المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صلاة الاستسقاء - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٢

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌ الاستفتاحات الثابتة كلها سائغة

- ‌الاعتدال ركن في كل ركعة

- ‌ كراهة الجهر بالتشهدين

- ‌يدعو بعد كل مكتوبة، مخلصا في دعائه

- ‌تسن صلاته إلى سترة»

- ‌ يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب

- ‌باب سجود السهو

- ‌فصلفي الكلام على السجود للنقص

- ‌باب صلاة التطوعوأوقات النهي

- ‌ من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء

- ‌ يخير في دعاء القنوت بين فعله وتركه

- ‌التراويح) سنة مؤكدة

- ‌ سجود التلاوة

- ‌أوقات النهي

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌«من كان له إمام فقراءته له قراءة»

- ‌يحرم سبق الإمام عمدًا

- ‌يسن للإمام التخفيف مع الإتمام)

- ‌فصل في أحكام الإمامة

- ‌(الأولى بالإمامة

- ‌فصلفي أحكام الاقتداء

- ‌فصلفي الأعذار المسقطة للجمعة والجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌فصلفي قصر المسافر الصلاة

- ‌ إباحة القصر لمن ضرب في الأرض

- ‌ القصر لا يحتاج إلى نية

- ‌فصل في الجمع

- ‌الجمع رخصة عارضة للحاجة

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌ طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه

- ‌لا يجوز الكلام والإمام يخطب)

- ‌ صلاة العيدين ركعتان

- ‌إذا سلم) من الصلاة (خطب خطبتين

- ‌تهنئة الناس بعضهم بعضا

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب صلاة الاستسقاء

الفصل: ‌باب صلاة الاستسقاء

‌باب صلاة الاستسقاء

(1)

وهو الدعاء بطلب السقي (2) على صفة مخصوصة، أي الصلاة لطلب السقي على الوجه الآتي (3)(إذا أجدبت الأرض) أي أمحلت، والجدب نقيض الخصب (4) .

(1) أي صفتها وأحكامها، وما يتعلق بذلك، والاستسقاء استفعال من السقي، بضم السين، والنفوس مجبولة على الطلب ممن يغيثها، ولا تلتفت فيه إلا لبارئها، وكان في الأمم الماضية، وأجمع المسلمون على مشروعيته.

(2)

الباء للتصوير أو الملابسة، أي: الاستسقاء شرعًا: نداء الله نداء ملتبسًا بطلب السقي، أي استنزال الغيث على البلاد والعباد.

(3)

بيانه وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: صلاتهم جماعة أو فرادى على ما يأتي تفصيله، وهو أكملها، واتفق فقهاء الأمصار على مشروعيته.

والثاني: استسقاء الإمام يوم الجمعة في خطبتها كما فعل صلى الله عليه وسلم واستفاض عنه من غير وجه، وهذا الضرب مستحب وفاقا، واستمر عمل المسلمين عليه، والثالث: دعاؤهم عقب صلواتهم، وفي خلواتهم، ولا نزاع في جواز الاستسقاء بالدعاء بلا صلاة.

(4)

بالكسر أي النماء والبركة، من أخصب المكان فهو مخصب، وفي لغة من باب تعب، فهو خصب، وأخصب الله الموضع أنبت به العشب، والكلأ والجدب المحل وزنًا ومعنى، يقال: أجدب القوم إذا أمحلوا وهو انقطاع المطر، ويبس الأرض، من باب تعب، وقال الأزهري، الأرض الجدبة التي لم تمطر والخصبة الممطورة التي أمرعت.

ص: 539

(وقحط) أي احتبس (المطر) وضر ذلك (1) وكذا إذا ضرهم غور ماء عيون أو أنهار (2)(صلوها جماعة وفرادى)(3) وهي سنة مؤكدة (4) لقول عبد الله بن زيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فتوجه إلى القبلة يدعو، وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، جهر فيهما بالقراءة، متفق عليه (5) .

(1) أي ضر احتباسه، ولم يكن لهم أودية وآبار وأنهار يشربون منها، ويسقون مواشيهم وزروعهم، أو كان ذلك، إلا أنه لا يكفي، فزعوا إلى الصلاة جماعة أو فرادى، وقحط كمنع وفرح وعني، قحطا وقحطًا وقحوطا، إذا انقطع عنه المطر، وأقحط وقحط الناس كسمع قليل، أي أصابهم القحط.

(2)

أي ومثل جدب الأرض، وقحط المطر إذا ضرهم غر عيون إلى الأرض وهو ذهابه فيها، أو ضرهم غور أنهار جمع نهر، بفتح الهاء وسكونها مجاري الماء، وكذا لو نقص ماؤها وضر، وكذا لو تغير، بملوحة فزعوا إلى الصلاة لذلك كقحط المطر.

(3)

أي إذا أجدبت الأرض صلوا صلاة الاستسقاء عند الحاجة إليها، جماعة في صلاتها، أو فرادى كل واحد وحده، لأنها لا تجب جماعة، فجازت فرادى.

(4)

بإجماع أهل العلم، وشذ أبو حنيفة فقال: ليس فيها صلاة مسنونة وقوله مردود فإنه مخالف للأحاديث الصحيحة المستفيضة، والقياس فإنه معنى سن له الاجتماع والخطبة، فسن له الجماعة، كالعيد والكسوف، ولأنهم أجمعوا أنه يسن فيه الاجتماع والخطبة، والسنة بينت الصلاة، فوجب اعتمادها، دون القياس، وقد توافقا، وأيضا قال: إذا صح الحديث، فهو مذهبي، فصار إجماعًا.

(5)

قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وحكى النووي وغيره: الإجماع على استحباب الجهر بالقراءة فيها.

ص: 540

والأفضل جماعة حتى بسفر (1) ولو كان القحط بغير أرضهم (2) ولا استسقاء لانقطاع مطر عن أرض غير مسكونة ولا مسلوكة، لعدم الضرر (3) (وصفتها في موضعها وأحكامها كـ) صلاة (عيد) (4) قال ابن عباس: سنة الاستسقاء سنة العيدين (5) فتسن في الصحراء (6) .

