الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(قائلا إمام ومنفرد سمع الله لمن حمده) مرتبا وجوبا (1) لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقول ذلك، قاله في المبدع (2) ومعنى سمع استجاب (3)(و) يقولان (بعد قيامهما) واعتدالهما (ربنا ولك الحمد)(4) .
(1) فلا يقدم لمن حمده على سمع الله قال الموفق وغيره: لا نعلم خلافا في المذهب في مشروعية التسميع للإمام والمنفرد، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
(2)
أي يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع متفق عليه، وقال: صلوا كما رأيتموني أصلي، وقال لبريدة إذا رفعت رأسك من الركوع، فقل: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد رواه الدارقطني.
(3)
أي أجاب فسمع سماع قبول وإجابة، وعدي باللام لتضمنه معنى استجاب له، وقال النووي: أي تقبل الله منه حمده وجازاه به.
(4)
إجماعا لما في الصحيحين ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد، ولغيره من الأدلة، و
الاعتدال ركن في كل ركعة
، لقوله: حتى تعتدل قائما، واعتدل استقام وفي لفظ حتى تطمئن قائما متفق عليه وفيهما وإذا رفع رأسه استوى قائما، حتى يعود كل فقار إلى مكانه، وفي السنن وصححه الترمذي لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم صلبه في الركوع، والسجود أي عند رفعه منهما، قال الشيخ: وهو صريح في أنه لا تجزئ الصلاة حتى يعتدل الرجل من الركوع، وينصب من السجود، وفي الصحيح أن حذيفة رأى رجلا لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فقال: منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ كذا وكذا، فقال: أما إنك لو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صلى الله عليه وسلم وأخرج معناه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل الرفع بقدر الركوع وقوله: ما خلا القيام والقعود قيام القراءة، وقعود التشهد، وما سواهما قريب من السواء، وفي صحيح مسلم: كان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول قد أوهم، فمن إتمام الصلاة إطالة الاعتدال، وإنما تصرف في تقصير الاعتدالين من الركوع والسجود أمراء بني أمية، وربا في ذلك من ربا حتى ظن أنه من السنة، والواو في قوله «ربنا ولك الحمد» عاطفة على مقدر بعد قوله: ربنا واستجب، أو: حمدناك، فهما جملتان قائمتان بأنفسهما، الأولى: أنت الرب والملك القيوم الذي بيده الأمور، ثم عطف على هذا المعنى المفهوم من قوله: ربنا، قوله: ولك الحمد، فجمع معنى الدعاء والاعتراف، ثم أخبر عن شأن هذا الحمد بقوله: ملء السموات إلخ، وقال في الفروع، أي سمع الله لمن حمده، فاستجب يا ربنا، ولك الحمد على ذلك، وقيل: معناه أن من حمده متعرضا لثوابه استجاب له وأعطاه ما تعرض له، فإنا نقول: ربنا ولك الحمد، لتحصيل ذلك، وقوله: ربنا ولك الحمد، مشروع في حق كل مصل، وقال الموفق وغيره: وهو قول أكثر أهل العلم للأخبار.
ملء السماء، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد أي حمدًا لو كان أجساما لملأ ذلك (1) .
(1) أي السماء والأرض، وما شاء الله من شيء بعد السماء والأرض، كالكرسي والعرش، وما لا يعلم سعته إلا الله، وهذا من التأويل المردود، بل الله عز وجل يمثل أعمال العباد وأقوالهم صورا، كما جاءت به الأخبار، وهو قادر أن يملأ ما جعلت فيه فيجرى الحديث على ظاهره وملء بالنصب أي حمدا ملء، وبالرفع على أنه صفة للحمد، والمعروف في الأخبار ملء السموات بالجمع
والأجسام جمع جسم، جماعة البدن، أو الأعضاء من الناس، وسائر الأنواع العظيمة الخلق، ولمسلم وغيره عن ابن عباس، كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبيد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وله: كان يقول: اللهم طهرني بالثلج والبرد، والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
وله قول: اللهم ربنا ولك الحمد (1) وبلا واو أفضل (2) عكس: ربنا لك الحمد (3) .
(و) يقول (مأموم في رفعه: ربنا ولك الحمد فقط) لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقولوا: ربنا ولك الحمد» متفق عليه من حديث أبي هريرة (4) .
(1) لوروده في الصحيح عن أنس في باب صلاة القاعد بلفظ وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، وهو أفضل من عكسه الآتي لكونه أكثر حروفا.
(2)
أي وقول: اللهم ربنا لك الحمد، بلا واو أفضل منه مع الواو، لورود الخبر به في حديث ابن أبي أوفى، وأبي سعيد.
