الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(باب)
في البيوع وأحكامها [
1]
(البيع عقد معاوضة): ولا يكون العقد إلا بين اثنين بإيجاب وقبول. وخرج بقيد المعاوضة: الهبة والوصية. والمعاوضة مفاعلة إذ كل من البائع والمشتري عوض صاحبه شيئاً بدل المأخوذ منه. (على غير منافع):
ــ
من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
باب في البيوع وأحكامها
هذا أول النصف الثاني من هذا المختصر. وقد جرى على طريقة المتأخرين من أهل المذهب في وضعهم النكاح وتوابعه في النصف الأول في الربع الثاني، والبيع وتوابعه في النصف الثاني، وهو مما يتعين الاهتمام به وبمعرفة أحكامه لعموم الحاجة إليه والبلوى به؛ إذ لا يخلو المكلف غالباً من بيع أو شراء فيجب أن يعلم حكم الله فيه قبل التلبس به. والبيع والنكاح عقدان يتعلق بهما قوام العالم. وقول من قال: يكفي ربع العبادات ليس بشيء؛ لأن الله خلق الإنسان محتاجاً إلى الغذاء مفتقراً للنساء وخلق له ما في الأرض جميعاً ولم يتركه سدى يتصرف كيف شاء باختياره، فيجب على كل أحد أن يتعلم ما يحتاج إليه، ثم يجب على كل شخص العمل بما علمه الله من أحكامه ويجتهد في ذلك ويحترز عن إهماله له فيتولى أمر بيعه وشرائه بنفسه إن قدر، وإلا فغيره بمشاورته، ولا يتكل في ذلك على من لا يعرف الأحكام أو يعرفها ويتساهل في العمل بمقتضاها لغلبة الفساد وعمومه في هذا الزمان. وحكمة مشروعيته: الوصول إلى ما في يد الغير على وجه الرضا. وذلك مفض إلى عدم المنازعة والمقاتلة والسرقة والخيانة والحيل وغير ذلك. وهو لغة: مصدر باع الشيء أخرجه عن ملكه أو أدخله فيه بعوض؛ فهو من أسماء الأضداد يطلق على البيع والشراء كالقرء للطهر والحيض. الزناتي: لغة قريش استعمال باع إذا أخرج، واشترى إذا أدخل، وهي أفصح واصطلح عليها العلماء تقريباً للفهم. وأما شرى فيستعمل بمعنى باع، كما في قوله تعالى:{وشروه بثمن بخس} [يوسف: 20]: أي باعوه ففرق بين شرى واشترى. وأما معناه شرعاً: فقال ابن عبد السلام: معرفة حقيقته ضرورية حتى للصبيان. وقال ابن عرفة ما قاله ابن عبد السلام نحوه للباجي. ويرد بأن المعلوم ضرورة وجوده عند وقوعه لكثرة تكرره ولا يلزم منه علم حقيقته. " اهـ. من الخرشي ". وقد عرفه المصنف بالمعنى الأعم في قوله: " البيع عقد معاوضة " إلخ: والمراد بالبيوع حقيقتها، وبينها بقوله:" عقد معاوضة " وبأحكامها مسائلها التي يبحث فيها عن الصحيح والفاسد والجائز والممتنع. وقوله: [عقد معاوضة]: أي عقد محتو على عوض من الجانبين. قوله: [وخرج بقيد المعاوضة الهبة] إلخ: أي وكل عقد ليس فيه معاوضة كالقرض والعارية. والمراد بالهبة: ما يشمل الصدقة والهدية من كل ما لا ينتظر فيه معاوضة.
قوله: [على غير منافع]: أي على ذوات غير منافع، ومراده بالمنافع المنفية ما يشمل الانتفاع بدليل قوله:" خرج " إلخ:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (باب في البيوع وأحكامها) مكرر في ط المعارف.
خرج النكاح والإجارة. وهذا تعريف للبيع بالمعنى الأعم؛ أي الشامل للسلم والصرف والمراطلة وهبة الثواب.
(وركنه): أي أركانه التي تتوقف عليها حقيقته ثلاثة؛ هي في الحقيقة خمسة: (عاقد): من بائع ومشتر. (ومعقود عليه): من ثمن ومثمن. والثالث: صيغة أو ما يقوم مقامها مما يدل على الرضا؛ وإليه أشار بقوله: (وما دل على الرضا): من قول أو إشارة أو كتابة من الجانبين أو أحدهما، بل (وإن) كان ما يدل عليه (معاطاة) من الجانبين، ولو في غير المحقرات كالثياب والرقيق؛ بأن يدفع المشتري الثمن للبائع ويأخذ المثمن أو يدفع هله البائع وعكسه. (كاشتريتها): أي كما ينعقد بقول المشتري ابتداء للبائع: اشتريتها (منك بكذا) بالفعل الماضي (أو) يقول البائع للمشتري: (بعتكها) بكذا بالماضي أيضاً (ويرضى الآخر): أي يأتي بما يدل على الرضا من قول أو غيره، فيكون التعبير بالماضي إنشاء للبيع لا من قبيل الخبر. (وكأبيعها) بكذا من البائع (أو) قول المشتري للبائع:(أشتريها) منك بكذا بالمضارع فيهما فرضي الآخر. (أو) قال المشتري: (بعني) بفعل الأمر (أو) قال البائع للمشتري: (اشتر مني) هذه السلعة بكذا (فرضي) الآخر فينعقد البيع.
(فإن قال) المبتدي بالمضارع أو بالأمر منهما: أنا (لم أرده): أي لم أرد بذلك إنشاء البيع، وإنما قصدي الإخبار أو الهزل بالمضارع أو الأمر (صدق بيمين فيهما): أي في المضارع والأمر. فإن لم يحلف لزم البيع؛ هذا قول ابن القاسم في المدونة قياساً لهما على مسألة التسوق. لكن الشيخ رحمه الله جزم بأن الأمر كالماضي في اللزوم بلا يمين، وإنما اليمين في المضارع فقط؛ لأن الأمر عرفاً يدل على البيع بأقوى من دلالة المضارع - خلافاً لابن القاسم.
ــ
قوله: [خرج النكاح والإجارة]: أي بقوله على غير منافع مع دخولهما أولاً في قوله: عقد معاوضة. ومراده بالإجارة: ما يشمل الكراء. وبالنكاح: ما يشمل نكاح التفويض فإن فيه معاوضة ولو بعد الدخول.
قوله: [بالمعنى الأعم]: صفة للبيع.
قوله: [أي الشامل للسلم] إلخ: أي ويشمل أيضاً التولية والشركة والإقالة والأخذ بالشفعة.
قوله: [والصرف]: هو دفع أحد النقدين من الذهب أو الفضة في مقابلة الآخر.
وقوله: [والمراطلة]: هي بيع ذهب بذهب بالميزان، بأن يضع ذهب هذا في كفة والآخر في كفة حتى يعتدلا، فيأخذ كل ذهب صاحبه. ومثل الذهب الفضة. وقوله:[وهبة الثواب]: هي أن يعطيك شيئاً في نظير أن تعوضه، فمعنى هبة الثواب: الهبة في نظير عوض دنيوي، فإن لم تكن في نظير عوض دنيوي قيل لها صدقة وهبة لغير ثواب.
تنبيه: اقتصر على تعريف البيع بالمعنى الأعم ولم يذكره بالمعنى الأخص لأن الأحكام الآتية مدونة لهذا المعنى الأعم. فإذا أردت تعريفه بالمعنى الأخص زدت على ما تقدم: (ذو مكايسة) أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة معين غير العين فيه. فيخرج بقولنا: [ذو مكايسة]: هبة الثواب والتولية والشركة والإقالة والأخذ بالشفعة. لأن معنى المكايسة: المغالبة؛ وهذه لا مغالبة فيها. وبقولنا: أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة: الصرف والمراطلة. وبقولنا: معين غير العين فيه: السلم؛ لأن غير العين في السلم هو المسلم فيه؛ ومن شرطه كونه ديناً في الذمة. والمراد بالمعين: ما ليس في الذمة؛ فيشمل الغائب المبيع بالصفة ونحوه لا الحاضر فقط، حتى يرد أن البيع قد يكون على الغائب بشروطه الآتية كما يؤخذ من الأصل. والمراد بالعين: الثمن وإن لم يكن عيناً.
قوله: [أي أركانه]: فسر المفرد بالجمع لأنه مفرد مضاف والمفرد المضاف يصدق بالواحد والمتعدد فبين أن التعدد هو المراد.
قوله: [التي تتوقف عليها حقيقته]: أي لا توجد حقيقته إلا بها صحيحة أو فاسدة؛ ولذلك احتيج في الصحة للشروط الآتية. إن قلت: إن البائع بوصف كونه بائعاً والمشتري بوصف كونه مشترياً والثمن بوصف كونه ثمناً والمثمن بوصف كونه مثمناً إنما يكون بعد تحقق البيع؛ كيف وقد جعلت من أركانه والركن يوجد قبل تحقق الماهية؟ وأجيب: بأن عدها أركاناً باعتبار ذاتها لا باعتبار وصفها - فتأمل.
قوله: [وما دل على الرضا]: أي عرفاً سواء دل عليه لغة أيضاً أو لا؛ فالأول: كبعت واشتريت وغيره من الأقوال. والثاني: كالإشارة والمعاطاة. قوله: [أو أحدهما]: راجع للقول والإشارة والكتابة. قوله: [معاطاة]: أي وفاقاً لأحمد، وخلافاً للشافعي القائل: لا بد من القول من الجانبين مطلقاً كان المبيع من المحقرات أو لا.
وقوله: [ولو في غير المحقرات]: رد على أبي حنيفة في اشتراطه القول في غير المحقرات. محل إجزاء المعاطاة: حيث أفادت في العرف، ولا تلزم إلا بالدفع من الجانبين فيجوز التبديل في نحو الخبز بعد أخذه وقبل دفع الدراهم لا بعده للربوية. والشك في التماثل كتحقق التفاضل. ولا بد من معرفة الثمن إلا الاستئمان. كذا يؤخذ من الـ (مج)
قوله: [وعكسه]: لا حاجة له. قوله: [كاشتريتها]: أي ونحوه كأخذتها أو رضيت بها بكذا. قوله: [بالفعل الماضي]: أي وينعقد البيع به اتفاقاً ولا يقبل دعوى من أتى بصيغة الماضي أنه لم يرد البيع أو الشراء ولو حلف.
قوله: [بعني بفعل الأمر]: أي فينعقد بها البيع عندنا خلافاً للشافعية. ووجه ذلك: أن العرف دل على رضاه به وإن كان ليس صريحاً في إيجاب البيع لاحتمال أمره به.
واعتمده بعضهم. وقياس ابن القاسم لها على مسألة التسوق الآتية مطعون فيه.
(كأن تسوق) البائع (بها): أي بالسلعة، أي عرضها للبيع في سوقها، وكذا إذا لم يتسوق بها (فقال) له شخص:(بكم) تبيعها؟ (فقال) له: (بكذا) بمائة مثلاً (فقال: أخذتها به. فقال) البائع: (لم أرده) أي البيع وإنما أوقفتها في سوقها لأمر ما، فإنه يصدق بيمين فإن نكل لزم البيع. وهذا إذا لم تقم قرينة على إرادة البيع وإلا لزم البيع قطعاً ولا يلتفت لكلام البائع.
ثم أخذ يتكلم على شروط الركن الأول والثاني فقال: (وشرط صحة) عقد (العاقد: تمييز): فلا يصح من غير مميز لصغر أو جنون أو إغماء أو سكر ليس بحرام، وكذا بحرام إما اتفاقاً أو على المشهور. فلو أسقط الشيخ قوله:"إلا بسكر فتردد" لكان أحسن؛ لأن مراده بالتردد الطريقتان: طريقة ابن شعبان: عدم الصحة على المشهور، وطريقة ابن رشد والباجي: عدمها اتفاقاً. قال ابن رشد في كتاب النكاح: سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة؛ فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله، إلا فيما ذهب وقته من الصلاة فلا تسقط عنه. بخلاف المجنون وسكران معه تمييز بعقله. قال ابن نافع: يجوز عليه كل ما فعل من بيع وغيره. وقيل: تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الإقرار والعقود، وهو
مذهب مالك وعامة أصحابه وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب. اهـ.
(و) شروط (لزومه) أي البيع: (تكليف) فلا يلزم صبياً مميزاً وإن صح، ما لم يكن وكيلاً عن مكلف؛ وإلا لزم لأن البيع في الحقيقة من الموكل.
(وعدم حجر): فلا يلزم المحجور لسفه أو رق إلا بإذن الولي. (و) عدم (إكراه): فلا يلزم المكره عليه، كما قال:(لا إن أجبر) العاقد (عليه): أي على البيع (أو على سببه
ــ
قوله: [واعتمده بعضهم]: مراده به (بن). وحاصله: أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا عرفاً وإن كان محتملاً لذلك لغة. فالماضي - لما كان دالاً على الرضا من غير احتمال - انعقد البيع به من غير نزاع، ولا يقبل رجوعه ولو حلف. والأمر إنما يدل لغة على طلب البيع له فهو يحتمل الرضا به وعدمه. ولكن العرف دل على رضاه به وحينئذ فيستوي مع الماضي ولا يقبل رجوعه عنه ولو حلف كما يفيده الشارح. والمضارع يحتمل الحال والاستقبال ولم يكن في العرف دالاً على الرضا فقبل الرجوع فيه باليمين. ولذلك قال (بن): إن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على الرضا ودلالة الأمر على الرضا أقوى من دلالة المضارع عليه لأن صيغة الأمر تدل على الرضا عرفاً وإن كان في أصل اللغة محتملاً بخلاف المضارع فإنه لا يدل عليها.
قوله: [وقياس ابن القاسم] إلخ: وجه القياس أنه إذا كان يحلف مع المضارع في مسألة التسوق فأولى مع الأمر لأن المضارع دلالته على البيع والشراء أقوى من دلالة الأمر لأنه يدل على الحال بخلاف الأمر فإنه لا يدل عليه اتفاقاً ووجه الطعن في القياس أن العرف غلب في الأمر ولم يغلب في المضارع كما تقدم لنا ما يفيد ذلك. قوله: [وهذا إذا لم تقم قرينة] إلخ: أي كما إذا حصل تماكس وتردد بينهما؛ كما إذا قال المشتري: اشتريتها بخمسين، فقال البائع: لا. فقال له: بستين. فقال البائع: لا. فقال له المشتري بكم تبيعها؟ فقال: بمائة. فقال: أخذتها.
تنبيه: لا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول، إلا أن يخرج عن البيع لغيره عرفاً. وللبائع إلزام المشتري في المزايدة ولو طال حيث لم يجر عرف بعدمه.
قوله: [عقد العاقد]: إنما قدر الشارح المضاف الثاني؛ لأن الذي يتصف بالصحة وعدمها هو العقد لا العاقد.
قوله: [فلا يصح من غير مميز]: أي خلافاً لما في (ر) من صحة العقد من غير المميز، إلا أنه غير لازم؛ فجعل التمييز شرطاً في لزومه. وما ذكره المصنف هو ما عليه خليل وابن الحاجب وابن شاس ويشهد له قول القاضي عبد الوهاب في التلقين. وفساد البيع يكون لأمور؛ منها: ما يرجع إلى المتعاقدين مثل أن يكونا أو أحدهما ممن لا يصح عقده كالصغير والمجنون. وقول ابن بزيزة: لم يختلف العلماء أن بيع الصغير والمجنون باطل لعدم التمييز.
قوله: [فلا تسقط عنه]: أي إن كان سكره بحرام، وإلا فكالمجنون من كل وجه.
قوله: [وسكران معه تمييز بعقله]: أي ولا فرق بين كون سكره بحلال أو بحرام. وما حكي عن ابن رشد نحوه للباجي والمازري.
قوله: [وقيل تلزمه الجنايات] إلخ: هذا مقابل قوله: فلا خلاف أنه كالمجنون. وهو المذهب كما قال الشارح.
قوله: [فلا يلزم المكره عليه]: أي على المذهب. ومقابله: أنه إذا أكره على سبب البيع كان البيع لازماً لمصلحة؛ وهو الرفق بالمسجون لئلا يتباعد الناس عن الشراء فيهلك المظلوم. وهذا القول لابن كنانة، وقد اختاره المتأخرون، وأفتى به اللخمي والسيوري ومال إليه ابن عرفة، وجرى به العمل بفاس كذا في (بن) وفيه أيضاً: أن من أكره على سبب البيع وسلفه إنسان دراهم، كان له الرجوع بها عليه. بخلاف ما إذا ضمنه إنسان فدفع المال عنه لعدمه فإنه لا رجوع له عليه، وإنما يرجع على الظالم. وذلك؛ لأن للمكره أن يقول للدافع: أنت ظلمت ومالك لم تدفعه إلي، بخلاف المسلف. وهذا هو الصواب خلافاً لما في (عب) من عدم رجوع المسلف.
جبراً حراماً): أي ليس بحق فيصح ولا يلزم. (ورد) المبيع (عليه): أي على البائع إذا لم يمضه ولا يفوت عليه ببيع ولا هبة ولا عتق ولا إيلاد (بلا ثمن) يغرمه للمشتري، وهذا خاص بما إذا أجبر على سببه؛ كما إذا أجبره ظالم على مال فباع سلعته لإنسان ليدفع ثمنها للظالم أو أكرهه على أن يبيعها ليأخذ الظالم ثمنها منه أو من المشتري. وأما لو أكرهه على بيعها وأخذ ربها ثمنها، فإنها إذا ردت عليه دفع للمشتري ما أخذه منه. وبقي من شروط اللزوم: أن يكون العاقد مالكاً أو وكيلاً عنه وإلا فهو صحيح غير لازم.
(ومنع): أي حرم على المكلف: (بيع) رقيق (مسلم) من إضافة المصدر لمفعوله (و) رقيق (صغير) كتابياً أو مجوسياً (و) رقيق (مجوسي) كبير لجبرهما على الإسلام. (و) بيع (مصحف) أو جزئه (و) كتب (حديث لكافر) كتابي أو غيره. والبيع صحيح على المشهور وإن منع ولذا قال: (وأجبر) الكافر المشتري بلا فسخ للبيع (على إخراجه عن ملكه ببيع أو عتق ناجز) فلا يكفي المؤجل (أو هبة) لمسلم (ولو لولد صغير) وليس له اعتصاره منه؛ فإن اعتصره أجبر على إخراجه ثانياً.
(وجاز) لمشتر من الكافر (رده عليه بعيب) وجده فيه ثم يجبر على إخراجه من ملكه بما مر (كأن أسلم) الرقيق (عنده) أي عند سيده الكافر فإنه يجبر على إخراجه عن ملكه (وباعه الحاكم إن) كان سيده غائباً و (بعدت غيبة السيد)
ــ
قوله: [جبراً حراماً]: أي وأما لو أجبر على البيع جبراً حلالاً لكان البيع لازماً؛ كجبره على بيع الدار لتوسعة المسجد أو الطريق أو المقبرة، أو على بيع سلعة لوفاء دين أو لنفقة زوجة أو ولد أو والدين، أو لوفاء ما عليه من الخراج السلطاني الذي لا ظلم فيه.
قوله: [وأما لو أكرهه على بيعها] إلخ: حاصل ما في المقام أن الإكراه على سبب البيع فيه أقوال ثلاثة قيل: إنه لازم، وقيل: غير لازم وعليه إذا رد المبيع فهل بالثمن أو بلا ثمن؛ مشى المصنف على أنه بلا ثمن. وبقي قول رابع لسحنون يقول: إن المضغوط إن كان قبض الثمن رد المبيع بالثمن وإلا فلا يغرمه، وأما الإكراه على نفس البيع فهو غير لازم، ويرد المبيع إن شاء البائع بالثمن قولاً واحداً ما لم تقم بينة على ضياعه من غير تفريط.
قوله: [وبقي من الشروط اللزوم] إلخ: وبقي شرط آخر في المعقود عليه؛ وهو أنه لا يتعلق به حق للغير بدليل ما يأتي من توقف بيع العبد الجاني على مستحق الجناية. فتكون شروط اللزوم خمسة ذكر المصنف والشارح أربعة وهذا واحد.
قوله: [وبيع مصحف]: أي ولو كان بقراءة شاذة.
وقوله: [وكتب حديث]: مثلها كتب العلم وظاهره حرمة بيعها لكافر ولو كان الكافر يعظمها؛ لأن مجرد تملكه لها إهانة. ويمنع أيضاً بيع التوراة والإنجيل لهم؛ لأنها مبدلة ففيه إعانة لهم على ضلالهم. وكما يمنع بيع ما ذكر لهم يمنع الهبة والتصدق وتمضي الهبة والصدقة ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع.
تنبيه: كذلك يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز؛ كبيع جارية لأهل الفساد أو مملوك، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة أو خمارة، أو خشبة لمن يتخذها صليباً، أو عنباً لمن يعصره خمراً، أو نحاساً لمن يتخذه ناقوساً، أو آلة حرب للحربيين، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب. وأما بيع الطعام لهم فقال ابن يونس: يجوز في الهدنة وأما في غيرها فلا يجوز. وقيل بالمنع مطلقاً - كذا في (بن) نقله محشى الأصل.
قوله: [بلا فسخ]: هذا هو المشهور كما قال المازري وهو مذهب المدونة. ومقابله: أنه يفسخ إذا كان المبيع قائماً، ونسبه سحنون لأكثر أصحاب مالك. قال ابن رشد: والخلاف مقيد بما إذا علم البائع أن المشتري كافر، أما إذا ظن أنه مسلم فلا يفسخ بلا خلاف ويجبر على إخراجه من ملكه بالبيع ونحوه. قوله:[ببيع] إلخ: أي والذي يتولى البيع الإمام لا السيد الكافر؛ لأن فيه إهانة للمسلم بخلاف العتق والهبة والصدقة، فإن السيد الكافر يتولاها، وليس توليته لها كتوليته البيع في إهانة المسلم؛ فإن تولى الكافر بيعه نقضه الإمام وباعه هو كما قاله بعضهم.
قوله: [ولو لولد صغير]: رد ب "لو" قول ابن شاس: إن الهبة للولد الصغير لا تكفي في الإخراج، إنما ذكر المصنف الصغير مع أن الكبير والصغير سواء في الاعتصار منهما؛ لأن فيه فرض الخلاف وأما الهبة للكبير فإنها تكفي في الإخراج اتفاقاً، لقدرته على إفاتة الاعتصار بالتصرف بخلاف الصغير فإنه محجور عليه.
قوله: [وجاز لمشتر]: اعترض: بأن البيع هنا من السلطان وبيع السلطان بيع براءة. وأجيب: بفرض المسألة فيما إذا طرأ إسلام العبد بعد بيعه. فعلى هذا لو كان الإسلام سابقاً على البيع لم يكن للمشتري رده بالعيب خلافاً لما يوهمه الشارح. وأجيب بجواب آخر: بأن محل كون بيع السلطان بيع براءة إذا باع على المفلس، وأما في مثل هذا المحل فيرد عليه. وعلى هذا فكلام الشارح ظاهر.
قوله: [أي عند سيده الكافر]: كلامه صادق بأن يكون ذلك الكافر مشترياً من مسلم أو كان مالكاً أصلياً.
قوله: [وباعه الحاكم إن كان سيده غائباً]: مفهومه؛ أنه لو كان حاضراً لا يتولى الحاكم بيعه مع أنه تقدم أنه يتولى بيعه حتى مع
كمسافة عشرة أيام وكيومين مع الخوف فإن قربت بعث إليه، فإن أجاب بشيء، وإلا بيع عليه.
ثم بين شروط المعقود عليه بقوله:
(وشروط صحة المعقود عليه: طهارة): فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره كدهن تنجس (وانتفاع به شرعاً): فلا يصح بيع آلة لهو. (وعدم نهي) عن بيعه؛ لا ككلب صيد. (وقدرة على تسليمه): لا طير في الهواء ولا وحش في الفلاة. (وعدم جهل به): فلا يصح بيع مجهول الذات ولا القدر ولا الصفة؛ فهذه خمسة شروط. شرع في بيان بعض محترزاتها بقوله: (فلا يباع كزبل) لنحو حمار لنجاسته فأولى عذرة ودم ولحم ميتة. وجزم بعضهم بجواز بيع الزبل للضرورة.
(و) لا (جلد ميتة ولو دبغ) لما تقدم أن الدبغ لا يطهر على المشهور. (و) لا (خمر و) لا (زيت) ونحوه من سائر الأدهان (تنجس) إذ لا يمكن تطهيره. وأما ما يمكن تطهيره -كالثوب- فيصح، ويجب البيان. فإن لم يبين وجب للمشتري الخيار، وإن كان الغسل لا يفسده. (و) لا يصح أن يباع (ما بلغ) من الحيوان (السياق): أي نزع الروح؛ بحيث لا يدرك بذكاة لو كان مباح الأكل لعدم الانتفاع به. قال أصبغ: لا بأس ببيع المريض ما لم تنزل به أسباب الموت، وكذا خشاش الأرض كالدود الذي لا نفع به. (و) لا (آلة غناء و) لا جارية (مغنية) من حيث غناؤها لعدم الانتفاع الشرعي وأما للخدمة أو الوطء فجائز. (ولا ككلب صيد) أو حراسة للنهي عن بيعه وإن كان طاهراً منتفعاً به وقيل بجواز بيعه.
(وجاز هر): أي بيعه للجلد وغيره
ــ
الحاضر؛ لأن في بقائه تحت يده وقت البيع مذلة ويمكن أن يقال إن ما تقدم يتولى الحاكم بيعه بحضرة. ربه إن لم يخرجه بهبة مثلاً. وأما هنا فيتعين على الحاكم بيعه لا غير بالتفصيل الذي ذكره الشارح.
قوله: [كمسافة عشرة أيام]: أي مع الأمن بدليل ما بعده.
تنبيه: إن باع الكافر عبده الكافر بخيار لمسلم أو كافر فأسلم العبد زمن الخيار فإن حصل إسلامه في خيار مشتر مسلم أمهل المشتري لانقضاء أمد الخيار فإن رده لبائعه جبر على إخراجه بما تقدم وأما إن حصل إسلامه في خيار الكافر فلا يمهل بل يستعجل بالرد أو الإمضاء؛ فإن أمضى جبر على إخراجه بما تقدم، وإن رد جبر الكافر البائع على إخراجه أيضاً، ولو باع المسلم عبده المسلم لكافر بخيار للبائع منع من الإمضاء كما لو أسلم العبد زمن الخيار وإن كان الخيار للمشتري الكافر استعجل كذا في الأصل.
قوله: [طهارة]: أي حاصلة أو مستحصلة كالخمر إذا تحجر أو تخلل. قوله: [كدهن تنجس]: أدخلت الكاف كل نجس لا يقبل التطهير. قوله: [لا ككلب صيد]: أي؛ لأنه نهي عن بيعه ففي الحديث: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن» .
قوله: [على تسليمه]: أي على تسليم البائع له وعلى تسليم المشتري له. قوله: [ولا القدر]: أي جملة وتفصيلاً، أو تفصيلاً فقط إلا في بيع الجزاف كما يأتي. قوله:[فهذه خمسة شروط]: أي في المعقود عليه ثمناً أو مثمناً ويضم لها سادس وهو التمييز في العاقد كما تقدم.
قوله: [وجزم بعضهم]: مراده به (بن). وحاصل ما فيه أنه ذكر ابن عرفة فيه ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً والجواز مطلقاً وقال أشهب بجوازه عند الضرورة وظاهر المدونة الكراهة إن لم تكن ضرورة وفي التحفة:
ونجس صفقته محظوره
…
ورخصوا في الزبل للضروره
قال (بن) وهو يفيد أن العمل على جواز بيع الزبل دون العذرة للضرورة ونقله في المعيار عن ابن لب وهو الذي به العمل عندنا وذكر بعضهم أن هذه الأقوال جارية في العذرة أيضاً اهـ. وقول بعض شراح خليل إن بيع الزبل لا يجوز بوجه وإنما يجوز إسقاط الحق فيه للضرورة كلام يضارب بعضه؛ لأن حقيقة البيع ما دل على الرضا وإسقاط الحق من ذلك القبيل فتأمل.
قوله: [ولو دبغ]: أي غير الكيمخت فإن الكيمخت متى دبغ طهر فيجوز بيعه على الراجح في المذهب. قوله: [إذ لا يمكن تطهيره]: ما ذكره من عدم صحة الزيت المتنجس هو المشهور من المذهب ومقابله ما روي عن مالك جواز بيعه وكان يفتي بها ابن اللباد. قال ابن رشد: المشهور عن مالك المعلوم من مذهبه في المدونة وغيرها أن بيعه لا يجوز: والأظهر في القياس أن بيعه جائز لمن لا يغش به إذا بين؛ لأن تنجيسه لا يسقط ملك ربه عنه ولا يذهب جملة المنافع منه قال (بن) وهذا على مذهب من لا يجيز غسله، وأما على مذهب من يجيز غسله فسبيله في البيع سبيل الثوب المتنجس.
قوله: [الذي لا نفع به]: احترز بذلك عن الدود الذي به النفع فإنه جائز مثل دود الحرير والدود الذي يتخذ لطعم السمك.
قوله: [وقيل بجواز بيعه]: هذا قول سحنون فإنه قال أبيعه وأحج بثمنه، وكلام التوضيح يفيد أن الخلاف في مباح الاتخاذ مطلقاً كان لصيد أو حراسة، وأما قول التحفة:
واتفقوا أن كلاب الماشيه
…
يجوز بيعها ككلب الباديه
فقد انتقد ولده عليه في شرحه حكاية الاتفاق في كلب الماشية بل الخلاف فيه ككلب الصيد.
كاصطياد الفأرة. (وسبع): أي بيعه (للجلد وكره) بيعهما (للحم) لكراهة أكل لحمهما.
(و) لا يصح أن يباع (آبق و) حيوان (شارد) لعدم القدرة على تسليمه. فلذا لو علم محله وصفته، وكان موقوفاً لصاحبه ليأخذه، جاز بيعه على الرؤية المتقدمة أو على الصفة كالغائب. لا إن كان عند كسلطان فلا يجوز؛ لأنه لا يقدر على نزعه منه إلا بمشقة. وكذا لو كان في أخذه منه خصومة فلا يجوز بيعه إذ كل ما في خلاصه خصومة - أي نزاع ورفع للحاكم - لم يجز بيعه لعدم القدرة على تسليمه ولو في أول حاله.
(و) لا يباع (مغصوب): لأنه بيع ما فيه خصومة فلا قدرة للبائع على تسليمه (إلا) أن يبيعه ربه (من غاصبه)، فيجوز (إن عزم) الغاصب (على رده) لربه. وأولى إن رده له بالفعل. فإن لم يعزم على رده لربه لم يجز بيعه له لأنه مقهور على بيعه منه؛ لأن الكلام في غاصب لا يقدر عليه إلا بمشقة. إلا أن القهر لا ينتج عدم صحة البيع، وإنما يفيد عدم اللزوم.
(وصح بيع مرهون) لغير راهنه (ووقف) إمضاؤه (على رضا المرتهن): فله إمضاؤه وتعجيل دينه وعدم الإمضاء. وسيأتي تفصيل المسألة في باب الرهن إن شاء الله تعالى.
(و) صح بيع (غير المالك) للسلعة - وهو المسمى بالفضولي - (ولو علم المشتري) أن البائع لا يملك المبتاع. وهو لازم من جهته منحل من جهة المالك. (ووقف) البيع (على رضاه) ما لم يقع البيع بحضرته وهو ساكت فيكون لازماً من جهته أيضاً وصار الفضولي كالوكيل. (والغلة للمشتري إذا لم يعلم بالتعدي) من بائعه بأن ظن أنه المالك أو أنه وكيل عنه أو لا علم عنده بشيء، فإن علم المشتري بتعدي البائع فالغلة للمالك إن رد البيع.
(و) صح بيع (عبد جان ووقف) البيع: أي إمضاؤه (على المستحق) للجناية (إن لم يدفع له السيد) البائع (أو المبتاع الأرش) أي أرش الجناية، فإن دفعه له أحدهما فلا كلام للمستحق. (ولا يرجع المبتاع) إذا دفعه للمستحق، وكان يزيد على الثمن؛ بأن كان الثمن عشرة والأرش أكثر (بزائد الأرش) على السيد، لأن من حجته أن يقول للمبتاع: أنت دفعت لي عشرة فلا يلزمني إلا ما دفعته لي. فإن كان الأرش قدر الثمن فأقل رجع به على سيده. (وله): أي للمشتري (رده): أي رد العبد لسيده (إن تعمدها) أي الجناية
ــ
وقوله: [كاصطياد الفأرة]: مثله أخذ الزباد منه.
قوله: [إن عزم الغاصب]: مثله جهل الحال على المعول عليه ومحل اشتراط العزم إذا كان الغاصب غير مقدور عليه بحيث لا تناله الأحكام وإلا جاز بيعه للغاصب من غير شرط؛ لأنه كبيعه للمودع.
تنبيه: قال في الـ (مج): وإن ملك الغاصب - بالتشديد - كأن باع ثم ملك - بالتخفيف - كأن ورث أو اشترى لا بقصد التحلل، فله الرجوع في تمليكه. أما إن قصد مجرد التحلل فلا. ومن فروع المقام: شريك دار باع الكل تعدياً ثم ملك حظ شريكه: يرجع فيه ويأخذ نصيبه بالشفعة اهـ.
قوله: [وأولى إن رده له بالفعل]: أي فالقول بأنه لا بد من مكثه عند ربه ستة أشهر فأكثر ضعيف.
قوله: [لأن الكلام في غاصب] إلخ: ولذلك قلنا إنه هو الذي يشترط فيه العزم، بخلاف الغاصب المقدور عليه. قوله:[وإنما يفيد عدم اللزوم]: أي فكان مقتضاه أنه لا يعد من محترزات الصحة بل من محترزات اللزوم فهو من محترزات عدم الإكراء.
قوله: [لغير راهنه] صوابه لغير مرتهنه. فتأمل.
قوله: [فله إمضاؤه وتعجيل دينه] إلخ: حاصله أنه إنما يكون للمرتهن رد بيع الرهن بأحد أمور ثلاثة: إن بيع بأقل من الدين ولم يكمل الراهن للمرتهن دينه، أو بغير جنس الدين ولم يأت برهن ثقة بدل الأول، أو يكون الدين مما لا يعجل كقرض أو طعام من بيع وإلا فلا رد له ويعجل دينه.
قوله: [وصح بيع غير المالك]: اختلف في القدوم عليه: فقيل بمنعه، وقيل بجوازه، وقيل بمنعه في العقار وجوازه في العرض. قوله:[ما لم يقع البيع بحضرته]: أي وكذا إذا بلغه بيع الفضولي وسكت عاماً من حين علمه من غير مانع يمنعه من القيام، ولا يعذر بجهل في سكوته.
وقوله: [والغلة للمشتري]: حاصل كلامه: أن الغلة للمشتري في جميع صور بيع الفضولي، إلا في صورة واحدة فالغلة فيها للمالك وهي إذا علم المشتري أن البائع غير مالك ولم تقم شبهة تنفي عنه العداء. وحيث أمضى المالك بيع الفضولي فإن المالك يطالب الفضولي بالثمن ما لم يمض عام. فإن مضى وهو ساكت سقط حقه، هذا إن بيع بحضرته. وإن بيع بغيرها ما لم تمض مدة الحيازة عشرة أعوام. وظاهر كلامهم: كان المبيع عقاراً أو عرضاً.
تنبيه: محل كون المالك ينقض بيع الفضولي إن لم يفت المبيع، فإن فات بذهاب عينه فقط كان على الفضولي الأكثر من ثمنه وقيمته ولا فرق بين كون الفضولي غاصباً أو غير غاصب - كذا في الأصل وحاشيته.
قوله: [وصح بيع عبد جان] إلخ: لم يذكر حكم الإقدام على بيعه مع علم الجناية. ولابن القاسم: من باع عبده بعد علمه بجنايته لم يجز إلا أن يحمل الأرش. ونقل أبو الحسن عن اللخمي الجواز واستحسنه
قوله: [على المستحق للجناية]: أي لتعلق الجناية برقبة العبد. قوله: [إن لم يدفع له السيد أو المبتاع الأرش]: أي فالخيار أولاً للسيد في دفع الأرش وعدمه فإن أبى خير المشتري في دفعه وعدم دفعه فإن أبى خير المستحق للجناية في رد البيع وأخذ العبد وإمضائه
ولم يعلم المشتري حال البيع بذلك، لأنه عيب (ونقض البيع): أي بيع الحالف الآتي ذكره. (ولا كلام للمشتري) في النقض وعدمه (في) يمين حنث بحرية عبد نحو: (إن لم أفعل به كذا) كإن لم أضربه أو أحبسه (فحر) ثم باعه قبل أن يفعل به ما حلف عليه. (و) إذا نقض (فعل) به (ما جاز) فعله - كضربه عشرة أسواط. (وإلا) يجز شرعاً؛ كما لو حلف: لأضربنه مائة سوط (نجز عتقه بالحكم) به من الحاكم. فإن فعل به ما لا يجوز قبل الحكم عليه برئ. وهذا فيما إذا كانت يمينه مطلقة أو مقيدة بأجل ولم ينقض. (ولا رد) للبيع (إن قيد [1]) في يمينه (بأجل): كلأضربنه في هذا الشهر ثم باعه (وانقضى) الأجل؛ (كاليمين بالله) فلا يرد البيع وعليه الكفارة نحو: والله لأضربنه، ثم باعه قبل الضرب (والطلاق) نحو: إن لم يضربه فامرأته طالق، ثم باعه قبل الضرب؛ فلا يرد البيع ولا يلزمه الطلاق ولا ينجز عليه - خلافاً لابن دينار. وإنما يمنع منها ويضرب له أجل الإيلاء إن شاءت كما هو مذهب المدونة لإمكان أن يرجع عليه، أو يضربه عند المشتري وتنحل يمينه. فإن قيد بأجل وانقضى طلقت، باعه أو لم يبعه.
ثم نبه على جواز بيع أشياء قد يتوهم فيها المنع بقوله: (وجاز بيع كعمود): أو حجر أو خشب، فلذا زدنا الكاف على كلامه (عليه بناء) لبائعه أو غيره، وعليه التعليق لبنائه وحذفنا قوله: "إن
انتفت الإضاعة" لقول ابن عبد السلام والقيد الأول لا حاجة إليه في هذا الباب كأن يبيع النفيس بالثمن القليل إلخ (إن أمن كسره): بأن ظن عدمه وإلا لم يجز لعدم القدرة على تسليمه: (ونقضه): أي العمود من محله (البائع) لأنه يشبه ما فيه حق توفية. فإن انكسر حال نقضه فضمانه من بائعه. وقيل: نقضه على المشتري فضمانه منه.
ــ
وأخذ الثمن.
قوله: [ولم يعلم]: أي وأما لو علم به حال الشراء فلا رد له لدخوله على ذلك العيب ككل مشتر علم العيب ودخل عليه. وقوله: [لأنه عيب]: إنما كان عيباً؛ لأنه لا يؤمن من عوده لمثلها. قوله [كإن لم أضربه أو أحبسه]: أي فإنه يرد البيع - كان المحلوف به جائزاً أم لا - ثم يفصل بعد ذلك كما قال الشارح.
قوله: [فإن فعل به ما لا يجوز] إلخ: أي ويعتق عليه بالحكم إن شانه، وإلا بيع عليه لدفع الضرر فعلم أنه يحكم برد البيع مطلقاً؛ حلف بما يجوز أو بما لا يجوز. لكن يرد لملكه المستمر فيما يجوز. وأما فيما لا يجوز فيرد لملكه ولا يستمر.
قوله: [ثم باعه وانقضى الأجل]: إنما لم يرد البيع في هذه؛ لأن يمينه قد ارتفعت ولم يلزمه عتق؛ لأن الأجل انقضى وهو في غير ملكه بمنزلة ما إذا مات قبل انقضاء الأجل. لا يقال: إنه يلزم من بيعه له عزمه على الضد، وبالعزم على الضد يحصل الحنث؛ لأننا نقول: يحمل على بيعه نسياناً أو ظناً أن المشتري لا يمنعه من ضربه وإن ضربه وهو عند المشتري يفيده.
قوله: [ولا يلزمه الطلاق]: أي بمجرد بيعه للعبد لا يلزمه الطلاق ولا ينجز عليه حيث كانت يمينه مطلقة، إلا إذا عزم على الضد.
تنبيه: لو حلف بحرية عبده إن لم يضربه مثلاً فكاتبه ثم ضربه، قال ابن المواز: يبر وقال أشهب: لا يبر ويمضي على كتابته ويوقف ما يؤديه لسيده من نجوم الكتابة، فإن عتق بالأداء تم فيه الحنث وصار حراً وأخذ كل ما أدى، وإن عجز ضربه إن شاء اهـ. من الخرشي بتصرف.
قوله: [قد يتوهم فيها المنع]: أي؛ لأنه مظنة عدم القدرة على تسليمه. قوله: [وعليه التعليق]: أي يلزم البائع تعليق بنائه وحفظه فإن انهدم ضاع عليه.
قوله: [وحذفنا قوله إن انتفت الإضاعة]: أي فإن الشيخ ذكره: ويتصور انتفاء الإضاعة - على القول باشتراطه - بكون البناء الذي على نحو العمود لا كبير ثمن له أو مشرفاً على السقوط، أو لكون المشتري أضعف الثمن للبائع أو قدر على تعليق عليه. فإن لم تنتف الإضاعة - على كلام الشيخ - لا يجوز، والبيع صحيح. فهو شرط في الجواز لا في الصحة.
قوله: [لا حاجة إليه]: أي؛ لأنه إنما ينهى عن إضاعة المال إذا لم يكن في نظير شيء أصلاً. وقاسه على بيع الغبن، وبيع الغبن جائز، وبحث في تعليله بأن ما ضاع لأحد المتبايعين في الغبن ينتفع به الآخر. وفي البناء ينقض ولا ينتفع به، فهو إضاعة محضة وهو من الفساد المنهي عنه كما في التنبيهات ونصه قالوا إنما هذا إذا كان يمكن تدعيمه وتعليقه ولو كان البناء الذي عليه لا يمكن نزع العمود إلا بهدمه لكان من الفساد في الأرض الذي لا يجوز اهـ. (بن).
قوله: [بأن ظن عدمه]: أي أو تحقق ومفهومه ثلاث صور تحقق الكسر أو ظنه أو الشك فيه فيمنع في ثلاث ويجوز في صورتين فتكون الصور خمساً. قوله: [وإلا لم يجز لعدم القدرة على تسليمه]: أي فلا يجوز ولا يصح؛ لأن القدرة على التسليم من شروط الصحة كما تقدم بخلاف الشرط الأول على القول به. فهو من شروط الجواز فانعدامه لا ينافي الصحة.
قوله: [ونقضه] إلخ: جملة مستأنفة لبيان حكم المسألة لا أنه معطوف على الشروط.
قوله: [وقيل نقضه على المشتري]: قال في الحاشية: إن كلاً من القولين قد رجح والظاهر منهما الأول ومحل القولين في نقض العمود كما علمت وأما نقض
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قدر).
(و) جاز بيع (هواء فوق هواء): وأولى فوق بناء؛ كأن يقول المشتري لصاحب أرض: بعني عشرة أذرع من الهواء فوق ما تبنيه بأرضك، (إن وصف البناء) الأعلى والأسفل للأمن من الغرر والجهالة. ويملك الأعلى جميع الهواء الذي فوق بناء الأسفل، ولكن ليس له أن يزيد على ما شرط عليه.
(و) جاز (عقد على غرز جذع بحائط، وهو): أي العقد المذكور (مضمون): أي لازم أبداً؛ فيلزم رب الحائط أو وارثه أو المشتري إعادة الحائط [1] إن هدم، وترميمه إن وهى. (إلا أن تعين مدة): كسنة أو أكثر (فإجارة) أي فيكون العقد المذكور إجارة تنقضي بانقضاء المدة (وتنفسخ بانهدامه) ويرجع للمحاسبة قبل تمام المدة.
(ولا) يصح أن يباع (مجهول) للمتبايعين أو أحدهما، من ثمن، أو مثمن ذاتاً، أو صفة، بل (ولو) تعلق الجهل (بالتفصيل): أي تفصيل الثمن أو المثمن. ومثل للجهل بتفصيل الثمن بقوله: (كعبدي رجلين) معلومين لكل واحد منهما عبد (بكذا): بمائة مثلاً؛ أي أن العبدين المعلومين كلاهما بمائة. فهذا جهل بتفصيل الثمن؛ إذ لا يعلم ما يخص كل واحد منه، فلذا لو سمى المشتري لكل عبد ثمناً بعينه لجاز. ومثل لجهل الصفة بقوله:(وكرطل من شاة) مثلاً (قبل السلخ) وأولى قبل الذبح بكذا، فلا يصح؛ لأنه لا يدري ما صفة اللحم بعد سلخه وأما بعد السلخ فجائز. ومثل لما جهل قدره، أو قدره وصفته، أو قدره وصفته وذاته -بحسب الأحوال- بقوله:
(و) نحو (تراب كصائغ) وعطار. (ورده) المشتري (لبائعه) لعدم صحة البيع (ولو خلصه) من ترابه. (وله): أي للمشتري (الأجر) في نظير تخليصه (إن لم يزد) الأجر (على قيمة الخارج): بأن كان الأجر قدره فأقل، فإن زاد - بأن كان الأجر عشرة والخارج خمسة - لم يدفع له إلا خمسة. فإن لم يخرج شيء فلا شيء له ويرجع بالثمن الذي دفعه للبائع على كل حال لفساد البيع. وقيل: له أجر مثله ولو زاد على ما خرج، وهو ظاهر إطلاق الشيخ ورجح. وما ذكرناه أظهر؛ لأنه خلصه لنفسه لا للبائع (بخلاف) تراب (معدن ذهب أو فضة) بيع بغير صنفه، فيجوز. (و) بخلاف (جملة شاة قبل السلخ) فيجوز قياساً على الحي الذي لا يراد إلا للذبح.
(و) بخلاف (حنطة في سنبل بعد يبسها) قبل حصده وبعده قتاً ومنفوشاً، (أو) في (تبن) بعد الدرس
ــ
البناء الذي حوله فعلى البائع اتفاقاً.
قوله: [فوق هواء] إلخ: أي وأما هواء فوق الأرض كأن يقول إنسان لصاحب أرض: بعني عشرة أذرع من الفراغ الذي فوق أرضك أبني فيه بيتاً، فيجوز ولا يتوقف على وصف البناء إذ الأرض لا تتأثر بذلك ويملك المشتري باطن الأرض.
قوله: [إن وصف البناء] إلخ: أي بأن يصف ذات البناء من العظم والخفة والطول والقصر ويصف ما يبني به من حجر أو آجر. ويأتي هنا قوله فيما يأتي: وهو مضمون إلا أن تعين مدة فإجارة. كما أنه حذف مما يأتي قوله هنا: إن وصف، فقد حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر؛ ففي كلامه احتباك فتأمل.
قوله: [وترميمه إن وهي]: أي وأما إن حصل خلل في موضع الجذع فإصلاحه على المشتري إذ لا خلل في الحائط. قوله: [إلا أن تعين مدة]: فإن جهل الأمر حمل على البيع كذا في (بن).
قوله: [وتنفسخ بانهدامه]: أي لتلف ما يستوفى منه. وسيأتي في الإجارة أنها تنفسخ بتلف ما يستوفى منه لا به.
قوله: [مجهول للمتبايعين]: أي فلا بد من كون الثمن والمثمن معلومين للبائع والمشتري، وإلا فسد البيع وجهل أحدهما كجهلهما، سواء علم العالم بجهل الجاهل أو لا. وقيل: يخير الجاهل منهما إذا لم يعلم العالم بجهله.
قوله: [ذاتاً أو صفة]: فجهل الذات: كأن يشتري ذاتاً لا يدري ما هي. وجهل الصفة: كأن يعلم أنها شاة مثلاً ويجهل سلامتها من العيوب. قوله: [لكل واحد منهما عبد]: مثل ذلك ما لو كان لأحدهما عبد والآخر مشترك بينهما أو مشتركان بينهما على التفاوت كثلث من أحدهما والثلثين من الآخر ويبيعانهما صفقة واحدة ولا مفهوم لعبدين ولا لرجلين. ومفهوم قولنا: "على التفاوت" أنه لو كانا يملكانهما على السواء ويبيعانهما صفقة واحدة لا يضر الجهل فيهما؛ لأن الثمن معلوم التفصيل بعد البيع. قوله: [فلذا لو سمى المشتري]: أي وكذا لو اتفقا أن يجعلا لهذا العبد ثلثاً وللآخر ثلثين من الثمن.
قوله: [وكرطل من شاة]: محل المنع إن كان البيع على البت وأما على الخيار عند الرؤية فجائز ومحل كلام المصنف إذا لم يكن المشتري للرطل هو البائع ووقع الشراء عقب البيع وإلا فيجوز كما سيأتي من جواز استثناء الأرطال لعلم البائع بصفة لحم شاته.
قوله: [ونحو تراب كصائغ]: انظر هل يلحق به هباب الأفران؟ أو يجوز شراؤها إن وجدت فيها شروط الجزاف؟ وهو الظاهر.
قوله: [ولو خلصه من ترابه]: رد بلو على ما قاله ابن أبي زيد من أنه لا يرد ويبقى لمشتريه ويغرم قيمته على غرره على فرض جواز بيعه. قوله: [وما ذكرناه أظهر]: أي وهي طريقة ابن يونس فالأجرة عنده منوطة بالتخليص فإذا زادت الأجرة على ما خلصه فليس له إلا ما خلصه.
قوله: [بيع بغير صنفه فيجوز]: أي سواء كان البيع جزافاً أو كيلاً.
قوله: [وبخلاف جملة شاة]: أي تباع جزافاً وأما وزناً فيمنع لما فيه من بيع لحم وعرض وزناً فإن الجلد والصوف عرض، كذا علل في الأصل. وهو يقتضي الجواز إذا استثنى العرض وليس كذلك. فالأولى ما قال بعضهم: من أن علة المنع
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (إعادة الحائط) ساقط من ط المعارف.
فيجوز (إن وقع) البيع (على كيل) في الأربع صور، نحو: بعتك جميع حب هذا كل أردب بكذا أو بعتك من حبه أردباً بكذا؛ كالصبرة الآتي بيانها. ولا يجوز جزافاً إلا أن يبيعه بقته وتبنه فيجوز في غير المنفوش، وهو معنى قوله:(و) بخلاف (قت من نحو قمح) مما يمكن حزره كالذرة ومثله القائم بأرضه فيجوز (جزافاً، لا) إن كان (منفوشاً) فلا يجوز، ومثل الحنطة غيرها من الحبوب.
فالحاصل أن للزرع خمسة أحوال: قائم بالأرض وغير قائم، وغير القائم: إما قت، وإما منفوش، وإما في تبنه في الجرين، وإما خالص بعد التذرية؛ وهو المشار إليه بالصبرة الآتي بيانها. فبيع الحب خاصة جائز في الجميع إن وقع بكيل، وبيعه بقته يجوز جزافاً فيما عدا المنفوش، وكذا بيع الصبرة جزافاً بشروط الجزاف الآتية.
(و) بخلاف (زيت زيتون بوزن) فيجوز، نحو: بعتك زيت هذا الزيتون كل رطل بكذا. (ودقيق حنطة) ونحوها فيجوز، نحو: بعتك دقيق هذه الحنطة كل صاع بكذا. (إن لم يختلف الخروج): أي خروج الزيت أو الدقيق عادة. فإن اختلف بأن كان تارة يخرج له زيت أو دقيق، وتارة لا يخرج، لم يجز البيع للغرر، لكن الخروج وعدمه يكثر في الزيت دون الحبوب فلذا قدم الشيخ هذا الشرط عند الزيت. (ولم يتأخر) عصر الزيت أو طحن الحب (أكثر من نصف شهر) وإلا لزم السلم في معين وهو ممنوع.
(و) بخلاف (صاع) من هذه الصبرة بكذا (أو كل صاع من صبرة) معينة وأريد بيع الجميع؛ لأن الجهل وإن تعلق بجملة الثمن ابتداء لكن يعلم تفصيله بالكيل فاغتفر (أو كل ذراع من شقة، أو كل رطل من زيت): أي فلا فرق بين المكيلات والمقيسات والموزونات فيجوز (إن أريد الكل): أي شراء الجميع مما ذكر (أو عين قدر) منه كصاع أو عشرة آصع بكذا أو ذراع أو عشرة أذرع أو رطل أو عشرة أرطال (وإلا): بأن أريد بعض غير معين (فلا) يجوز وهو معنى قوله: "لا منها وأريد البعض" للجهل بجملة الثمن والمثمن فلم يغتفر.
ــ
أن الوزن يقتضي أن المقصود اللحم وهو مغيب بخلاف الجزاف فإن المقصود الذات بتمامها وهي مرئية. وعبارة الخرشي: إنما جاز بيعها جزافاً؛ لأنها تدخل في ضمان المشتري بالعقد؛ لأن المبيع الذات المرئية بتمامها كشاة حية بخلاف ما إذا وقع البيع للشاة بتمامها قبل السلخ على الوزن فالمقصود حينئذ ما شأنه الوزن وهو اللحم فيرجع لبيع اللحم المغيب المجهول الصفة اهـ.
قوله: [فيجوز إن وقع البيع على كيل]: أي ويشترط أن لا يتأخر تمام حصده ودراسه أكثر من خمسة عشر يوماً وإلا منع لما فيه من السلم في معين. هذا إذا كان التأخير مدخولاً عليه بالشرط أو العادة وإلا فلا يضر التأخير، كما يؤخذ من الموطأ وشراح خليل في باب السلم. وما قيل هنا يقال في زيت الزيتون ودقيق الحنطة. قوله:[نحو بعتك جميع حب هذا]: أي ويقال له جزاف على الكيل.
قوله: [كالذرة]: أي الذي ثمرته في رأسه كالعويجة والأصفر بخلاف الذرة المسمى بالشامي فإنه لا يباع جزافاً وهكذا كل ما ثمرته ساقه لا في رأسه.
قوله: [جائز في الجميع إن وقع بكيل]: أي بشرطه المتقدم.
قوله: [يجوز جزافاً فيما عدا المنفوش]: هذا مجمل. وحاصله: أن القت والقائم يجوز فيهما الجزاف بشروطه. والمنفوش وما في تبنه إن رآهما المشتري في أرضهما قبل الحصد جاز فيهما الجزاف أيضاً بشروطه وإن لم يرهما لم يجز. فلا فرق بين المنفوش وما في تبنه.
قوله: [فإن اختلف بأن كان تارة] إلخ: مثله الاختلاف في القلة والكثرة والصفاء والجودة. ومحل منعه عند اختلاف الخروج ما لم يشتر على الخيار وإلا جاز ولو اختلف الخروج.
قوله: [وإلا لزم السلم في معين]: أي؛ لأن أقل أجل السلم نصف شهر، فلو تأخر حصل أجر السلم. وشرط صحة السلم المؤجل بهذا الأجل أن يكون المسلم فيه في الذمة لا في معين.
قوله: [وأريد بيع الجميع]: راجع للثانية. وحاصله: أن المشتري إذا قال للبائع: أشتري منك صاعاً من هذه الصبرة، أو أشتري منك كل صاع من هذه الصبرة بكذا، وأراد في الصورة الثانية شراء جميعها كان البيع جائزاً سواء كانت الصبرة معلومة الصيعان أم لا؛ لأنها إن كانت معلومة الصيعان كانت معلومة الجملة والتفصيل. وإن كانت مجهولته كانت مجهولة الجملة معلومة التفصيل. وجهل الجملة فقط لا يضر كما علم.
قوله: [بأن أريد بعض غير معين فلا يجوز]: الحاصل أنه إذا أتى ب " من " كقوله: أشتري من هذه الصبرة كل إردب بدينار، أو أشتري من هذه الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري من هذه الشمعة كل رطل بكذا، فإن أريد بها التبعيض منع، وإن أريد بها بيان الجنس - والقصد أن يقول: أبيعك هذه الصبرة كل إردب بكذا، فلا يمنع. وأما إن لم يرد بها واحد منهما فطريقتان؛ المنع لتبادر التبعيض منها، وهو ما يفيده كلام ابن عرفة، والجواز لاحتمال زيادتها. وهذه الطريقة متبادرة من المصنف؛ لأنه قيد المنع بإرادة البعض. وأقوى الطريقتين الأولى كما يفيده كلام (بن) نقلاً عن الفاكهاني، فانظره، ومثل الإتيان ب "من" وإرادة البعض في المنع، كما إذا قال أشتري منك ما يحتاج له الميت من هذه
(و) بخلاف بيع (جزاف) مثلث الجيم -فارسي معرب- وهو: بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جملة بلا كيل ولا وزن ولا عد، والأصل فيه المنع للجهل، لكن أجازه الشارع للضرورة والمشقة فيجوز بشروط سبعة:
أشار للأول بقوله: (إن رئي) حال العقد أو قبله واستمر على حاله لوقت العقد. ولا يجوز بيعه على الصفة، ولا على رؤية متقدمة يمكن فيها التغيير. وهذا ما لم يلزم على الرؤية فساد المبيع؛ كقلال الخل مطينة يفسدها فتحها، وإلا جاز. ويكفي حضورها مجلس العقد. وللثاني بقوله:(ولم يكثر جداً) أي يكون كثيراً لا جداً، فإن كان كثيراً جداً بحيث يتعذر حزره، أو قل جداً بحيث يسهل عده، لم يجز جزافاً. بخلاف ما قل جداً من مكيل أو موزون فيجوز. (وجهلاه) معاً: أي جهلا قدر كيله أو وزنه أو عدده (وحزراه) أي خمنا قدره عند إرادة العقد عليه.
(واستوت أرضه) في اعتقادهما، وإلا فسد العقد. ثم إن ظهر الاستواء فظاهر وإلا فالخيار لمن لزمه الضرر. (وشق عده): أي كان في عده مشقة إن كان معدوداً كالبيض، وأما ما شأنه الكيل - كالحب - أو الوزن - كالزيتون - فلا يشترط فيه للمشقة [1]. (ولم تقصد أفراده) أي آحاده بالبيع فإن قصدت كالثياب والعبيد لم يجز بيعه جزافاً. (إلا أن يقل ثمنها) عادة:(كرمان) وتفاح وبيض فيجوز.
فعلم أن الشروط الخمسة: الأول عامة، وأن الشرطين الآخرين خاصان بالمعدود.
ــ
الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري منك ما يكفيني قميصاً من هذه الشقة كل ذراع بكذا، أو أشتري منك ما توقده النار من هذه الشمعة في الزفاف كل رطل بكذا.
تنبيه: يجوز للشخص أن يبيع نحو الشاة ويستثني قدراً من الأرطال أقل من ثلثها إن بيعت قبل الذبح أو السلخ. فإن بيعت بعدهما جاز له استثناء ما شاء وكذا له استثناء جزء شائع مطلقاً، قل أو كثر قبل السلخ أو بعده. ولا يجوز لمستثني الأرطال أخذ شيء بدلها. ويجوز بيع الصبرة أو الثمرة جزافاً ويستثنى قدر الثلث فأقل إن كان المستثنى كيلاً وفي الجزء الشائع يستثني ما شاء.
قوله: [وبخلاف بيع جزاف]: عرفه ابن عرفة بقوله: وهو بيع ما يمكن علم قدره دون أن يعلم اهـ.
قوله: [أو قبله واستمر على حاله] إلخ: هذا مبني على ما اختاره ابن رشد من أنه لا يشترط في الجزاف الحضور سواء كان زرعاً قائماً أو صبرة طعام أو غيرهما وإنما يشترط فيه الرؤية بالبصر سواء كانت مقارنة للعقد أو سابقة عليه. وهذا بخلاف رواية ابن القاسم عن مالك من اشتراط حضور بيع الجزاف حين العقد إلا الزرع القائم والثمار في رؤوس الأشجار فيغتفر فيهما عدم الحضور إن تقدمت الرؤية واختار (ح) هذه الطريقة.
قوله: [ولم يكثر جداً] إلخ: حاصله أن ما كثر جداً يمنع بيعه جزافاً سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو معدودا لتعذر حزره. وما كثر لا جداً يجوز بيعه جزافاً مكيلاً كان أو معدوداً أو موزوناً لإمكان حزره. وأما ما قل جداً فيمنع بيعه جزافاً إن كان معدوداً؛ لأنه لا مشقة له في علمه بالعد، ويجوز إن كان مكيلاً أو موزوناً ولو كان لا مشقة في كيله أو وزنه. قوله:[وجهلاه]: أي من الجهة التي وقع العقد عليها، بكبيعه عدداً وهما يجهلان عدده ويعرفان وزنه؛ لأن المبيع إذا كان له جهتان - كوزن وعدد - وجهل من الجهة التي وقع العقد عليها وجد شرطه.
قوله: [وحزراه]: أي ولا بد أن يكون كل منهما من أهل الحزر بأن اعتاداه، وإلا فلا يصح. فلو وكلا من يحزره وكان من أهل الحزر كفى، كانا من أهل الحزر أم لا. فالشرط حزر البيع بالفعل من أهل الحزر كان الحزر منهما أو ممن وكلاه.
قوله: [في اعتقادهما]: مراده بالاعتقاد ما يشمل الظن. قوله: [فلا يشترط فيه المشقة]: والفرق أن المكيل والموزون مظنة المشقة لاحتياجهما لآلة وتحرير وذلك لا يتأتى لكل الناس بخلاف العد. لتيسره لغالب الناس.
قوله: [ولم تقصد أفراده]: أي بأن كان التفاوت بينهما كثيراً فإن قل التفاوت جاز، وهو معنى قوله: إلا أن يقل ثمنها؛ فهو مستثنى من مفهوم ما قبله. فإن قصدت أفراده فلا يجوز بيعه جزافاً ولا بد من عده إلا أن يقل ثمن تلك الأفراد فإنه يجوز بيعه جزافاً ولا يضر قصد الأفراد. فعلم من المصنف أن ما يباع جزافاً إما أن يعد بمشقة أو لا، وفي كل: إما أن تقصد أفراده أو لا، وفي كل: إما أن يقل ثمنها أو لا. فمتى عد بلا مشقة لم يجر جزافاً قصدت أفراده أو لا، قل ثمنها أو لا. ومتى عد بمشقة. فإن لم تقصد أفراده جاز بيعه جزافاً قل ثمنها أو لا. وإذا قصدت جاز إن قل ثمنها بالنسبة لبعضها مع بعض ومنع إن لم يقل. فالمنع في خمسة أحوال والجواز في ثلاثة.
قوله: [كرمان]: ومثله البطيخ وإن اختلفت آحاده كما في العتبية والموازية.
تنبيه: بقي من شروط الجزاف: أن لا يشتريه مع مكيل على ما سيأتي. وأما عدم الدخول عليه، فقيل: إنه شرط لا بد منه. وعليه فلا يجوز أن تدفع درهماً لعطار ليعطيك به شيئاً من الأبزار من غير وزن، ولا لفوال ليدفع لك به فولاً حاراً أو مدمساً، ولا أن تأتي لجزار وتتفق معه على أن يكوم لك لحماً وتشتريه جزافاً. فلا بد في الجواز في جميع ما تقدم أن يكون مجزفاً عنده قبل طلبك. وقيل
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (المشقة).
(لا إن لم ير) فلا يصح بيعه جزافاً. (وإن) كان غير المرئي (ملء ظرف) فارغ: كقفة يملؤها حنطة بدرهم أو قارورة يملؤها زيتاً مثلاً بكذا (ولو) كان الظرف مملوءاً فاشتراه جزافاً بدرهم على أن يملأه (ثانياً) من ذلك المبيع بدرهم (بعد تفريغه): لأن الثاني غير مرئي حال العقد وليس الظرف مكيلاً معلوماً (إلا نحو سلة زبيب) وتين وقربة ماء وجراره مما صار في العرف كالمكيال لذلك الشيء، فيجوز شراء مثله فارغاً وملئه ثانياً بعد تفريغه بدرهم مثلاً [1]. والسلة بفتح السين: الإناء الذي يوضع فيه التين ونحوه. (ولا إن كثر جداً) بحيث لا يمكن حزره عادة فلا يجوز بيعه جزافاً. (أو علمه أحدهما) فلا يجوز جزافاً. (فإن علم الجاهل) بقدره (حين العقد بعلمه): أي بعلم صاحبه لقدره (فسد) البيع ورده إن كان قائماً وإلا فالقيمة. (و) إن علم الجاهل بعلم صاحبه (بعده) أي بعد العقد (خير) في الرد والإمضاء.
(أو قصدت الأفراد) ولم يقل ثمنها (كثياب) فلا يجوز بيعها جزافاً (ونقد) ذهب أو فضة (والتعامل): أي والحال أن التعامل بذلك النقد (بالعدد) فإن كان التعامل بالوزن فقط جاز لعدم قصد الأفراد حينئذ (ولا) يجوز (جزاف) كان مما أصله أن يكال كالحب أم لا - (مع مكيل) من نوعه أو غيره - كان مما أصله أن يباع جزافاً أو كيلاً - لخروج أحدهما أو خروجهما معاً عن الأصل.
فهذه أربع صور؛ استثنى منها صورة بقوله: (إلا أن يأتيا) معاً (على الأصل؛ كجزاف أرض مع مكيل حب) كأردب حنطة في عقد واحد؛ (فيجوز كجزافين) مطلقاً جاء كل على الأصل أو أحدهما أو لا. كقطعة أرض مع قطعة أرض أخرى في عقد واحد بكذا أو كقطعة أرض مع صبرة قمح أو مع إردب من قمح وكصبرة مع أخرى. (ومكيلين مطلقاً) فيجوز في عقد واحد؛ كمائة ذراع من أرض ومثلها من أخرى أو مع إردب قمح أو إردب قمح مع أردب فول بكذا. (وجزاف مع عرض) فيجوز في صفقة واحدة؛ كصبرة حب أو قطعة أرض مع عبد ونحوه مما لا يباع جزافاً.
(وجاز) البيع (على رؤية بعض المثلي) من مكيل وموزون كقطن وكتان
ــ
لا يضر الدخول عليه وهي فسحة، واختاره في الحاشية.
قوله: [لا إن لم ير]: أي يبصر حين العقد ولا قبله ولو كان حاضراً. وظاهره منع بيع غير المرئي، ولو وقع على الخيار للخروج عن الرخصة.
قوله: [كقفة] إلخ: أي حيث كانت القفة أو القارورة غير معروفة القدر وإلا كان مكيالاً معلوماً فيخرج عن الجزاف، وأما شرط ما في المكيال المجهول جزافاً فجائز بشروطه لا على أنه مكيل به.
قوله: [فسد البيع] إلخ: أي لتعاقدهما على الغرر. قوله: [وإلا فالقيمة]: أي؛ لأنه مثلي مجهول القدر.
قوله: [فإن كان التعامل بالوزن فقط جاز]: أي كانت مسكوكة أم لا، وأما بالعدد أو بالوزن والعدد فيمنع مسكوكة أم لا هذا هو المعتمد. قوله:[كان مما أصله أن يكال]: إلخ: لما كان الغرر المانع من صحة البيع قد يكون بسبب انضمام معلوم لمجهول؛ لأن انضمامه إليه يصير في المعلوم جهلاً لم يكن، وكان في ذلك تفصيل، شرع المصنف يبينه في هذا المبحث.
قوله: [كان مما أصله أن يباع جزافاً]: أي كالأرض.
وقوله: [أم لا]: أي كالحب. قوله: [لخروج أحدهما]: أي في صورتين وهي جزاف حب مع مكيل منه ومكيل أرض مع جزاف أرض. وقوله: [أو خروجهما معاً]: أي في صورة؛ وهي مكيل أرض مع جزاف حب. قوله: [فهذه أربع صور]: أي ثلاثة منها ممنوعة والرابعة المستثناة. قوله: [كجزاف أرض مع مكيل حب]: أي كقطعة أرض مجهولة القدر يشتريها مع إردب قمح بدينار مثلاً.
قوله: [كجزافين مطلقاً]: قدر الشارح هنا. قوله: مطلقاً إشارة إلى أنه حذفه من الأول لدلالة الثاني عليه. قوله: [كقطعة أرض مع قطعة أرض أخرى] إلخ: تمثيل على سبيل اللف والنشر المرتب.
قوله: [ومكيلين مطلقاً]: أي خرجا عن الأصل أو أحدهما أو لا، وقول الشارح: كمائة ذراع من أرض إلخ: تمثيل على سبيل اللف والنشر المرتب أيضاً.
قوله: [وجزاف مع عرض]: أي خرج ذلك الجزاف عن الأصل أم لا، بدليل تمثيل الشارح. قوله:[مما لا يباع جزافاً]: أي ولا كيلاً كسائر الحيوانات.
تنبيه: يجوز جزافان في صفقة واحدة على كيل أو وزن أو عدد إن اتحد ثمنهما وصفتهما، كصبرتي قمح اشتراهما على الكيل كل صاع منهما بدرهم. فلو اختلف الثمن فيهما - كما لو اشترى كل صاع من إحداهما بدرهم والأخرى بنصف درهم. أو اختلفت الصفة كقمح وشعير أو الجودة والرداءة - منع ولو اتحد الثمن، ولا يضاف لجزاف بيع على كيل أو وزن أو عدد غيره مطلقاً مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً من جنسه أو من غير جنسه. فلا يجوز أن تبيع صبرة كل قفيز منها بكذا على أن مع المبيع سلعة كذا من غير تسمية ثمن لها بل ثمنها من جملة ما اشترى به المكيل؛ لأن ما يخص السلعة حين البيع مجهول اهـ. ملخصاً من الأصل.