(1) وفاقًا لمالك والشافعي، لفعله صلى الله عليه وسلم لها جماعة، واستمرار أمر المسلمين عليه.

(2)

لحصول الضرر به، ولأنه من باب التعاون على البر والتقوى، أما لو كان غير المحتاج ببلد المحتاج إليه صلى معه اتفاقا، ما لم يكن ذا بدعة أو ضلالة.

(3)

أي بانقطاعه عنها، فمشروعية الاستسقاء لإزالة ما يصيب الناس من الضرر.

(4)

أي وصفة صلاة الاستسقاء في موضعها، فيستحب فعلها في المصلى، كصلاة العيد، وأحكامها كصفة صلاة العيد، عند الجمهور، في العدد والجهر والقراءة وفي كونها قبل الخطبة، وبتكبيراته، ورفع أيديهم ويقف بين كل تكبيرتين قائلا ما ورد كما سيأتي لأنها في معناها، إلا أنه لا وقت لصلاتها، وإلا أنها لا تفعل وقت النهي بلا خلافٍ، والأولى وقت صلاة العيد، لحديث عائشة وغيره.

(5)

رواه أهل السنن بلفظ: ثم صلى ركعتين، كما يصلي في العيد، وقال الحافظ في قول ابن عباس الآتي، كما صنع في العيد: ظاهره أنه صلاها في وقت صلاة العيد.

(6)

أي فتسن صلاة الاستسقاء قبل الخطبة في الصحراء القريبة عرفًا، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا في الصحراء، بلا نزاع، ولأبي داود عن عائشة: شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ولأن الناس يكثرون، فكان المصلى أرفق بهم، ولأنه أبلغ في الافتقار والتواضع.

ص: 541

ويصلي ركعتين، يكبر في الأولى ستًا زوائد، وفي الثانية خمسًا، من غير أذان ولا إقامة (1) قال ابن عباس: صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما يصلي العيد، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح (2) ويقرأ في الأولى بسبح، وفي الثانية بالغاشية (3) وتفعل وقت صلاة العيد (4) .

(1) وفاقا للشافعي.

(2)

وصححه الحاكم وغيره، قال الموفق وغيره، هي ركعتان عند العاملين بها لا نعلم بينهم خلافًا في ذلك، وأما التكبير فدلالة هذا الخبر، مع ما رواه الشافعي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعًا وخمسًا، وعن ابن عباس ونحوه، رواه الدارقطني، وهو مذهب الشافعي وجماعة.

(3)

لما رواه الدارقطني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ بهما، وإن شاء قرأ بـ (إنا أرسلنا نوحا) وسورة غيرها، من غير تعيين.

(4)

وفاقًا لمالك والشافعي، ووقته وقت صلاة الضحى، وتقدم لحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين بدا حاجب الشمس، رواه أبو داود، قال الشارح، وليس لها وقت معين، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي، بغير خلاف، ولا تقيد بزوال الشمس، فيجوز فعلها كسائر النوافل، واستنبط بعضهم أنها لا تصلى بالليل، من كونه جهر فيها بالقراءة، كالعيد وذكر ابن حبان أن خروجه صلى الله عليه وسلم لها في رمضان سنة ست من الهجرة.

ص: 542

(وإذا أراد الإمام الخروج لها (1) وعظ الناس) أي ذكرهم بما يلين قلوبهم من الثواب والعقاب (2)(وأمرهم بالتوبة من المعاصي (3) والخروج من المظالم) بردها إلى مستحقيها (4) لأن المعاصي سبب القحط، والتقوى سبب البركات (5) .

(1) أي لصلاة الاستسقاء وكذا نائبه.

(2)

وخوفهم العواقب، يقال: وعظه يعظه وعظًا وموعظة نصحه وذكره فاتعظ أي قبل الموعظة، والوعظ التخويف والتذكير، والنصح بما يلين القلوب، ويسوقها إلى التوبة، وإصلاح السيرة والسريرة، وفي التعريفات، الوعظ هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب.

(3)

أي وأمرهم الإمام بنفسه أو نائبه بالتوبة، وهي الرجوع، من: تاب إذا رجع، وهي واجبة على الفور إجماعًا، ويشترط لها الندم على ما مضى من الذنوب، والإقلاع في الحال، والعزم على ترك العود في المستقبل، فإن كان الحق لآدمي فلا بد من رده إليه أو تحليله، والمعاصي جمع معصية وهي كل ما عصي الله به، ومنها المحرمات لحق الله وحق الآدميين.

(4)

لأن ذلك واجب، والمظالم ظلامات الآدميين، جمع مظلمة، فمرادهم بالمظالم حقوق الآدميين، وبالمعاصي حقوق الله تعالى فالمعاصي أعم من المظالم والظلم وضع الشيء في غير موضعه.

(5)

قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} وفي الحديث ما بخس قوم المكيال والميزان، إلا منعوا القطر من السماء، وقال مجاهد في قوله:{وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} قال: دواب الأرض تلعنهم، يقولون: يمنع عنا القطر بخطاياهم.

ص: 543

(و) أمرهم بـ (ترك التشاحن) من الشحناء وهي العداوة (1) لأنها تحمل على المعصية والبهت (2) وتمنع نزول الخير (3) لقوله عليه الصلاة والسلام «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت» (4)(و) أمرهم بـ (الصيام) لأنه وسيلة إلى نزول الغيث (5) ولحديث «دعوة الصائم لا ترد» (6)(و) أمرهم بـ (الصدقة) لأنها متضمنة للرحمة (7) .

(1) امتلأت منها النفس، وتشاحنوا تباغضوا، والمشاحن العدو المباغض، شديد العداوة، والعداوة الخصومة والمباعدة، والعدو ضد الصديق.

(2)

أي الكذب والافتراء، وتوجب غضب الرب جل وعلا.

(3)

من مطر وبركة ورحمة وغيرها.

(4)

يعني رفع علم تعيينها في يوم مخصوص، وهو صريح في أنه تقدم له علمها، والرجلان اللذان تلاحيا قيل: هما عبد الله بن أبي حدرد، وكعب بن مالك.

(5)

لما في الصيام من كسر الشهوة، والتذلل للرب تبارك وتعالى.