(3)
أي بدون اللهم، وبلا واو، وهو جائز لورود الخبر به، وبلا واو أفضل مطلقا، للاتفاق عليه من حديث ابن عمر وأنس وأبي هريرة وغيرهم، واختاره الماتن وغيره، وإن عطس حال رفعه فحمد الله لهما جميعا لم يجزئه، ولم تبطل به، كما لو عطس عند ابتداء الفاتحة فقال:{الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ينوي بذلك عنهما.
(4)
فاقتصر صلى الله عليه وسلم على أمرهم بذلك، وهو ظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم قول ملء السماء إلخ، وعن أحمد وغيره ما يدل على أنه مسنون، وهو أنه قال: ليس يسقط عن المأموم غير سمع الله لمن حمده، واختار نية قول
ملء السماء إلى آخره أبو البركات وأبو الخطاب والآجري والمجد والموفق والشارح والشيخ وغيرهم، وهو مذهب الشافعي وأهل الحديث وغيرهم من أهل العلم، وما استدلوا به من الحديث لا حجة لهم فيه، فإنه لا يقتضي الاقتصار عليه، ولا ينافي الإتيان بالدعاء الثابت بعده، وكونه لم يذكره في هذا الخبر، فقد ذكره في غيره مما تقدم وغيره، مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه، ولأنه ذكر مشروع في الصلاة، أشبه سائر الأذكار، وفي الصحيح عن رفاعة: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ربنا ولك الحمد، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، فلما انصرف قال:«من المتكلم؟» فقال رجل: أنا. قال: «رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول» وصح عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه كان يقول ذلك، فثبتت سنيته، وقال الموفق وغيره على قول الخرقي وغيره: إن كان مأموما لم يزد على قول: ربنا ولك الحمد، لا نعلم خلافا في المذهب أنه لا يشرع للمأموم قول: سمع الله لمن حمده، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة والجمهور، لقوله: فقولوا، فإن الفاء للتعقيب، وهو ظاهر. قال الحافظ: ولم ينقل أنه يجمع بينهما.
وإذا رفع المصلي من الركوع فإن شاء وضع يمينه على شماله أو أرسلهما (1)(ثم) إذا فرغ من ذكر الاعتدال (يخر مكبرا)(2) ولا يرفع يديه (3) .
(1) بجانبه فيخير، نص عليه، والأول أولى، لثبوت وضعهما حال القيام، وعدم المخصص، ولأن الأصل أن كل قيام فيه ذكر مسنون، يضع فيه يمينه على شماله، وقد ثبت فيه الذكر، ولأن الوضع أبلغ في التعظيم من الإرسال.
(2)
أي يهوي ساجدا وفاقا، كسائر الانتقالات، من: خر يخر بالكسر خرورا، سقط وانكب على الأرض.
(3)
يعني حال انحداره بالسجود وفاقا، لقول ابن عمر: وكان لا يفعل ذلك
في السجود متفق عليه، وكذا لا يرفعهما حين يرفع رأسه من السجود، ولأنهما ينحطان لعبوديتهما، كما ينحط الوجه، فأغنى ذلك عن رفعهما، ولذلك لم يشرع رفعهما عند رفع رأسه من السجود، لأنهما يرفعان كما يوضعان معه.
(ساجدا على سبعة أعضاء (1) رجليه ثم ركبتيه ثم يديه ثم جبهته مع أنفه) (2) .
(1) والسجود فرض بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} والسجود لغة الخضوع والتذلل، وقيل لمن وضع جبهته في الأرض: سجد لأنه غاية الخضوع، ومنه سجود الصلاة، وهو وضع الجبهة على الأرض، ولا خضوع أعظم منه، والسجود شرعا ما ذكره رحمه الله، ويأتي كلام الشيخ أيضا، والعضو: كل عظم وافر من الجسد.
(2)
قال الوزير: وأجمعوا على مشروعيته، فيسجد على رجليه، ثم ركبتيه يضعهما على الأرض قبل يديه، لحديث وائل إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه رواه أهل السنن قال ابن القيم: وهو الصحيح، ولم يرو من فعله ما يخالف ذلك، ولحديث أبي هريرة: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع ركبتيه قبل يديه، ورواه الأثرم وابن أبي شيبة بلفظ إذا سجد أحدكم فيبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل، ورواية يديه قبل ركبتيه، لعله منقلب على بعض الرواة، يدل عليه أول الحديث وآخره، من رواية ابن أبي شيبة، وفسر قوله صلى الله عليه وسلم «وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير» أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود بروك البعير الذي أوطنه أهله، وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومهل، وروي عن بعض الصحابة ما يوافق ذلك، ولم ينقل عنهم خلافه، وهو قول جمهور السلف، وحكاه أبو الطيب عن عامة الفقهاء، والخطابي عن أكثرهم، وابن المنذر عن عمر وغيرهم، وسفيان والشافعي، وأحمد، وإسحاق وأصحاب الرأي وغيرهم.