قوله: [على رؤية بعض المثلي]: أي يجوز العقد مكتفياً بذلك في معرفة الصفة سواء كان البيع بتاً أو على الخيار ولو جزافاً؛ لما مر أن رؤية البعض كافية فيه كرؤية السمن في حلق الجرة مثلاً. ويشترط في رؤية ذلك البعض في الجزاف أن يكون
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
بخلاف المقوم فلا يكفي رؤية بعضه كثوب من أثواب (و) على رؤية (الصوان) بكسر الصاد المهملة وضمها وتخفيف الواو: ما يصون الشيء كقشر الرمان والجوز واللوز فلا يشترط كسر بعضه ليرى ما في داخله ومن ذلك البطيخ.
(و) على رؤية (البرنامج) بفتح الباء وكسر الميم: الدفتر المكتوب فيه صفة ما في العدل من الثياب المبيعة؛ أي يجوز أن يشتري ثياباً مربوطة في العدل معتمداً فيه على الأوصاف المذكورة في الدفتر؛ فإن وجدت على الصفة لزم، وإلا خير المشتري؛ إن كانت أدنى صفة، فإن وجدها أقل عدداً وضع عنه من الثمن بقدره. فإن كثر النقص أكثر من النصف لم يلزمه ورد به البيع. فإن وجدها أكثر عدداً كان البائع شريكاً معه بنسبة الزائد وقيل يرد ما زاد. قال ابن القاسم: والأول أحب إلي.
(و) لو قبضه المشتري وغاب عليه وادعى أنه أدنى أو أنقص مما هو مكتوب في البرنامج (حلف البائع أن ما في العدل موافق للمكتوب) حيث أنكر ما ادعاه المشتري: أي فالقول للبائع بيمينه؛ (وإلا) بأن نكل (حلف المشتري ورد البيع) وحلف أنه ما بدل فيه وأن هذا هو المبتاع بعينه، فإن نكل كالبائع لزمه. (كدفع [1] لدراهم) كانت عليه ديناً أو أقرضها لغيره (ادعى عليه): أي ادعى عليه آخذها (أنها رديئة أو ناقصة)، فالقول لدافعها بيمين أنه ما دفع إلا جياداً أو كاملة، فإن نكل حلف آخذها وردها أو كمل له دافعها النقص. وهذا إذا قبضها آخذها على المفاضلة. فإن قبضها ليزنها أو لينظر فيها فالقول للقابض بيمينه.
(و) جاز (بيع) لسلعة (على الصفة) لها من غير بائعها بل (وإن من البائع، إن لم يكن) المبيع (في مجلس العقد) بأن كان غائباً عن مجلسه (وإن) كان (بالبلد) فلا يشترط لصحة البيع حضوره.
(وإلا) يكن غائباً عنه (فلا) يصح بيعه على الصفة ولا (بد من الرؤية) له لتيسر علم الحقيقة (إلا أن يكون في فتحه ضرر) للمبيع (أو فساد له) فيجوز بيعه على الصفة، ثم إن وجده عليها فالبيع لازم وإلا فللمشتري رده.
ــ
متصلاً كالمثال. قوله: [بخلاف المقوم]: أي كعدل مملوء من القماش، فلا تكفي رؤية بعضه على ظاهر المذهب كما في التوضيح. وقال ابن عبد السلام: الروايات تدل على مشاركة المقوم للمثلي في كفاية رؤية البعض إذا كان المقوم من صنف واحد اهـ. والراجح الأول. ومحل عدم الاكتفاء برؤية البعض فيه إن لم يكن في نشره إتلاف وإلا اكتفى برؤية البعض.
قوله: [وضع عنه من الثمن بقدره]: أي كما قال في المدونة. قوله: [لم يلزمه ورد به البيع]: أي إن شاء. ولا يتعين الرد. وليس هذا من قبيل قوله الآتي: ولا يجوز التمسك بأقل استحق أكثره؛ لأن ذلك في المعين وما هنا في الموصوف. وإنما اغتفر الاعتقاد على الدفتر لما في حل العدل من الحرج والمشقة على البائع من تلويث شيئه ومؤن شده إن لم يرضه المشتري، فأقيمت الصفة مقام الرؤية وإن كان الشيء حاضراً. قوله:[حلف البائع] إلخ: حاصل ما ذكره المصنف: أن المشتري على البرنامج إذا ادعى بعد قبض المتاع - وغاب عليه أو تلف البرنامج - عدم موافقة ما في العدل لما في البرنامج وادعى البائع الموافقة، فإن البائع يحلف أن ما في العدل موافق للمكتوب في البرنامج وهذا إذا قبضه على تصديق البائع فإن قبضه على أن المشتري مصدق كان القول قول المشتري. وكذا إذا قبضه ليقلب وينظر، قاله أبو الحسن نقلاً عن اللخمي اهـ. (بن). إن قلت: القاعدة أن الذي يحلف المدعى عليه لا المدعي؟ وهنا قد حلف البائع وهو مدع للموافقة. قلت: البائع وإن ادعى الموافقة إلا أنه في المعنى مدعى عليه؛ لأن المدعى عليه هو من ترجح قوله بمعهود أو أصل والأصل هنا الموافقة.
قوله: [حلف المشتري]: أي على المخالفة.
قوله: [أنه ما دفع إلا جياداً]: تصوير لصيغة متعلق يمينه ويحلف في نقص العدد على البت وفي نقص الوزن والغش على نفي العلم، إلا أن يتحقق أنها ليست من دراهمه فيحلف على البت فيهما. وقيل: يحلف في نقص الوزن على البت مطلقاً كنقص العدد واعتمده في الحاشية.
قوله: [وجاز بيع لسلعة على الصفة]: أي على البت أو الخيار أو السكوت.
قوله: [بل وإن من البائع]: رد بالمبالغة على من منع الشراء على اللزوم معتمداً على وصف البائع، ففي الموازية والعتبية: لا يجوز أن يباع الشيء بوصف بائعه؛ لأنه لا يوثق بوصفه إذ يقصد الزيادة في الصفة لإنفاق السلعة، وهو خلاف ما ارتضاه ابن رشد واللخمي من جواز البيع بوصف البائع. نعم لا يجوز النقد فهو شرط في النقد عندهما لا في صحة البيع فمتى كان الوصف من البائع منع النقد كان تطوعاً أو بشرط كان المبيع عقاراً أو غيره كما ارتضاه في الحاشية. قوله:[بأن كان غائباً عن مجلسه]: حاصله أن الغائب إذا بيع بالصفة عن اللزوم فلا بد في جواز بيعه من كونه غائباً عن مجلس العقد. وأما ما بيع على الصفة بالخيار أو بيع على الخيار بلا وصف أو على رؤية متقدمة بتاً أو خياراً فلا يشترط في جواز بيعه غيبة بل يجوز ولو حاضراً في المجلس وإن لم يكن في فتحه فساد.
قوله: [فلا يصح بيعه على الصفة]: أي لزوماً.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كدافع)، ولعلها الصواب كما في أقرب المسالك.
(و) جاز البيع (على رؤية) سابقة للمبيع (إن لم يتغير بعدها عادة) إلى وقت العقد، وهو يختلف باختلاف الأشياء: من فاكهة وثياب وحيوان وعقار، فإن كان شأنه التغير لم يجز على البت.
(و) جاز على الخيار (إن لم يبعد) ما بيع على الصفة أو الرؤية المتقدمة (جداً) فإن بعد جداً (كخراسان) بالمشرق (من أفريقية) بالمغرب مما يظن فيه التغير قبل إدراكه على صفته لم يجز (إلا على خيار بالرؤية) أي على خيار المشتري عند رؤيته (فيجوز مطلقاً) سواء بيع على الصفة أو الرؤية المتقدمة بعد أو لم يبعد (إن لم ينقد): أي إن لم يشترط نقد الثمن للبائع. فإن شرط لم يجز لتردده بين السلفية والثمنية. والحاصل أن في بيع الغائب اثنتي عشر صورة؛ لأنه: إما أن يباع على الصفة، أو على رؤية متقدمة، أو بدونهما، وفي كل: إما أن يباع على البت، أو على الخيار بالرؤية، وفي كل: إما أن يكون بعيداً جداً أو لا. فإن كان على الخيار جاز مطلقاً إن لم ينقد، وإن كان على البت جاز؛ إلا فيما بيع بدونهما - قرب أو بعد للجهل بالمبيع- أو كان يتغير عادة أو بعيداً جداً، وأما إن كان حاضراً مجلس العقد فلا بد من رؤيته إلا أن يكون في فتحه مشقة أو فساد فيباع بالوصف أو على ما في البرنامج على ما تقدم.
(وضمانه): أي المبيع غائباً على الصفة أو برؤية متقدمة (من المشتري): أي يدخل في ضمانه بالعقد (إن كان عقاراً) ولو بيع على المذارعة وقال في التوضيح: إن بيعت الدار مذارعة فالضمان من البائع بلا إشكال (وأدركته الصفقة سالماً وإلا) يكن عقاراً أو أدركته الصفقة معيباً (فمن البائع) الضمان (إلا لشرط فيهما): أي إلا لشرط من المشتري في العقار أنه على البائع أو من البائع على المشتري في غيره فيعمل به. (وقبضه): أي المبيع غائباً؛ أي الخروج له (على المشتري و) يجوز (النقد فيه تطوعاً) مطلقاً -عقاراً أو غيره - (كبشرط): أي كما يجوز النقد فيه بشرط (إن كان) المبيع الغائب على الصفة أو برؤية متقدمة (عقاراً) على اللزوم ولو بعد لا جداً؛ لأن شأنه ألا يسرع إليه التغير، إلا أن يصفه بائعه فلا يجوز النقد فيه بشرط، ويجوز تطوعاً.
(أو) كان غير عقار، و (قرب كيوم ونحوه) يوم ثان لا أكثر لأن الشأن عدم التغير في اليومين بعد الرؤية أو الوصف. والله أعلم.
ــ
قوله: [وجاز البيع على رؤية سابقة]: فإن حصل ذلك، فلما قبضه المشتري ادعى أنه ليس على الصفة التي رآه عليها وادعى البائع أنه عليها، فالقول قول البائع بيمينه إن حصل شك من أهل المعرفة: هل تلك المدة تغير المبيع أم لا؟ فإن قطع أهل المعرفة بعدم التغير فالقول للبائع بلا يمين، أو بالتغير فللمشتري بلا يمين. وإن رجحت لواحد منهما فالقول له بيمين.
قوله: [أي إن لم يشترط] إلخ: لا مفهوم له، بل يمنع النقد ولو تطوعاً لما يأتي له في باب الخيار في قوله: ومنع وإن بلا شرط في كل ما يتأخر قبضه عن مدة الخيار كمواضعة وغائب إلخ.
قوله: [جاز مطلقاً]: أي في ست صور، وهي: على الصفة، أو رؤية، متقدمة، أو بدونهما، وفي كل: قرب أو بعد. قوله: [وإن كان على البت جاز]: أي في صورتين، وهما: الصفة، والرؤية المتقدمة ولم يبعد جداً فيهما. ومفهومه صورتان وهما: الصفة، والرؤية المتقدمة مع البعد جداً.
قوله: [إلا فيما بيع بدونهما] إلخ: تحته صورتان ممنوعتان أيضاً، فالممنوع أربع والجائز ثمان، وهذا كله بقطع النظر عن النقد وعدمه. وأما إن نظر لهما كانت الصور أربعاً وعشرين علمت من حاصل الشارح الاثنتي عشرة التي ليس فيها شرط النقد. وأما الاثنتا عشرة التي فيها شرط النقد فحاصلها أن الست التي فيها الخيار يمنع فيها شرط النقد، وكذا إذا بيع لا على صفة ولا على رؤية باللزوم قرب أو بعد؛ فهاتان صورتان. وبقي أربع: وهي المبيع بالصفة، أو الرؤية السابقة على اللزوم قرب أو بعد؛ فيجوز بشروط تؤخذ من المصنف والشرح وسنذكرها بعد فليحفظ.
قوله: [ولو بيع على المذارعة]: أي الراجح كما أفاده (ر) ومحل كون الضمان من المشتري إذا لم تحصل منازعة بينه وبين البائع في أن العقد صادف المبيع هالكاً أو سالماً، فإن حصلت منازعة فالقول للمشتري والضمان على البائع؛ بناء على أن الأصل انتفاء الضمان عن المشتري. وعزاه في التوضيح لابن القاسم في المدونة اهـ. خرشي.
قوله: [على المشتري]: أي وشرطه على بائعه مع كون ضمانه منه يفسده؛ لأنه لما شرط عليه المبتاع الإتيان به صار كوكيله فانتفى عنه الضمان، فشرط الضمان عليه موجب للفساد. وإن كان ضمانه في إتيانه من مبتاعه فجائز وهو بيع وإجارة، كذا في الحاشية. قوله:[ويجوز النقد فيه تطوعاً]: حاصله أن المبيع الغائب بالصفة على اللزوم يجوز النقد فيه تطوعاً سواء كان عقاراً أو غيره. وإن كان على الخيار منع النقد مطلقاً عقاراً أو غيره، وهل يشترط في جواز النقد تطوعاً - إذا بيع على الصفة اللزوم كون الواصف له غير البائع؟ لأن وصفه يمنع من جواز النقد ولو تطوعاً، وهو الذي ارتضاه في الحاشية كما تقدم. أو لا يشترط ذلك؟ وهو المأخوذ من كلام (بن) فإنه نازع في كون وصف البائع من جواز النقد تطوعاً. وأما النقد بشرط فإن كان المبيع عقاراً فيجوز بثلاثة شروط: أن يكون على اللزوم،
فصل [1]:
(حرم) كتاباً وسنة وإجماعاً (في عين وطعام: ربا فضل): أي زيادة ولو مناجزة. (إن اتحد الجنس) فيهما: فلا يجوز درهم بدرهمين ولا دينار بدينارين ولا صاع قمح مثلاً بصاعين ولو يداً بيد.
(والطعام ربوي) الواو للحال والحال أن الطعام ربوي وسيأتي بيان الربوي والأجناس؛ فإذا اختلف الجنس أو كان الطعام غير ربوي جازت المفاضلة إن كانت يداً بيد كدينار بقنطار من فضة وإردب قمح بإرادب من فول مثلاً مناجزة.
(و) حرم فيهما (ربا نساء) بفتح النون أي تأخير (مطلقاً) اتحد الجنس أو اختلف، كان الطعام ربوياً أم لا. فلا يجوز دفع دينار في مثله أو في دراهم لوقت كذا ولا طعام ربوي أو غيره في طعام آخر لوقت كذا كما سيأتي تفصيله. ويستثنى من ذلك القرض. إذا علمت ذلك:(فيجوز صرف ذهب بفضة) قلت عن صرف الوقت أو كثرت عند الرضا بذلك (مناجزة): أي يداً بيد لاختلاف الجنس. (لا) يجوز (ذهب وفضة) من جانب بمثلهما من الجانب الآخر ولو تساويا؛ كدينار ودرهم بدينار ودرهم (أو أحدهما وعرض) من جانب -كدينار وثوب بمثلهما أو درهم وشاة (بمثلهما).
اعلم أن قاعدة المذهب سد الذرائع؛ فالفضل المتوهم كالمحقق؛ فتوهم الربا كتحققه. فلا يجوز أن يكون مع أحد النقدين أو مع كل واحد منهما غير نوعه أو سلعة؛ لأن ذلك يوهم القصد إلى التفاضل كما قاله ابن شاس. إذ ربما كان أحد الثوبين أقل قيمة من الدينار الآخر أو أكثر فتأتي المفاضلة.
(و) لا يجوز صرف (مؤخر) لما فيه من ربا النساء (ولو) كان التأخير (غلبة): كأن يحول بينهما عدو أو سيل أو نار أو نحو ذلك. (أو قرب) التأخير (مع فرقة) في المجلس قبل القبض لقول سند: إذا تصارفا في مجلس وتقابضا في مجلس آخر فالمشهور المنع على الإطلاق. وقيل: يجوز فيما قرب اهـ.
وأما دخول الصيرفي حانوته ليخرج منه الدراهم أو مشى قدر حانوت أو حانوتين لتقليب الدراهم فقيل بالكراهة وقيل بالجواز.
(أو عقد ووكل) غيره (في القبض) فيمنع (إلا بحضرة موكله أو غاب نقد أحدهما وطال) بلا تفرق في المجلس
ــ
والواصف له غير بائعه وأن لا يبعد جداً. وإن كان غير عقار فيجوز بأربعة شروط: أن تقرب غيبته كيومين، والبيع على اللزوم، والواصف له غير البائع، وليس فيه حق توفية. فإن تخلف شرط منها منع شرط النقد.
فصل: حرم كتاباً وسنة
لما أنهى الكلام على ما هو مقصود بالذات من أركان البيع وشروطه وموانعه العامة شرع في الكلام على موانع مختصة ببعض أنواعه. وكتاباً وما بعده منصوب بنزع الخافض فتحريم الكتاب هو قوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275] والسنة قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده وقال: هم سواء» وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة على حرمته، وصح رجوع ابن عباس عن إباحة ربا الفضل لعموم التحريم.
قوله: [أي زيادة]: اعترض بأنه يشمل الزيادة في الصفة مع أن الحرمة خاصة بالزيادة في العدد أو الوزن. وأجيب: بأن قوله الآتي عاطفاً على ما يجوز وقضاء قرض بمساو وأفضل صفة قصر له على الزيادة في العدد أو الوزن دون الصفة فإجماله هنا اتكال على ما يأتي.
قوله: [ولو مناجزة]: أي يداً بيد.
قوله: [إن اتحد الجنس] إلخ: أي لقول العلامة الأجهوري:
ربا نسا في النقد حرم ومثله
…
طعام وإن جنساهما قد تعددا
وخص ربا فضل بنقد ومثله
…
طعام ربا إن جنس كل توحدا
قوله: [بفتح النون]: أي مهموزاً مع المد وعدمه، وأما الربا فهو بالقصر لا غير. قوله:[دفع دينار في مثله]: مثال لاتحاد الجنس.
وقوله: [أو في دراهم]: مثال لاختلافه. قوله: [في طعام آخر]: أي ربوي أو غيره من جنس المدفوع فيه أو من غير جنسه. قوله: [ويستثنى من ذلك القرض]: أي فلا يضر فيه التأخير مع أنه متحد الجنس ولا فرق بين الطعام الربوي وغيره بشروطه الآتية.
وقوله: [قلت عن صرف الوقت]: أي فلا فرق بين كون ما تراضيا عليه قدر صرف الوقت أو أقل أو أكثر. والغبن جائز.
قوله: [ولو تساويا]: محل ذلك ما لم تتحقق مساواة الدينار للدينار والدرهم للدرهم، وإلا جاز. ويكون من قبيل المبادلة لا من قبيل الصرف.
قوله: [إذ ربما كان أحد الثوبين] إلخ: حاصله أن ما صاحب أحد النقدين من العرض يقدر من جنس النقد المصاحب له فيأتي الشك في التماثل والمنع في هذه مطلق ولو تحقق تماثل الدينارين وتماثل قيمة العرضين. واعلم أن مالكاً منع الصورتين وأبو حنيفة أجازهما وفرق الشافعي بينهما فأجاز الأولى ومنع الثانية وتسمى عند الشافعية بمسألة درهم ومد عجوة.
قوله: [ولو كان التأخير غلبة]: أي طال أم لا. وكره مالك للصراف أن يدخل الدينار تابوته قبل تمام الصرف. قوله: [وقيل يجوز فيما قرب]: أي وهو مذهب العتبية، فإنه قال فيها: يجوز التأخير القليل مع تفرق الأبدان اختياراً.
قوله: [إلا بحضرة موكله]: أي ولا فرق بين أن يوكل
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في الربا).
فيمنع ويفسد الصرف. (أو) غاب (نقداهما) معاً عن مجلس العقد ولو لم يطل لأنه مظنة الطول. ومعناه كما قال في المدونة: أن تعقد الصرف مع غيرك وليس معكما شيء، ثم تقترض الدينار من رجل بجانبك وهو يقترض الدراهم من رجل بجانبه فدفعت له الدينار ودفع لك الدراهم؛ فلا خير فيه ولو لم يحصل طول. ولو كانت الدراهم معه واقترضت أنت الدينار فإن كان أمراً قريبا كحل الصرة ولم تقم ولم تبعث له فذلك جائز اهـ. ومعنى قولها: لا خير فيه. أنه حرام؛ لأنهما دخلا على الفساد والغرر، قاله أبو الحسن. (أو) وقع الصرف (بدين) من الجانبين؛ كأن يكون لك على شخص دراهم وله عليك دنانير فتسقط الدراهم في الدنانير فيمتنع (إن تأجل) الدين من كل بل (وإن) تأجل (من أحدهما) لأن من عجل المؤجل عد مسلفاً فإذا جاء الأجل اقتضى من نفسه لنفسه فكأن القبض إنما وقع عند الأجل وعقد الصرف قد تقدم، فلو حلا معاً جاز.
(أو) وقع الصرف (لرهن) عند المرتهن (أو وديعة) عند المودع بالفتح (أو) وقع لحلي (مستأجر أو عارية غائب) كل من الرهن وما بعده عن مجلس الصرف، فيمنع فإن حضر في مجلسه جاز في الجميع. (كمصوغ): أي كما يمتنع صرف مصوغ من ذهب أو فضة (غصب) وغاب عن مجلس الصرف. وأما المسكوك ونحوه مما لا يعرف بعينه كالتبر فيجوز صرفه ولو غائباً لتعلقه بالذمة كالدين الحال كما سينبه عليه قريباً (إلا أن يذهب) المصوغ: أي يتلف أو يعدم عند غاصبه (فيضمن) بسبب ذلك (قيمته) أي يترتب عليه ضمان القيمة؛ لأنه بالصنعة صار [1] من المقومات (فيجوز) الصرف لما في الذمة كالدين الحال، فإذا قوم بدينار جاز أن يدفع عنه دراهم وعكسه بشرط التعجيل عند العقد. (كالمسكوك) إذا غصب ولو غاب عليه فيجوز صرفه بشرط التعجيل. (ولا) يجوز (تصديق فيه): أي في الصرف لا في عدده ولا وزنه ولا جودته، بل يجب العد والوزن والنقد وإن كان الدافع لك مشهوراً بالأمانة والصدق إذ ربما كان ناقصاً عدداً أو وزناً؛ أو زائفاً؛ فيرجع به فيؤدي إلى الصرف المؤخر.
ثم شبه في منع التصديق فروعاً أربعة فقال: (كمبادلة في نقد): أي ذهب أو فضة؛ كأن تبدل ديناراً بمثله أو درهماً بمثله. (أو طعام): ولو اختلف الجنس؛ كأن تبدل صاعاً من قمح بمثله أو بفول
ــ
أجنبياً أو شريكه، وهذا هو الراجح. وفي سماع أصبغ: يجوز أن يقبض، إذا كان الوكيل شريكاً ولو في غيبة الموكل. والحاصل أن المسألة ذات أقوال أربعة؛ قيل: إن التوكيل على القبض لا يضر مطلقاً كان الوكيل شريكاً أو أجنبياً قبض في حضرة موكله أو غيبته،
وقيل: يضر مطلقاً، وقيل: إن كان شريكاً فلا يضر ولو قبض في غيبة موكله وإن كان أجنبياً ضر إن قبض في غيبة موكله، وقيل: إن قبض بحضرة موكله فلا يضر مطلقاً وإن قبض في غيبته ضر مطلقاً. وهذا هو الراجح كما في الحاشية.
قوله: [فيمنع ويفسد الصرف]: أي على المشهور خلافاً لمن قال بالصحة. قوله: [ومعناه كما قال في المدونة] إلخ: مسألة المدونة هذه تسمى الصرف على الذمة كما في (شب). وأما الصرف في الذمة فهي في الديون المتقدمة على عقد الصرف التي أشار لها بقوله: أو وقع الصرف بدين من الجانبين إلخ. قوله: [اقتضى من نفسه لنفسه]: أي قبض وأخذ من نفسه ما أسلفه فكأن الذي له الدينار يأخذه من نفسه إذا حل الأجل والذي له الدراهم يأخذها من نفسه لنفسه في نظير الدينار الذي تركه لصاحبه. وحاصله أن الذي في ذمته الدينار حين تصارف فقد عجل الدينار الذي في ذمته فسلفه لصاحبه إلى أن يأتي الأجل يصرفه بالدراهم التي في ذمته فظهر كونه صرفاً مؤخراً وكذا يقال في الجانب الآخر.
قوله: [فلو حلا معاً جاز]: لا يقال: هذا مقاصة لا صرف؛ لأنه يقال: قد تقرر أن المقاصة إنما تكون في الدينين المتحدي الصنف فلا تكون في دينين من نوعين ذهب وفضة ولا صنفي نوع كالبندقي والمحبوب. قوله: [فيمنع]: أي ولو شرط الضمان على المرتهن والمودع بالفتح بمجرد العقد، خلافاً للخمي القائل بالجواز إذا شرط الضمان على المرتهن والمودع وقت عقد الرهن أو الوديعة ولو قامت على هلاكها بينة؛ لأنه لما دخل على الضمان المرتهن أو المودع صار كأنه حاضر في مجلس الصرف ومنع صرف الرهن الوديعة والمستأجر والمعار حيث كان غائباً عن مجلس العقد ولو كان المصارف عليه مسكوكاً على المشهور. خلافاً لمحمد القائل بجواز صرف المرهون المسكوك الغائب عن المجلس إما لحصول المناجزة بالقبول أو للالتفات إلى إمكان التعلق بالذمة فأشبه المغصوب إذ هو على الضمان إن لم تقم بينة اهـ. قوله:[كمصوغ] إلخ: حاصله أن المصوغ إذا هلك في حال غصبه يلزم فيه القيمة لدخول الصياغة فيه وقبل هلاكه يجب على الغاصب رده بعينه، فلذلك منع صرف في غيبته لاحتمال أنه هلك ولزمته القيمة وما يدفعه في صرفه قد يكون أقل من القيمة أو أكثر فيؤدي إلى التفاضل بين العينين. وأما غير المصوغ فبمجرد غصبه ترتب في ذمته مثله ولا يدخل في صرفه في غيبته احتمال التفاضل. قوله:[ولا يجوز تصديق فيه]: معطوف على جملة وحرم في عين إلخ: كأنه قال: حرم في عين وحرم الصرف ملتبساً بتصديق فيه.
قوله: [فيؤدي إلى الصرف المؤخر]: أي حيث
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (صانع).
فلا يجوز التصديق فيه، ولا بد من معرفة العدد وقدر الكيل أو الوزن فيما يوزن منه.
(وقرض) لا يجوز التصديق فيه، فمن [1] اقترض نقداً أو طعاماً أو غيرهما لا يجوز له أن يصدق المقترض فيما أخذه منه؛ لاحتمال وجود نقص أو رداءة فيتغاضى عنه آخذه لحاجته وفي نظير المعروف.
(ومبيع لأجل) من طعام أو غيره؛ لا يجوز التصديق فيه لجواز وجود نقص فيغتفر لأجل التأخير أو الحاجة فيؤدي لأكل أموال الناس بالباطل. (ومعجل) من الديون (قبل أجله): لا يجوز فيه التصديق؛ لأن ما عجل قبل أجله سلف فيحتمل أن يكون ناقصاً فيغتفر للتعجيل فيكون سلفاً جر نفعاً.
(و) لا يجوز (صرف مع بيع): أي اجتماعهما في عقد واحد، كأن يشتري ثوباً بدينار على أن يدفع فيه دينارين ويأخذ صرف دينار دراهم، لتنافي أحكامهما؛ لجواز الأجل والخيار في البيع دون الصرف. وكذا لا يجوز اجتماع البيع أو الصرف مع جعل أو مساقاة أو شركة أو نكاح أو قراض، ولا اجتماع اثنين منها في عقد. نظمها بعضهم بقوله:
عقود منعنا اثنين منها بعقدة
…
لكون معانيها معاً تتفرق
فجعل وصرف والمساقاة شركة
…
نكاح قراض ثم بيع محقق
ولك أن تزيد عليهما:
فهذه عقود سبعة قد علمتها
…
ويجمعها في الرمز "جبص مشنق"
واستثنوا من ذلك صورتين للضرورة: أشار لهما بقوله: (إلا) أن يكونا (بدينار): كأن يشتري سلعة بدينار إلا خمسة دراهم فيدفع الدينار ويأخذ خمسة دراهم مع السلعة (أو يجتمعا): أي الصرف والبيع (فيه): أي في دينار بأن يأخذ من الدراهم أقل من صرف دينار. كأن يشتري سلعة أو أكثر بعشرة دنانير ونصف دينار فيدفع أحد عشر ديناراً ويأخذ صرف نصف دينار. ولا بد من تعجيل السلعة والصرف في الصورتين على الراجح؛ لأن السلعة صارت كالنقد، وإليه أشار بقوله:
(وتعجل الجميع): أي الثمن من المشتري والسلعة مع الدراهم من البائع وهو عطف على يجتمعا.
(ولا) يجوز (إعطاء صائغ الزنة والأجرة) صادق بصورتين: الأولى: أن يأخذ من الصائغ سبيكة بوزنها دراهم مسكوكة ويدفع له السبيكة ليصوغها له ويدفع له أجرة الصياغة.
الثانية: أن يأخذ منه مصوغاً أو مسكوكاً بوزنه من جنسه وزيادة الأجرة. والأولى تمتنع وإن لم يزده أجرة
ــ
رجع به ولم يغتفره. وإن اشترط عليه عدم الرجوع عند العقد لزم أكل أموال الناس بالباطل. قوله: [فلا يجوز التصديق فيه]: أي فيما ذكر من النقد والطعام لئلا يوجد نقص فيدخل التفاضل إن شرط عدم الرجوع بالنقص أو التأخير إن شرط الرجوع به بعد الاطلاع عليه. وحرمة التصديق في هذه المسألة هو أحد قولين فيها، والآخر جواز التصديق فيها قال (بن): ولا ترجيح لأحدهما على الآخر. قوله: [وقرض]: معطوف على مبادلة وهو الفرع الثاني من الفروع الأربعة.
قوله: [فيتغاضى عنه]: بالغين والضاد المعجمتين: أي يتغافل ويتساهل.
قوله: [لأن ما عجل قبل أجله سلف]: قال الخرشي: الذي يفيده كلام الغرياني في حاشيته على المدونة أن الحكم في التصديق إذا وقع في القرض الفسخ على ظاهر المدونة وفي البيع لأجل عدم الفسخ على ظاهرها، كما قال عبد الحق إنه الأشبه بظاهرها. ورأس مال السلم كالمبيع لأجل في جريان الخلاف وأن المعجل قبل أجله يرد ويبقى حتى يأتي الأجل. وأما الصرف فيرد وكذا مبادلة الربويين كما قال ابن يونس، وقال ابن رشد بعدم فسخهما.
قوله: [ولا يجوز صرف مع بيع]: أي خلافاً لأشهب حيث قال بجواز جمعهما نظراً إلى أن العقد احتوى على أمرين كل منهما جائز على انفراده وأنكر أن يكون مالك حرمه، قال: وإنما الذي حرمه الذهب بالذهب مع كل منهما سلعة، والورق بالورق مع كل منهما سلعة - ابن رشد. وقول أشهب أظهر من جهة النظر وإن كان خلاف المشهور.
قوله: [لتنافي أحكامهما]: أي وتنافي اللوازم يدل على تنافي الملزومات. قوله: [ولا اجتماع اثنين منها]: حاصله أن الصور العقلية تسع وأربعون من ضرب سبعة في مثلها؛ المكرر منها ثمان وعشرون والباقي إحدى وعشرون؛ لأنك تأخذ كل واحد مع ما بعده تبلغ ذلك العدد فليفهم.
قوله: [ونظمها بعضهم]: المراد به (بن) نظمها على هذا الوجه وإلا فبعضهم نظمها بوجه آخر. قوله: [ولك أن تزيد عليهما]: الظاهر أن البيت الأخير من كلام الشارح رضي الله عنه
قوله: [واستثنوا]: أي أهل المذهب. قوله: [إلا أن يكونا بدينار]: وهو معنى قول خليل: إلا أن يكون الجميع ديناراً.
قوله: [إلا خمسة دراهم]: أي مثلاً والمدار على كون الدراهم والسلعة قدر الدينار.
قوله: [ويأخذ صرف نصف دينار]: أي فالعشرة دنانير وقعت في بيع ليس إلا، والحادي عشر بعضه في مقابلة بعض السلعة والبعض الآخر في مقابلة الصرف فقد اجتمع البيع والصرف في الدينار الحادي عشر. قوله:[لأن السلعة صارت كالنقد]: أي لأنها لما صاحبت الدراهم صارت كأنها من جملة الدراهم المدفوعة في مقابلة الدينار في الصورة الأولى: أو الدنانير في الصورة الثانية خلافاً للسيوري حيث أجاز تأخير السلعة وأوجب تعجيل الصرف إبقاء للكل على حكمه الأصلي.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (من).
للتأخير. والثانية تمتنع إن زاده الأجرة للمفاضلة، وإلا جاز بشرط المناجزة. فلو وقع الشراء بنقد مخالف جنساً كذهب وفضة امتنعت الأولى للتأخير وجازت الثانية بشرط المناجزة (كزيتون ونحوه): أي كمنع إعطاء زيتون ونحوه - كسمسم وحنطة - (لمعصره) أو لمن يطحن نحو الحنطة (على أن يأخذ قدر ما يخرج منه تحرياً) للشك في المماثلة، وسواء دفع أجرة أم لا. وكذا دفعه على أن يخلطه على شيء عنده ثم يقسمه بعد عصره على حسب ما لكل (بخلاف كتبر): أي تبر ونحوه كسبيكة ومسكوك لا يروج في محل الحاجة. وعبر في العتبية بالمال، وعبر غيره بالذهب والفضة (يعطيه مسافر و [1]) يعطي (أجرته لدار): أي لأهل دار (الضرب) السلطاني (ليأخذ زنته) مسكوكاً، فيجوز مناجزة للضرورة على الأرجح.
(وبخلاف) إعطاء (درهم بنصف): أي في نظير نصف درهم؛ أي ما يروج رواج النصف وإن زاد وزناً أو نقص عن النصف (فدون وفلوس أو غيرها): أي غير الفلوس من طعام أو غيره فيجوز (في بيع أو كراء بعد العمل): أي استيفاء المنفعة (وسكاً): أي كان كل من الدرهم والنصف مسكوكاً (وتعومل بهما) معاً، وإن كان أحدهما أروج في التعامل لا إن كانا أو أحدهما غير مسكوك أو لم يتعامل به (وعرف الوزن): أي كون هذا كاملاً وهذا يروج رواج النصف - وإن أقل وزناً أو أنقص كما تقدم - وإلا لكان من بيع الفضة بالفضة جزافاً ولا شك في منعه، قاله القباب (وعجل الجميع): أي الدرهم والنصف وما معه لئلا يلزم البدل المؤخر. وهذه المسألة وما قبلها اقتضت الحاجة جوازهما، فهل تجوز الحاجة ما يقع عندنا بمصر من صرف الريال بدراهم فضة عددية - وإلا لضاق على الناس معاشهم قياساً على هذه المسألة؟ كان بعضهم يجوزه في تقريره إذ الضرورات تبيح المحظورات.
ــ
تنبيه: من فروع المسألة من باع سلعة بدينار إلا درهمين فدون، فيجوز إن تعجل الجميع الدينار والدرهمان والسلعة أو عجلت السلعة فقط وأجل الدينار والدرهمان لأجل واحد؛ لأن تعجيل السلعة دون النقد دل على أن الصرف ليس مقصوداً ليسارة الدرهمين بخلاف تأجيل الجميع أو السلعة فيمنع؛ لأنه بيع وصرف تأخر عوضاه أو بعضهما وهو السلعة. وتأجيل بعضها كتأجيل كلها إلا بقدر خياطتها أو بعث من يأخذها وهي معينة فيجوز فإن زاد المستثنى عن درهمين لم تجز المسألة إلا بتعجيل الجميع كما تقدم، ويجوز أيضاً أن تشتري عشرة أثواب مثلاً كل ثوب بدينار إلا درهمين وصرف الدينار عشرون درهماً ووقع البيع على شرط المقاصة بأن كل ما اجتمع من الدراهم قدر صرف دينار أسقط له ديناراً، فإن لم يفضل شيء من الدراهم بعد المقاصة - كما في المثال؛ لأنه يعطيه تسعة دنانير ويسقط العاشر في نظير العشرين درهماً - فالجواز ظاهر. وإن فضل بعد المقاصة درهم أو درهمان جاز أن يعجل الجميع أو السلعة وإن فضل أكثر من درهمين ولم يبلغ ديناراً جاز أن يعجل الجميع كذا في الأصل.
قوله: [للتأخير]: أي لما فيها من ربا النساء. قوله: [للمفاضلة]: أي لدخول ربا الفضل فيها؛ لأن الأجرة زيادة من المشتري.
قوله: [وجازت الثانية بشرط المناجزة]: أي لاختلاف الجنس وحصول المناجزة، ومعلوم أنه لا يقال فيه إعطاء زنته؛ لأن غاية ما فيه صرف والصرف يجوز بالقليل والكثير بشرط المناجزة.
قوله: [كسمسم وحنطة]: أدخلت الكاف: حب الفجل الأحمر وأما بزر الكتان فيجوز؛ لأنه ليس بطعام كما في الحاشية وسيأتي التحقيق أنه ربوي.
قوله: [للشك في المماثلة]: أي فحرمته لربا الفضل وللنسيئة في الطعام وهي التأخير مدة العصر أو الطحن فإن كان يوفيه من زيت حاضر عنده عاجلاً منع لربا الفضل. قوله: [وكذا دفعه] إلخ: أي وأما عصر شيئه على حدته بأجرة أو بغيرها فجائز. قوله: [يعطيه مسافر]: أي محتاج. وأما غير المحتاج فيمنع اتفاقاً كما أن غير المسافر يمنع كذلك. ولا مفهوم لدار الضرب، بل لو أعطاه لأحد من الناس غير أهل دار الضرب، فالظاهر الجواز. فذكر دار الضرب لمجرد التمثيل لما هو الشأن كما في الحاشية.
قوله: [وبخلاف إعطاء درهم بنصف]: حاصله أن شروط الجواز ثمانية:
كون المدفوع درهماً والمردود نصفه في بيع أو كراء بعد العمل وسكاً واتحدا وعرف الوزن، وعجل الجميع، وعومل بكل. قوله:[كأن بعضهم يجوزه في تقريره]: قال في حاشية الأصل نقلاً عن شيخه العدوي والشرح: أجاز بعضهم ذلك في الريال الواحد أو نصفه أو ربعه للضرورة. كما أجيز صرف الريال الواحد بالفضة العددية، وكذا نصفه وربعه للضرورة وإن كانت القواعد تقتضي المنع اهـ. وعند الشافعية يتخلصون بالهبة في إبدال الريالات بالفضة العددية وهي فسحة.
تنبيه: يلزم رد الزيادة التي زادها أحد المتصارفين على أصل الصرف بعد العقد، بأن لقي أحدهما صاحبه فقال له: استرخصت مني الدينار فزدني، فزاده شيئاً. فإنه إذا رد الصرف لعيب ترد تلك الزيادة تبعاً له لا ترد لعيب بها. وهل عدم ردها لعيبها مطلقاً عينها أم لا أوجبها أم لا؟ وهو ظاهر المدونة وهو المذهب، خلافاً لما في الموازية. وفهم من قولنا: بعد العقد أنها لو كانت في العقد لردت لعيبه ولعيبها اتفاقاً.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (مسافر و) في ط المعارف: (مسافر).
(وإن وجد) أحدهما (عيباً) في دراهمه أو دنانيره (من نقص أو غش أو) وجد غير فضة ولا ذهب (كرصاص) ونحاس؛ (فإن كان بالحضرة): أي حضرة الصرف من غير مفارقة ولا طول (جاز له الرضا) بما وجده مما ذكر وصح الصرف (وله) عدم الرضا و (طلب الإتمام) في الناقص عدداً أو وزناً (أو البدل) في الغش والرصاص ونحوه، (فيجبر عليه من أباه إن لم تعين) الدنانير والدراهم من الجانبين، بأن لم يعينا أو أحدهما، فإن عينت من الجانبين كهذا الدينار في هذه الدراهم، فلا جبر.
(وإن كان بعد مفارقة أو طول) في المجلس (فإن رضي) واجد العيب (بغير النقص) وهو الغش ونحو الرصاص (صح) الصرف لجواز البيع به من غير صرف.
(وإلا) يرض به (نقض) الصرف وأخذ كل منهما ما خرج من يده (كالنقص): أي نقص العدد أو الوزن فإنه ينقض بعد الطول مطلقاً رضي به واجده أو لم يرض. (وحيث نقض): أي متى قلنا بالنقض وكانت الدنانير متعددة، فلا يخلو إما أن يكون فيها أكبر وأصغر، أو أعلى وأدنى، أو متساوية. فإن كان فيها أصغر وأكبر (فأصغر دينار) يتعلق به النقض دون الجميع (إلا أن يتعداه النقص): أي يتعدى الأصغر ولو بدرهم (فالأكبر) هو الذي ينقض دون الأصغر. (فإن تساوت) في الصغر أو الكبر والجودة والرداءة (فواحد) منها ينقض ما لم يزد عليه موجب النقض فآخر.
(لا الجميع ولو لم يسم لكل دينار) منها (عدد) نائب فاعل يسم. (إلا إذا كان فيها أعلى وأدنى) فيفسخ الجميع على الأرجح. وقيل: الأعلى فقط. وقيل: إذا لم يسم لكل دينار عدد نقض الجميع ولو تساوت. والراجح ما ذكرناه من أنه في التساوي ينقض واحد مطلقاً سمي أم لا وفي الاختلاف بالجودة والرداءة ينقض الجميع.
(وشرط) صحة (البدل): أي بدل المعيب المتقدم ذكره من مغشوش أو نحو رصاص، حيث أجيز أو تعين كما تقدم:(تعجيل) لئلا يلزم ربا النساء.
(ونوعية) فلا يجوز أخذ ذهب عن دراهم زياف ولا فضة عن ذهب، لأنه يؤول إلى أخذ ذهب وفضة عن ذهب ولا أخذ عرض عنه، إلا أن يكون يسيراً يجوز اجتماعه في الصرف والبيع بأن يجتمعا في دينار.
ولما فرغ من الكلام على ما إذا وجد معيباً، شرع في الكلام على ما إذا استحق أحد النقدين فقال:
ــ
قوله: [وإن وجد أحدهما عيباً] إلخ: حاصله أن العيب الذي اطلع عليه أحد المتصارفين بعد العقد إما نقص عدد أو وزن أو رصاص أو نحاس خالصين أو مغشوشين بأن كان فضة مخلوطة بنحاس مثلاً. فإن اطلع على ذلك الآخذ بحضرة العقد من غير مفارقة أبدان ولا طول ورضي بذلك مجاناً، صح العقد. وكذا إن لم يرض ورضي الدافع بإبدالها فإن العقد يصح في الجميع مطلقاً عينت الدراهم والدنانير أم لا. ويجبر على إتمام العقد من أباه منهما إن لم تعين الدراهم والدنانير من الجانبين فإن عينت فلا جبر.
قوله: [وإن كان بعد مفارقة أو طول]: إلخ: حاصله أنه إذا اطلع على ما ذكر من نقص الوزن أو العدد أو الرصاص أو النحاس أو المغشوش بعد مفارقة الأبدان وإن لم يحصل طول أو بعد طول وإن لم تحصل مفارقة. فإن رضي آخذ المعيب مجاناً صح الصرف في الجميع، إلا في نقص العدد فليس له الرضا به مجاناً على المشهور. ولا بد من نقض الصرف فيه سواء قام بحقه فيه وطلب البدل أو رضي مجاناً. وألحق اللخمي به نقص الوزن فيما إذا كان التعامل بها وزناً؛ فلذلك قال الشارح: أي نقص العدد أو الوزن ويقيد بما إذا كان التعامل بها وزناً فقط أو وزناً وعدداً. قوله: [صح الصرف]: أي ولا يجوز التراضي على البدل إلا في المغشوش المعين من الجهتين كذا الدينار بهذه العشرة دراهم ففيه طريقتان: الأولى: إجازة البدل ولا ينتقض الصرف؛ لأنهما لم يفترقا وفي ذمة أحدهما للآخر شيء ولم يزل المعين مقبوضاً لوقت البدل، فلم يلزم على البدل صرف مؤخر، بخلاف غير المعين فيفترقان وذمة أحدهما مشغولة لصاحبه ففي البدل صرف مؤخر. والطريقة الثانية: أن المغشوش المعين فيه قولان: المشهور منهما نقض الصرف وعدم إجازة البدل.
قوله: [فإنه ينقض بعد الطول مطلقاً]: والفرق بين النقص وغيره حيث قلتم إن النقص يوجب نقض الصرف عند الطول مطلقاً وغيره إن رضي به مجاناً فلا ينقض أن الناقص لم يقبض لا حساً ولا معنى بخلاف غيره فقد قبض حساً. قوله: [وحيث نقض]: أي جبراً أو بغير جبر. قوله: [فالأكبر هو الذي ينقض]: أي ولا ينقض الأصغر وقطعة من الأكبر في نظير ما زاد على الأصغر؛ لأن الدنانير المضروبة لا يجوز كسرها لهذا المعنى؛ لأنه من الفساد في الأرض.
قوله: [فآخر]: أي فينقض الآخر وإن لم يستغرق المعيب جميعه ويرد تمامه من السليم لأجل النقض ولا يكسره كما علمت.
قوله: [عن ذهب]: أي لأن الفضة المصاحبة للذهب تقدر ذهباً فيأتي الشك في تماثل الذهبين.
وقوله: [ولا أخذ عرض عنه]: ليس العلة في منع العرض جهة التفاضل، وإنما العلة في منعه اجتماع البيع والصرف كما أفاده الشارح بقوله:"إلا أن يكون يسيراً" إلخ. والحاصل أن قول المصنف: وشرط البدل تعجيل ونوعية معناه: يشترط أن يكون من نوع المبدل منه لا من غيره من عين أو عرض فإن كان عيناً منع للتفاضل المعنوي وإن كان عرضاً منع للبيع والصرف. إلا إن كانت قيمة العرض يسيرة بحيث
(وإن استحق) من أحد المتصارفين (غير مصوغ) سواء كان مسكوكاً أم لا (بعد مفارقة أو طول ولو) كان ما استحق (غير معين) للصرف فلا مفهوم لقوله: "معين سك"(أو) استحق (مصوغ مطلقاً) حصل طول أو مفارقة [1] أم لا - لأن المصوغ يراد لعينه فلا يقوم غيره مقامه (نقض) الصرف فيما استحق، لا الجميع على ما تقدم. (وإلا) بأن استحق غير المصوغ بالحضرة (صح) الصرف (فيلزم) الدافع له (تعجيل البدل) وإلا نقض.
(وللمستحق إجازة الصرف) فيما استحقه (فيأخذ) من المصطرف (مقابله) ولو في الحالة التي ينقض فيها، وذلك في المصوغ مطلقاً. وفي غيره بعد المفارقة أو الطول. فإن استحق ديناراً أخذ مقابله دراهم من دافعها أولاً ثم يرجع المستحق من يده على الذي أخذها أولاً (إن لم يخبر المصطرف) المراد به: من استحق من يده ما أخذه من صاحبه (بالتعدي) فإن أخبره شخص بذلك - وكذا إن علم بالتعدي - لم يجز له إجازة الصرف.
(وجاز محلى بأحد النقدين) تنازعه كل من بيع المقدر ومحلى: أي وجاز أن يباع بأحد النقدين ما حلي بأحدهما، وسيأتي المحلى بهما معاً (وإن)[2] كان المحلى بأحدهما (ثوباً) فأولى سيفاً ومصحفاً (إذا كان يخرج منه شيء بالسبك) بالنار، (وإلا) يخرج منه شيء إذا سبك (فكالعدم) فجواز بيعه ظاهر بلا شرط.
ويشترط لجواز بيع المحلى الذي يخرج منه شيء بالسبك شروط ثلاثة أشار لأولها بقوله: (إن أبيحت) الحلية لا إن حرمت؛ كسكين وثوب رجل كعمامة مقصبة ودواة، فلا يجوز بيعه بأحدهما بل بالعروض. إلا أن يكون الثمن من غير الحلية ويجتمعا في دينار كما تقدم في الصرف. وأشار لثانيها بقوله:(وسمرت) الحلية في المباع بحيث يلزم على خلعها منه فساد.
ولثالثها بقوله: (وعجل) المعقود عليه من ثمن ومثمن. فإن أجلا أو أحدهما منع بالنقدين وجاز بالعروض. وإذا وجدت الشروط جاز البيع بغير صنفه (مطلقاً) كانت الحلية تبعاً للجواهر أم لا.
(و) إذا بيع (بصنفه) زيد شرط رابع أفاده بقوله: (إن كانت) الحلية تبلغ (الثلث) فدون.
(وإن حلي) المباع (بهما) معاً (جاز) بيعه (بأحدهما إن تبعا الجوهر) أي المباع الذي هما به لا بهما معاً.
ــ
تجتمع مع الدراهم في دينار وإلا فلا منع. قوله: [وإن استحق من أحد المتصارفين غير مصوغ]: حاصل فقه المسألة أن الصرف إذا وقع بمسكوكين أو بمسكوك ومصوغ فاستحق المسكوك والمراد به ما قابل المصوغ فيشمل التبر والمكسور بعد مفارقة أحدهما المجلس أو بعد الطول، فإن عقد الصرف ينقض سواء كان المستحق معيناً حال العقد أم لا على المشهور. وإن كان المستحق مصوغاً نقض عقد الصرف كان استحقاقه بحضرة العقد أو بعد طول معيناً أم لا: لأن المصوغ يراد لعينه وغيره لا يقوم مقامه وإن كان المستحق غير مصوغ بحضرة العقد صح عقد الصرف سواء كان معيناً أم لا إلا أن غير المعين يجبر فيه على البدل من أراد نقض الصرف لمن أراد إتمامه بدفع البدل. وأما المعين فقيل إن صحة العقد فيه مقيدة بما إذا أراد تراضيا على البدل فمن أبى لا يجبر وقيل غير مقيدة.
قوله: [وإلا نقض]: أي وإن لم يحصل تعجيل وجب نقض الصرف وإبطاله لما يلزم عليه من النسيئة. قوله: [للمستحق إجازة الصرف]: أي وله نقضه وهذا قول ابن القاسم، وهو المشهور بناء على أن هذا الخيار جر إليه الحكم فليس كالخيار الشرطي. قوله:[لم يجز له إجازة الصرف]: أي لأنه كالصرف على الخيار الشرطي وهو ممنوع؛ وذلك لأنه لما أخبر بتعد من صارفه كان داخلاً على عدم إتمام الصرف فهو مجوز لتمامه وعدم تمامه كالصرف على خيار.
قوله: [إذا كان يخرج منه شيء] إلخ: حاصل فقه المسألة أن المحلى بأحد النقدين إن كان لا يخرج منه شيء إذا سبك فإنه يجوز بيعه بالعرض وبالنقد؛ سواء كان من صنف ما حلي به أو من غيره - كان الثمن حالاً أو هو مؤجلاً. وإن كان يخرج منه شيء إذا سبك، فإن بيع بعرض جاز بلا شرط من تلك الشروط الثلاثة حالاً أو مؤجلاً. وإن بيع بنقد فإن كان مخالفاً لصنف ما حلي به اشترط في صحة البيع الإباحة وتعجيل الثمن والمثمن والتسمير وإن كان بصنف ما حلي به، زيد رابع وهو كون الحلية تبعاً للمحلى بأن كانت الثلث فدون.
قوله: [إن أبيحت]: لما كان الأصل في بيع المحلى المنع؛ لأن في بيعه بصنفه بيع ذهب وعرض بذهب أو بيع فضة وعرض بفضة وبغير صنفه بيع وصرف في أكثر من دينار وكل منهما ممنوع، لكن رخص فيه للضرورة كما ذكره أبو الحسن عن عياض وشرطوا لجواز بيعه هذه الشروط فما كان ليس بمباح فليس من محل الرخصة فلذا لا يباع بالنقد إلا على حكم البيع والصرف.
قوله: [وسمرت]: مراده ما يشمل المخيطة أو المنسوجة أو المطرزة فليس المراد خصوص التسمير. قوله: [بأحدهما]: أي وأما بيعه بهما فلا يجوز على ما تقتضيه قواعد المذهب؛ لأنه بيع ذهب بذهب وفضة وبيع فضة بفضة وذهب. قوله: [إن تبعا الجوهر]: وهل تعتبر التبعية بالقيمة أي ينظر إلى كون قيمتها ثلث قيمة المحلى بحليته وهو المعتمد أو بالوزن خلاف وتظهر ثمرة الخلاف في سيف محلى بذهب وفضة بيع بسبعين ديناراً وكان وزن حليته عشرين ولصياغتها تساوي ثلاثين، وقيمة النصل وحده أربعون لم يجز بيعه بأحدهما على الأول وجاز على الثاني. وهذا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كدافع)، ولعلها الصواب كما في أقرب المسالك.
[2]
في ط المعارف: (إن).
(و) تجوز (المبادلة) في الذهب والفضة (وهي: بيع العين) ذهباً أو فضة (بمثله): أي ذهباً بذهب أو فضة بفضة (عدداً) كعشرة دنانير بمثلها يداً بيد (إن تساويا عدداً ووزناً) ولو كان أحدهما أجود كما سيأتي. ولا يشترط للجواز حينئذ إلا المناجزة وعدم دوران الفضل من الجانبين.
(وإلا) يتساويا فيما ذكر فلا يجوز إلا بشروط سبعة أشار لها بقوله: (فشرط الجواز) للمبادلة سبعة: (القلة) في العدد فلا يجوز في الكثير وبين القلة بقوله: (ستة فأقل) لا سبعة فأكثر، لأن شأن ابتغاء المعروف إنما يكون في القليل.
(والعدد): لا الوزن كواحد بواحد أو ستة بستة.
(وأن تكون الزيادة في الوزن فقط) دون العدد.
(وأن تكون) الزيادة (السدس فأقل في كل دينار أو درهم). وأن يكون (على وجه المعروف) لا المغالبة. وأن يكون (بلفظ البدل) دون البيع. (والأجود جوهرية أو) الأجود (سكة) حال كونه (أنقص) وزناً عن مقابله (ممتنع) لدوران الفضل من الجانبين فينتفي المعروف. (وإلا) يكن الأجود جوهرية أو سكة أنقص بل كان مساوياً لمقابله أو أزيد (جاز) لانتفاء علة المنع.
(و) تجوز (المراطلة) وهي: (عين) من ذهب أو فضة (بمثله) ذهب بذهب وفضة بفضة (وزناً) إما (بصنجة) في إحدى الكفتين والذهب أو الفضة في الأخرى (أو كفتين) بكسر الكاف؛ بأن يوضع عين أحدهما في كفة وعين الآخر في الأخرى فيساوى بينهما (ولو لم يوزنا) قبل ذلك لأن كل واحد أخذ زنة عينه، كان معلوماً قدرها وزناً قبل ذلك أم لا (وإن كان أحدهما) أي النقدين كله (أو بعضه أجود) من الآخر فيجوز. (لا) إن كان أحدهما (أدنى وأجود): أي بعضه أدنى من مقابله وبعضه الآخر أجود منه كمصري وبندقي، ويقابلان بمغربي؛ فالمغربي متوسط والمصري أدنى والبندقي أعلى، فيمنع لدوران الفضل من الجانبين.
ــ
الخلاف جار في قوله قبل: إن كانت الثلث.
قوله: [وتجوز المبادلة] إلخ: لما كان بيع النقد بنقد بغير صنفه صرفاً، وبصنفه إما مراطلة - وهو بيع نقد بمثله وزناً كما يأتي - وإما مبادلة، وقد عرفها المصنف كما قال ابن عرفة: بيع العين بمثله عدداً، فقوله: بمثله. يخرج الصرف وقوله: عدداً، تخرج المراطلة.
قوله: [ولا يشترط للجواز حينئذ]: أي حين إذ تساويا عدداً ووزناً. قوله: [لا سبعة]: العبرة بمفهوم الستة فالزائد عليها ممتنع. قوله: [لا الوزن]: أي فلا تجوز المبادلة في الدراهم أو الدنانير المتعامل بها وزناً كأوقية تبر كاملة بأوقية ناقصة. قوله: [وأن تكون الزيادة في الوزن]: أي بأن تكون زيادة كل واحد على ما يقابله في الوزن لا في العدد وحينئذ فلا بد أن يكون واحداً بواحد لا واحداً باثنين.
قوله: [السدس فأقل]: هذا الشرط ذكره ابن شاس وابن الحاجب وابن جماعة ولكن قال في القباب: أكثر الشيوخ لا يذكرون هذا الشرط وقد جاء لفظ السدس في كلام المدونة وهو محتمل للتمثيل والشرطية.
قوله: [وأن يكون على وجه المعروف]: اختلف؛ هل تشترط السكة للدراهم أو الدنانير وهل يشترط اتحادها؟ قولان: المعتمد عدم الاشتراط فما يتعامل به عدداً من غير المسكوك حكمه حكم المسكوك وتجوز المبادلة في سكتين مختلفتين. قوله: [أنقص وزناً عن مقابله]: مقابل الأول رديء الجوهرية ومقابل الثاني رديء السكة.
قوله: [ممتنع]: خبر عن قوله "والأجود". وإنما أفرد مع أنه خبر عن شيئين؛ لأن العطف بأو. قوله: [فينتفي المعروف]: أي المعروف الذي هو شرط المبادلة بسبب المبالغة. والحاصل أن القواعد تقتضي منع المبادلة ولو تمحض الفضل من جهة واحدة لكن الشارع أباحها حينئذ بشروطها ما لم يخرجا عن المعروف بدوران الفضل من الجانبين.
قوله: [لانتفاء علة المنع]: أي وهي دوران الفضل من الجانبين.
قوله: [وهي عين من ذهب أو فضة بمثله]: أي وسواء كانا مسكوكين أم لا اتحدت سكتهما أم لا كان التعامل بالوزن أو بالعدد. قوله: [أو كفتين]: أو في كلام المصنف لحكاية الخلاف ويدل له قول عياض اختلف في جواز المراطلة بالمثاقيل فقيل: لا تجوز المراطلة إلا بكفتين، وقيل: تجوز بالمثاقيل أيضاً وهو أصوب: اهـ، والمراد بالمثاقيل كما قال الأبي: الصنجة انتهى (بن)، والصنجة بفتح الصاد وبالسين وهو أفصح كما في القاموس.
قوله: [فيساوى بينهما]: أي فلا تغتفر الزيادة في المراطلة ولو قليلاً كما في المواق بخلاف المبادلة. إن قلت: إذ كان كل واحد إنما يأخذ مثل عينه فأي غرض في ذلك الفعل؟ أجيب بأنه: يمكن أن يكون الغرض باعتبار الرغبة في الأنصاف دون الكبار أو بالعكس أو في غير المسكوك دون المسكوك أو بالعكس.
قوله: [فالمغربي متوسط]: أي يفرض ذلك. قوله: [لدوران الفضل من الجانبين]: أي فرب المغربي يغتفر جودته ويأخذ المصري نظراً لأخذه البندقي ورب البندقي يغتفر جودته لأجل دفع المصري.
تنبيه: اختلف هل الأجود سكة أو صياغة كالأجود جوهرية. فيدور الفضل بسببهما - أو لا؟ الأكثر من أهل العلم على عدم اعتبارهما وأنهما ليسا كالجودة في الجوهرية فلا يدور بهما فضل خلافاً لما مشى عليه خليل.
(و) جاز (مغشوش): أي بيعه (بمثله) مراطلة ومبادلة أو غيرهما (وبخالص) على المذهب. ومحل الجواز: إن بيع (لمن لا يغش به) بل لمن يكسره ويجعله حلياً أو غيره، وفسخ إن بيع لمن يغش به.
(و) جاز (قضاء القرض) إذا كان عيناً بل (ولو طعاماً وعرضاً بأفضل صفة) حل الأجل أم لا، لأن القرض لا يدخله:"حط الضمان وأزيدك"، كدينار جيد عن أدنى منه أو ثوب أو طعام أو حيوان جيد عن دنيء، لأنه حسن لقضاء [1]؛ وخير الناس أحسنهم قضاء (إن لم يدخلا عليه)، وإلا كان سلفاً جر منفعة وهو فاسد
(و) جاز القضاء (بأقل صفة وقدراً) معاً كنصف دينار أو درهم ونصف إردب أو ثوب عن كامل أجود، وأولى بأقل صفة فقط أو قدراً فقط (إن حل الأجل) وإلا فلا؛ (لا) يجوز القضاء (بأزيد عدداً أو وزناً) مطلقاً حل الأجل أم لا للسلف بزيادة (كدوران الفضل من الجانبين): فلا يجوز؛ كعشرة يزيدية عن تسعة محمدية أو عكسه.
(وثمن المبيع) الكائن في الذمة (من العين كذلك): يجري في قضائه ما جرى في قضاء القرض؛ فيجوز بالمساوي والأفضل صفة مطلقاً، حل الأجل أم لا، وبأقل صفة وقدراً إن حل الأجل، لا إن لم يحل ولا إن دار فضل من الجانبين؛ إلا في صورة أشار لها بقوله:(وجاز بأكثر) مما في الذمة عدداً ووزناً وأولى صفة؛ إذ علة منع ذلك في القرض وهي السلف بزيادة منفية هنا حل الأجل أو لم يحل.
ــ
قوله: [بمثله]: أي بمغشوش مثله وظاهره تساوى الغش أم لا وهو ظاهر ابن رشد وغيره كما في (ح) لكن في المواق أنه لا يجوز بيع المغشوش بمثله إلا إذا علم أن الداخل فيهما سواء. قوله: [على المذهب]: قيد في الثاني وأما بيعه بمثله فلا خلاف في جوازه. قوله: [وفسخ إن بيع لمن يغش به]: أي جزماً وأما لو شك هل يغش به أم لا فيكره والبيع ماض ومحل فسخه إلا أن يفوت بذهاب عينه أو بتعذر المشتري، فإن فات فهل يملك ثمنه فلا يجب عليه أن يتصدق به، أو يجب عليه التصدق به، أو يجب عليه التصدق بالزائد على فرض بيعه لمن لا يغش؟ أقوال أعدلها ثالثها - كذا في الأصل.
قوله: [وجاز قضاء القرض] إلخ: حاصل ما في المقام ستون صورة وذلك؛ لأن الدين المترتب في الذمة: إما من قرض أو من بيع. وفي كل: إما عيناً أو عرضاً أو طعاماً فهذه ست، وفي كل: إما أن يقضيه بمساو في القدر والصفة، أو بأفضل صفة أو قدراً أو بأقل صفة أو قدراً، فهذه ثلاثون، وفي كل: إما أن يقضيه بعد حلول الأجل، أو قبله. فهذه ستون: ثلاثون في القرض، وثلاثون في البيع، أما التي في القرض فثمانية عشر جائزة وهي: القضاء بمساو قدراً وصفة، أو بأفضل صفة، حل الأجل فيهما أم لا، أو بأقل صفة أو قدراً إن حل الأجل فيهما فهذه ست. كان المقضي والمقضي عنه طعاماً، أو عرضاً، أو عيناً، والباقي اثنتا عشرة ممنوعة وهي القضاء بأزيد قدراً حل الأجل أو لا أو بأقل صفة أو قدراً ولم يحل الأجل؛ فهذه أربع سواء كان المقضي والمقضى عنه طعاماً أو عرضاً أو عيناً. وأما الثلاثون التي في البيع فسيأتي حاصلها. قوله:[لا يدخله حط الضمان وأزيدك]: أي لأن الحق في الأجل في القرض لمن عليه الدين.
قوله: [وخير الناس أحسنهم قضاء]: وهو معنى الحديث الوارد في الصحيحين «أنه عليه الصلاة والسلام رد في سلف بكر رباعياً، وقال: إن خيار الناس أحسنهم قضاء» ولا يقال تلك رخصة لا يقاس عليها؛ لأننا نقول إنما تمسكنا بعموم النص الذي هو قوله: «إن خيار الناس أحسنهم قضاء» والبكر من الإبل: ما دخل في الخامسة، ومن البقر والغنم: ما دخل في الثانية. والرباعي من الإبل: ما دخل في السابعة.
قوله: [إن حل الأجل]: إنما منع قبل الأجل لما فيه من: ضع وتعجل. قوله: [لا يجوز القضاء بأزيد عدداً]: أي حيث كان التعامل بها عدداً فقط أو عدداً ووزناً.
وقوله: [أو وزناً]: أي حيث كان التعامل بها وزناً فقط فتمنع الزيادة في الوزن، إلا كرجحان ميزان بأن يكون راجحاً في ميزان صرفي مساوياً في ميزان آخر. والحاصل أن العين إذا كان يتعامل بها عدداً فلا يجوز قضاء فرضها بأزيد عدداً باتفاق؛ لأنه سلف بزيادة كما قال الشارح. وأما إن كان التعامل بها وزناً وعدداً كما في مصر فهل يلغى الوزن أو العدد خلاف والمعتمد الأول. وعليه فلا يجوز قضاء نصفي ريال أو أربعة أرباعه عن كامل ولو اتحد الوزن وعلى مقابله يجوز. وأما إن كان التعامل بها وزناً فقط فلا يضر زيادة العدد حيث اتحد الوزن اتفاقاً.
قوله: [كعشرة يزيدية] إلخ: أي فالمقترض تساهل في دفع العشرة المذكورة - وإن كان فيها زيادة - لرغبته في جودة التسعة المحمدية التي أخذها، والمقرض يرغب في أخذ العشرة لزيادتها، وإن كانت رديئة بالنسبة لتسعته التي أقرضها. قوله:[من العين كذلك]: أي ففيه صور عشر ويأتي في الطعام عشر أيضاً وفي العرض مثلها. أما صور العين فثمان جائزة وهي: القضاء بمساو، أو أفضل صفة، حل الأجل أم لا، وبأقل صفة أو قدراً، إن حل الأجل، وبأكثر عدداً أو وزناً حل الأجل أم لا؛ فهذه ثمان. وبقي صورتان ممنوعتان وهما مفهوم قوله: إن حل الأجل في الصفة أو القدر ويضم لهما دوران الفضل من الجانبين.
قوله: [وبأقل صفة وقدراً]: الواو بمعنى أو وهي مانعة خلو. قوله: [منفية هنا]: أي في ثمن المبيع من العين، ولذلك يجوز للرجل أن يشتري بعشرة ويدفع خمسة عشر
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (قضاء).
ومفهوم قوله: "من العين" أنه لو كان الثمن عرضاً أو طعاماً ففيه تفصيل أشار إليه بقوله:
(كغير العين إن حل الأجل) يجوز قضاؤه (بأزيد صفة وقدراً) لا إن لم يحل؛ لما فيه من "حط الضمان وأزيدك".
(و) جاز (بأقل) صفة وقدراً (في العرض) إن حل الأجل أبرأه من الزائد أم لا؛ إذ المفاضلة في العرض لا تمنع؛ (كالطعام) يجوز فيه بعد الأجل القضاء بأقل (إن) جعل الأقل في مقابلة قدره و (أبرأه من الزائد) لا إن جعل الأجل في مقابلة الكل لما فيه من المفاضلة في الطعام. لا قبل الأجل لما فيه من "ضع وتعجل" عرضاً أو طعاماً. وهذا التفصيل كله قد تركه الشيخ.
(ودار الفضل) من الجانبين في قضاء القرض وثمن المبيع (بسكة) من جانب (أو صياغة مع جودة) من الجانب الآخر، أي كل من السكة أو الصياغة يقابل الجودة فيدور بها الفضل؛ فلا يجوز قضاء مثقال من تبر جيد عن مثله مسكوكاً أو مصوغاً غير جيد ولا العكس. وأما قضاء المسكوك عن المصوغ وعكسه فمذهب ابن القاسم الجواز.
(وإن بطلت معاملة) من دنانير أو دراهم أو فلوس ترتبت لشخص على غيره من قرض أو بيع أو تغير التعامل بها بزيادة أو نقص (فالمثل): أي فالواجب قضاء المثل على من ترتبت في ذمته إن كانت موجودة في بلد المعاملة.
(وإن عدمت) في بلد المعاملة - وإن وجدت في غيرها - (فالقيمة يوم الحكم): أي تعتبر يوم الحكم بأن يدفع له قيمتها عرضاً أو يقوم العرض بعين من المتجددة.
(وتصدق بما يغش به الناس) أدباً للغاش فجاز للحاكم - كالمكتسب - أن يتصدق به على الفقراء؛ ولا يحرم عليه. وجاز أن يؤدبه بضرب ونحوه ولا يجوز أدبه بأخذ مال منه كما يقع كثيراً من الظلمة. وللحاكم أن يخرجه من السوق.
والغش يكون في كل شيء حتى في الحيوان وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» . (كخلط) شيء (جيد) كلبن وسمن وزيت ودقيق (برديء) من جنسه أو غير جنسه (من طعام أو غيره) كثياب وقطن وكتان (و) نحو (بل ثياب بنشا، ونفخ لحم بعد السلخ) لا قبله لأنه يوهم أنه سمين. ومحل التصدق به (إن كان قائماً) بيد البائع أو المشتري ويفسخ البيع. (وإلا) يكن قائماً - بأن ذهبت عينه أو تغير - (فبالثمن) الذي بيع به.