وقال جماعة ثلاثة أيام، يخرجون في اليوم الآخر منها، ولا يلزم بأمره مع وجوب طاعته، لأنه سنة وطاعته إنما تجب في الطاعة، وفي السياسة والتدبير والأمور المجتهد فيها من مصالح العامة، وما هنا ليس كذلك، وتسن في المسنون، وتكره في المكروه.

(6)

أي فعسى أن تقبل دعوته، وذكر ابن تميم وغيره الصدقة، ولم يذكر الصوم، والصيام لم يشرع له، والعبادة مبناها على التوقيف، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع فحيث ترك في عصر النبوة فتركه هو السنة.

(7)

المفضية إلى رحمتهم بنزول الغيث، وحكاه الجزولي اتفاقًا.

ص: 544

(ويعدهم) أي يعين لهم (يوما يخرجون فيه) ليتهيئوا للخروج، على الصفة المسنونة (1)(ويتنظف) لها بالغسل، وإزالة الروائح الكريهة، وتقليم الأظفار، لئلا يؤذي (2)(ولا يتطيب) لأنه يوم استكانة وخضوع (3)(ويخرج) الإمام كغيره (متواضعًا (4) متخشعًا) أي خاضعًا (5)(متذللاً) من الذل وهو الهوان (6) .

(1) لحديث عائشة قالت: «وعد الناس يوما يخرجون فيه» ، رواه أبو داود وغيره بسند جيد.

(2)

لأنه يوم يجتمع له، أشبه الجمعة، وقال ابن القيم وغيره: لا يسن الغسل لها، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه.

(3)

فلا يتطيب فيه وفاقًا، لأنه من كمال الزينة، وهذا يوم تواضع وانكسار، وتذلل وخشوع.

(4)

أي يخرج الإمام إلى المصلى كغيره متواضعًا وفاقًا، لأن التواضع لله من أسباب الإجابة والتواضع التذلل والتخشع ضد التكبر.

(5)

بقلبه وعينه ومشيه وجلوسه وغيرها، والخشوع سكون القلب على المقصود، من غير التفات إلى غيره، وسكون الجوارح في غير المفعول، وفي المطلع: التذلل ورمي البصر إلى الأرض، وخفض الصوت، وسكون الأعضاء، وقريب منه الخضوع، إلا أن الخشوع أكثر منه، يستعمل في الصوت والبدن، والخضوع في الأعناق وتقدم نحوه.

(6)

وهان هونًا وهوانًا، ذل وخضع، والهون السكينة، أي خرج مستكينًا خاضعًا متذللاً، في هيئته وثيابه.

ص: 545

(متضرعا) أي مستكينًا (1) لقول ابن عباس: خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعًا متخشعًا متضرعًا، قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2)(ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ) لأنه أسرع لإجابتهم (3)(والصبيان المميزون) لأنه لا ذنوب لهم (4) وأبيح خروج طفل وعجوز وبهيمة (5) .

(1) بلسانه إلى الله في كلامه وفي مشيه وجلوسه، مبتهلاً إلى الله، مع حضور القلب، وامتلائه بالهيبة والخوف من الله متصاغرًا ومتعرضًا في جلب الحاجة.

(2)

ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وقال ابن حبان: في رمضان سنة ست من الهجرة وروي مبتذلاً، أي لابسًا ثياب البذلة، وهي ما يلبس من ثياب المهنة وقت العمل، تاركًا ثياب الزينة، تواضعًا لله تعالى، وإظهارا للافتقار إليه، وإرادة جبر الانكسار متخشعًا أي خاضعًا، مظهرًا للخشوع، ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل، متضرعًا أي مظهرًا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة، أو باللسان في أنواع الذكر.

(3)

أي فخروجهم أشد استحبابًا، وإلا فيستحب الخروج لكافة الناس، والشيوخ جمع شيخ، وله جموع كثيرة، وهو من جاوز الخمسين سنة.

(4)

أي فيستحب إخراجهم، وفاقًا لمالك والشافعي، لأنهم يكتب لهم، ولا يكتب عليهم، فترجى إجابة دعائهم، وفي الفصول: نحن لخروج الصبيان أشد استحبابًا والصبيان بكسر الصاد وضمها لغتان، أفصحهما وأشهرهما الكسر.

(5)

لأن الأطفال خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، وعيال من عياله، والرزق مشترك بين الكل قال الله تعالى:{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} وروى البزار وغيره مرفوعًا «لولا أطفال رضَّع، وعباد ركَّع، وبهائم رتَّع، لصب عليكم البلاء

صبَّا» .

وقيل: يستحب إخراج العجائز، وفاقًا لأبي حنيفة، ويكره من النساء ذوات الهيئات وفاقًا، خوف الفتنة، والتفات القلوب إليهن عن الخضوع لله، والتضرع بين يديه، ولأن القصد إجابة الدعاء، وضررهن أكثر، وفي الشرح: لا يستحب إخراج البهائم لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وأخرج الحاكم وغيره أن سليمان عليه السلام خرج ليستقي فرأى نملة مستلقية وهي تقول:«اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن رزقك، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم، ويؤمر سادة العبيد بإخراج عبيدهم، رجاء استجابة دعائهم، لانكسارهم بالرق، وفي الصحيح، «وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» .

ص: 546

والتوسل بالصالحين (1)(وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين) بمكان (2) لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (3)(لا) إن انفردوا (بيوم (4)) .

(1) أي التوسل بالدعاء منهم، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وتوسل عمر بالعباس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ومعاوية بيزيد الجرشي، لأن دعوة الصالح مستجابة، وأما التوسل بذوات الصالحين فكالإقسام بهم، ولا يقسم على الله بأحد من خلقه، ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة، بل يقتضي تركه والنهي عنه.

(2)

لم يمنعوا وانفرادهم لئلا يصيبهم عذاب فيعمهم، وكذا كل من يخالف دين الإسلام.

(3)

يحذر تعالى عباده المؤمنين فتنة اختبار أو محنة، يعم بها المسيء وغيره، لا يخص بها العاصي، أي اتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم.