ثم يضع الجبهة مع الأنف، قال في المبدع: بغير خلاف، لقول أبي حميد، كان إذا سجد أمكن جبهته وأنفه من الأرض، صححه الترمذي والمراد باليدين هنا الكفان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضع يديه حذو منكبيه وأذنيه باسطا كفيه وأصابعه لا يفرج بينهما ولا يقبضهما قال الترمذي: وهو الذي اختاره أهل العلم، وتكون يداه قريبا من أذنيه، قال الشارح: والجميع حسن.
لقول ابن عباس: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعظم (1) ولا يكف شعرا ولا ثوبا (2) الجبهة واليدين والركبتين والرجلين متفق عليه (3) .
(1) العظم جمعه عظام، ويسمى كل واحد عظما وإن اشتمل على عظام باعتبار الجملة، وعرفه الأطباء بأنه عضو بسيط يبلغ صلابته إلى حد لا يمكن ثنيه وللترمذي وصححه، إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وركبتاه وكفاه وقدماه، قال: وعليه العمل عند أهل العلم.
(2)
جملة معترضة بين المجمل والمبين أي لا يجمع ثيابه ولا شعره.
(3)
الجبهة هي مستوى ما بين الحاجبين إلى الناصية، واحتج بعضهم بهذا على وجوبه على الجبهة دون الأنف، وفي الصحيحين أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأشار بيده على أنفه، ولمسلم الجبهة والأنف، وله أيضا إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك وللترمذي أمر بوضع اليدين ونصب المرفقين وقال: وهو الذي أجمع عليه أهل العلم، واختاروه، والرجلان هما القدمان، وفي رواية والقدمين، وفي رواية أخرى، وأطراف القدمين، وهو مبين للمراد من الرجلين، والحديث ظاهر الدلالة على وجوب السجود على هذه الأعضاء، إذ هو غاية خشوع الظاهر وأجمع العبودية لسائر الأعضاء، بل فرض أمر الله به ورسوله وبلغه الرسول الأمة بقوله وفعله، ومن كماله مباشرة مصلاه بأديم وجهه
فيعفره في التراب استكانة وتواضعا، واعتماده على الأرض بحيث يناله ثقل رأسه، وارتفاع أسافله على أعاليه، وفي السنن فيسجد فيمكن وجهه، حتى تطمئن مفاصله، وتسترخي، ولذلك إذا رأى الشيطان ابن آدم ساجدا اعتزل ناحية يبكي، ويقول: يا ويله، أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت، فلي النار، وفي الأثر: ما من حالة يكون عليها العبد أحب إلى الله من أن يراه ساجدا، يعفر وجهه بالتراب، وثبت من طرق ما سجد العبد لله سجدة إلا رفع له بها حسنة، وحط عنها بها خطيئة والحث على السجود وذكر فضله وعظيم أجره معلوم من الدين بالضرورة، وهو سر الصلاة وركنها الأعظم، وخاتمة الركعة، وما قبله من الأركان كالمقدمة إليه، والساجد أقرب ما يكون إلى الله، فأفضل الأحوال حال يكون فيها أقرب إلى الله.
وللدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا (1)«لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض» (2) .
(1) يعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم والدارقطني هو أبو الحسن علي بن عمران تقدم، وعكرمة هو ابن عبد الله مولى ابن عباس، ثقة مات سنة مائة وسبع.
(2)
وأخرج الدارقطني أيضا عنه لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين وقد ثبت السجود على الأنف في أحاديث كثيرة، والجبهة والأنف حقيقة في المجموع وحكى ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده، وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم إذا سجد مكن جبهته وأنفه من الأرض، قال الشيخ: والسجود في لغة العرب لا يكون إلا إذا سكن حين وضع وجهه على الأرض، وأما مجرد الخفض فلا يسمى سجودا، ومن سماه سجودا فقد غلط على اللغة، وقال بغير علم في كتاب الله، وإذا حصل الشك هل هذا ساجد أو ليس بساجد؟ لم يكن ممتثلا بالاتفاق اهـ، وفي السنن إذا سجدت فمكن سجودك، ولو سجد على حشيش أو قطن أوثلج أو برد ونحوه ولم يجد حجمه لم يصح، لعدم المكان المستقر.
ولا تجب مباشرة المصلي بشيء منها (1) فتصح (ولو) سجد (مع حائل) بين الأعضاء ومصلاه (2) قال البخاري في صحيحه: قال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة (3) إذا كان الحائل (ليس من أعضاء سجوده)(4) فإن جعل بعض أعضاء السجود فوق بعض كما لو وضع يديه على فخذيه أو جبهته على يديه لم يجزئه (5) .
(1) أي من أعضاء السجود، وأجمعوا عليه في الركبتين والقدمين وأما الجبهة ففي الصحيحين كنا نصلي معه في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه، وأما اليدان فقول أكثر أهل العلم لحديث ابن عباس: رأيته يتقي الطين إذا سجد بكساء دون يديه رواه أحمد والمباشرة مأخوذة من البشرة، وهي ظاهر الجلد.
