصلي، فإذا لم يؤثر فيه حالة السهو فالصلاة أولى، وكالسلام قال في الكافي: فعلى هذا يسجد، لأنه يبطل الصلاة عمده فعفى عن سهوه، فيسجد له كجنس الصلاة، لأن غيرهما يبطلها إذا كثر، فهما أولى، ولأن الصلاة عبادة بدنية، فيندر ذلك فيها، وهي أدخل في الفساد، بدليل الحدث والنوم، بخلاف الصوم، ولأنه ينقطع عن القياس.

ص: 148

وعلم منه أن الصلاة تبطل بالكثير عرفًا منهما كغيرهما (1)(ولا) يبطل (نفل بيسير شرب عمدًا)(2) لما روي أن ابن الزبير شرب في التطوع (3) ولأن مد النفل وإطالته مستحبة، فيحتاج معه إلى جرعة ماء لدفع العطش، فسومح فيه كالجلوس (4) وظاهره أنه يبطل بيسير الأكل عمدًا (5) وأن الفرض يبطل بيسير الأكل والشرب عمدًا (6) .

(1) بغير خلاف، قاله في الشرح والمبدع وغيرهما، وحكى ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على المنع من الأكل والشرب، وأنه إن أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدًا لزمته الإعادة.

(2)

وهو مفهوم ما قطع به في المقنع والمنتهى، قال الوزير: وهو المشهور عن أحمد، وفي الفروع، وعنه ونفله أي تبطل وفاقا، والأشهر بالأكل وصحح في الشرح أن النفل كالفرض، وهو قول الأكثر، قاله في المبدع، وقاله ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المصلي ممنوع من الأكل والشرب.

(3)

وكذا سعيد بن جبير، وقال طاوس، لا بأس وقال الخلال، سهل أبو عبد الله في ذلك، وابن الزبير هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي وأمه أسماء بنت أبي بكر ولد عام الهجرة، أحد العبادلة والشجعان بويع بالخلافة سنة أربع وستين، وولي إلى أن قتله الحجاج بمكة سنة ثلاث وسبعين.

(4)

أي كما سومح في الجلوس في النافلة.

(5)

لأنه ينافي هيئة الصلاة.

(6)

لأنه ينافي الصلاة قال في المبدع: وهو إجماع من نحفظ عنه في الفرض، لأنهما ينافيان الصلاة.

ص: 149

وبلغ ذوب سكر ونحوه بفم كأكل (1) ولا تبطل ببلع ما بين أسنانه بلا مضغ (2) قال في الإقناع، إن جرى به ريق (3) وفي التنقيح والمنتهى ولو لم يجر به ريق (4) وإن أتى بقول مشروع في غير موضعه (5) كقراءة في سجود وركوع (وقعود وتشهد في قيام وقراءة سورة في) الركعتين (الأخيرتين) من رباعية أو في الثالثة من مغرب (لم تبطل) بتعمده (6) .

(1) أي حكم بلع ذوب سكر، وهو ماء القصب إذا أغلي واشتد، وقذف بالزبد فارسي معرب، ويقال: أول ما عمل بطبرزاذ وكذا نحوه كحلوى وترنجبيل حكم الأكل وفاقًا، وكذا لو فتح فاه فنزل فيه ماء المطر فابتلعه.

(2)

لأنه ليس بأكل ويسير.

(3)

صوابه ما يجري به ريق، وهو اليسير الذي لا يمكن الاحتراز منه، قال شارحه، ولأن ذلك لا يسمى أكلا.

(4)

وهو الذي له جرم، ولا يجري إلا بالإزدراد، وتبعهما العسكري والشويكي، وقال الحجاوي على التنقيح: وهذا بعيد، تابع فيه الفروع واستبعده ابن نصر الله، قال في الإقناع تبعًا للمجد، وما لا يجري به ريقه بل يجري بنفسه وهو ما له جرم تبطل به أي ببلعه، وهو مفهوم الرعاية والفروع والإنصاف والمبدع، ولا تبطل بترك لقمة في فمه لم يمضغها ولم يبتلعها حتى فرغ من الصلاة، ويكره ذلك وإن لاكها ولم يبتلعها فهو كالعمل إن كثر أبطل وإلا فلا.