(4)

وكذا نساؤهم وصبيانهم ورقيقهم وعجائزهم مثلهم، أما الشابة فتمنع بلا خلاف.

ص: 547

لئلا يتفق نزول غيث يوم خروجهم وحدهم، فيكون أعظم لفتنتهم (1) وربما افتتن بهم غيرهم (2)(لم يمنعوا) أي أهل الذمة لأنه خروج لطلب الرزق (3)(فيصلي بهم) ركعتين كالعيد لما تقدم (4) .

(1) فيقولون: هذا حصل بدعائنا وإجابتنا، ولا يبعد أن يجيبهم الله، لأنه ضمن أرزاقهم.

(2)

من ضعفاء العوام فقالوا: هذا حصل بهم.

(3)

والله تعالى ضمن أرزاقهم، كما ضمن أرزاق المسلمين، ويكره إخراجنا لهم وفاقًا، لأنهم أعداء الله فهم أبعد إجابة.

(4)

يعني من قول ابن عباس: سنة الاستسقاء سنة العيدين، ولما يأتي من قوله: صنع في الاستسقاء كما صنع في العيد، وقد دلت الأحاديث الصحيحة الشهيرة على مشروعية صلاة الاستسقاء، وهو قول جمهور السلف والخلف، إلا أبا حنيفة وتقدم أنها سنة مؤكدة، ولا التفات لخلافه، وفي الصحيحين: «خرج بالناس يستسقي فصلى بهم ركعتين، جهر بالقراءة فيهما، وحول رداءه، ورفع يديه، واستسقى واستقبل القبلة، وقال البغوي: السنة في الاستسقاء أن يخرج إلى المصلى، فيبدأ بالصلاة، فيصلي ركعتين مثل صلاة العيد، وذكر التكبيرات ثم قال: ويجهر فيهما بالقراءة ثم يخطب، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي، وهو قول الشافعي وأحمد اهـ والمرجح عند الشافعية والمالكية البداءة بالصلاة، قبل الخطبة، قال النووي: وبه قال الجماهير، وقال آخرون: هو مذهب العلماء كافة، وليس بإجماع، فقد ذهب قوم إلى جواز البداءة بالخطبة للأخبار، وحملها بعضهم على الجواز، ولمسلم: خرج ليستسقي بالناس، فصلى ركعتين ثم استسقى، وهو أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بسبح والغاشية، وفي النصيحة: في الأولى {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} وفي الثانية ما أحب.

ص: 548

(ثم يخطب) خطبة (واحدة)(1) لأنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب بأكثر منها (2) ويخطب على منبر (3) ويجلس للاستراحة ذكره الأكثر، كالعيد في الأحكام (4) والناس جلوس قاله في المبدع (5)(يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد)(6) .

(1) هذا المذهب عند أكثر الأصحاب.

(2)

ولأبي داود وغيره: ولم يخطب خطبكم هذه أي كما يفعل في الجمعة، ولكن خطبة احدة، وقال الزيلعي: ولم يرو أنه خطب خطبتين، وعنه: خطبتين وفاقا لمالك والشافعي، واختاره الخرقي وابن حامد وعبد العزيز وغيرهم، والأمر واسع والاتباع أولى، ومحل الخطبة بعد الصلاة، وهو مذهب مالك والشافعي، قال ابن عبد البر وغيره: وعليه جماعة الفقهاء، لما رواه أحمد وغيره، عن أبي هريرة قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا، وكالعيد وعنه: قبلها كالجمعة، لما تقدم في الصحيح، وروي عن عمر وابن الزبير، وعنه يخير، والأول هو الأفضل، لأنه أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم واستمر عمل أكثر المسلمين عليه.

(3)

وتقدم في العيدين أنه يخطب على منبر، وعن عائشة، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، رواه أبو داود وغيره بسند جيد، فيستحب للإمام صعود المنبر لخطبة الاستسقاء للآثار وقياسًا على غيرها.

(4)

أي ويجلس إذا صعد المنبر للاستراحة ليتراد إليه نفسه.

(5)

وفي الفروع: وفاقًا، ولأنه لم ينقل غيره، واستمر عمل المسلمين عليه.

(6)

وعنه: بالحمد وهو رواية عن مالك، واختاره الشيخ وصاحب الفائق، واستظهره ابن رجب وتقدم، وعن عائشة رضي الله عنها، قال:«إنكم شكوتم جدب دياركم» ، ثم قال:«الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم» ، إلخ قال غير واحد: ولم تأت رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه افتتح الخطبة بغير التحميد.

ص: 549

لقول ابن عباس صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء كما صنع في العيد (1)(ويكثر فيها الاستغفار (2) وقراءة الآيات التي فيها الأمر به) كقوله {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الآيات (3) قال في المحرر والفروع: ويكثر فيها الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك معونة على الإجابة (4) .

(1) وأصله في السنن وغيرها بلفظ: صلى فيها كما يصلي في العيد، وأما افتتاح الخطبة بالتكبير فخلاف سائر خطبه صلى الله عليه وسلم.

(2)

لأنه سبب لنزول الغيث، وخرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت، قال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء، الذي يستنزل به المطر ثم قرأ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وعن علي نحوه، والمجاديح واحدهامجدح، قال أهل اللغة: المجدح كل نجم كانت العرب تقول يمطر به، فأخبر عمر أن الاستغفار هو المجاديح الحقيقية التي يستنزل بها القطر، لا الأنواء، وإنما قصد التشبيه، وقيل مجاديحها مفاتيحها وهي رواية.

(3)

وتمامها {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} وكقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} وغيرها لأن الاستغفار سبب لنزول الغيث، والمعاصي سبب لانقطاعه، والاستغفار، والتوبة يمحوان المعاصي.

(4)

قال تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} وفي الحديث «إن الله يحب الملحين في الدعاء» ، ولأن الدعاء هو السبب في إرسال الأمطار، وعن عمر قال: الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي، وتقدم أن من أكبر أسباب استجابة الدعاء الثناء على الله عز وجل، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم ويكبر فيها كالعيد، وفاقًا لمالك والشافعي.