(2)
أي حائل متصل بين أعضاء السجود وبين موضع صلاته، وفاقا لمالك وأبي حنيفة وجمهور العلماء.
(3)
يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي عن ابن عمر أنه كان يسجد علىكور عمامته، وعنه لا يسجد على شيء من ذلك، وهو مذهب الشافعي، قال ابن القيم: وكان صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه، دون كور عمامته، ولم يثبت عنه السجود على كور عمامته من حديث صحيح ولا حسن اهـ والحسن هو ابن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار، والأنصاري مولاهم ثقة فقيه مشهور، مات سنة مائة وعشر، وقد قارب التسعين.
(4)
يعني بينها وبين مصلاه، فتصح ولا تكره على الصوف واللبود والبسط والطنافس وجميع الأمتعة ولا فيها قال النووي: وهو قول جماهير العلماء.
(5)
لإفضائه إلى تداخل أعضاء السجود وخلاف أمره وفعله صلى الله عليه وسلم.
ويكره ترك مباشرتها بلا عذر (1) ويجزئ بعض كل عضو (2) وإن جعل ظهر كفيه أو قدميه على الأرض (3) أو سجد على أطراف أصابع يديه (4) فظاهر الخبر أنه يجزئه، ذكره في الشرح (5) ومن عجز بالجبهة لم يلزمه بغيرها (6) .
(1) لحديث: إذا سدت فمكن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقرا، وحديث إنهم شكوا إليه حر الرمضاء في جباههم، قال الشيخ: دلت الأحاديث والآثار على أنهم في حال الاختيار يباشرون الأرض بالجباه، وعند الحاجة كالحر ونحوه يتقون بما يتصل بهم من طرف ثوب وعمامة، وقلنسوة، ولهذا كان أعدل الأقوال في هذه المسألة أن يرخص في ذلك عند الحاجة، ويكره عند عدمها اهـ، وحكمته أن القصد من السجود مباشرة أشرف الأعضاء، وهو الجبهة والأنف لمواطئ الأقدام ليتم الخضوع والتواضع للأقربية في خبر أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
(2)
من الأعضاء المذكورة إذا سجد عليه قالوا: لأنه لم يقيد في الأحاديث، والأمر جاء بالسجود عليها، وأجمعوا عليه والاجتراء بالبعض يحتاج إلى مخصص.
(3)
دون باطنهما، فذكر في الشرح أنه يجزئه.
(4)
أي وضع أطراف أصابعه فقط، دون يديه في حال السجود.
(5)
لأنه قد سجد على يديه، وكذا لو سجد على ظهر قدميه، وقال ابن حامد وغيره: لا يجزئه أن يسجد على أطراف أصابع يديه، وعليه أن يستغرق اليدين بالسجود.
(6)
من أعضاء السجود، لأنه الأصل وغير تبع، ومن عجز عن السجود على بعض الأعضاء سجد على بقيتها، وقرب العضو المريض من مصلاه غاية ما يمكنه.
ويومئ ما أمكنه (1)(ويجافي) الساجد (عضديه من جنبيه (2) وبطنه عن فخذيه) (3) وهما عن ساقيه (4) ما لم يؤذ جاره (5)(ويفرق ركبتيه) ورجليه (6) .
(1) أي يومئ عاجز عن السجود على جبهته غاية ما يمكنه وجوبا، لحديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وقيل: يلزم بالأنف إن أمكن، ومن سقط من قيام أو ركوع ولم يطمئن عاد، وإن اطمأن انتصب قائما وسجد، ومن سقط على جنبه بعد قيامه من الركوع، ثم انقلب ساجدا لم يجزئه سجوده، لأنه خرج عن سنن الصلاة وهيئتها، وإن سقط منه ساجدا أجزأه بغير نية، لأنه على هيئتها.
(2)
لحديث ابن بحينة إذا سجد تجنح في سجوده، حتى يرى وضح إبطيه متفق عليه، وفي رواية فرج بين يديه، أي نحى كل يد عن الجنب الذي يليها ولحديث أبي حميد: كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، ووضع يديه حذو منكبيه، صححه الترمذي، ولمسلم عن ميمونة: لو شاءت بهيمة أن تمر بين يديه لمرت.
(3)
لحديث أبي حميد: وإذا سجد فرج بين فخذيه، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه.
(4)
أي يجافي فخذيه عن ساقيه، لما في مسلم وغيره، فإذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك وغير ذلك، مما هو ظاهر في آكدية التفريج، وللطبراني بسند صحيح فإذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك، وهذه الحالات من كمال السجود، أن يكون على هيئة يأخذ كل عضو من البدن بحظه من الخضوع، ليستقل كل عضو منه بالعبودية، ولأنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، مع مغايرته لهيئة الكسلان.