ــ
حل الأجل أم لا؛ لأن الأجل في العين من حق من هي عليه فلا تهمة فيه.
قوله: [أنه لو كان الثمن عرضاً أو طعاماً]: حاصل الصور التي تتعلق بهما أنه متى قضاه بمساو صفة وقدراً جاز، حل الأجل أم لا، أو بأزيد صفة أو قدراً جاز، إن حل الأجل. وفي كل عرضاً أو طعاماً، وبأقل صفة أو قدراً في العرض إن حل الأجل ولا يشترط إبراؤه من الزائد، وبأقل صفة وقدراً في الطعام إن حل الأجل بشرط إبرائه من الزائد في أقلية القدر، فهذه ثنتا عشرة جائزة. والممنوع ثمانية وهي: ما إذا قضاه بأزيد صفة أو قدراً، أو بأقل صفة أو قدراً. أو لم يحل الأجل. وفي كل عرضاً أو طعاماً. وهي مفهوم قوله:"إن حل الأجل في الزيادة" أو في الأقلية ويضم لها دوران الفضل.
قوله: [بأزيد صفة وقدراً]: الواو بمعنى أو وهي مانعة خلو كما تقدم. ومثلها يقال في قوله الآتي "وجاز بأقل صفة وقدراً".
قوله: [لما فيه من حط الضمان وأزيدك]: اعلم أن هذه العلة إنما تدخل في ثمن المبيع إن كان عرضاً أو طعاماً؛ لأن الحق في الأجل لرب الدين وللمدين ولا تأتي في القرض مطلقاً ولا في ثمن المبيع إن كان عيناً؛ لأن الحق لمن عليه الدين إن شاء عجل أو أبقاه للأجل. وأما "ضع وتعجل" فتجري في قضاء القرض وثمن المبيع سواء كان القرض أو الثمن عيناً أو طعاماً أو عرضاً.
قوله: [من قرض أو بيع]: ومثل ذلك ما لو كانت وديعة وتصرف فيها أو دفعها لمن يعمل فيها قراضاً.
قوله: [أي فالواجب قضاء المثل]: أي ولو كان مائة بدرهم ثم صارت ألفاً بدرهم أو بالعكس، وكذا لو كان الريال حين العقد بتسعين ثم صار بمائة وسبعين وبالعكس، وكذا إذا كان المحبوب بمائة وعشرين ثم صار بمائتين أو العكس، وهكذا. قوله:[فالقيمة يوم الحكم]: وهو متأخر عن يوم انعدامها وعن يوم الاستحقاق والظاهر أن طلبها بمنزلة التحاكم وحينئذ فتعتبر القيمة يوم طلبها. وظاهره ولو حصلت مماطلة من المدين حتى عدمت تلك الفلوس، وبه قال بعضهم. وقال بعضهم: هذا مقيد بما إذا لم يكن من المدين مطل وإلا كان لربها الأحظ من أخذ القيمة أو مما آل إليه الأمر من السكة الجديدة الزائدة على القديمة وهذا هو الأظهر لظلم المدين بمطله: قال الأجهوري. كمن عليه طعام امتنع ربه من أخذه حتى غلا فليس لربه إلا قيمته يوم امتناعه وتبين ظلمه.
قوله: [فجاز للحاكم]: أي فالتصدق جائز لا واجب خلافاً لمن يقول بذلك. وما ذكره من التصدق هو المشهور. وقيل: يراق اللبن ونحوه من المائعات وتحرق الثياب الرديئة أو تقطع خرقاً وتعطى للمساكين.
قوله: [ولا يجوز أدبه بأخذ مال منه]: قال الوانشريسي: أما العقوبة بالمال فقد نص العلماء على أنها لا تجوز. وفتوى البرزلي بتحليلها لم تزل الشيوخ يعدونها من الخطأ كذا في (بن).
قوله: [من غشنا فليس منا]: إن حمل على غش الإيمان كفعل المنافقين فالحديث على ظاهره، وإن كان المراد الغش في المعاملة مع اعتقاد حرمته فالمعنى: ليس مهتدياً بهدينا وليس من الكاملين في الإيمان. ولكن يترك اللفظ على ظاهره تخويفاً وتقريعاً. قوله: [فبالثمن الذي بيع به]: وقيل بالزائد على فرض بيعه ممن لا يغش به وقيل يملكه وقد تقدمت تلك الأقوال.
(فصل)
في بيان علة ربا النساء وربا الفضل
وبيان أجناس ربا الفضل وما يتعلق بذلك
(علة) حرمة (ربا النساء في الطعام) الربوي وغيره (مجرد الطعم): أي كونه مطعوماً لآدمي، (لا على وجه التداوي): أي على غير وجه التداوي به؛ فما يتداوى به من مسهل أو غيره يجوز فيه النساء أي التأخير.
(فتدخل الفواكه) جميعها كرمان وإجاص (والخضر) ما يؤكل أخضر كالخيار والبطيخ (والبقول) بالضم كالجزر والقلقاس والفجل (والحلبة) بالضم (ولو يابسة) ويخرج نحو السلجم. (فيمنع بعضه) أي بيعه (ببعض إلى أجل) ولو تساويا.
(ويجوز التفاضل فيها) قل أو كثر (ولو بالجنس) الواحد كرطل برطلين (في غير) الطعام (الربوي) منها إذ كان (يداً بيد).
(وعلة) حرمة (ربا الفضل فيه): أي في الطعام (اقتيات وادخار): أي مجموع الأمرين. فالطعام الربوي: ما يقتات ويدخر؛ أي ما تقوم به البنية عند الاقتصار عليه ويدخر إلى الأمد المبتغى منه عادة ولا يفسد بالتأخير، ولا يشترط كونه متخذاً للعيش غالباً على المذهب - ابن ناجي: ولا حد في الادخار على المذهب. وفي معنى الاقتيات مصلحة كبصل كما سيأتي.
ثم شرع في عد الربويات وبيان أجناسها بقوله: (كبر وشعير وسلت، وهي): أي الثلاثة (جنس) واحد على المذهب لتقارب منفعتها. فيحرم بيع بعضها ببعض متفاضلاً ولو يداً بيد (وعلس) بفتح اللام؛ قريب من خلقة البر: طعام أهل صنعاء اليمن (وذرة ودخن) بضم الدال المهملة وسكون الخاء المعجمة: حب صغير فوق حب البرسيم طعام السودان (وأرز. وهي) أي الأربعة (أجناس): أي كل واحد منها جنس على حدته يجوز التفاضل بينها مناجزة ومنع في الجنس منها. (والقطاني) السبعة (وهي أجناس) يمنع التفاضل في الجنس الواحد ويجوز بين الجنسين: (وتمر وزبيب وتين) على المشهور (وهي أجناس. وذوات الزيت) من زيتون وسمسم وقرطم وفجل أحمر.
ــ
فصل في بيان علة ربا النساء وربا الفضل وبيان أجناس ربا الفضل وما يتعلق بذلك
لما أنهى الكلام على أنواع الربا في النقد، ولم يتكلم على كونه تعبداً أو معللاً - مع أنه معلل - وهل علته غلبة الثمنية أو مطلق الثمنية، وينبني على ذلك حكم الفلوس النحاس فتخرج على الأول دون الثاني. فشرع الآن في الكلام على علته في الطعام وعلى متحد الجنس ومختلفه لحرمة التفاضل في الأول دون الثاني وحرمة ربا النساء فيهما كما تقدم ذلك في قوله:"وحرم في عين وطعام ربا فضل إن اتحد الجنس" إلخ.
قوله: [علة حرمة ربا النساء]: إلخ: المراد بالعلة العلامة لا الباعثة لأنه يستحيل أن يبعث المولى أمر من الأمور على أمر، اللهم إلا أن يراد الباعث الذي يبعث المكلف على الامتثال.
قوله: [مجرد الطعم]: بالضم الطعام أي مجرد كونه مطعوماً. قوله: [والبقول]: الفرق بين الخضر والبقول أن البقول ما يقلع من أصله كالفجل بخلاف الخضر فإنه ما يتناول شيئاً بعد شيء كالبامية والملوخية في بعض البلاد.
قوله: [والحلبة بالضم ولو يابسة]: حاصله أنه اختلف في الحلبة فقيل: طعام، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة. أو دواء وهو قول ابن حبيب. أو الخضراء طعام واليابسة دواء، وهو قول أصبغ في الموازية. فاختار شارحنا قول ابن القاسم. قوله:[ويخرج نحو السلجم]: أي لأنه يستعمل على سبيل التداوي.
قوله: [اقتيات وادخار]: قال ابن عرفة: الطعام ما غلب اتخاذه لأكل آدمي أو لإصلاحه أو لشربه اهـ، فيدخل فيه الملح والفلفل لا الزعفران وماء الورد والمصطكى والصبر والزراريع التي لا زيت لها والحرف: وهو حب الرشاد. وقوله: " أو لشربه ": يدخل فيه اللبن لأنه غلب اتخاذه لشرب الآدمي. ويخرج الماء لأنه غلب اتخاذه لغير شرب الآدمي لكثرة من يشربه من الدواب. ولا يرد على هذا زيت الزيتون فإن أصل اتخاذه للطعام ولإصلاحه - كذا في الحاشية.
قوله: [إلى الأمد المبتغى منه عادة]: أي الزمن الذي يراد له عادة، ولا حد له بل هو في كل شيء بحسبه، ثم إنه لا بد أن يكون الادخار على وجه العموم، فلا يلتفت لما كان ادخاره نادراً وحينئذ فيجوز التفاضل في الجوز والرمان كما هو نص المدونة ومشهور المذهب، كذا في الحاشية، وفي الحقيقة الرمان وما في معناه خارج بقوله "اقتيات".
قوله: [جنس واحد على المذهب]: أي خلافاً للسيوري وتلميذه عبد الحميد الصائغ حيث قال [1]: إن الثلاثة المذكورة أجناس فيجوز التفاضل فيما بينها مناجزة.
قوله: [وهي أي الأربعة أجناس]: أي على المشهور في الثلاثة الأخيرة، وأما العلس فخارج عنها إذا لم يقل أحد إنه جنس منها. وإنما اختلفوا: هل هو ملحق بالقمح والشعير والسلت أو جنس بانفراده؟ وهو المشهور.
قوله: [والقطاني السبعة]: أي التي هي: العدس بفتحتين واللوبيا والحمص بتشديد الميم مفتوحة ومكسورة مع كسر الحاء فيهما والترمس بضم أوله وثالثه وسكون ثانية، والفول والجلبان والبسيلة وتسمى بالماش والكرسنة قال الباجي هي البسيلة، وقال التتائي: قريبة من البسيلة وفي لونها حمرة. وسميت قطاني: لأنها تقطن بالمكان أي تمكث به. ولم يختلف قول مالك في الزكاة أنها جنس واحد يضم بعضها لبعض وذلك لأن الزكاة لا تعتبر فيها المجانسة العينية؛ وإنما يعتبر فيها تقارب المنفعة وإن اختلفت لا في البيع. ألا ترى أن الذهب والفضة جنس واحد في الزكاة وهما جنسان في البيع؟ قوله: [وتين على المشهور]: أي فالمشهور
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(قالا).
(ومنها بزر الكتان) بفتح الكاف والخردل على الأرجح (وهي أجناس، كزيوتها) فإنها أجناس (والعسول): جمع عسل كانت من نحل أو تمر أو قصب أو غير ذلك أجناس. يجوز فيها التفاضل، كرطل من عسل نحل برطلين من عسل قصب إذا كان يداً بيد ويمنع في النوع منها (بخلاف الخلول والأنبذة فجنس) واحد لا يجوز التفاضل فيها. والمذهب أن الخل والنبيذ جنس، ونص ابن رشد: النبيذ لا يصح بالتمر لقرب ما بينهما، ولا بالخل إلا مثلاً بمثل، لأن الخل والتمر طرفان يبعد ما بينهما فيجوز التفاضل بينهما. والنبيذ واسطة بينهما لقربه من كل واحد منهما. فلا يجوز بالتمر على كل حال ولا بالخل إلا مثلاً بمثل. وهذا أظهر ولا يكون سماع يحيى مخالفاً للمدونة اهـ.
وقيل: كل واحد منهما جنس على حدته وهو أظهر في النظر لأن الذي يراد من الخل غير ما يراد من النبيذ عادة.
(والأخباز) كلها (ولو بعضها من قطنية) كفول وبعضها من قمح (جنس) واحد يحرم التفاضل فيها (إلا) أن يكون البعض (بأبزار) فلا يكون مع غيره جنساً ويجوز التفاضل فيه مع غيره؛ لأن الأبزار تنقله عما ليس فيه أبزار. والمراد جنس الأبزار، فيصدق بالواحد.
(وبيض وهو) من دجاج أو غيرها (جنس) واحد (فتتحرى المساواة) ولو اقتضى التحري بيضة بيضتين أو أكثر كما قال المازري.
(ويستثنى) وجوباً عند البيع (قشر بيض النعام) فلا يدخل في البيع سواء بيع بمثله أو بغيره. وذكر علة وجوب الاستثناء ليصح البيع بقوله: (فإنه عرض) لأنه إذا لم يستثن يلزم في الأول بيع طعام وعرض بطعام وعرض وفي الثاني بيع طعام بطعام وعرض وهو ممنوع. (وسكر وهو) بجميع أصنافه (جنس) واحد فيمنع رطل من المكرر أو النبات برطلين مع غيره. (ومطلق لبن) من بقر أو غيرها (وهو) بأصنافه (جنس) واحد. (ولحم طير) إنسي أو وحشي كحدأة ورخم (وهو) من جميعها (جنس) واحد يمنع فيه التفاضل والمطبوخ منه جنس (ولو اختلفت مرقته) بأن طبخ بأمراق مختلفة بأبزار أم لا،
ــ
في التين أنه ربوي بناء على أن العلة الاقتيات والادخار، وإن لم يكن متخذاً للعيش غالباً.
قوله: [ومنها بزر الكتان بفتح الكاف والخردل] إلخ: إنما كان الأرجح فيهما كونهما ربويين لأنه يؤكل زيتهما غالباً لا على وجه التداوي في هذا الزمان وأنت خبير بأن الطعمية ينظر فيها للعرف، فإخراج الخرشي بزر الكتان من الربويات بقوله: فلا يرد أكل بعض الأقطار كالصعيد لزيت بزر الكتان لأن هذا من غير الغالب على حسب زمانه.
قوله: [كزيوتها فإنها أجناس]: أي فيباع رطل من الزيت الطيب برطلين من الشيرج أو من الزيت الحار مناجزة.
قوله: [أو غير ذلك]: أي كعسل العنب. قوله: [فجنس واحد لا يجوز التفاضل فيها]: أي حيث كان أصلها واحداً وأما لو اختلف أصل الخل من أصل النبيذ كخل تمر ونبيذ زبيب فظاهر تمثيل الشارح أنهما جنسان اتفاقاً والأنبذة كلها جنس واحد ولو اختلفت أصولها حيث كانت ربوية كالخلول.
قوله: [لأن الخل والتمر]: تعليل لمحذوف تقديره بخلاف الخل مع التمر فيصح.
قوله: [فلا يجوز بالتمر على كل حال]: أي لأنه بيع رطب بيابس فلا تتأتى المثلية فقوله إلا مثلاً بمثل راجع لقوله ولا بالخل.
قوله: [لأن الذي يراد من الخل]: أي فالذي يراد من الخل الإدام وإصلاح الطعام والذي يراد من النبيذ شربه والتلذذ به فبينهما بون.
قوله: [ولو بعضها من قطنية]: أي على المشهور، ومقابله قولان، قيل: هي أصناف، وقيل: خبز القطاني صنف وخبز غيرها صنف. ومثل الأخباز الأسوقة بشرط أن تكون الأخباز والأسوقة أصلها ربوي. قوله: [إلا أن يكون البعض بأبزار]: أي أو أدهان أو سكر، فالظاهر أنه إذا كان بأبزار مختلفة بحيث يختلف الطعم فإنه يصير كالجنسين. ومثل العجن بالأبزار التلطخ بها كالكعك بالسمسم بمصر لا وضع حبة سوداء على بعض رغيف وانظر هل ما كان بسكر مع ذي الأبزار صنف أو صنفان اهـ من الحاشية.
قوله: [وهو من دجاج أو غيرها]: وهل يدخل في الغير بيض الحشرات أم لا؟ وهو الظاهر، بل الظاهر ما ذكره ابن عرفة في تعريف الطعام أنه ليس بطعام كما أن ظاهره أن لحمها كذلك. وجزم الشيخ كريم الدين بأن لحمها ربوي لا يظهر اهـ خرشي.
قوله: [قشر بيض النعام]: مثله بيع عسل مع شمعه بعسل بدونه فيجوز إن استثني الشمع وإلا فلا فإن بيع بدراهم ونحوها جاز مطلقاً كذا في الحاشية. قوله: [وهو ممنوع]: أي لأن مصاحبة العرض للطعام كمصاحبته للنقد، فكما لا يجوز بيع نقد مع عرض بنقد متحد الجنس مع عرض كذلك لا يجوز في الطعام؛ لأن العرض المصاحب للنقد أو الطعام يعطى حكمهما فيؤدى للتفاضل في متحد الجنس.
قوله: [من بقر أو غيرها]: أي من كل غير محرم الأكل ويلحق به الآدمي: وقولنا "غير محرم الأكل" يشمل مكروه الأكل؛ وفي الحقيقة لبنه تابع للحمه. فإن قلنا: إن لحم مكروه الأكل من ذوات الأربع مع مباحه جنس، كان لبن مكروه الأكل من ذوات الأربع مع مباحه جنساً. وانظر ذلك.
قوله: [وهو بأصنافه جنس]: أي الآتي بيانها وهي الحليب والأقط والمخيض والمضروب.
ولا يخرجه ذلك عن كونه جنساً. (ودواب الماء) من حوت وغيره صغيرة وكبيرة (وهي جنس كمطلق ذوات الأربع) من غنم وبقر وغيرهما (وإن) كان (وحشياً) كغزال وبقر وحش وحماره يمنع التفاضل فيها والمطبوخ منها جنس واحد ولو اختلفت مرقته.
(والجراد) وهو جنس غير الطير. (وفي جنسية المطبوخ من جنسين) كلحم طير ولحم بقر في إناء واحد أو كل منهما في إناء (بأبزار) ناقلة لكل واحد منهما عن أصله (خلاف): قيل: يصير بذلك جنساً واحداً يمتنع فيه التفاضل. وقيل: بل كل على أصله فلا يمتنع فإن طبخ أحدهما فقط بأبزار أو كل منهما بلا أبزار فجنسان اتفاقاً.
(والمرق) كاللحم يمنع التفاضل بينهما. فلا يجوز رطل لحم برطلي مرق ويجوز مرق بمثله وبلحم طبخ وبمرق ولحم كهما بمثلهما متماثلاً في الصور الأربع (والعظم) المختلط كاللحم الخالص فلا بد من المماثلة يداً بيد. فهو كنوى التمر حيث لم ينفصل عنه فإن انفصل وكان لا يؤكل جاز بيعه باللحم متفاضلاً كالنوى إذا انفصل عن تمره (والجلد كاللحم) فتباع شاة مذبوحة بمثلها وزناً أو تحرياً مناجزة ولا يستثنى الجلد، بخلاف الصوف فإنه يستثنى كقشر بيض النعام لأنه عرض.
ولما كان مصلح الطعام الربوي ملحقاً به -فيدخله ربا الفضل- نبه عليه بقوله: (ومصلحه) عطف على "بر" أي: وكمصلح الطعام: وهو ما لا يتم الانتفاع بالطعام إلا به (كملح وبصل وثوم) بضم المثلثة ويقال فوم بالفاء كما في القرآن في قوله: {وفومها} [البقرة: 61](وتابل) بفتح الموحدة وكسرها وبينه بقوله: (من فلفل) بضم الفاءين (وكزبرة) بضم الكاف والباء الموحدة وقد تفتح الباء وقد تقلب الزاي سيناً (وكرويا) بفتح الراء وسكون الواو وفي لغة: كزكريا، وفي أخرى كتيميا (وشمار) بفتح أوله (وكمونين): أبيض وأسود (وأنيسون؛ وهي) أي المذكورات (أجناس) يجوز التفاضل بينها [1] مناجزة. (وخردل) بالدال المهملة: حب أحمر صغير كالبرسيم يخرج منه زيت حار كالثلج [2] وحب السلجم أحمر أيضاً أصغر من الخردل يخرج منه أيضاً زيت حار فهو كالخردل في كونه ربوياً. ومشى الشيخ علي أن الخردل ليس بربوي فالسلجم كذلك. ونص ابن الحاجب على أنه ربوي، فقال بالعطف على الحنطة والخردل والقرطم. واعتمد بعضهم ما لابن الحاجب فلذا مررنا عليه، والله أعلم بحقيقة الحال. وما قيل إنه ربوي اتفاقاً ففيه نظر.
(لا فواكه): كرمان وخوخ وإجاص (ولو ادخرت بقطر؛ كتفاح ولوز وبندق) فليست بربوية على الأرجح. وفي التين خلاف استظهر الشيخ أنه ربوي.
(ودواء) عطف على فواكه: أي ليس بربوي كحزنبل وحرمل. وسائر العقاقير.
ــ
قوله: [ولا يخرجه ذلك عن كونه جنساً]: وما سيأتي من طبخ اللحم بأبزار يخرجه عن النيء فالأبزار لا تنقل إلا عن النيء. قوله: [كمطلق ذوات الأربع]: أي من مباح الأكل قال في المدونة: وذوات الأربع الأنعام والوحش كلها صنف واحد اهـ، قال: ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقداً أو مؤجلاً لأنه لا يؤكل لحمها، وأما الهر والثعلب والضبع مكروه بيع لحم الأنعام بها لاختلاف الصحابة في أكلها. وهو يفيد أن مكروه الأكل من ذوات الأربع ليس من جنس المباح منها وإلا لم يبع لحم المباح منها بالمكروه متفاضلاً وإنما كره التفاضل في بيع لحمها بلحم المباح مراعاة للخلاف لحرمة أكلها وعدمها. وفي الذخيرة ما يفيد أن الكراهة على التحريم. وعليه فهما جنس واحد وانظر: هل يجري مثل ذلك في مكروه الأكل من الطير كالوطواط مع مباح الأكل منه؟ وهو الظاهر وقد يقال في مكروه الأكل من دواب الماء - ككلب الماء وخنزيره على القول بكراهتهما وإن كان ضعيفاً - لأن المعتمد فيهما الجواز اهـ ملخصاً من الخرشي.
قوله: [والجراد]: أي فهو ربوي على المعتمد. وقيل: وغير ربوي. قال خليل: وفي ربويته خلاف. قوله: [خلاف]: وتظهر فائدة الخلاف فيما إذا بيع أحدهما بالآخر فإنه يمتنع التفاضل بينهما إن قلنا إنهما جنس واحد، ويجوز إن قلنا إنهما جنسان. وأما هما مع لحم آخر فإن لم يكن مطبوخاً بناقل جاز بيعه بهما أو بأحدهما ولو متفاضلاً وإن كان مطبوخاً بناقل جرى فيه الخلاف بينه وبينهما هل يصيران جنساً واحداً أو يبقى كل على ما هو عليه.
قوله: [في الصور الأربع]: وبقيت خامسة وهي مرق ولحم بلحم
قوله: [والجلد كاللحم] أي ولو كان منفصلاً إذا لم يكن مدبوغاً وأما المدبوغ فكالصوف.
قوله: [وزناً أو تحرياً]: أي كأنهم لم يلتفتوا لما في داخل بطنها من الفضلات المحتملة لتفاوتهما. قوله: [وهي أي المذكورات أجناس]: ما ذكره من أنها أجناس هو ما استظهره الباجي ونقل الشيخ أبو محمد عن ابن المواز عن ابن القاسم: أن الشمار والأنيسون جنس والكمونين جنس آخر وهو المعتمد كذا قرره شيخ مشايخنا العدوي.
قوله: [بالدال المهملة]: أي كما في التنزيل وورد إعجامها في غير القرآن. قوله: [يخرج منه زيت حار]: أي يستخرج ببلاد الصعيد كل من السلجم والخردل ومثلهما زيت الخس المسمى بالزيت الحلو بمصر.
قوله: [واعتمد بعضهم ما لابن الحاجب]: أي وقد استظهره الشيخ خليل في توضيحه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (بينهما).
[2]
في ط المعارف: (كالسلجم).
(وحلبة) يابسة أو خضراء.
(وبلح صغير) بأن انعقد ولم يزه ليس ربوياً، لأنه لا يراد للأكل بخلاف الزهو فأعلى من بسر فرطب فتمر فربوي اتفاقاً.
(وماء) عذب أو مالح ليس بربوي بل ولا طعام. (وجازا): أي البلح الصغير والماء أي جاز كل منهما (بطعام لأجل كالأدوية) تجوز بطعام لأجل لأنها كالعروض.
ثم شرع في بيان ما يكون به الجنس الواحد جنسين وما لا يكون. فمن الثاني ما أشار إليه بقوله:
(ولا ينقل طحن) لحب (وعجن) لدقيق (وصلق) لغير ترمس من الحبوب (وشيء) للحم بلا أبزار (وتقديد له) أو لغيره بنار أو هواء أو شمس عن أصل؛ فالدقيق ليس جنساً منفرداً عن أصله فلا يجوز فيه التفاضل بينه وبين أصله لأنه مجرد تفريق أجزاء، العجن [1] لا ينقل عن الحب ولا الدقيق. والمصلوق مع -غيره جنس فلا يباع مصلوق بمثله متفاضلاً ولا متماثلاً لعدم تحقق المماثلة. إلا الترمس فإن صلقه على الوجه المعلوم ينقله عن أصله لكثرة المعاناة فيه وصيرورته حلواً بعد المرارة، والتقديد غير ناقل عن الأصل.
(و) لا ينقل (تسمين) للبن عن لبن حليب لم يخرج سمنه، بخلاف ما أخرج منه سمنه فناقل (و) لا ينقل (نبذ لكتمر) وزبيب (عن أصل) بل هما جنس فلا يجوز التفاضل بينه وبين أصله ولو احتمالاً؛ كرطل زبيب برطل نبيذ منه لعدم تحقق المماثلة. وأشار للأول -وهو ما يكون به الجنس جنسين - بقوله:(بخلاف خبز) بفتح الخاء المعجمة، فإنه ناقل عن العجين والدقيق فأولى عن الحب (وتخليل) لنبيذ فإنه ناقل عن الأصل النبيذ لا عن النبيذ لأن الخل والنبيذ جنس كما تقدم.
(وقلي) لقمح مثلاً فناقل (وسويق) المراد به ما طحن بعد صلقه فإنه ينقل لاجتماع أمرين وإن كان كل واحد بانفراده لا ينقل. وكذا إذا لت بسمن فإنه ينقل عن غير الملتوت.
(و) بخلاف (طبخ غير لحم) كأرز (أو) طبخ (لحم بأبزار) فإنه ناقل.
(و) بخلاف (شيه) أي اللحم بالنار بأبزار (وتجفيفه بها): أي بالأبزار فناقل وإذا كانت هذه الأشياء ناقلة عن أصلها.
(فيجوز التفاضل) فيها (بأصلها يداً بيد، وجاز تمر ولو قدم) أي بيعه (بتمر) جديد أو قديم؛ فالصور ثلاثة. وقيل: لا يجوز قديم بجديد لعدم تحقق المماثلة.
ــ
قوله: [وحلبة]: عطف على فواكه أي فليست ربوية فلا ينافي أنها طعام كما تقدم.
قوله: [بأن انعقد ولم يزه] إلخ: أي لم يبلغ حد الرامخ؛ فكل ما لم يبلغ حد الرامخ لا يعد طعاماً من أصله بدليل قول الشارح: "لأنه لا يراد للأكل". قوله: [بخلاف الزهو فأعلى]: حاصله أن مراتب البلح سبع: طلع فإغريض فبلح صغير - وهو المسمى في عرف مصر بالنيني - فبلح كبير وهو المسمى بالزهو فبسر فرطب فتمر ويجمعها قولك " طاب زبرت " فكل واحد من هذه إما أن يباع بمثله أو بغيره والجملة تسع وأربعون صورة المكرر منها إحدى وعشرون صورة والباقي ثمان وعشرون وهي بيع الطلع بمثله وبالست بعده وبيع الإغريض بمثله وبالخمس بعده وبيع البلح الصغير بمثله وبالأربع بعده وبيع الكبير بمثله وبالثلاث بعده وبيع البسر مثله وبالاثنين بعده وبيع الرطب بمثله وبالتمر بعده وبيع التمر بالتمر فالجائز منها بيع كل بمثله بشرط المماثلة والمناجزة في الأربع الأخيرة، وأما في الثلاث
الأول فالجواز ولو مع التفاضل مع المناجزة وبيع الطلع بكل واحد من الست بعده وبيع الإغريض بكل واحد من الخمس بعده، وبيع البلح الصغير بكل من الأربع بعده ولو متفاضلاً من غير مناجزة لاختلاف الأجناس والطعمية وبيع الزهو بالبسر، لأنهما كشيء واحد بشرط التماثل أو المناجزة وبقي خمس ممنوعة وهي بيع الرطب بالزهو أو بالبسر أو التمر وبيع التمر بالزهو أو بالبسر. وعلة المنع فيها بيع رطب بيابس.
قوله: [وماء عذب أو مالح]: المراد بالعذب ما يشرب ولو عند الضرورة والمراد بالملح ما لا يشرب أصلاً. والعذب جنس والمالح جنس ويجوز بيع بعض الجنس الواحد ببعض متفاضلاً يداً بيد. وأما لأجل فإن كان المعجل هو القليل منع لما فيه من "سلف جر نفعاً". وأما إن كان هو الكثير فظاهر المدونة المنع أيضاً. قال الخرشي: ولعله مبني على أن تهمة ضمان بجعل توجب المنع. انتهى. وأما بيع المالح بالحلو وعكسه فيجوز بأي حال لاختلاف الأجناس وعدم كونه ربوياً وطعاماً.
قوله: [فلا يجوز فيه التفاضل بينه وبين أصله]: أي فإذا بيع القمح بالدقيق فلا بد من المماثلة وتعتبر المماثلة في قدر الدقيق بالتحري وكبيع العجين بالدقيق أو القمح.
قوله: [إلا الترمس]: وألحق به في تدميس الفول وصلق الفول الحار للكلفة التي فيه فيجوز بيع الفول المدمس أو الفول الحار باليابس ولو متفاضلاً إذا كان مناجزة.
قوله: [والتقديد غير ناقل] إلخ: ستأتي صور ذلك.
قوله: [لأن الخل والنبيذ جنس]: حاصله أن النبيذ مع التمر جنس واحد وكذلك مع الخل إلا أنه يمنع بيع النبيذ بالتمر مطلقاً لعدم تحقق المماثلة ويجوز بيع النبيذ بالخل متماثلاً لا متفاضلاً. وأما الخل مع التمر فهما جنسان يجوز التفاضل بينهما مناجزة.
قوله. [وبخلاف طبخ غير لحم]: أي فإنه متى طبخ بأبزار نقل كما في ابن بشير خلافاً لما في (عب) من أن طبخ نحو الأرز بأبزار لا ينقله فلا فرق بين اللحم وغيره في أن كلاً منهما متى طبخ
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (والعجن).
(و) جاز لبن (حليب) من بقر أو غيره بمثله.
(و) جاز (رطب) بضم الراء وفتح الطاء المهملة: ما نضج ولم ييبس، وإلا فتمر. (و) جاز (لحم مشوي) بمثله (و) لحم (قديد) بمثله. واعلم أن اللحم إما نيء أو مشوي أو قديد أو مطبوخ فكل واحد بمثله جائز كالنيء بكل واحد مما بعده إن كان بأبزار ولو متفاضلاً لنقله بالأبزار كما تقدم، وإلا منع مع المشوي والقديد مطلقاً؛ لأنه رطب بيابس ومع المطبوخ متفاضلاً فقط.
(و) جاز لحم (عفن) بفتح العين المهملة وكسر الفاء: وهو ما تغير طعمه بطول مكثه، بمثله. (و) جاز (زبد) بمثله، (و) جاز (سمن) بمثله (وأقط): لبن مستحجر وقيل جبن للبن المنزوع الزبد بمثله (وجبن) بمثله. (و) جاز حب (مغلوث قلَّ غلثه) بمثله لا نقي بمغلوث ولا إن كثر الغلث وهو ما الشأن أن لا يتسامح فيه (وزيتون) بمثله (ولحم) بمثله.
فقوله: (بمثلها) كيلاً أو وزناً (مناجزة) أي يداً بيد: راجع للجميع. (لا) يجوز (رطبها) أي المذكورات (بيابسها) متماثلاً ولا متفاضلاً. (ولا) يجوز (شيء منها) أي المذكورات (مع عرض) كثوب أو شاة (بمثله): فلا يجوز زيتون وثوب بزيتون مثله أو معه عرض أيضاً للتفاضل المعنوي لاحتمال اختلاف قيمة العرض المصاحب للربوي.
(و) لا يجوز (مبلول) من حب كقمح (بمثله): أي بمبلول مثله من جنس ربوي؛ لا متماثلاً ولا متفاضلاً لعدم تحقق المماثلة في البل (ولا) يجوز لبن (حليب بزبد أو سمن) لعدم النقل فإن أخرج زبده جاز بهما لأنهما صارا جنسين.
(ولا) يجوز لحم (مشوي بقديد أو مطبوخ) أو قديد بمطبوخ لا متفاضلاً ولا متماثلاً لعدم تحقق المماثلة، إلا أن يكون في أحدها أبزار ومقابله خالياً منها فيجوز لحصول النقل بالأبزار عما لا أبزار فيه كما تقدم.
(واعتبر الدقيق): أي قدره (تحرياً) إذا لم يعلم قدره كيلاً أو وزناً (في بيع خبز بمثله إن كانا) أي الخبزان (من جنس) كقمح. وهذا القيد لا بد منه على المذهب ولا يعتبر وزن الخبزين. (وإلا) يكونا من جنس واحد؛ كخبز قمح وذرة (فالوزن) بين الخبزين هو المعتبر لا الدقيق. وقولنا: "في بيع" إلخ، وأما في القرض فالعبرة بالعدد المتقارب قال ابن شعبان: لا بأس أن يتسلف الجيران فيما بينهم الخبز ويقضوا مثله أي لأن القصد فيه المعروف لا المبايعة.
(و) اعتبر الدقيق أيضاً (في) بيع (عجين بحنطة أو دقيق) تحرياً في المسألتين. (وجاز قمح بدقيق) إن تماثلا وزناً أو كيلاً على الراجح. وقيل: لا يجوز إلا بالوزن وقيل لا يجوز مطلقاً لعدم تحقق المماثلة وهو أضعفها.
(وتعتبر المماثلة بالكيل فيما يكال) كالحبوب (والوزن فيما يوزن) كالنقدين (وبالتحري في غيرها وزناً) لا كيلاً
ــ
بأبزار انتقل وإلا فلا.
قوله: [وجاز لبن حليب]: اعلم أن اللبن الحليب وما تولد منه سبعة أنواع: حليب وزبد وسمن وجبن وأقط ومخيض ومضروب. وكل واحد من السبعة إما أن يباع بنوعه أو بغير نوعه. فالصور تسع وأربعون المكرر منها إحدى وعشرون. والباقي ثمان وعشرون الجائز منها ست عشرة صورة وهي: بيع كل واحد بمثله وبيع المخيض بالمضروب وبيع كل من المخيض أو المضروب بالحليب أو بالزبد أو السمن أو الجبن الذي من حليب. وأما بيع المخيض أو المضروب بالأقط فقيل بالجواز بشرط المماثلة وقيل بالمنع؛ واستظهر لأن الأقط إما مخيض أو مضروب فهو بيع رطب بيابس من جنسه: واختلف أيضاً في بيع الجبن بالأقط والظاهر المنع كذا قالوا: وظاهره كان الجبن من حليب أو من مخيض أو من مضروب. والظاهر أن المنع مسلم إذا كان من مخيض أو مضروب لا من حليب لأن المقصود منهما مختلف، فهذه ثلاث صور مختلف فيها. وبقي تسع ممنوعة اتفاقاً: بيع الحليب بزبد أو سمن أو جبن أو أقط وبيع زبد بسمن أو جبن أو أقط وبيع السمن بجبن أو أقط. ومحل منع الجبن والأقط في هذه التسع إن كانا من حليب وأما إن كانا من مخيض أو مضروب فحكمهما.
قوله: [واعلم أن اللحم] إلخ: أشار بذلك إلى أن صور بيع اللحم باللحم ست عشرة صورة؛ لأن اللحم إما نيء أو قديد أو مشوي أو مطبوخ، وفي كل: إما أن يباع بمثله أو غيره فهذه ست عشرة صورة المكرر منها ست والباقي عشر. وقد ذكر الشارح أحكام سبعة منها مستوفاة وسكت عن ثلاثة هنا وسيذكرها في قوله: "ولا يجوز لحم مشوي بقديد"، وهو بيع المشوي بالقديد أو المطبوخ وبيع القديد بالمطبوخ فلا تجوز تلك الصور الثلاث إن كان الناقل في كل أو لا ناقل فيها ولا متماثلاً فإن كان الناقل بأحدها فقط جاز ولو متفاضلاً كذا في الأصل.
قوله: [إلا أن تكون في أحدها أبزار]: مراده بالأبزار: الجنس فمتى أضيف للماء ملح أو بصل أو ثوم فإنه ينقل.
قوله: [كما تقدم]: أي في غير هذه الثلاثة.
قوله: [وإلا يكونا من جنس واحد]: أي والموضوع أن أصلهما طعام ربوي فإن كانا من صنفين غير ربويين أو أحدهما ربوي والآخر غير ربوي لم يعتبر وزن ولا غيره لجواز المفاضلة حينئذ.
قوله: [فالعبرة بالعدد المتقارب]: أي ولو زاد الوزن على العدد أو نقص وينبغي ما لم تحصل مشاحة، وإلا فلا بد من الوزن إن اختلف أصلهما أو التحري إن اتحد أصلهما.
قوله: [فيما يكال]: أي في المعيار الذي اعتبره الشرع إن كان كيلاً فكيلاً وإن كان وزناً
(كالبيض) وجاز التحري فيما يوزن من الربويات لا فيما يكال. وحاصل النقل عن ابن القاسم: أن كل ما يباع وزناً ولا يباع كيلاً مما هو ربوي تجوز فيه المبادلة والقسمة على التحري، وهو في المدونة في السلم الثاني منها.
وكل ما يباع كيلاً لا وزناً مما هو ربوي فلا تجوز فيه المبادلة ولا القسمة بالتحري بلا خلاف، وأما غير الربوي فاختلف في جواز القسمة ما فيه، والمبادلة على التحري على ثلاثة أقوال: الجواز فيما يباع وزناً لا كيلاً. والثاني: الجواز مطلقاً، والثالث: المنع مطلقاً.
(فإن تعذر) التحري فيما يجوز فيه التحري لكثرته جداً (منع) فلا تجوز المبادلة والقسمة فيه. وظاهر قولنا: "وجاز التحري فيما يوزن" ولو لم يتعسر لوزان [1] وهو مذهب المدونة كما تقدم. وقيده الشيخ تبعاً لابن الحاجب بما إذا تعسر الوزن وقول الأكثر.
(وفسد) العقد (المنهي) عنه من بيع أو غيره. والصحة في العقود ترتب آثارها عليها، والفساد عدمه. وفي العبادة: موافقة الفعل ذي الوجهين الشرع فما نهى عنه ففاسد.
(إلا لدليل) يدل على صحته: كالنجش وبيع المصراة وتلقي الركبان. وما فسد تعين رد ما لم يفت كما يأتي.
ثم أخذ في بيان ما نهى عنه بقوله: (كالغش) قال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» ، وقال عليه الصلاة والسلام:«الدين النصيحة» ، (وهو): أي الغش قسمان: الأول: (إظهار جودة ما ليس بجيد): كنفخ اللحم بعد السلخ ودق الثياب. والثاني أشار له بقوله: (أو خلط شيء بغيره): كخلط اللبن بالماء والسمن بدهن (أو برديء) من جنسه كقمح جيد برديء.
(وكحيوان): أي بيعه (مطلقاً): ما فيه منفعة كثيرة ويراد للقنية، أو ما لا تطول حياته، أو ما لا منفعة فيه إلا اللحم، أو قلت منفعته (بلحم جنسه): كبيع شاة بعشرة أرطال لحم من ضأن أو بقر أو إبل لما تقدم أن ذوات الأربع جنس واحد (إن لم يطبخ) اللحم.
ــ
فوزناً فما ورد عنه أنه يكال - كالقمح - فلا تصح المبادلة فيه إلا بالكيل، وما ورد أنه يوزن كالنقد فلا تجوز المبادلة فيه إلا بالوزن، وهكذا.
وقوله: [كالبيض]: أي فيباع بعضه ببعض بالتحري ولو اقتضى التحري بيع بيضة ببيضتين أو أكثر.
قوله: [ولا القسمة بالتحري]: الفرق بين ما يوزن فيجوز فيه التحري وما يكال لا يجوز فيه أن آلة الوزن قد يتعذر وجودها، بخلاف آلة الكيل فإنه يتيسر بأي وعاء فلذلك منع التحري فيه.
قوله: [الجواز فيما يباع وزناً لا كيلاً]: أي وهو لابن القاسم، وقوله:"والثاني: الجواز مطلقاً"، وهو لأشهب، وقوله:"والثالث: المنع مطلقاً": أي وهو الذي في كتاب السلم الثالث من المدونة.
قوله: [وفسد المنهي عنه]: أي عن تعاطيه وهذه قضية كلية شاملة للعبادات والمعاملات وهي العقود سواء كان عقد نكاح أو بيع إذا علمت ذلك، فالأولى للشارح حذف قوله العقد.
قوله: [ترتب آثارها عليها]: أي كحل التلذذ بعقد النكاح والتصرف بالمبيع بعد عقد البيع.
وقوله: [والفساد عدمه]: أي عدم ترتب آثارها عليها كعدم حل النكاح بالعقد وعدم جواز التصرف في المبيع بسبب عقده. قوله: [ذي الوجهين]: أي صاحب الوجه الموافق للشرع والمخالف له. فإن قلت: إن كل فعل له وجهان، فلا معنى لقولهم ذي الوجهين؟ وأجيب: بأن هناك أموراً ما لها إلا وجه واحد كاعتقاد وحدانية الله فليس لها إلا وجه واحد وهو موافقة الشرع، وكالأمور المجمع على حرمتها فليس لها إلا وجه واحد وهو مخالفة الشرع. واعلم أن لهم قاعدة أخرى وهي: إذا كان النهي ذاتياً للشيء؛ كالدم والخنزير. أو وصفاً له كالخمر للإسكار، أو خارجاً لازماً له كصوم يوم العيد - لأن صومه يستلزم الإعراض عن ضيافة الله تعالى - فإنه يكون مقتضياً للفساد. ويؤخذ من هذه القاعدة فساد الصلاة وقت طلوع شمس أو غروبها ولا دلالة لقول خليل. وقطع محرم بوقت نهي على الصحة إذا كان النهي لخارج عنه غير لازم كالصلاة في الأرض المغصوبة والتنفل وقت خطبة الجمعة ولبس الثوب الحرير في الصلاة، فلا يقتضي الفساد. ألا ترى أن إشغال بقعة الغير بلا إذنه أو إتلاف ماله أو الإعراض عن سماع الخطبة أو لبس الحرير حرام كل منها؟ وإن لم يكن في صلاة.
قوله: [إلا لدليل]: أي شرعي.
قوله: [يدل على صحته]: أي صحة المنهي عنه وسواء كان الدليل متصلاً بالنهي أو منفصلاً عنه فالمتصل كأن يكون النهي والصحة في حيز واحد، والمنفصل يكون النهي في حيز والصحة في حيز آخر.
قوله: [كالغش]: مثال للمنهي عنه ولم يدل دليل على صحته، ويكون الدليل مخصصاً لتلك القاعدة.
قوله: [كنفخ اللحم بعد السلخ]: أي وأما قبله فلا نهي فيه لأنه يحتاج إليه وفيه إصلاح ومنفعة. قوله. [كخلط اللبن بالماء]. محل النهي ما لم يخلط بالماء لاستخراج زبده وكخلط العصير بالماء لتعجيل تخليله.
قوله: [وكحيوان]، أي حي مباح الأكل وإنما قيدنا بذلك لأن بيع الخيل ونحوها باللحم المباح جائز لعدم المزابنة وسواء كان البيع نقداً أو لأجل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الوزن).
ولو بغير أبزار لبعده بالطبخ عن الحيوان، فإن طبخ جاز كما يجوز بغير جنسه لكن مناجزة في غير الأولى لأن ما لا تطول حياته وما بعده طعام حكماً. وأما الأولى - وهو ما منفعته كثيرة ويراد للقنية- فيجوز ولو لأجل. (أو) حيوان مطلقاً بأقسامه الأربعة (بما) أي بحيوان من جنسه (لا تطول حياته) كطير الماء (أو) بحيوان من جنسه (لا منفعة فيه إلا اللحم): كخصي معز (أو قلت منفعته؛ كخصي ضأن لتقديرها): أي هذه الثلاثة (لحماً) ففيه بيع مجهول بمعلوم أو مجهول بمجهول من جنسه وهو مزابنة، وصور هذه تسعة؛ لأنك إذا أخذت الأول من الأربعة مع كل من الثلاثة بثلاثة والثاني من الأربعة مع كل من الثلاثة بثلاثة والثالث مع مثله وما بعده باثنين والرابع مع مثله بواحد، فهذه تسعة مع الأربعة الأول بثلاثة عشر. وتقدم تفصيل بيع اللحم بلحم.
وإذا قدرت هذه الثلاثة لحماً: (فلا تجوز بطعام لأجل) لأنه طعام بطعام نسيئة. (كحيوان): أي كما لا يجوز بيع أحد هذه الثلاثة بحيوان مثلها (من غير جنسها) لأجل كما تقدم. وأما يداً بيد فيجوز لاختلاف الجنس. (وجاز ما يراد للقنية) لكثرة منفعته (بمثله) لأنهما لا يقدران طعاماً بل هما من العروض (وبطعام مطلقاً) أي ولو لأجل؛ راجع للمسألتين (كبقرة ببعير) أو بقرة بمثلها أو بعير ببعير أو كبقرة أو بعير بأردب قمح. - (وكالمزابنة، وهي: بيع مجهول) وزنه أو كيله أو عدده (بمعلوم) قدره من جنسه: كجزاف من قمح أو غيره بإردب منه (أو بمجهول من جنسه)، ويكون (في الطعام وغيره؛ كالقطن والحديد) وغيرهما من المثليات. فإن اختلف الجنس ولو بالنقل جاز البيع بشروط الجزاف.
(وانتقل الطعام) عن جنسه (بما مر) كالطبخ بالأبزار ونزع السمن من اللبن والخبز.
(و) انتقل (غيره) أي غير الطعام عن أصله (بصنعة معتبرة): أي عظيمة كالأواني، لا بهينة كالفلوس.
(فيجوز بيع النحاس)
ــ
قوله: [ولو بغير أبزار]: أي كما أفاده الأقفهسي وهو المعول عليه لأن نقل اللحم عن الحيوان يكون بأدنى ناقل بخلاف اللحم عن اللحم؛ فإنه لا يكفي فيه مجرد الطبخ بل لا بد من طبخه بأبزار.
قوله: [بثلاثة عشر]: حاصل ذلك أن المصنف اشتمل كلامه على ست عشرة صورة كلها ممنوعة وهي: بيع الحيوان بأقسامه الأربعة بلحم جنسه وبيعه بأقسامه الأربعة بما لا تطول حياته، وبيعه بأقسامه الأربعة بما لا منفعة فيه إلا اللحم، وبيعه بأقسامه الأربعة بما قلت منفعته؛ فهذه ست عشرة صورة المكرر منها ثلاثة يبقى ثلاث عشرة صورة يضم لها بيع اللحم باللحم وبيع حيوان يراد للقنية بمثله، وهاتان الصورتان الأولى منهما جائزة على التفصيل المتقدم والثانية جائزة بلا خلاف.
قوله: [فلا تجوز بطعام لأجل]: أي ولا يؤخذ منها كراء أرض زراعة ولا تؤخذ قضاء عن دراهم أكريت بها أرض زراعة ولا يؤخذ قضاء عن ثمنها طعام لحماً أو غيره؛ فلا يجوز بيع شاة للجزار بدراهم، ثم يأخذ بدل الدراهم لحماً أو طعاماً لإلغاء الدراهم المتوسطة بين العقد والقبض؛ فكأنه من أول الأمر باع الشاة باللحم والطعام. وهذا بخلاف الحيوان الذي يراد للقنية لكثرة منفعته، فإنه يجوز بيعه بطعام ولو لأجل. ويجوز كراء الأرض به وأخذه قضاء عما أكريت به الأرض، وأخذ الطعام قضاء عن ثمنه لأنه ليس طعاماً حقيقة ولا حكماً.
تنبيه: يجوز بيع أرض الزراعة بالطعام لحماً أو غيره لأن المنهي عنه إنما هو كراؤها به. قوله: [راجع للمسألتين]: أي وهما بيعه بمثله أو بطعام.
قوله: [وكالمزابنة]: من الزبن وهو الدفع من قولهم ناقة زبون إذا منعت حلابها ودفعت من يحلبها. ومنه: الزبانية لدفعهم الكفار في نار جهنم. قوله: [أو بمجهول من جنسه]: أي كبيع غرارة مملوءة قمحاً بغرارة مملوءة قمحاً أخرى ولا يعلم قدر ما فيهما أو بيع قفص خوخاً بمثله لا يدري قدر ما فيهما؛ أو بيع صبرة من قطن بمثلها.
قوله: [ولو بالنقل]: أي هذا إذا اختلفا بالأصالة كصبرة أرز بصبرة قمح ولو بالنقل والأصل جنس واحد.
قوله: [فيجوز بيع النحاس]: حاصله أن مسائل بيع النحاس أربع: الأولى: بيع النحاس غير المصنوع بالمصنوع صنعة قوية، الثانية: بيع النحاس غير المصنوع بالفلوس المتعامل بها، الثالثة: بيع النحاس المصنوع بالفلوس. الرابعة: بيع الفلوس المتعامل بها بمثلها، فالأولى تجوز سواء كانا جزافين أو أحدهما بيع نقداً أو لأجل وقدم النحاس حيث لم يمكن أن يعمل في الأجل مثل المصنوع وإلا منع، وأما لو قدمت الأواني فلا منع. والثانية لا تجوز لعدم انتقال الفلوس بصنعتها، ومحل المنع فيها حيث جهل عددها علم وزن النحاس أم لا كثر أحدهما كثرة تنفي المزابنة أم لا أو علم عددها وجهل وزن النحاس حيث لم يتبين فضل أحد العوضين وإلا جاز كما إذا علم عددها ووزن النحاس. والثالثة تجوز لأنهما مصوغان إن علم عدد الفلوس ووزن الأواني أو جهل الوزن ووجدت شروط الجزاف وإلا
منع كما لو جهل العدد والوزن معاً. والرابعة تجوز إن تماثلا كأن جهل عدد كل وزاد أحدهما زيادة تنفي المزابنة وإلا منع. هذا على أن الفلوس غير ربوية وأما على أنها ربوية فلا تجوز إلا إذا تماثلا وزناً وعدداً. فليحفظ هذا التقرير؛ فإنه زبدة ما في الأصل وحاشيته.
ونحوه المعلوم قدره أو غير معلومه (بالأواني منه، لا بالفلوس) لعدم انتقال الفلوس عن النحاس لسهولة صنعتها بخلاف الإناء، فإن صنعته عظيمة الشأن. ومحل المنع حيث جهل عددها، علم وزن النحاس أو جهل، أو علم عددها وجهل وزن النحاس. فإن علم العدد والوزن جاز، إذ لا مزابنة حينئذ وإلى هذا أشار بقوله:(إلا أن يعلم عددها): أي الفلوس (ووزنه): أي النحاس (فيجوز كآنية) من نحاس (بفلوس عليهما [1]): أي فيجوز، وإنما قدمنا هذه المسألة لمناسبتها لبيع الحيوان باللحم لأن علته المزابنة كما تقدم.
(وجاز) بيع المجهول بمعلوم أو المجهول من جنسه (إن كثر أحدهما) كثرة بينة تنتفي فيها المكايسة (في غير ربوي): كقطن وحديد وكالفواكه مما لا يحرم فيه ربا الفضل من الطعام، لكن بشرط المناجزة فيه لا في ربوي.
(وكالغرر): أي كبيعه فإنه فاسد للنهي عنه (وهو: ذو الجهل) بثمن أو مثمن أو أجل (والحظر [2]؛ كتعذر التسليم) كبيع آبق وسمك في مائه وبيع ما فيه خصومة.
(وكبيعها بقيمتها) التي ستظهر أو التي يقولها أهل السوق (أو بما يرضاه فلان) وكان البيع على رضاه (على اللزوم) لا على الخيار فإنه جائز لأن بيع الخيار منحل.
(وكمنابذة الثوب أو لمسه فيلزم) البيع؛ فإنه فاسد للنهي عنه إذا كان على اللزوم، كما أفاده بقوله:"فيلزم" فإن كان على الخيار جاز. وبيع المنابذة: أن يبيعه ثوباً بمثله أو بدراهم وينبذه له على أنه يلزم بالنبذ من غير تأمل فيه، فالمفاعلة فيه قد تكون على بابها. والملامسة: أن يبيعه الثوب مثلاً على اللزوم بمجرد لمسه من غير تفتيش فيه ولا تأمل.
(وكبيع) كل (ما فيه خصومة): أي في تسليمه لمشتريه، بأن يتوقف تسليمه له على منازعة كبيع مغصوب أو مسروق ونحو ذلك تحت يد غير مالكه البائع له.
(وكبيعه) سلعة عقاراً كانت أو عرضاً (بالنفقة عليه): أي على البائع لها (حياته): أي مدة حياته؛ ففاسد للغرر بعدم علم الثمن (ورجع) المشتري على البائع (بقيمة ما أنفق) المشتري عليه إن كان مقوماً، أو مثلياً جهل قدره كما إذا كان في عياله (أو بمثله إن) كان مثلياً (و) علم قدره، بأن دفع له قدراً معلوماً من طعام أو دراهم. فالصور أربع؛ يرجع بالقيمة في ثلاثة: المقوم مطلقاً والمثلي المجهول القدر، وبالمثل في واحدة. (ورد المبيع) لبائعه (إلا أن يفوت) عند المشتري (فالقيمة) يردها للبائع
ــ
قوله: [ونحوه]: أي كالحديد والقصدير والخشب والطين.
قوله: [بالأواني منه]: أي من النحاس إن كانت نحاساً، أو من القزدير إن كانت قزديراً، أو من الحديد إن كانت حديداً، أو من الخشب إن كانت خشباً، أو من الطين إن كانت طيناً، لكن لا تخرج أواني الطين عن أصلها إلا بالحرق على ما يظهر وهذا كله بخلاف أواني النقد. وأما هي فلا تخرج عن أصلها بحال.
قوله: [لا في ربوي]: أي فلا يجوز التفاضل في الجنس الواحد ولو كثر أحدهما كثرة بينة لأنه ربا على كل حال.
قوله: [أي كبيعه]: أي البيع الملابس للغرر، لا أن الغرر مبيع.
قوله: [على اللزوم]: اعلم أن المضر الدخول على لزوم البيع لهما أو لأحدهما في مسألة بيعها بقيمتها أو على رضا فلان، وأما على رضا أحد المتبايعين فالمضر إلزام غير من له الرضا. ومثل ما ذكره المصنف لو ولاه سلعة لم يعلمه بها أو بثمنها على الإلزام والسكوت كالإلزام في الجميع إلا في التولية فتصح وله الخيار
قوله: [وكمنابذة الثوب أو لمسه]: إنما كان منهياً عنه لما ورد أن «النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن الملامسة والمنابذة» فكان الرجلان في الجاهلية يساومان السلعة فإذا لمسها المشتري أو نبذها إليه البائع لزم البيع. قال مالك: والملامسة شراؤك الثوب لا تنشره ولا تعلم ما فيه أو تبتاعه ليلاً ولا تتأمله أو ثوباً مدرجاً لا ينشر من جرابه، والمنابذة: أن تبيعه ثوبك فتنبذه إليه أو ثوبه وينبذه إليك من غير تأمل منكما على الإلزام. قال أبو الحسن: قوله: "ولا تعلم ما فيه". يعني وتكتفي باللمس، وقوله:"أو تبتاعه ليلاً": أي مقمراً أو مظلماً، وقوله:"من جرابه"، بكسر الجيم وعاء من جلد. اهـ.
قوله: [فالمفاعلة فيه قد تكون على بابها]: أي وقد لا تكون؛ فالأولى: كما إذا شرط عليك نبذ المثمن واشترطت عليه نبذ الثمن. والثانية: كما إذا كان الشرط من أحدهما. وأما الملامسة فلا تكون على بابها، بل من جانب واحد وهي أن يشترط البائع على المشتري لزوم المبيع بمجرد لمسه له - هكذا قالوا.
قوله: [وكبيعه سلعة]: هو من إضافة المصدر إلى فاعله وسلعة مفعول والضمير في حياته يرجع للبائع ويصح أن يرجع للمشتري أو لأجنبي، فالمراد أنه ينفق عليه مدة مجهولة: وأما لو اشتراها بالنفقة مدة معلومة لجاز. فإن مات البائع قبل تمامها رجع ما بقي من المدة لورثته لا إن دخل على أنه إن مات يكون الباقي هبة للمشتري فلا يجوز.
قوله: [ورجع المشتري] إلخ: اختلف: هل يرجع بما كان سرفاً بالنسبة للبائع أو لا يرجع إلا بالمعتاد؟ ومحل الخلاف: إذا كان السرف قائماً فإن فات لم يرجع به ولا بعوضه. وما قيل في مسألة البيع بالنفقة عليه حياته يقال في مسألة الإجارة، كما لو أجرها منه بالنفقة عليه مدة مجهولة إلا في السرف فيرجع به ويعوضه إن فات. والفرق أن مشتري الذات يملك الغلة بملك الرقبة فلذلك لم يرجع مع الفوات بالسرف، والإجارة لا يملك فيها غلة لعدم ملكه الرقبة فيلزمه أجرة المثل.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (عُلِما)، ولعلها الصواب، كما في أقرب المسالك.
[2]
في ط المعارف: (والخطر)، ولعلها الصواب، كما في أقرب المسالك.
وتعتبر (يوم القبض) لا يوم الحكم.
(وكبيعتين في بيعة) فإنه فاسد للنهي عنه للجهل بالثمن حال العقد، وفسر ذلك بقوله:(يبيعها بتاً) لهما أو لأحدهما. فإن كان على الخيار لهما معاً جاز (بعشرة نقداً أو أكثر) كأحد عشر (لأجل) معلوم وأولى مجهول.
(أو) يبيع (سلعتين مختلفتين) جنساً كثوب ودابة، أو صفة؛ كرداء وكساء؛ والمراد بيع أحدهما على اللزوم بعشرة، ففاسد للجهل بالمثمن حال العقد. فإن وقع العقد على اختيار المشتري جاز (إلا) إذا كان اختلافهما (بجودة ورداءة) فقط مع اتفاقهما فيما عداهما كثوب جيد وآخر من جنسه رديء، فيجوز بيع أحدهما على اللزوم بعشرة لأن الشأن الدخول على أخذ الجيد. (ولو طعاماً) ربوياً (إن اتحد الكيل) كإردبي قمح أحدهما أجود فيجوز بيع أحدهما بدينار على اللزوم لأن الشأن اختيار الأجود (أو الأجود أكثر) من الرديء فيجوز وهو ظاهر. وهذا نسبه فضل للمدونة واختاره غيره واعتمد هذا القول، فقول الشيخ:"لا طعام" ضعيف وقولنا: "إن اتحد الكيل" أي والوزن فيما يوزن (و) اتحد (الثمن) كما هو الموضوع، صرح به لمزيد الإيضاح. (إلا أن يصحبهما): أي الطعامين (أو) يصحب (الرديء) منهما (غيره): أي غير الطعام من عرض أو حيوان، فلا يجوز.
(وكبيع حامل) آدمية أو غيرها من الحيوان (بشرط الحمل) إن قصد استزادة الثمن للغرر؛ إذ قد تلده حياً وقد لا تلده لانفشاش الحمل وقد تلده ميتاً، فإن قصد التبري جاز.
(واغتفر) للضرورة (غرر يسير) إجماعاً: كأساس لداره المبيعة، فإنه لا يعلم عمقه ولا عرضه ولا متانته. وكإجارتها مشاهرة من غير معرفة نقصان الشهور، وكجبة محشوة ولحاف، وشرب من سقاء، ودخول حمام مع اختلاف الشرب والاغتسال (لم يقصد) فإن كان يقصر [1]، كبيع حامل بشرط الحمل لم يجز كما تقدم.
(وككالئ [2] بكالئ): من الكلاءة بكسر الكاف: أي الحفظ.
ــ
قوله: [وتعتبر يوم القبض]: أي وأما في الإجارة فعليه أجرة المثل وهي قيمة المنافع في أزمانها وفي النفقة عليه قيمة ما أنفق في زمانه.
قوله: [وكبيعتين في بيعة]: المراد بالبيعة: العقد و "في": إما للظرفية أو السببية، وفي العبارة حذف والتقدير وكبيعتين حاصلتين في بيعة أو ناشئتين بسبب بيعة.
قوله: [فإن وقع العقد على اختيار المشتري جاز]: المناسب على خيار المشتري لأن الاختيار هو الموضوع فتارة الاختيار يجامع اللزوم أو السكوت وهو الممنوع وتارة يجامع الخيار وهو الجائز.
قوله: [فقول الشيخ لا طعام]: وجه منع الطعام على ما قال الشيخ: أن من خير بين شيئين يعد منتقلاً لأنه قد يختار شيئاً ثم ينتقل عنه إلى أكثر منه أو أقل أو أجود وهو تفاضل. ولأنه يؤدي إلى بيع الطعام قبل قبضه. ورد هذا: بأن الشأن الدخول على أخذ الجيد فلا يتأتى للعاقل انتقال.
قوله: [إلا أن يصحبهما] إلخ: علة المنع فيهما ما في ذلك من بيع الطعام قبل قبضه ولأن من خير بين شيئين منتقلاً فيؤدي إلى بيع طعام وعرض بطعام وعرض أو بيع طعام وعرض بطعام، وكل منهما ممنوع لدخول الشك في التماثل. ومثل ذلك في المنع، بيعه نخلة مثمرة على اللزوم ليختارها المشتري من نخلات مثمرات معينات إلا من باع بستانه المثمر فله أن يستثني عدداً يختاره منه بشرط أن يكون المستثنى قدر ثلث الثمر كيلاً فأقل ولا ينظر لعدد النخل ولا لقيمته وإنما جاز في هذه المسألة، إما لأن المستثنى مبقى أو لأن البائع يعلم جيد حائطه من رديئه فلا يختار ثم ينتقل كذا في الأصل.
قوله: [وكبيع حامل]: أي فهو فاسد للنهي عنه فإن فات المبيع مضى بالثمن لأن بيع الحامل بشرط الحمل مختلف في صحته، فإن الشافعي يقول بالصحة - كذا في الحاشية وظاهره أنه يمضي بالثمن عند الفوات ظهر بها حمل أو لا، والصواب قصره على ما إذا تبين حملها فإن تبين عدمه مضى بالقيمة كذا في الـ (مج)، لأن الحامل يزاد في ثمنها فأخذ ما زيد من الثمن إن تخلف الحمل من أكل أموال الناس بالباطل. قوله:[فإن قصد التبري جاز]: ظاهره لا فرق بين الحمل الظاهر والخفي. ولكن هذا في غير الآدمي وأما الآدمي فإن قصد التبري جاز في الحمل الظاهر كالخفي في الوخش إذ قد يزيد ثمنها به دون الرائعة، فإن لم يصرح بما قصد حمل على الاستزادة في الوخش وفي غير الآدمي. وعلى التبري في الرائعة كذا في الأصل.
قوله: [كأساس لداره] أي كالغرر بالنسبة لأساس الدار المبيعة وإلا فالأساس ليس غرراً وكذا يقال فيما بعده.
قوله: [وكجبة محشوة ولحاف]: أي وأما حشو الطراحة. فلا بد من نظره ولا يغتفر الغرر فيه لكثرته.
قوله: [من الكلاءة بكسر الكاف أي الحفظ]: استشكل ذلك بأن الدين مكلوء لا كالئ والكالئ إنما هو صاحبه لأنه الذي يحفظ المدين. وأجيب: بأنه مجاز في إسناد معنى الفعل لملابسه. فحق الكلاءة أن تسند للشخص بأن يقال: كالئ صاحبه فأسندت للدين للملابسة التي بين الدين وصاحبه، أو: إن كالئا بمعنى مكلوء، فهو مجاز مرسل من إطلاق اسم الفاعل وإرادة اسم المفعول لعلاقة اللزوم
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يقصد)، ولعلها الصواب.
[2]
في ط المعارف: (وكالئ).
وفي الحديث: «اللهم كلاءة ككلاءة الوليد» ، وفي القرآن:{قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن} [الأنبياء: 42]، وهو (دين بمثله) سمي بذلك لأن كلاً منهما يحفظ صاحبه ويراقبه.
(وهو أقسام) ثلاثة: الأول (فسخ ما في الذمة في مؤخر) من غير جنسه أو في أكثر مما لو كان عليه عشرة دراهم فسختها في دينار أو ثوب متأخر قبضه أو في أحد عشر درهماً يتأخر قبضها، وأما تأخيرها أو مع حطيطة بعضها فجائز هذا إذا كان المفسوخ فيه في الذمة بل (ولو) كان (معيناً) عقاراً أو غيره (يتأخر قبضه كغائب) عن مجلس الفسخ، لأنه لا يدخل في ضمانه إلا بالقبض مع بقاء الصفة المعينة حين الفسخ كأمة [1].
(و) كأمة (مواضعة) فسخها بائعها المدين للمشتري قبل رؤيتها الدم في دين عليه له. أو أن من عنده أمة شأنها أن تتواضع لا يصح دفعها في دين عليه، لأنها لا تدخل في ضمان مشتريها إلا برؤية الدم.
(أو) كان المفسوخ فيه (منافع) شيء (معين) كأن يفسخ ما عليه من الدين في ركوب دابة أو خدمة عبد أو سكنى دار معينة، وهو مذهب ابن القاسم. وقال أشهب بالجواز، وأما غير المعينة فلا يجوز باتفاقهما فعلم أنه لا يجوز لمن له دين على ناسخ أن يقول له: انسخ لي هذا الكتاب بما لي عليك من الدين، وأما لو نسخ لك الكتاب أو خدمك بأجر معلوم بغير شرط وبعد الفراغ قاصصته بما عليه، فجائز.
(و) الثاني: (بيعه) أي الدين (بدين) لغير من هو عليه، (كبيع ما) أي دين (على غريمك بدين في ذمة) رجل (ثالث) وأما بيعه بحال أو بمعين يتأخر قبضه أو بمنافع معين فلا يمنع.
(و) الثالث: (ابتداؤه) أي الدين (به): أي بالدين (كتأخير رأس مال السلم) أكثر من ثلاثة أيام. ومعناه: أن يتعاقدا على أن يسلمه ديناراً في شيء مثلاً [2] على أنه لا يأتيه برأس السلم إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر؛ فإنه ممنوع لما فيه من ابتداء دين بدين. إذ كل منهما أشغل ذمة صاحبه بدين له عليه، وسيأتي تفصيل المسألة في باب السلم.
ولما بين منع الدين بالدين بأقسامه الثلاثة،
ــ
لأنه يلزم من الكالئ المكلوء وعكسه.
قوله: [وفي الحديث] إلخ استدلال على أن الكلاءة معناها الحفظ، ومعنى الحديث اللهم إنا نسألك حفظاً منك لأنفسنا كحفظ والدي المولود للمولود فوليد بمعنى مولود. قوله:[وهو أقسام ثلاثة]: أي وهي فسخ الدين في الدين وبيع الدين بالدين وابتداء الدين بالدين، وبدأ المصنف بفسخ الدين لأنه أشدها لكونه ربا الجاهلية.
قوله: [وأما تأخيرها]: أي من غير زيادة وقوله أو مع حطيطة بعضها أي بأن يحط عنه البعض ويؤخر بالباقي فإنه جائز ولو كان طعاماً من بيع أو كان نقداً من بيع أو من قرض خلافاً ل (عب) وليس هذا من فسخ الدين في الدين بل هو سلف أو مع حطيطة ولا يدخل في قول المصنف فسخ ما في الذمة لأن حقيقة الفسخ الانتقال عما في الذمة إلى غيره كما قاله الأجهوري، ثم إن قول المصنف فسخ ما في الذمة أي ولو اتهاماً فدخل فيه ما إذا أخذ منه في الدين شيئاً ثم رده إليه بشيء مؤخر من غير جنس الدين أو من جنسه وهو أكثر لأن ما خرج من اليد وعاد إليها يعد لغواً، ودخل أيضاً ما لو قضاك دينك ثم رددته إليه سلماً وهاتان الصورتان تقعان بمصر للتحيل على التأخير بزيادة.