ص: 550

(ويرفع يديه) استحبابا في الدعاء (1) لقول أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وكان يرفع حتى يرى بياض إبطيه، متفق عليه (2) وظهورهما نحو السماء لحديث رواه مسلم (3) .

(1) قال في الإنصاف: بلا نزاع، ويرفعون أيديهم، لحديث أنس، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، ويؤمنون جلوسًا، ويكثر من الدعاء قائمًا، ويلح في الدعاء، لأنه السبب الأكبر في استنزال الغيث.

(2)

لعل المراد: لم أره يرفع، أو لم يرفع كما يرفع في الاستسقاء، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من غير وجه أنه كان يرفع يديه في الدعاء ما يزيد عن ثلاثين حديثًا، والدعاء ثلاثة أقسام، أحدها أن تسأل الله بأسمائه وصفاته، الثاني أن تسأله بحاجتك وفقرك إليه ونحو ذلك، والثالث أن تسأل حاجتك، والأول أكمل من الثاني، والثاني أكمل من الثالث، فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل، وهذه عامة أدعية النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

ولفظه: أشار بظهر كفيه إلى السماء، وذلك والله أعلم مبالغة في الرفع، واختار الشيخ أن تكون بطونهما نحو السماء، وقال: صار ظهور أكفهما نحو السماء لشدة الرفع، لا قصدًا منه، وإنما كان توجه ببطونهما مع القصد، وعن ابن عباس مرفوعًا، «إذا دعوت فادع بباطن كفيك، ولا تدع بظهورهما» رواه أبو داود، ويدعو قائما كسائر خطبه.

ص: 551

(فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم تأسيًا به (1)(ومنه) ما رواه ابن عمر (اللهم اسقنا) بوصل الهمزة وقطعها (2)(غيثًا) أي مطرًا (3)(مغيثًا) أي منقذًا من الشدة يقال: غاثه وأغاثه (4)(إلى آخره) أي آخر الدعاء، أي هنيئًا مريئًا (5) .

(1) صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} وروى أبو داود عن عائشة أنهم شكوا إليه جدب ديارهم وتقدم، وفيه ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغًا إلى حين ثم رفع يديه إلخ.

(2)

وصل الهمزة حذفها لفظًا مع الدرج، وقطعها إثباتها مع الابتداء والدرج.

(3)

منقذًا بإروائه، ويطلق الغيث على النبات تسمية له باسم سببه.

(4)

وقد غاث الغيث الأرض، أي أصابها، وأغاث الله البلاد يغيثها غيثًا، أنزل عليها المطر، وقال ابن قتيبة: المغيث المحيي بإذن الله، وقال الأزهري وغيره هو الذي يغيث الخلق، ويشبعهم، وقال آخرون: منقذًا لنا مما استسقينا منه.

(5)

«هنيئا» بالمد والهمز، طيب المساغ، لا مشقة فيه ولا تنغيص، والمعنى ها منميًا للحيوان، من غير ضرر ولا تعب، وقيل: هو الطيب الذي لا ينغصه شيء، «ومريئًا» بالمد أيضا، سهلاً نافعًا، محمود العاقبة، منميًا للحيوان، لا وباء فيه، فالهنيء النافع ظاهرًا، والمريء النافع باطنًا، وفي لفظ «مريعًا» بالعين، وضم الميم، أي آتيَا بالريع، وهو الزيادة، من المراعة وهي الخصب، وروي «مربعًا» ، وروي «مرتعًا» .

ص: 552

غدقا مجللاً عامًا سحًّا طبقًا دائمًا (1) اللهم أسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين (2) اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق (3) .

(1)«غدقًا» بكسر الدال وفتحها، كثير الماء والخير، أو كثير القطر، وأعدق المطر، واغدودق، كبر قطره، ومجللاً، على صفة اسم الفاعل، من المضعف، أي ساترا للأفق، لعمومه، أو يجلل الأرض يعمها، وقال الأزهري: هو الذي يعم البلاد والعباد نفعه، ويتغشاهم خيره، و «عاما» أي شاملاً مستوعبًا للأرض، و «سحا» أي صبَّا من سحَّ يسحَّ: إذا جرى من فوق إلى أسفل، أو من ساح يسيح، إذا جرى على وجه الأرض، وقال الأزهري: هو المطر الشديد، و «طبقا» بالتحريك أي يطبق البلاد مطره أي يستوعبها، وبدأ بالعام ثم أتبعه بالسح، والطبق لأنهما صفتان زائدتان في العام، فقد يكون عاما، وهو طل يسير، ودائمًا أي متصلاً إلى أن يحصل الخصب، وإلى انتهاء الحاجة وتمام الحديث «نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل» ، رواه أبو داود، وللشافعي، عن سالم بن عبد الله عن أبيه نحوه، وفي الصحيحين «اللهم أغثنا» ثلاثًا، من الإغاثة بمعنى المعونة، أو من طلب الغيث، أي هب لنا غيثًا، أو ارزقنا غيثًا.

(2)

أي الآيسين من الرحمة، رواه الشافعي وغيره، والغيث المطر، وغيثت الأرض، فهي مغيثة ومغيوثة، ولأبي داود، كان إذا استسقى قال:«اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت» .

(3)

رواه الشافعي عن المطلب بن حنطب مرسلاً، وأكثره في الصحيحين والسقيا بضم السين اسم من قولك: سقاه الله وأسقاه، ومضافة فيهما أي اسقنا سقيا رحمة، وهو أن يغاث الناس غيثًا، نافعًا، لا ضرر فيه ولا تخريب والهدم بسكون الدال والغرق بفتح الغين والراء.

ص: 553

«اللهم إنَّ بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك (1) اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرَّ لنا الضرع (2) وأسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك (3) اللهم ارفع عنا الجوع والجهد والعري (4) واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك (5) .

(1) ذكره الشافعي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم و «اللأواء» بالمد شدة المجاعة، والمراد السنة، والجهد بضم الجيم قلة الخير، وبفتحها المشقة وسوء الحال والغاية، والضنك بفتح الضاد الضيق في المعيشة، والشدة بالكسر المجاعة، اسم من الاشتداد وهي الصلابة واحدة الشدائد، أي المكاره «ما لا نشكوه إلا إليك» ، أي ما لا نخبر به سواك.