(5)

وهذا أول الشروع في زيادة الأقوال، وهي قسمان، ما يبطل عمده وما لا يبطل، وبدأ ما لا يبطل، وثني بما يبطل، ومن باب الترقي والبداءة بالأسهل.

(6)

وفاقا، وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لقوله

«إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف» قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، يرون أن لا يطيل القعود في الركعتين الأوليين، ولا يزيد على التشهد شيئا في الركعتين الأوليين، وقالوا: إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو، هكذا عن الشعبي وغيره.

ص: 150

لأنه مشروع في الصلاة في الجملة (1)(ولم يجب له) أي السهو (سجود بل يشرع) أي يسن كسائر ما لا يبطل عمده الصلاة (2)(وإن سلم قبل إتمامها) أي إتمام الصلاة (عمدًا بطلت)(3) .

(1) أي في غير هذه المواضع، قال النووي وغيره: وإن سبح الله وحمده في غير ركوع وسجود لم تبطل، سواء قصد به تنبيه غيره أو لا، وهو مذهب الشافعي والأوزاعي وجمهور العلماء، لما في الصحيحين من حديث سهل ابن سعد، وقيل: تبطل به، ذكره ابن الجوزي وابن حامد وأبو الفرج في قراءته راكعا أو ساجدا، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، قال الترمذي: وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، كرهوا القراءة في الركوع اهـ فيسن الأدب مع كلام الله أن لا يقرأ في هاتين الحالتين، فإنهما حالتا ذل وانخفاض، وكلام الله أشرف الكلام، فالانتصاب أولى به، إذ هو أشرف حالات العبد، وعليه فيتأكد تركها في تلك المواضع، ويتأكد سجود السهو له.

(2)

صححه غير واحد، منهم صاحب الفروع والوسيلة والرعاية، ونصره جماعة، لعموم «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» رواه مسلم، فإن لم يكن مشروعًا كآمين رب العالمين؛ الله أكبر كبيرا، لم يشرع له سجود، جزم به في المغني والشرح وغيرهما.

(3)

قال في الإنصاف وغيره: بلا نزاع.

ص: 151

لأنه تكلم فيها قبل إتمامها (1)(وإن كان) السلام (سهوا ثم ذكر قريبًا أتمها)(2) وإن انحرف عن القبلة، أو خرج من المسجد (3)(وسجد) للسهو لقصة ذي اليدين (4) لكن إن لم يذكر حتى قام، فعليه أن يجلس لينهض إلى الإتيان بما بقي عليه عن جلوس (5) .

(1) وظاهره سواء كان الباقي منها واجب أو ركن فكلاهما يبطلها تركه عمدا، وهو ظاهر المنتهى تبعا للمقنع.

(2)

أي: الصلاة وسجد للسهو، نص عليه، وفي الإنصاف، بلا خلاف أعلمه وقال في المغني، ولم تبطل بالسلام سهوًا، رواية واحدة لأنه عليه الصلاة والسلام فعله وهو وأصحابه وبنوا على صلاتهم، ولأن جنسه مشروع فيها، أشبه الزيادة فيها من جنسها، وفي الشرح وغيره، وإن لم يطل الفصل أتى بما ترك، ولم تبطل صلاته إجماعا لقصة ذي اليدين.

(3)

أي أتمها ما لم يطل الفصل وفاقًا.

(4)

المتفق عليها من حديث أبي هريرة، وفيها فخرجت السرعان من باب المسجد فقالوا: يا رسول الله «أنسيت أم قصرت الصلاة؟» فقال: «لم أنس ولم تقصر» وفي القوم أبو بكر وعمر، فقال:«أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم، فتقدم فصلى ما ترك، ثم سلم، ولمسلم: قام فدخل الحجرة فخرج فصلى الركعة التي كان ترك ثم سجد سجدتي السهو، ثم سلم، وفي رواية: خرج إلى منزله، وفي أخرى: يجر رداءه مغضبا، وهذه أفعال كثيرة قطعا، وذو اليدين هو الخرباق السلمي، أسلم في أواخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم وعاش حتى روى عنه متأخروا التابعين.