(5)
الذي بجانبه فعل ذلك المسنون فيحرم، لحصول الإيذاء المحرم.
(6)
لأنه صلى الله عليه وسلم إذا سجد فرق بين فخذيه.
وأصابع رجليه، ويوجهها إلى القبلة (1) وله أن يعتمد بمرفقيه على فخذيه إن طال (2) .
(ويقول) في السجود (سبحان ربي الأعلى)(3) .
(1) أي ويفرق بين أصابع رجليه حال سجوده، ويوجهها إلى القبلة، لما في الصحيح، سجد غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، وفي التلخيص: يجب جعل باطن أطرافهما إلى القبلة، إلا أن يكون فيهما نعل أو خف، وتقدم الأمر بالسجود على أطراف القدمين، فلا تصح بدونه، وقال الشيخ: وإذا رفع قدميه في السجود فإنه مع رفعهما بالتلاعب أشبه منه بالتعظيم والإجلال، وإن لم يضعهما لم يصح سجوده.
(2)
يعني السجود، ليستريح بذلك بلا كراهة، فإنهم لما شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشقة التفريج قال: استعينوا بالركب، ورواه أبو داود، ويستحب أن يضع راحتيه على الأرض، مبسوطتين مضمومتي الأصابع، مستقبلا بها القبلة، ويضعهما حذو منكبيه، أو حذو أذنيه، وكلاهما حسن، وقد ورد وتقدم.
(3)
ندبا إجماعا والمذهب الوجوب لحديث عقبة لما نزل {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: «اجعلوها في سجودكم» رواه أحمد وغيره.
ولحديث حذيفة، ويقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، رواه مسلم، وهو مفسر لحديث عقبة قال الخطابي: فيه دلالة على وجوب التسبيح في الركوع والسجود، لأنه قد اجتمع في ذلك أمر الله وبيان رسوله الله صلى الله عليه وسلم وترتيبه في موضع من الصلاة، فتركه غير جائز اهـ.
وكان غالب دعائه صلى الله عليه وسلم في سجوده، ولأن وصف الرب بالعلو في هذه الحالة في غاية المناسبة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء
فيه، وبعد التشهد، وقبل السلام، ففي الصحيحين أنه كان يقول
وسبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، وربما قال: اللهم إني لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، وكان يقول: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إلخ، اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله إلخ، وقال: وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم، والأمر بإكثار الدعاء في السجود يشمل الحث على تكثير الطلب لكل حاجة، ويشمل التكرار للسؤال الواحد، كيف وهو في حال أذل ما يكون لربه وأخضع له؟!، حيث يضع أشرف شيء فيه وهو وجهه على التراب خشوعا لربه واستكانة له، وخضوعا لعظمته، وذلا لعزته، قد انكسر قلبه وذل له جسمه، وخشعت له جوارحه، بل في أشرف حالاته، وأقرب ما يكون من ربه، وهل طول السجود أو طول القيام أفضل؟ صوب الشيخ أنهما سواء، فإن القيام أفضل بذكره وهو القراءة والسجود أفضل بهيئته وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا طال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا خفف القيام خفف الركوع والسجود.
على ما تقدم في تسبيح الركوع (1)(ثم يرفع رأسه) إذا فرغ من السجدة (مكبرا (2)) .
(1) أي حكمه حكم ما تقدم، من أن الواجب مرة، وأدنى الكمال ثلاث وفاقا، وأعلاه عشرة على ما تقدم.
(2)
أي يكون ابتداؤه مع ابتدائه، وانتهاؤه مع انتهائه، لقوله: ثم يكبر حين يرفع رأسه، متفق عليه، وهذا الرفع والاعتدال واجب، وهو مذهب الشافعي، لقوله في حديث المسيء ثم اجلس حتى تطمئن جالسا وعن عائشة: إذا رفع من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدا، متفق عليه، لحديث أبي حميد الآتي وغيره.
ويجلس مفترشا يسراه) أي يسرى رجليه (1)(ناصبا يمناه) ويخرجها من تحته، ويثني أصابعها نحو القبلة (2) ويبسط يديه على فخذيه مضمومتي الأصابع (3)(ويقول) بين السجدتين (رب اغفر لي)(4) الواجب مرة والكمال ثلاث (5) .
(1) فيبسطها ويجلس عليها.
(2)
أي يجعل بطون أصابعها على الأرض مفرقة، معتمدا عليها لحديث أبي حميد: ثنى رجله اليسرى، وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه، ولحديث عائشة وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى متفق عليه، ولقول عبد الله بن زيد: كنا نعلم إذا جلسنا في الصلاة أن يفرش الرجل منا قدمه اليسرى، وينصب قدمه اليمنى، على صدر قدمه، وإن كانت إبهام أحدنا لتنثني فيدخل يده حتى يعدلها، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غيرها.
(3)
قياسا على جلوس التشهد، ولنقل الخلف عن السلف.