(2)

هو لكل ذات ظلف أو خف بمنزلة الثدي للمرأة، جمعه ضروع، مدر اللبن.

(3)

أي المطر، ولم يذكر هنا وبركات الأرض وهو في الحديث المذكور وبركات السماء كثرة مطرها، مع الريع والنماء، وبركات الأرض ما يخرج منها من زرع ومرعى، والسماء هنا السحاب، وتقدم أن كل ما علاك فهو سماء.

(4)

الجوع اسم جامع للمخمصة، ضد الشبع، والجهد بالفتح المشقة، وجهد الناس فهم مجهودون إذا أجدبوا والعري بالضم خلاف اللبس، أي نسأله تعالى رفع هذه المصائب.

(5)

رواه الشافعي وغيره عن ابن عمر، ولأبي داود عن جابر «اللهم اسقنا غيثًا مغيثًا مريئًا مريعًا، نافعا غير ضار، عاجلا غير آجل» ، ومنه ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم اللهم اسق عبادك وبهائمك، ففي إضافتهما إليه تعالى مزيد الاستعطاف فالعباد كالسبب للسقي، والبهائم ترحمه فتسقى، وفي الخبر «لولا البهائم لم تمطروا» «وانشر رحمتك» أي ابسط مطرك ومنافعه، وأحي بلدك الميت وفيه تلميح بقوله:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} «اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين» .

ص: 554

«اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا (1) فأرسل السماء علينا مدرارا» (2) ويسن أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة (3) ويحول رداءه، فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن (4) .

(1) أي لم تزل تغفر ما يقع من هفوات عبادك.

(2)

ذكره الشافعي عن ابن عمر، وفي الآية {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا *} والسماء هنا السحاب، أي نسألك أن ترسل علينا المطر مدرارا، أي دائما إلى انتهاء الحاجة، قال النووي: بكسر الميم كثير الدر ومعناه مطر كثير.

(3)

ولمسلم: فقام فدعا الله قائمًا، ثم توجه قبل القبلة، وحول رداءه.

(4)

لما في الصحيحين أنه حول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه ولمسلم، حول رداءه حين استقبل القبلة، زاد البخاري، جعل اليمين على الشمال، وزاد ابن ماجه وابن خزيمة: والشمال على اليمين، ولأحمد وغيره من حديث أبي هريرة: خطب ودعا الله، وحول وجهه نحو القبلة، رافعا يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، ونقل تحويل الرداء جمع، وفيه حجة على استحباب استقبال القبلة في سائر الطاعات إلا ما خرج بدليل كالخطبة ونحوها.

ص: 555

ويفعل الناس كذلك (1) ويتركونه حتى ينزعوه مع ثيابهم (2) ويدعو سرًا (3) فيقول: «اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا» (4) .

(1) أي يحولون أرديتهم، فيجعلون ما على الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، لأن ما ثبت في حقه صلى الله عليه وسلم ثبت في حق غيره، ما لم يقل دليل على اختصاصه، ولأحمد: وحول الناس معه أرديتهم، واستحبه جماهير العلماء، مالك وأحمد والشافعي وغيرهم، حكاه الوزير والحافظ وغيرهما، وقال الموفق: في قول أكثر أهل العلم، وللدارقطني عن جعفر بن محمد، عن أبيه أنه صلى الله عليه وسلم حول رداءه، ليتحلو القحط، وقيل: الحكمة أنه للتفاؤل بتحويل الحال، عما هي عليه، وقال النووي: شرع تفاؤلاً بتغيير الحال من القحط إلى نزول الغيث والخصب، ومن ضيق الحال إلى سعته.

(2)

لعدم نقل إعادته.

(3)

حال استقبال القبلة وفاقًا، لأنه أقرب إلى الإخلاص، وأبلغ في الخشوع، وأسرع في الإجابة قال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وإنما استحب الجهر ببعضه ليسمع الناس، فيؤمنون على دعائه.

(4)

إنك لا تخلف الميعاد، لأن في ذلك استنجازًا لما وعد من فضله، حيث قال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} وإن قال: اللهم فامنن علينا بمغفرة ذنوبنا وإجابتنا في سقيانا، وسعة أرزاقنا: ثم يدعو بما شاء من أمر دين أو دنيا، وإن دعا بغير ما مر فلا بأس، وفي الإقناع وغيره: فإذا فرغ من الدعاء استقبلهم، ثم حضهم على الصدقة والخير، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويقرأ ما تيسر، ثم يقول: أستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين، أو نحوه، وقد تمت الخطبة.

ص: 556

فإن سقوا وإلا عادوا ثانيًا وثالثًا (1)(وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله (2) وسألوه المزيد من فضله) ولا يصلون (3) إلا أن يكونوا تأهبوا للخروج فيصلونها شكرا لله، ويسألونه المزيد من فضله (4) .

(1) حكاه الوزير وغيره اتفاقًا، وألحوا في الدعاء، لأنه أرجى للإجابة، وتقدم:«إن الله يحب الملحين في الدعاء» ، ولقوله:«يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت، فلم يستجب لي» ، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك، فاستحب كالأول، ولأن العلة الموجبة للاستسقاء أولا هي الحاجة للغيث، والحاجة إلى الغيث قائمة، وإنما الأولى آكد، لورود السنة بها، وثانيًا وثالثًا أي عودًا ثانيًا وثالثًا صفة لمصدر محذوف، وإن نقصت العيون أو غارت وتضرر الناس، فقال أصبغ: استسقى للنيل خمسة وعشرين يومًا متوالية، وحضره ابن وهب وابن القاسم، وجمع صالحون فلم ينكر، وقال ابن حبيب: لا بأس أن يستسقى لإبطاء النيل، فيستحب الاستسقاء لذلك، كما يستحب لانقطاع المطر، وقال الأصحاب: لم ينقل وغار النيل وغيره في زمن عمر وتوفر الصحابة ولم يستسقوا.

(2)

على ما أولاهم من فضله، قال تعالى:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} .

(3)

لحصول المقصود من فضل الله ونعمته.