(5)

متعلق بينهض، لأنه لم يأت بالقيام لها عن جلوس مع النية.

ص: 152

لأن هذا القيام واجب للصلاة فلزم الإتيان به مع النية (1) وإن كان أحدث استأنفها (2) فإن طال الفصل عرفًا بطلت، لتعذر البناء إذا (3) (أو تكلم) في هذه الحالة (لغير مصلحتها) كقوله: يا غلام؛ اسقني (بطلت) صلاته (4) لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» رواه مسلم (5) .

(1) أي: وهو لم يأت به معها.

(2)

لأن الحدث ينافيها واستمرار الطهارة شرط، وقد فات.

(3)

لأنها صلاة واحدة فلم يجز بناء بعضها على بعض مع طول الفصل، لفوات الموالاة بين أركانها، وطول الفصل يؤخذ من العرف، حيث لم يرد تحديده بنص، وذلك قاعدة في كل شيء لم يأت في الشرع تحديده، يرجع فيه إلى العرف، وقيل هو مضي قدر تلك الصلاة، وقيل ركعة، والأولى المقاربة، كمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم في خبر ذي اليدين، وفي المبدع: إذا لم يذكر المتروك حتى شرع في صلاة غيرها، فإن طال الفصل بطلت، وإن لم يطل عاد إلى الأولى وأتمها، لأنه عمل من جنس الصلاة سهوا فلم تبطل، كما لو زاد ركعة اهـ، والعرف هو ما استقر من الأمور في العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول.

(4)

يعني التي سلم فيها عن نقص بطلبه السقي، وهو خارج عن مصلحتها.

(5)

ولقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله يحدث من أمره ما يشاء، ومما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة» وقال زيد بن أرقم، «فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام» ، ولغيرها من الأحاديث، وعنه: لا تفسد بالكلام إذا سلم وتكلم يظن أن صلاته قد تمت، لأنه نوع من النسيان، أشبه المتكلم جاهلاً.

ص: 153

وقال: أبو داود مكان لا يصلح «لا يحل» (1) ككلامه في صلبها، أي في صلب الصلاة، فتبطل به للحديث المذكور (2) سواء كان إمامًا أو غيره، وسواء كان الكلام عمدا أو سهوًا أو جهلاً، طائعًا أو مكرهًا (3) .

(1) وهو بمعناه فيحرم، ولقوله تعالى:{وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ} وقول زيد بن أرقم «فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام» ، رواه الجماعة من طرق، والآية مدنية قال ابن كثير: وهذا الأمر يستلزم ترك الكلام في الصلاة، لمنافاته إياها.

(2)

وهو قوله: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين» ، والمراد من عدم الصلاحية عدم صحتها، ومن الكلام مكالمة الناس ومخاطبتهم كما هو صريح في سبب الحديث، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من تكلم في صلاته عامدًا وهو لا يريد إصلاح شيء من أمرها أن صلاته فاسدة، وقال شيخ الإسلام: هذا مما اتفق عليه المسلمون اهـ، والعامد من يعلم أنه في صلاة، وأن الكلام محرم، والكلام لغة اسم لما يتكلم به، وفي اصطلاح الفقهاء حرفان فصاعدا، وقال شيخ الإسلام، لا بد فيه من لفظ دال على المعنى، دلالة وضعية تعرف بالعقل.

(3)

أما الإمام وغيره في ذلك فسواء، والكلام العمد لغير مصلحتها تقدم الإجماع عليه لتظاهر الأدلة على ذلك، وأما الكلام سهوًا أو جهلاً فعلى الصحيح من المذهب، وعنه لا يبطلها، وفاقا لمالك والشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف، وجميع أئمة المحدثين، واختاره أبو البركات وابن الجوزي والناظم والشيخ وغيرهم، لقصة ذي اليدين، وهي في الصحيحين وغيرهما من طرق، فإن كلامه صلى الله عليه وسلم وكلام أصحابه لمصلحة الصلاة، وعلى سبيل السهو، ولا فرق بين الجاهل بالتحريم أو الإبطال والناسي، لحديث معاوية بن الحكم حين تكلم في صلاته، ولم يأمره بالإعادة رواه مسلم، وكان في آخر الأمر، قال النووي وتأويل الحديث صعب على من أبطلها اهـ ولو نام قائمًا أو قاعدًا نوما يسيرا فتكلم، أو سبق على لسانه حال قراءته كلمة من غير القرآن لم تبطل وفاقًا، والطائع اسم فاعل ضد المكره، والمكره المجبور، واختار القاضي وغيره أنه أولى بالعفو من الناسي، والصحيح عن الشافعية وغيرهم لا تبطل بهذه الأنواع.