قوله: [بل ولو كان معيناً]: رد ب "لو" على أشهب وسينبه عليه الشارح، ومثل الفسخ في منافع الذات المعينة في عدم جواز الفسخ في ثمار يتأخر جذها أو سلعة فيها خيار أو رقيق فيه عهدة ثلاث أو ما فيه حق توفية بكيل أو وزن أو عدد.
قوله: [وقال أشهب بالجواز]: أي وصحح وقد كان الأجهوري يعمل به فكانت ل حانوت ساكن فيها مجلد الكتب فكان إذا ترتب له أجرة في ذمته يستأجره بها على تجليد كتبه وكان يقول هذا على قول أشهب وصححه المتأخرون وأفتى به ابن رشد
قوله: [وبعد الفراغ قاصصته بما عليه فجائز] أي لأنه ليس بفسخ ما في الذمة في مؤخر بل هو مقاصصة شرعية. قوله: [في ذمة رجل ثالث]: أي فلا يتصور بيع الدين بالدين لأقل من ثلاثة بل في ثلاثة أو أربعة لأنه لا بد فيه من تقدم عمارة ذمة أو ذمتين فالأول يتصور في ثلاثة كمن له دين على شخص فيبيعه من ثالث لأجل والثاني في أربعة ومثاله بكر له دين على زيد وخالد له دين على عمرو فيبيع خالد دينه الذي على عمرو بدين بكر الذي على زيد وهذه ممتنعة ولو كان كل من الدينين حالاً لعدم تأتي الحوالة هنا فتأمل.
قوله: [أو بمعين يتأخر قبضه]: وسواء كان ذلك المعين عقاراً أو غيره فإذا كان لزيد دين على عمرو فإنه يجوز له بيعه لبكر بمعين يتأخر قبضه أو بمنافع ذات المعين؛ وإذا علمت أن الدين يجوز بيعه بما ذكر ولا يجوز فسخه تعلم أن هذا القسم أوسع مما قبله. إن قلت الدين لا يجوز بيعه إلا إذا كان على حاضر وكان الشراء بالنقد والمعين الذي يتأخر قبضه ومنافع الذات المعينة ليست نقداً. أجيب بأن المراد بالنقد ما ليس مضموناً في الذمة ولا شك أن المعين ومنافعه ليست مضمونة في الذمة لأن الذمة لا تقبل المعينات فهي نقد بهذا المعنى وليس المراد بالنقد المقبوض بالفعل فقط.
قوله: [والثالث ابتداؤه]: أي وهو أخف من بيع الدين لجواز التأخير فيه ثلاثة أيام مع أن هذا لا يجوز في بيع الدين. قوله: [إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر]: البعدية ظرف متسع فلا حاجة لقوله أو أكثر.
قوله: [ولما بين منع الدين بالدين]: أي الذي
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
[2]
ليست في ط المعارف.
شرع في بيان حكم بيعه بالنقد ولا يخلو من هو عليه من كونه ميتاً أو حياً حاضراً أو غائباً فقال: (وشرط) صحة (بيع الدين: حضور المدين) وذلك يستلزم حياته (وإقراره) به لا إن لم يقر ولو ثبت بالبينة لأنه من بيع ما فيه خصومة.
(وتعجيل الثمن) وإلا كان بيع دين بدين وتقدم منعه.
(وكونه) أي الثمن (من غير جنسه) أي الدين (أو بجنسه) في غير العين.
(واتحدا قدراً وصفة) لا إن كان أقل؛ لما فيه من دفع قليل في كثير وهو سلف بمنفعة.
(وليس) الدين (ذهباً) بيع (بفضة وعكسه) لما فيه من الصرف المؤخر. ولو قال: "وليس عيناً بعين" لكان أحسن ليخرج البدل المؤخر (ولا طعام معاوضة) وإلا لزم بيع طعام المعاوضة قبل قبضه، وقد ورد النهي عنه.
(لا دين ميت) فلا يصح بيعه لأنه من بيع ما فيه خصومة (و) لا دين (غائب) ولو قربت غيبته (و) لا دين (حاضر لم يقر به) وإن ثبت بالبينة لما ذكر.
(وكبيع العربان) بضم فسكون، اسم مفرد ويقال: عربون بضم العين وفتحها وهو: (أن) يشتري أو يكتري سلعة و (يعطيه شيئاً) من الثمن (على أنه) أي المشتري (إن كره البيع تركه) للبائع وإن أحبه حاسبه به أو تركه؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل؛ ويفسخ. فإن فات مضى بالقيمة ويحسب منها العربون. فإن أعطاه على أنه إن كره البيع أخذه وإن أحبه حسبه من الثمن جاز.
(وكتفريق أم عاقلة) مسلمة أو كافرة (فقط) لا بهيمة ولا أب ولا جدة [1](من ولدها) ولو من زنا (ما لم يثغر) بتشديد المثلثة ويجوز قلبها مثناة. وذلك لأن أصله يثتغر بمثلثة هي فاء الكلمة ومثناة هي تاء الافتعال فجاز قلب إحداهما من جنس الأخرى ثم تدغم فيها: أي مدة كونه لم تنبت أسنانه بعد سقوط رواضعه (أو) ما لم (ترض) الأم (به) أي بالتفريق، وإلا جاز لأنه من حقها.
(وفسخ) البيع (إن لم يجمعهما بملك) لا بمجرد حوز بأن أبى المشتري للأم أو الابن أن يشتري الآخر، فإن جمعهما صح. فإن فات جبرا على جمعهما في حوز لا يفسخ.
(وأجبرا على جمعهما به): أي بملك (إن كان) التفريق (بغير عوض) كهبة أو صدقة لأحدهما أو هبتهما لشخصين ببيع أو غيره على الأرجح.
(وقيل [2]): يكفي (الحوز) أي جمعهما فيه (كالعتق) لأحدهما فإنه يكفي في الحوز قولاً واحداً (وجاز بيع نصفهما) معاً لشخص وجبرا على جمعهما في حوز واحد (و) جاز بيع (أحدهما) دون الآخر (للعتق) وجبرا على جمعهما أيضاً في حوز واحد، وقوله:"للعتق" راجع للثانية فقط.
ــ
هو الكالئ بالكالئ الشامل للأقسام الثلاثة.
قوله: [في بيان حكم بيعه بالنقد]: إن حقيقة أو حكماً كبيعه بمعين يتأخر قبضه أو منافع معين.
قوله: [حضور المدين]: إنما اشترط حضوره ليعلم من فقر أو غنى إذ لا بد من علم ذلك لاختلاف مقدار عوض الدين باختلاف حال المدين بفقر أو غنى والمبيع لا يصح أن يكون مجهولاً.
قوله: [وإقراره به]: أي ولا بد أن يكون ممن تأخذه الأحكام. قوله: [وتعجيل الثمن]: أي حقيقة أو حكماً كبيعه بمنافع معين يتأخر قبضها لأن قبض الأوائل قبض للأواخر.
قوله: [أو بجنسه]: أي فالشرط أحد أمرين إما كونه من غير جنسه أو بجنسه واتحد قدراً وصفة.
تنبيه: من اشترى ديناً أو وهب له وكان برهن أو حميل لم يدخل فيه الرهن أو الحميل إلا بشرط دخولهما وحضور الحميل وإقراره بالحمالة وإن كره لمن ملكه، وهذا بخلاف من ورث ديناً برهن أو حميل فإنه يكون له ما به وإن لم يشترط ذلك. وللراهن وضعه عند أمين إذا كره وضعه عند الوارث.
قوله: [وليس الدين ذهباً]: بقي من الشروط ألا يكون بين المشتري والمدين عداوة فتحصل أن الشروط تسعة: حياته، وحضوره، وإقراره، وكونه ممن تأخذه الأحكام، وألا يكون بين المشتري وبينه عداوة، وتعجيل الثمن حقيقة أو حكماً، وكونه بغير جنسه أو بجنسه واتحد قدراً وصفة وليس عينا عيناً ولا طعام معاوضة.
قوله: [وإن ثبت بالبينة]: راجع لدين الميت وما بعده أي فلا يصح بيع دين من ذكر وظاهره ولو أقر ورثة الميت وكانت تأخذهم الأحكام وقوله لما ذكر أي الذي هو شراء ما فيه خصومة.
قوله: [اسم مفرد]: أي لا جمع ولا اسم جمع. قوله: [بضم العين وفتحها]: أي مع فتح الراء كحلزون وتبدل العين همزة في الجميع ففيه لغات ست عربان وأربان كقربان وعربون وأربون بضم الأول فيهما وسكون الثاني وبفتح الأول والثاني.
قوله: [جاز]: أي وتحتم عليه إن كان لا يعرف بعينه كما قال المواق لئلا يتردد بين السلفية والثمنية.
قوله: [وكتفريق أم]: أي فهو منهي عنه لقوله عليه الصلاة والسلام: «من فرق بين أم وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة» ، والمراد بالأم أم النسب لا أم الرضاع. قوله:[أو كافرة]: أي غير حربية وأما لو كانت حربية بأن ظفر بالأم دون الولد أو بالعكس فإنه يؤخذ من ظفر به ويباع ولا حرمة في التفريق.
قوله: [وإلا جاز]: أي على المشهور وقيل إنه حق الولد فعليه يمنع ولو رضيت.
قوله: [فإنه يكفي في الحوز قولاً واحداً]: أي لتشوف الشارع للحرية.
قوله: [وجاز بيع نصفهما]: أي لاتحاد المالك سواء كان مشتري
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (جد).
[2]
في ط المعارف: (قيل).
(كبيع وشرط) أي مع شرط (يناقض المقصود) من البيع كأن يبيعها بشرط ألا يركبها أو لا يبيعها أو لا يلبسها ولا يسكنها أو لا يتخذها أم ولد.
(إلا) أن يكون الشرط (تنجيز عتق) لا كتابتها ولا عتقها لأجل، فإن باع بشرط تنجيز العتق جاز لتشوف الشارع للحرية (أو) يكون الشرط (كصدقة): مثلها الهبة والتحبيس، ثم إن باعه بشرط العتق صح (ولا يجبر) المشتري عليه (إن أبهم البائع) في شرطه ولم يقيد بإلزام وإيجاب للعتق على [1] المشتري (كالمخير في العتق ورد البيع) بأن باعه على أن المشتري مخير بين عتقه ورده لبائعه. فإن اشتراه على ذلك لم يجبر المشتري على العتق فإن لم يعتقه كان للبائع رد البيع وإمضاؤه.
(بخلاف الاشتراء على) شرط (إيجابه) أي العتق على المشتري، بأن شرط عليه البائع ذلك فاشتراه على ذلك فإنه يجبر على عتقه، فإن أبى أعتقه الحاكم عليه (كالعتق بالشراء) تشبيه في لزوم العتق لا بقيد الجبر لأن العتق حاصل بنفس الشراء ولا يحتاج إلى إنشاء بعد يعني أنه إذا قال:"إن اشتريته فهو حر أو معتوق" وسواء شرط عليه البائع ذلك أو قاله من نفسه فإنه يعتق عليه بنفس الشراء كما لو قال: "إن تزوجتها فهي طالق". (أو) بيع وشرط (يخل بالثمن) فهو عطف على "يناقض المقصود" ومعنى: "يخل بالثمن" بأن يؤدي إلى نقص أو زيادة [2] فيه، ومثله بقوله:(كبيع بشرط سلف) وصورها أربع؛ لأن البائع إما أن يقول للمشتري: أبيعك هذا على أن تسلفني كذا، أو بشرط أن أسلفك، وإما أن يقول المشتري للبائع: أشتريه منك على أن أسلفك أو على أن تسلفني كذا، وأما جمعهما من غير شرط فالراجح الجواز. وأما تهمة بيع وسلف فممنوع كما يأتي في بيوع الآجال. فالمسائل ثلاثة: بيع بشرط السلف ولو بجريان العرف وهو ما أشار له، وبيع مع سلف بلا شرط فجائز، وتهمة بيع وسلف وهو ما يأتي منعه في بيوع الآجال.
ــ
الجزء اشتراه للعتق أم لا بدليل التقييد الآتي فمراده بالنصف الجزء من كل استوى الجزءان أو اختلفا وأما لو بيع أحدهما مع جزء الآخر لشخص فنص المدونة المنع خلافاً لأبي الحسن القائل بجوازه كما في الحاشية.
تنبيه: يجوز لمعاهد حربي نزل إلينا بأمان ومعه أمة وولدها التفرقة بينهما ويحرم علينا الاشتراء منه ولكنه صحيح وإذا اشترى مسلم الأمة، وآخر ولدها وجب عليهما جمعهما في ملك لمسلم ولا يرد الملك للكافر وصدقت المسبية مع ولدها في دعواها الأمومة فلا يفرق بينهما اتحد سابيهما أو اختلف إلا لقرينة على كذبها ولا توارث بينهما على كل حال لاحتمال كذبها ولا ميراث مع الشك، أما هي فلا ترثه قطعاً، وأما هو فكذلك إن كان لها وارث ثابت النسب يحوز جميع المال، فإن لم يكن لها وارث على الوجه المذكور ورثها.
قوله: [وكبيع وشرط]: اعلم أن الشرط الذي يحصل عند البيع إما أن ينافي المقصود أو يخل بالثمن أو يقتضيه العقد أو لا يقتضيه ولا ينافيه فالمضر الأولان دون الأخيرين فالذي يناقض المقصود مثله بقوله كأن لا يركبها أو لا يبيعها إلخ، والذي يخل بالثمن بقوله: كبيع بشرط سلف والذي يقتضيه العقد كشرط تسليم المبيع ولم يمثل له هنا وإن كانت أحكامه معلومة مما مضى ومما يأتي في خيار النقيصة والاستحقاق. والذي لا يقتضيه ولا ينافيه أفاده بقوله: كشرط رهن وحميل فهذا الأخير إن اشترط عمل به وإلا فلا، والشرط الذي قبله لازم له على كل حال، وهذا التفصيل لمالك وذهب أبو حنيفة إلى تحريم البيع مع الشرط مطلقاً لما ورد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط» ، وذهب بعضهم إلى الجواز مطلقاً عملاً بما في الصحيح «أن جابراً باع ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واشترط حلابها وظهرها للمدينة» ، وذهب بعضهم إلى بطلان الشرط مع صحة البيع مطلقاً لحديث عائشة رضي الله عنها «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة وأعتقها وإن اشترط أهلها الولاء فإن الولاء لمن أعتق» فجاز البيع وبطل الشرط فأحاط مالك بتلك الأحاديث واستعملها في مواضعها وتأولها على حسب اجتهاده.
قوله: [ثم إن باعه بشرط العتق]: أي وما ألحق به من صدقة أو هبة أو تحبيس. قوله: [ولا يجبر المشتري عليه إن أبهم]: حاصله أن شرط تنجيز العتق له وجوه أربعة البيع فيها صحيح وإنما يفترق الحكم في صفة وقوع العتق من افتقاره لصيغة وعدم افتقاره لها وفي الجبر على العتق وعدمه وفي شرط النقد وعدمه فوجهان لا يجبر فيهما المشتري على العتق ولا يجوز فيهما اشتراط النقد، بل شرط النقد يفسده لتردده بين السلفية والثمنية: الأول إن أبهم البائع في شرطه العتق بأن قال أبيعك بشرط أن تعتقه ولم يقيد ذلك بإيجاب ولا خيار. والثاني التخيير بأن قال أبيعك على أنك مخير بين عتقه ورد البيع، ووجهان يخير فيهما ولا يضر شرط النقد الأول منهما: أن يبيعه على شرط أن يعتقه لزوماً لا تخلف له عنه فرضي المشتري بذلك فإنه يجبر على العتق بإنشاء صيغة فإن أبى أعتقه عنه الحاكم، والثاني: أن يشتريه على أنه حر بنفس الشراء ولا يحتاج هذا إلى إنشاء عتق ولا حكم من حاكم ويكون حراً بنفس الشراء وشرط النقد صحيح فيه أيضاً.
قوله: [بأن يؤدي إلى نقص]: أي إن كان المتسلف البائع، وقوله
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وعلى).
[2]
في ط المعارف: (زياد).
وليس هو بضعيف.
(وصح) البيع (إن حذف الشرط) المناقض للمقصود أو المخل بالثمن (ولو غاب) المتسلف منهما (عليه): أي على السلف غيبة يمكن فيها الانتفاع به. قال الشيخ في التوضيح: ظاهر إطلاقاتهم وإطلاق ابن الحاجب أنه لا فرق في الإسقاط بين أن يكون قبل فوات السلعة أو بعد فواتها. لكن ذكر المازري: أن ظاهر المذهب أنه لا يؤثر إسقاطه بعد فواتها في يد المشتري؛ لأن القيمة حينئذ قد وجبت عليه فلا يؤثر الإسقاط بعده. اهـ. وهو ظاهر إلا أن قوله: "لأن القيمة" إلخ فيه نوع منافاة لقولنا.
(وفيه) أي: في البيع بشرط السلف (إن فات) المبيع بيد المشتري (الأكثر من الثمن) الذي وقع به البيع (والقيمة يوم قبضه) من بائعه هذا (إن أسلف المشتري) بائعه لأنه لما أسلفه أخذها منه ببخس (كالمناقض) أي كالشرط المناقض فإن فيه الأكثر منهما إذا فات المبيع بيد المشتري، لأنه بشرطه المناقض يلزم النقص في الثمن فوجب له الأكثر وهذا قد تركه الشيخ (وإلا) بأن كان السلف من البائع (فالعكس): أي يلزم المشتري الأقل من الثمن والقيمة؛ لأن الشأن في سلف البائع الزيادة على قيمتها فعومل كل بنقيض قصده (وجاز) في البيع (شرط رهن وحميل وأجل) معلوم (وخيار) لأنها لا تنافي المقصود ولا تخل بالثمن بل هي مما تعود على البيع بمصلحة. (وكبيع الأجنة) جمع جنين: وهو ما في بطن الحيوان من الحمل، فإنه فاسد للنهي عنه لما فيه من الغرر.
(و) كبيع (ما في ظهور الفحل): أي ما يتكون من منيه في رحم الأنثى لشدة الغرر. وأراد بالفحل: الجنس الصادق بالمتعدد، ولو أفرد ظهور كان أولى.
(وكبيع بعد) الشروع في (نداء الجمعة) وهو الأذان الثاني الذي بين يدي الخطيب على المنبر للنهي عنه لما فيه من الاشتغال به عن السعي لها (أو بعد ركون السائم) سلعة، للنهي عنه لما فيه من وقوع الشحناء بين المشتريين.
(وكالنجش) بفتح النون وسكون الجيم أي بيعه وهو الزيادة في المبيع للغرر والناجش هو الذي (يزيد) في السلعة على ثمنها لا لإرادة شرائها بل (ليغر) غيره بالزيادة.
ــ
أو زيادة أي إن كان المتسلف المشتري.
قوله: [وليس هو بضعيف]: أي كان حققه (بن) ونصه وذلك أن الصور ثلاث: بيع وسلف بشرط ولو بجريان العرف وهي التي تكلم عليها المصنف هنا يعني خليلاً. وبيع وسلف بلا شرط لا صراحة ولا حكماً وهي التي أجازوها هنا أيضاً وتهمة بيع وسلف وذلك حيث يتكرر البيع وهي التي تكلم عليها المصنف هناك يعني في بيوع الآجال فما أجازوه هنا غير ما منعوه هناك لأن ما هنا فيه التهمة بالدخول على شرط بيع وسلف وسيأتي إن شاء الله ما يدل على أن المنع فيه هو المذهب والله أعلم اهـ، فمراد الشارح بتهمة بيع وسلف التهمة بالدخول على شرط بيع وسلف لا تهمة نفس البيع والسلف كما هو صريح كلام (بن). قوله:[وصح البيع]: أي وليس فيه إلا الثمن الذي وقع به البيع وهذا مع قيام المبيع فإن فات فسيأتي.
قوله: [ولو غاب المتسلف]: أي هذا إذا لم يغب المتسلف على العين التي تسلفها بل ولو غاب عليها إلخ وحاصله أنه إذا أراد السلف لزمه والسلعة قائمة صحح العقد ولو بعد غيبة المتسلف غيب يمكنه فيها الانتفاع به هذا هو المشهور وقول ابن القاسم ومقابله المردود عليه بلو قول سحنون وابن وهب أن البيع ينقض مع الغيبة على السلف ولو أسقط شرط السلف لوجود موجب الربا بينهما وهو الانتفاع.
قوله: [لكن ذكر المازري] إلخ: كلام المازري هو الأوجه في النظر لأننا لو قلنا بالصحة عند إسقاط الشرط بعد الفوات لزم عليه مضي المبيع بالثمن وهو لا يخلو من ضرر على أحد المتبايعين فلذلك عممنا في الحاصل الآتي بعد.
قوله: [إن فات المبيع] إلخ: حاصله أنه إذا وقع البيع بشرط السلف وفاتت السلعة عند المشتري سواء أسقط الشرط أم لا كما هو طريقة المازري فإن كان المشتري أسلف البائع فإنه يلزمه الأكثر من الثمن والقيمة وإن كان المسلف هو البائع فعلى المشتري الأقل من الثمن والقيمة وهذا التفصيل الذي ذكره المصنف مذهب المدونة ومقابله لزوم القيمة مطلقاً كان المسلف البائع أو المشتري.
قوله: [والقيمة]: أي إن كان المبيع مقوماً وإن كان مثلياً فإنما فيه المثل فهو بمثابة ما لو كان قائماً فرد المثل كرد عينه.
قوله: [شرط رهن] إلخ: أي مثل أن يبيعه السلعة بثمن مؤجل على شرط رهن أو حميل وهذه الأمور المشترطة يقضى بها مع الشرط لا بدونه.
قوله: [فإنه فاسد للنهي عنه]: أي فقد ورد النهي عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة ففسر مالك المضامين ببيع ما في بطون الإبل من الأجنة والملاقيح بما في ظهورها من الماء الذي يتكون منه الجنين، وحبل الحبلة بتأجيل الثمن إلى أن ينتج النتاج أي تلد الأولاد.
قوله: [بعد الشروع في نداء الجمعة]: تقدم حكمه في باب الجمعة عند قوله وفسخ بيع ونحوه بأذان ثان فإن فات فالقيمة حين القبض.
قوله: [أو بعد ركون لسائم] إلخ: أي ففي الحديث: «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه» .
قوله: [وكالنجش]: أي لما في الموطأ عن ابن عمر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النجش» .
قوله: [على ثمنها]: أي الذي شأنها أن تباع به تلك السلعة وهو القيمة وعلى هذا فإذا بلغ بزيادته قيمتها فلا حرمة
(وللمشتري رده): أي المبيع حيث علم (إن لم يفت، وإلا فالقيمة أو الثمن) أي هو بالخيار، فيلزمه الأقل منهما (وجاز) لمن أراد شراء سلعة في المزاد (سؤال البعض) من الحاضرين لسومها (ليكف عن الزيادة) فيها ليشتريها السائل، قال ابن رشد: ولو في نظير شيء يجعله لمن كف عن الزيادة، نحو: كف عن الزيادة ولك درهم، ويقضي له به حيث كف عنها (لا) سؤال (الجميع) ليكفوا عن الزيادة فلا يجوز لما فيه من الضرر على البائع. ومثل الجميع: من في حكمهم كشيخ السوق، فإن وقع خير البائع في الرد والإمضاء، فإن فات فله الأكثر من الثمن والقيمة. فإن أمضى فليس لهم مشاركته على الصواب وليس له أن يلزمهم الشركة وهو ظاهر.
(وكبيع حاضر سلعة عمودي) للنهي عن ذلك وسواء كان لها ثمن عنده أم لا. ومحل المنع إذا (لم يعرف ثمنها) بالحاضرة أو يعرفه ويتفاوت، فإن عرفه وكان لا يتفاوت كما إذا كان يعلم أن قنطار العسل في الحاضرة بدينار فباعه له الحاضر بالسعر الواقع فلا ضرر؛ لأنه والحالة هذه مجرد وكيل عنه وقيل: يمنع مطلقاً ولو عرف ثمنها، وليس بالبين، والمنع مطلقاً (ولو بإرساله) السلعة (إليه): أي إلى الحاضر ليبيعها له (وفسخ) البيع إن لم يفت وإلا مضى بالثمن (وأدب) البائع وكذا المالك.
(وجاز) للحضري (الشراء له): أي للعمودي سلعة من الحضر بالنقد لا بغيره من السلع المجلوبة من عنده لأنه من البيع له.
(وكتلقي السلع) على دون ستة أميال (أو) تلقي (صاحبها) القادم قبل وصوله البلد ليشتري منه ما سيصل على الصفة أو ما وصل قبله، فإنه منهي عنه. (كأخذها منه) أي من صاحبها المقيم (بالبلد) قبل وصولها (على الصفة، ولو طعاماً) فيمنع قبل إخراجها لسوقها.
(ولا يفسخ) إن وقع بل يدخل في ضمان المشتري بالعقد (ولأهل السوق مشاركته) فيما اشتراه للتجارة.
(وجاز لمن) منزله أو قريته (على كستة أميال الأخذ) أي الاشتراء من السلع المجلوبة لبلد (مطلقاً) للتجارة وغيرها كان لها سوق أم لا (كمن على أقل) من ستة أميال (إن لم يكن لها سوق، وإلا) بأن كان لها سوق تباع فيه (فما يحتاجه لقوته فقط) كذا ذكره بعضهم معترضاً على الشيخ.
ولما أنهى الكلام على البياعات المنهي عنها أتبعه بما يوجب الضمان
ــ
عليه بل قال ابن العربي هو مندوب وقيل وهو الذي يزيد في السلعة ليقتدي به غيره وإن لم يزد على قيمتها، وعلى هذا فالمدار في الحرمة على زيادته من غير قصد شراء سواء زاد على قيمتها أم لا قصد غرر غيره أم لا فاللام في قوله لتغر للعاقبة لا للعلة.
قوله: [وللمشتري رده]: أي وله التماسك لأن البيع صحيح.
قوله: [وإلا فالقيمة]: حاصله أن المشتري يخير في حالة قيام المبيع بين الإجازة والرد وفي حال الفوات يلزمه الأقل من الثمن والقيمة ومقتضى قولهم بيع النجش صحيح اعتبار القيمة يوم العقد لا يوم القبض.
قوله: [ويقضي له به]: أي ولو لم يشترها الجاعل واستشكل ابن غازي ذلك بأنه من أكل أموال الناس بالباطل لا سيما إذا كان ربها لم يبعها وقال العبدوسي لا إشكال لأنه عوض على ترك وقد ترك اهـ (بن) ويجري مثل ذلك فيمن أراد تزوج امرأة أو يسعى في رزقه أو وظيفة وجعل لغيره دراهم على الكف فإنها تلزمه، قوله:[فإن فات فله الأكثر] إلخ: أي على حكم الغش والخديعة في البيع.
قوله: [فليس لهم مشاركته]: أي كما اعتمده (بن) خلافاً لما مشى عليه في الأصل تبعاً ل (عب). قوله: [وهو ظاهر]: أي لأن الضرر في سؤالهم إنما كان على البائع وهو قد رضي حيث أمضى البيع وأما المشتري فقد سلموا له لما سألهم وأسقطوا له حقهم ورضي هو بالشراء وحده فلا يجبر واحداً منهم على الشركة بحال.
قوله: [للنهي عن ذلك]: أي وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض» ، وقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يبع حاضر لباد» . قوله: [وليس بالبين]: أي فالوجه الأول لأن علة النهي ترك المالك في غفلته وفي هذه الحالة لم يكن عنده غفلة.
قوله: [ولو بإرساله]: رد بلو على الأبهري القائل بجواز البيع في هذه الحالة لأنها أمانة اضطر إليها.
تنبيه: هل يمنع بيع الحاضر لأهل القرى الصغيرة إلحاقاً لهم بالبدو أو يجوز قولان المذهب الجواز.
قوله: [وإلا مضى بالثمن]: هذا هو المعتمد لأنه من المختلف فيه وقيل بالقيمة. قوله: [وأدب البائع] إلخ: أي إن لم يعذر بجهل وهل الأدب مطلقاً اعتاده أم لا أو إن اعتاده؟ قولان.
قوله: [بالنقد] إلخ: هذا هو المعتمد وقيل يجوز ولو بالسلع سواء حصلها بمال أو بغيره وفصل (عب) فقال: إن حصلها بمال جاز شراؤه له بها وبغير مال لا يجوز أن يشتري له بها لأنه بيع لسلعة.
قوله: [على دون ستة أميال]: وقيل إن النهي إذا كان التلقي على مسافة فرسخ أي ثلاثة أميال فلا يحرم إذا كان على أكثر منه، وقيل إذا كان على ميل فإن كان على أزيد فلا يحرم، والأول أرجحها.
قوله: [بل يدخل في ضمان المشتري بالعقد]: أي ما لم يكن فيه حق توفية وإلا فلا يدخل في ضمانه إلا بالقبض وينهى المتلقي عن تلقيه فإن عاد أدب ولا ينزع منه شيء لعدم فساد البيع.
قوله: [ولأهل السوق مشاركته]: أي إن كان لها سوق وإلا فالعبرة بأهل البلد وقيل يختص بها مطلقاً كان لها سوق أم لا شهره القاضي عياض.
قوله: [وجاز لمن منزله أو قريته]: إلخ. حاصل ما قاله الشارح في مسألة التلقي أن الشخص إما أن يكون خارجاً من البلد المجلوب إليه التجارة أو منزله خارج عنه تمر به التجارة، فمتى كان خارجاً لستة أميال أو منزله على ستة أميال جاز له الشراء مطلقاً للتجارة أو للقنية، كان لتلك السلع سوق بالبلد أم لا وإن كان على دون ستة أميال فالخارج يحرم عليه الشراء مطلقاً للتجارة أو القنية كان للسلع
في الفاسد على المشتري فقال: (ولا ينتقل ضمان) مبيع البيع (الفاسد) للمشتري (مطلقاً) متفقاً على فساده أو مختلفاً فيه، نقد الثمن أم لا، كان المبيع في صحيحه يدخل في ضمان مشتريه بالعقد أو بالقبض كالمثلي (إلا بقبضه) من بائعه (ورد) لبائعه وجوباً إن لم يفت ولا يجوز لمشتريه الانتفاع به ما دام قائماً.
(ولا غلة) لبائعه بل يفوز بها المشتري لأنه في ضمانه والغلة بالضمان، (ولا رجوع) للمشتري على البائع (بالنفقة) التي أنفقها على المبيع فاسداً؛ لأن النفقة في نظير الغلة تساويا أو لا.
(إلا ما لا غلة له) فله الرجوع على البائع بها (فإن فات) المبيع فاسداً بيد المشتري (مضى المختلف فيه): أي في فساده ولو خارج المذهب (بالثمن) الذي وقع فيه البيع فاسداً (وإلا) يكن مختلفاً فيه، بل كان متفقاً على فساده عند جميع الناس (فالقيمة) تعتبر (يوم القبض) أي قبض المشتري له إن كان مقوماً (ومثل المثلي إن) كان مثلياً و (علم) قدره (ووجد) في البلد، وإلا فقيمته أيضاً لكن يوم الحكم عليه بها. وهذا في غير الحبس، وأما هو فيرد لأصله ولو بعد سنين كثيرة. ويرجع مشتريه على البائع بالثمن أو بقيمته إن كان مقوماً وفات ويرد الغلة للمستحقين إن كان البائع غيرهم بلا إذن منهم.
ثم شرع في بيان ما يفوت به المبيع في الفاسد بقوله: (والفوات) يكون (بتغير سوق غير المثلي)، وأما المثلي فلا يفوت بتغير سوقه، وهذا ما لم يبع جزافاً، وإلا فيفوت بتغير سوقه، واللازم فيه القيمة (و) غير (العقار) كالعروض والحيوان، وأما العقار: وهو الأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر
ــ
سوق أم لا، ومن منزله على دون ستة أميال جاز له الأخذ لقوته مطلقاً وللتجارة إن لم يكن للسلع سوق وهذا الحاصل الذي قاله الشارح زبدة الخلاف الذي في المذهب.
قوله: [في الفاسد]: أي من تلك البياعات المنهي عنها لأن بعضها فاسد وبعضها غير فاسد كما تقدم.
قوله: [ولا ينتقل ضمان مبيع البيع الفاسد] إلخ: اعلم أن المنتقل: بالقبض عند ابن القاسم ضمان الأصالة لا ضمان الرهان المفصل فيه بين ما يغاب عليه وغيره وبين قيام البينة وعدمه خلافاً لسحنون القائل: إنه لا يضمن المشتري بالقبض في الفاسد إلا إذا كان مما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة؛ لأن المشتري لم يقبضه إلا لحق نفسه على نحو ما يقبضه المالك لا توثقة كالرهان ولا للانتفاع به مع بقاء عينه على ملك المالك كالعواري ولا دخل على احتمال رده كالخيار قال (بن): ولا يتوقف القبض على الحصاد وجذ الثمرة حيث كان البيع بعد استحقاقهما، وقوله "ولا ينتقل ضمان الفاسد" إلخ الحصر بالنسبة لانتقال الضمان وأما الملك فإنما ينتقل للمشتري بالفوات بعد القبض ومحل انتقال ضمان الفاسد بالقبض إذا كان المبيع الفاسد منتفعاً به شرعاً ويقبل البيع فخرج شراء الميتة والزبل فإن ضمانه من بائعه ولو قبضه المشتري، وأما نحو كلب الصيد وجلد الأضحية فالقيمة بإتلافه للتعدي لا للقبض حتى لو تلف بسماوي كان ضمانه من البائع.
قوله: [بالعقد]: أي وهو ما ليس فيه حق توفية ونحوه وقوله كالمثلي مثال لما يدخل في ضمانه بالقبض حيث لم يبع المثلي جزافاً وإلا دخل بالعقد كما تقدم وأدخلت الكاف ما فيه مواضعة وعهدة ثلاث والغائب.
قوله: [ورد لبائعه] إلخ: أي من غير احتياج لحكم إن كان مجمعاً على فساده وأما إن كان مختلفاً في فساده فلا بد من فسخ الحاكم أو من يقوم مقامه.
قوله: [ولا غلة لبائعه]: أي إلا أن يشتري وقفاً على غير معين واستغله عالماً بوقفيته وسيأتي ذلك.
قوله: [بل يفوز بها المشتري]: أي إلى الحكم برد المبيع وقوله لأنه في ضمانه، علة للفوز بالغلة أي لأن الخراج بالضمان وعلمه بالفساد وبوجوب الرد لا ينفي الضمان عنه ولو في بيع الثنيا الممنوعة بل عليه الضمان وله الغلة متى قبضه على الراجح وهو المعروف في مصر ببيع المعاد بأن يشترط البائع على المشتري أنه متى أتى له بالثمن عاد له المبيع، فإن وقع ذلك الشرط حين العقد أو تواطآ عليه قبله كان البيع فاسداً، ولو أسقط الشرط لتردد الثمن بين السلفية والثمنية، وأما إذا تبرع المشتري للبائع بذلك بعد العقد بأن قال له متى رددت إلي الثمن دفعت لك المبيع كان البيع صحيحاً. ولا يلزم المشتري الوفاء بذلك الوعد بل يستحب فقط.
قوله: [تساويا أو لا]: أي كما في المواق واقتصر عليه في الـ (مج) وقيل ما لم تزد النفقة وإلا فيرجع بالزائد. قوله: [إلا ما لا غلة له]: أي كما إذا سقى زرعاً وثمراً لم يبد صلاحه وحصل الرد قبل بدوه. قوله: [مضى المختلف فيه] إلخ: هذه قاعدة أغلبية إذ قد يكون مختلفاً فيه ويمضي بالقيمة كالبيع وقت نداء الجمعة. قوله: [وإلا يكن مختلفاً فيه] إلخ: إشارة لقاعدة أخرى وهي كل فاسد متفق على فساده فإنه يمضي بالقيمة وتعتبر يوم القبض.
قوله: [لكن يوم الحكم عليه بها]: ولا ينتظر لوقت وجوده إذا تعذر رده بخلاف الغاصب فإنه إذا تعذر عليه وجود المثل فإنه يصبر عليه لوقت الوجود، ويؤخذ. منه المثل لا القيمة يوم القضاء بالرد.
قوله: [وأما هو فيرد لأصله]: أي ولا يمضي البيع فيه بوجه من الوجوه. قوله: [ويرد الغلة للمستحقين] إلخ: حاصله أن من اشترى وقفاً
فلا تفوت بتغير سوقه كالمثلي ويرد بعينه. (وبطول زمان حيوان) عند المشتري بعد قبضه ولو لم يتغير سوقه ولا ذاته. والطول (كشهر) كما في المدونة وفيها في محل آخر ما يفيد أن الثلاثة لا تفيت، وحمل على حيوان شأنه عدم التغير في الشهر والشهرين والثلاثة، والشهر فيما شأنه التغير؛ فلا خلاف في المعنى.
(و) يحصل الفوات (بالنقل): أي بنقل المبيع فاسداً من محل (لمحل) آخر (بكلفة) في الواقع وإن لم يكن على ناقله كلفة كحمله على دوابه بعبيده أو في سفينة. وقول الشيخ: "لبلد" ليس بلازم. إذ المدار على نقله لمحل فيه مشقة وبعد، يلزم على رده بعينه المشقة، فيلزمه قيمة المقوم ومثل المثلي في المحل الذي نقل منه لا البلد المنقول إليه. فإن لم يكن في نقله كلفة ولو لبلد آخر لم يفت: كالعبد والحيوان فيرد بعينه إلا أن تكون الطريق مخوفة (و) يحصل الفوات (بتغير الذات) للمبيع فاسداً بعيب كعور وعرج أو غيره كصبغ وطحن وخبز بل (وإن بسمن) لدابة (أو هزال) لدابة وغيرها كعبد وأمة، فيلزمه قيمة المقوم ومثل المثلي. وما ذكرناه من أن اللازم في الفوات هو قيمة المقوم ومثل المثلي هو طريقة ابن يونس وابن بشير وابن الحاجب والشيخ، ولابن رشد واللخمي والمازري طريقة أخرى: وهي أن اللازم في الفوات القيمة مطلقاً في المقوم والمثلي، وأن المشهور أن المثلي لا يلحقه فوات في تغير سوق ولا ذات ولا نقل بمشقة لأن مثله يقوم مقامه إذ اللازم في هذه الأحوال المثل على الراجح. ومقابله يقول بفواتها بأحد هذه الأحوال واللازم القيمة كالمقوم.
(وبالوطء) لأمة ولو ثيباً وخشاً إذا كان من بالغ أو من صبي افتض بكراً لأنه من تغير الذات.
(وبالخروج عن اليد): أي يد مشتريها فاسداً (بكبيع صحيح) لا فاسد فلا يفيت. وبيع بعض ما لا ينقسم ولو قل، كبيع الكل كأكثر ما ينقسم وإلا فات منه ما بيع فقط وأدخلت الكاف الهبة والصدقة والحبس.
(وتعلق حق) بالمبيع فاسداً لغير مشتريه (كرهن) له في دين (وإجارة) لازمة بأن كانت وجيبة، أو نقد كراء أيام معلومة.
(و) يحصل الفوات (بحفر بئر أو) حفر (عين بأرض) بيعت بيعاً فاسداً (وبغرس) الشجر [1] فيها (وبناء) الواو بمعنى: أو (عظيمي المؤنة) ومثلهما: القلع والهدم لأنهما من تغير الذات. ومفهوم: "عظيمي المؤنة" أنهما لو كانا خفيفين كشجرة أو شجرتين ونحوهما، وكحائط خفيف لم تفت بهما الأرض، وهو كذلك؛ فترد الأرض لبائعها، وللمشتري والباني أو الغارس قيمة ما بناه أو ما غرسه قائماً على التأبيد لأنه فعله بوجه شبهة.
ــ
على غير معين واستغله عالماً بوقفيته فإنه يلزمه رد الغلة لمستحقها وكذا إن كان موقوفاً على معين وعلم بوقفيته عليه ولم يرض ذلك المعين ببيعه بخلاف ما إذا ظهر أنه وقف على معين. وهو راض ببيعه فإن المشتري يفوز بالغلة ولو علم بالوقفية وإنما يعتبر رضا الرشيد دون غيره.
قوله: [فلا يفوت بتغير سوقه]: أي لأن غالب ما يراد له العقار القنية فلا ينظر فيه لكثرة الثمن ولا لقلته.
قوله: [وفيها في محل آخر]: حاصله أن الإمام رضي الله عنه رأى مرة أن بعض الحيوانات يفيته الشهر لمظنة تغيره فيه لصغر ونحوه فحكم بأن الشهر فيه طول، ورأى مرة أن بعض الحيوانات لا يفيته الشهران والثلاثة لعدم مظنة تغيره في ذلك فحكم فيه بأنه ليس بطول ومن المعلوم أن الحكمين المختلفين لاختلاف محلهما ليس بينهما خلاف حقيقي، ولذلك قال الشارح فلا خلاف في المعنى.
قوله: [إلا أن تكون الطريق مخوفة]: مثل الخوف على ما ذكر أخذ المكس وأجرة الركوب إن عظمت.
قوله: [وبالوطء]: أفهم أن المقدمات لا تفيت وأما الخلوة بها فإن ادعى وطأها صدق عليه أو وخشاً صدقه البائع أو كذبه فتفوت في هذه الصور وإن أنكر صدق في الوخش صدقه البائع أو كذبه وفي العلية إن صدقه البائع ولكن إذا ردت تستبرأ فإن كذبه فاتت.
قوله: [كأكثر ما ينقسم] المراد بالأكثر ما زاد على النصف.
قوله: [وأدخلت الكاف الهبة] إلخ: أي والعتق بأي وجه من وجوهه. قوله: [كرهن له في دين]: أي ولم يقدر على خلاصه لعسر الراهن فلو قدر لم يكن فوتاً.
قوله: [وإجارة لازمة] إلخ: أي ولم يقدر على فسخها بتراض وإلا لم تكن فوتاً وهذا في رهن وإجارة بعد القبض له وأما قبل قبضه من بائعه ففيه خلاف كما إذا باعه بيعاً صحيحاً قل قبضه فقيل يفوت بذلك وقيل لا يفوت واستظهر (ح) الفوات ومحل القولين ما لم يقصد بما ذكر الإفاتة وإلا فلا يفيته اتفاقاً معاملة له بنقيض قصده في غير العتق.
قوله: [عظيمي المؤنة]: صفة لغرس وبناء ولا يرجع لبئر وعين لأن شأنهما ذلك ويعلم منه أن بئر الماشية ليست مفيتة ما لم يحصل فيها عظم مؤنة بالفعل.
قوله: [ومثلهما القلع والهدم] أي وأما الزرع فلا يفيت بل يرد المبيع؛ ثم إن كان الفسخ والرد في إبان الزراعة فعلى المشتري كراء المثل ولا يقلع زرعه، وإن كان بعد فواته فلا كراء عليه وفاز بذلك الزرع لأنه غلة.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لشجر).
انظر تفصيل المسألة في الأصل مع ما بينه شراحه.
(وارتفع حكم الفوات) وهو لزوم القيمة أو الثمن في المختلف فيه (إن عاد المبيع) فاسداً لأصله؛ بأن رجع للمشتري بعد خروجه من يده ولو اضطراراً، كإرث، أو زال ما به من عيب أو غيره (إلا تغير السوق) إذا فات به ثم رجع لأصله، فلا يرتفع به حكمه ووجب على المشتري ما وجب.
(فصل)
في بيان حكم بيوع الآجال
وهو بيع المشتري ما اشتراه لبائعه أو لوكيله لأجل، وهو بيع ظاهره الجواز، لكنه قد يؤدي إلى ممنوع فيمتنع ولو لم يقصد فيه التوصل إلى الممنوع سداً للذريعة التي هي من قواعد المذهب. والحاصل أن ما أدى إلى الواجب واجب، وما أدى إلى الحرام حرام ولو لم يقصد الحرام، كما أن ما أدى إلى الجائز جائز كما في بعض مسائل هذا الباب ولذا قال:(يمنع) من البيوع (ما أدى لممنوع يكثر قصده): للمتبايعين
ــ
قوله: [انظر تفصيل المسألة في الأصل] إلخ: حاصله أنه إن أحاط البناء والغرس بالأرض كالسور فإن كان عظيمي المؤنة أفاتا الأرض وإلا فلا يفيتان شيئاً وإن عم الأرض كلها أو جلها كنصفها عند ابن عرفة فإنهما يفيتان الأرض بتمامها عظمت مؤنتهما أم لا فإن عم الثلث أو الربع ومثلهما النصف عند أبي الحسن فاتت جهته فقط وإن لم تعظم مؤنتها فإن عم أقل من الربع فلا يفيت شيئاً منها ولو عظمت المؤنة ويعتبر كون الجهة الربع أو أكثر أو أقل بالقيمة يوم القبض لا بالمساحة وإذا لم يكن الغرس أو البناء مفيتاً إما لنقص محلهما عن الربع أو لعدم عظم المؤنة فيما يعتبر فيه العظم فإنه يكون للبائع الأرض وللمشتري قيمة غرسه أو بنائه قائماً على التأبيد على ما للمازري وابن محرز كما ذكره الشارح.
قوله: [إلا تغير السوق]: أي لأن تغير السوق الذي أوجب الفوات ليس من سبب المشتري فلا يتهم على أنه حصله لتفويت السلعة فلذا إذا عاد السوق الأول لم يعد بخلاف نحو البيع والصدقة والنفل فإنه يتهم على فعله ذلك للتفويت فإذا حصل شيء من ذلك حكمنا بالفوات نظراً لظاهر الحال فإذا زال حكمنا بزوال حكمه نظراً للاتهام ولا يقال إن تغير الذات ليس من سببه لأنه يقال قد يحصل منه بتجويع أو تفريط في صونه أو غير ذلك فالغالب كونه من سببه وحمل غير الغالب عليه.
قوله: [ووجب على المشتري ما وجب]: أي في غير المثلي والعقار وهو الحيوان والعروض وأما المثلي والعقار فقد مر أنهما لا يفوتان بتغير الأسواق.
فصل في بيان حكم بيوع الآجال
قوله: [لبائعه]: متعلق ببيع. وقوله: [لأجل]: متعلق باشتراه. قوله: [وهو بيع ظاهره الجواز]: واعتبر الشافعي ذلك، فعنده بيوع الآجال جائزة في جميع الصور. قوله:[سداً للذريعة]: الذريعة بالذال المعجمة: الوسيلة إلى الشيء وأصلها عند العرب ما تألفه الناقة الشاردة من الحيوان لتنضبط به. ثم نقلت إلى البيع الجائز المتحيل به على ما لا يجوز، وكذلك غير البيع على الوجه المذكور، فهي من مجاز المشابهة. والذرائع ثلاثة: ما أجمع على إلغائه كالمنع من زرع العنب لأجل الخمر، وما أجمع على إعماله كالمنع من سب الأصنام عند من يعلم أنه يسب الله عند ذلك، وما اختلف فيه كالنظر للأجنبية والتحدث معها وبيوع الآجال.
ومذهب مالك منعها ابن عرفة: بيوع الآجال يطلق مضافاً ولقباً. الأول: ما أجل ثمنه العين وما أجل ثمنه غيرها سلم. والثاني: لقب لتكرر بيع عاقدي الأول ولو بغير عين قبل انقضائه، وقوله: لتكرر إلخ أخرج به عدم تكرر البيع في العقدة وتكررها من غير عاقد الأول اهـ. خرشي.
قوله: [وما أدى إلى الحرام حرام]: فالحرام كسلف جر نفعاً أو ضمان يجعل أو شرط بيع وسلف أو صرف مؤخر أو بدل مؤخر أو فسخ ما في مؤخر أو غير ذلك من علل المنع الآتية.
قوله: [يكثر قصده]: أي لا ما قل قصده فلا يمنع لضعف التهمة كتهمة ضمان بجعل وتهمة: أسلفني وأسلفك. فمثال الأول: أن يبيعه ثوبين بدينار لشهر ثم يشتري منه عند الأجل أو دونه أحدهما بدينار، فيجوز ولا ينظر لكونه دفع له ثوبين ليضمن له أحدهما وهو الثوب الذي اشتراه مدة بقائه عنده بالآخر لضعف تهمة ذلك ولقلة قصد الناس إلى ذلك، وأما صريح ضمان بجعل فلا خلاف في منعه؛ لأن الشارع جعل الضمان والجاه والقرض لا يفعل إلا لله. ومثال الثاني: أن تبيعه ثوباً بدينارين إلى شهر تشتريه منه بدينار نقداً أو دينار إلى شهرين، فآل أمر البائع إلى أنه دفع الآن ديناراً سلفاً للمشتري ويأخذ عند رأس الشهر دينارين؛ أحدهما عن ديناره، والثاني: سلف منه يدفع له مقابله عند رأس الشهر الثاني، فلا يمنع أيضاً لضعف التهمة. لأن الناس في الغالب
ولو لم يقصد بالفعل (كسلف بمنفعة) أي كبيع أدى إلى ذلك كبيعه سلعة بعشرة لأجل ثم يشتريها بخمس نقداً أو إلى أجل أقل فقد آل الأمر إلى رجوع السلعة لربها وقد دفع قليلاً عاد إليه كثيراً.
(ودين بدين) أي وكبيع أدى إلى ذلك كما لو باعها بعشرة لأجل واشتراها بمثلها للأجل، وشرطا نفي المقاصة؛ فالسلعة رجعت لربها وكل منهما ابتدأ في ذمة صاحبه ديناً. وسيأتي تفصيله.
(وصرف مؤخر) أي وكبيع أدى لذلك، كما لو باعها بعشرة دنانير لأجل واشتراها بمائة درهم حالة أي ولأجل أقل أو أكثر.
وأصل صور هذا الباب اثنتا عشرة صورة يمنع منها ثلاثة ويجوز الباقي. وقد أشار لذلك بقوله: (فمن باع) شيئاً (لأجل ثم اشتراه) هو أو وكيله من المشتري أو وكيله (بجنس ثمنه) الذي باعه به (من عين أو طعام أو عرض) بيان للثمن؛ (فإما) أن يشتريه (نقداً أو للأجل) الأول، (أو أقل) منه (أو أكثر) منه؛ فهذه أربع صور بالنسبة للأجل الأول وفي كل منها؛ إما أن يشتريه (بمثل الثمن) الأول قدراً (أو أقل أو أكثر) فهذه اثنتا عشرة صورة (يمنع منها ثلاث وهي) أي الثلاث:(ما تعجل فيه) الثمن (الأقل) كأن يبيعها بعشرة لرجب ثم يشتريها بثمانية نقداً، أو لدون رجب. أو بأكثر من العشرة لأبعد من رجب كشعبان لما فيه من السلف بمنفعة وتجوز التسعة الباقية. (فيجوز تساوي الأجلين) سواء كان الثمن مساوياً للأول أو أقل أو أكثر (أو) تساوي (الثمنين) سواء اتحد الأجلان أو اختلفا (كاختلافهما) أي الأجلين والثمنين بالقلة أو الكثرة (إذا لم يرجع لليد السابقة بالعطاء أكثر) فإن رجع لها أكثر منع، وهي الثلاثة المتقدمة، وهذا معنى قولهم: إن تساوى الأجلان أو الثمنان فالجواز وإلا فانظر لليد السابقة بالعطاء فإن دفعت قليلاً عاد إليها كثير منع، وإلا فلا.
وهذا إن عجل الثمن الثاني كله أو أجله كله وأما لو نقد بعضه وأجل بعضه فأشار له بقوله: (ولو أجل بعضه) أي الثمن الثاني ونقد بعضه (امتنع) من الصور (ما تعجل فيه الأقل بعضه) أي بعض الأقل وسواء فيهما تعجل على جميع الأكثر أو بعضه؛
ــ
لا يقصدون إلى السلف لا ناجزاً لأبعد مدة كذا في الأصل.
قوله: [ولو لم يقصد بالفعل]: في المواق عن ابن رشد أنه لا إثم على فاعله فيما بينه وبين الله حيث لم يقصد الأمر الممنوع.
قوله: [كسلف بمنفعة]: أدخلت الكاف باقي العلل المحرمة. قوله: [أي كبيع أدى إلى ذلك]: أي ففي الظاهر جائز وباعتبار ما يؤول إليه حرام. قوله: [بخمسة نقداً] إلخ: ومثل ذلك في النهي ما إذا اشتراها بأكثر لأبعد كما يأتي.
قوله: [واشتراها بمثلها للأجل]: لا مفهوم لقوله: "بمثلها" بل لو اختلف الثمن كما يأتي: والمدار في الحرمة على شرط عدم المقاصة سواء كان الثمن الثاني مساوياً للأول أو أقل أو أكثر. قوله: [وصرف مؤخر]: مثله البدل المؤخر كما يأتي.
قوله: [أو لأجل أقل أو أكثر]: لا مفهوم لذلك بل مثلها للأجل نفسه لأن جميع صور الصرف ممنوعة كما يأتي.
قوله: [يمنع منها ثلاثة ويجوز الباقي]: أي عند وجود الشروط الآتية وإلا فتارة يمنع أكثر من ذلك.
قوله: [فمن باع شيئاً لأجل]: تضمنت هذه العبارة شروط بيوع الآجال الخمسة: وهي أن تكون البيعة الأولى لأجل والمشتري ثانياً هو البائع أولاً أو وكيله، والمباع ثانياً هو المباع أولاً، والبائع الثاني هو المشتري أولاً أو وكيله، والثمن الثاني بصفة الثمن الأول، وتعجيل الثمن الثاني كله أو تأجيل كله، بدليل قول المتن الآتي:"ولو عجل بعضه امتنع" إلخ؛ فتكون الشروط ستة. وقوله: [شيئاً]: أي مقوماً. وأما المثلي فله مزيد أحكام ستأتي في قوله: "والمثلي صفة وقدراً كعينه" إلخ. قوله: [ثم اشتراه]: ليس المقصود من ثم التراخي بل لا فرق بين التراخي وغيره وفاعل "اشتراه" هو فاعل "باع" والضمير المنصوب عائد على الشيء المشترى. والمراد اشتراه لنفسه، وأما لو اشتراه لغيره كمحجوره مثلاً فهو مكروه فقط.
قوله: [بجنس ثمنه]: المراد بالجنس الاتحاد معه في الصفة، بدليل ما يأتي من منع البيع بذهب وشرائه بفضة وعكسه في جميع الصور ومنعه بسكتين إلى أجل. وحكم ما إذا اشتراه بعرض مخالف فإن لهذه أحكاماً تخصها غير ما هنا.
قوله: [فهذه اثنتا عشرة صورة]: أي من ضرب أحوال الثمن الثلاثة في أحوال الأجل والنقد وإن شئت قلت: وفي كل من الاثنتي عشرة: إما أن تكون العقدة الثانية في مجلس العقدة الأولى أو لا، وفي كل: إما أن تكون السلعة قد قبضها المشتري الأول أو لا؛ فهذه ثمان وأربعون. وإن شئت قلت: وفي كل إما: أن يكون الثمنان عيناً أو عرضاً. ومرادهم بالعرض: ما يشمل الحيوان وطعاماً؛ فتبلغ الصور مائة وأربعة وأربعين.
قوله: [لما فيه من السلف بمنفعة]: أي والمسلف في الصورتين الأوليين البائع الأول. وفي الثالثة البائع الثاني، ومحل منع الثالثة ما لم يدخلا على المقاصة وإلا فلا تحرم كما يأتي. قوله:[فيجوز تساوي الأجلين]: أي إن لم يشترطا نفي المقاصة وإلا منع كما يأتي. قوله: [سواء اتحد الأجلان]: لا حاجة له لأنها إحدى صور تساوي الأجلين فهو مكرر فيتعين فرض ما هنا في تساوي الثمنين واختلاف الأجلين أو كون الثاني نقداً.
قوله: [كاختلافهما] إلخ: أي وتحته ثلاث صور، وهي: كون الثمن الثاني
فالصور أربعة. مثال ما تعجل فيه الأقل على كل الأكثر: أن يبيع السلعة بعشرة لأجل ثم يشتريها منه بثمانية أربعة نقداً وأربعة لدون الأجل، فآل أمره إلى أنه دفع ثمانية أخذ عنها عند الأجل عشرة ومثال ما تعجل فيه الأقل على بعض الأكثر: أن يبيعها بعشرة لأجل ثم يشتريها باثني عشر خمسة نقداً والسبعة لأجل أبعد، فآل الأمر إلى أن البائع الأول تعجل الأقل وهي العشرة عند أجلها خمسة منها في نظير الخمسة التي نقدها وخمسة يدفع عنها سبعة عند أجلها وصدق عليه أنه تعجل الأقل على بعض الأكثر. ومثال ما تعجل فيه بعض الأقل على جميع الأكثر: أن يبيعها بالعشرة إلى أجل ثم يشتريها بثمانية، أربعة منها نقداً وأربعة للأجل نفسه، فآل الأمر إلى أنه عند الأجل تقع المقاصة في أربعة، ويأخذ عن الأربعة التي نقدها ستة ومثال ما عجل فيه بعض الأقل على بعض الأكثر أن يشتريها في الفرض المذكور بثمانية، أربعة نقداً وأربعة لأبعد من الأجل، فرجع الحال إلى أن المشتري الأول دفع عشرة عند أجلها، ستة منها في نظير الأربعة، والأربعة الأخرى يأخذ عنها أربعة عند أجلها.
ولما كان قد يعرض المنع للجائز في الأصل، والجواز للممتنع؛ نبه على ذلك -مشبهاً في المنع- قوله:(كتساوي الأجلين) فإنه يمتنع (إن شرطا) عند الشراء (نفي المقاصة) وسواء كان الثمن الثاني مساوياً للأول أو أكثر أو أقل (للدين بالدين): أي لابتداء الدين بالدين لأن كل واحد منهما قد أشغل ذمة صاحبه بما له عليه. ومفهومه أنهما لو شرطاها أو سكتا جاز وهو ما تقدم.
(ولذا): أي ولأن للشرط المتعلق بالمقاصة تأثيراً ثبوتاً أو نفياً (صح) البيع (في أكثر) من الثمن الأول (لأبعد) من الأجل الأول (إذا شرطاها) للسلامة من دفع قليل في كثير، فلو سكتا عن شرطهما بقي المنع على أصله.
(ومنع) البيع (بذهب) مؤجل (و) شراؤها (بفضة) وعكسه في الصور الاثني عشر [1]- تقدمت الفضة على الذهب أو تأخرت - فقد صارت أربعة [2] وعشرين صورة (للصرف المؤخر): أي تهمة ذلك.
(ولذا) أي ولأجل أن تهمة الصرف المؤخر توجب المنع لو انتفت التهمة كما (لو عجل) من أحد النقدين (أكثر من قيمة المتأخر جداً) بأن تبلغ الكثرة النصف فأكثر كبيع ثوب بدينار أو دينارين لشهر ثم اشتراه بستين درهماً نقداً وصرف الدينار عشرة. (جاز) لنفي التهمة إذ العاقل لا يعجل ستين ليأخذ ما قيمته عشرة أو عشرون إلا لقصد المعروف. وكذا إذا باعه بثلاثين درهماً لشهر ثم اشتراه بستة دنانير نقداً فأكثر.
(و) منع البيع والشراء (بسكتين إلى أجل) فيهما، وسواء اتفق الأجل أو اختلف كبيعه بعشرة يزيدية لشهر ثم اشتراه بمحمدية لذلك الشهر أو دونه أو أبعد منه (للدين بالدين) تساوى العدد أو اختلف. ولا يمكن هنا شرط المقاصة إذ شرطها تساوي الدينين قدراً وصفة، ومفهوم الأجل جواز صور النقد مطلقاً.
والحاصل أن صور الأجل كلها ممنوعة - وهي ثمانية عشر [3]- لأن الثمن الثاني إما أن يكون لمثل أجل الأول أو أقل أو أكثر، وفي كل: إما أن يساويه في القدر أو أقل أو أكثر، فهذه تسعة وفي كل منها: إما أن يبيع بالجيد ويشتري بالرديء أو عكسه، وصور النقد ستة لأنه: إما مثل المؤجل قدراً، أو أقل، أو أكثر. وفي كل: إما أن يبيع بالجيد ويشتري بالأدنى أو عكسه.
ــ
بأكثر نقداً، أو لدون الأجل، أو بأقل لأبعد من الأجل. فتحصل من تساوي الأجلين ثلاث، ومن تساوي الثمنين مثلها، ومن اختلاف الثمنين والأجلين ست، ثلاث ممنوعة وثلاث جائزة، تضم لصور اتحاد الثمن واتحاد الأجل وأمثلتها واضحة.
قوله: [فالصور أربعة]: أي فالممنوع أربع من تسع لسقوط صور النقد الثلاث من الاثنتي عشرة التي بني الباب عليها، والجائز خمس وهي: أن يشتري السلعة التي باعها لأجل بعشرة مثل الثمن الأول، لكن خمسة منها نقداً، وخمسة لدون الأجل أو للأجل أو لأبعد أو يشتريها باثني عشر خمسة نقداً. وسبع لدون الأجل أو للأجل نفسه. وحاصل هذه الصور التسع أن تقول: إذا كان الثمن الثاني أقل منع مطلقاً كان البعض المؤجل أجله أبعد من الأجل الأول أو مساوياً له أو دونه، وإن كان الثمن الثاني قدر الأول جاز مطلقاً في الأحوال الثلاثة، وإن كان أكثر منعت واحدة وهي ما إذا كان البعض مؤجلاً لأبعد.
قوله: [إن شرطا]: هكذا بالبناء للفاعل مع ضمير يعود على البائع والمشتري، والأولى أن يقول: إن شرط - بالبناء للمجهول - كان الشرط منهما أو من أحدهما. قوله: [صح البيع في أكثر]: لا مفهوم لقوله: "في أكثر" لأبعد إذ باقي الصور الممنوعة كذلك وهي شراؤها ثانياً بأقل نقداً أو لدون الأجل كما في (ح) ومشى عليه في (المج).
قوله: [بقي المنع على أصله]: أي لوجود العلة وهي سلف جر نفعاً، فظهر الفرق بين التي أصلها المنع والتي أصلها الجواز فالتي أصلها الجواز لا يفسدها إلا شرط نفي المقاصة لا السكوت فإن التهمة فيها ضعيفة فإذا شرط نفيها تحققت التهمة، وأما ما أصلها المنع فلا يجوز إلا إذا شرطاها لأن التهمة فيها قوية فإذا شرطاها بعدت والسكوت عنها لا ينفي المنع.
قوله: [في الصور الاثنتي عشرة]: حاصلها أنه إذا باع فضة لأجل ثم اشتراه بذهب فلا يخلو إما أن يكون الذهب قيمة الفضة أو أقل أو أكثر وفي كل إما أن يكون الشراء الثاني نقداً أو لدون الأجل أو له أو لأبعد منه فهذه اثنتا عشرة صورة ومثلها يقال فيما إذا باع أولاً بذهب ثم اشترى بفضة فالصور أربع وعشرون كلها ممنوعة لتهمة الصرف المؤخر، ولذا لو انتفت التهمة جاز كما أفاده بقوله ولذا لو عجل أكثر من قيمة المتأخر جداً جاز.
قوله: [أكثر من قيمة المتأخر]: العبرة بالكثرة باعتبار صرف المثل لا باعتبار الذات لأن القلة والمساواة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الاثنتي عشرة).
[2]
في ط المعارف: (أربعاً).
[3]
في ط المعارف: (ثماني عشرة).
وكلها جائزة لعدم شغل الذمتين، فمجموع الصور أربعة [1] وعشرون، كصور الصرف. إلا أن صوره كلها ممنوعة للصرف المؤخر كما تقدم.
(وإن اشتراه بعرض مخالف) لما باعه به في الجنس كما لو باعه بدينار أو ثوب ثم اشتراه بشاة أو ثوب من غير جنس الأول (جازت) من الاثني [2] عشرة (ثلاثة النقد فقط) وهو أن يكون العرض المنقود قيمته قدر قيمة السلعة التي باع بها أو أقل أو أكثر (ومنعت التسعة) الباقية (للدين بالدين ولو اشترى) ما باعه (بأقل) مما باعه به (للأجل) نفسه (أو لأبعد) منه وقلنا بالجواز (ثم رضي) المشتري الثاني (بالتعجيل) أي تعجيل الأقل الذي اشترى به (فالأرجح) من القولين (المنع) نظراً لما آل إليه الأمر من أنه دفع قليلاً عاد إليه كثيراً، وقيل بالجواز نظراً إلى حال العقد.
(والمثلي) من مكيل كبرٍّ أو موزون كسمن ونحاس، أو معدود كبيض الموافق لما باعه لأجل كشهر (صفة وقدراً كعينه): أي كعين ما باعه. فمن باع إردب قمح أو قنطارين بعشرة لشهر ثم اشترى من المشتري مثله ففيه اثنتا عشرة صورة؛ لأنه كأنه اشترى عين ما باعه، فإما نقداً أو لأجل أو لأقل أو أكثر بمثل الثمن أو أقل أو أكثر (فيمنع) منها الصور الثلاث وهي:
(ما عجل فيه الأقل) بأن اشتراه بثمانية نقداً أو لأجل أقرب أو اشتراه بأكثر مما باع به لأبعد كما تقدم.
(وإن غاب مشتريه) أي مشتري المثلي الأول (به) غيبة يمكنه الانتفاع به (منع أيضاً) صورتان بقية صور الأقل وهو ما إذا اشتراه (بأقل) مما باع به (لأجله أو لأبعد) لأن الغيبة على المثلي تعد سلفاً لكونه لا يعلم بعينه فكأنه تسلف ورده لربه وأعطاه عند الأجل درهمين في نظير تسلفه والثمانية في نظير الثمانية، فعلم أنه إذا باع مثلياً وغاب عليه المشتري فاشتراه منه يمتنع خمس صور: أربع صور الأقل، وما إذا اشتراه بأكثر لأبعد.
(و) أما (إن باع مقوماً) كثوب أو شاة أو أرض واشترى مثله (فمثله كغيره) فتجوز الصور كلها.
(كتغيرها): أي السلعة التي باعها تغيراً (كثيراً) عند مشتريها منه ثم اشتراها بائعها منه فتجوز الصور كلها. وكل ما تقدم إذا اشترى كل ما باع.
(وإن اشترى بعض ما باع) كما لو باع ثوبين بعشرين لشهر فاشترى أحدهما بثمن (لأبعد) من الأجل الأول (مطلقاً) بمثل الثمن الأول أو أقل أو أكثر (أو بأقل) من الثمن الأول (نقداً، أو لدون الأجل، امتنع) في الخمس صور؛ لما في المساوي والأكثر من سلف جر نفعاً، ولما في الأقل نقداً أو لدون الأجل أو لأبعد
ــ
والكثرة باعتبار الذات إنما تتأتى في الجنس الواحد.
قوله: [وكلها جائزة لعدم شغل الذمتين]: إلخ: فيه نظر، بل الجائز منها اثنتان، وهما: ما إذا اشترى بأجود أكثر أو مساوياً. والأربعة ممنوعة وهي: ما إذا اشترى بأدنى أكثر، أو مساوياً، أو أقل، أو بأجود أقل؛ لأنه - وإن انتفى فيه عمارة الذمتين - لكن وجد فيه علة سلف جر نفعاً. فإن قلت: إذا كان المنقود أدنى وهو مساوٍ للمؤجل في القدر كيف يمنع مع أنه تقدم جواز قضاء القرض بالأفضل صفة؟ والجواب: أن محل جوازه فيما تقدم إن لم يكن مدخولاً عليه وإلا فيمنع وما هنا مدخول عليه فليتأمل.
قوله: [إن اشتراه بعرض مخالف]: المراد بالعرض: ما قابل العين، فيشمل الطعام والحيوان. وقوله مخالف لما باعه به في الجنس، المراد بالجنس الصنف. ومفهوم قوله مخالف: أنه لو اشتراه بموافق له في الصنف كما لو باع سلعة بثوب لشهر ثم اشتراه بثوب من صنفها فالشراء إما نقداً أو لدون الأجل أو للأجل لأبعد، وفي كل: إما أن تكون قيمة الثوب الثاني مساوية لقيمة الأول أو أقل أو أكثر، فهذه اثنتا عشرة صورة يمنع منها ما عجل فيه الأقل وهو ثلاث صور كما تقدم أول الباب
قوله: [ومنعت التسعة الباقية]: أي وهي ما أجل فيه الثمنان سواء كان أجل الثاني مساوياً للأول أو أقل أو أبعد، كانت قيمة العرض المشترى به قدر قيمة الأول أو أقل أو أكثر. قوله:[للدين بالدين]: أي لابتداء الدين بالدين، ولا يتأتى هنا اشتراط المقاصة لاختلاف الدينين وشرطها اتحادهما جنساً وصفة كما تقدم.
قوله: [فالأرجح من القولين المنع]: قال ابن وهب: وينبغي أن يكون المنع هو الراجح لعلته المذكورة، وكذلك الخلاف إذا اشترى بأكثر للأجل ثم تراضيا على التأخير أو اشترى بأكثر نقداً أو لدون الأجل ثم رضي بالتأخير لأبعد، فالمدار في المسألة على كونه وقع جائزاً ثم آل للمنع فهل يجوز نظراً للعقد أو يمنع نظراً لما آل إليه الأمر قولان. ويجري هذان القولان فيمن باع سلعة بعشرة إلى أجل ثم أتلفها على المشتري وكانت قيمتها حين الإتلاف ثمانية وغرمها للمشتري حالاً، فإذا جاء الأجل هل يمكن البائع من أخذه من المشتري ما زاده الثمن على القيمة وهو الدرهمان فيأخذ العشرة بتمامها أو لا يمكن، وإنما يأخذ الثمانية التي دفعها ويسقط عن المشتري الدرهمان؟ والظاهر منهما الأول لبعد التهمة.