(4)

لأن الصلاة لطلب رفع الجدب، ولا يحصل بمجرد نزول المطر، وقد أمر الناس بالشكر على ما أولى، ومنه العمل وأفضله الصلاة وقد تأهبوا لها، وعزموا على فعلها، وهذا اختيار القاضي، وعبارة المغني والشرح: وإن تأهبوا فسقوا قبل خروجهم لم يخرجوا وشكروا الله، وحمدوه على نعمه اهـ، وإن سقوا بعد خروجهم فقال في المبدع: صلوا وجهًا واحدًا، وفي الإنصاف: بلا خلاف أعلمه.

ص: 557

(وينادى) لها (الصلاة جامعة) كالكسوف والعيد (1) بخلاف جنازة وتراويح (2) والأول منصوب على الإغراء (3) والثاني على الحال (4) وفي الرعاية، برفعهما وبنصبهما (5) .

(وليس من شرطها إذن الإمام) كالعيدين وغيرهما (6)(ويسن أن يقف في أول المطر (7) .

(1) هذا المذهب والصحيح عند جماهير أهل العلم أن النداء مختص بالكسوف، وقال الشيخ: القياس على الكسوف فاسد الاعتبار اهـ.

وأجمعوا على أنه لا أذان ولا إقامة، والنداء الصوت «ينادى» أي بصوت.

(2)

أي فلا ينادي لهما لعدم وروده.

(3)

وهو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه.

(4)

والحال لفظ يدل على هيئة الفاعل والمفعول به، والمعنى: احضروا الصلاة أو الزموها حالة كونها جامعة للناس، أو مطلوب جمع المكلفين لها، أو ذات جماعة.

(5)

فرفعهما على الابتداء والخبر، ونصبهما على الإغراء، وعلى الحال كما قرره الشارح.

(6)

أي كما أنه ليس من شروط صلاة العيدين وغيرهما، فليس من شروطها لا في الخروج، ولا في الصلاة، ولا في الخطبة، لأنها نافلة أشبهت سائر النوافل فيفعلها المسافر وأهل القرى.

(7)

ليصيبه منه، ويقول:«اللهم صيبا نافعًا» ، لما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال:«اللهم صيبا نافعا» ، أي اجعله صيبًا نافعًا، أي منهمرًا متدفقًا، ونافعًا، صفة لصيب، احترز بها عن الصيب الضار، وفي رواية: صيبًا هنيئًا، ويقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، كما سيأتي وروي حديث ضعيف مرفوع:«يستجاب الدعاء عند ثلاثة التقاء الجيوش وإقامة الصلاة، ونزول الغيث» ، وقال الشافعي وغيره: حفظت من غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث.

ص: 558

وإخراج رحله وثيابه ليصيبها (1) لقول أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهد بربه، رواه مسلم (2) وذكر جماعة: ويتوضأ ويغتسل (3) لأنه روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول إذا سال الوادي «اخرجوا بنا إلى الذي جعله الله طهورا فنتطهر به» (4) وفي معناه ابتداء زيادة النيل ونحوه (5) .

(1) أي المطر، وهو الاستمطار وروى الشافعي، وغيره أن ابن عباس أمر غلامه بإخراج فراشه ورحله ليصيبه المطر، فقيل له: لم تفعل؟ فقال: أما تقرأ {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي، والرحل في الأصل مركب للبعير، وما يستصحبه من الأثاث، وهو المراد هنا.

(2)

حسر ثوبه أي عن بعض بدنه، و «حديث عهد بربه» ، أي جديد قريب لم يتناول بعد، ولم يتغير بملابسة شيء.

(3)

منهم صاحب الإقناع، وفي المنتهى: الغسل، وجزم بهما الشافعية، واقتصر الموفق والشارح على الوضوء.

(4)

رواه الشافعي مرسلاً، فيدل على المشروعية، و «سال الوادي» أي سال ماؤه.

(5)

كالأنهار والعيون، ولم أره لغيره من الأصحاب ولا غيرهم، ولم يرد به أثر، ولا يصح فيه القياس.

ص: 559

(وإذا زادت المياه وخيف منها (1) سن أن يقول: اللهم حوالينا) أي أنزله حوالي المدينة، في مواضع النبات (2)(ولا علينا) في المدينة، ولاغيرها من المباني (3)(اللهم على الظراب) أي الروابي الصغار (4)(والآكام) بفتح الهمزة تليها مدة، على وزن آصال (5) وبكسر الهمزة بغير مد، على وزن جبال (6) .

(1) أي زادت عن حاجتهم وخافوا الضرر من زيادة المياه.

(2)

أي سن سؤالهم أن يكشفه عنهم، ويجعله في الأودية والمراعي التي تحيط بهم ولا يضرها، من غير صلاة، باتفاق أهل العلم، لأن الضرر بزيادة المياه أحد الضررين، فاستحب الدعاء لإزالته، وكذا إن زادت مياه العيون بحيث يضر استحب الدعاء لتخفيفه، «وحوالينا» جمع حوال، وإن كان ظاهره التثنية وقيل تثنية حوال، ولمسلم «حولنا» ، وحولنا وحوالينا وحولينا، كلها بمعنى.

(3)

أي لا تنزله على الأبنية والطرق، فهو بيان للمراد بالذي قبله، لشموله للأبنية والطرق التي حواليهم.

(4)

حكاه الجوهري وغيره، فهي دون الجبل، وفوق الرابية، والظراب بكسر الظاء المشالة جمع ظرب بكسر الراء، خصها بالطلب لأنها أطيب للراعية من شواهق الجبال، وللبخاري على رءوس الجبال، وفي لفظ «ظهور الجبال» .

(5)

جمع أكم ومفرده أكمة، وقال ابن سيده: والجمع أكَم وأكم وأكُم وإكّام، وقال ابن جني: آكم.

(6)

قال في اللسان: ويجوز أن يكون آكام كجبل وأجبال، وفي المطلع: الأكمة مفرد، جمع أربع مرات أكمة ثم أكم بفتح الهمزة والكاف، ثم إكام كجبال، ثم أكم كعنق، ثم آكام كآصال.