ص: 154

أو واجب كتحذير ضرير ونحوه (1) وسواء كان لمصلحتها أو لا والصلاة فرضا أو نفلا (2)(و) إن تكلم من سلم ناسيا (لمصلحتها) فإن كثر بطلت (3) و (إن كان يسيرا لم تبطل) قال الموفق: هذا أولى، وصححه في الشرح (4) .

(1) كخائف تلف شيء وتعين الكلام بطلت، وقال الموفق: ويحتمل أن لا تبطل، وهو ظاهر كلام أحمد ومذهب الشافعي لإجابتهم له صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين، وهذا كذلك.

(2)

فإذا تكلم عمدًا بطلت، وقال مالك: استفسار الإمام وسؤاله عند الشك، وإجابة المأمور لا يفسد الصلاة، والفرض والنفل في ذلك سواء للأخبار، وهو مذهب جمهور العلماء قديمًا وحديثًا.

(3)

أي: وإن تكلم من سلم في صلبها وبعد سلامها سهوًا ناسيًا لمصلحتها، فإن كثر الكلام في تلك الحالتين بطلت، لعموم الأخبار المانعة من الكلام، وإنما عفي عن اليسير فبقي ما عداه على العموم، واختار الشيخ وغيره أنها لا تبطل لمصلحتها لقصة ذي اليدين وغيرها، قال في الشرح، وممن تكلم بعد أن سلم الزبير وابناه وصوبه ابن عباس، ولا نعلم عن غيرهم خلافهم، ومذهب مالك والشافعي -وهو رواية عن أحمد أيضا- أنها لا تفسد في تلك الحال، سواء كان فيه ما ينافي الصلاة أو لم يكن.

(4)

ونص عليه أحمد، وهو مذهب مالك والشافعي، وعوام أهل العلم، وجزم به شيخ الإسلام لظواهر النصوص.

ص: 155

لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا وبنوا على صلاتهم (1) وقدم في التنقيح وتبعه في المنتهى: تبطل مطلقًٍا (2) ولا بأس بالسلام على المصلي، ويرده بالإشارة (3) فإن رده بالكلام بطلت (4) ويرده بعدها استحبابًا لرده صلى الله عليه وسلم على ابن مسعود بعد السلام (5) .

(1) كما جاء مصرحًا به في قصة ذي اليدين وغيرها.

(2)

أي سواء قرب الفصل أو بعد. في صلب الصلاة أو لا، يسيرًا كان الكلام أو كثيرا، وحجتهما دعوى النسخ للحديث، وأنه كان في أول الإسلام ثم نسخ، ولا وجه له، فقد رده شيخ الإسلام والحافظ وجمهور العلماء، لأن أبا هريرة شهدها، وإسلامه يوم خيبر سنة سبع.

(3)

فقد كان صلى الله عليه وسلم يرد السلام بالإشارة على من يسلم عليه وهو في الصلاة، وقال بلال: يبسط كفه وظهره إلى فوق، صححه الترمذي وغيره، وهو مذهب جمهور العلماء أن المستحب أن يرد السلام بالإشارة، قال الشيخ: ومن لا يحسن الرد لا ينبغي السلام عليه، وإدخاله فيما يقطع صلاته، أو يترك به الرد الواجب.

(4)

لما في الصحيحين عن ابن مسعود أنه لم يرد عليه -يعني باللفظ- وقال: «إن في الصلاة لشغلا» .

(5)

رواه أبو داود والنسائي، قال:«سلمت عليه فلم يرد علي السلام، وقال: «إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة» فرد علي السلام.