قوله: [أو قنطارين]: أي فلا فرق في المثلي بين أن يكون ربوياً كإردب قمح أو غيره كقنطارين.
قوله: [لأن الغيبة على المثلي تعد سلفاً]: أي والمسلف في جميع الصور الممنوعة المشتري إلا فيما اشتراه بأكثر لأبعد فإن المسلف المشتري الأول يدفع ثمانية مثلاً عن الأجل يأخذ بعد شهر عشرة.
قوله: [لما في المساوي والأكثر من سلف جر نفعاً]:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أربع).
[2]
في ط المعارف: (الاثنتي).
من بيع وسلف وإذا اشتراه بمثل الثمن أو بأكثر منه نقداً فيهما أو لدون الأجل جاز في الصور الأربع كصور الأجل الثلاثة فالجواز في سبع.
(وصح أول من بيوع الآجال فقط) ولزم بالثمن لأجله وفسخ الثاني إن كانت السلعة قائمة عند بائعها الأول وهو المشتري الثاني، فإن فاتت بيده أشار له بقوله:(إلا أن يفوت) البيع (الثاني بيد) المشتري (الثاني) وهو البائع الأول (فيفسخان) معاً لسريان الفساد للأول بالفوات وحينئذ (فلا مطالبة لأحدهما على الآخر بشيء)؛ لأن المبيع رجع لبائعه فضمانه منه وسقط عن المشتري الأول لرجوع السلعة لربها وسقط الثمن الثاني عن الثاني لفساد البيع.
وظاهره مطلقاً سواء كانت قيمة السلعة في البيع الثاني قدر الثمن الأول أو أقل أو أكثر، وهو الذي حكاه اللخمي والمازري عن ابن القاسم، وقال ابن شاس: إنه المشهور. وقيل: إنما يفسخ الأول إن كانت القيمة أقل من الثمن الأول فإن كانت مثله أو أكثر فلا يفسخ الأول وهو قول سحنون، قال ابن الحاجب: وهو الأصح وقال غيره: وهو المشهور فلذا قال الشيخ: خلاف.
(فصل) في بيان حكم بيع العينة ومسائله المتعلقة به
وأصل العينة: عونة، وقعت الواو ساكنة بعد كسرة فقلبت ياء: من العون، كأن البائع أعان المشتري بتحصيل مراده، قال أبو عمران: وهي بيع ما ليس عندك، ابن عرفة مقتضى الروايات أنه أخص مما ذكر، والصواب: أنه البيع المتحيل به على دفع عين في أكثر منها اهـ. والأظهر أنه أعم مما ذكره، لأن الثمنين: إما أن يتساويا، أو يكون الثاني أكثر، أو أقل. وفي كل: إما أن يكونا حالين، أو مؤجلين أو الأول حالاً والثاني مؤجلاً، أو عكسه. وفي كل: إما أن يقول اشتر لي أو لا يقول لي
ــ
أي والمسلف فيهما هو المشتري الأول، فالسلعة التي رجعت للبائع الأول كأنها لم تخرج من يده وصار الثمن المدفوع إليه سلفاً يأخذ عنه بعد شهر مثله أو أكثر منه فقد انتفع المشتري الأول بالسلعة التي بقيت عنده فيما إذا عاد إليه مثل دراهمه، أو بها وبالزيادة إن عاد إليه أكثر:
قوله: [من بيع وسلف]: أما إذا كان الشراء نقداً أو لدون الأجل، فلأن البائع الأول يدفع عشرة سلفاً للمشتري فإذا جاء الأجل رد إليه عشرين عشرة في نظير العشرة التي أخذها وهي سلف وعشرة ثمن الثوب، وأما في الأبعد فلأنه عند حلول الأجل يدفع للبائع عشرين عشرة ثمن الثوب وعشرة سلفاً، فإذا جاء الأجل الثاني دفع البائع الأول عشرة بدل العشرة التي أخذها سلفاً.
قوله: [فالجواز في سبع]: هي أن يشتريه بمثل الثمن نقداً أو لدون الأجل أو بأكثر نقداً أو لدون الأجل وبمثل أو أقل أو أكثر للأجل وجوازها لانتفاء علة المنع. قوله: [وصح أول]: بغير تنوين لأنه بمعنى أسبق فهو ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل وما ذكره من صحة الأول فقط هو الأصح. وخالف ابن الماجشون فقال: يفسخان معاً، وهذا الخلاف عند قيام السلعة بدليل ما يأتي.
قوله: [إلا أن يفوت]: أي بمفوتات الفاسد. وظاهره: أي مفوت كان، وهو قول سحنون. والذي صححه ابن رشد: أنه لا يفوت هنا إلا العيوب المفسدة. ونص ابن رشد في البيان: واختلف بما تفوت به السلع فقيل: إنها تفوت بحوالة الأسواق وهو مذهب سحنون والصحيح أنها لا تفوت إلا بالعيوب المفسدة إذ ليس هو بيع فاسد ولا مثمن وإنما فسخ لأنهما تطرقا به إلى استباحة الربا كذا في (بن).
قوله: [إن كانت القيمة أقل]: أي لأننا لو لم نفسخ الأول حينئذ يلزم دفع القيمة معجلاً وهي أقل ويأخذ عنها عند الأجل أكثر وهو عين الفساد الذي منعنا منه ابتداء، بخلاف ما إذا فات وكانت القيمة مساوية للثمن الأول أو أكثر منه، فإنا -إذا فسخنا الثانية ودفعنا القيمة عشرة أو اثني عشر وبقيت الأولى على حالها - فلا محظور فيه لأننا ندفع عشرة أو اثني عشر ونأخذ عشرة على كل حال.
فصل: في بيان حكم بيع العينة
وجه مناسبته لبيوع الآجال وجود التحيل في كل حيث يدفع قليلاً يأخذ كثيراً. قوله: [كأن البائع] إلخ: أراد بالبائع المطلوب منه سلعة وبالمشتري الطالب لها وحينئذ فتسميته بائعاً باعتبار المآل؛ لأنه حين طلبت منه السلعة لم يكن بائعاً بل مطلوب منه فقط. وقال بعضهم: الأحسن أن يقال إنما سميت عينة لإعانة أهلها للمضطر على تحصيل مطلوبه على وجه التحليل لدفع قليل في كثير.
قوله: [أعان المشتري]: أي على تحصيل مطلوبه. وقوله: [بتحصيل مراده]: الباء للتعليل. ومراده: هو الربح الذي يحصل له من التوسط. قوله: [ما ليس عندك]: أي حين الطلب لا حين البيع وإلا ففي وقت البيع تكون عنده. قوله: [أخص مما ذكر]: أي لأن قوله بيع ما ليس عندك عام يشمل البيع بنماء وغير نماء مع أن مقتضى الروايات التخصيص وهو كونه بنماء فلذلك قال: والصواب إلخ. قوله: [والأظهر أنه أعم مما ذكره]:
فحاصلها أربعة [1] وعشرون صورة ولذا عرفه بقوله: (العينة وهي: بيع من طلبت منه سلعة) للشراء (وليست عنده) أي البائع (لطالبها) المشتري متعلق ببيع (بعد شرائها) لنفسه من آخر (جائزة) بمعنى خلاف الأولى، فأهل العينة قوم نصبوا أنفسهم لطلب شراء السلع منهم وليست عندهم فيذهبون إلى التجار ليشتروها بثمن ليبيعوها للطالب وسواء باعها لطالبها بثمن حال أو مؤجل أو بعضه حال وبعضه مؤجل ولذا قال الشيخ: ولو بمؤجل بعضه. واستثني من الجواز قوله: (إلا أن يقول) الطالب: (اشترها بعشرة نقداً و) أنا (آخذها) منك (باثني عشر لأجل) فيمنع لما فيه من تهمة سلف جر نفعاً؛ لأنه كأنه سلفه عشرة ثمن السلعة يأخذ عنها بعد الأجل اثني عشر.
ثم تارة يقول الطالب: خذها لي وتارة لا يقول: لي، وإليهما أشار بقوله:(ولزمت) السلعة (الطالب) بالعشرة نقداً (إن قال) للمطلوب منه اشترها: (لي) بعشرة إلخ وللمطلوب منه الأقل من جعل مثله ومن الربح.
(وفسخ) البيع (الثاني) وهو الاثني عشر لأجل.
(فإن لم يقل: لي) في الفرض المذكور (مضى) الثاني بالاثني عشر للأجل (على الأرجح) من القولين اللذين ذكرهما الشيخ، لبعد تهمة السلف بمنفعة. (ولزمه الاثنا عشر للأجل) والقول الثاني: الفسخ إلا أن تفوت السلعة بيده فالقيمة وعطف على الاستثناء قبله قوله: (وإلا أن يقول: اشترها لي بعشرة نقداً وآخذها باثني عشر نقداً) فيمنع (إن شرط الطالب النقد على المأمور) بأن قال له: اشترها لي بعشرة بشرط أن تنقدها عني، وأنا أشتريها منك باثني عشر نقداً؛ لأنه حينئذ قد جعل له درهمين في نظير سلفه وتوليته الشراء فهو سلف وإجارة بشرط.
(ولزمته): أي لزمت السلعة الطالب (بالعشرة، وله) أي للمأمور في نظير عمله (الأقل من جعل مثله أو الدرهمين فيهما) أي في هذه، وفي أول قسمي التي قبلها وهي قوله: اشترها لي بعشرة نقداً وآخذها باثني عشر لأجل.
(وجاز) النقد (بغيره) أي بغير شرط من الطالب، بل تطوعاً (وله الدرهمان) وهذا مما زدناه عليه.
(كنقد الآمر) فإنه جائز بأن قال له: اشترها لي بعشرة نقداً -ونقدها له- وأنا آخذها باثني عشر نقداً وله الدرهمان لأنهما أجرة (وإن لم يقل: لي) في هذا الفرض، وهو ما إذا نقد الآمر (كره) وقيل: يجوز أيضاً وهما روايتان عن الإمام.
ثم شبه في الكراهة قوله: (كخذ): أي كقول بائع لمشتر: خذ مني (بمائة ما) أي سلعة (بثمانين) قيمة لما فيه من رائحة الربا ولا سيما إذا قال له المشتري: سلفني ثمانين وأرد لك عنها مائة فقال المأمور: هذا ربا، بل خذ مني بمائة إلخ. (أو) قال شخص لآخر (اشترها و) أنا (أربحك) ولم يعين له قدر الربح، فإنه يكره، فإن عينه منع (وإلا) عطف على الاستثناء المتقدم (أن يقول: اشترها لي بعشرة لأجل و) وأنا اشتريها منك (بثمانية نقداً)، فيمنع لما فيه من السلف بزيادة لأنه سلفه الثمانية المنقودة على أن يشتريها له بعشرة،
ــ
أي لأن موضع بيع العينة شامل للأربعة وعشرين صورة كما بينه الشارح.
قوله: [فحاصلها أربع وعشرون]: منها الستة الممنوعة التي يستثنيها المصنف والباقي ثماني عشرة لا منع فيها. قوله: [ولذا عرفه بقوله]: أي لأجل العموم الشامل لجميع الصور، فشارحنا منتصر لأبي عمران. قوله:[بمعنى خلاف الأولى]: أي لما فيه من التحيل على دفع قليل يعود عليه كثير. قوله: [ليبيعوها للطالب]: أي بعد الشراء.
قوله: [ولذا قال الشيخ]: أي فالخلاف إنما هو في بيع المطلوب منه بثمن مؤجل بعضه وبعضه معجل، وأما تعجيل الكل أو تأجيله متفق على جوازه. قوله:[فيمنع]: أي والفسخ وعدمه شيء آخر سيفصله.
قوله: [فإن لم يقل لي] إلخ: حاصله أنه إذا لم يقل لي والفرض أنه أمره بشرائها بعشرة واتفق معه على أن يشتريها منه باثني عشر لأجل ووقع ذلك، فقيل: يفسخ البيع الثاني وهو أخذ الآمر لها باثني عشر لأجل، ثم إن كانت السلعة قائمة بيد الآمر ردت للمأمور بعينها وإن فاتت في يد الآمر بمفوت البيع الفاسد رد قيمتها يوم القبض حالة بالغة ما بلغت، وقيل: إن البيع الثاني يمضي على الأمر باثني عشر للأجل ولا يفسخ كانت السلعة قائمة أو فائتة. وعلى القول بالفسخ ولزوم القيمة عند الفوات يشكل على ما تقدم من أن المختلف في فساده يمضي إذا فات بالثمن، وهذا من المختلف فيه. وأجيب: بأن ما تقدم أكثري. قوله: [أو الدرهمين]: الأولى والدرهمين لأن الأقل من الأمور التي لا تكون إلا بين اثنين.
قوله: [كنقد الآمر فإنه جائز]: أي ولو كان بشرط اشترطه عليه المأمور كما في (عب).
قوله: [وهو ما إذا نقد الآمر]: صوابه وهو ما إذا شرط الطالب النقد على المأمور لأن هذا مقابل قوله، وإلا أن يقول: اشترها لي بعشر نقداً إلخ. قوله: [كره]: هذا هو الراجح. قوله: [كخذ]: أي ولا فرق في هذه المسألة بين كون الفاعل لذلك من أهل العينة أو غيرهم فهي مسألة عامة. قوله: [بل خذ مني بمائة]: أي وأما لو أعطى رب المال لمريد التسلف منه بالربا ثمانين ليشتري بها سلعة على ملك رب المال ثم يبيعها له بمائة لأجل فهو حرام لا مكروه؛ لأنها لما لم تكن عنده السلعة كان المقصود بشرائها ولو على وجه الوكالة صورة إنما هو دفع قليل ليأخذ منه أكثر.
قوله: [ولم يعين له قدر الربح]: حاصله أنه إن عين له قدر
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أربع).
كذا قيل، ولا وجه له. وذكر ابن رشد وغيره: أن وجه المنع أن الآمر استأجر المأمور على أن يشتري له السلعة بسلفه الثمانية ينقدها له ينتفع بها إلى الأجل ثم يردها له، أي والآمر يدفع له العشرة عند الأجل للبائع الأصلي. اهـ. وهذا بعيد أيضاً لا يقتضي الحرمة فتأمل.
(وتلزم) السلعة الآمر (بما أمر) وهو العشرة لأجلها (ولا يعجل له الأقل) وهو الثمانية في المثال.
(فإن عجل) الأقل للمأمور (رد) للآمر (وله) أي للمأمور (جعل مثله، وإن لم يقل: لي) وهذا ثاني القسم الثالث وهو تمام الستة الأقسام الممنوعة (فسخ) البيع (الثاني) فترد السلعة للمأمور إن كانت قائمة، (فإن فاتت فالقيمة) على الآمر يوم قبضها على أحد القولين. والثاني: لا يفسخ بل يمضي بالثمانية نقداً وعلى المأمور العشرة للأجل لرب السلعة.
(فصل)
في الخيار وأقسامه وأحكامه
(الخيار قسمان: ترو ونقيصة) أي خيار ترو أي نظر وتأمل في انبرام [1] البيع وعدمه، وخيار نقيصة: وهو ما كان موجبه وجود نقص في المبيع من عيب أو استحقاق. (فالأول) أي خيار التروي (بيع وقف بته): أي لزومه (على إمضاء) ممن له الخيار من مشتر أو بائع أو غيرهما (يتوقع) في المستقبل.
(وإنما يكون) أي يوجد ويحصل (بشرط) من المتبايعين ولا يكون بالمجلس.
(وجاز) الخيار (ولو) كان (لغير المتبايعين والكلام) في إمضاء البيع وعدمه (له) أي لمن جعل له الخيار (دون غيره) من المتبايعين (كأن علق البيع على رضاه): أي رضا الغير، فإن الكلام لمن علق الإمضاء على رضاه كبعته لك، أو اشتريته منك بكذا إن رضي فلان (بخلاف المشورة) كبعته أو اشتريته بكذا على مشورة فلان (فلمن علق) المبيع (عليها): أي على المشورة من المتبايعين (الاستبداد) بالإمضاء أو الرد للبيع دون من علق المشورة عليه. والفرق: أن من علق الأمر على خيار غيره ورضاه قد أعرض عن نفسه بالمرة، ومن علق على المشورة لغيره فقد جعل لنفسه ما يقوي نظره، فله أن يستقل بنفسه،
ــ
الربح حرم. وأما إن سمى ربحاً ولم يعين قدره كره، وأما إن أومأ من غير تصريح بلفظه نحو ولا يكون إلا خيراً فجائز.
قوله: [كذا قيل]: هذا القول ل (تت) والشيخ سالم. قوله: [ولا وجه له]: قد يقال: وجهه ظاهر لأن المأمور عجلت له الثمانية في نظير توليته الشراء وزيادته للدرهمين وتحمل الثمن في ذمته للأجل. قوله: [وهذا بعيد أيضاً لا يقتضي الحرمة]: أما بعده من كلام المتن فظاهر، وأما كونه لا يقتضي الحرمة فغير ظاهر بل متى كان التصوير هكذا كانت حرمته ظاهرة لأن دفع الثمانية ورجوعها إليه سلف جر له نفعاً وهو تولية المأمور الشراء له فتأمل منصفاً.
قوله: [رد للآمر]: أي لأن بقاءه ربا كما هو ظاهر. قوله: [جعل مثله]: أي في نظير توليته الشراء. قوله: [الستة الأقسام الممنوعة]: مراده بالمنع ما يشمل الكراهة فإن القسم الرابع مكروه. قوله: [فسخ البيع الثاني]: أي الذي هو قوله: وأنا اشتريها منك بثمانية.
قوله: [بل يمضي بالثمانية نقداً]: أي عند الفوات فيتفق القولان على ردها إذا لم تفت، وإنما يختلفان عند الفوات، فعلى الأول: تفوت بالقيمة على الآمر يوم قبضها، وعلى الثاني تمضي بالثمانية نقداً كما أفاده الشارح فتأمل.
فصل في الخيار
لما أنهى الكلام على أركان البيع وشروطه وما يعرض له من صحة وفساد وكان من أسباب فساده الغرر وكان بيع الخيار مستثنى من ذلك بناء على أنه رخصة - كما قال ابن عرفة، المازري: في كونه رخصة لاستثنائه من الغرر وحجر المبيع خلاف. اهـ. أتبع ذلك بالكلام عليه، ومراده بالخيار: حقيقته.
وقوله: [وأقسامه]: مراده بالجمع ما فوق الواحد فإنه قسمان فقط ومراده بالأحكام مسائله. قوله: [قسمان]: أي وليس لنا قسم ثالث، خلافاً للشافعية فإنهم أجازوا خيار المجلس وسيأتي الكلام عليه.
قوله: [أي خيار ترو]: أي ويقال له خيار شرطي، وهو الذي ينصرف له لفظ الخيار عند الإطلاق. قوله:[وقف بته]: البت القطع، لقطع كل منهما خيار صاحبه.
وقوله "وقف بته" أي ابتداء خرج به الخيار الحكمي. فإن بته ليس موقوفاً من أول الأمر بل عند ظهور العيب السابق؛ فالفرق بين خيار التروي أن موجب الخيار إما مصاحب للعقد أو مقدم عليه الأول التروي، والثاني النقيصة وهو الخيار الحكمي لأنه بعيب سابق على العقد.
قوله: [ولا يكون بالمجلس]: أي فإنه غير معمول به على مشهور المذهب واشتراطه مفسد للبيع لأنه من المدة المجهولة وإن ورد به الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» وهذا الحديث - وإن كان صحيحاً لكن عمل أهل المدينة مقدم عليه عند مالك، لأن عملهم كالتواتر والتواتر يفيد القطع بخلاف الحديث، فإنه خبر آحاد وهو إنما يفيد الظن. ونقل ابن يونس عن أشهب: أن الحديث منسوخ، وبعضهم حمل التفرق في الحديث على تفرق الأقوال لا على تفرق الأبدان الذي هو حمل الشافعي - ووافقه ابن حبيب والسيوري وعبد الحميد الصائغ.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إبرام).
هذا هو الراجح من الأقوال المذكورة هنا.
ولما كانت مدة الخيار تختلف باختلاف المبيع بينها بقوله: (ومنتهاه): أي منتهى زمن الخيار (في العقار) وهو الأرض وما يتصل بها من بناء أو شجر: (ستة وثلاثون يوماً ولا يسكن): أي لا يجوز للمشتري في مدة الخيار أن يسكن الدار المشتراة به إن كثرت بلا أجرة، كانت السكنى لاختبارها أم لا، شرطت أم لا. وله اختبارها بغير السكنى.
(وفسد البيع إن شرطها) أي السكنى في صلب العقد؛ لأنه شرط ينافي المقصود من البيع، إذ لا يجوز التصرف في المبيع إلا إذا دخل في ملك مشتريه.
(وجازت) السكنى في مدة الخيار (بأجرة مطلقاً) كانت كثيرة أو يسيرة لاختبارها أو لغير اختبارها، شرطها أم لا (كاليسير) الذي لا بال له (لاختبارها) لا لغيره، فإن سكن الكثير أو اليسير لغير اختبارها بلا إذن فهو معتد تلزمه الأجرة. فتحصل أنه إن سكن بأجرة جاز مطلقاً في الثمان صور بشرط وبغيره قل أو كثر للاختبار أو لغيره، وإن سكن بلا أجرة منع في الكثير في صوره الأربع، وفي اليسير في صورتي عدم الاختبار وجاز في صورتي الاختبار، فالممنوع ست من ست عشرة صورة وقولنا:"وفسد" إلخ مما زدناه عليه.
(و) منتهاه (في الرقيق عشرة) لا أكثر (واستخدمه) جوازاً (اليسير) لا الكثير فلا يجوز (كالسكنى) فيجوز اليسير الذي لا بال له لأجل اختباره لا لغيره، بشرط أم لا والشرط مفسد للبيع. وجاز بأجرة مطلقاً؛ فتجري فيه الست عشرة صورة التي في السكنى. وكذا تجري في لبس الثوب وركوب الدابة واستعمالها. وكلام الشيخ يوهم خلاف المراد؛ لأنه منع السكنى وجوز الاستخدام وأطلق فيهما.
(و) منتهاه (في العروض) كالثياب (خمسة) من الأيام (كالدواب) التي ليس شأنها الركوب أو شأنها ذلك ولم يكن الاختبار له بل لنحو أكلها ورخصها وغلائها. وأما إن كان لخصوص ركوبها فإما في البلد أو خارجها، وإلى ذلك أشار بقوله:(إلا) إذا اشترط (ركوبها بالبلد فاليومان) لا أكثر.
(و) شرط ركوبها خارجه أي البلد (البريدان) لا أكثر على قول أشهب. وقول ابن القاسم: البريد: وهل بينهما خلاف كما هو الظاهر أو وفاق بحمل البريدين على الذهاب مع الإياب؟ تأويلان. هذا ما مشى عليه الشيخ، وكلام غيره: أن الدواب لها الثلاثة الأيام ونحوها مطلقاً سواء كانت تراد للركوب أو غيره. وإنما اليوم ونحوه والبريد ونحوه لخصوص جواز الركوب.
(وصح) الخيار وجاز أيضاً للمشتري أو للبائع أو لغيرهما
ــ
قوله: [هذا هو الراجح]: حاصله: أن من اشترى سلعة على خيار فلان أو رضاه أو باعها على خياره أو رضاه ففي المسألة أقوال أربعة: الأول: وهو المعتمد أنه لا استقلال له سواء كان بائعاً أو مشترياً في الخيار والرضا، والثاني: له الاستقلال بائعاً أو مشترياً في الخيار والرضا، والثالث: له الاستقلال في الرضا بائعا أو مشتريا وليس له الاستقلال في الخيار بائعا أو مشتريا، والرابع: له الاستقلال إن كان بائعاً في الخيار والرضا وإن كان مشترياً، فليس له الاستقلال في الخيار والرضا كذا في خليل وشراحه.
قوله: [تختلف]: أي عندنا خلافاً لأبي حنيفة والشافعية القائلين: بأن مدة الخيار ثلاثة أيام في كل شيء. قوله: [ومنتهاه] إلخ: أي إذا شرط الخيار فيه فإن مدته لا تكون أكثر من شهر وستة أيام فلا ينافي أنها قد تكون أقل حيث عيناه. ثم إن ظاهر المصنف أن أمد الخيار في العقار المدة المذكورة سواء كان الاختبار حال المبيع أو للتروي في الثمن، وهو ظاهر كلام خليل وجمهور أهل المذهب، وقيل إنه قاصر على الأول وأن الثاني ثلاثة أيام وهو ما نقله ابن عرفة عن التونسي - وكذا يقال فيما يأتي في الرقيق. قوله:[وفسد البيع إن شرطها]: الفساد في ثلاث من الصور الممنوعة، وهي ما إذا كان الإسكان كثيراً بشرط من غير أجرة، كان لاختبار حالها أم لا،
أو كان بشرط وهو يسير من غير أجرة لغير اختبار. قوله: [من ست عشرة صورة]: حاصلها أنه إما أن يسكن كثيراً، أو يسيراً، وفي كل إما أن تكون بشرط، أو بغيره. وفي كل: إما لاختبار حالها، أم لا. وفي كل من هذه الثمانية: إما بأجر، أو بغيره وتفاصيلها معلومة من الشارح.
قوله: [ومنتهاه في الرقيق عشرة]: فلو بيعت دار بها رقيق وكل بالخيار فالظاهر الخيار إن قصد به كل منهما اعتبر أمد الأبعد منهما. وإن قصد به أحدهما اعتبر أمد المقصود منهما بالخيار انظر (بن).
قوله: [وأطلق فيهما]: أي في الدابة والثوب أي لم يتعرض في استعمالهما لجواز ولا لعدمه.
قوله: [التي ليس شأنها الركوب]: أي كالبقر والغنم ودخل فيها الطير والإوز والدجاج كذا قرر. وقال اللقاني: إن جرى عرف فيها بشيء عمل به وإلا فلا خيار فيها فيما يظهر كذا في حاشية الأصل. قوله: [ولم يكن الاختبار له]: أي فقط بل كان لنحو أكلها أو لنحو
الأكل والركوب معاً وليس قصد الركوب بدون شرط كشرطه على الراجح.
قوله: [البريدان]: هما سير يوم كامل لأنهما على النصف من مسافة القصر. قوله: [وهل بينهما خلاف]: أي فالبريد عند ابن القاسم ذهاباً وإياباً والبريدان عند أشهب كذلك أو البريد ذهاباً ومثله إياباً والبريدان كذلك. قوله: [بحمل البريدين]: أي في كلام أشهب: أي فبريد ذهاباً وبريد إياباً، وهو عين قول ابن القاسم البريد، فإن معناه البريد ذهاباً ولا بد له بريد إياباً.
(بعد بت) للبيع (إن نقد) الثمن للبائع (وإلا) ينقده (فلا) يصح على الراجح.
(وضمانه حينئذ): أي حين وقوعه بعد البت (من المشتري) لأنه صار بائعاً حينئذ.
(وفسد) الخيار (بشرط مدة بعيدة) تزيد على مدته (أو) مدة (مجهولة) كإلى أن تمطر السماء أو إلى قدوم زيد، ولم يعلم أمد قدومه (أو مشاورة) شخص (بعيد) لا يقدم إلا بعد مدة الخيار بكثير، وهذا داخل في المجهولة، نص عليه زيادة في الإيضاح، ولتصريحهم به.
ويفسد البيع بما ذكر (وإن أسقط) الشرط (أو) بشرط (لبس ثوب) أو استخدام رقيق (كثيراً، ورد [1] أجرته) للبائع؛ لأن الضمان منه والغلة له. (و) فسد بيع الخيار إذا وقع (بشرط النقد) للثمن للتردد بين السلفية والثمنية، وإن لم ينقد بالفعل، بخلاف التطوع به بعد العقد.
ولما شارك هذا الفرع في الفساد بشرط النقد فروع سبعة شبهها به فقال:
(كغائب) من غير العقار (بعد) كالعشرة أيام، وبيع بتّاً على الوصف بشرط النقد فإنه يفسده.
(و) كبيع رقيق بشرط (عهدة الثلاث) فإن شرط النقد يفسده.
(ومواضعة) بيعت على البت، فإن شرط النقد يفسده.
(و) كراء (أرض) للزراعة (لم يؤمن ريها) فشرط النقد يفسده، فإن أمن ريها جاز كالنقد تطوعاً (وجعل) على تحصيل شيء كآبق فشرط النقد يفسده (وإجارة لحراسة زرع) فشرط النقد يفسده لاحتمال فساد الزرع بجائحة، فيكون المنقود سلفاً، وسلامته فيكون ثمناً (و) إجارة (مستأجر معين) كزيد بعينه أو هذه الدار بعينها فالمراد بالمستأجر المعين أعم من العاقل (يتأخر) الشروع فيما استأجر عليه (بعد) أي أكثر (من نصف شهر) فشرط نقد الأجرة يفسد الإجارة
ــ
قوله: [بعد بت]: أي وأما الجمع بين البت والخيار في عقد واحد. فهو ممنوع كما نقله (بن) عن التوضيح لخروج الرخصة عن موردها، لأن الخيار محتو على غرر إذ لا يدري كل من المتبايعين ما يحصل له هل الثمن أو المثمن لجهله بانبرام العقد ومتى يحصل فكان مقتضاه المنع مطلقاً، لكن رخص الشارع فيه فأباحه عند انفراده: قوله: [فلا يصح على الراجح]: أي لأنه إذا لم ينقده فقد فسخ البائع ماله في ذمة المشتري في معين يتأخر قبضه.
قوله: [من المشتري]: أي ولو جعل الخيار له، ويلغز بها فيقال: لنا مبيع بالخيار بيعاً صحيحاً وضمانه في مدته من المشتري.
قوله: [وفسد الخيار]: أي فسد البيع المحتوي على الخيار وضمانه حينئذ من بائعه كما في بيع الخيار الصحيح على الراجح، وقيل: من المشتري إذا قبضه حكم البيع الفاسد. وحاصل ما ذكره أنه قد تقدم أن أمد الخيار في العقار ستة وثلاثون يوماً، فإذا باعك بشرط مدة تزيد على تلك المدة زيادة بينة كأربعين يوماً كان البيع باطلاً أما ثمانية وثلاثون فلا يضر لأن اليومين ملحقان بأمد الخيار.
قوله: [والغلة له]: حاصله أن الأجرة والغلة للبائع في بيع الخيار زمنه سواء كان صحيحاً أو فاسداً ولو كان الخيار في الصحيح للمشتري وأمضى البيع لنفسه لأن الملك للبائع وزمنه لم يدخل في ضمان المشتري، وما تقدم من أن الغلة للمشتري في البيع الفاسد والضمان منه محمول على ما إذا كان للبيع بتاً فبيع البت الفاسد ينتقل فيه الضمان فيه بالقبض فيفوز المشتري بالغلة. وأما بيع الخيار فالملك فيه للبائع ولا ينتقل الضمان فيه بالقبض كان صحيحاً أو فاسداً فلذا كانت الأجرة والغلة فيه للبائع.
قوله: [وفسد بيع الخيار] إلخ: أي ولو أسقط الشرط بعد ذلك على المعتمد فليس كشرط السلف المصاحب للبيع.
قوله: [من غير العقار] إلخ: أي فلو كان المبيع عقاراً مطلقاً أو غيره وهو قريب الغيبة كالثلاثة الأيام فلا يفسد بشرط النقد فيه كما تقدم. قوله: [بشرط عهدة الثلاث]: أي ثلاثة أيام يرد فيها العبد المبيع بكل حادث من العيوب، وأما اشتراط النقد في عهدة السنة فلا يفسد العقد لقلة الضمان فيها لندرة أمراضها فاحتمال السلف فيها ضعيف بخلاف عهدة الثلاث فهو قوي لأنه يرد فيها بكل حادث. قوله:[ومواضعة]: أي وأمة بيعت على البت بشرط المواضعة لاحتمال أن تظهر حاملاً فيكون سلفاً أو تحيض فيكون ثمناً، لا إن اشترط عدم المواضعة أو كان العرف عدمها، كما في بياعات مصر فلا يضر شرط النقد لكن لا يقران على ذلك بل تنزع من المشتري وتجعل تحت يد أمين، ومفهوم بيعت على البت أنها لو بيعت على الخيار لامتنع النقد فيها مطلقاً ولو تطوعاً كما يأتي.
قوله: [لم يؤمن ريها]: أي كأراضي النيل العالية أو الأراضي التي تروى بالمطر وإنما كان شرط النقد يفسدها لتردده بين الثمنية إن رويت والسلفية إن لم ترو.
قوله: [كالنقد تطوعاً]: أي فيجوز ولو في غير مأمونة. قوله: [جعل على تحصيل شيء]: إنما فسد للتردد المذكور. وقوله: [فشرط النقد يفسده]: مفهومه أن النقد تطوعاً لا يضر على المعتمد كما ذكره (بن) وأيده بالنقول، خلافاً لمن قال إن النقد يفسد الجعل مطلقاً ولو تطوعاً.
قوله: [لحراسة زرع]: أي أو لرعي غنم معينة أو لخياطة ثوب معين، وما ذكره المصنف من أن شرط النقد مفسد لها مبني على أنه لا يجب عليه خلف الزرع وما ألحق به إذا تلف ولكن المعتمد أنه يلزمه الخلف أو يعطيه الأجرة بتمامها، ولا يضر شرط النقد وإنما ذكره المصنف
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أو رد).
لاحتمال تلف الأجير المعين فيكون سلفاً، وسلامته فيكون ثمناً. فالعلة في الجميع: التردد بين السلفية والثمنية، والتقييد بالمعين مما زدناه عليه؛ لما يأتي في الإجارة أن غير المعين -وهو المضمون- يتعين فيه إما الشروع في العمل أو تعجيل النقد. وقوله:"بعد نصف شهر" هو الصواب لا شهر كما قال: ثم ذكر أربع مسائل يمنع فيها النقد مطلقاً -بشرط وبغيره- ولا يختص المنع بها. وضابط ذلك -كما يأتي- أن كل ما يتأخر قبضه بعد أيام الخيار يمنع النقد فيه مطلقاً، إذا كان لا يعرف بعينه؛ لأن علة المنع فيه فسخ ما في الذمة في مؤخر، وما يعرف بعينه لا يترتب في الذمة. فقال:(ومنع) النقد (وإن بلا شرط في كل ما يتأخر قبضه عن مدة الخيار): هذا إشارة للقاعدة المتقدم ذكرها. ومثل لها بما ذكره الشيخ للإشارة إلى أن هذا الحكم لا ينحصر فيما ذكره فقال: (كمواضعة) بيعت بخيار (و) بيع شيء (غائب) على الخيار.
(وكراء) لشيء كدار أو دابة كراء مضموناً أو غير مضمون بخيار، فلا مفهوم لقوله:"ضمن"؛ فمن اكترى دابة معينة أو غير معينة ليركبها أو يحمل عليها بخيار لم يجز نقد الأجرة فيه مطلقاً بشرط وبغيره، وإنما منع في الكراء النقد مطلقاً وجاز في البيع بالخيار النقد تطوعاً؛ لأن اللازم في البيع التردد بين السلفية والثمنية وهو إنما يؤثر مع الشرط، واللازم في الكراء فسخ ما في الذمة في مؤخر وهو يتحقق حتى في التطوع (وسلم) يأتي في السلم إن شاء الله تعالى أنه يجوز السلم بالخيار لما يؤخر ما لم ينقد رأس السلم وإن تطوعاً، فقوله:(بخيار) راجع للأربعة.
(وانقطع) الخيار ولزم البيع أو رده (بما دل على الإمضاء أو الرد) للبيع من قول كقول من له الخيار: أمضيت البيع أو قبلته أو رددته، ونحو ذلك أو فعل كما يأتي أمثلته.
(وبمضي زمنه) أي الخيار أي مدته المشترطة أو الشرعية واذا مضت مدته (فيلزم المبيع من هو بيده) من بائع أو مشترٍ كان الخيار لهما أو لأحدهما ولو كان المبيع بيد من ليس له الخيار.
(وله) أي لمن بيده المبيع
ــ
جمعاً للنظائر. قوله: [لاحتمال تلف الأجير المعين]: أي وعقد الإجارة ينفسخ بتلف ما يستوفى منه حيث كان معيناً لا ما يستوفى به كما يأتي في الإجارة. قوله: [فالعلة في الجميع التردد] إلخ: أي وحكمة منع التردد بين السلفية والثمنية ما فيه من سلف جر نفعاً، لأن الدافع للثمن لم يكن قصده بالسلف على احتمال حصوله وجه الله بل رضاه به مجوزاً كونه ثمناً ولولا ذلك ما دفعه هكذا قرر الأشياخ.
قوله: [يتعين فيه إما الشروع في العمل] إلخ: أي لما يلزم عليه من ابتداء الدين بالدين إن لم يحصل أحد الأمرين. قوله: [ولا يختص المنع بها]: أي لا خصوصية للمسائل الأربع التي ذكرها في منع النقد فيها بشرط وبغيره بل هذا الحكم ثابت لمسائل أخرى غيرها، ولذا زاد بعضهم عهدة الثلاث سواء كان البيع بتاً أو بخيار، لأن عهدة الثلاث إنما تكون بعد أيام الخيار ولا تدخل في أيامه وإلا لم يكن لاشتراطها فائدة كذا في حاشية الأصل. قوله:[إذا كان لا يعرف بعينه]: أي وهو المثلي مكيلاً كان أو موزوناً أو معدوداً بأن يجعل ذلك ثمن أمة تتواضع أو ثمن الغائب أو أجرة الكراء أو رأس مال السلم ويكون العقد على الخيار كما سيأتي.
قوله: [فسخ ما في الذمة]: أي وهو هنا الثمن الذي قبضه البائع وصار في ذمته والمؤخر هو المبيع الذي يتأخر قبضه بعد أيام الخيار. قوله: [كمواضعة بيعت بخيار]: يعني أن من ابتاع أمة بخيار على المواضعة، فإنه لا يجوز النقد فيها في أيام الخيار ولو تطوعاً حيث كان الثمن مما لا يعرف بعينه لأنه يؤدي لفسخ ما في الذمة في معين يتأخر قبضه، بيانه: أن البيع إذا تم بانقضاء زمن الخيار فقد فسخ المشتري الثمن الذي له في ذمة البائع في شيء لا يتعجله الآن. وما قيل في مسألة المواضعة يقال في باقي المسائل الأربعة. قوله: [وبيع شيء غائب]: ظاهره سواء كان عقاراً أو غيره لوجود العلة.
قوله: [لم يجز نقد الأجرة] إلخ: أي بناء على أن قبض الأوائل ليس قبضاً للأواخر.
قوله: [أنه يجوز السلم بالخيار لما يؤخر]: أي كما يجوز تأخيره رأس المال إليه وهو ثلاثة أيام.
قوله: [وانقطع الخيار]: شروع منه في رافع الخيار. وهو إما فعل أو قول أو غيرهما.
قوله: [وإذا مضت مدته]: أي وهي الأمد الذي جعله الشارع للخيار وما ألحق به. قوله: [من هو بيده]: أي كان الخيار له أو لغيره، وحاصله أنه إذا كان المبيع بيد البائع وانقضى أمد الخيار فإنه يلزم رد البيع كان الخيار له أو للمشتري، ولو كان بيد المشتري حتى انقضى أمد الخيار وكان البيع لازماً له كان الخيار له أو لغيره، فلو كان المبيع بيد البائع وكان الخيار للمشتري وادعى المشتري بعد انقضاء أمد الخيار أنه اختار إمضاء البيع قبل انقضاء أمد الخيار ويريد أخذه من البائع فلا تقبل دعواه إلا ببينة. وكذلك لو كان الخيار للبائع والمبيع بيده فبعد انقضاء أمد الخيار ادعى أنه اختار إمضاء البيع لأجل إلزام المشتري فلا تقبل دعواه إلا ببينة.
وكذا لو كان المبيع بيد المشتري والخيار له، وادعى بعد أمد الخيار أنه اختار الرد ليلزمه للبائع، فلا تقبل دعواه إلا ببينة. أو كان الخيار للبائع والمبيع بيد المشتري وادعى بعد انقضاء أمد الخيار أنه اختار الرد لأجل انتزاعه من المشتري، فلا
(الرد في كالغد): أي اليوم أو اليومين بعد انقضاء مدته. (ولا يقبل منه): أي ممن له الخيار (بعده): أي بعد زمن الخيار وما ألحق به دعواه (أنه اختار) أي قبل المبيع في أيام الخيار ليأخذه ممن هو بيده أو يلزمها لمن ليست في يده (أو) دعواه أنه (رد) البيع ليلزمها لبائعها أو ليأخذها البائع إن كان الخيار له (إلا ببينة) تشهد له بما ادعاه.
وإذا علمت أن الخيار ينقطع بما دل على الرضا أو الرد من قول أو فعل (فالكتابة والتدبير) لرقيق بيع بالخيار رضا من المشتري، ورد للبيع من البائع لدلالة كل على ما ذكر، فهذا وما بعده أمثلة للفعل الدال على ذلك، والواو بمعنى أو، وأولى من كل منهما العتق ولو لأجل.
(والتزويج) لأمة أو لعبد (والتلذذ) بأمة كذلك (والرهن) لشيء بيع بالخيار من بائع أو مشتر كذلك (والبيع) له ولو بلا تسوق (والتسوق) أي إيقافه في السوق للبيع ولو لم يبع أو لم يتكرر (والوسم) بنار أو فصد (وتعمد الجناية) على المبيع بالخيار (والإجارة) من مشتر لا بائع كما يدل عليه الاستثناء الآتي، هذه الأمور كلها كما تكون (من المشتري) بالخيار (رضا): أي قبولاً للمبيع لدلالتها عليه (ومن البائع رد) للمبيع بالخيار (إلا الإجارة) من البائع؛ فإنها لا تدل على الرد؛ لأن الغلة له والضمان منه ما لم تزد مدتها على مدة الخيار، فقوله "إلا" إلخ مستثنى من قوله:"ومن البائع ورد [1] ".
(و) إذا مات من له الخيار أو فلس (انتقل) الخيار (لوارث) له ليس معه غريم. أو معه غريم ولم يحط الدين بمال الميت أخذاً من قوله: (و) انتقل (لغريم إن أحاط دينه) بمال الميت وحينئذ (فلا كلام لوارث) مع الغريم المذكور. ولو مات المشتري وتعدد وارثه فليس لهم إلا أن يأخذوا أو يردوا جميعاً وليس لهم التبعيض.
ــ
تقبل دعواه إلا ببينة. وكل هذا ما لم يتصادقا، وإلا فلا حاجة للبينة في الجميع. قوله:[الرد في كالغد]: ظاهره أنه يرد في اليوم واليومين الزائدين على المدة التي حددها أولاً وهو الستة والثلاثون في العقار والعشرة في الرقيق والخمسة في غيرهما من سائر العروض والدواب وانظر هل هذا مسلم.
قوله: [فهذا وما بعده أمثلة للفعل]: إن قلت: إن الكتابة والتدبير والتزويج والرهن والبيع تحصل بالصيغة فكيف يكون فعلاً؟ إلا أن يجاب: بأن المراد بالفعل ما يشمل الفعل النفسي ويراد بالقول ما كان فيه لفظ رضيت أو رددت. قوله: [والتزويج لأمة أو لعبد]: لا خلاف في أن تزويج الأمة يعد رضا. وأما تزويج العبد ففيه خلاف، والمشهور أنه رضا خلافاً لأشهب. والمراد بالتزويج العقد ولو فاسداً ما لم يكن مجمعاً على فساده.
قوله: [والتلذذ بأمة]: حاصله أنه إن فعل فعلاً بالأمة. موضوعاً لقصد اللذة - مثل كشف الفرج والنظر إليه - فهو محمول على قصد التلذذ والرضا أقر أنه قصد اللذة أم لا، وأما إن فعل فعلاً ليس موضوعاً لقصد التلذذ - ككشف الصدر أو الساق - فإن قصد به التلذذ عد رضا منه وإن لم تحصل لذة بالفعل، وإن أنكر ذلك. وقال: قصدت التقليب، فلا يعد رضا ولو حصلت له اللذة بها كما قرره شراح خليل. ومفهوم:" أمة " أن التلذذ بالذكر لا يعد رضا من المشتري ولا رداً من البائع. قوله: [والرهن]: أي على المشهور وهو مذهب المدونة. وظاهره: أنه يعد رضا وإن لم يقبضه المرتهن من الراهن وهو كذلك لكن ينبغي أن يقيد ذلك بما إذا كان الراهن قبضه من البائع وأما إذا لم يقبضه من البائع ورهنه فلا يعد ذلك رضا. قوله: [ولو لم يبع أو لم يتكرر]: أي على المشهور الذي هو مذهب ابن القاسم.
قوله: [أو فصد]: مثله الحجامة وحلق الرأس والإسلام للصنعة ولو هينة أو المكتب كما في الأصل. قوله: [وتعمد الجناية]: حاصله أنه إذا جنى البائع زمن الخيار والخيار له، فإن كان عمداً فهو رد للبيع، وإن كان خطأ فللمشتري خيار العيب، إن أجاز البائع البيان إن شاء تمسك ولا شيء له أو رد وأخذ الثمن، هذا إذا لم يحصل في المبيع تلف. فإن تلف انفسخ فيهما. وإن كان الخيار للمشتري، وتعمد البائع الجناية ولم يتلف المبيع، فللمشتري الرد أو الإمضاء وأخذ أرش الجناية، وإن تلف ضمن الأكثر من الثمن والقيمة. وإن أخطأ البائع فللمشتري أخذه ناقصاً ولا شيء له من أرش النقص أو رده للبائع، وإن تلف انفسخ، فهذه ثمان صور في جناية البائع. وإن جنى المشتري - والخيار له - عمداً ولم يتلفه فهو رضا وخطأ فله رده وما نقص، وله التمسك ولا شيء له. وإن أتلفه بالجناية ضمن الثمن كانت الجناية عمداً أو خطأ. وإن كان الخيار للبائع وجنى المشتري عمداً أو خطأ ولم يتلف المبيع فله رد البيع وأخذ أرش الجناية أو الإمضاء وأخذ الثمن. وإن تلف في العمد أو الخطأ ضمن الأكثر من الثمن والقيمة: فهذه ثمان أيضاً. فالجملة ست عشرة صورة قد علم تفصيلها تركها المصنف، وهي في خليل وشراحه. قوله:[والإجارة من مشتر]: أي ولو مياومة.
قوله: [لا بائع]: أي فلا تعد إجازته رداً إذا كان الخيار له لأن الغلة له على كل حال وسيأتي تقييدها.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (رد).
(والقياس) إذا اختلفوا فأجاز البعض ورد البعض: (رد الجميع): أي جميع ورثة المشتري بالخيار (إن رد بعضهم) فيجبر المجيز على الرد مع من رد لما في التبعيض من ضرر الشركة. فكما أن من ورثوا الخيار عنه ليس له رد بعض السلعة وقبول بعضها للضرر بالبائع، فكذلك هم ليس لبعضهم القبول ولبعضهم الرد إذا لم يرض البائع بذلك لضرر الشركة، فألحق الوارث بالمشتري في عدم جواز التبعيض والجبر على الرد بجامع الضرر في كل وليس للمجيز أخذ مناب من رد إذا لم يرض البائع، وهذا للإمام في المدونة، والاستحسان عنده أيضاً أن للمجيز أخذ جميع السلعة فلا يجبر على الرد إن رد البعض واقتصرنا على القياس لقوله في المدونة: وهذا هو النظر، ثم قال فيها أيضاً: واستحسن لمن أجاز منهم أن يأخذ منهم من لم يجز.
(وهو): أي القياس (في ورثة البائع) الذي له الخيار حيث مات (إجازة الجميع إن أجاز بعضهم) ويجبر من رد البيع على الإجازة مع المجيز، عكس ورثة المشتري. وهل يتعين فيهم القياس ولا يجري فيهم الاستحسان؟ وهو قول ابن أبي زيد، أو يجري فيهم أيضاً؟ وهو قول بعض القرويين. وعليه فللراد منهم أخذ الجميع. والقياس في كل هو المعتمد.
(والملك) للمبيع بالخيار في زمنه سواء كان لأحد المتبايعين أو لأجنبي (للبائع، والضمان منه؛ فالغلة وأرش الجناية) على المبيع بالخيار (له) أي للبائع (بخلاف الولد والصوف) فهما للمشتري إذا تم له الشراء لأنهما كجزء من البيع.
(ولو قبضه المشتري) وادعى ضياعه زمن الخيار (ضمن فيما يغاب [1] عليه) كالرهن (إلا لبينة) تشهد بضياعه بلا تفريط من المشتري فلا يضمن (وحلف في غيره) أي في غير ما يغاب عليه -كالحيوان- حيث اتهمه البائع (لقد ضاع وما فرط، إلا أن يظهر كذبه) أي المشتري في دعواه الضياع، كأن يقول: ضاع يوم كذا، فتشهد البينة على رؤيته عنده بعد ذلك اليوم، أو تشهد عليه بأنه أكله أو أتلفه أو باعه فإنه يضمن، ولا يقبل منه يمين وإذا نكل عند توجه اليمين عليه غرم.
ثم بين ما يغرمه للبائع وهو يختلف باختلاف الأحوال فقال: (الأكثر) أي يضمن المشتري للبائع إذا ادعى ضياع ما يغاب عليه أو ما يغاب إذا ظهر كذبه أو نكل الأكثر (من الثمن) الذي وقع به البيع (والقيمة) هذا (إن كان الخيار للبائع) في الصور الثلاث.
ــ
قوله: [والقياس]: إلخ قال في جمع الجوامع: وهو حمل معلوم على معلوم لمساواته له في علة حكمه عند الحامل وإن خص بالصحيح حذف الأخير، فقوله:"حمل معلوم" المراد به هنا الوارث وقوله: "على معلوم" المراد به الموروث الذي هو المشتري. والعلة ضرر الشركة والحكم التصرف بالإجارة والرد.
قوله: [والاستحسان]: هو معنى ينقدح في ذهن المجتهد تقصر عنه عبارته والمراد بالمعنى دليل الحكم الذي استحسنه ووجه استحسان أخذ المجيز الجميع أن المجيز حيث أخذ الجميع يدفع جميع الثمن للبائع ويرتفع ضرر الشركة بالتبعيض. قوله: [القياس في كل هو المعتمد]: أي فالمعتمد في ورثة المشتري رد جميع السلعة للبائع إن رد بعضهم وفي ورثة البائع إمضاء الجميع البيع إن أمضى بعضهم.
تنبيهان: الأول ينتقل الخيار الذي كان للمكاتب لسيده حيث عجز في مدة الخيار وقبل الاختيار كان بائعاً أو مشترياً، فالسيد عند عجز المكاتب بمنزلة الوارث أو الغريم إذا مات المورث أو من أحاط الدين بماله قبل الاختيار. الثاني: إذا جن من له الخيار وعلم أنه لا يفيق أو يفيق بعد طول يضر الصبر إليه بالآخر نظر الحاكم الشرعي في الأصلح له من إمضاء أو رد. وأما لو أغمي من له الخيار فإنه ينتظر إفاقته لينظر لنفسه، فإن طال إغماؤه بعد مضي زمنه بما يحصل به الضرر فسخ البيع ولا ينظر له حاكم ولا غيره وقال أشهب: ينظر له. اهـ. من الأصل.
قوله: [والملك للمبيع] إلخ: هذا هو المعتمد، وعليه فالإمضاء نقل للمبيع من ملك البائع لملك المشتري. وقيل: إن الملك للمشتري فالإمضاء تقرير لملك المشتري وأصل ملكه حصل بالعقد، وهذا معنى قولهم: إن بيع الخيار منحل، أي أن المبيع على ملك البائع أو منعقد أي أنه على ملك المشتري لكن ملكه له غير تام لاحتمال رده. ولذلك كان ضمان المبيع من البائع على القولين اتفاقاً. فثمرة الخلاف إنما هي في الغلة الحاصلة في مدة الخيار وما ألحق بها، فهي للبائع على الأول وللمشتري على الثاني. إلا أن كون الغلة للمشتري على القول الثاني مخالف لقاعدة:"الخراج بالضمان" و"من له الغنم عليه الغرم" فإن الغنم هنا للمشتري والغرم الذي هو الضمان على البائع. اهـ من حاشية الأصل.
قوله: [فالغلة وأرش الجناية]: إلخ: مثل الغلة ما يوهب للعبد المبيع بالخيار في زمنه فإنه للبائع إلا أن يستثني المشتري ماله.
قوله: [والصوف]: أي التام أو غيره. وأما الثمرة المؤبرة فكمال العبد لا تكون للمشتري إلا بشرط.
قوله: [ولو قبضه المشتري]: أي المشتري على الخيار لو قبض الشيء المشترى سواء كان البيع صحيحاً أو فاسداً وما تقدم من انتقال ضمان الفاسد بالقبض إنما هو في البيع بالبت. قوله: [وحلف في غيره]: أي متهماً أو لا بخلاف المودع والشريك لا يحلف إلا إذا كان متهماً.
قوله: [إلا أن يظهر كذبه]: استثناء من مقدر أي حلف ولا ضمان عليه إلا أن يظهر كذبه فإنه يضمن وليس استثناء من قوله وحلف في غيره، فلو شهدت بينة بكذبه وشهدت أخرى بصدقه قدمت بينة الكذب على المعتمد كذا في الحاشية.
قوله: [الأكثر]: معمول لقوله ضمن وما بينهما اعتراض. قوله: [والقيمة]: أي وتعتبر يوم قبض المشتري المبيع.
قوله: [في الصور الثلاث]: الأولى: ما إذا كان يغاب عليه وادعى الضياع ولم تقم له بينة. والثانية: ما لا يغاب عليه واتهمه ولم يحلف.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (يعاب).
(إلا أن يحلف) في صورة ما يغاب عليه: إنه (ما فرط) في ضياعه فالثمن خاصة إن قل عن القيمة؛ لأنه إذا ساوى القيمة أو كثر عنها لم يتوجه عليه اليمين إذ لا ثمرة لها حينئذ كما هو ظاهر.
(كأن كان الخيار له) أي للمشتري، فإنه يغرم الثمن الذي وقع به البيع ولو كان الخيار لهما غلب جانب البائع فيما يظهر لأن الملك له.
(ولو اشترى) شخص (أحد) سلعتين (كثوبين، وقبضهما) من البائع ليختار واحداً منهما ويرد الآخر (فادعى ضياعهما) معاً (ضمن واحداً منهما فقط)؛ لأنه في الآخر أمين لا ضمان عليه فيه (بالثمن) الذي وقع به البيع سواء (كان فيما يختاره بخيار أو لا) بأن كان فيه على البت وقيل: المسألة مفروضة في الأول، وأما لو كان فيما يختاره على البت -لاشتركا فيهما- ولزمه نصف قيمة أحدهما ونصف ثمن الآخر.
(و) إن ادعى (ضياع واحد) منهما -ولم يكن له بينة بضياعه- (ففي الخيار معه) أي مع الاختيار بأن شرط أنه شرط فيما يختاره بالخيار (ضمن نصفه) لعدم العلم بالضائع، هل هو المبيع بالخيار، أو الثاني؟ فأعملنا الاحتمالين (وله) أي للمشتري في ادعاء ضياع واحد فقط (اختيار الباقي) ورده لربه، إن كان زمن الخيار باقياً وليس له اختيار نصفه لما فيه من ضرر الشركة. فإن قال: كنت اخترت ما ضاع قبل ضياعه، صدق ولزمه ثمنه ولو قال: كنت اخترت هذا الباقي ثم ضاع الآخر وأنا فيه أمين، لم يصدق ويلزمه نصفه.
(وفي الاختيار فقط) أي دون خيار بأن كان فيما يختاره على البت وادعى ضياع أحدهما ولا بينة (لزمه النصف من كل) من التالف والباقي، وليس له اختيار الباقي كما نص عليه ابن يونس؛ لأنه إنما يكون له الخيار إن وقع البيع على الخيار ولم تنقص مدته، وهذا مما يرجح القيل المتقدم في ضياعهما معاً ويضعف التعميم الذي ذكرناه في الأصل فتدبر.
ثم شبه في لزوم النصف من كل قوله:
(كانقضاء مدته) أي الاختيار (بلا ضياع) ولم يختر واحداً منهما، فإنه يلزمه النصف من كل، ويكونان شريكين في كل إذا لم يرضيا بأخذ كل منهما ثوباً ويترك لصاحبه الآخر.
(ولو انقضت) مدة الخيار والاختيار (في) اشتراء أحدهما على (الخيار معه) أي مع الاختيار بأن اشترى أحدهما على أن
ــ
والثالثة: ما لا يغاب عليه وظهر كذبه.
قوله: [إلا أن يحلف] إلخ: هذه هي الأولى. قوله: [فالثمن خاصة]: حاصله أن المبيع إذا كان مما يعاب عليه وادعى المشتري ضياعه أو تلفه ولم تقم له بينة فإنه يلزمه الأكثر من الثمن والقيمة كما مر، فإن كان الثمن أكثر أو مساوياً للقيمة غرمه ولا كلام وإن كانت القيمة أكثر وغرمها فلا كلام. وإن أراد أن يغرم الثمن الذي هو أقل منها حلف اليمين والموضوع أن الخيار للبائع.
قوله: [فإنه يغرم الثمن الذي وقع به البيع]: أي لأنه يعد راضياً وسواء كان الثمن أقل من القيمة أو أكثر ما لم يحلف عند أشهب أنه لم يرد الشراء، وإلا كانت عليه القيمة إن كانت أقل.
تنبيهان:
الأول: لو غاب البائع على المبيع بالخيار وادعى التلف والضياع - والخيار لغيره، مشتر أو أجنبي - فإنه يضمن الثمن. ومعنى ضمانه رده للمشتري إن كان قبضه، وإلا فلا شيء له كذا في الأصل.
الثاني: اشتريا دابتين خياراً ادعى كل التلف وقال أهل الموضع: إنما تلفت واحدة، فحكى ابن رشد قولين: براءتهما لصدق أحدهما قطعاً ولا يضمن الثاني بالشك، وضمان كل نصف دابته وصوبه عبد الحق في تهذيبه كما في الـ (مج).
قوله: [ولو اشترى شخص أحد سلعتين]: لما أنهى الكلام على بيع الخيار شرع في الكلام على الاختيار المجامع للخيار والمنفرد عنه فالأقسام ثلاثة: بيع خيار فقط، وقد تقدم، وبيع اختيار فقط، وبيع خيار واختيار، والكلام الآن فيهما. وفي كل منها؛ إن اشترى ثوبين مثلاً: إما أن يدعي ضياعهما معاً أو ضياع أحدهما، أو تمضي المدة مع بقائهما ولم يختر؛ فهذه تسع صور يعلم تفصيلها مما تقدم ومن هنا.
وحاصله: أن الثوبين في بيع الخيار فقط كلاهما مبيع فيضمنهما ضمان الرهان إن ادعى ضياعهما أو ضياع أحدهما. فإن مضت مدة الخيار ولم يختر لزماه معاً؛ فهذه ثلاث، وفي الاختيار فقط إن ادعى ضياعهما معاً أو ادعى ضياع أحدهما أو مضت مدة الاختيار ولم يختر لزمه النصف من كل منهما فيغرم نصف ثمن أحدهما ونصف قيمة الآخر. فهذه ثلاث أيضاً. وفي بيع الخيار والاختيار إن ادعى ضياعهما معاً ضمن واحداً بالثمن وإن ادعى ضياع واحد فقط ضمن نصفه وله اختيار الباقي. وإذا مضت المدة ولم يختر لم يلزمه شيء؛ فهذا ثلاث أيضاً فلتحفظ تلك الصور التسع
قوله: [وقيل المسألة مفروضة]: هذا هو المعتمد لما سيأتي.
قوله: [فأعملنا الاحتمالين]: أي احتمال كون الضائع هو المبيع واحتمال كونه غيره أي ارتكبنا حالة وسطى، لأنه على احتمال كون الضائع هو المبيع يلزمه كله وعلى احتمال كونه غير المبيع لا يلزمه شيء لأنه وديعة عنده فتوسطنا وأخذنا من كل طرفاً.
قوله: [اختيار الباقي]: أي على المشهور وهو قول ابن القاسم.
قوله: [وليس له اختيار نصفه]: أي خلافاً لابن المواز القائل القياس أن له اختيار النصف الباقي لا جميعه، وذلك لأن المبيع ثوب واحد فإذا اختار جميع الباقي لزم كون المبيع ثوباً ونصفاً وهو خلاف فرض المسألة. وأجيب بأن هذا أمر جر إليه الحكم لدفع ضرر الشركة.
قوله: [لأنه إنما يكون له الخيار] إلخ: المناسب الاختيار وهو إظهار في محل الإضمار.
يختار، ثم هو فيما يختاره بالخيار فمضت المدة ولم يختر (لم يلزمه شيء) من الثوبين ولا شركة فيهما؛ لأن ترك الاختيار حتى مضت مدة الخيار دليل على إعراضه عن الشراء وسواء كان المبيع بيده أو بيد البائع إذا لم يقع البيع على معين فيلزمه ولا على لزوم أحدهما فيشتركا.
ولما أنهى الكلام على ما أراد من القسم الأول الذي هو خيار التروي، شرع في بيان القسم الثاني وهو خيار النقيصة فقال:
(و) القسم (الثاني) وهو خيار النقيصة قسمان: ما وجب لفقد شرط، وما وجب لظهور عيب في المبيع وإلى الأول أشار بقوله:(ما) أي خيار (وجب) أي ثبت بعد انبرام [1] البيع (لعدم) أي لأجل فقد شيء (مشروط) شرط في العقد (فيه) أي في ذلك المشروط (غرض) للمشتري كان فيه مالية، كشرط كونها طباخة فلم توجد كذلك، أو لا مالية فيه: كاشتراط كونها ثيباً ليمين عليه ألا يطأ بكراً فوجدها بكراً كما يأتي في الأمثلة إذا وقع الشرط في العقد (ولو حكماً، كمناداة) عليها حال تسويمها أنها طباخة أو خياطة فتوجد بخلافه، فيثبت للمشتري الخيار فله الرد. ومثل للمشروط الذي فيه الغرض بقوله:(كطبخ وخياطة) ونسج وقوة حمل وفراهة وطحن وحرث من كل وصف فيه حق مالي (وثيوبة ليمين) عليه أنه لا يطأ الأبكار ثم (يجدها بكراً) ويصدق في دعوى اليمين، لا إن انتفى الغرض، كما لو اشترى عبداً للخدمة واشترط ألا يكون كاتباً فوجده كاتباً ولا إن وجدها بكراً في غير يمين فيلغى الشرط، ولا رد.
وأشار للقسم الثاني بقوله: (أو) ما وجب (لنقص) أي لوجود نقص في المبيع عقاراً كان المبيع أو عرضاً أو عيناً فيشمل الثمن (العادة السلامة منه) في ذلك المبيع، فله الرد به إن أخل بالذات أو بالثمن أو التصرف العادي أو كان يخاف عاقبته لا إن لم يخل بشيء من ذلك كما يأتي بيان ذلك كله (كغشاوة) بعينه لعدم تمام البصر، وكذا إذا كان يعشو بالعين المهملة أي لا يبصر ليلاً (وعور) وأولى العمى، وهذا إذا كان المبيع غائباً وبيع بالصفة أو رؤية متقدمة، أو كان المشتري أعمى حيث كان العور ظاهراً، وإلا فلا ينفعه دعوى أنه لم يره حال البيع، فإن كان خفياً كما لو كان المبيع تام الحدقة يظن فيه أن يبصر فله الرد ولو كان حاضراً والمشتري بصيراً (وظفر) بعينه وهو لحم ينشأ على بياض العين من جهة الأنف إلى سوادها (وعرج وخصاء) بغير بقر (واستحاضة): بأمة ولو وخشاً لأنها من المرض الذي شأن النفوس أن تكرهه (وعسر) بفتحتين وهو العمل باليد اليسرى فقط بخلاف الأضبط وهو من يعمل بكل من يديه وسواء كان الأعسر ذكراً أو أنثى (وبخر) عفونة الفرج وكذا عفونة النفس إذا قوي (وزناً) من ذكر أو أنثى أي ثبت أنه كان زنى عند البائع (وشرب) لمسكر وكذا أكل المغيب كأفيون وحشيشة (وزعر) لذكر أو أنثى: وهو عدم نبات شعر العانة لدلالته على المرض إلا لدواء
ــ
قوله: [كان فيه مالية]: أي بأن الثمن يزيد عند وجوده ويقل عند عدمه. قوله: [كاشتراط كونها ثيباً] إلخ: أي وكما لو اشترى جارية بشرط كونها نصرانية فوجدها مسلمة فأراد ردها، وادعى أنه إنما اشترط كونها نصرانية لإرادته تزويجها من عبده النصراني ويصدق في قوله ببينة أو وجه بخلاف دعوى أن عليه يميناً في مسألة الثيب فإنه يصدق ولو لم تقم له بينة ولم يظهر له وجه.
قوله: [فيثبت للمشتري الخيار]: أي حيث لم تكن العادة التلفيق من السمسار، فإن كانت العادة التلفيق فلا يعد قوله شرطاً.
قوله: [ويصدق في دعوى اليمين]: أي ولو لم تقم له بينة ولم يظهر له وجه خلافاً لما يفيده كلام ابن سهل من أنه لا بد من ثبوت ذلك. قوله: [فيلغى الشرط]: أي لكونه لا غرض فيه ولا نفع للمشتري نعم ذكر بعضهم أنه إذا اشترط في عبد الخدمة أن يكون غير كاتب فوجده كاتباً أن له الرد وأن هذا الشرط لغرض وهو خلاف اطلاع العبد على عورات السيد.
قوله: [وظفر]: بالتحريك. ومثله الشعر النابت في العين فيرد به وإن لم يمنع البصر.
قوله: [وخصاء]: بالمد فهو عيب وإن زاد في ثمن الرقيق لأنه منفعة غير شرعية كغناء الأمة. قوله: [بغير بقر]: أي فإن الخصاء فيها ليس عيباً لأن العادة أنه لا يستعمل منها إلا الخصي والظاهر أن المراد خصوص البقر لا ما يشمل الجاموس لأن العادة فيه عدم الخصاء. وظاهر كلامهم أن الخصاء في جميع أنواع الحيوان غير البقر يرد به ولو يزيده حسناً.
قوله: [واستحاضة]: أي إن ثبت أنها من عند البائع احترازاً من الموضوعة للاستبراء تحيض، ثم يستمر عليها الدم فلا ترد؛ لأنه لا يرد إلا بالعيب القديم. ومثل الاستحاضة تأخير حيضة الاستبراء عن وقت مجيئها زمناً لا يتأخر الحيض لمثله عادة لأنه مظنة الريبة. وهذا فيمن تتواضع. وأما من لا تتواضع فلا ترد بتأخير الحيض إذا ادعى البائع أنها حاضت عنده، لأنه عيب حدث عند المشتري لدخولها في ضمانه بالعقد إلا أن تشهد العادة بقدمه.
قوله: [ذكراً أو أنثى]: أي علياً أو وخشاً. قوله: [وكذا عفونة النفس إذا قوي]: أي ولو من ذكر كما في (ح) لتأذي سيده بكلامه وهذا بخلاف عيب التزويج فلا يرد ببخر الفم لبناء النكاح على المكارمة كما تقدم.
قوله: [وزنا]: شمل اللواط فاعلاً أو مفعولاً. قوله: [وهو عدم نبات شعر العانة]: أي وأما قطع ذنب الدابة فيسمى بتراً، وهو عيب أيضاً.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إبرام).
ومثله عدم نبات شعر الحاجب أو الهدب (وزيادة سن): من ذكر أو أنثى في مقدم الفم أو مؤخره (وجذام ولو بأصل) بأن كان بأحد أبويه وإن علا؛ لأنه يسري في الفروع فيخاف عاقبته (وجنونه) أي الأصل من أب أو أم (بطبع) أي لا دخل لمخلوق فيه فشمل الوسواس والصرع المذهب للعقل والعته.
(لا) إن كان (بمس جن) فلا يرد به الفرع لعدم سريانه له عادة والبرص كالجذام (وسقوط سن من مقدم) أي مقدم الفم مطلقاً ولو من ذكر أو وخش (أو) من (رائعة) ولو في غير المقدم (وإلا) تكن رائعة بل وخشاً أو ذكراً من غير المقدم (فأكثر) من سن ترد به، لا بواحدة فهذا أوفى من كلامه (وشيب بها) أي بالرائعة فقط ترد به (لا بغيرها) من ذكر أو وخش فلا يرد بالشيب (إلا أن يكثر) فيرد به، وهذا إذا لم يشترط في العقد وإلا رد به ولو لم يكثر (وبول بفرش) أي حال النوم (في وقت ينكر) البول فيه، بأن يبلغ سناً لا يبول الإنسان فيه غالباً (إن ثبت حصوله عند البائع) بإقراره أو ببينة (وإلا) يثبت (حلف) البائع أنها لم تبل عنده ولم يعلم بأنها بالت عنده، فإن نكل ردت عليه الذات المبيعة ذكراً أو أنثى وهذا (إن بالت) بعد الشراء (عند أمين) أنثى أو ذكر له زوجة أو أم ويصدق الأمين في بولها عنده، فإن لم تكن عند أمين فالقول للبائع بيمين، وعليه فلا مفهوم لقولهم: عند أمين، إلا أن يحترز به عن كونها تحت يد البائع وادعى المشتري بولها عنده فالقول للبائع بلا يمين، وظاهر أن اختلافهما في قدمه وحدوثه بدليل أن الأمين مصدق فيما قاله لا أنه في وجوده وعدمه كما قيل.