(4)
أي ذنوبي أو تقصيري في طاعتك، لحديث حذيفة، كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي، رواه النسائي والترمذي وغيرهما، وإسناده ثقات، ولأبي داود والترمذي وغيرهما من حديث ابن عباس: كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واهدني، وعافني وارزقني، وحسنه النووي، وصححه الحاكم وقال ابن القيم: لما فصل بين السجدتين بركن مقصود، شرع فيه من الدعاء ما يليق به ويناسبه، وهو سؤال المغفرة والرحمة والهداية والعافية والرزق، واختار الشيخ الدعاء بما ورد.
(5)
فأكثر كما تقدم وظاهره مطلقا، لا كالركوع ونحوه، وقال الموفق وجماعة: أدنى الكمال ثلاث، والكمال في ذلك كالكمال في تسبيح الركوع
والسجود واختاره الشيخ، ولا دليل على تقييده بعدد معلوم، كما تقدم، وقال الزركشي: هذا المشهور، والسنة شاهدة لهذا القول، وهو الثابت عنه في جميع الأحاديث، وهو من تمامها الذي أخبر به أصحابه عنه صلى الله عليه وسلم وتقصير الاعتدال من الركوع والسجود من تصرف بني أمية، كما تقدم، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم قريبًا من السواء، معتدلة إذا أطال في القيام أطال في غيره، وقوله: ما خلا القيام والقعود، أي القيام للقراءة، والقعود للتشهد وتقدم.
(ويسجد) السجدة (الثانية كالأولى)(1) فيما تقدم من التكبير والتسبيح وغيرهما (2)(ثم يرفع) من السجود (مكبرًا)(3) .
(1) وجوبًا بإجماع المسلمين، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد سجدتين لم يختلف عنه في ذلك، وعلمه المسيء فقال: ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها.
(2)
كالهيئة والدعاء بالوارد، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وإنما شرع تكرار السجود في كل ركعة، دون غيره، لأنه أبلغ ما يكون في التواضع، وأفضل أركانها الفعلية، وسرها الذي شرعت لأجله، وخاتمتها وغايتها، فكان تكرره أكثر من تكرر سائر الأركان، ولابن حبان عن ابن عمر مرفوعا، «إذا قام العبد يصلي أتى بذنوبه فوضعت على رأسه أو على عاتقه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه» .
(3)
أي يرفع من السجدة الثانية، وهذا القيام ركن، والتكبير واجب، يبتدئه مع ابتداء رفع رأسه من السجود، وينهيه عند اعتداله قائما، لقوله صلى الله عليه وسلم ثم يكبر حين يرفع.
ناهضًا على صدور قدميه) (1) ، ولا يجلس للاستراحة (2)(معتمدا على ركبتيه إن سهل)(3) .
(1) أي قائما على مقدمهما، وأطلق صدور على صدرين لاستثقال الجمع بين تثنيتين فيما هو كالكلمة الواحدة، وفي المطلع: جيء به بلفظ الجمع لأن كل مثنى معنى مضاف إلى متضمنه، يختار فيه لفظ الجمع على لفظ الإفراد، ولفظ الإفراد على لفظ التثنية، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينهض في الصلاة على صدور قدميه، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وروى ابن أبي شيبة وغيره من غير وجه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم.
(2)
أي لا يسن أن يجلس جلسة الاستراحة بفتح الجيم لأنه مرة من الجلوس، ويجوز كسر الجيم، بتقدير إرادة الهيئة، لأن فيها قدرا زائدا على الجلسة، وذلك هو الهيئة والاستراحة: هي طلب الراحة، كأنه صار له إعياء فيجلس ليزول عنه، وهي جلسة خفيفة صفتها كالجلوس بين السجدتين، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن لم يذكرها كل واصف لصلاته، ومجرد فعلها لا يدل على أنها من سنن الصلاة، وإذا قدر أنه فعلها لحاجة، لم يدل على سنيتها، إلا إذا علم أنه فعلها ليقتدي به فيها، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، قال أحمد: أكثر الأحاديث على هذا، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وقيل: يجلس، لفعله عليه الصلاة والسلام ويحمل أنه في آخر عمره عند كبره، جمعًا بين الأخبار، واختاره الشيخ وغيره.