ص: 156

ولو صافح إنسانًا يريد السلام عليه لم تبطل (1)(وقهقهة) وهي ضحكة معروفة (ككلام)(2) فإن قال: قه قه، فالأظهر أنها تبطل به، وإن لم يبن حرفان، ذكره في المغني، وقدمه الأكثر، قاله في المبدع (3) ولا تفسد بالتبسم (4) وإن نفخ فبان حرفان بطلت (5) .

(1) وفاقًا لمالك والشافعي.

(2)

يعني في إبطال الصلاة بها عمدًا وسهوًا، بل أولى لهتكه حرمة الصلاة، والقهقهة هي أن يقول: قه قه، ويقال فيه: قه وقهقه بمعنى، والأولى عدم تشبيهها بالكلام، للاختلاف في الإبطال به مطلقا، والإجماع على الإبطال بها، ولأن البطلان بها لا يحتاج إلى كونه كالكلام، قال شيخ الإسلام، القهقهة تبطل بالإجماع، لأن فيها أصواتا عالية تنافي حال الصلاة، وتنافي الخشوع الواجب في الصلاة، فهي كالصوت العالي الممتد الذي لا حرف معه، وأيضا فيها من الاستخفاف بالصلاة والتلاعب بها، ما يناقض مقصودها لذلك، لا لكون متكلمًا، وبطلانها بمثل ذلك لا يحتاج إلى كونه ككلام، وليس مجرد الصوت كلاما اهـ وحكى ابن المنذر والوزير وغيرهما: الإجماع على بطلانها بالضحك.

(3)

وقال في تصحيح الفروع: وهذا الصحيح جزم به في الكافي والمغني، وقال: لا نعلم فيه خلافًا، وحكاه الوزير وغيره إجماعًا، واختاره الشيخ، وقال: إنه الأظهر، لأنه تعمد فيها ما ينافيها، أشبه خطاب الآدمي، وللدارقطني وغيره عن جابر وغيره، والقهقهة تنقض الصلاة.

(4)

فيها، وهو قول الأكثر، حكاه ابن المنذر، وليس التبسم كلامًا وفاقًا.

(5)

لا من خشية الله تعالى وفاقا، والحرفان مثل القاف والهاء لا تكرار الحرف الواحد، وعنه لا تبطل وفاقا لمالك، واختار الشيخ أن النفخ ليس كالكلام

ولو بان حرفان فأكثر، لا تبطل به، وفي المسند وأبي داود وغيرهما أنه نفخ في صلاة الكسوف قال الشيخ: ففيه أنه نفخ من حرها عن وجهه، وهذا نفخ لدفع ما يؤذي وبان الشيء بيانًا وتبيانًا، وظهر وأبان كذلك.

ص: 157

(او انتحب) بأن رفع صوته بالبكاء (من غير خشية الله تعالى) فبان حرفان بطلت، لأنه من جنس كلام الآدميين (1) لكن إن غلب صاحبه لم يضره، لكونه غير داخل في وسعه (2) وكذا إن كان من خشية الله تعالى (3) .

(1) لوقوعه على الهجاء، ودلالته على المعنى، وقال أحمد في الأنين إذا كان غالبا: أكرهه ويأتي قوم شيخ الإسلام، إنما حرم الكلام في الصلاة وأمثاله من الألفاظ التي تناول الكلام، والنحيب البكاء أو رفع الصوت به، اسم من باب ضرب، والبكاء بالمد والقصر، يقال: بكى يبكي بكى وبكاء، سال دمعه حزنا فهو باكٍٍ، جمعه بكاة وقيل: البكاء بالمد رفع الصوت، وبالقصر خروج الدموع وتتابعها، والخشية أحد مصادر خشي، قال ابن مالك، خشيت خشيا ومخشاة ومخشية وخشية، وهي أخص من الخوف.

(2)

استدراك من قوله: أو انتخب من غير خشية الله تعالى، وفاقًا للمغني، وقال شيخ الإسلام، فأما ما يغلب على المصلي عن عطاس وبكاء وتثاؤب فالصحيح عند الجمهور أنه لا يبطل، وهو منصوص أحمد وغيره، لأن هذه أمور معتادة، لا يمكنه دفعها وذكر الأدلة ثم قال: «والقول بأنه يبطل تكليف من الأقوال المحدثة، التي لا أصل لها عن السلف.