(وتخنث عبد وفحولة أمة اشتهرت بذلك) الأظهر من التأويلين تأويل غير عبد الحق من أن المراد به التشبه بأن يتشبه العبد في كلامه وحركاته بالنساء وأن تتشبه الأمة في ذلك بالرجال، وقوله:"اشتهرت" بالتاء إشارة إلى أن قيد الاشتهار إنما يكون في الأمة فقط وهو ظاهر المدونة، ووجهه في التوضيح: بأن التخنث في العبد يضعفه عن العمل وينقص نشاطه، والتذكير في الأمة لا يمنع جميع الخصال التي تراد منها ولا ينقصها. فإذا اشتهرت بذلك كان عيباً لأنها ملعونة كما في الحديث. وجعل في الواضحة قيد الاشتهار راجعاً لهما. اهـ. فلذا اقتصر في المختصر عليه. وتأولها عبد الحق بأن المراد بالتخنث والفحولة الفعل بأن يفعل بالعبد وتفعل الأمة فعل شرار النساء. ورده أبو عمران بأنه لو كان المراد به الفعل لكان عيباً ولو مرة واحدة ولا يحتاج لقيد الاشتهار في الأمة فظهر من هذا النقل أن الأرجح أن تخنث العبد عيب مطلقاً اشتهر به أو لا، وأن فحولة الأمة لا ترد به إلا إذا اشتهرت به كما مشى عليه الشيخ؛ لأن ظاهر المدونة يقدم على صريح غيرها وأن الأرجح من التأويلين في تفسير التخنث التأويل الأول
ــ
قوله: [ومثله عدم نبات شعر الحاجب أو الهدب] إلخ: أي فهما عيب ولو كانا لدواء خلافاً لما يوهمه الشارح.
قوله: [وزيادة سن]: أي فوق الأسنان، وأما كبر السن من المقدم فهو عيب في الرائعة وانظره في غيرها. قوله:[أو أم]: أي مثلا فالمراد محرم. قوله: [فلا يرد به الفرع]: أي ولو كان الجنون الذي بمس جن في أحد الأصول فلا يرد به أحد الفروع، وأما لو كان الجنون بنفس المبيع فعيب يرد به قولاً واحدا كان بطبع أو مس جن.
قوله: [وسقوط سن]: أي لغير إثغار ولغير من طعنت في الكبر بحيث لا يستغرب سقوط أسنانه. قوله: [وشيب]: أي إن وجد قبل أوانه وأما في بنت الستين فليس بعيب.
قوله: [وهذا إذا لم يشترط]: أي وأما إذا اشترط شيء فيعمل به إذا تخلف المشروط وإن لم تكن العادة السلامة منه فالمدار في الشرط على الغرض الشرعي في جميع مسائل الباب.
قوله: [ولم يعلم بأنها بالت عنده]: تصوير ليمين البائع فهو تفسير لما قبله لأن يمينه لا تكون إلا على نفي العلم.
قوله: [كما قيل]: القائل له (عب) وتبعه في الأصل، فقال ودل قوله: إن أقرت إلخ على أن اختلافهما في وجوده وعدمه لا في حدوثه وقدمه إذ لا يحسن حينئذ أن يقال إن أقرت إلخ. واختلافهما في الحدوث والقدم القول لمن شهدت العادة له أو رجحت بلا يمين وإن لم تقطع لواحد منهما فللبائع بيمين. اهـ. وما قاله هنا فقد تبع فيه (بن) فتحصل أن المشتري إذا ادعى البول ولم يثبت حصوله عند البائع بإقرار ولا بينة فإن حصل عند المشتري أو عند الأمين لزم البائع اليمين على نفي القدم ما لم تقطع العادة أو ترجح حدوثه وإلا فلا يمين على البائع وما لم تقطع العادة أو ترجح قدمه وإلا فيرد على البائع من غير يمين من المشتري وإن كانت مجرد دعوى من المشتري فلا يمين على البائع.
فالحاصل أن توجه اليمين على البائع إنما يكون في نفي القدم بعد ثبوت الحدوث وأما في الوجود والعدم فلا تتوجه على البائع يمين لأنه مجرد دعوى من المشتري ففي الحقيقة من نظر لمجرد الدعوى من المشتري قال التنازع في الوجود والعدم، ومن نظر لحصول البول عند الأمين والمشتري قال التنازع في الحدوث والقدم وكل صحيح.
تنبيه: من العيوب التي يرد بها إذا وجد العبد البالغ غير مختون والأنثى البالغة غير مخفوضة حيث كانا مولودين ببلاد الإسلام وفي ملك مسلم أو طالت إقامتهما بين المسلمين وفي ملكهم كما أن وجود الختان والخفاض في المجلوبين عيب خشية كونهم من رقيق أبق من المسلمين أو غار عليه
(وكرهص) هو داء بحافر الدابة كالفرس (وعثر) لدابة (وحرن) بفتحتين (وعدم حمل معتاد) لمثلها بأن وجدها لا تطيق حمل أمثالها، فترد بذلك. ويقاس على هذه العيوب ما شابهها من كل عيب أدى لنقص في الثمن أو المثمن أو خيف عاقبته والشيخ ذكر هنا أمثلة كثيرة.
(ولا رد بكي لم ينقص) ثمناً ولا ذاتاً (ولا) رد (بتهمة) لرقيق (بكسرقة) واختلاس وغصب (ظهرت البراءة منها) بأن ثبت أن السارق غيره، أو أن الشيء لم يسرق أصلاً، أو أقر رب المتاع بذلك، فإن لم يثبت كان له الرد، وهذا ما لم يكن متهماً في نفسه مشهوراً بالعداء وإلا فله الرد مطلقاً.
(ولا) رد (بما لا يطلع عليه إلا بتغير للمبيع) من كسر أو نشر أو ذبح (كسوس خشب وفساد جوز ونحوه) كلوز وبندق (ومر قثاء) وبطيخ ووجود فساد باطن شاة بعد ذبحها (إلا لشرط) فيعمل به وترد.
(ولا قيمة) للمشتري على البائع عند عدم الرد إذا لم يشترط، وكذا لا قيمة للبائع على المشتري إذا ردها بالشرط، إذا كسرها في نظير الكسر فيما يظهر.
وقولنا: "إلا لشرط" هو ما استظهره الشيخ في التوضيح، لكن لم يذكره في المختصر والعادة كالشرط.
(ولا) رد (بعيب قل بدار) ككسر عتبة وسلم وسقوط شرافة مما جرت العادة بعدم الالتفات إليه، ويزول بالإصلاح ولا قيمة على البائع في اليسير جداً كما مثلنا وأما اليسير لا جداً، بأن يكون ما دون الثلث -والثلث كثير- فأشار له بقوله:(ورجع بقيمة ما له بال منه) أي من العيب القليل (فقط) لا رد به إذا لم يبلغ الثلث (كصدع جدار) منها (بغير واجهتها) إن (لم يخف عليها منه)، وسواء خيف على الجدار نفسه أم لا، على ظاهر كلام الأمهات.
(وإلا بأن كان بواجهتها) أو بغيرها وخيف على الدار السقوط منه (فكثير) ترد به (كعدم منفعة من منافعها) كملح بئر بمحل الحلاوة أي بمحل الآبار التي ماؤها حلو وكتهوير بئرها وغور مائها أو لعدم مرحاض بها أو كونه ببابها.
(وكل ما) أي عيب
ــ
الكفار وهذا إذا كانوا من قوم ليس عادتهم الاختتان. ومن العيوب أن يبيع الرقيق بعهدة درك المبيع من العيوب مع كونه اشتراه ببراءة من العيوب كما إذا اشتراه ممن تبرأ له من عيوب لا يعلمها مع طول إقامته عنده ثم يبيعه على العهدة، فإنه يثبت للمشتري الرد بذلك لأنه يقول: لو علمت أنك اشتريته بالبراءة لم اشتره منك إذ قد أصيب به عيباً وأجدك عديماً فلا يكون لي الرجوع على بائعك.
قوله: [وكرهص]: أدخلت الكاف الدبر وهو القرحة والنطاح والرفس وتقويس الذراعين وقلة الأكل والنفور المفرطين وأما كثرة الأكل فليست عيبا في الحيوان البهيمي وهي عيب في الرقيق إن كانت خارجة عن المعتاد. وقال (بن): وجدت: بخط ابن غازي ما نصه: قيل العمل اليوم أن من اشترى فرساً فأقام عنده شهراً لم يمكن من رده بعيب قديم فانظر هل يصح هذا. اهـ. قلت وقد استمر بهذا العمل ففي نظم العمليات:
وبعد شهر الدواب بالخصوص
…
بالعيب لا ترد فافهم النصوص
قوله: [بأن وجدها لا تطيق حمل أمثالها]: أي فالمراد بالحمل ما يحمل على الدابة لا الولد. ولا يصح أن يصور بما إذا اشترط المشتري عند الشراء حمل الدابة فوجدها غير حامل، لأن ذلك مفسد للبيع كما تقدم.
قوله: [لم ينقص ثمناً ولا ذاتاً] أي: فمتى نقص الثمن أو الجمال والخلقة فهو عيب وإلا فلا.
قوله: [فإن لم يثبت]: أي أن السارق غيره ولم تظهر له براءة.
قوله: [ووجود فساد باطن شاة]: مثلها سائر الأنعام، وهذا الفساد يسمى في عرف أرباب الأنعام بالغش، ويسمى الحيوان غاشاً.
تنبيه: مفهوم قوله: "ولا رد بما لا يطلع إلا بتغير": أنه لو أمكن الاطلاع عليه قبل تغيره يرد لفساده، كالبيض. لأنه قد يعلم قبل كسره. وحاصله: أنه إن رد البيض لفساده بعد كسره فلا شيء عليه في كسره - دلس البائع أم لا - إن كان لا يجوز أكله كالمنتن، وكذا إن جاز أكله كالممروق إن دلس بائعه أو لم يدلس ولم يكسره المشتري. فإن كسره فله رده وما نقصه ما لم يفت بنحو قلي وإلا فلا رد ورجع المشتري بما بين قيمته سليماً ومعيباً فيقوم على أنه صحيح غير معيب وصحيح معيب فإذا قيل: قيمته صحيحاً غير معيب عشرة وصحيحاً معيباً ثمانية، رجع بنسبة ذلك من الثمن وهو الخمس. وهذا إذا كسره بحضرة البيع فإن كان بعد أيام فلا رد له لأنه لا يدري أفسد عند البائع أو المشتري كذا في الأصل.
قوله: [قل بدار]: لا مفهوم للدار بل سائر العقارات كذلك؛ كالفرن والحمام والطاحون والخان. والفرق بين العقار وغيره أن العقار يسهل إصلاح عيبه اليسير ولأنه لا يخلو عن عيب فلو رد باليسير لضر البائع فتسوهل فيه ولأنه لا يراد للتجارة غالباً.
قوله: [إذا لم يبلغ الثلث]: أي محل الرجوع بقيمة العيب دون رد المبيع إذا كثر ولم يبلغ الثلث، وهذا قول أبي بكر بن عبد الرحمن، وقيل: ما نقص عن الربع، قيل: ما نقصها عشرة إذا كانت قيمتها مائة وقيل إنه معتبر بالعرف، وقيل ما نقص معظم القيمة.
قوله: [بأن كان بواجهتها]: أي وإن لم يخف عليها منه. فقوله: "وخيف على الدار" قيد في الثاني فقط.
قوله: [أي بمحل الآبار]: أي في خط شأن آباره الحلاوة.
قوله: [أو كونه ببابها]: أي مواجهاً له أو كان في دهليزها أو كان بقرب الحائط بحيث يحصل منه نزز أو رائحة بمنزل النوم أو الجلوس.
(نقص الثلث فأكثر) من قيمتها (فله الرد) به (كسوء جارها وكثرة بقها ونملها وكشؤمها): بأن جربت بأن كل من يسكن فيها يصاب بمصيبة (وجنها): أي يسكنها الجن فيؤذون ساكنها.
(وإن ادعى الرقيق) ذكراً أو أنثى (حرية) بعتق سابق أو بغيره أو ادعت الأمة أنها مستولدة (لم يصدق) بلا بينة، (ولا يحرم) التصرف الشرعي فيه من وطء أو استخدام أو بيع (لكنه) أي الادعاء المذكور (عيب يرد به) لبائعه (إن ادعاها) أي الحرية (قبل) دخوله في (ضمان المشتري) له، بأن كانت دعواه الحرية زمن العهدة أو المواضعة، فإن صدرت منه بعد دخوله في ضمانه فلا يرد (ثم إن باع) المشتري ذلك الرقيق (بين) للمشتري منه وجوباً أنه قد ادعى الحرية (مطلقاً) سواء ادعاها قبل دخوله في ضمانه ولم يرد، أو بعده، وكلامنا أوفى من كلامه رضي الله عنه.
(والتغرير الفعلي) من البائع كالشرط المصرح به، فيرد به المبيع لأنه غرر بخلاف القولي كقوله: اشتر مني هذا الشيء فإنه جيد فيوجد بخلافه فيجري على ما تقدم، فإن وجد به عيباً منقصاً فله الرد وإلا فلا.
(كتلطيخ ثوب عبد بمداد) أو يجعل بيده قلماً ومحبرة ليوهم المشتري أنه كاتباً [1]، وكصبغ الثوب القديم ليوهم أنه جديد، وكصقل سيف ليوهم أنه جيد فيوجد بخلافه.
(وتصرية حيوان) أي ترك حلبه ليعظم ضرعه فيظن به كثرة اللبن ولو آدمياً كأمة لرضاع. قال المازري: ولو كانت التصرية في غير الأنعام كالحمر والآدميات فللمبتاع مقال فإن زيادة لبنها يزيد في ثمنها لتغذية ولدها.
(ويرد) الحيوان (إن حلبه) المشتري (بصاع): أي مع صاع (من غالب القوت) لأهل البلد، ورد الصاع خاص بالأنعام. وظاهره اتحاد الصاع ولو تكرر حلابها حيث لا يدل على الرضا وغير الأنعام ترد بلا صاع كالأنعام إذا لم يحلبها كما يأتي (وحرم رد اللبن) الذي حلبه منها بدلاً عن الصاع ولو تراضيا على ذلك (كغيره) أي غير اللبن من طعام أو عين أو غيرهما (بدلاً عنه) أي عن الصاع، راجع لما قبل الكاف أيضاً، وذلك لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه برد المصراة أوجب عليه الشارع رد الصاع عوضاً عن اللبن، فلا يجوز رد اللبن ولا غيره عوضاً عن الصاع. وهذا التعليل يفيد حرمة رد غير الغالب مع وجود غالب وهو كذلك، فلو غلب اللبن رد منه صاعاً من غير ما حلبه من المصراة (لا إن ردها) أي المصراة
ــ
قوله: [نقص الثلث فأكثر]: أي على الراجح من الأقوال المتقدمة.
قوله: [وكثرة بقها] أي وأما أصل البق إذا لم يكن كثيراً فلا يرد به كالنمل. قال (بن): وأما قول التحفة:
والبق عيب من عيوب الدور
…
ويوجب الرد على المشهور
فقد تعقبه ولده في شرحه بأنه لا بد من قيد الكثرة وأصلحه بقوله:
وكثرة للبق عيب الدور
…
وتوجب الرد على المأثور
اهـ. قوله: [وكشؤمها]: أي لما في الحديث الشريف «الشؤم في ثلاث: الدار والدابة والمرأة» . قوله: [وجنها]: أي وإيذاء جنها فالعيب ظهور الإيذاء منهم وإلا فالمنازل لا تخلو من الجن.
قوله: [بين للمشتري منه وجوباً]: أي لأن هذا مما تكرهه النفوس.
قوله: [والتغرير الفعلي من البائع كالشرط]: أي ظهور الحال بعد التغرير الفعلي لا نفس التغرير الفعلي.
قوله: [كقوله اشتر مني] إلخ: هذا المثال فيه تسامح فإن الغرور القولي في هذا الوجه أشد من الفعلي. وإنما المناسب تمثيل الغرور القولي بما إذا لم يصاحبه عقد كما سيأتي لنا في أمثلته فتأمل.
قوله: [فيجري على ما تقدم]: أي من التفصيل بين العيب الظاهر والخفي. وكون المشتري أعمى أو بصيراً. ومن الغرور القولي أن يقول شخص لآخر: عامل فلاناً فإنه ثقة مليء وهو يعلم خلاف ذلك، فلا يضمن ذلك الشخص القائل ما عامل به الآخر على المشهور. ومحل عدم الضمان ما لم يقل: عامله وأنا ضامن، وإلا ضمن ما عامله فيه. ومن الغرور القولي: صيرفي نقد دراهم بغير أجر فلا ضمان عليه ولو أخبر بخلاف ما يعلم ومن ذلك لو أعار شخص الآخر إناء مخروقاً وهو يعلم به وقال إنه صحيح فتلف ما وضع فيه، فلا ضمان على الغار على المشهور. ومحل عدم الضمان بالغرور القولي ما لم ينضم له عقد إجارة؛ كصيرفي نقد بأجرة وأخبر أنه جيد مع علمه برداءته، وكمن أخذ أجرة على الإناء وأخبر أنه سالم مع علمه بخرقه قاله الأجهوري، كذا يؤخذ من حاشية الأصل.
قوله: [كتلطيخ ثوب عبد] إلخ: أي عند إرادته بيعه فيثبت للمشتري الرد إن فعله البائع أو أمر بفعله فإن لم يثبت أن البائع فعله ولا أمر العبد بفعله فلا رد للمشتري لاحتمال فعل العبد ذلك بغير إذن السيد لكراهة بقائه في ملكه.
قوله: [أنه كاتباً]: هكذا نسخة الأصل بالنصب والمناسب الرفع لأنه خبر أن.
قوله: [من غالب القوت]: أي ولا يتعين كونه من تمر على المذهب وقيل يتعين لوقوعه في الحديث حيث قال «إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر» وحمله المشهور على أنه كان غالب قوت أهل المدينة. ثم إن قوله: "من غالب القوت" يشعر بأن هناك غالباً وغيره. أما إن لم يكن هناك غالب بل كان هناك صنفان مستويان أو ثلاثة مستوية فإنه يخير في الإخراج من أيها شاء من الأعلى أو الأدنى أو الأوسط، قاله البساطي وهو ظاهر كلامهم، وقال الشيخ علي السنهوري: يتعين الإخراج من الأوسط.
قوله: [وحرم رد اللبن]: أي غاب عليه المشتري أم لا. وهذا إذا رد اللبن بدون الصاع وأما لو رد
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبي والمعارف، ولعل الصواب:(كاتب).
(بغير) أي بعيب غير (عيب التصرية أو) به (قبل حلبها) فلا يرد صاعاً بل يردها مجردة عنه.
(وإن حلبت) المصراة حلبة (ثالثة) في ثالث يوم أو فيما العادة الحلب فيه كالصباح والمساء (فإن) كان (حصل) للمشتري (الاختبار) لها (بالثانية، فرضاً) أي فالحلبة الثالثة بعد حصول الاختبار بالثانية تعد رضا منه؛ فليس له حينئذ ردها (وإلا) يحصل بالثانية اختبار (فله) أي فللمشتري الحلبة (الثالثة) فيحصل له بها علم حالها ولا تعد رضا منه (وحلف) المشتري (إن ادعى عليه الرضا) بالحلبة الثالثة أو بنفس المصراة بأن ادعى عليه البائع: أنك علمت أنها مصراة ورضيت بها وأنكر المشتري فيهما. فإن حلف فله الرد وإلا فلا.
(ولا رد) للمصراة (إن علم) المشتري بأنها مصراة حين الشراء، واشتراها عالماً بالتصرية وكذا إن رضي بعد علمه بعد الشراء.
(وعلى البائع) لشيء وجوباً (بيان ما علمه) من عيب سلعته قل أو كثر ولو كان البائع حاكماً أو وارثاً أو وكيلاً.
(و) عليه (تفصيله): أي العيب (أو إراءته له) أي للمشتري إن كان يرى كالعور والكي. (ولا يجمله): أي لا يجوز له إجمال العيب أي يجمل في الجنس الصادق على أفراد ولم يعين الغرر القائم به، كهو معيب، ولم يعين عين العيب أو: هو سارق أو يأبق، ولم يبين المكان الذي يأبق إليه ولا ما الذي يسرقه، أو يقول: هو مريض ولم يبين ما هو المرض ونحو ذلك، ومن الإجمال أن يذكر العيب الذي هو به وغيره مما ليس فيه بأن يقول: هو زان سارق مع أنه فيه أحد العيبين فقط؛ لأن المشتري ربما علم سلامته مما ليس فيه فيظن سلامته من الآخر (وإلا) بأن أجمل (فمدلس) ويرد المبيع بما وجده فيه. قال في المدونة: لو كثر في براءته ذكر أسماء العيوب لم يبرأ إلا من عيب يريه إياه ويوقفه عليه، وإلا فله الرد إن شاء. اهـ.
(ولا ينفعه) أي البائع (التبري مما لم يعلم) في سلعة من العيوب، فإن باع سلعة على أنها ليس بها عيب وإن ظهر بها عيب لم ترد عليه لم يعمل بهذا الشرط، وللمشتري الرد بما وجده فيها من العيب القديم، ولا تنفعه البراءة منه
ــ
اللبن مع الصاع فلا حرمة واعلم أن رد المشتري للصاع أمر تعبدي أمرنا به الشارع ولم نعقل له معنى، وذلك لأن القاعدة أن "الخراج بالضمان" و"الضمان على المشتري"، فمقتضاه أن يفوز باللبن ولا شيء عليه كما قال بعضهم. على أنه لو كان عوضا عن اللبن فيه بيع الطعام بالطعام نسيئة. هذا وقد قال بعض أهل المذهب - كأشهب: إنه لا يؤخذ بحديث المصراة لنسخه بحديث «الخراج بالضمان» لأنه أثبت منه وقال بعضهم كابن يونس لا نسخ لأن حديث المصراة أصح وإنما حديث «الخراج بالضمان» عام والخاص يقضى به على العام هذا ملخص ما في (بن).
قوله: [بغير عيب التصرية] إلخ: من هذا القبيل ما إذا ردها بخيار التروي بعد أن حلبها المرتين والثلاث فلا يرد للبن صاعاً لما فيه من بيع الطعام بالطعام نسيئة، بل إما أن يرد اللبن بعينه أو مثله إن علم قدره أو قيمته إن جهل قدره؛ لأن الملك للبائع والغلة له. فإن كان أنفق عليها المشتري حسبت الغلة من أصل النفقة كانت الغلة لبناً أو غيره وهذا الحكم قد علم مما تقدم في خيار التروي. قوله:[وإن حلبت المصراة حلبة ثالثة] إلخ: حاصله أن المشتري إذا حلب المصراة أول مرة فلم يتبين له أمرها فحلبها ثانية ليختبرها فوجد لبنها ناقصاً، فله ردها اتفاقاً. فلو حلبها في اليوم الثالث فهو رضا بها ولا رد له ولا حجة عليه في الحلبة الثانية إذ بها يختبر أمرها - كذا لمالك في المدونة. وفي الموازية عن مالك: له حلبها ثالثة ويردها بعد حلفه أنه لم يرض بها ولم يصرح في الموازية بأنه حصل له الاختبار بالحلبة الثانية. واختلف الأشياخ هل بين الكتابين خلاف أو وفاق؟ فذهب المازري واللخمي إلى أن بينهما خلافاً بحمل ما في الموازية على إطلاقه وذهب ابن يونس إلى الوفاق بحمل المدونة على ما إذا حصل الاختبار بالثانية والموازية على ما إذا لم يحصل الاختبار بالثانية واستحسن الشارح ما قاله ابن يونس فمشى عليه.
قوله: [ولو كان البائع حاكماً] إلخ: أي فالبيان واجب على كل بائع وأما قولهم إن بيع الحاكم والوارث بيع براءة فمحله إذا لم يكن عالماً بالعيب وإلا كان مدلساً.
قوله: [وعليه تفصيله]: أي وصفاً شافياً كاشفاً عن حقيقته. قوله: [أو إراءته]: الضمير المنصوب راجع للعيب والمجرور للمشتري وكان الأولى أن يقول أو إراءته إياه، لأن "أرى" البصرية تتعدى بنفسها لمفعولين بسبب همز النقل إلا أن يقال: اللام مقحمة للتقوية.
قوله: [ولم يبين المكان] أي لأنه قد يغتفر في الإباق لموضع دون موضع وقد يغتفر في السرقة شيء دون شيء.
تنبيه: إذا أجمل في قوله: " سارق "، فهل ينفعه ذلك في يسير السرقة دون المتفاحش منها أو لا ينفعه مطلقاً لأن بيانه مجملاً كلا بيان. الأول للبساطي: وهو المعول عليه. والثاني: لبعض معاصريه.
قوله: [ولا ينفعه]: أي البائع التبري أي إن كان البائع غير حاكم ووارث. وأما الحاكم والوارث فلا يشترط فيه ذلك، بل متى باع الحاكم وهو غير عالم بالعيب فبيعه بيع براءة لا ترد عليه بالعيب في الرقيق وغيره والوارث مثله. وإن كان المشتري منهما عالماً بأن البائع حاكم أو وارث وإلا فيخير إن
(إلا في الرقيق خاصة) إذا تبرأ بائعه من عيب لم يعلمه به فإنه ينفعه فلا يرد إن ظهر به عيب قديم عند البائع، بشرطين: الأول ألا يعلم البائع به كما يؤخذ من الاستثناء، فإن علم به فلا ينفعه التبري منه إلا إذا بينه تفصيلاً أو أراه إياه كما تقدم، والشرط الثاني: أشار له بقوله: (إن طالت إقامته): أي الرقيق (عنده): أي عند بائعه؛ حد بعضهم الطول بنصف سنة فأكثر بخلاف ما إذا لم تطل إقامته عند مالكه فلا ينفعه التبري مما لا يعلمه ولمشتريه الرد إن وجد به عيباً؛ لأن شأن الرقيق أن يكتم عيوبه فليس لمالكه التبري إذا لم يطل زمنه عنده بخلاف ما إذا طال؛ لأن الطول مما يظهر المخبآت فإذا لم يظهر لسيده عيب فيه كان الشأن عدمه فينفعه التبري منه.
(ولا إن زال) عطف على قوله: "إن علم" أي: ولا رد بعيب زال عند المشتري قبل الحكم برده سواء زال قبل القيام به أو بعده وقبل الحكم بالرد عند ابن القاسم، كما لو كان أعرج فزال عرجه أو كان للرقيق ولد فمات (إلا أن يحتمل عوده) أي عود العيب بعد زواله فلا يمنع الرد كبول بفرش في وقت ينكر وسلس بول وسعال مفرط واستحاضة وجنون وجذام حيث قال أهل المعرفة: يمكن عوده، فله الرد ولو وقع الشراء حال زواله.
(ولا) رد (إن أتى) المشتري (بما) أي شيء أي حصل منه شيء (يدل على الرضا) بالعيب بعد الاطلاع عليه من قول أو فعل أو سكوت طال بلا عذر.
ومثل للفعل بقوله: (كركوب) لدابة (واستعمال دابة) في حرث أو درس أو طحن أو حمل (ولبس) لثوب (وإجارة) لدابة أو غيرها (ورهن) لمعيب في دين (ولو) حصل منه شيء من ذلك (بزمن الخصام) مع البائع. ومثل ذلك الإسلام للصنعة كما هو ظاهر.
(بخلاف ما) أي فعل (لا ينقص) فإنه لا يدل على الرضا (كسكنى دار) أو حانوت (زمنه) أي الخصام لا قبله، فيدل على الرضا، ومثل السكنى: اجتناء الثمرة وحلب نحو الشاة والقراءة في المصحف والمطالعة في الكتاب فإنها لا تنقص الأصل فلا تدل على الرضا إن وقعت زمن الخصام.
والحاصل: أن الاستعمال أو الاستغلال إن حصل قبل الاطلاع على العيب فلا يمنع الرد مطلقاً، وإن حصل بعد الاطلاع وقبل زمن الخصام منع الرد مطلقاً لدلالته على الرضا، وإن حصل زمنه، فإن كان ينقص الأصل دل على الرضا وإلا فلا كسكنى الدار.
(وكسكوت طال) بعد الاطلاع على العيب أكثر من يومين (بلا عذر) من المشتري، فإنه يدل على الرضا، فإن كان لعذر كغيبة من بائع أو مشتر أو لمرض أو سجن أو خوف من ظالم فلا يدل على الرضا كما إذا لم يطل زمن السكوت.
(وحلف إن سكت في كاليوم) إن لم يرض بالعيب ورده وأدخلت الكاف يوماً آخر (لا أقل) من اليوم، فلا يمين عليه (لا كمسافر) فسكوته لا يدل على الرضا لعذره بالسفر فهذا محترز بلا عذر.
ــ
ظنه غيرهما وسيأتي ذلك.
قوله: [إلا في الرقيق خاصة]: قال المازري والباجي: لا يجوز التبري في عبد القرض؛ لأنه إذا أسلفه عبداً وتبرأ من عيوبه دخله سلف جر منفعة. وأما رد القرض فلا وجه لمنع البراءة فيه، إلا إذا وقع الرد قبل الأجل لتهمة:"ضع وتعجل"، وتقدم منع التصديق في معجل قبل أجل اهـ (بن).
قوله: [ألا يعلم البائع به]: قال ابن عرفة: ولا يرد في بيع البراءة بما ظهر من عيب قديم إلا ببينة أن البائع كان عالماً به، فإن لم يكن له بينة حلف البائع ما كان عالماً به. وإن لم يدع المبتاع علمه وفي حلفه على البت في الظاهر وعلى نفي العلم في الخفي أو على نفي العلم مطلقاً قولا ابن العطار وابن الفخار.
وحكى ابن رشد الاتفاق على الثاني كذا في (بن).
قوله: [أو بعده وقبل الحكم]: أي بأن زال في زمن الخصام (قوله أو كان للرقيق ولد) ومثل ذلك ما لو كان بعينه نقطة فزالت.
تنبيه: في زوال العيب بموت الزوجة المدخول بها أو طلاقها أو فسخ نكاحها - وهو المتأول والأحسن على المدونة - أو يزول بالموت فقط دون الطلاق، وهو الأظهر؟ لأن الموت قاطع للعلقة، أو لا يزول بموت ولا طلاق؟ لأن من اعتاد التزويج لا صبر له على تركه غالباً، وهو قول مالك. وقال البساطي: ولا ينبغي أن يعدل عنه أقوال محلها في التزويج بإذن السيد من غير أن يتسلط على سيده بطلبه. وأما لو حصل بغير إذن سيده أو يتسلط على السيد فعيب مطلقاً في موت أو طلاق. اهـ. من الأصل وهذه الأقوال بعينها في الأمة.
قوله: [من قول]: أي كرضيت.
قوله: [ومثل للفعل]: أي المنقص بدليل ما يأتي وفي حكم المنقص التصرف القوي الذي لا يفعله الشخص إلا في الملك عادة بدليل، تمثيله بالرهن والإجارة لغير الدابة. كالحلي والدار والإسلام للصنعة. قوله:[كركوب لدابة]: أو استخدام عبد ونحو ذلك من كل ما ينقص المبيع أو قوي فيه التصرف.
قوله: [ومثل السكنى اجتناء الثمرة]: إلخ محل كون اجتناء الثمرة غير منقص إن لم تكن مؤبرة وقت شراء النخيل، وإلا كان اجتناؤها منقصاً قطعاً لأنها جزء المبيع. قوله:[وحلف إن سكت في كاليوم]: حاصله أنه إذا اطلع على العيب وسكت ثم طلب الرد، فإن كان سكوته لعذر سفر أو غيره رد مطلقاً، طال أو لا بلا يمين. وإن كان سكوته بلا عذر فإن رد بعد يوم أو نحوه أجيب لذلك مع اليمين أنه لم يرض. وإن طلب الرد قبل مضي
(وله الركوب) والحمل على الدابة، لو لم يضطر له على المعتمد، وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك. وتقييده بالاضطرار ضعيف؛ لأن السفر مظنة الاضطرار ولا شيء عليه في ركوبها بعد علمه، ثم إن رجعت بحالها فله الرد ولا شيء عليه، وإن عجفت فله الرد وغرم قيمة ما نقصها وإمساكها وأخذ أرش العيب القديم.
(كحاضر تعذر عليه قودها): فله ركوبها من المكان الذي رأى به العيب إلى بيته، أو كان من ذوي الهيئات الذين لا يليق بهم المشي ولم يجد غيرها (أو) ركبها (للرد) أي لردها لبائعها ولم يتعذر قودها أو ولو لم يكن من ذوي الهيئات وإلا دل على الرضا كما تقدم.
(ولا) رد (إن فات) المبيع (حساً، كهلاك أو ضياع أو) فات (حكماً، ككتابة وتدبير) وأولى عتق ولو لأجل (وحبس وصدقة) وهبة قبل اطلاعه على العيب.
(و) إذا لم يكن له الرد في الفوات الحسي أو الحكمي (تعين) للمشتري على البائع (الأرش) أي أرش العيب الذي اطلع عليه بعد الفوات فيما إذا خرج من يده بلا عوض وذلك في غير البيع (فيقوم) المبيع المعيب ولو مثلياً (سالماً) من عيبه بعشرة مثلاً (ومعيباً) بثمانية مثلاً، (ويؤخذ) للمشتري (من الثمن) الذي وقع به البيع (النسبة) أي نسبة نقص ما بين القيمتين، فنسبة الثمانية للعشرة في المذكور أربعة أخماس فقد نقصت قيمته معيباً الخمس فيرجع المشتري على البائع بخمس الثمن، فإذا كان الثمن مائة رجع عليه بعشرين، وأما لو خرج من يده بعوض كما لو باعه لأجنبي فلا يرجع إلا بالأرش وكذا إذا باعه لبائعه، وسيأتي بيان ذلك.
وأما إذا لم يخرج من يده بالمرة فأشار له بقوله: (بخلاف) ما لو تعلق بالمعيب حق لغير مشتريه ولم يخرج من يده نحو (إجارة وإعارة ورهن) واستخدام رقيق مدة معلومة قبل اطلاعه على العيب وإلا كان رضا منه كما تقدم (فيوقف لخلاصه) من الإيجارة أو ما بعدها ويرد لبائعه بعد خلاصه (إن لم يتغير) أي لم يحصل له تغير في تلك المدة، فإن حصل له تغير جرى على أقسام التغير الآتي بيانها من القليل، والمتوسط المفيت للمقصود، ومحل إيقافه لخلاصه إن تعذر خلاصه، وأما لو تيسر الخلاص فلا إيقاف وإلا كان رضاً.
وعبارة التوضيح: فإن تعذر رد عين المبيع مع بقاء الملك فيه لتعلق حق الغير به، كما لو آجرها أو رهنها ثم اطلع فيها على عيب وهي بيد المستأجر أو المرتهن فقال ابن القاسم في المدونة: يبقى الأمر في العيب موقوفاً حتى يفكها من الإجارة والرهن. اهـ. ثم شبه في الرد إن لم يتغير قوله:
(كعوده له): أي كما لو عاد المعيب لمشتريه بعد أن خرج من ملكه غير عالم بعيبه ببيع أو غيره (بعيب): أي بسبب عيب كان هو القديم أو حدث عند المشتري قبل بيعه (أو فلس) لمشتريه الثاني (أو فساد) لبيع (أو) عاد له
ــ
يوم أجيب لذلك من غير يمين. وإن طلب بعد أكثر من يومين فلا يجاب ولو مع يمين.
قوله: [وله الركوب والحمل على الدابة]: مثل الدابة العبد والأمة في أن استعمال كل في السفر لا يعد رضا بخلاف الحضر، فإن استعمال ما ذكر فيه يعد رضا كان في زمن الخصام أو قبله كما مر. وأما لبس الثوب ووطء الأمة فإنه يدل على الرضا اتفاقاً، كان في الحضر أو السفر.
قوله: [وتقييده بالاضطرار ضعيف]: أي وهو لابن نافع قال: إن المشتري إذا اطلع على العيب وهو مسافر لا يركب الدابة ولا يحمل عليها إلا إذا اضطر لذلك فليشهد على ذلك ويركبها أو يحمل إلى الموضع الذي لا يجوز له أن يركبها فيه فإن ركبها من غير اضطرار عد رضا منه والمراد بالإضرار مطلق الحاجة كانت شديدة أم لا.
تنبيه: إذا اطلع المشتري على العيب ووجد البائع غائباً أشهد عدلين استحباباً على عدم الرضا. ثم رد عليه بعد حضوره إن قربت غيبته أو على وكيله الحاضر، فإن عجز عن الرد لبعد غيبته وعدم الوكيل - وعدم علم محله كبعد غيبته - أعلم القاضي بعجزه فتلوم له القاضي إن رجا قدومه - كأن لم يعلم موضعه - ثم بعد مضي زمن التلوم قضى عليه بالرد إن أثبت المشتري أنه لم يشتر على البراءة من العيب. وهذا الشرط مخصوص بالرقيق وصحة الشراء إن لم يحلف عليهما. ولا بد من ثبوت التاريخ بالبينة كملك البائع له لوقت بيعه، ولا يكفي الحلف على هذين. ولا بد من حلفه على عدم الرضا بالعيب. ولا تكفي فيه البينة إذ لا يعلم إلا من جهته كذا في الأصل؛ فهذه خمسة شروط قد علمتها.
قوله: [تعذر عليه قودها] بسكون الواو لأنه مصدر الفعل الثلاثي المتعدي وهو: قاد بمعنى ساق أو سحب وأما بتحريك الواو فهو القصاص.
قوله: [ولا رد إن فات]: أي عند المشتري قبل اطلاعه على العيب.
قوله: [كهلاك]: أي وسواء كان الهلاك باختيار المشتري كقتله للعبد المبيع عمداً أو بغير اختياره، كقتله خطأ أو قتل الغير له أو موته حتف أنفه. قوله [ككتابة]: أي فلو أخذ المشتري أرش العيب ثم عجز المكاتب فلا رد للمشتري، وإن لم يكن أخذ له أرشاً ثم عجز كان له رده - كذا في الحاشية.
قوله: [وذلك في غير البيع]: المراد بالبيع خروجه بعوض بيعاً أو هبة ثواب أو أتلفه إنسان ولزمته القيمة قبل الاطلاع على العيب.
قوله: [بخمس الثمن]: أي فالقيمة ميزان يعرف بها نسبة النقص في الثمن.
قوله: [ويرد لبائعه بعد خلاصه]: ظاهره ولو لم يشهد حين الاطلاع على العيب أنه ما رضي به، وهو كذلك.
قوله: [أو حدث عند المشتري]: أي والموضوع أن به العيب القديم. قوله: [أو فساد لبيع]: أي للبيع الثاني.
(بملك مستأنف؛ كبيع) بأن اشتراه المشتري الأول ممن باعه له (أو هبة أو إرث) فله الرد في الجميع إن لم يتغير. فإن تغير فله حكمه الآتي.
ولما قدم أن الفوات بالخروج من اليد يمنع الرد ويتعين الرجوع بالأرش إن قام المشتري به وكان ذلك فيما خرج من يد مشتريه بلا عوض، شرع في بيان ما لو خرج من يده بعوض فقال:(ولو باعه) مشتريه (لبائعه بمثل الثمن) الأول بأن اشتراه بعشرة وباعه لبائعه بعشرة، وسواء دلس البائع الأول بأن كتم العيب أم لا (أو بأكثر) من الثمن الأول (وقد دلس) الواو للحال: أي والحال أن بائعه الأول قد دلس بكتم العيب؛ كما لو باعه له باثني عشر (فلا رجوع) لأحد منهما على صاحبه بأن المبيع رد لربه. ففيما إذا تساوى الثمنان فالأمر واضح، وفيما إذا اشتراه بائعه بأكثر فهو مدلس فلا رجوع بالزائد، وليس للمشتري منه أرش لأخذ العوض منه أكثر مما خرج من يده.
(وإلا) بأن لم يكن البائع الأول مدلساً (رد) أي كان له رده على المشتري الأول بذلك العيب ويأخذ منه الاثني عشر (ثم رد عليه): أي على البائع الأول فيأخذ منه العشرة، فتقع المقاصة في عشرة يبقى للبائع الأول درهمان على المشتري منه.
(و) لو باعه لبائعه (بأقل) كما لو باعه بثمانية (كمل) البائع الأول لمشتريه منه بقية الثمن، فيدفع له درهمين دلس أم لا. وأما لو باعه لأجنبي أي لغير بائعه فلا رجوع على البائع مطلقاً بمثل الثمن أو أقل أو أكثر، لأنه إن باعه بعد اطلاعه على العيب فهو رضا منه به، وإن باعه قبل اطلاعه عليه بمثل الثمن أو أكثر فواضح، وإن باعه بأقل فلحوالة الأسواق لا للعيب قاله ابن القاسم، وقال ابن المواز: إلا أن يكون النقص في الثمن من أجل العيب، مثل أن يبيعه بالعيب ظاناً أنه حدث عنده، أو باعه وكيله ظاناً ذلك، فيرجع على بائعه بما نقصه من الثمن أو قيمته. قال ابن رشد وابن يونس وعياض: قول ابن المواز تفسير لابن القاسم.
ــ
قوله: [بملك مستأنف]: أي كما لو اشترى سلعة من إنسان ثم باعها لآخر قبل اطلاعه على العيب القديم ثم إنها عادت للمشتري بملك مستأنف، فله ردها على البائع الأول بالعيب القديم. وظاهره: ولو كان ذلك المشتري الأول اشتراه ممن اشترى منه عالماً بالعيب، وهو كذلك، لأن من جهته أن يقول: اشتريته لأرده على بائعه. وظاهره: ولو اشتراه بعد تعدد الشراء، وهو قول ابن القاسم. وقال أشهب: له أن يرد على من اشترى منه وله أن يرد على بائعه الأول كما قال ابن القاسم، فإن رد على بائعه الأول أخذ منه الثمن الأول. وإن رد على بائعه الأخير أخذ منه الثمن ويخير ذلك البائع. إما أن يتماسك أو يرد على بائعه وهكذا بائعه إلى أن يحصل تماسك أو رد على البائع الأول.
قوله: [أو هبة أو إرث]: أشار بهذا إلى أنه لا فرق بين أن يعود له بمعاوضة أو غيرها وبين ما عاد له اختياراً أو جبراً.
قوله: [ولو باعه مشتريه لبائعه]: حاصله أن صور بيعه للبائع اثنتا عشرة؛ لأنه: إما أن يبيعه بمثل الثمن الأول أو بأقل أو بأكثر، وفي كل: إما أن يكون مدلساً أم لا، وفي كل: إما أن يبيعه قبل الاطلاع على العيب أم لا؛ أفاد المصنف أحكام صور ست وهي التي قبل الاطلاع. وأما لو باعه بعد الاطلاع ففيها ست صور أيضاً لم يفدها المصنف. وحاصلها: أنه إذا باعه له بعد الاطلاع على العيب فالبيع لازم لبائعه بمثل الثمن الأول أو أقل أو أكثر وللمشتري الثاني رده عليه بالعيب، لأنه لما اطلع المشتري الأول عليه قبل البيع فكأنه حدث عنده وسواء دلس في بيعه الأول أم لا.
قوله: [فتقع المقاصة] إلخ: لا تعقل. مقاصة بعد هذا التصوير؛ لأنه إذا كان البائع يرجع فيأخذ الثمن الذي هو اثنا عشر ثم إذا أراد المشتري الرد يرد له ويأخذ منه عشرة فأين تعقل المقاصة أو رجوع بأزيد.
قوله: [دلس أم لا]: قال ابن عبد السلام في تكميله له: إذا لم يكن مدلساً نظر لإمكان أن يكون النقص من حوالة سوق كما هو حجة ابن القاسم فيما إذا باعه لأجنبي بأقل.
قوله: [وأما لو باعه لأجنبي]: الفرق بين البيع لأجنبي وللبائع كما قال أبو علي المسناوي أنه لا ضرر على البائع إذا كان البيع له لرجوع سلعته إليه فيرد لذلك كله، بخلاف ما لو باع المشتري لأجنبي فإنه لو رجع المشتري على بائعه بكمالة الثمن لتضرر. ومن حجته أن يقول: النقص إنما هو لحوالة السوق لا للعيب، فلذا لا يكمل له كذا في (بن).
قوله: [وقال ابن المواز] إلخ: حاصل المسألة أن المشتري إذا باع ما اشتراه لأجنبي والحال أنه معيب بعيب قديم فلا رجوع له على بائعه بأرش العيب سواء باعه بمثل الثمن الذي اشتراه به أو أقل أو أكثر وسواء باعه بعد الاطلاع على العيب أو قبله. وهذا التعميم قول ابن القاسم. وقال ابن المواز: إن باعه بمثل ما اشتراه به أو بأكثر فلا رجوع له، وإن باعه بأقل فإن كانت تلك القلة بحوالة الأسواق فكذلك، وإن علم أنها من أجل العيب - كأن يبيعه هو أو وكيله ظاناً أن العيب حدث عنده - فإنه يرجع على بائعه بالأقل مما نقصه من الثمن أو قيمته: وجعل ابن رشد وابن يونس وعياض، قول ابن المواز تفسيراً لقول ابن القاسم
(ولا) رد (على حاكم و) لا على (وارث بين) بضم الباء الموحدة وكسر التحتية المشددة بالبناء للمجهول: أي ظهر للمشتري حال الشراء أن بائعه حاكم أو وارث، كان البيان منهما أو من غيرهما. ومفهومه أنه إذا لم يعلم بذلك لكان له الرد. وقوله:(رقيقاً فقط) معمول لرد المقدر بعد لا النافية (بيع لكدين) على الميت أو الغائب أو المفلس. ومثل الدين: نفقة الزوجة أو الأطفال، فقوله:"بين" راجع لهما، فهو من الحذف من الأول لدلالة الثاني على ما هو الراجح. وقيل: البيان شرط في الوارث فقط ومثلهما الوصي. وشرط كون بيع من ذكر مانعاً من رد الرقيق: إذا لم يعلم بالعيب ويكتمه. كما أشار له بقوله:
(ولم يعلما بالعيب): وإلا كان للمشتري الرد به كما إذا لم يعلم بأن البائع حاكم أو وارث. وقال ابن المواز: قال مالك: بيع الميراث وبيع السلطان بيع براءة إلا أن يكون المشتري لم يعلم أنه بيع ميراث أو سلطان فهو مخير بين أن يرد أو يحبس. وفي المدونة: وبيع السلطان للرقيق في الديون والمغنم وغيره بيع براءة اهـ. فعلم من هذا أن المراد بالبيان العلم ولو من غيرهما كأنه قيل: علم كل منهما، وأن المشتري إذا لم يعلم كان له الرد، وقول الشيخ:"وخير مشتر ظنه غيرهما" الأولى أن يقول: جهلهما ليشمل ما إذا لم يظن شيئاً فمدار التخيير على نفي العلم. ومفهوم: رقيقاً فقط، أنهما لو باعا غيره من حيوان أو عروض لم يكن بيعهما بيع براءة؛ فللمشتري الرد ولو بين أي علم أنه حاكم أو وارث على ظاهر كلام المدونة المتقدم الذي مشى عليه الشيخ. وظاهر كلام ابن المواز الإطلاق، ثم إن جميع ما تقدم من أن لواجد العيب الرد به بالشروط المتقدم ذكرها محله ما لم يحدث عن المشتري عيب آخر في المبيع، فإن حدث به عيب فلا يخلو إما أن يكون متوسطاً أو يسيراً أو كثيراً، ولكل حكم أشار لذلك بقوله:(وإن حدث بالمبيع) المعيب عند المشتري (عيب متوسط) بين المخرج عن المقصود والقليل ومثله بقوله: (كعجف) كحدوث عجف لحيوان وهو شدة الهزال (و) حدوث (عمى وعور وعرج وشلل) بيد أو رجل (وتزويج رقيق) ذكراً أو أنثى قبل اطلاعه على العيب القديم (وافتضاض بكر) ولو وخشاً والواو بمعنى: أو في الجميع، (فله) أي للمشتري الواجد لعيب قديم بعد حدوث شيء مما ذكر (التمسك) بالمبيع (وأخذ) أرش العيب (القديم و) له (الرد) أي رده على البائع (ودفع) أرش العيب (الحادث): فالخيار له لا للبائع، وطريق ذلك التقويم ثلاث مرات:(يقوم) أولاً (صحيحاً) بعشرة مثلاً (ثم) يقوم (بكل) من العيبين بقطع النظر عن الآخر، فيقوم ثانياً بالعيب القديم بقطع النظر عن الحادث بثمانية مثلاً، فقد نقص الخمس ثم يقوم ثالثاً بالحادث بقطع النظر عن القديم بثمانية مثلاً فقد نقص الخمس أيضاً، ثم يقال للمشتري: إما أن تتماسك بالمبيع وترجع على البائع
ــ
فليفهم.
قوله: [بين]: إنما بناه للمجهول لأجل التعميم. الذي قاله بعد. قوله: [معمول لرد المقدر]: فيه ركة لا تخفى فالمناسب أن يقدر الواقع بعد "لا" فعلاً مضارعاً مبنياً للفاعل ويذكر فاعله وهو المشتري ويجعل رقيقاً معمولاً له، فيصير السياق هكذا: ولا يرد مشتر على حاكم ولا على وارث بين رقيقاً فقط.
قوله: [ومثل الدين نفقة الزوجة] إلخ: خلافاً للباجي حيث قال: لا يكون بيع الوارث مانعاً من الرد إلا إذا كان لقضاء دين فقط.
قوله: [وقيل البيان شرط في الوارث فقط]: هذا ضعيف، ويستثنى من بيع الحاكم ما إذا باع عبداً مسلماً على مالكه الكافر فليس بيع براءة كما قدمه المصنف بقوله:"وجاز رده عليه بعيب". وتقدم التنبيه عليه.
قوله: [وإلا كان للمشتري الرد به]: أي لأن الحاكم أو الوارث حينئذ كل مدلس.
قوله: [قال ابن المواز] إلخ: كلام ابن المواز هو مأخذ تعميم البيان فيما تقدم.
وقوله: [وفي المدونة] إلخ: هو مستند القول بأن البيان شرط في الوارث فقط. قوله: [فهو مخير بين أن يرد أو يحبس]: أي وإن كان مطلعاً على بعض العيوب وراضياً بها. قوله: [فعلم من هذا] اسم الإشارة عائد على كلام ابن المواز لأن التعميم لا يفهم إلا منه كما تقدم.
قوله: [وظاهر كلام ابن المواز الإطلاق]: أي شمول الرقيق وغيره فيكون على إطلاقه: بيع الحاكم والوارث بيع براءة ولو في غير الرقيق، ولكن هذا الإطلاق خلاف الراجح فتحصل أن عموم كلام ابن المواز من حيث البيان مسلم ومن حيث شموله لغير الرقيق غير مسلم.
قوله: [لحيوان]: أي عاقل أو غيره. قوله: [وافتضاض بكر]: بالقاف والفاء، وما مشى عليه المصنف من أنه من المتوسط هو المعتمد خلافاً لما مشى. عليه خليل في عده من المفوت. والحاصل أن فيه أقوالاً ثلاثة: الأول: أنه من المفوت كان البائع مدلساً أم لا وهذا لابن رشد. والثاني: أنه من المتوسط كان البائع مدلساً أم لا علية أو وخشاً وهو لمالك.
والثالث: إن كان البائع غير مدلس فهو متوسط كما قال مالك. وإن كان مدلساً فإما أن يرد ولا شيء عليه أو يتمسك ويأخذ أرش القديم وهو لابن الكاتب، وهذا هو الأوجه.
قوله: [وطريق ذلك التقويم ثلاث مرات]: ما ذكره من أن التقويم إذا أراد الرد ثلاث مرات، وهو ما قاله عياض، وهو الصواب. خلافاً لقول الباجي: إنه إذا أراد الرد إنما يقوم تقويمين: أحدهما بالعيب القديم والآخر بالحادث عند المشتري. وأشعر قول المصنف
بخمس الثمن أو ترده وتترك له خمس الثمن وعلى هذا القياس.
ومحل تخييره: (إلا أن يقبله البائع بالحادث) عند المشتري فإن قبله (فكالعدم) أي فيصير البائع كالعدم فيقال للمشتري: إما أن ترده بالقديم ولا شيء عليك أو تتماسك به ولا شيء لك في نظير القديم. ومثل ذلك: إذا دلس البائع كما يأتي في قوله: إلا أن يهلك بعيب التدليس (كالقليل): أي كحدوث العيب القليل الذي لا يؤثر نقصاً في الثمن فإنه كالعدم فلا خيار للمشتري في التماسك وأخذ أرش القديم أو يرد ويدفع أرش الحادث بل إما أن يرد ولا شيء عليه، أو يتماسك ولا شيء له ومثل للقليل بقوله:
(كوعك) بسكون المهملة وقد تفتح: الألم الخفيف (ورمد) وجع العين (وصداع) وجع الرأس (وقطع ظفر): أي زواله بيد أو رجل ولو من رائعة. (وخفيف حمى، ووطء ثيب وقطع شقة) قطعاً معتاداً (كنصفين) من وسطها وكذا أكثر حيث لا ينقص الثمن دلس البائع أو لا (أو) فصلها المشتري (كقميص، إن دلس) البائع بكتم العيب حين البيع. فإن لم يدلس فمن المتوسط.
(و) العيب (المخرج عن المقصود) من ذلك المبيع الذي ظهر به عيب قديم عند بائعه (مفيت) بالعيب القديم وإذا كان مفيتاً (فالأرش) متعين للمشتري على البائع عند التنازع وعدم الرضا.
وذلك المخرج عن المقصود: (كتقطيع) لشقة (غير معتاد) كجعلها قلاعاً لمركب أو عرقيات (وكبر صغير) عند المشتري عاقل أو غيره (وهرم) أضعف القوى بعد الشبوبة.
واستثنى من قوله: "فالأرش" قوله: (إلا أن يهلك) المبيع عند المشتري (بعيب التدليس) من بائعه، كما لو دلس بحرابته أو صولته أو سرقته فحارب أو صال فقتل أو سرق فقطع فمات أو لوجع قلبه فمات منه (أو) يهلك (بسماوي زمنه) أي في زمن عيب التدليس؛ (كموته في) زمن (إباقه) الذي دلس به
ــ
فله التماسك إلخ أن التخيير على الوجه المذكور قبل التقويم، وهو ظاهر المدونة كما في (عب)، وفي المتيطي نقلاً عن بعض
القرويين: أن الخيار بعد التقويم والمعرفة بالعيب القديم وما نقصه العيب الحادث. وقبل ذلك لا يجوز لأن المبتاع يدخل في أمر مجهول لا يعلم مقداره. اهـ. ولعل ثمرة الخلاف تظهر فيما إذا التزم شيئاً قبل التقويم هل يلزمه أم لا.
قوله: [بخمس الثمن]: أي سواء كان قليلاً أو كثيراً فإذا كان الثمن عشرين وأراد الرد، دفع أربعة أرش الحادث؛ لأن الحادث قد نقص خمس القيمة، فيرد أربعة خمس الثمن، فالقيمة ميزان للرجوع في الثمن، وإن تماسك أخذ أربعة أرش العيب القديم.
قوله: [إلا أن يقبله البائع]: أي من غير أرش. قوله: [كما يأتي]: أي تفصيل ذلك. قوله: [بل إما أن يرد ولا شيء عليه]: وجه ذلك أن يقال: إنما كان له التماسك وأخذ القديم لخسارته بغرم أرش الحادث إذا رد فحيث سقط عنه حكم العيب الحادث انتفت العلة، وإنما اعتبر العيب القليل إذا كان قديماً فيثبت للمشتري به الرد بخلاف القليل إذا كان حادثاً فإنه غير معتبر لأن البائع يتوقع تدليسه، فلذلك رد عليه بالقديم مطلقاً ولو قليلاً في غير العقار بخلاف المشتري فلا يلزمه أرش في القليل، وهذا استحسان والقياس التسوية بإلغاء القليل فيهما أو اعتباره فيهما.
قوله: [ولو من رائعة]: قال في الأصل والظاهر أن ما زاد على الواحد متوسط في الرائعة فقط. اهـ. وهذا بخلاف الأصبع فإنه من المتوسط مطلقاً، وذهاب الأنملة من المتوسط في الرائعة لا في الوخش. والظاهر: أن ما زاد على الأنملة متوسط في الرائعة والوخش.
قوله: [أو فصلها المشتري كقميص] وأما لو فصلها قلوعاً سواء كانت الشقة من حرير أو كتان أو صوف فمفوت مطلقاً لأنه غير معتاد كما يأتي.
قوله: [والعيب المخرج عن المقصود]: أي عن الغرض المقصود أي التغير المفوت المنافع المقصودة من المبيع.
قوله: [فالأرش متعين]: أي فيقوم سالماً ومعيباً بالقديم ويأخذ المشتري من الثمن النسبة. وظاهره: تعين الأرش ولو حدث عند المشتري جابر لما حدث عنده، وما يأتي من أن الحادث يجبر بنحو الصبغ والطرز إن كان متوسطاً كما قال الأجهوري. وقال الشيخ سالم: القياس الإطلاق.
قوله: [عاقل أو غيره]: أما الصغير العاقل فلأنه يراد منه الدخول على النساء فإذا كبر أي بلغ فقد زال المقصود منه. وأما غير العاقل فصغيره يراد للحمه وبكبره يزول ذلك الأمر المقصود منه.
قوله: [أضعف القوى]: أي السمع والبصر وما في معناهما. قوله: [واستثنى من قوله فالأرش]: أي وهذه إحدى المسائل الست التي يفرق فيها بين المدلس وغيره، وثانيها: من باع ثوباً وصبغه المشتري صبغاً لا يصبغ به مثله فنقص بسبب ذلك فإن كان البائع مدلساً رده ولا أرش عليه للنقص، وإن تماسك أخذ أرش القديم وإن كان غير مدلس، فإن رد دفع أرش الحادث وإن تماسك أخذ أرش القديم، وثالثها: لو باع السلعة مشتريها لبائعها الأول بأكثر مما اشتراها به قبل اطلاعه على العيب القديم، فإن كان البائع مدلساً فلا رجوع له بشيء وإن كان غير مدلس رده ثم رد عليه كما سبق. ورابعها: من باع رقيقاً وتبرأ من عيب لا يعلمه في زعمه، فإن كان كاذباً فمدلس، وإلا فلا. فالمدلس لا تنفعه البراءة وغيره تنفعه كما تقدم أيضاً. وخامسها: لو أخذ السمسار جعلاً من البائع على بيع سلعته فباعها وردت عليه بعيب قديم بحكم حاكم فإن كان البائع مدلساً فلا يرد السمسار الجعل بل يفوز به وإن كان غير مدلس رده.
(فالثمن) يرجع به المشتري على بائعه المدلس لا إن لم يدلس أو دلس ومات بسماوي لا في زمنه بل عند المشتري فالأرش كما تقدم.
(والقول للمشتري): إذا تنازع مع البائع فقال له البائع: أنت رأيت العيب حال البيع، أو: أنت رضيت به حين اطلعت عليه وأنكر المشتري ذلك فالقول له (أنه ما رآه ولا رضي به، ولا يمين) عليه أي القول له به بلا يمين (إلا أن يحقق) البائع (عليه) أي على المشتري (الدعوى) بأن يقول له: أنا أريتك العيب أو أعلمتك به، أو: فلان أعلمك به وأنا حاضر، أو قال له: أنت قد أخبرتني بأنك رضيت به بعد اطلاعك عليه أو أخبرني عدل بأنك رضيت به، فالقول له بيمين. فإن حلف رد المبيع على البائع، وإلا ردت اليمين على البائع، فإن حلف فلا كلام للمشتري. وهذا إذا لم يسم البائع من أخبره أو سماه وتعذر إشهاده لموت ونحوه، وإلا فله أن يقيمه شاهداً ويحلف معه، ولزم البيع ولا يفيد المشتري دعوى عدم الرضا. والحاصل: أن القول للمشتري بلا يمين أو بيمين إذا لم يقم البائع بينة على دعواه أو شاهداً ويحلف معه.
(أو أقر) المشتري (بأنه قلب): أي فتش المبيع حال البيع ولكنه ما رأى العيب فلا يقبل قوله إلا بيمين.
(و) القول (للبائع) إذا باع عبداً فأبق عند المشتري بالقرب فادعى المشتري أنه عيب قديم عند البائع وأنكر البائع أن يكون قديماً وادعى (أنه ما أبق عنده) أصلاً ولا يمين على البائع إلا أن يحقق عليه المشتري الدعوى فعليه اليمين وهذا معنى قوله (كذلك) أي القول للبائع كالذي تقدم في المشتري من يمين وعدمه (لإباقه) اللام للعلة أو بمعنى عند أي عند إباقه عند المشتري (بالقرب) من البيع وأولى عند البعد (إذ القول له في العيب): علة لكون القول للبائع أي وإنما كان القول له لأنه لم يأبق عنده بلا يمين؛ لأن القاعدة: أن القول للبائع عند التنازع في عدم وجود العيب الخفي عنده كالسرقة والزنا والإباق (وفي) عدم (قدمه) عند التنازع فيه (إلا أن تشهد العادة للمشتري) بقدمه قطعاً أو رجحاناً فالقول له.
ــ
ومفهوم قولنا: بحكم حاكم أنه لو قبلها البائع من نفسه فلا يلزم السمسار رد الجعل. وسادسها: من اشترى سلعة ونقلها لموضع ثم ظهر له بها عيب وردها فأجرة النقل ذهاباً وإياباً على البائع إن كان مدلساً، وإلا فالنقل مفوت يرجع عليه بالأرش. اهـ من الأصل بتصرف.
قوله: [فالثمن يرجع به المشتري]: أي وسواء حدث عند المشتري عيب قبل هلاكه أم لا.
تنبيه: لو باعه المشتري قبل اطلاعه على العيب وهلك عند المشتري الثاني بعيب التدليس رجع المشتري الثاني على البائع الأول إن لم يكن رجوعه على بائعه هو لعدمه أو غيبته، فيأخذ من البائع المدلس جميع الثمن. فإن ساوى ما خرج من يده فواضح، وإن زاد الثمن الأول عما خرج من يده فالزيادة للبائع الثاني هو المشتري الأول. وإن نقص المأخوذ من المدلس عما خرج من يده فهل البائع الثاني يكمله المشتري منه فيتبع به ذمته متى حضر أولا يكمله لأنه لما رضي باتباع الأول بطل رجوعه على الثاني؛ قولان. ومفهوم قولنا إن لم يمكن رجوعه على بائعه: أنه إن أمكن فلا رجوع له على المدلس وإنما يرجع على بائعه بالأرش لأنه غير مدلس ثم هو يرجع على بائعه المدلس بالأقل من الأرش أو ما يكمل الثمن الأول كذا في الأصل.
قوله: [ولا يمين عليه]: أي ويرد المبيع لبائعه.
قوله: [فالقول له بيمين]: جواب الشرط وما بينهما تصوير لتحقيق الدعوى.
قوله: [وإلا ردت اليمين على البائع]: أي لأنها دعوى تحقيق.
قوله: [أو سماه وتعذر إشهاده]: حاصله أن المخبر إذا سماه البائع يسئل؛ فإن صدق البائع على أنه أخبره، وكان أهلاً للشهادة، وقام بها البائع، حلف البائع معه وسقط الرد عليه. وإن كان مسخوطاً أو لم يقم البائع بشهادته حلف المشتري أنه ما رضي ورد. وإنما وجبت عليه اليمين - وإن كان المخبر مسخوطاً - لأن تصديقه مما يرجح دعوى البائع في الجملة. فإن كذب المخبر البائع فالظاهر أنه لا يمين على المشتري أنه ما رضي بالعيب سواء كان المخبر عدلاً أو مسخوطاً كما قاله المسناوي، خلافاً لما ذكره (عب) من اليمين. اهـ. (بن).
قوله: [والحاصل أن القول للمشتري] إلخ: أي فالقول للمشتري بلا يمين إن تجردت دعوى البائع عن مرجح وبيمين إن اقترنت بمرجح ولم يكن ذلك المرجح شهادة عدل ويقوم البائع بها، وإلا كان القول للبائع بيمين معه.
قوله: [فلا يقبل قوله إلا بيمين]: فإن نكل لزمه المبيع ولا ترد اليمين على البائع لأنها تهمة. قوله: [إلا أن يحقق عليه المشتري الدعوى]: هذا قول اللخمي. وصححه في الشامل خلافاً لظاهر المدونة: من أن المشتري ليس له تحليف البائع سواء اتهمه بأنه أبق عنده أو حقق عليه الدعوى بأن قال: أخبرني مخبر بإباقه عندك، وهو ظاهر ما لأبي الحسن ولكن المعتمد ما قاله اللخمي الذي مشى عليه الشارح.
قوله: [كالسرقة والزنا] إلخ: أي فلا مفهوم لمسألة الإباق بل هو فرض مثال.
فالاستثناء راجع للقدم فقط.
(وحلف من لم يقطع بصدقه) من بائع أو مشتر، فإن ظن قدمه فللمشتري بيمين وإن شك أو ظن حدوثه فللبائع بيمين، ومفهومه أنه إن قطع بقدمه فالقول للمشتري بلا يمين أو بحدوثه فللبائع بلا يمين.
والكلام في العيوب التي شأنها الخفاء، وأما الظاهرة كالعمى والعرج فلا قيام بها ولا يرجع فيها للعادة ولا غيرها.
ثم شرع في بيان ما لو وجد العيب القديم ببعض المبيع وما فيه من التفصيل بقوله: (وإن ابتاع مقوماً) وسيأتي حكم المثلي (معيباً) لا موصوفاً -وسيأتي حكمه- (متعدداً) - كثوبين أو عبدين فأكثر بأعيانها قائمة - (في صفقة) واحدة كما لو اشترى عشرة أثواب بأعيانها (فظهر) له (عيب ببعضه): أي المبتاع المقوم (فله): أي للمبتاع (رده): أي رد البعض المعيب (بحصته من الثمن) ولزمه التمسك بالباقي، وله التمسك بالجميع بجميع الثمن؛ فإذا كان المعيب ثوباً أو أكثر إلى خمسة، وكانت قيمة كل ثوب عشرة، رجع بعشر الثمن في الأول وهو عشرة وبخمسة [1] في الاثنين وهو عشرون وهكذا وهذا (إن لم يكن) الثمن (سلعة) بأن كان عيناً أو مثلياً (وإلا)، بأن كان الثمن سلعة كعبد أو دار (ففي قيمتها) يرجع. فإذا كان المعيب ثوباً من العشرة وهو يساوي عشرة، رده ورجع بعشر قيمة العبد أو الدار. ولا يرجع بجزء من السلعة خلافاً لأشهب.
(إلا أن يكون المعيب الأكثر) بأن زاد على النصف (والسالم) من العيب الأقل (باقياً) عند المشتري لم يفت (فالجميع [2]) يرده ويأخذ جميع الثمن أو يتماسك به، وليس له التماسك بالأقل السالم ورد الأكثر المعيب. ومفهوم:"باقياً"، أنه لو فات عند المشتري لكان له رد المعيب مطلقاً قل أو كثر وأخذ حصته من الثمن أو من قيمة السلعة وإن وقعت ثمناً.
وشبه في رد الجميع أو التمسك بالجميع أو يتماسك بالبعض السالم بجميع الثمن وإن لم يكن أكثر قوله: (كأحد مزدوجين): كخفين ونعلين وسوارين مما لا يستغنى بأحدهما عن الآخر فليس له رد المعيب بحصته من الثمن
ــ
تنبيه: إن أقر بائع ببعض العيب وكتم بعضه وهلك المبيع، فاختلف: هل يفرق بين أكثر العيب فيرجع بالزائد الذي كتمه؟ كقوله: يأبق خمسة عشر يوماً، وكان يأبق عشرين فيرجع بقيمة خمسة وبين أقله كما إذا أقر بخمسة في المثال وكتم عشرة فيرجع بالجميع، لأنه لما كتم الأكثر كأنه لم يبين شيئاً ولا فرق بين هلاكه فيما بين أو كتم ولا بين المسافة والأزمنة، أو يرجع بأرش الزائد مطلقاً كتم الأقل. أو الأكثر؟ أو يفرق بين هلاكه فيما بينه فيرجع بأرش الزائد الذي كتمه قل أو كثر، أو لا يهلك فيما بينه بل هلك فيما كتمه فيرجع بجميع الثمن؟ أقوال ثلاثة.
قوله: [فالاستثناء راجع للقدم فقط]: اعلم أنه إنما يكون القول قول البائع في حدوث العيب في المشكوك فيه إن لم يصاحبه عيب قديم ثابت، وإلا فالقول قول المشتري بيمين أنه ما حدث عنده وبه أخذ ابن القاسم واستحسنه في التوضيح، قال ابن رشد. لأن المبتاع قد وجب له الرد بالقديم وأخذ جميع الثمن، والبائع يريد نقصه من الثمن بقوله حدث عندك فهو مدع - كذا في (بن).