ص: 560

قال مالك: هي الجبال الصغار (1)(وبطون الأودية) أي الأمكنة المنخفضة (2)(ومنابت الشجر) أي أصولها لأنه أنفع لها (3) لما في الصحيح أنه عليه السلام كان يقول ذلك (4)(ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به)(5) .

(1) وقيل: هي التراب المجتمع، وقيل: الهضبة الضخمة، وقيل: الجبل الصغير، وقال عياض: ما ارتفع من الأرض وعلا، ولم يبلغ أن يكون جبلاً، وكان أكثر ارتفاعًا مما حوله كالتلول ونحوها.

(2)

والمراد بها ما يتحصل فيها الماء لينتفع به.

(3)

ولا ضرر فيه، والمنبت كمجلس ومقعد، موضع النبات، جمعه منابت، وعند العرب، وإنه لفي منبت صدق، في أصل صدق.

(4)

متفق عليه، عن أنس من طرق وفيه من الفوائد معنى التعليل، لئلا يكون علينا، وفيه تعليمنا الأدب حيث لم يدع برفعه مطلقاً، لأنه قد يحتاج إلى استمراره، بالنسبة لبعض الأودية والمزارع، فطلب منع ضرره، وكشفه عن البيوت والمرافق والطرق بحيث لا يتضرر به سالك، ولا ابن سبيل، وسأل بقاء نفعه على بطون الأودية وغيرها، وأنَّ من وصلت إليه نعمة لا يتسخط بعارض قارنها، بل يسأل الله رفعه وبقاءها وأن الدعاء برفع المضر لا ينافي التوكل.

(5)

هكذا بخط المصنف بإسقاط الواو، والتلاوة بإثباتها، ولعله لعدم ما يعطف عليه، وكذا في المنتهى وغيره، أي لا تحملنا من البلاء والمحن والمشاق، والمصائب ما لا طاقة لنا به، أتى بها لأنها تناسب الحال، فاستحب قولها، كالأقوال اللائقة بمحالها، ويدعو كذلك لزيادة ماء العيون والأنهار، بحيث يتضرر بالزيادة قياسا على المطر.

ص: 561

أي لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق (1)(الآية) أي (واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين)(2) ويستحب أن يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته (3) ويحرم بنوء كذا (4) .

(1) هذا تفسير لقوله تعالى: {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} فلعله سبق قلم.

(2)

اعف عنا: أي تجاوز عنا ذنوبنا وامحها عنا، واصفح عنا فيما بيننا وبينك، مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا واغفر لنا أي استر علينا، ولا تفضحنا فيما بيننا وبين عبادك، فلا تظهرهم على مساوينا، وارحمنا فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر، فإننا لا ننال العمل ولا ترك معصيتك إلا برحمتك والسنة أن يسألوا الله في نحو خطبة الجمعة، وأعقاب الصلوات لأنه نازلة.

(3)

لما ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال:«هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب» .

وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب، فأخبر أن العباد قسمان، فيسن أن يقول في إثر المطر، مطرنا بفضل الله ورحمته.

(4)

أي يحرم قول: مطرنا بنوء النجم النلاني، ولعل مراده إذا قصد نسبة الفعل إلى الله بسبب النجم، وأما نسبة الفعل إلى النجم فكفر إجماعًا كما ذكره الشارح وأدخلوه في باب الاستسقاء لأن العرب كانت تنتظر السقيا في الأنواء، والنوء النجم مال للغروب، جمعه أنواء، وهي ثمانيه وعشرون منزلة للقمر، يسقط في المغرب كل ثلاث عشرة ليلة، منزلة مع طلوع الفجر، ويطلع أخرى تقابلها ذلك الوقت، في المشرق، وتنقضي جميعها مع انقضاء السنة الشمسية كبروج الشمس، وتقدم وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة، وطلوع نظيرها يكون مطر، فينسبونه إليها، فيقولون: مطرنا بنوء كذا، وسمي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط بالمغرب ناء الطالع بالمشرق.

ص: 562

ويباح في نوء كذا (1) وإضافة المطر إلى النوء دون الله كفر إجماعًا قاله في المبدع (2) .

(1) كما لو قال: مطرنا في شهر كذا فإنه لا بأس بذلك.

(2)

وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية، كاعتقادهم في الأموات والغائبين لجلب نفع أو دفع ضر.

تتمة

قال ابن القيم: المطر معلوم عند السلف والخلف أن الله تعالى يخلقه من الهوى، ومن البخار المتصاعد، لكن خلقه للمطر من هذا كخلق الإنسان من نطفة، وخلقه للشجر والزرع من الحب والنوى، ولم يخلق شيئًا إلا من مادة اهـ وإذا رأى سحابًا أوهبت ريح سأل الله من خيره، وتعوذ من شره، ولا يجوز سب الريح، لما في الصحيح «الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها» .

وإذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال:«اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك» ، ويستحب أن يقول: سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، لما صح أن ابن الزبير كان إذا سمعه ترك الحديث وقال ذلك، وقال مجاهد: الرعد ملك، والبرق أجنحته يسقن السحاب، قال الشافعي: ما أشبهه بظاهر القرآن يعني قوله: {والمدبرات أمرًا} وللترمذي وصححه «معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله» فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: «زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر» ولا يتبع بصره البرق أو الرعد أو المطر.

قال الماوردي: لأن السلف الصالح كانوا يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق، ويقولون عند ذلك:«لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبوح قوس» فيختار الاقتداء بهم في ذلك، وروي عن ابن مسعود قال: أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكواكب إذا انقضت، وأن نقول عند ذلك: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله فيستحب أن يقول إذا انقض كوكب ما شاء الله لا قوة إلا بالله.

وإذا سمع نهيق حمار أو نباح كلب قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا سمع صياح الديك سأل الله من فضله وورد أن قوس قزح أمان من الغرق، وهو من آيات الله، ودعوى العامة: إن غلبت حمرته كانت الفتن، وإن غلبت خضرته كان رخاءً وسرورًا، هذيان.

آخر المجلد الثاني من حاشية الروض المربع ويليه المجلد الثالث

وأوله كتاب الجنائز.

ص: 563