(3)
أي معتمدًا بيديه على ركبتيه، قال القاضي: لا يختلف قوله في ذلك، إن سهل عليه ذلك، ولا يعتمد على الأرض بيديه، لحديث وائل:«وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» ، ولأبي داود:«نهى أن يعتمد على يديه إذا نهض في الصلاة» ، وقال علي: من السنة ألا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخًا كبيرًا
لا يستطيع، وعن أحمد: يستحب أن يقوم معتمدًا على يديه، وفاقًا لمالك والشافعي، لما في الصحيح من حديث مالك بن الحويرث، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض، ثم قام، ولأنه أعون للمصلي، وقال النووي وغيره: وأحاديثهم ليس فيها شيء صحيح إلا الأثر الموقوف على ابن مسعود، أنه يقوم على صدور قدميه انتهى، لكن قول الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم يقتضي قوة أصله وإن ضعف، خصوصا هذا الطريق، وهو كذلك، فأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه، ولم يجلس، ونحوه عن علي وابن عمر وابن الزبير وغيرهم، وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر وعلي وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم، وعن النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهض كما هو ولا يجلس، وأخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود، وابن عباس وابن عمر، وكذا البيهقي وغيره، فقد اتفق أكابر الصحابة الذين كانوا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشد اقتفاء لأثره، وألزم لصحبته من مالك، على خلاف ما قال، فوجب تقديمه، وتقدم النهي عنه، وما رواه مالك يحمل على حالة الكبر، وبه تجتمع الأدلة.
وإلا اعتمد على الأرض (1)، وفي الغنية: يكره أن يقدم إحدى رجليه (2) .
(1) أي: وإلا يسهل عليه والاعتماد على ركبتيه لكبر أو ضعف أو مرض أو سمن ونحوه اعتمد بيديه على الأرض بلا خلاف، لحديث علي المتقدم ولحديث مالك.
(2)
نص عليه، وروي عن ابن عباس وغيره، أنه يقطع الصلاة، والغنية لشيخ عصره عبد القادر بن عبد الله بن جنكي دوس، الجيلي البغدادي المشهور، وله (الفتح الرباني) و (فتوح الغيب) وغيرها، توفي ببغداد سنة خمسمائة وإحدى وستين.
(ويصلي) الركعة (الثانية كذلك) أي: كالأولى (1)(ما عدا التحريمة) أي تكبيرة الإحرام (2)(والاستفتاح والتعوذ وتجديد النية)(3) .
(1) بلا نزاع لقوله للمسيء لما وصف له الركعة الأولى ثم افعل ذلك في صلاتك كلها، وفي السنن وغيرها، فإذا قمت فمثل ذلك، حتى تفرغ صلاتك ولنقل صفة الصلاة كذلك.
(2)
فلا تعاد إجماعًا لأنها وضعت للدخول في الصلاة، وهو منتف هنا، و (عدا) كلمة يستثنى بها مع (ما) وبدونها.
(3)
أي وما عدا الاستفتاح مصدر استفتح، والمراد به ههنا الذكر قبل الاستعاذة، من قول: سبحانك اللهم، ونحوه بلا خلاف، حكاه في المبدع وغيره، ولو لم يأت به، لحديث أبي هريرة، «وإذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح بالحمد لله ولم يسكت» ، رواه مسلم، ولفوات محله، وما عدا التعوذ إن كان استعاذ في الأولى، لظاهر الخبر.
قال ابن القيم: «الاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر» ، للحديث الصحيح عن أبي هريرة، «كان إذا نهض للركعة الثانية استفتح القراءة ولم يسكت» اهـ ولأن الصلاة جملة واحدة لم يتخلل القراءتين فيها سكوت، بل ذكر، فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله أو تسبيح أو تهليل أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، وعنه يتعوذ في الثانية، اختارها الشيخ، قال في الإنصاف: وهي أصح دليل، وهو مذهب الشافعي، وفي الاختيارات ويستحب أن يتعوذ أول كل قراءة.
قال النووي: وهو الأظهر، وأما البسملة فتسن في كل ركعة، لأنها تستفتح بها السورة، وما عدا تجديد النية للاكتفاء باستصحابها.
قال في الإنصاف: وهذا مما لا نزاع فيه، وقال جمع: لا حاجة لاستثنائها،
لأنها شرط لا ركن، ويجوز أن يتقدم الصلاة اكتفاء بالدوام الحكمي
وما عدا السكوت، وتطويلها كالأولى، فإنه عليه الصلاة والسلام كان لا يسكت في الثانية، ويقصرها عن الأولى.
فلا تشرع إلا في الأولى (1) لكن إن لم يتعوذ فيها تعوذ في الثانية (2) .
(ثم) بعد فراغه من الركعة الثانية (يجلس مفترشًا) كجلوسه بين السجدتين (3)(ويداه على فخذيه)(4) ولا يلقمهما ركبتيه (5) .
(1) أي فلا تشرع هذه الأمور الأربعة وفاقًا، في غير التعوذ، إلا في الركعة الأولى، لأن تلك تراد لافتتاح الصلاة.
(2)
إجماعا، ولو ترك التعوذ في الأولى عمدا لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} .