قوله: [وحلف من لم يقطع بصدقه]: فإن اختلف أهل المعرفة في قدمه وحدوثه، عمل بقول الأعرف فإن استويا في المعرفة، عمل بقول الأعدل. فإن تكافآ في العدالة سقطا لتكاذبهما، وإذا سقطا كان كالشك على ما استظهره بعضهم. والجاري على قول غير ابن القاسم في المدونة: أنها تقدم بينة الرد. قوله: [إن قطع بقدمه]: اعلم أنه يعمل بشهادة البينة بالقدم سواء استندوا في قولهم ذلك للعادة أو للمعاينة أو لإخبار العارفين أو لإقرار البائع لهم بذلك.
قوله: [ولزمه التمسك بالباقي]: أي بما يخصه من الثمن. وليس للمشتري رد الجميع إلا برضا البائع، وليس للبائع أن يقول: إما أن ترد الجميع أو تأخذ الجميع كما قاله ابن يونس.
قوله: [فإذا كان المعيب] إلخ: حاصله أنه يقوم كل سلعة بمفردها على أنها سليمة وينسب قيمة المعيب على أنه سليم إلى الجميع ويرجع بما يخص المعيب من الثمن، وهناك طريقة أخرى للتقويم حاصلها أنه يقوم الأثواب كلها سالمة، ثم تقوم ثانياً بدون المعيب وتنسب القيمة الثانية للأولى وبتلك النسبة يرجع بما يخص المعيب من الثمن.
قوله: [ورجع بعشر قيمة العبد]: أي على المعتمد خلافاً لمن قال يرجع بقيمة عشر العبد ولا شك أن قيمة عشر العبد أقل من عشر قيمته. وحاصل فقه المسألة: أن الثمن إذا كان مقوماً كدار أو عبد أو كتاب أو ثوب واطلع المشتري على عيب في بعض المبيع فقال أشهب: يرجع شريكاً في الثمن المقوم بما يقابل المعيب. وقال ابن القاسم: لا يرجع شريكاً للبائع في الثمن لضرر الشركة، وإنما يرجع بالقيمة. وعلى هذا القول اختلف؛ قيل: معناه أنه يرجع بنسبة قيمة المعيب لقيمة المبيع في قيمة المقوم الواقع ثمناً، فإذا كان المبيع ثوباً وقيمته عشرة نسبتها للمائة قيمة الأثواب المبيعة العشر فيرجع بعشر قيمة المقوم الواقع ثمناً على ما هو المعتمد، وعليه مشى شارحنا. وقيل: يرجع بما يخص المعيب من قيمة الثمن المقوم فإذا كان المعيب ثوباً رجع بقيمة عشر المقوم المدفوع ثمناً فتأمل.
قوله: [وليس له التماسك بالأقل السالم]: أي بحصته من الثمن، وأما بجميع الثمن ويرد المعيب مجاناً فجائز، وإنما منع التمسك بالقليل السالم لأنه كإنشاء عقده بثمن مجهول إذ لا يعرف
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وبخمسه)، ولعلها الصواب.
[2]
في ط المعارف: (فالجميع و).
إلا أن يتراضيا بذلك كما يأتي في القسمة (أو) كان المعيب (أما وولدها) فليس له رد المعيب منهما والتماسك بالسليم ولو تراضيا على ذلك لما فيه من التفريق بين الأم وولدها، فعلم أنه لا يجوز التماسك بأقل سالم من متعدد وجد عيب بأكثره إذا لم يفت الأقل عند المشتري وإلا جاز.
(و) كما لا يجوز التمسك بالأقل المذكور (لا يجوز التمسك بالأقل إن استحق الأكثر): إن كان المبيع مقوماً متعدداً معيناً في صفقة والباقي لم يفت عند المشتري، فإن فات فله التمسك به ويرجع بما يخص ما استحق من الثمن. فجميع القيود المذكورة في المعيب تجري في الاستحقاق على المعتمد. وإذا منع التمسك بالأقل؛ إذ استحق الأكثر تعين الفسخ برد الأقل والرجوع بجميع الثمن أو يتماسك بالبعض الباقي بجميع الثمن. فالمنع أن يتمسك بالبعض الباقي ويرجع بما يخص ما استحق من الثمن كما تقدم في العيب. ثم ذكر مفهوم:"مقوماً" معيناً على سبيل النشر المشوش بقوله: (بخلاف الموصوف): وهو مفهوم: "معين"(والمثلي) مفهوم مقوم: أي فإنه يلزمه التمسك بالأقل إذا تعيب أو استحق الأكثر، وأولى المساوي أو الأقل؛ كما لو اشترى عشرة أثواب موصوفة أو عشرة أرطال أو أوسق من قمح فاستحق أكثرها أو أقلها أو وجد به عيباً، فلا ينتقض البيع بل يرجع بمثل الموصوف أو المثلي، وله أن يتماسك بالباقي بجميع الثمن في الاستحقاق، وبالسلم [1] والمعيب في العيب. وأما إن كان المبيع متحداً -كدار أو عبد فاستحق البعض قل أو كثر- فالمشتري مخير بين التماسك والرد.
وفرع على قوله: "ولا يجوز التمسك بالأقل" إلخ قوله: (فإن كان درهمان وسلعة) كعبد (تساوي) تلك السلعة (عشرة) بيعاً (بثوب) مثلاً، فثمن الثوب اثنا عشر (فاستحقت السلعة) المساوية للعشرة -وهي خمسة أسداس الصفة، فقد استحق الأكثر- فلا يجوز التمسك بالأقل الباقي وهما الدرهمان فيتعين فسخ البيع برد الدرهمين وأخذ الثوب إن كان قائماً.
(و) أما لو (فات الثوب) ولو بحوالة سوق (فله): أي لمن استحق منه السلعة (قيمة الثوب) الذي خرج من يده لفواته (بكماله) لأنها تقوم مقامه عند فسخ البيع (ورد) من استحقت منه السلعة (الدرهمين) فـ "رد" فعل ماض.
ــ
ما ينوب الأقل إلا بعد تقويم المبيع كله أولاً ثم تقويم كل جزء من الأجزاء.
قوله: [إلا أن يتراضيا بذلك]: أي على الصواب كما قاله (ر) خلافاً لما في الخرشي و (عب) تبعاً للأجهوري من عدم الجواز ولو تراضيا لما في ذلك من الفساد الذي منع الشرع منه
قوله: [أو كان المعيب أماً وولدها]: أي لأن الشارع منع من التفرقة بينهما قبل الإثغار وهذا في الحيوان العاقل ومحل المنع ما لم ترض الأم بذلك، وقد تقدم ذلك.
قوله: [بالأقل المذكور]: أي الذي هو المعيب. لأن حكم العيب والاستحقاقي واحد. قوله: [فالمنع أن يتمسك] إلخ: أي لأنه كإنشاء عقدة بثمن مجهول كما تقدم التنبيه عليه في العيب إن قلت: هذا التعليل موجود فيما إذا استحق الأقل أو تعيب ورده وتمسك بالأكثر بحصة من الثمن؟ أجيب: بأنه لما كان الحكم للغالب انفسخت العقدة برد الأكثر أو استحقاقه فكان التمسك بالأقل كابتداء عقدة بثمن مجهول الآن بخلاف رد غير الأكثر أو استحقاقه.
والحاصل: أن العقدة الأولى انحلت من أصلها حيث استحق الأكثر أو تعيب؛ لأن استحقاق الأكثر كاستحقاق الكل وإذا تعيب الأكثر ورده كان كرد الكل، فكان تمسك المشتري بالأقل السالم كإنشاء عقدة بثمن مجهول الآن بخلاف رد غير الأكثر أو استحقاقه وأجاز ابن حبيب رد الأكثر بحصته قائلاً: هذه جهالة طارئة كذا في حاشية الأصل.
قوله: [بخلاف الموصوف] إلخ: حاصله أن كلام المصنف هنا في المقوم المعين المتعدد، وأما المثلي والمقوم والمتحد والموصوف فحكمه مغاير لذلك.
قوله: [كما لو اشترى عشرة أثواب] مثال للموصوف وقوله أو عشرة أرطال أو أوسق مثال للمثلي.
قوله: [بجميع الثمن]: المناسب بحصة من الثمن لأن التماسك بجميع الثمن لا يتوهم منعه حتى ينص عليه. قوله: [فاستحق البعض قل أو كثر]: هذا كلام مجمل وسيأتي تفصيله وإيضاحه في الشارح. قوله: [فالمشتري مخير بين التماسك والرد]: أي لدفع ضرر الشركة.
قوله: [فإن كان درهمان وسلعة] إلخ: اسم كان ضمير شأن و "درهمان" مبتدأ وقوله بيعا بثوب خبره. والجملة خبر لكان الثانية. أو أن كان غير ثانية ودرهمان اسمها، وسلعة معطوف على درهمان على كل حال وخبرها قوله بيعا بثوب. قوله:[فاستحقت السلعة] أي من يد المشتري وهو عطف على "بيعا" الذي قدره الشارح.
قوله: [قيمة الثوب الذي خرج من يده]: أي يأخذها من البائع ولا يجوز له أن يتماسك بالدرهمين فيما يقابلهما من سدس الثوب بحيث يكون شريكاً بسدسها أو سدس قيمتها، وأما تمسكه بالدرهمين في مقابلة الثوب بتمامها فجائز، وإنما أتى بقوله بكماله للرد على المقابل الآتي بعد وإلا فلا حاجة لقوله: بكماله لأنه علم من قوله: قيمة الثوب.
قوله: [فرد فعل ماض]
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وبالسالم)، ولعلها الصواب.
وجاز أن يكون مصدراً معطوفاً على "قيمة". وقيل: إذا فات الثوب تعين عدم الفسخ؛ لأن فواته كفوات الأقل الباقي فيما إذا استحق الأكثر، وهو إذا فات لم يفسخ كما تقدم، وحينئذ فيتمسك بالدرهمين ويرجع بقيمة السلعة التي استحقت منه، وجزم به ابن عرفة وأنكرت [1] على ابن الحاجب وجود القول بالفسخ إذا فات الثوب على ما ذكرنا، ورد إنكاره بأن ابن يونس قد ذكرها.
(وجاز رد أحد المبتاعين) إذا اشتريا سلعة أو أكثر في صفقة فوجدا - بها عيباً المعيب على البائع (دون صاحبه) ولو لم يرض البائع والقول قول من أراد الرد منهما.
(و) جاز لمشتر من بائعين الرد على (أحد البائعين) نصيبه دون الآخر.
(والغلة) أي غلة ما رد بعيب ثابتة (للمشتري) من وقت عقد البيع وقبض المشتري له (للفسخ): أي فسخ البيع بسبب العيب إما بحكم الحاكم أو بتراضي المتبايعين بأن يرضى البائع بقبوله. من غير رفع، وسيأتي بيان ذلك قريباً إن شاء الله تعالى: والمراد بالغلة: ما لا يكون استيفاؤها دليلاً على الرضا وهي التي استغلها قبل الاطلاع على العيب مطلقاً نشأت عن تحريك كسكنى أو إسكان أو لا كلبن وصوف، والتي لا تنقص المبيع ولو استغلها زمن الخصام (لا الولد) فإنه للبائع ولو حملت به عند المشتري ثم اطلع على عيب بأمه فيرد مع الأم (و) لا (الثمرة المؤبرة) فإنها ترد مع الأصل للبائع حيث رد الأصل بعيب ولو جذها المشتري. فإن فاتت عنده رد مثلها إن علم قدرها وقيمتها إن لم يعلم (و) لا (الصوف التام) وقت الشراء، فإنه يرد للبائع مع رد أصله بعيب، وهو داخل في الشراء وإن لم يشترطه المشتري بخلاف الثمرة المؤبرة فلا تدخل فيه إلا بشرط.
ــ
أي والدرهمين مفعوله وهو يفيد وجوب الرد. قوله: [وجاز أن يكون مصدراً]: استشكل بأن قراءته مصدراً توهم أن اللام للتخيير وهو خلاف المراد؛ لأن المراد منها الاستحقاق. فالأولى قراءته فعلاً ماضياً. قوله: [وقيل إذا فات الثوب] إلخ: هذا القول أيده (ر) قوله: [بأن ابن يونس قد ذكرها]: قال (بن): العذر لابن عرفة في إنكاره أن ابن يونس لم يذكرها في كتاب الاستحقاق الذي هو مظنتها، وإنما ذكرها في أوائل كتاب الجعل والإجارة من ديوانه.
قوله: [وجاز رد أحد المبتاعين]: أي غير الشريكين في التجارة. وحاصله: أنه لو اشترى شخصان سلعة واحدة كعبد لخدمتهما أو سلعاً متعددة كل واحد يأخذ نصفها في صفقة واحدة لا على سبيل الشركة ثم اطلع على عيب قديم فأراد أحد الشريكين أن يرد نصيبه على البائع وأبى غيره من الرد، فالمشهور أن له أن يرد نصيبه. ولو قال البائع: لا أقبل إلا جميعه بناء على تعدد العقد بتعدد متعلقه. وإلى هذا رجع مالك واختاره ابن القاسم وكان مالك يقول أولاً: إنما لهما الرد معاً أو التماسك معاً وليس لأحدهما أن يرد دون الآخر. والقولان في المدونة وقولنا: غير الشريكين في التجارة، مفهومه أن الشريكين في التجارة إذا اشتريا معيناً في صفقة وأراد أحدهما الرد فلصاحبه منعه وقبول الجميع كما يأتي في الشركة، فإن كلاً وكيل عن الآخر كما يؤخذ من الأصل وحاشيته. قوله:[ولو لم يرض البائع] أي ولا المشتري.
قوله: [على أحد البائعين]: إلخ حاصله أن البائع إذا تعدد بأن باع شخصان عبداً واحداً أو متعدداً كانا متخذانه للخدمة مثلاً لا للتجارة واشتراه منهما واحد، فاطلع فيه على عيب قديم، فإنه يجوز له أن يرد على أحد البائعين نصيبه دون الآخر. وهذا بخلاف شريكي التجارة لأنهما كرجل واحد فالرد على أحدهما رد على الآخر كما يؤخذ من الحاشية.
قوله: [من وقت عقد البيع]: أي من وقت الدخول في ضمانه.
قوله: [نشأت عن تحريك] إلخ: تفسير للإطلاق.
قوله: [كلبن وصوف]: مثال لما نشأ لا عن تحريك أعم من أن يكون منقسماً أو لا.
قوله: [ولو استغلها زمن الخصام]: أي ولو طال زمنه والواو للحال ولو زائدة وأما ما استغله بعد الاطلاع وقبل الخصام فيدل على الرضا مطلقاً إلا ما نشأ عن غير تحريك ولم يطل زمنه.
والحاصل: أن الغلة التي تدل على الرضا، هي الحاصلة بعد الاطلاع على العيب ونشأت عن تحريك منقص كالركوب والاستخدام سواء في زمن الخصام أو قبله أو نشأت عن تحريك غير منقص كالسكنى وكانت قبل زمن الخصام أو كانت ليست ناشئة عن تحريك أصلاً قبل زمن الخصام وطال فليحفظ.
قوله: [لا الولد]: أي كان لحيوان عاقل أو غيره ولا شيء على المشتري في ولادتها إذا ردها إلا أن تنقصها الولادة فيرد معها ما نقصها - ابن يونس - إن كان في الولد ما يجبر النقص جبره على قول ابن القاسم، وسواء اشتراها حاملاً أو حملت عنده ورد المصنف بقوله لا الولد على السيوري حيث جعل الولد غلة.
قوله: [ولا الثمرة المؤبرة]: أي وأما غير المؤبرة حين الشراء فغلة يفوز بها المشتري إذا حصل الرد بعد أن جذها أو لم يجذها وأزهت وسيأتي ذلك.
قوله: [وقيمتها إن لم يعلم]: هذا إن كان الفوات بغير البيع وأما به ولم تعلم المكيلة فإنه يرد ثمنه إن علم.
قوله: [فإنه يرد للبائع]: فإن فات رد وزنه إن علم وإلا رد الغنم بحصتها من الثمن ويكون له الصوف في مقابلة بقية الثمن. ولا يلزمه أن يرد مع الغنم ثمن الصوف إن باعه أو قيمته إن انتفع به في نفسه كما قيل في الثمرة.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (وأنكر).
ومحل رد الصوف إن لم يحصل بعد جز مثله عند المشتري وإلا فلا لجبره بما حصل.
ثم شبه في كون الغلة للمشتري إذا رد العيب لا للبائع أربع مسائل بقوله: (كشفعة): فإن الغلة فيها للمشتري لا لمن أخذ منه الشقص بالشفعة (واستحقاق) فالغلة لمن استحقت من يده مشترياً أو غيره لا لمن استحقها.
(وتفليس) فالغلة للمشتري المفلس لا لبائعها الذي أخذها منه بالتفليس. (وفساد) لبيع فالغلة للمشتري لا للبائع الذي ردت له بالفساد ومن الغلة الثمرة غير المؤبرة وقت الشراء، لكن لا يفوز بها المشتري إلا إذا جذت في المسائل الخمس، وإلا فهي له في الشفعة والاستحقاق إن يبست على أصلها، وإلا كانت للشفيع والمستحق ولو زهت. وفي الفساد والعيب إن زهت، وإلا أخذها البائع فيهما كما يأخذها في الفلس مطلقاً ما لم تجذ وهذا معنى قولهم هنا ردت في الشفعة والاستحقاق ما لم تيبس وفي البيع الفاسد والعيب ما لم تزه وفي الفلس ما لم تجذ.
(ودخلت) السلعة المردودة بالعيب (في ضمان البائع إن رضي بالقبض) من غير حكم حاكم (وإن لم يقبض) بالفعل (أو ثبت) العيب (عند حاكم) بإقرار بائعها أو بالبينة (وإن لم يحكم) فإن هلكت بعد ذلك فضمانها منه.
(ولا رد بغلط) بل البيع لازم (إن سمي باسم عام) كحجر أو هذا الفص أو هذا الشيء مع الجهل بحقيقته الخاصة، وهو يعلم شخص المبيع؛ كأن يبيع هذا الحجر بدرهم فإذا هو ياقوتة تساوي ألفاً، ولا فرق في حصول الغلط بالمعنى المذكور من المتبايعين أو من أحدهما مع علم الآخر، ومحله: إذا كان البائع غير وكيل، وإلا فلموكله الرد قطعاً. ومفهوم الشرط: أنه لو سماه بغير اسمه كهذه الزجاجة فإذا هي زبرجدة أو بالعكس لثبت الرد قطعاً.
ــ
إن قلت: لم فرق بين الثمرة والصوف عند انتفاء علم المكيلة والوزن؟ أجيب: بأنه لو رد الأصول بحصتها من الثمن مثل الغنم لزم بيع الثمرة مفردة قبل بدو صلاحها - وهو لا يجوز إلا بشروط تأتي - وهي منتفية هنا وأخذ القيمة ليس بيعاً بخلاف رد الغنم بحصتها من الثمن، فإنه لا محذور فيه لأن الصوف سلعة مستقلة يجوز شراؤه منفرداً عن الغنم.
قوله: [ومحل رد الصوف]: أي وأما الثمرة المؤبرة فهل كذلك قياساً على الصوف وهو الظاهر أو ترد مطلقاً ولو لم ترد أصولها حتى ظهر فيها أخرى وهو ظاهر المصنف.
قوله: [كشفعة] إلخ: حاصله أن مثل الرد بالعيب القديم الأخذ بالشفعة والاستحقاق والرد بالفلس والفساد في أن المشتري يفوز بالغلة ولا ترد للبائع. فمن أخذ منه الشقص بالشفعة يفوز بالغلة ولا ترد للآخذ بها وكذلك المستحق منه يفوز بها ولا ترد للمستحق، وكذلك من أخذ منه المبيع لتفليسه وعجزه عن ثمنه أو لفساد بيعه فلا ترد للبائع فيهما. وهذا إذا كانت الغلة غير ثمرة أو ثمرة غير مؤبرة يوم الشراء أو يوم الاستحقاق وفارقت الأصول بالجذ.
قوله: [لا لمن أخذ منه الشقص] إلخ: بالبناء للفاعل والضمير في منه يعود على المشتري تأمل.
قوله: [غير المؤبرة]: أي لأن المأبورة حين الشراء أو حين الاستحقاق ليست غلة، فترد للبائع في الفلس والفساد مطلقاً ولو أزهت أو يبست أو جذت. وفي الشفعة والاستحقاق يأخذها الشفيع والمستحق مطلقاً.
قوله: [ولو زهت]: أي ولو صارت رطباً.
قوله: [وهذا معنى قولهم هنا] إلخ: وإلى هذا أشار ابن غازي بقوله:
والجذ في الثمار فيما انتقيا
…
يضبطه تجذ عفزا شسيا
فالتاء للتفليس، والجيم مع الذال للجذاذ أي تفوت الثمار على البائع في الفلس بالجذاذ، والعين والفاء للعيب والفساد، والزاي للزهو أي فيفوتان به، والشين المعجمة للشفعة، والسين المهملة للاستحقاق، والياء لليبس أي فيفوتان به. قال بعضهم:
والفائزون بغلة في خمسة
…
لا يطلبون بها على الإطلاق
الرد في عيب وبيع فاسد
…
وشفعة فلس مع استحقاق
فالأولان بزهوها فازا بها
…
والجذ في فلس ويبس الباقي
ما أنفقوا قد ضاع تحت هلاكها
…
وإذا انتفت رجعوا بكالإنفاق
قوله: [بالقبض]: متعلق برضي لا بدخلت بدليل المبالغة في قوله: " وإن لم يقبض " وظاهر قوله: " إن رضي بالقبض " أنه لو وافقه على أن العيب قديم ولم يرض بقبضها أنها لا تدخل في ضمانه لأنه قد يدعي عليه أنه تبرأ له من ذلك العيب.
قوله: [وهو يعلم شخص المبيع]: أشار بهذا إلى أن المراد بالغلط في ذات المبيع جهل اسمه الخاص فالغلط الواقع في الاسم الخاص والتسمية واقعة في الاسم العام
قوله: [بالمعنى المذكور]: أي وهو جهل اسمه الخاص.
قوله: [مع علم الآخر]: أي ما لم يستسلم الجاهل به للعالم وإلا فيثبت للجاهل الرد كما يأتي في الغبن.
قوله: [ومفهوم الشرط]: حاصله أن البائع إذا جهل ذات المبيع فإن سماه باسم عام فلا رد وإن سماه باسم خاص فإذا هو ليس المسمى
(ولا) رد (بغبن) أي بسببه (ولو خالف العادة) أي في القلة أو الكثرة، كأن يشتري ما يساوي درهماً بعشرة وأعكسه [1] (إلا أن يستسلم) أحد المتبايعين صاحبه (بأن يخبره بجهله) كأن يقول المشتري: أنا لا أعلم قيمة هذه السلعة فبعني كما تبيع الناس فقال البائع: هي في العرف بعشرة فإذا هي بأقل، أو يقول البائع: أنا لا أعلم قيمتها فاشتر مني كما تشتري من الناس فقال: هي في عرفهم بعشرة؛ فإذا هي بأكثر، فللمغبون الرد على المعتمد بل باتفاق. وذكر الشيخ فيه التردد معترض بأنه لم يخالف فيه أحد، وإنما الخلاف في الغبن من غير استسلام إذا كان المغبون جاهلاً فإن كان عارفاً فلا قيام له اتفاقاً. فإن استسلم الجاهل فالرد متفق عليه بل حكى ابن رشد عليه الإجماع، فحكاية الشيخ فيه التردد من السهو البين.
ثم انتقل يتكلم على بيان حكم الرد في عهدة الثلاث وعهدة السنة فقال: (وله): أي للمشتري رقيقاً خاصة ذكراً أو أنثى (الرد في عهدة الثلاث): أي ثلاثة الأيام فقط، والعهدة في الأصل: العهد؛ وهو الإلزام والالتزام. وفي العرف: تعلق ضمان المبيع بالبائع في زمن معين، وهي قسمان: عهدة سنة وهي قليلة الضمان طويلة الزمان وستأتي، وعهدة ثلاث أي ثلاثة أيام وهي بالعكس، وهما خاصتان بالرقيق بالشرط أو العادة كما يأتي، فعهدة الثلاث يرد فيها (بكل) عيب (حادث) في دينه كزنا وسرقة أو بدنه كعمى أو وصفه كجنون وصرع وإباق (إلا أن يستثنى عيب معين) كإباق أو سرقة فلا رد به ويرد بما عداه فإن شرط سقوطها فلا رد بشيء حدث أيامها.
(وعلى البائع فيها) أي زمنها (النفقة) على الرقيق
ــ
بذلك الاسم الخاص فله الرد، كما لو سمى الحجر ياقوتة.
قوله: [ولا رد بغبن]: ما لم يكن البائع بالغبن أو المشتري به وكيلاً أو وصياً، وإلا رد ما صدر منهما من بيع أو شراء فإن باع بغبن وفات المبيع رجع الموكل والموصى عليه على المشتري بما وقع فيه الغبن، فإن تعذر الرجوع على المشتري رجع على الوكيل أو الوصي بذلك، ولا يتقيد الغبن بثلث أو غيره بل ما نقص عن القيمة نقصاً بيناً أو زاد عليها زيادة بينة وإن لم يكن الثلث قال ابن عرفة وهو الصواب وهو مقتضى الروايات في المدونة اهـ. (بن).
قوله: [ولو خالف العادة]: أي هذا إذا كان الغبن بما جرت به العادة في مغالبة الناس بل ولو كان بما خالف العادة ورد المصنف بـ"لو" قول ابن القصار إنه: يجب الرد بالغبن إذا كان أكثر من الثلث. وقول المتيطي عن بعض البغداديين:
إن زاد المشتري المبيع على قيمته الثلث فأكثر فسخ البيع وكذا إن باع لنقصان الثلث من قيمته فأعلى إذا كان جاهلاً بما صنع وقام قبل مجاوزة العام، وبهذا أفتى المازري وابن عرفة والبرزلي ومشى عليه ابن عاصم في التحفة حيث قال:
ومن بغبن في مبيع قاما
…
فشرطه أن لا يجوز العام
وأن يكون جاهلاً بما صنع
…
والغبن للثلث فما زاد وقع
وعند ذا يفسخ بالأحكام
…
وليس للعارف من قيام
اهـ. لكن رد ابن رشد هذه الأقوال بقوله: وهو غير صحيح، لقوله عليه الصلاة والسلام «لا يبع حاضر لباد دعوا الناس في غفلاتهم يرزق الله بعضهم من بعض» .
قوله: [ثم انتقل يتكلم على بيان] إلخ: لما كانت العهدة على قسمين عامة، وهي عهدة الإسلام من درك المبيع من عيب أو استحقاق وهي متولي العقد، إلا الوكيل فلا عهدة عليه في صورتين وإنما هي على الموكل، وهما: أن يصرح بالوكالة أو يعلم العاقد معه أنه وكيل وهذا في غير المفوض. وأما هو فالعهدة عليه لأنه أحل نفسه محل البائع وكذا المقارض والشريك المفوض في الشركة.
وأما القاضي والوصي ففي المدونة: لا عهدة عليهما فيما وليا بيعه والعهدة في مال اليتامى، فإن هلك مال الأيتام. ثم استحقت السلعة فلا شيء على الأيتام، والقسم الثاني: عهدة الرقيق وهي التي شرع فيها المصنف.
قوله: [وهو الإلزام]: أي إلزام الغير شيئاً كإلزام الحاكم غيره شيئاً.
وقوله: [والالتزام]: أي التزام الشخص لغيره شيئاً. قوله: [وفي العرف تعلق] إلخ: أي والبيع في تلك المدة لازم لا خيار فيه، لكن إن سلم في مدة العهدة علم لزومه المتبايعين وإن أصابه نقص ثبت خيار المبتاع كالعيب القديم.
قوله: [وهي قليلة الضمان]: أي لأن الرد فيها بعيوب ثلاثة فقط.
قوله: [وهي بالعكس]: أي قليلة الزمان كثيرة الضمان لأنه يرد فيها بكل حادث.
قوله: [بالشرط أو العادة]: مثلهما حمل السلطان الناس عليها.
قوله: [فعهدة الثلاث]: تعتبر الثلاثة الأيام بغير يوم البيع إن سبق بالفجر وكذا عهدة السنة وسيأتي ذلك. قوله: [إلا أن يستثنى عيب معين] إلخ: ظاهره كانت مشترطة أو معتادة أو حمل السلطان الناس عليها وخص شمس الدين اللقاني الاستثناء بالمعتادة فقط أما البيع بالبراءة في المشترطة أو المحمول عليها من السلطان فيرد معها بالحادث دون القديم الذي بيع بالبراءة منه. فالأقسام ثلاثة: يرد بالقديم والحادث إن لم يبع البائع ببراءة من القديم وإلا
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (أو عكسه)، ولعلها الصواب.
ومنها ما يقيه الحر والبرد من الثياب.
(وله) أي لبائعه (الأرش) إن جنى عليه جان زمنها (كالموهوب) للرقيق زمنها فهو للبائع (إلا أن يستثني ماله) عند البيع فإن استثناه المشتري كان له ما وهب زمنها.
(و) رد (في عهدة السنة) بثلاثة أدواء خاصة: (بجذام أو برص أو جنون بطبع أو مس جن، لا بكضربة) ومحل العمل بالعهدتين: (إن شرطا) عند البيع (أو اعتيدا) بين الناس أو حمل السلطان الناس عليهما، هذه طريقة المصريين وهي المشهورة. وقال المدنيون: يعمل بهما ولو لم تجر بهما عادة ولا وقع بهما شرط.
(وسقطتا) أي العهدتان فلا رد بما حدث من العيب زمنهما (بكعتق) للرقيق وأدخلت الكاف: الإيلاد والتدبير (وبإسقاطهما) عن البائع: أي بأن يسقط المشتري حقه من القيام بهما فليس له الرد بعد ذلك إذا أعتق أو أسقط (زمنهما) وهو الثلاثة الأيام في الأولى والسنة في الثانية.
(وابتداؤهما أي العهدتين أول النهار) وهو طلوع الفجر (من) اليوم (المستقبل لا من يوم العقد).
ــ
سقط حكمهما مطلقاً إن جرى بها عرف فإن اشترط البيع بها أو حمل السلطان الناس عليه رد بالحادث دون القديم على تقرير الشمس، لا على ما هو ظاهر المصنف وخليل. ويفهم من الأجهوري: أن كلام الشمس هو المعتمد كما أفاده بعض شيوخنا - كذا يؤخذ من الحاشية.
قوله: [ومنها ما يقيه الحر والبرد]: أي لا ما يستر عورته فقط كما قيل. قوله: [فهو للبائع]: أي على المعول عليه؛ لأن الخراج بالضمان. قوله: [إلا أن يستثنى ماله]: أي يشترطه والاستثناء راجع للموهوب له. قوله: [بجذام أو برص]: أي بحدوث جذام وبرص محققين. وفي مشكوكهما قولان، فقيل: إنه كالمحقق وهو لابن القاسم، وقيل: لا يرد به وهو لابن وهب. والأول هو المعتمد.
قوله: [أو جنون]: إنما اختصت عهدة السنة بهذه إلا دواء [1] الثلاثة؛ لأن هذه الأدواء تتقدم أسبابها ويظهر منها ما يظهر في فصل من فصول السنة دون فصل بحسب ما أجرى الله العادة من حصول ذلك الداء في فصل دون فصل.
وقوله: [بطبع]: المراد به فساد الطبيعة كغلبة السوداء. وقوله: [أو مس جن]: أي بأن كان بوسواس ويرد به هنا دون النكاح، بخلاف الجنون الطبيعي فإنه يرد به في البيع والنكاح.
قوله: [لا بكضربة]: اعترض الأجهوري قول خليل: "لا بكضربة" لأن الحق أنه لا فرق بين كون الجنون طبيعياً أو بمس جن أو حدث بكضربة في الرد بكل في عهدة السنة والثلاث، فانظره - كذا في حاشية الأصل.
قوله: [وقال المدنيون يعمل بها]: وفي البيان قول ثالث لابن القاسم في الموازية. لا يحكم بينهم بها وإن اشترطوها.
قوله: [ولا وقع بهما شرط]: أي ولا حمل من السلطان.
قوله: [وسقطتا بكعتق] إلخ: أي فالأصل بقاء العهدتين ولا يسقطهما إلا العتق وما ألحق به، وإسقاطهما من المشتري على البائع إلا في إحدى وعشرين مسألة استثناها المتيطي الأصل فيها عدم العهدة، وقد ذكرها خليل وهي: الرقيق المدفوع صداقاً لأن طريقه المكارمة، والمخالع به لأن طريقه المناجزة، والمصالح به في دم عمد فيه قصاص كان الصلح على إقرار أو إنكار، والمسلم فيه كأن يسلم ديناراً في عبد، والمسلم به كأن يسلم عبداً في بر، والقرض كأن يقترض رقيقاً، والمردود فيه، والمبيع الغائب عن الصفة لعدم المشاحة في المبيع الغائب. والقرض، والمقاطع به المكاتب بأن دفعه المكاتب عما لزمه لتشوف الشارع للحرية، والمبيع على كمفلس لأن بيع الحاكم على البراءة، والمشتري بشرط العتق لتشوف الشارع للحرية وللتساهل في ثمنه، والمأخوذ عن دين على وجه الصلح للتساهل فيه بخلاف المأخوذ على وجه المشاحة والمبايعة ففيه العهدة، والمردود بعيب على بائعه، فلا عهدة للبائع على الراد لأنه حل للبيع لا ابتداء بيع ومثله الإقالة، والموروث إذا خص بعض الورثة رقيقاً من التركة، وكذا ما بيع في الميراث والموهوب للثواب أو لغيره، والأمة التي اشتراها زوجها للمودة السابقة بينهما بخلاف العكس لأن المباعدة حصلت بفسخ النكاح، والموصى ببيعه من زيد والموصى ببيعه ممن أحب الرقيق أن يباع له فأحب شخصاً إذا علم المشتري حال البيع بالوصية فيهما، والموصي بشرائه للعتق بأن يقول: اشتروا سعيداً عبد زيد وأعتقوه عني، والمكاتب به أي وقعت الكتابة عليه ابتداء بأن قال لعبده: كاتبتك على عبد فلان فهو غير المقاطع به، والمبيع فاسداً إذا فسخ البيع ويرد الرقيق لبائعه فلا عهدة له فيه على المشتري لأنه نقض للبيع من أصله. ومحل عدم العهدة في هذه الأشياء: إن اعتيدت، فإن اشترطت عمل بها في غير المأخوذ عن دين فإن شرطها فيه يفسده للدين بالدين، فليحفظ هذا التحرير.
قوله: [وابتداؤهما أي العهدتين أول النهار] إلخ: اعلم أن الحقائق خمسة: عهدة ثلاث، وعهدة سنة، وخيار، ومواضعة، واستبراء؛ فعهدة السنة بعد الخلو مما ذكر إلا الاستبراء المجرد فإنه يدخل فيها لأن الضمان فيهما من المشتري فإذا مضت السنة ولم يأت
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (إلا دواء) كذا في ط الحلبي، ولعل الصواب:(الأدواء).
ولما أنهى الكلام على ما يرد به المبيع وما لا يرد به، شرع في بيان ما ينتقل به ضمانه للمشتري وما لا ينتقل فقال:(وانتقل الضمان) أي ضمان المبيع من بائعه (إلى المشتري بالعقد الصحيح اللازم) ولو لم يقبضه من البائع، فمتى هلك أو حصل فيه عيب بعد العقد فضمانه من مشتريه وسواء كان عرضاً أو غيره واحترز "بالصحيح" من الفاسد وسيأتي، و"باللازم" من غيره؛ كبيع المحجور وبيع الخيار وتقدم في الخيار أن ضمان المبيع بالخيار من البائع. ثم استثنى من انتقال الضمان للمشتري بالعقد الصحيح مسائل بقوله:(إلا فيما) أي مبيع (فيه حق توفية) لمشتريه وهو المثلي وبينه بقوله: (من مكيل أو موزون أو معدود، فعلى البائع) ضمانه (لقبضه) بالكيل أو الوزن أو العد واستيلاء المشتري عليه.
(ويستمر) ضمان البائع له (بمعياره) من مكيال أو ميزان حتى يفرغ في أواني المشتري، فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فضمانه على البائع. قال ابن رشد: اتفاقاً (ولو تولاه) أي تولى كيله أو وزنه أو عده (المشتري) نيابة عن البائع فلو سقط من الميزان أو من المكيال أو غصب، لكان ضمانه من البائع، بخلاف ما لو كاله البائع أو نائبه وناوله للمشتري فسقط من المشتري، أو هلك فمن المشتري. لأن قبضه قد تم باستيلاء مشتريه عليه وليس نائباً عن البائع في هذه الحالة.
واعلم أن الصور هنا أربع: الأولى: أن يتولى البائع أو نائبه الوزن أو الكيل ثم يأخذ الموزون أو المكيل ليفرغه في ظرف المشتري فيسقط من يده أو يتلف فضمانه من البائع. الثانية: مثلها ولكن الذي تولى تفريغه في الظرف هو المشتري فضمانه من المشتري لأنه حين أخذه من الميزان أو المكيال ليفرغه في ظرفه فقد تولى قبضه فضمانه منه قال ابن رشد: باتفاق فيهما، ونازعه ابن عرفة في الأولى بوجود الخلاف فيها. الثالثة: أن يتولى المشتري الوزن أو الكيل والتفريغ فيسقط من يده، فقال مالك وابن القاسم: مصيبته من البائع؛ لأن المشتري وكيل عن البائع ولم يقبض لنفسه حتى يصل لظرفه. وقال سحنون: من المشتري. الرابعة: ألا يحضر ظرف المشتري وإنما يحمل ذلك في ظرف البائع بعد وزنه أو كيله ليفرغه في ظرفه ببيته مثلاً فيسقط منه أو يتلف، فضمانه من المشتري؛ لأن قبضه بعد الفراغ من وزنه قبض لنفسه في ظرف البائع، ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره، وليس فيه بيع الطعام قبل قبضه؛ لأنه قد وجد القبض منه. هذا تحرير الفقه قاله بعض المحققين.
(والأجرة): أي أجرة الكيل أو الوزن أو العد (عليه) أي على البائع إذ لا تحصل التوفية إلا به
ــ
ما تستبرأ به فإنها لا ترد على البائع بشيء مما يوجب الرد في السنة. وعهدة الثلاث تكون بعد مضي أيام الخيار لأنها إنما تكون بعد انبرام العقد وتدخل مع المواضعة، وأما الاستبراء المجرد فإن حصل في عهدة الثلاث اعتبر، وإن تأخر عنها فإنها لا تبقى في ضمان البائع إلى وجوده بل بانقضاء العهدة تدخل في ضمان المشتري، وأما الخيار فيدخل فيه المواضعة، وأما الاستبراء المجرد مع الخيار فكالاستبراء مع العهدة، وأما المواضعة والاستبراء المجرد فلا يتصور اجتماعهما، فعلم من هذا أن المواضعة تدخل مع عهدة الثلاث ومع الخيار وأن الاستبراء المجرد يدخل في كل واحد مما عداه غير المواضعة وينتظر مجيئه بعد انقضاء ما عداه.
قوله: [على ما يرد به المبيع]: أي لما فرغ من موجبات الضمان بالخيار الشرطي والحكمين [1] والغلط والغبن على أحد القولين فيهما والعهدة.
قوله: [وتقدم في الخيار أن ضمان المبيع بالخيار من البائع]: أي ما دام يخير المشتري ولم تنقض مدة الخيار وهو بيده.
قوله: [فإذا هلك في يد البائع عند تفريغه]: وأما إن كان التفريغ من المشتري فالضمان منه وحينئذ فالمراد بقبض المشتري له ما يشمل تسلمه له وتفريغه في أوعيته لا خصوص التفريغ في أوعيته المقتضي أنه إذا تلف في حال التفريغ يكون الضمان من البائع مطلقاً. قوله: [ونازعه ابن عرفة في الأولى] إلخ: أي قال كونه باتفاق خلاف محصل قول المازري إنه من بائعه أو مبتاعه.
قوله: [وقال سحنون من المشتري]: أي لأنه قابض لنفسه ولم يجر هذا الخلاف في الثانية لأن البائع لما تولى بنفسه الوزن دل على أن قبض المشتري منه قبض لنفسه.
قوله: [ألا يحضر ظرف المشتري]: أي ويريد المشتري حمل الموزون أو المكيل مثلاً أو المعدود في ظرف البائع ميزاناً أو جلوداً أو أزياراً.
وقوله: [فضمانه من المشتري]: أي بمجرد الفراغ من الوزن أو الكيل أو العد ولو كان الحامل لها لبيت المشتري البائع بطريق الوكالة ولو سمناً في فوارغة قبل وزنها فالفارغة على ربها كما يؤخذ من الـ (مج).
وقوله: [ويجوز له بيعه بذلك قبل وصوله لداره]: أي لأنه قد وجد منه القبض حقيقة. قوله: [قاله بعض المحققين]: المراد به (بن).
قوله: [والأجرة عليه]: وانظر لو تولى المشتري الكيل أو الوزن أو العد بنفسه هل له طلب البائع بأجرة ذلك أم لا، والظاهر كما قاله في الحاشية: أن له الأجرة إذا كان شأنه ذلك أو سأله الآخر، وكما أن أجرة ما ذكر
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(والحكمي).
(بخلاف القرض، فعلى المقترض) أجرة ما ذكر؛ لأن المقرض صنع معروفاً فلا يكلف الأجرة، وكذا على المقترض في رد القرض والأجرة بلا شبهة.
(وإلا) السلعة (المحبوسة) أي التي حبسها بائعها ولم يسلمها للمشتري (للثمن): أي لأجل قبض الثمن من المشتري (أو) إلا المبيع (الغائب) على الصفة أو رؤية متقدمة (فبالقبض) يدخل في ضمان المشتري، وقبله ضمانهما على البائع، ومثل المحبوسة للثمن: المحبوسة للإشهاد على البيع، إذ لا فرق بينهما على التحقيق. وقال ابن القاسم: هما كالرهن، وشهر، وعليه مشى الشيخ ورجح بعضهم ما ذكرناه. والمراد بالغائب: غير العقار كما تقدم.
(كالفاسد) فإن كل مبيع بيعاً فاسداً من عقار أو غيره لا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض. (وإلا المواضعة، فبرؤية الدم) تدخل في ضمان المشتري بمجرد رؤيته لا بخروجها من الحيضة خلافاً لظاهر عبارته.
(وإلا الثمار) المباعة بعد بدو صلاحها (فلأمن الجائحة) حتى تدخل في ضمان المشتري. والأمن يكون بتمام طيبها كما يأتي والمراد: أن ضمانها من البائع قبل أمنها من الجوائح بالنسبة للجوائح فقط، وأما الغصب ونحوه فمن المبتاع بمجرد العقد الصحيح.
(وإلا عهدة الثلاث فبانتهائها): يدخل الرقيق في ضمان المشتري.
ولما كان قبض المبيع الذي يحصل به ضمان المشتري مختلفاً باختلاف المبيع نبه عليه بقوله: (والقبض) الذي يكون به ضمان المشتري (في ذي التوفية: باستيفاء ما كيل أو عد أو وزن منه): أي من ذي التوفية، وقد تقدم بيان الاستيفاء قريباً.
(و) القبض (في العقار) وهو الأرض وما اتصل بها من بناء أو شجر (بالتخلية) بينه وبين المشتري، وتمكينه من التصرف به، وإن لم يخل البائع متاعه منه إن لم تكن دار سكناه.
(وفي دار السكنى بالإخلاء) لمتاعه منها ولا يكفي مجرد التخلية.
(و) القبض (في غيره): أي غير العقار من حيوان وعرض يكون (بالعرف) كتسليم الثوب وزمام الدابة أو سوقها أو عزلها عن دواب البائع أو انصراف البائع عنها.
(وتلف المبيع) المعين بيعاً صحيحاً (وقت ضمان البائع) له لكونه فيه حق توفية أو كان غائباً أو ثماراً قبل أمنه الجائحة أو فيه عهدة ثلاث أو مواضعة (بسماوي) أي بأمر من الله تعالى لا بجناية أحد عليه
ــ
على البائع أجرة كيل الثمن أو وزنه أو عده أو نقده على المشتري. قوله: [بخلاف القرض]: أي ومثله الإقالة والتولية والشركة، فليست على
المطلوبة منه لأنها فعل معروف وإنما هي على الطالب على الأرجح.
قوله: [وقال ابن القاسم هما كالركن [1]]: فعلى قول ابن القاسم لا يحسن الاستثناء في الصورتين لأن كونهما كالرهن لا يخرجهما عن ضمان المشتري إذ البائع إذا ضمنه إنما يضمنه ضمان تهمة فقط، وهذا لا ينافي أن ضمان الأصالة على المشتري. ألا ترى أن الضمان ينتفي عن البائع بالبينة؟
قوله: [ورجح بعضهم ما ذكرناه]: المراد به (ر). قوله: [فبرؤية الدم]: أي فدخولها في ضمان المشتري بمجرد رؤيته سواء قبضها أم لا وهذا في البيع الصحيح، وأما في الفاسد فلا تدخل في ضمان المشتري إلا إذا رأت الدم وقبضها لما تقدم أن الفاسد لا ينتقل ضمانه إلا بالقبض.
قوله: [المباعة]: أي بيعاً صحيحاً وأما المباعة بيعاً فاسداً فإن اشتريت بعد طيبها فضمانها من المشتري بمجرد العقد؛ لأنه لما كان متمكناً من أخذها كان بمنزلة القبض. ويلغز بها فيقال لنا: فاسد يضمن بالعقد، وإن اشتريت قبل طيبها فضمانها من البائع حتى يجذها المشتري - كذا في الأجهوري وتبعه (عب) والخرشي
وكتب عليه الشيخ أحمد النفراوي: لي فيه وقفة مع ما سبق من أن الفاسد لا بد فيه من القبض بالفعل ولا يكفي فيه التمكن فلينظر - كذا في حاشية الأصل.
قوله: [بتمام طيبها]: أي فمتى تم طيبها سواء جذها المشتري بعد ذلك أم لا انتقلت من ضمان البائع حتى في الجوائح. قوله: [وأما الغصب ونحوه]: أي كالسارق فلا يضمن فعلهما بناء على الراجح من أنهما ليسا بجائحة كما يأتي.
قوله: [بالتخلية]: أي بأن يسلم له المفاتيح إن كان له مفاتيح فإن لم يكن له مفاتيح كفى تمكينه من التصرف، وانظر لو مكنه من التصرف ومنعه من المفاتيح كما لو فتح له الدار وأخذ المفاتيح معه، هل يكون ذلك قبضاً أو لا؟ وهو ظاهر كلام بهرام.
قوله: [ولا يكفي مجرد التخلية]: أي بأن يسلم له المفاتيح والحال أن فيها أمتعة البائع، واعترض بأن بيان كيفية القبض لا فائدة له هنا لأن البيع صحيح وهو يدخل في ضمان المشتري بالعقد وإنما فائدته في الفاسد وفي كل ما يحتاج لحوز كالوقف والهبة والرهن فلو أتى المصنف بهذا عند ذكره ضمان البياعات الفاسدة لكان أولى. وحاصل الجواب: أنا لا نسلم أن بيان كيفية القبض لا تظهر فائدتها إلا في البيع الفاسد والوقف والهبة والرهن بل تظهر في بعض أفراد البيع الصحيح كالعقار إذا بيع مزارعة والغائب إذا بيع على الصفة أو على رؤية سابقة.
تنبيه: لو قال كل من المتبايعين لصاحبه: لا أدفع لك ما بيدي حتى تدفع لي ما بيدك بدئ المشتري بدفع الثمن النقد جبراً إذا كان المبيع عرضاً أو مثلياً لأنه في يد بائعه كالرهن على الثمن؛
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
كذا في ط الحلبية، ولعل الصواب:(كالرهن).
(مبطل) لعقد المبيع، فلا يلزم البائع الإتيان بمثله بخلاف ما إذا كان موصوفاً متعلقاً بالذمة، كالسلم، فإن المسلم إليه إذا أحضر المسلم فيه فتلف قبل أن يقبضه المسلم لزم الإتيان بمثل ما في ذمته فالكلام في المبيع المعين.
(وتلف بعضه): أي المبيع المعين وقت ضمان البائع (أو استحقاقه) أي البعض المعين (كعيب به) فينظر في الباقي بعد التلف أو الاستحقاق، فإن كان النصف فأكثر لزم الباقي بحصته من الثمن إن تعدد المبيع وكان قائماً فإن اتحد أو فات خير المشتري.
(و) إن كان الباقي أقل (حرم التمسك بالأقل) وتعين الفسخ كما تقدم (إلا المثلي) فيخير مطلقاً فيهما بين الفسخ والتماسك بالباقي بحصته من الثمن وإن كان التخيير في العيب بين رد الجميع والتماسك بالجميع بالثمن.
ولما بين حكم ما إذا تلف المبيع أو بعضه بسماوي، ذكر ما إذا جنى عليه جان وهو: إما البائع، أو المشتري، أو غيرهما بقوله:(وخير مشتر) بين فسخ البيع والتماسك به. فيرجع على البائع بقيمة المقوم أو مثل المثلي (إن غيب بائع) المبيع أي أخفاه وادعى ضياعه، ولا بينة، ولم يصدقه المشتري ونكل البائع عن اليمين. ووجه التخيير أنه لم يتمكن من المبيع مع جواز بقائه عند بائعه، وهذه القيود تفهم من قوله الآتي:"والبائع والأجنبي يوجب الغرم".
(أو عيب) بالعين المهملة: إن قرئ بالبناء للفاعل؛ أي أحدث البائع فيه عيباً زمن ضمان البائع - كما هو الموضوع - ناقضه قوله الآتي: "كتعييبه".
وإن قرئ بالبناء للمفعول -وهو الأولى- كان الضمير النائب عن الفاعل عائداً على المبيع. والمعنى: إن حدث به عيب سماوي زمن ضمان البائع خير المشتري بين الرد والتماسك ولا شيء له (أو استحق) من مبيع متحد كدار أو عبد أو ثوب (بعض شائع وإن قل) فيخير المشتري بين التماسك بالباقي، ويرجع بحصة ما استحق من الثمن وبين الرد ويرجع بجميع ثمنه. وهذا إن كثر كالثلث فأكثر مطلقاً، انقسم أو لا، كان متخذاً للغلة أو لا. أو أقل من الثلث ولم ينقسم، كعبد، ولم يتخذ للغلة فإن قبل القسمة أو اتخذ للغلة قبل القسمة أو لا، فلا خيار بل يلزمه التمسك بالباقي بحصته من الثمن. فالصور ثمانية: الخيار في خمسة منها. واحترز بقوله: "بعض شائع" من المعين وقد قدمه بقوله: "وحرم التمسك بالأقل إلا المثلي".
ــ
فموضوع الكلام في بيع عرض أو مثلي بنقد، وإلا لم يجبر واحد على التبدئة ثم إن كان العقد على نقدين مبادلة أو صرفاً قيل لهما: إن تأخر قبضكما انتقض العقد وإن كانا مثليين غير ما ذكر أو عرضين تركا حتى يصطلحا، فإن كان بحضرة حاكم وكل من يتولى ذلك لهما.
قوله: [مبطل]: محل البطلان إن ثبت التلف بالبينة أو تصادقا عليه بدليل قوله الآتي: "وخير مشتر إن غيب بائع".
قوله: [لزم الباقي بحصته من الثمن]: أي لزم التمسك بذلك الباقي ويرجع بحصة ما تلف لأن بقاء النصف كبقاء الجل.
قوله: [فإن اتحد]: أي كعبد أو دابة وسيأتي ذلك. قوله: [أو فات خير المشتري]: التخيير في التلف والاستحقاق لا يظهر وإنما الواجب فيه التمسك بالفائت الذي لم يستحق ولم يتلف بحصته من الثمن ويرجع بحصة المستحق أو التالف من الثمن فتأمل.
قوله: [حرم التمسك بالأقل]: لأن التمسك به كإنشاء عقدة بثمن مجهول إذ لا يعلم ثمنه إلا بعد تقويم المبيع كله أولاً ثم تقويم كل جزء من الأجزاء كما تقدم. ومحل حرمة التمسك بالأقل ما لم يفت كما تقدم.
قوله: [إلا المثلي] إلخ: حاصله أن المبيع إذا كان فيه حق توفية وتلف بعضه بسماوي وهو في ضمان البائع أو استحق بعضه - كان في ضمان البائع أم لا - أو تعيب بعضه بسماوي وهو في ضمان البائع، فإن كان الباقي بعد التلف أو الاستحقاق والسالم من التعييب النصف فأكثر تعين التمسك بذلك الباقي بحصته من الثمن. وإن كان الباقي بعد التلف أو الاستحقاق والسالم من التعييب أقل من النصف ففي التلف والاستحقاق يخير المشتري بين فسخ البيع والرجوع بثمنه والتماسك بذلك الباقي القليل بحصته من الثمن ويرجع بحصة ما تلف أو استحق، وأما في التعييب فيخير بين فسخ البيع وأخذ ثمنه والتماسك بجميع المبيع سالماً ومعيباً بكل الثمن ولا يجوز له أن يتمسك بذلك السالم فقط بحصته من الثمن.
قوله: [وخير مشتر] إلخ: حاصله أن البائع إذا أخفى المبيع وقت ضمانه وادعى هلاكه والفرض أن البيع على البت ولم يصدقه المشتري بل ادعى أنه أخفاه وأن دعواه الهلاك لا أصل لها ونكل ذلك البائع عن اليمين، فإن المشتري يخير بين الفسخ عن نفسه لعدم تمكنه من قبض المبيع أو التماسك به ويطالب البائع بمثله أو قيمته. وأما لو كان البيع على الخيار فيلزم البائع الثمن ولا خيار للمشتري وإنما خير المشتري في البت دون الخيار مع أن ضمان السلعة في المسألتين من البائع لأن العقد في الخيار غير متبرم والسلعة باقية على ملك البائع. ولا يدخل في كلام المصنف المحبوسة بالثمن أو للإشهاد بناء على أنها كالرهن يضمنها ضمان الرهن، إذ لا تخيير للمشتري فيها وإنما له القيمة بالغة ما بلغت. نعم يدخل على القول الآخر من أن البائع يضمنها ضمان أصالة.
قوله: [وهو الأولى]: أي بل متعين؛ لأن التخيير المذكور إنما هو في السماوي على المعتمد وأما في تعييب البائع عمداً أو خطأ فيغرم الأرش إن اختار المشتري التماسك كما يأتي.
قوله: [فالصور ثمانية]:
(وإتلاف المشتري) لمبيع مقوم أو مثلي زمن ضمان البائع (قبض) أي كالقبض فيلزمه الثمن. (و) إتلاف (البائع والأجنبي يوجب الغرم) على من أتلف منهما: أي غرم قيمة المقوم ومثل المثلي ولا سبيل للفسخ بأخذ جميع الثمن (كتعييبه)، أي من ذكر من بائع أو أجنبي أو مشتر. فتعييب المشتري وقت ضمان البائع قبض، وتعييب الأجنبي يوجب غرم الأرش لمن منه الضمان، وتعييب البائع يوجب غرم الأرش للمشتري قال في المدونة في كتاب الاستحقاق: ومن ابتاع من رجل طعاماً بعينه ففارقه قبل أن يكتاله فتعدى البائع على الطعام فعليه أن يأتي بطعام مثله، ولا خيار للمبتاع في أخذ دنانيره. ولو هلك الطعام بأمر من الله تعالى انتقض البيع وليس للبائع أن يعطي طعاماً مثله ولا ذلك عليه اهـ. وهذا يفيد أن تعييب البائع يوجب الغرم ولو خطأ كالأجنبي ولا يلحق الخطأ بالسماوي وعليه، فيتعين قراءة قولنا المتقدم "أو عيب" بالبناء للمفعول، ويحمل على السماوي. وقول الشيخ:"وكذلك إتلافه"، صوابه تعييبه؛ لأن الإتلاف ذكره قبله. وعبارة ابن الحاجب: وكذلك تعييبه، قال في التوضيح: أي تعييب المبيع كإتلافه، فيفصل فيه بين البائع والمشتري والأجنبي كما تقدم اهـ. وترتيب هذه المسألة - على ما ذكرنا أحسن من ترتيبه.
(وجاز) لمن ملك شيئاً بشراء أو غيره (البيع) له (قبل القبض) له من مالكه الأول (إلا طعام المعاوضة) فلا يجوز بيعه قبل قبضه، وسواء كان الطعام ربوياً أو غير ربوي. وطعام المعاوضة: ما استحق في نظير عوض (ولو) كان العوض غير متمول (كرزق قاض وجندي) فإنه من بيت المال في نظير حكمه وحراسته وغزوه، وكذا رزق عالم أو إمام أو مؤذن أو نحوهم في وقف أو بيت مال في نظير التدريس أو الإمامة أو الأذان. لا يجوز بيعه قبل قبضه من ناظر ونحوه؛ لأنه في نظير عمله وهو عوض بخلاف ما لو رتب شيء لإنسان من بيت المال أو غيره كوقف على وجه الصدقة فيجوز بيعه قبل قبضه لعدم المعاوضة، ومحل منع بيع طعام المعاوضة: قبل قبضه (إن أخذ بكيل) أي أو وزن أو عد (لا) إن أخذ (جزافاً) فيجوز بيعه قبل قبضه، فمن اشترى صبرة جزافاً بشرطه جاز بيعها قبل القبض لدخولها في ضمان المشتري بالعقد، فهي مقبوضة حكماً فليس في الجزاف توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض وحرمة بيع طعام المعاوضة قبل قبضه، قيل: تعبد، وقيل: معقولة المعنى من حيث إنه ربما أدى لفساد فنهى الشارع عنه سداً للذريعة، وقيل: غير ذلك.
وقولنا: (إلا كوصي ليتيميه) مستثنى من المنع، والمعنى: أن الوصي أو الأب أو السيد إذا اشترى لأحد يتيميه أو لأحد ولديه أو لأحد عبديه طعاماً من الآخر كان له أن يبيعه لأجنبي قبل قبضه قبضاً [1] ثانياً حسياً لمن اشتراه له؛ لأن الولي لما كان يتولى الطرفين لمحجوره نزل اشتراؤه من أحدهما للآخر منزلة القبض،
ــ
حاصلها أن المبيع: إما أن يكون قابلاً للقسمة أو لا. وفي كل إما أن يتخذ للغلة أو لا؛ فهذه أربعة، وفي كل: إما أن يكون الجزء المستحق كثيراً كالثلث فأكثر أو قليلاً؛ فهذه ثمانية. فإن كان كثيراً خير المشتري كان المبيع يمكن قسمه أو لا متخذاً للغلة أو لا، وكذا إن كان قليلاً وكان المبيع لا يمكن قسمه ولم يتخذ للغلة. فإن كان متخذاً للغلة قبل القسمة أو لا، أو قبل القسمة وهو غير متخذ للغلة، فلا خيار للمشتري ويلزمه الباقي بحصته من الثمن.
قوله: [وإتلاف المشتري] إلخ: أي والموضوع أن الشراء على البت.
قوله: [بشراء أو غيره]: أي كهبة أو صدقة وسواء كان ذلك الشيء طعاماً أو غيره لأن الاستثناء معيار العموم. قوله: [إلا طعام المعاوضة]: أي إلا الطعام الذي حصل بمعاوضة لما ورد في الموطأ والبخاري ومسلم عن أبي هريرة من النهي عن ذلك وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله» .
قوله: [كرزق قاض]: أي كطعام جعل للقاضي من بيت المال في نظير ذلك. قوله: [على وجه الصدقة]: حاصله أن من له شيء من الطعام في بيت المال في مقابلة قيامه بمصلحة من مصالح المسلمين لا يجوز له أن يبيعه قبل قبضه. ومن له شيء من الطعام على وجه الصدقة جاز له بيعه قبل قبضه قال (عب): ويلحق برزق القاضي طعام جعل صداقاً أو خلعاً فلا يجوز بيعه قبل قبضه لا مأخوذ عن مستهلك عمداً أو خطأ فيجوز بيعه قبل قبضه. اهـ.
وكذا المثلي المبيع فاسداً إذا فات ووجب مثله كما قال (بن): بجامع أن المعاوضة ليست اختيارية بل جر إليها الحال في كل خلافاً لـ (عب) حيث جعله كرزق القاضي.
قوله: [إن أخذ بكيل]: أي إذا كان بائعه اشتراه بكيل وباعه قبل أن يقبضه سواء باعه جزافاً أو على الكيل.
قوله: [وجاز بيعها قبل القبض]: أي جزافاً أو على الكيل. قوله: [وحرمة بيع طعام المعاوضة قبل قبضه قيل تعبد] إلخ: قال في التوضيح: والصحيح عند أهل المذهب أن هذا النهي تعبدي. وقيل: إنه معقول المعنى لأن الشارع له غرض في ظهوره فلو أجيز بيعه قبل قبضه لباعه أهل الأموال بعضهم لبعض من غير ظهور بخلاف ما إذا منع من ذلك فإنه ينتفع به الكيال والحمال ويظهر للفقراء فتطمئن به قلوب الناس ولا سيما في زمن المسغبة والشدة. اهـ. .
قوله: [إلا كوصي ليتيميه]: إنما كان هذا مستثنى من المنع لأن محل اشتراط كون القبض حسياً ما لم يكن البائع يتولى الطرفين وإلا جاز بيعه قبل قبضه حساً كما قال الشارح. قوله: [أو الأب أو السيد]: بيان لما دخل تحت الكاف. وقوله: [إذا اشترى لأحد يتيميه] إلخ لف ونشر مرتب. قوله: [نزل اشتراؤه من أحدهما للآخر منزلة القبض]: أي الحسي.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
ليست في ط المعارف.
فإذا باعه من أجنبي لمن اشتراه له فكأنه قبضه وباعه له بعد قبضه فجاز بخلاف من عنده طعام وديعة لشخص أو اشتراه له بإذنه ثم اشتراه من مالكه قبل أن يقبضه المالك فلا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء؛ لأن ذلك القبض السابق على الشراء لم يكن قبضاً تاماً، بدليل أن رب الطعام لو أراد إزالته من يده ومنعه من التصرف كان له ذلك -ذكره في التوضيح عن ابن عبد السلام. وكذا من عليه طعام من سلم لا يجوز له أن يدفع عيناً أو عرضاً لرب الطعام يقول له: اشتر طعاماً وكله ثم اقبض منه ما لك علي من الطعام. قال في المدونة: لأنه بيع طعام قبل قبضه، أي: لأنه قبض من نفسه لنفسه حقه قبل أن يقبضه دافع الثمن. وهاتان المسألتان قد فسر بهما قول الشيخ تبعاً لابن الحاجب ولم يقبض من نفسه، أي لا يكفي في جواز بيع الطعام قبل قبضه أن يقبض من نفسه لأنه قبض ضعيف كالعدم ولا بد من قبضه حقيقة من مالكه حتى يجوز بيعه، واستثنوا من ذلك الولي بالنسبة لمحجوريه فأكثر إذا اشترى لأحدهما من الآخر طعاماً فيجوز له أن يبيعه قبل قبضه له لأجنبي كما تقدم.
(وجاز) لمن اشترى طعاماً (إقراضه) قبل قبضه لشخص (أو وفاؤه عن قرض) عليه لأن الإقراض، والوفاء عن قرض ليسا ببيع فليس فيه توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض بخلاف وفائه عن دين أصله بيع فلا يجوز لوجود علة المنع.
(و) جاز (لمقترض بيعه) قبل قبضه ممن اقترضه منه، وسواء باعه لمن تسلفه منه أو لأجنبي، وهذا محترز:"طعام معاوضة". وكذا قوله: (كصدقة) أو هبة يجوز بيعها قبل قبضها من الواهب أو المتصدق (ولو) كانت الصدقة (مرتبة من بيت المال) أو من وقف لا في نظير عمل. ومحل الجواز إذا لم يكن المتصدق أو الواهب اشتراه وتصدق به أو وهبه قبل قبضه وإلا فلا يبيعه حتى يقبضه.
(و) جاز (إقالة من جميعه) أي جميع طعام المعاوضة قبل قبضه من بائعه بأن يرده لبائعه؛ لأنها هنا حل بيع لا بيع قال ابن عرفة: الإقالة ترك المبيع لبائعه بثمنه. اهـ. فإن وقعت بأكثر من الثمن أو أقل لم يجز لأنها حينئذ بيع كما يأتي. ومفهوم جميعه فيه تفصيل أشار له بقوله: (وكذا) تجوز الإقالة قبل قبض الطعام (من بعضه) دون البعض الآخر إذا كان الثمن الذي وقع به البيع حاضراً لم يغب عليه البائع، وأولى إذا لم يقبضه أو غاب عليه، وهو مما يعرف بعينه كالعروض والحيوان. وإلا لم يجز؛ لأنه يعد بيعاً مستقلاً فيلزم بيع الطعام قبل قبضه وإليه أشار بقوله:(إلا إذا كان الثمن لا يعرف بعينه وغاب عليه البائع).
وأشار لشرط جواز الإقالة من الطعام قبل القبض بقوله: (إن وقعت) الإقالة فيه (بالثمن) عينه سواء كان الثمن مثلياً أو عرضاً أو حيواناً ناطقاً أو غيره لا بأقل منه ولا بأكثر ولا بغيره،
ــ
قوله: [فإذا باعه من أجنبي]: من بمعنى اللام وقوله لمن اشتراه له اللام بمعنى على أي باعه على المحجور الثاني بعد أن اشتراه له من المحجور الآخر من غير أن يتخلل البيعتين قبض.
قوله: [فكأنه قبضه]: أي لمحجوره الثاني وقوله وباعه له أي عليه. قوله: [فلا يجوز له بيعه بالقبض السابق على الشراء]: أي لأن شرط جواز بيع طعام المعاوضة ألا يقبض من نفسه لنفسه. قوله: [لأنه قبض من نفسه لنفسه حقه] إلخ هذا التعليل عائد على ما تقدم من قوله بخلاف من عنده طعام وديعة إلى هنا بدليل قوله: " وهاتان المسألتان " إلخ. قوله: [واستثنوا من ذلك]: أي من قولهم إن القبض من النفس ضعيف لا يعتبر.
قوله: [لوجود علة المنع]: أي وهي توالي عقدتي بيع لم يتخللهما قبض. قوله: [ومحل الجواز]: إلخ: ولذلك قال (بن): ويقيد الجواز بما إذا لم يكن المتصدق اشتراه وتصدق به قبل أن يقبضه، وإلا فالمتصدق عليه لا يبيعه حتى يقبضه، وكذا يقال في طعام الهبة والقرض، قال في الجلاب: من ابتاع طعاماً بكيل ثم أقرضه رجلاً أو وهبه له أو قضاه لرجل عن قرض كان له عليه فلا يبيعه أحد ممن صار إليه ذلك الطعام حتى يقبضه.
تنبيه: يجوز للسيد بيع الطعام الذي على المكاتب من المكاتب قبل قبضه منه بعين أو عرض لأنه يغتفر بين السيد وعبده ما لا يغتفر بين غيرهما وهل محل الجواز إن عجل العتق للمكاتب بأن يبيعه جميع ما عليه من النجوم أو بعضها ويعجل العتق على بقاء الباقي في ذمته أو الجواز مطلقاً، لأن الكتابة ليست ديناً ثابتاً في الذمة ولا يحاصص بها السيد الغرماء في موت ولا فلس ويجوز بيعها للمكاتب بدين مؤجل لا لأجنبي قولان.
قوله: [أي جميع طعام المعاوضة]: الأولى أن يقول أي جميع المبيع من طعام المعاوضة ويدل لذلك ما سيذكره في المفهوم بعد. والحاصل: أن من اشترى من شخص طعاماً يجوز له أن يوقع الإقالة في جميعه قبل قبضه سواء كان الثمن عيناً أو عرضاً غاب عليه البائع أم لا.
قوله: [لا بيع]: أي مؤتنف وإلا لمنعت لما فيها من بيع الطعام قبل قبضه. قوله: [إلا إذا كان الثمن لا يعرف بعينه]: أي كان عيناً أو طعاماً وإنما منعت الإقالة مع غيبته عليه لأن فيه بيعاً وسلفاً فالبيع ما كان الثمن في مقابلة البعض الذي لم تقع الإقالة فيه والسلف ما كان في مقابلة البعض الذي
وإلا لزم بيع طعام المعاوضة قبل قبضه، وسواء كان الطعام المبتاع سلماً أو لا فيجوز بالثمن نفسه (وإن تغير سوقه) بغلاء أو رخص (لا) إن تغير (بدنه) بعيب كعرج وعور أو بسمن أو هزال (لا) تجوز إن وقعت (بمثله) أي مثل الثمن إذا كان من المثليات من مكيل أو موزون أو معدود (إلا العين) خاصة (فله دفع مثلها) إذا غاب عليها بائع الطعام بعد قبضها بل (وإن) كانت (حاضرة) بيده في المجلس؛ لأن النقود لا تراد لأعيانها.
وإذا كان الطعام الذي وقعت فيه الإقالة سلماً لا بد من تعجيل رد رأس المال الذي وقع ثمناً لئلا يلزم فسخ الدين في الدين، ولا يجوز التأخير ولو ساعة ولو برهن أو حميل أو حوالة.
(والإقالة) من حيث هي (بيع) يشترط فيها ما يشترط فيه، ويمنعها ما يمنعه، فإذا وقعت وقت نداء الجمعة منعت وفسخت، وإذا حدث بالمبيع عيب وقت ضمان المشتري ولم يعلم به البائع إلا بعد الإقالة فله الرد به (إلا في طعام المعاوضة) قبل قبضه فهي فيه حل للبيع كما مر.