(3)

أي نفخ أو انتحب أو تأوه أو أنَّ من خشية الله تعالى لم يضره، وفاقًا لمالك وأبي حنيفة لقوله:{خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} وحديث «في صدره أزير كأزير المرجل من البكاء» رواه أهل السنن، ولأنه يجري مجرى الذكر والدعاء ويقتضي الرهبة من الله تعالى والرغبة إليه، وهذا خوف الله في الصلاة، ولو صرح بمعنى ذلك بأن استجار من النار أو سأل الجنة لم تبطل صلاته، وكان أبو بكر إذا قرأ غلبه البكاء، وعمر يسمح نشيجه من رواء الصفوف لما قرأ (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله)، والنشيج رفع الصوت بالبكاء وقال الناظم:

وإن غلط التالي بغير قراءة

فعفو كلفظ النائم المتهجد

وإن ينتحب من خشية الله قل له

طفأت لظى وحزت كل التعبد

ص: 158

(أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان بطلت)(1) فإن كان لحاجة لم تبطل، لما روى أحمد وابن ماجه عن علي قال: كان لي مدخلان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل والنهار، فإذا دخل عليه وهو يصلي يتنحنح لي، وللنسائي معناه (2) .

(1) أي: صلاته بالنحنحة وهي ترديد الصوت في جوفه، وعنه أن النحنحة لا تبطل الصلاة مطلقا، بان حرفان أم لا واختاره الموفق وغيره، وردوا تأويل الأصحاب لرواية المروذي ومهنا، أن أحمد تنحنح في صلاته، وقال شيخ الإسلام: إنما حرم الكلام في الصلاة وأمثاله من الألفاظ التي تناول الكلام، والنحنحة لا تدخل في مسمى الكلام أصلا، وقال: هي كالنفخ بل أولى بأن لا تبطل، وقال كثير من متأخري الأصحاب، ما أبان حرفين من هذه الأصوات كان كلاما مبطلا، وهو أشد الأقوال في هذه المسألة، وأبعدها عن الحجة، فإن الإبطال إن أثبتوه بدخولها في مسمى الكلام فمن المعلوم الضروري أن هذه لا تدخل في مسمى الكلام، وإن كان بالقياس لم يصح ذلك، فإن في الكلام يقصد المتكلم معاني يعبر عنها بلفظه، وذلك يشغل المصلي، وأما هذه الأصوات فهي طبيعة كالتنفس، وإبطال الصلاة بمجرد الصوت إثبات حكم بلا أصل ولا نظير، وأيضا جاءت السنة بالنحنحة والنفخ، فالصلاة صحيحة بيقين، فلا يجوز إبطالها بالشك.

(2)

من طريق، وله أيضا من طريق آخر كلاهما عن علي رضي الله عنه

وقال المروذي: كنت آتي أبا عبد الله فيتنحنح في صلاته، وقال مهنا: رأيته يتنحنح في صلاته.

ص: 159

وإن غلبه سعال أو عطاس أو تثاؤب ونحوه لم يضره، ولو بان حرفان (1) .

(1) لأنها أصوات طبيعية كما تقدم، وقد غلب عليها، وكذا لو غلط في القراءة أو تنفس فقال: آه والسعال حكة تدفع بها الطبيعة مادة مؤذية عن الرئة والأعضاء التي تتصل بها، والعطاس تهيج في الغشاء الداخلي من الأنف تهيئة للعطس، وهواء يندفع بغتة بعزم من الأنف، والتثاؤب بالهمز مثل تقاتل كسل وفترة كفترة النعاس، تعتري الشخص فيفتح عندها فاه، وتقدم وبالواو عامية، وظاهر عبارات الأصحاب أن ما انتظم حرفين فصاعدا أبطل أفهم أو لا، وأما الحرف وإن كان قد يكون كلمة كـ «ق» و «ع» فأعرضوا عنه، لأن الغالب عليه أنه لا يستقل بمعنى وظاهر كلامهم أنه إذا أفهم معنى أبطل، وصرح به غير واحد من أتباع الأئمة، فإن المصلي إذا قصد معاني يعبر عنها بلفظة شغله عن الصلاة.

ص: 160