(3)
أي يجلس للتشهد إجماعا، لنقل الخلف عن السلف، نقلا متواترا وقال الوزير اتفقوا على أن الجلسة في آخر الصلاة فرض من فروض الصلاة اهـ، وجلوسه للتشهد كجلوسه بين السجدتين سواء وتقدم، وفي الصحيح:«كان إذا جلس للتشهد، جلس على رجله اليسرى، ونصب الأخرى» ، وفيهما:«إذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى» ، ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة، والحكمة في ذلك والله أعلم أن المصلي مستوفز في الأول للحركة ببدنه بخلاف الثاني، والحركة عن الافتراش أهون، وكيفما جلس في التشهدين وبين السجدتين جاز إجماعًا.
(4)
اليمنى على الفخذ اليمنى، باسطًا ذراعه على فخذه، ولا يجافيها، فيكون حد مرفقه عند آخر فخذه، واليسرى على الفخذ اليسرى، ممدودة، وأطراف الأصابع على الركب.
(5)
لورود الأحاديث بوضع يديه على فخذيه، وهو مجمع عليه.
و (يقبض خنصر) يده (اليمنى وبنصرها (1) ويحلق إبهامها مع الوسطى) بأن يجمع بين رأس الإبهام والوسطى، فتشبه الحلقة من حديد ونحوه (2)(ويشير بسبابتها)(3) من غير تحريك (4) .
(1) بكسر الخاء والباء مؤنثتان، الأولى الإصبع الصغرى، والثانية بينها وبين الوسطى، أي يقبض من يمناه عند وضعها على فخذه الأيمن عند
الركبة خنصرها وبنصرها، لحديث وائل: ثم قبض ثنتين من أصابعه، رواه أحمد وغيره.
(2)
لحديث وائل: وحلق إبهامه مع الوسطى، والإبهام الإصبع العظمى، وهي مؤنثة، والجمع أباهيم، ويحلق بتشديد اللام، والحلقة بسكونها، وجمعها حلق، كقصعة وقصع، وقيل بفتحتين على غير قياس، وفي السنن وحلق حلقة ولمسلم وقبض أصابعه الثلاث، وله أيضا وعقد ثلاثة وخمسين في أعداد كانت معروفة عند العرب، بأن تكون الثلاث مضمومة إلى أدنى الكف لا مقبوضة والإبهام مفتوحة تحت المسبحة على طرف الراحة، ويسمونها تسعة وتسعين، وآثر الفقهاء الأول، تبعا للخبر، ولو فعل غير ذلك مما ورد أتى بالسنة، والأول أفضل، ورواته أفقه.
(3)
سميت بذلك لتحريكها في وقت السب، وسباحة لأنه يشير بها للتوحيد، وخصت بالإشارة والله أعلم لاتصالها بنياط القلب، فتحريكها سبب لحضوره، والحكمة في الإشارة بها ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد.
(4)
فلا يوالي حركتين عند الإشارة، لأنه يشبه العبث، لحديث ابن الزبير:«ويشير بسبابته ولا يحركها» .
وقال ابن القيم: في صحته نظر، وليس في الحديث أن هذا كان في
الصلاة اهـ، وفي حديث وائل:«ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها» ، ورواه أهل السنن وغيرهم، قال ابن القيم: كان لا ينصبها نصبا ولا
ينيمها بل يحنيها شيئا، ويحركها كما تقدم اهـ وقيل: يديم نظره إليها، لخبر ابن الزبير عند أحمد وغيره، قال في الفروع: إسناده جيد، وأحاديث الإشارة بالسبابة في التشهد قد بلغت حد التواتر.
(في تشهده)(1) ودعائه في الصلاة وغيرها (2) عند ذكر الله تعالى (3) تنبيها على التوحيد (4)(ويبسط) أصابع (اليسرى)(5) .
(1) في الصلاة، متعلق بيشير، للخبر المتقدم وغيره، ولمسلم: ورفع إصبعه التي تلي الإبهام فدعا بها، وسمي بالتشهد من باب إطلاق الجزء وهو الشهادة على الكل.
(2)
أي يشير بسبابته إذا دعا في صلاة وغيرها، لحديث عبد الله بن الزبير:«كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها» ، ورواه أبو داود والنسائي: وفيه عن سعد بن أبي وقاص مر بي وأنا أدعو بأصابعي، فقال: أحد أحد يا سعد، وأشار بالسبابة.
(3)
وصحح في شرح الهداية للحنفية وغيرها عند الشهادة، وكذا عند الشافعية، فيكون رفعها مرة في التشهد، قال في الفروع: ولعله أظهر، وهي أفضل الذكر فيكون موضع الإشارة لا إله إلا الله، لما رواه البيهقي من فعله صلى الله عليه وسلم وفي المقنع والإنصاف وغيرهما: مرارا لقوله: إذا دعا.
(4)
والتوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وسئل ابن عباس فقال: هو الإخلاص، ولأبي داود عنه أنه قال: هكذا الإخلاص، يشير بإصبعه التي تلي الإبهام، وروي مرفوعا.
(5)
لحديث ابن عمر: وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وفي لفظ ويده اليسرى على ركبته، باسطها عليها.