(و) إلا في (الشفعة) فليست بيعاً، ولا حل بيع، بل هي لاغية فمن باع نصيبه من عقار ثم أقال المشتري منه فالشفعة ثابتة للشريك بما وقعت به الإقالة وعهدة الشفيع على المشتري، ولو كانت بيعاً لخير الشفيع بين أن يأخذ بالأول أو الثاني وعهدته على من أخذ يبيعه ولو كانت حل بيع لم تكن شفعة.
(و) إلا في (المرابحة) فهي حل البيع، فمن باع بمرابحة ثم تقايل مع المشتري فلا يجوز له أن يبيعها مرابحة على الثمن الذي وقعت الإقالة به إذا وقعت بزيادة.
(و) جازت (تولية فيه): أي في الطعام قبل قبضه بأن يقول له شخص: ولني ما اشتريت من الطعام بما اشتريته فيفعل، (وشركة) بأن يقول له: أشركني فيما اشتريته من الطعام قبل قبضه، فيشركه؛ لأن التولية والشركة من المعروف كالقرض فتسومح فيهما.
(و) محل الجواز في الشركة (إن لم تكن) الشركة (على) شرط أن (ينقد) من شركته (عنك) الثمن الذي اشتريت به وإلا كان بيعاً وسلفاً منه لك وانتفى المعروف
ــ
وقعت الإقالة فيه: والحاصل: أنه إذا كان رأس المال عرضاً يعرف بعينه - غاب عليه القابض أم لا - أو كان عيناً أو طعاماً لا يعرف بعينه ولم يغب عليه القابض جازت الإقالة في البعض وإن كان عيناً أو طعاماً وقبضه وغاب عليه لم تجز الإقالة في البعض.
قوله: [وإلا لزم بيع طعام المعاوضة قبل قبضه]: أي لأنه متى تغير الثمن الأول في الصفة أو القدر. لا يقال فيها: حل بيع، بل بيع مؤتنف وبيع الطعام قبل قبضه يجوز.
قوله [وإن تغير سوقه]: الضمير يعود على الثمن فإذا أسلمت دابة مثلاً في طعام فإنه يجوز لك أن تقيل منه قبل قبضه وإن تغير سوق تلك الدابة بزيادة أو نقص لأن المدار على عين المدفوع ثمناً وهو باق.
وقوله: [لا إن تغير بدنه]: أي فلا يجوز الإقالة فيه حينئذ إلا بعد قبض الطعام لأن الإقالة حينئذ تصير بيعاً مؤتنفاً.
قوله: [أو بسمن أو هزال]: أي فلا فرق بين الأمة والدابة خلافاً لما مشى عليه خليل من جعله سمن الدابة وهزالها مفوتاً بخلاف سمن الأمة وهزالها فلا يفيتها. وإنما المفوت لها التغير بنحو العور فإن ما مشى عليه شارحنا هو ما استظهره ابن عرفة قائلاً: الأظهر أن ما يراد من الرقيق للخدمة كالدابة.
قوله: [إلا العين خاصة]: قال الخرشي: وهذا ما لم يكن البائع من ذوي الشبهات فإن الدراهم والدنانير تتعين في حقه.
قوله: [إذا غاب عليها] إلخ: محل هذا في الإقالة من الجميع لا من البعض لأنه تقدم أنه يشترط فيه عدم الغيبة على الثمن إذا كان لا يعرف بعينه.
قوله: [لأن النقود لا تراد لأعيانها]: أي ما لم يكن من ذوي الشبهات كما علمت.
قوله: [فهي فيه حل للبيع]: أي فلذلك جازت قبل قبض المشتري لها من البائع بالشروط المتقدمة. قوله: [بل هي لاغية]: أي باطلة شرعاً كالمعدومة حساً. قوله: [فالشفعة ثابتة]: أي وليست مرتبة على كون الإقالة بيعاً بل على البيع الأول: قوله: [لخير الشفيع]: أي لما يأتي في الشفعة من أن المشتري إذا تعدد خير الشفيع بين أن يأخذ بأي بيع إلى آخر ما يأتي.
قوله: [لم تكن شفعة]: أي لم توجد لرجوع المبيع لصاحبه.
قوله: [فلا يجوز له أن يبيعها مرابحة] إلخ: أي كمن اشترى سلعة بعشرة وباعها بخمسة عشر ثم تقايلا فلا يبيع مرابحة على الثمن الثاني اللهم إلا أن يبين، قوله:[وجازت تولية] التولية تصيير مشتر ما اشتراه لغير بائعه بثمنه وهي في الطعام غير الجزاف رخصة وشرطها كون الثمن عيناً كما يأتي. قوله: [وشركة]: المراد بالشركة هنا جعل مشتر قدراً لغير بائعه باختياره مما اشتراه لنفسه بمنابه من ثمنه - كذا قال ابن عرفة. وقوله: "هنا" احترازاً من الشركة المترجم عنها بباب الشركة، والإشارة بقوله:"هنا" إلى مبحث الإقالة والتولية وقوله: "قدراً أخرج به التولية" وقوله: "لغير بائعه" أخرج به الإقالة في بعض المواضع وقوله: "باختياره" أخرج به ما إذا اشترى شيئاً ثم استحق جزءاً منه فإنه يصدق عليه أن المشتري جعل قدراً لغير بائعه لكن بغير اختياره وقوله "بمنابه من الثمن" أخرج به ما إذا اشترى سلعة بدينار ثم جعل لأجنبي منها الربع بنصف دينار فلا يصدق على ذلك شركة هنا.
قوله: [كالقرض]: أي فكما يجوز فيه القرض بعد شرائه وقبل قبضه يجوز فيه التولية والشركة.
قوله: [وإلا كان بيعاً وسلفاً] إلخ: قال (عب): ولا يخفى
فهذا ظاهر الشركة دون التولية.
(و) إن (استوى عقداهما) أي المولي والمشرك -بالكسر- والمولي والمشرك -بالفتح- قدراً وأجلاً وحلولاً ورهناً وحميلاً (فيهما): أي في التولية والشركة في الطعام قبل قبضه خاصة فقوله: "فيهما" راجع لشرط الاستواء فقط كما يفيده النقل.
(وإن) اشتريت شيئاً فطلب منك إنسان أن تشركه فيه و (أشركته) بأن قلت له: أشركتك (حمل) التشريك (عند الإطلاق على النصف): فيقضى له به [1] فإن قيد بشيء من ثلث أو غيره فالأمر ظاهر (وإن سأل ثالث شركتهما، فله الثلث) عند الإطلاق (وهكذا) أي فإن سألهم رابع فله الربع وهذا فيما إذا استولى الأنصباء وسألهما أو سألهم معاً بمجلس فأجابوا بنعم. وأما لو سأل كل واحد على حدته فأجابه لكان له نصف نصيب من أجابه قل أو كثر، وكذا إذا اختلفت الأنصباء.
(ولو وليته): أي من طلب منك التولية (ما اشتريت) من سلعة (بما اشتريت) من ثمن ولم تبين له الثمن ولا المثمن (جاز) لأنه من المعروف (إن لم تلزمه) البيع بأن سكت أو جعلت له الخيار عند رؤيته المبيع وعلمه بثمنه.
(وله الخيار) إذا رآه وعلم الثمن. ومفهوم: "إن لم تلزمه" أنك لو ألزمته البيع لم يجز، وهو كذلك لما فيه من الخطر وشدة الجهالة فيفسد البيع.
(وإن علم) حين التولية (بأحد العوضين) الثمن أو المثمن دون الآخر (ثم علم بالآخر فكره) البيع وأراد رده (فلذلك له).
ولما كانت الأنواع التي يطلب فيها المناجزة ستة، بين ما هو الأضيق منها بقوله:(والأضيق) مما يطلب فيه المناجزة: (صرف) لأنه لا يغتفر فيه المفارقة بالبدن
ــ
أن التعليل بالبيع والسلف يجري في الشركة في غير الطعام فحينئذ لا خصوصية لطعام المعاوضة بذلك. قوله: [فهذا ظاهر في الشركة دون التولية]: أي وأما التولية فلا يضر فيها هذا الشرط لأنه ينقد عن نفسه ما لزمه، خلافاً لما مشى عليه بعض شراح خليل من المنع في التولية أيضاً معللاً بأن البائع الأول قد يشترط النقد على المشتري وقد لا يكون معه نقد فإذا اشترط المشتري ذلك على من ولاه أن ينقد الثمن عنه ثم ولاه بعد ذلك كان ذلك سلفاً ابتداء من حيث شرط النقد وبيعاً انتهاء من حيث أخذ المبيع في نظير الثمن وهذا تكليف بعيد كما لا يخفى.
قوله: [وإن استوى عقداهما] إلخ بقي شرط ثالث: وهو أن يكون الثمن عيناً، فإن كان مكيلاً أو موزوناً منع عند ابن القاسم لا عند أشهب، واللخمي وقول أشهب أحسن إذا كان مما لا تختلف فيه الأغراض. اهـ. ولا يجوز أن يوجه إذا كان رأس المال عرضاً لا يكال ولا يوزن لأن ذلك يؤول إلى القيمة فيؤدي لعدم استواء العقدين لأن القيمة لا تنضبط.
قوله: [راجع لشرط الاستواء] أي لما علمت أن شرط النقد لا يضر في التولية. فتحصل مما تقدم أن شرط الإقالة في الطعام قبل قبضه اتفاق الثمنين قدراً ووقوعها في كل المبيع كبعضه بشرط ألا يغيب على الثمن وهو مما لا يعرف بعينه. وشرط التولية فيه قبل قبضه: استواء العقدين في قدر الثمن وأجله أو حلوله وفي الرهن والحميل وكون الثمن عيناً. وشرط الشركة فيه قبل قبضه: ألا يشترط المشرك بالكسر على المشرك بالفتح أن ينقد عنه وأن يتفق عقداهما وأن يكون الثمن عيناً، فالاتفاق في قدر الثمن شرط في الثلاثة، وكون الثمن عيناً شرط في التولية والشركة فقط، واشتراط عدم النقد عنه شرط في الشركة فقط.
تنبيه: يدخل في ضمان المولى والمشرك - بالفتح - فيهما جميع الشيء المشترى المعين في التولية، وحصته في الشركة كعبد بمجرد عقد الشركة وإن لم يقبضه ولم يدفع الثمن، وكذلك يدخل في ضمان المولى والمشرك بمجرد عقد التولية والشركة الطعام الذي كلته يا مولى ويا مشرك وصدقك وشركته أو وليته ثم تلف وإن لم يقبضه الثمن لفعل المعروف، فهاتان المسألتان مستثناتان من بيع الغائب وذي التوفية فتأمل.
قوله: [على النصف]: أي لأنه الجزء الذي لا ترجيح فيه لأحد الجانبين.
قوله: [وكذا إذا اختلفت الأنصباء]: أي كما لو كانا شريكين بالثلث والثلثين، فإذا قالا له: أشركناك، كان له نصف الثلث ونصف الثلثين حينئذ فيكون له النصف وللأول السدس وللثاني الثلث.
قوله: [جاز] إلخ أي والفرض أنها حصلت بصيغة التولية، وأما لو كانت بلفظ البيع لفسدت في صورتي الإلزام والسكوت وصحت في شرط الخيار وظاهره الجواز سواء كان الثمن عيناً أو غيره. إن قلت: تقدم أن شرط التولية كون الثمن عيناً؟ أجيب بأن ما تقدم في التولية في طعام المعاوضة قبل قبضه وأما فيه بعد القبض أو في غيره مطلقاً فتجوز وإن لم يكن الثمن عيناً.
قوله: [فذلك له]: أي له الخيار لأن التولية من ناحية المعروف تلزم المولي بالكسر بمجرد العقد ولا تلزم المولى بالفتح إلا بعد علمه بالثمن والمثمن.
قوله: [المفارقة بالبدن]: أي للمتصارفين معاً أو لأحدهما ليأتي بدراهمه.
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
قوله: (له به) ليس في ط المعارف.
ولا طول بالمجلس (فإقالة طعام) من سلم تقدم في صدر هذا المبحث أنه لا يجوز فيه التأخير ولا ساعة، إلا أن المفارقة بالبدن لتحصيل الثمن لا تضر إذا لم تطل، وكذا التوكيل على القبض قبل المفارقة.
(فتولية فشركة فيه) أي: في طعام السلم، فمن أسلم في طعام فولاه لغيره أو أشركه فيه اغتفر لمن ولاه أو أشركه تأخير الثمن بعض اليوم، وقيل: يغتفر مفارقة البدن فقط كالذي قبله. والوسع فيه عما قبله باعتبار أن القول بجواز تأخير اليوم أو اليومين قوي.
(فإقالة عرض) أي من سلم، فمن أسلم في عرض ثم أقال بائعه فلا بد من تعجيل رد مال السلم، وإلا لزم فسخ الدين في الدين، وقد يجوز التأخير نحو الساعة العرفية.
(و) مثله (فسخ دين في دين) صريحاً، كأن تطالبه بدين عليه عين مثلاً فيعطيك في نظيره ثوباً أو عبداً وبالعكس، فلا بد من التعجيل كالذي قبله وقد يغتفر نحو الذهاب للبيت. ووسعه من حيث إن الخلاف بجواز اليوم ونحوه قوي.
(فبيعه به) أي بيع الدين بالدين كبيع عرض من سلم لغير من هو عليه، فلا بد فيه من تعجيل ثمنه كالذي قبله، ووسعه باعتبار أن الخلاف فيه قوي فلا يجوز اليوم ونحوه في الجميع على ما هو المعتمد.
(فابتداؤه): أي الدين بالدين، فإنه أوسع مما قبله حقيقة؛ لجواز تأخير رأس السلم بشرط الثلاثة الأيام، فعلم أن الأضيق حقيقة الصرف، والأوسع حقيقة ابتداء الدين بالدين، وأن ما بينهما على ما هو المعتمد رتبة واحدة والتوسعة فيها باعتبار أن مقابل المعتمد فيها قوي. ومن قلد عالماً في قوله المعتبر عند أهل العلم لقي الله سالماً، والله أعلم.
(فصل)
في بيان حكم بيع المرابحة وبيان حقيقته
(المرابحة: وهي بيع ما اشترى) من إضافة المصدر لمفعوله: أي إن حقيقتها أن يبيع بائع شيئاً اشتراه بثمن معلوم (بثمنه) الذي اشتراه به (وربح): أي مع زيادة ربح (علم) لهما فخرج جميع أنواع البيع من صرف ومبادلة ومراطلة وسلم وشركة، وكذا الإجارة والمساقاة.
(جائزة) خبر لقوله المرابحة، والمراد بالجواز خلاف الأولى، ولذا قال الشيخ:"والأحب خلافه"، والمساومة أحب إلى أهل العلم من بيع المزايدة وبيع الاستئمان والاسترسال، وأضيقها عندهم بيع المرابحة؛ لأنه يتوقف على أمور كثيرة قل أن يأتي بها البائع على وجهها.
ــ
قوله: [ولا طول بالمجلس]: أي بعد العقد وقبل الاصطراف.
قوله: [فإقالة طعام من سلم]: إنما قيد الشارح الإقالة المذكورة بكون الطعام من سلم لأن الإقالة في الطعام إذا كان من بيع سواء وقعت قبل قبضه أو بعده يجوز فيها تأخير رد الثمن ولو سنة كما قاله في حاشية الأصل نقلاً عن تقرير شيخ مشايخنا العدوي والعلة في منع التأخير في الإقالة من طعام السلم تأديته إلى فسخ الدين في الدين مع بيع الطعام قبل قبضه ولا يقال إنها حل بيع لأننا نقول هذه الإقالة
لما قارنها التأخير عدت بيعاً لخروجها عن مورد الرخصة.
قوله: [فتولية فشركة فيه] علة منع التأخير فيما ذكر تأديته إلى بيع الدين بالدين مع بيع الطعام قبل قبضه لأن المولي والمشرك بالكسر باع الطعام الذي في ذمة المسلم إليه بالثمن الذي لم يأخذه من المولى والمشرك بالفتح فيهما ولما كان مجموع علتين كان أضيق مما بعده.
قوله: [والأوسع حقيقة ابتداء الدين] إلخ: أي لجواز التأخير فيه ثلاثة أيام باتفاق ووجوب التعجيل في الصرف وعدم جواز التأخير.
وقوله: [وأن ما بينهما على ما هو المعتمد في رتبة واحدة]: أي وهو جواز التأخير للذهاب لنحو البيت. قوله: [على ما هو المعتمد]: أي فالمعتمد أن التوسعة فيه باعتبار قوة الخلاف وضعفه لا باعتبار اتساع الزمن
فصل في بيان حكم بيع المرابحة
لما كان البيع ينقسم إلى بيع مساومة كبيع المالك بغتة لمن يشتري منه، واستئمان كـ: بعني كما تبيع للناس، ومزايدة كبيع الدلال في التركات أو على التجار، ومرابحة وهو المقصود هنا فلذلك تعرض لأحكامه.
قوله: [حكم بيع المرابحة]: سيأتي أنها جائزة وقوله وبيان حقيقته أي تعريفه.
قوله: [وربح]: هذا يقتضي أن البيع على الوضيعة والمساواة لا يقال له مرابحة. والظاهر أن إطلاق المرابحة عليهما حقيقة عرفية وأجيب بأن هذا تعريف للنوع الغالب في المرابحة الكثير الوقوع لا تعريف لحقيقتها الشاملة للوضيعة أو المساواة وقد عرف ابن عرفة حقيقتها: بأنها بيع مرتب ثمنه على ثمن مبيع تقدمه غير لازم مساواته له. فقوله: غير لازم مساواته له صادق بكون الثاني مساوياً للأول أو أزيد أو أنقص منه، قال: فخرج بالأول المساومة والمزايدة والاستئمان، وخرج بالثاني الإقالة والتولية والشفعة والرد بالعيب على القول بأنها بيع.
قوله: [والمراد بالجواز خلاف الأولى]: وليس المراد بالجواز الكراهة ومراد خليل بقوله: والأحب خلافه، خصوص بيع المساومة فهو من قبيل العام الذي أريد به الخصوص بدليل قول الشارح والمساومة أحب إلخ.
قوله: [والاسترسال]: عطف مرادف على ما قبله وإنما كانت المساومة أحب لما في المزايدة من السوم على سوم الأخ المنهي عنه ولما في الاستئمان
ويجوز بيع المرابحة (ولو على عوض مضمون) أي موصوف نقده في سلعة وأولى مقوم معين فمن ابتاع سلعة بحيوان أو عرض موصوف أو معين ونقده فيها جاز أن يبيعها مرابحة على ما نقد لا على قيمته إذا وصفه للمشتري عند أبي القاسم ومنعه أشهب؛ فقولنا: "مضمون": أي موصوف نص على المتوهم، فأولى إن كان العوض معيناً، كهذا الثوب. وقول الشيخ:"مقوم" صادق بهما، والمراد أنه نقد فيها العوض وليس المراد أنه في الذمة إذ ما لم يبرز في الخارج لا تصح مرابحة عليه.
(وحسب) البائع على المشتري (إن أطلق) في الربح حال البيع من غيره بيان ما يربح له وما لا يربح بل وقع على ربح العشرة أحد عشر مثلاً (ربح، ماله عين قائمة) بالسلعة أي مشاهدة بالبصر (كصبغ وطرز وقصر وخياطة وفتل) لحرير ونحوه وغزل (وكمد) بسكون الميم أي دق الثوب لتحسينه (وتطرية) أي جعل الثوب في الطراوة ليلين وتذهب خشونته، وكذا عرك الجلد المدبوغ ليلين. ومحل "حسب" ما ذكر إن كان استأجر عليه، لا إن كان من عنده قال ابن يونس: لو كان هو الذي يتولى الطرز والصبغ ونحو ذلك لم يجز أن يحسب، فإذا لم يكن له عين قائمة حسب أصله فقط دون ربحه إن زاد في الثمن.
وإليه أشار بقوله: (و) حسب (أصل ما زاد في الثمن) دون ربحه ولم يكن له عين قائمة (كأجرة حمل) من مكان لآخر إذ [1] كانت السلع في المكان المنقولة إليه أغلى من المنقولة منه.
(و) أجرة (شد وطي) للثياب ونحوها أو للأحمال (اعتيد أجرتهما) بأن لم تجر العادة بأنه هو الذي يتولى ذلك (وكراء بيت للسلعة فقط، وإلا) يعتد أجرتهما بأن جرت بأن البائع هو الذي يتولاهما بنفسه، ولم يكن البيت لخصوص السلعة بل لها ولربها (فلا) يحسب أصل ولا ربح، كما لو تولى ما ذكر بنفسه. وأما السمسار، فإن اعتيد بأن كان المبتاع مثله لا يشتري إلا بسمسار فقال أبو محمد وابن رشد يحسب أصله دون ربحه، وقال ابن محرز: يحسب ربحه أيضاً، والمعتمد الأول، وإن لم يعتد بأن كان شأن المبتاع يتولى الشراء بنفسه لم يحسب ما أخذه ولا ربحه قطعاً. وشذ من خالف.
ــ
من الجهل والخطر ولتوقف المرابحة على أمور كثيرة.
قوله: [ولو على عوض]: صوابه مقوم كما قال خليل؛ أي هذا إذا كان ثمن السلعة المبيعة مرابحة عيناً بل ولو كان على مقوم وفيه رد على أشهب كما سيأتي.
قوله: [ومنعه أشهب]: أي إذا كان المقوم الموصوف ليس عند المشتري مرابحة لما فيه من سلم الحال، لأن دخول البائع على أن المشتري يدفع له المقوم الموصوف الآن هو عين السلم الحال، وهو باطل عندنا: واختلف: هل ابن القاسم يجوز هذه المسألة؟ فيكون بينه وبين أشهب خلاف، أو يمنعها فيكون موافقاً؟ ومحل الخلاف بينهما في مقوم مضمون ليس عند المشتري ولكن يقدر على تحصيله وإلا لمنع اتفاقاً كما يتفقان على المنع في مقوم معين في ملك الغير لشدة الغرر، وأما مضمون أو معين في ملكه فيتفقان على جوازه فالصور خمس: الأولى: مقوم مضمون ليس عند المشتري ولكن يقدر على تحصيله. والثانية: مثلها لكن لا يقدر على تحصيله. والثالثة: معين في ملك الغير. والرابعة: مضمون في ملكه. والخامسة: معين في ملكه.
قوله: [والمراد أنه نقد فيها العوض]: يعني أن بائع المرابحة نقد العوض الذي يبيع عليه مرابحة لمن اشترى منه.
قوله: [وحسب البائع على المشتري] إلخ: حاصله أنه إذا وقع البيع على العشرة أحد عشر، فإنه يحسب على المشتري ثمن السلعة وربحه ويحسب عليه أيضاً أجرة الفعل الذي لأثره عين قائمة وربحها. واعلم أن قول المصنف:"وحسب" إلخ في حالتين: ما إذا بين البائع جميع ما لزم تفصيلاً، إما ابتداء، أو بعد الإجمال. كأن يقول: قامت علي بمائة ثم يفصل ولم يبين ما يربح له وما لا يربح له ولم يشترط ضرب الربح لا على الكل ولا على البعض، بل قال: أبيع على المرابحة العشرة أحد عشر مثلاً، وبقي ما إذا شرط. وتحته أربع صور، لأنه: إما أن يشرط ضرب الربح على الكل أو البعض، وفي كل: إما أن يكون ذلك بعد تفصيل ما لزم ابتداء. أو بعد تفصيله بعد الإجمال، فيعمل بالشرط في الصور الأربع كما في الحاشية.
قوله: [كصبغ]: بفتح الصاد: مصدر ليناسب ما بعده وهو مثال للفعل الذي لأثره عين قائمة ويصح قراءته بالكسر: أي الأثر فعلى هذا يحتاج لتقدير في الكلام أي كعمل صبغ.
قوله: [ونحوه]: أي كقطن وكتان وقوله وغزل هو نوع آخر غير الفتل.
قوله: [إن كان استأجر عليه]: أي ولو كان شأنه عمل ذلك بنفسه.
قوله: [حسب أصله فقط]: أي حسب أجرة الفعل الذي زاد في الثمن وليس لأثره عين قائمة فيعطي للبائع تلك الأجرة مجردة عن الربح.
قوله: [إذا كانت السلع] إلخ: أي حيث إن الحمل زادها ثمناً، والموضوع أنه استأجر عليه وأما لو حمله بنفسه فلا يحسب له أجرة وكذا يقال في الشد والطي.
قوله: [بأن لم تجر العادة] إلخ: حاصله أنه متى كان شأنه تعاطيه بنفسه فلا يحسب أجرتهما ولا ربحه ولو آجر عليه وهذا بخلاف الفعل الذي لأثره عين قائمة فإنه متى آجر عليه حسب الأجرة وربحها ولو كان شأنه يتولى ذلك بنفسه والفرق أن ما لا عين له قائمة لا يقوى قوة ما له عين قائمة، كما قرره الأشياخ.
قوله: [وإن لم يعتد] إلخ: حاصل ما ذكروه في السمسار إذا لم يعتد، أنه إذا كان بائع المرابحة من الناس الذين
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إذا).
ومحل جواز المرابحة: (إن بين) حال البيع أصل الثمن وما يربح له وما لا يربح له والربح وجعل الربح على الجميع أو على ما يربح له فقط أو أطلق (أو) أجمل و (قال) أبيعك (على ربح العشرة أحد عشر)، ثم قال: وقفت علي بمائة (ولم يبين ما له الربح من غيره): أي بعد بيان ما تحصلت به عنده من ثمن وغيره بدليل ما بعد [1] ويفصل الربح على ما يربح له دون غيره على ما تقدم.
(وزيد) إذا قال: على ربح العشرة أحد عشر (عشر الأصل) أي الثمن الذي اشتريت به السلعة، وكذا ثمن ما له عين قائمة على ما تقدم، فإذا كان الأصل مائة زيد عشرة (وفي) قوله على (ربح العشرة اثنا عشر) يزاد (خمسه) أي خمس الأصل؛ لأن الاثنين من العشرة خمس وهكذا.
(فإن أبهم، كقامت علي بكذا: أو: قامت بشدها وطيها بكذا، ولم يفصل) أي: لم يبين ما هو أصل ثمنها ولا ثمن ما له عين قائمة ولا غيره (فله) أي للمشتري (الفسخ) والرضا بما يتراضيان عليه، ولا يتعين الفسخ على ما يظهر ترجيحه من كلامهم.
(إلا أن يحط) البائع عن المشتري (الزائد) على أصل ما يلزمه (وربحه) فإن حطه لزم البيع، ومحل التخيير: إذا كانت السلعة لم تفت.
(وتحتم الحط في الفوات) وما ذكرناه من أن للمشتري الخيار إذا لم تفت السلعة مبني على أن الإبهام بلا تفصيل من باب الكذب، وهو تأويل عبد الحق وابن لبابة وقول سحنون وابن عبدوس. وقيل: إنه من باب الغش، وعليه فالحكم أنه يسقط عنه ما يجب إسقاطه فاتت السلعة أو لم تفت ولا ينظر إلى القيمة ذكره في التوضيح عن عياض، وهو تأويل أبي عمران والظاهر من المدونة الأول قال فيها: وإن ضرب الربح على الحمولة ولم يبين ذلك وقد فات المبتاع بتغير سوق أو بدن حسب ذلك ولم يحسب له ربح وإن لم يفت رد البيع إلا أن يتراضيا على ما يجوز. اهـ. ويحتمل أن كلامها في المسألة التي قبل مسألة الإبهام التي فيها التأويلان فتأمل.
(ووجب) على البائع عند العقد (تبيين ما يكره) المشتري في ذات المبيع أو صفته (و) تبيين (ما نقده وعقده) أي عقد عليه إن اختلف النقد والعقد، فقد يعقد على دنانير وينقد عنها دراهم أو عرضاً.
(و) تبيين (الأجل) الذي اشتراه إليه أو الذي اتفقا عليه بعد العقد؛ لأن له حصة من الثمن (وطول زمانه) أي مكثه عنده
ــ
يتولون الشراء بأنفسهم ففيه ثلاثة أقوال، قيل: تحسب أجرة سمساره وربحها، وقيل لا: يحسبان، وقيل: تحسب أجرته دون ربحها. ومذهب المدونة والموطأ: لا يحسب هو ولا ربحه، فلذلك قال الشارح: وشذ من خالف.
قوله: [إن بين حال البيع أصل الثمن]: حاصله أن المصنف أراد أن يبين الأوجه الخمسة التي أفادها عياض بقوله اعلم أن وجوه المرابحة لا تخلو من خمسة أوجه:
أحدها: أن يبين جميع ما لزمه أي غرمه مما يحسب أو لا يحسب مفصلاً ومجملاً ويشترط ضرب الربح على الجميع.
الثاني: أن يفسر ذلك أيضاً مما يحسب ويربح عليه وما لا يربح له وما لا يحسب جملة ويشترط ضرب الربح على ما يجب ضربه عليه خاصة.
الثالث: أن يفسر المؤونة بأن يقول لزمها في الحمل كذا وفي الصبغ كذا والشد والطي كذا وباع على المرابحة العشرة أحد عشر ولم يفصل ما يوضع له الربح من غيره.
الرابع: أن يبهم ذلك كله ويجمعه جملة فيقول قامت علي بكذا أو ثمنها كذا وباع مرابحة للعشرة درهم.
الخامس: أن يبهم فيها النفقة مع تسميتها فيقول قامت بشدها وطيها وحملها وصبغها بمائة أو يفسرها فيقول عشرة منها في مؤنتها ولا يفسر المؤنة. اهـ.
قوله: [فإذا كان الأصل مائة زيد عشرة]: أي وإذا كان مائة وعشرين فالربح اثنا عشر.
قوله: [يزاد خمسه]: أي ففي المثال الذي قاله الشارح يزاد للمائة عشرون وفي المثال الذي قلناه أربعة وعشرون.
قوله: [ويحتمل أن كلامها] إلخ: كلام غير مفهوم فالأولى إسقاطه.
تنبيه: البيع على الوضيعة حكمه كالبيع على المرابحة، فإذا قال له: أبيعك على الوضيعة العشرة أحد عشر تجزأ العشرة أحد عشر جزءاً وينسب ما زاد على الأصل وهو واحد للأحد عشر يكون جزءاً من أحد عشر جزءاً فإذا كان الثمن مائة جعل مائة وعشرة أجزاء وحط منها عشرة، وإذا قيل: بوضيعة العشرة خمسة عشر، جعلت العشرة خمسة عشر ونسبة الخمسة للخمسة عشر ثلث فيحط عن المشتري ثلث الثمن، واذا قيل: بوضيعة العشرة عشرين، جعلت العشرة عشرين جزءاً ونسبة العشرة للعشرين نصف فيحط عن المشتري نصف الثمن وهكذا.
قوله: [تبيين ما يكره]: بالبناء للفاعل كما قدر الشارح. فاعله: ضمير المشتري، ولا يصح قراءته بالبناء للمفعول لأنه يوهم أنه إذا لم يكرهه المشتري ويكرهه غيره يجب البيان، وليس كذلك كما أفاده في حاشية الأصل. وهذه قاعدة عامة لا تخص بيع المرابحة بخلاف غالب ما يأتي فيختص بالمرابحة. فإن لم يبين ما يكره في ذات المبيع أو وصفه كان عدم بيانه تارة كذباً وتارة غشاً كما يأتي بيانه.
قوله: [وتبيين ما نقده وعقده]: فإن لم يبين؛ فإن كان المبيع قائماً خير المشتري بين رده والتماسك بما نقده من الثمن وإن فات عند المشتري لزمه الأقل مما عقد عليه البائع وما نقده كما في (ح). وعلى هذا فليس له حكم الغش ولا الكذب.
قوله: [وتبيين الأجل]: أي فإن ترك بيانه كان غشاً فيخير المشتري بين الرد والإمضاء بما دفعه من الثمن مع قيام السلعة. وأما مع فواتها فيلزمه الأقل من القيمة والثمن الذي اشتراها به - كذا في الخرشي، ويأتي في الشارح تبعاً
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (بعده)، ولعلها الصواب.
ولو عقاراً؛ لأن الناس يرغبون في الذي لم يتقادم عهده عندهم.
(و) تبيين (التجاوز عن زيف أو نقص) من الثمن أي رضا بائعه بما وجده في الثمن من ذلك.
(و) تبيين (أنها ليست بلدية) إن كانت الرغبة في البلدية أكثر وكذا عكسه إن كانت الرغبة في غيرها أكثر.
(أو) أنها (من التركة و) تبيين (الركوب و) تبيين (اللبس) كثوب أي يجب عليه أن يبين الاستعمال عنده من ركوب أو غيره. (و) تبيين (التوظيف) إن حصل منه توظيف أي توزيع الثمن على السلع (ولو اتفقت السلع) كأن يشتري عشرة أثواب بمائة ويوظف على كل ثوب عشرة (إلا) أن يكون المبيع (من سلم) متفق فلا يجب بيان التوزيع؛ لأن آحاده غير مقصودة، وإنما المقصود وصفها؛ ولذا إذا استحق منه ثوب مثلاً لزم الرجوع بمثله لا بقيمته بخلاف المبيع في غير سلم.
واعلم أن البائع عند البيان قد يغلط وقد يكذب وقد يغش وقد ذكر أحكامها بقوله: (وإن [1] غلط بنقص) في الثمن بأن قال للمشتري منه مرابحة اشتريته بخمسين ثم ادعى الغلط، وقال: بل بمائة (وصدق) أي صدقه المشتري في ذلك (أو ثبت) بالبينة (فللمشتري) الخيار، إما (الرد) للسلعة (أو دفع ما تبين) بالبينة أو بإخباره حيث صدق (وربحه) هذا إن لم تفت السلعة عند المشتري.
(فإن فاتت خير) المشتري (بين) دفع الثمن (الصحيح وربحه) والصحيح: ما ثبت بعد البيع (ودفع القيمة): أي قيمة السلعة (يوم بيعه) ما لم تنقص القيمة (عن الغلط وربحه)، فإن نقصت فلا ينقص عنهما، فتحصل أن للمشتري الخيار في الفوات وعدمه وإن اختلف التخيير.
(وإن كذب) البائع بأن زاد في الثمن ولو خطأ، بأن يخبر بأنه اشتراها بمائة وقد اشتراها بأقل. واعلم أنهم عدوا عدم بيان تجاوز الزائف والنقص والركوب واللبس وهبة بعض الثمن إن اعتيدت بين الناس وجذ ثمرة أبرت وجز الصوف التام من الكذب، وجعلوا عدم بيان طول الزمان وكونها بلدية أو من التركة من الغش، واختلفوا فيما إذا أبهم ولم يبين، فقيل: من الكذب وهو الذي درجنا عليه وقيل: من الغش.
ــ
للبناني ما يقتضي أنه مثل ما نقده وعقد عليه في كونه ليس غشاً ولا كذباً.
قوله: [ولو عقاراً]: أي وسواء تغير المبيع في ذاته أو سوقه أو لم يتغير أصلاً ولكنه قلت الرغبة فيه، خلافاً للخمي حيث قال: إنما يجب بيان طول إقامته عنده إذا تغير في ذاته أو تغير سوقه وإلا فلا يجب البيان فإن مكث عنده زمناً كثيراً وباع مرابحة ولم يبين كان غشاً، فيخير المشتري بين الرد والتماسك بجميع الثمن إن كان قائماً فإن فات لزمه الأقل من الثمن والقيمة.
قوله: [عن زيف]: أي وهو المغشوش الذي خلط ذهبه أو فضته بنحاس أو رصاص.
قوله: [أي رضا بائعه]: أي وليس المراد بالتجاوز تركه وترك بدله لأن هذا داخل في الهبة.
قوله: [أي يجب عليه أن يبين الاستعمال] إلخ: أي إذا كان منقصاً ولا فرق بين الركوب في السفر أو الحضر.
قوله: [ولو اتفقت السلع]: رد ب "لو" قول ابن نافع بعدم وجوب البيان عند الاتفاق قال فإن من عادة التجار الدخول عليه.
قوله: [واعلم أن البائع عند البيان قد يغلط] إلخ: قال (بن): اعلم أن مسائل المرابحة ثلاثة أقسام: غش وكذب وواسطة. فالغش في ست مسائل: عدم بيان طول الزمان، وكونها بلدية أو من التركة، وجز الصوف الذي لم يتم، واللبس عند خليل، وإرث البعض. والكذب في ست مسائل أيضاً: عدم بيان تجاوز الزائف، والركوب، واللبس عند غير خليل، وهبة اعتيدت، وجز الصوف التام، والثمرة المؤبرة. والواسطة في ست أيضاً: ثلاثة لا ترجع لغش ولا لكذب وهي: عدم بيان ما نقده وعقده إذا اختلف النقد مع العقد، وما إذا أبهم، وعدم بيان الأجل على كلام ابن رشد. وثلاثة مترددة بينهما على خلاف: الإقالة، والتوظيف، والولادة. اهـ.
قوله: [وصدق] إلخ: مفهومه أنه إذا ادعى الغلط بنقص ولم يصدقه المشتري ولم تقم له بينة يكون البيع ماضياً بالغلط ولا يلتفت لدعوى البائع الغلط.
ومفهوم قوله: "وإن غلط بنقص" داخل في عموم قوله: "وإن كذب البائع بأن زاد في الثمن" إلخ.
قوله: [فإن فاتت]: أي لا بحوالة سوق. لأن حوالة السوق وإن أفاتت السلعة في الغش والكذب لا تفيتها في الغلط.
قوله: [فتحصل أن للمشتري الخيار] إلخ: إنما كان له الخيار لأن خيرته تنفي ضرر البائع حيث يدفع له الصحيح وربحه، أو يرد عند القيام، وعند الفوات يدفع له الصحيح وربحه، أو القيمة إن لم تنقص على الغلط وربحه مع أن البائع عنده نوع تفريط حيث لم يتثبت في أمره.
قوله: [بأن زاد في الثمن]: مثله ترك بيان تجاوز الزائف والركوب واللبس وهبة اعتيدت والصوف التام والثمرة المؤبرة.
قوله: [وجعلوا عدم بيان طول الزمان] إلخ: أي ويضم لتلك الثلاثة جز الصوف الذي لم يتم واللبس وإرث البعض.
قوله: [وهو الذي درجنا عليه]: الذي درج عليه فيما تقدم لا يوافق حكم الكذب الذي ذكره هنا لأن ما تقدم عند الفوات يتحتم الحط وهنا يخير بين دفع
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (فإن).
وقد ذكر الشيخ فيه التأويلين، وجعلوا عدم بيان الأجل وما نقد وعقد واسطة بينهما. فإن كذب (لزم المبتاع) الشراء (إن حطه) البائع عنه، أي حط الكذب بمعنى المكذوب به (وربحه وإلا) يحطه وربحه (خير) المشتري في التماسك والرد، (كأن غش) البائع فإن المشتري يخير في التماسك والرد ابن عرفة. والغش: أن يوهم وجود مفقود مقصود وجوده في المبيع أو يكتم فقد موجود مقصود فقده منه اهـ. كأن يكتم طول إقامته عنده أو يكتب على السلعة ثمناً أكثر مما اشتراها به ثم يبيع على ما اشترى به ليوهم أنه غلط أو يجعل في يد العبد مداداً ليوهم أنه يكتب ونحو ذلك، وهذا إن كانت السلعة قائمة. (فإن فاتت) بيد المشتري (ففي الغش) يلزم المشتري (الأقل من الثمن) الذي وقع به البيع والقيمة.
(وفي الكذب خير) المشتري (بين الصحيح وربحه أو القيمة) يوم قبضه ولا ربح لها (ما لم تزد) القيمة (على الكذب وربحه)، فإن زادت عليهما لم يلزم الزائد.
ولما كان التدليس أعم من الغش؛ لأن كاتم طول الزمان والعقد والنقد مدلس وليس بغاش بين حكمه بقوله:
(والمدلس هنا): أي في المرابحة (كغيره): أي كالمدلس في غيره يخير المشتري في الرد أو التماسك ولا شيء له إلا أن يدخل عنده عيب فيجري فيه ما تقدم في العيوب. ولو قال: والعيب هنا كغيره لكان أعم؛ لأنه يشمل ما دلس فيه وما لم يدلس فيه، لكن ذكره مع الغش يفيد المقصود فتأمل.
(فصل جامع)[1]
اشتمل على أشياء: المداخلة وبيع الثمار والعرايا والجوائح. ودخول شيء في العقد على شيء قريب المناسبة للمرابحة على العكس منها؛ لما فيه من ربح المشتري، ويقرب من المداخلة: بيع الثمار والزرع؛ لأن الشأن تبقيته على أصله ليتم طيبه. فكأن المشتري ربح ذلك مع ذكر الشجر والزرع في التناول وعدمه، فكان بينهما مناسبة.
وأما العرايا والجوائح فمن متعلقات الثمار وبهذا زال توقف ابن عاشر إذ قال: لم يحضرني وجه مناسبة بعضها لبعض كما لم يظهر لي وجه مناسبة الفصل لما قبله. اهـ.
وبدأ ببيان المداخلة بقوله: (يتناول البناء والشجر) أي العقد على كل منهما من بيع أو رهن وكذا الهبة والصدقة والحبس (الأرض) أي التي هما بها (وتناولتهما) في العقد عليها؛ فمن اشترى أرضاً وفيها بناء أو شجر لم يذكرا حين شراء أرضهما. دخلا في بيع الأرض، إلا لشرط أو عرف فيعمل به.
(و) تناولت الأرض إذا بيعت أو رهنت (البذر) الذي لم ينبت فيدخل في بيعها.
(لا) يتناول بيع الأرض (الزرع) الظاهر عليها بل هو لبائعه
ــ
الصحيح وربحه والقيمة ما لم تزد على الكذب وربحه فتأمل.
قوله: [وقد ذكر الشيخ فيه التأويلين]: أي وأما (بن) فعده من الواسطة كما تقدم.
قوله: [واسطة بينهما]: قد تقدم عن (بن) أن التوسط في ست أيضاً.
قوله: [كأن يكتم]: هذا وما بعده مثالان للثاني.
وقوله: [أو يجعل في يد العبد مداداً]: مثال للأول.
قوله: [الأقل من الثمن الذي وقع به البيع والقيمة]: أي يوم قبضها على رواية ابن القاسم، وروى ابن زياد يوم بيعها. والراجح الأول. وعليه فالفرق بين الغش والكذب حيث اعتبرت القيمة فيهما يوم القبض، وبين الغلط حيث اعتبرت القيمة فيه يوم البيع. كما مر أن الغش والكذب أشبه بفساد البيع من الغلط والضمان في الفساد بالقبض.
قوله: [وفي الكذب خير المشتري] إلخ: وقيل الخيار للبائع. قال (عب): ويدل على أن التخيير للبائع قول المصنف يعني خليلاً ما لم تزد على الكذب وربحه إذ لو كان الخيار للمشتري لم يكن لهذا التقييد معنى؛ إذ له دفع القيمة ولو كانت زائدة على الكذب وربحه لأنه يدفعها باختياره وله دفع الصحيح وربحه الذي هو أقل من القيمة. اهـ. وما قاله (عب) اقتصر عليه في المجموع.
قوله: [مدلس وليس بغاش]: هذا يناقض ما تقدم، فإنه مثل للغش بقوله كأن يكتم طول إقامته عنده فالأولى حذف طول الزمان من هنا ويقتصر على ما بعده، فإن كتم الزمان وكتم كونها بلدية أو من التركة أو جز الصوف الغير التام. أو إرث بعضها يقال له: غش.
قوله: [فيجري فيه ما تقدم في العيوب]: أي فإما أن يكون قليلاً جداً أو متوسطاً أو مفيتاً للمقصود. ويجري ما تقدم في بيع المساومة في المرابحة فإن كان العيب الحادث عند المشتري يسيراً كان بمنزلة العدم وخياره على الوجه المذكور ثابت، وإن كان متوسطاً خير إما أن يرد ويدفع أرش الحادث أو يتماسك ويأخذ أرش القديم. وإن كان مفيتاً للمقصود تعين التماسك وأخذ أرش القديم.
فصل جامع
قوله: [اشتمل على أشياء]: بيان لقوله جامع.
قوله: [المداخلة] إلخ: بدل من أشياء؛ وحاصله أن هذا الفصل اشتمل على أربعة أشياء المداخلة وبيع الثمار والعرايا والجوائح.
وقوله: [ودخول شيء]: مبتدأ وقوله: "قريب المناسبة" خبره وهو شروع منه في بيان وجه مناسبة كل من الأربعة لما قبله وقد أوضح المناسبة.
قوله: [لما فيه من ربح المشتري]: أي وفي المرابحة الربح للبائع.
قوله: [فكأن المشتري ربح ذلك]: اسم الإشارة عائد على الأصل.
قوله: [مع ذكر الشجر] إلخ. متعلق بقوله ويقرب من المداخلة إلخ.
قوله: [في التناول وعدمه]: لف ونشر مرتب، فإن الشجر يتناول الأرض وتتناوله والزرع لا يتناول الأرض ولا تتناوله.
قوله: [يتناول البناء والشجر]: أي تناولاً شرعياً إن لم يجر عرف بخلافه كما سيأتي يقول إلا لشرط أو عرف.
قوله: [التي هما بها]: أي لا أزيد، والمراد بأرض الشجر ما يمتد فيه جريد النخلة
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
زاد بعدها في ط المعارف: (في المداخلة وبيع الثمار والعرايا وغيرها).
إلا لشرط أو عرف؛ لأن ظهوره على الأرض إبار له، فيكون لمالكه عند عدم الشرط والعرف وما ذكرناه هو الصواب.
(ولا) تتناول الأرض (مدفوناً) بها من رخام وعمد وحلي ونقد وغير ذلك (بل) هو (لمالكه) بلا خلاف (إن علم) بالإثبات أنه المالك، أو دلت القرائن عليه، وحلف سواء كان هو البائع أو غيره من بائع له أو وارث أو غيره. (وإلا) يعلم مالكه (فلقطة) إذا لم يوجد عليه علامة الجاهلية فيعرف على حكم اللقطة إن ظن إفادة التعريف وإلا كان مالاً جهلت أربابه، محله بيت مال المسلمين (أو ركاز) إذا وجد عليه علامة الجاهلية فيكون لواجده ويخمس.
(ولا) يتناول (الشجر): أي العقد عليه ثمراً (مؤبراً) والتأبير خاص بالنخل (أو) ثمراً (منعقداً) من غير النخل: أي بروزه وتميزه عن أصله. وحقيقة التأبير تعليق طلع ذكر النخل على ثمر الأنثى. ويطلق على انعقاد غيره وعلى ظهور الزرع من الأرض، وسواء وقع البيع على الشجر فقط أو دخل ضمناً في بيع الأرض وهذا إذا كان الثمر مؤبراً أو منعقداً (كله أو أكثره) إذ [1] الحكم للأكثر (إلا لشرط) من المشتري فيكون له وكذا العرف (كمال العبد) لا يدخل في بيعه بل هو لبائعه إلا لشرط (والخلفة) بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام وبالفاء: وهي ما يخلف الزرع بعد جذه فلا تدخل في بيع الأصل، كالبرسيم
ــ
وجذورها المسمى بالحريم، هذا هو المشهور، وقيل: إن العقد على النخل لا يتناول الحريم وهي طريقة للشيخ سالم والتتائي وإنما يتناول مكان جذرها فقط.
قوله: [إلا لشرط أو لعرف]: أي فإذا اشترط البائع أو الراهن أو نحوهما إفراد البناء أو الشجر عن الأرض، في البيع أو الرهن أو نحوهما، فلا تدخل في العقد عليهما. وكذلك لو اشترط البائع إفراد الأرض عن البناء أو الشجر فإنهما لا يدخلان في العقد عليها.
تنبيه: ليس من الشرط تخصيص بعض أمكنة بالذكر بعد قوله: جميع ما أملك مثلاً، فإذا قال: بعته جميع أملاكي بقرية كذا - وهي الدار والحانوت مثلاً - وله غيرهما، فذلك الغير للمبتاع أيضاً. ولا يكون ذكر الخاص بعد العام مخصصاً له لأن ذكر الخاص بعد العام إنما يخصصه ويقصره عن بعض أفراده إذا كان منافياً له، وهنا ليس كذلك كما في حاشية الأصل.
قوله: [وما ذكرناه هو الصواب]: أي فالصواب أن الأرض تتناول البذر المدفون حيث وقع العقد عليها قبل بروزه لا الزرع، خلافاً لما مشى عليه خليل.
قوله: [فيعرف على حكم اللقطة]: أي يعرفه واجده سنة وبعدها يوضع في بيت المال وهذا مقتضى نص (بن) خلافاً لـ (عب) من أنه يوضع في بيت المال من غير تعريف، لأن شأن المدفونة طول العهد فهو مال جهلت أربابه محله بيت المال ومفهوم قوله:"إن علم" إلخ أنه إذا لم يعلم أنه جرى عليه ملك لأحد فإنه يكون للمشتري، وقيل: للبائع كالمعادن. وكمن اشترى حوتاً فوجد في باطنه جوهرة وقيل في الحوت إن اشتري وزناً كانت الجوهرة للمشتري وإن اشتري جزافاً فهي للبائع.
قوله: [ولا يتناول الشجر أي العقد عليه ثمراً مؤبراً] إلخ: حاصله: أن من اشترى أصولاً عليها ثمرة قد أبرت كلها أو أكثرها فإن العقد على الأصول لا يتناول تلك الثمرة. وإن أبر النصف فلكل حكمه كما سيأتي. فإن تنازع المشتري والبائع في تقدم التأبير على العقد وتأخره فالقول للبائع أن التأبير كان قبل العقد كما قاله ابن المواز، وقيل: القول قول المشتري، وهو للقاضي إسماعيل.
قوله: [والتأبير خاص بالنخل]: أي التأبير بالمعنى الآتي فلا ينافي إطلاق التأبير في غير النخل على بروز جميع الثمرة عن موضعها وتميزها عن أصلها وفي الزرع على بروزه على وجه الأرض بدليل ما يأتي.
قوله: [إلا لشرط]: أي ولا يجوز شرط بعضه لأن شرط البعض قصد لبيع الثمرة قبل بدو صلاحها بخلاف شرط بعض المزهي فجائز.
قوله: [بل هو لبائعه إلا لشرط]: اعلم أن اشتراط المال للعبد جائز مطلقاً كان المال معلوماً أو مجهولاً اشترطه كله أو بعضه كان الثمن أكثر من المال أم لا، كان مال العبد عيناً أو عرضاً أو طعاماً، كان الثمن من جنسه أو لا أو مؤجلاً وأما اشتراطه للمشتري فلا يجوز إلا إذا كان المال معلوماً قبل البيع. وهل يشترط أن يكون الثمن مخالفاً للمال في الجنس أم لا؟ قولان، والمعتمد عدم الاشتراط. وهل يشترط أن يكون كل المال فإن اشترط بعضه منع؟ وهو ما في (عب) أو لا يشترط ذلك بل يجوز اشتراط بعضه كما يجوز اشتراطه كله وهو ما اختاره (بن) وأما اشتراطه مبهماً فقولان بالفساد والصحة، والراجح الصحة. اهـ. ملخصاً من حاشية الأصل) وما قاله الشارح من أن مال العبد لا يكون للمشتري إلا بالشرط مخصوص بالعبد الكامل الرق لمالك واحد فإن كان مشتركاً فماله للمشتري إلا أن يشترطه البائع، عكس ما للمصنف. والمبعض إذا بيع ما فيه من الرق فماله له ليس لبائع ولا لمشتر انتزاعه، ويأكل منه في اليوم الذي لا يخدم فيه سيده. فإن مات أخذه المتمسك بالرق.
قوله: [إلا لشرط]: أي أو عرف.
قوله: [إلا لشرط]: أي ويجوز اشتراطها بأربعة شروط: أن تكون مأمونة كبلد سقي بغير مطر، وأن يشترط جميعها وألا يشترط تركها حتى تحبب، وأن يبلغ الأصل حد الانتفاع به لاشتراط هذين الشرطين في الأصل، ففي الخلفة أولى وهذه
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (إذا).
والقصب، وليس للمشتري إلا ما وقع عليه البيع من الأصل إلا لشرط.
(وإن أبر النصف) أو ما قاربه دون النصف الآخر (فلكل) منهما (حكمه) فالمؤبر أو المنعقد للبائع إلا لشرط وغيره للمبتاع، وهل يجوز للبائع اشتراطه؟ قولان. (و) تناولت (الدار): أي العقد عليها (الثابت) فيها (كباب ورف وسلم سمر ورحى مبنية) بخلاف سرير وسلم لم يسمر ورحى غير مبنية فللبائع إلا لشرطه.
(و) تناول (العبد ثياب مهنته) بفتح الميم، أي: خدمته، ولو لم تكن عليه حال البيع بخلاف ثياب زينته إلا لشرط.
(و) لو اشترط البائع عدمها أي عدم دخولها في بيع العقد (لغا اشتراط عدمها) ولزم البائع أن يعطيه ما يستره، وهذا قول أشهب عن مالك ورجحه بعضهم، قال: وبه مضت الفتوى عند الشيوخ وسمع عيسى بن القاسم أن الرجل إذا اشترط أن يبيع جارية عريانة فله ذلك وصوبه ابن رشد. قال: وبه مضت الفتيا بالأندلس، فهما قولان مرجحان.
(كشرط ما لا غرض فيه ولا مالية) فإنه يلغى، كما لو شرط أن يكون العبد أمياً فوجده كاتباً وكون الأمة نصرانية فوجدها مسلمة، إلا أن يكون ليزوجها لعبد نصراني.
(و) كشرط (عدم عهدة الإسلام)، وهي درك المبيع من عيب أو استحقاق؛ فإذا باع شيئاً على أنه لا يقوم بما ذكره فالشرط لاغ، وللمشتري الرجوع بحقه منهما. وأما عهدة الثلاث أو السنة فيجوز إسقاطها كما تقدم على الأرجح.
(و) كشرط عدم (المواضعة) لرائعة أو أمة أقر البائع بوطئها، فيلغى الشرط والبيع صحيح.
(و) شرط عدم (الجائحة) في الثمار أو الزرع، فيلغى ويصح البيع على المعتمد.
ــ
الشروط معتبرة إذا اشترطت الخلفة مع شراء أصلها وأما شراؤها بعد شراء أصلها وقبل جذه فإنما يعتبر اشتراط الأول. كذا في (عب). ورده (بن) قائلاً: هذا غير صحيح، بل لا بد من اشتراط جميعها سواء اشتريت مع أصلها أو بعد شراء أصلها.
قوله: [والقصب] أي الحلو أو الفارسي فإن كلاً له خلفة.
قوله: [وإن أبر النصف] إلخ: هذا إذا كان النصف معيناً بأن كان ما أبر في نخلات بعينها وما لم يؤبر - في نخلات بعينها. وأما إن كان النصف المؤبر شائعاً في كل نخلة - وكذا ما لم يؤبر فاختلف فيه على خمسة أقوال: قيل: كله للبائع، وقيل: للمبتاع، وقيل: يخير البائع في تسليمه جميع الثمرة وفي فسخ البيع، وقيل: البيع مفسوخ. وقال ابن العطار: والذي به القضاء أن البيع لا يجوز إلا برضا أحدهما بتسليم الجميع للأخذ وهو الراجح كما في الحاشية.
قوله: [وهل يجوز للبائع اشتراطه] إلخ: الجواز مبني على أن المستثنى مبقى وهو قول اللخمي والمشهور امتناع اشتراط البائع غير المؤبر لنفسه، وما قاله اللخمي ضعيف.
تنبيه: لكل من البائع والمشتري - إذا كان الأصل لأحدهما والتمر للآخر أو مشتركاً بينهما - السقي إلى الوقت الذي جرت به العادة بجز الثمرة فيه ما لم يضر بالآخر فإن ضر سقي أحدهما بالآخر منع من السقي ويغتفر ارتكاب أخف الضررين.
قوله: [بخلاف سرير] إلخ: مثل ذلك الحانوت التي بجوارها حيث لم تكن تتناولها حدودها ولو وقع العقد على دار وفيها ما لا يتناوله العقد عليها كحيوان أو أزيار غير مبنية وكان لا يمكن إخراجه من بابها إلا بهدم، فقال ابن عبد الحكم: لا يقضى على المشتري بهدم ويكسر البائع أزياره ويذبح حيوانه، وظاهره كان المشتري عالماً بذلك حين الشراء أم لا. وقال أبو عمران: الاستحسان هدمه ويبنيه البائع إذا كان لا يبقى به بعد البناء عيب ينقص الدار، وإلا قيل للمبتاع: أعطه قيمة متاعه. فإن أبى قيل للبائع: اهدم وابن وأعط قيمة العيب. فإن أبى نظر الحاكم. والذي اختاره الأجهوري وهو الأوفق بالقواعد أنه إن كان الضرران مختلفين ارتكب أخفهما وإن تساويا فإن اصطلح المتبايعان على شيء فالأمر ظاهر وإن لم يصطلحا فعل الحاكم باجتهاده ما يزيل ذلك، وعلى هذا اقتصر في المجموع؛ ومن ذلك لو دخل قرنا ثور في غصن شجرة ولم يمكن تخليصهما إلا بقطع الشجرة أو كسر القرنين.
قوله: [بخلاف ثياب زينته]: أي فهي كماله لا تدخل إلا بالشرط.
قوله: [فهما قولان مرجحان]: أي ولا يلزم من الوفاء بالشرط على القول الثاني تسليم الجارية عريانة بل على المشتري سترها.
قوله: [إلا أن يكون ليزوجها] إلخ: قد تقدم ذلك.
قوله: [فإذا باع شيئاً] إلخ: أي كما لو قال المشتري للبائع: أشتري منك هذه السلعة على أنها إذا استحقت من يدي أو ظهر بها عيب قديم فلا قيام لي بذلك. أو البائع يقول للمشتري ذلك. وأما لو أسقط ذلك بعد الشراء ففي (ح) عن أبي الحسن: إذا أسقط المشتري حقه من القيام بالعيب بعد العقد وقبل ظهور العيب فإنه يلزمه سواء كان مما يجوز فيه البراءة أم لا كذا في (بن).
قوله: [فيلغى الشرط والبيع صحيح]: أي ويحكم بالمواضعة لأنها حق الله تعالى.
قوله: [وشرط عدم الجائحة] قال الأجهوري وظاهره: ولو اشترط هذا الشرط فيما عادته أن يجاح، وفي أبي الحسن: أنه يفسد فيه العقد لزيادة الغرر. وفي حاشية شيخنا الأمير على (عب): أن ابن رشد اقتصر في البيان والمقدمات على صحة البيع وبطلان الشرط لكن علل فيهما بقوله: لندرة الجائحة، فمقتضاه أن المبيع إذا كان من عادته أن يجاح فلا يكون الحكم كذلك، ولذلك قال أبو الحسن بالفساد في تلك الحالة. اهـ. وقد مشى في المجموع على هذا المنوال حيث قال: وفسد العقد بإسقاط جائحة ما يجاح على الظاهر وفاقاً لأبي الحسن وإلا يكن يجاح عادة لغاً الشرط. اهـ.
(أو) شرط (إن لم يأت بالثمن لكذا) نحو لآخر الشهر أو لعشرة أيام (فلا بيع) بيننا، فيلغى الشرط ويصح البيع وغرم الثمن الذي اشترى به قاله في المدونة. فهذه الأشياء يصح فيها البيع بعد الوقوع ويبطل فيها الشرط.
قال ابن رشد: الشروط المشترطة في البيوع على مذهب مالك رحمه الله تعالى أربعة أقسام: قسم يفسد البيع من أصله. وهو: ما أدى إلى خلل في شرط من الشروط المشترطة في صحة البيع. وقسم يفسد البيع ما دام المشترط متمسكاً بشرطه كشرط بيع وسلف، وقسم يجوز فيه البيع والشرط إذا كان الشرط جائزاً لا يؤدي لفساد ولا حرام، وقسم يمضي فيه البيع ويبطل الشرط، وهو ما كان الشرط فيه حراماً إلا أنه خفيف لم يقع عليه حصة من الثمن. اهـ.
ولما قدم أنه يدخل البذر في بيع الأرض دون الزرع، ويدخل الثمر الغير [1] المؤبر دون المؤبر في بيع الشجر، شرع في الكلام على بيعهما منفردين، فقال:(وصح بيع ثمر) بفتح المثلثة والميم من بلح ورمان وتين وعنب وإجاص وخوخ ونارنج وغير ذلك (وزرع) كقمح وشعير وفول وكتان وجزر وخس وفجل وغيرها (إن بدا صلاحه) فبدوُّ الصلاح شرط في صحة البيع إذا بيع منفرداً عن أصله (أو مع أصله) من شجر أو أرض وإن لم يبد صلاحه، لأنه صار تابعاً للأصل في البيع إذا وقع العقد عليهما معاً (أو ألحق) الثمر أو الزرع (به) أي بالأصل بأن يشتري الشجر أو الأرض [2] ثم بعد ذلك يشتري الثمر أو الزرع. فيجوز وإن لم يبد صلاحهما (أو) بيعه قبل بدو صلاحه (بشرط قطعه) في الحال أو في مدة قريبة لا ينتقل فيها الثمر أو الزرع من طور لآخر، فيجوز بشرطين أشار لهما بقوله:
(إن نفع): أي إن كان ينتفع به لو قطع لأكل أو علف أو دواء لا إن لم ينفع لفقد شرط صحة البيع (واحتيج له): لأكله أو غيره، (لا) يصح بيع ما ذكر قبل بدو صلاحه (على التبقية أو) على (الإطلاق) من غير بيان قطع ولا تبقية.
(وبدوه): أي الصلاح (في بعض) من ذلك النوع
ــ
قوله: [أو شرط إن لم يأت بالثمن لكذا] إلخ: صورتها كما قال بعضهم: أن يقول البائع: بعتك بكذا الوقت كذا، أو على أن تأتيني بالثمن في وقت كذا، فإن لم يأت به في ذلك الوقت فلا بيع بيننا مستمر. قال في التوضيح: ذكر ابن لبابة عن مالك في هذه المسألة ثلاثة أقوال: صحة البيع وبطلان الشرط، وصحتهما وفسخ البيع، والذي اقتصر عليه في المدونة الأول، ونصها آخر البيوع الفاسدة: ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام وفي موضع آخر إلى عشرة أيام فلا بيع بينهما فلا يعجبني أن يعقد على هذا فإن نزل ذلك جاز البيع وبطل الشرط وغرم الثمن. اهـ.
قوله: [وهو ما أدى إلى خلل في شرط]: أي كشرط عدم الطهارة أو كونه مجهولاً.
قوله: [كشرط بيع وسلف]: أي وشرط ألا يبيعها أو لا يطأها من كل شرط ينافي المقصود من البيع.
قوله: [وقسم يمضي فيه البيع] إلخ: كالمسائل المتقدمة في قوله كشرط ما لا غرض فيه.
قوله: [وصح بيع ثمر]: حاصل ما ذكره المصنف أن الثمار والحبوب والبقول لا يصح بيعها إلا إذا بدا صلاحها أو بيعت مع أصلها أو ألحقت بأصلها أو بيعت على الجذ بقرب إن نفع واحتيج له ولم يكثر ذلك بين الناس. فإن تخلف شرط من هذه الثلاثة منع بيعه على الجذ كما يمنع على التبقية أو الإطلاق.
قوله: [إن بدا صلاحه]: بلا همز لأنه من البدو بمعنى الظهور لا من البدء وإنما عبر المصنف بالصحة ليعلم بالصراحة عدم الصحة في المفهوم ولو عبر بالجواز لم يستفد ذلك منه صراحة.
قوله: [أو مع أصله]: معطوف على الشرط والمعنى أنه يكفي في بيع الثمر والزرع أحد أمور إما بدو الصلاح أو بيعه مع أصله أو إلحاق الثمر أو الزرع بأصله أو على القطع بشروطه الآتية فواحد من هذه الأربعة كاف.
قوله: [أو ألحق الثمر أو الزرع به]: أي وأما عكس ذلك كما إذا بيع الثمر أو الزرع أولاً ثم ألحق أصله به فممنوع لفساد البيع الأول حيث لم يكن بدا صلاحه ولا يلحق بالثاني لتأخره عنه.
قوله: [فيجوز بشرطين]: بقي شرط ثالث: وهو أن لا يتمالئوا عليه أي لم يقع من أهل المحل ذلك بكثرة فإن تمالأ أهل المحل ولو باعتبار العادة منع بيعه قبل بدو صلاحه.
قوله: [على التبقية أو على الإطلاق]: أي فلا يصح مطلقاً كان الضمان من البائع أو المشتري، اشتراه بالنقد أو النسيئة. هذا ظاهره وهو المعتمد كما في الحاشية نقلاً عن (ح). وقيد اللخمي والسيوري والمازري المنع بكون الضمان من المشتري أو من البائع والحال أنه بالنقد للتردد بين السلفية والثمنية، فإن كان الضمان من البائع والبيع بالنسيئة جاز. واختار (بن) هذا التقييد ووافقه في المجموع. وقد ذكر المواق هنا فروعاً عن ابن رشد من سماع عيسى ونصه: إذا اشترى الثمرة على الجذ قبل بدو الصلاح ثم اشترى الأصل جاز له بقاؤها بخلاف ما إذا اشتراها على التبقية ثم اشترى الأصل فلا بد من فسخ البيع فيها لأن شراءها كان فاسداً فلا يصلحه شراء الأصل، فإن صار إليه الأصل بميراث من بائع الثمرة لم ينفسخ شراؤها، إذ لا يمكن أن يردها على نفسه فإن ورثه من غير بائع الثمرة وجب الفسخ فيها. ولو اشترى الثمرة قبل الإبان على البقاء ثم اشترى الأصل فلم يفطن لذلك حتى أزهت، فالبيع ماض
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (غير).
[2]
قوله: (أو الأرض) في ط المعارف: (والأرض).
ولو نخلة (كاف في) جواز بيع الجميع من (جنسه) لا في غير جنسه، فلا يباع رمان ببدو صلاح بلح أو تين (إن لم يكن) ما بدا صلاحه (باكورة) فإن كانت باكورة سبق طيبها على غيرها بزمن طويل لم يجز بيع الباقي بطيبها (وكفى فيها) فقط (لا) يصح بيع (بطن ثان) من الثمار (بطيب) بطن (أول) مما له بطون، كالموز والجميز والنبق فمن باع البطن الأول لبدو صلاحه ثم ظهر البطن الثاني لم يجز بيعه إلا إذا بدا صلاحه أيضاً، ولا يعتمد في جواز بيعه بطيب الأول.
ثم شرع في بيان بدو الصلاح في الثمار وغيرها فقال: (وهو) أي بدو الصلاح (الزهو) في البلح باصفراره أو احمراره وما في حكمها كالبلح الخضراوي (وظهور الحلاوة) في غيره كالعنب والتين ونحوهما (والتهيؤ للنضج) كأن يميل إذا قطع إلى صلاح كالموز؛ لأن شأنه ألا يطيب إلا بعده [1] جذه وربما دفن في نحو تبن.
(و) بدو الصلاح (في ذي النور) بفتح النون: وهو الزهر كالورد والياسمين ولفظ ذي زائدة (بانفتاحه) أي انفتاح أكمامه وظهور ورقه منها.
(وفي البقول) كالفجل والكراث والجزر (بإطعامها): أي بلوغها حد الإطعام (وفي البطيخ) الأصفر أو غيره (بكالاصفرار)، ومثل الاصفرار في غير الأصفر تهيؤه للنضج بدخول الحلاوة فيه وتلون لبه وفي القثاء والخيار ببلوغهما حد الإطعام.
(وفي الحب بيبسه) المراد به غاية الإفراك وبلوغه حداً لا يكبر بعده عادة (ومضى بيعه): أي الحب فلا يفسخ (إن أفرك) ولم ييبس وإن كان لا يجوز ابتداء (بقبضه) قال في المدونة: أكرهه، فإن وقع وفات فلا أرى أن يفسخ. اهـ. قال عياض: اختلف في معنى الفوات هنا فقال أبو محمد إنه القبض وعليه اقتصرت المدونة، ومثله في كتاب ابن حبيب، وذهب غير أبي محمد إلى أن الفوات بالعقد، وقيل: بيبسه وهذا إذا اشتراه على أن يتركه حتى ييبس أو كان العرف ذلك وإلا فالبيع جائز. والمراد بيعه جزافاً مع سنبله، وأما بيعه مجرداً عن سنبله، فقبل اليبس لا يجوز ويفسخ مطلقاً وبعد اليبس يجوز
ــ
وعليه قيمة الثمرة لأنه بشراء الأصل كان قابضاً للثمرة وفاتت بما حصل فيها عنده من الزهور. فلو اشترى الثمرة قبل الإبان ثم اشترى الأصل قبل الإبان أيضاً فسخ البيع فيهما، لأنه بمنزلة من اشترى نخلاً قبل الإبان على أن تبقى الثمرة للبائع وهو لا يجوز فلو اشترى الأصل بعد الإبانة فسخ البيع في الثمرة فقط. اهـ. نقله محشي الأصل.
تنبيه: ضمان الثمرة في البيع الفاسد من البائع ما دامت في رؤوس الشجر، فإن جذها المشتري رطباً رد قيمتها وثمراً رده بعينه إن كان باقياً، وإلا رد مثله إن علم وقيمته إن لم يعلم. هذا إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها على التبقية، وأما لو اشتراها على الإطلاق وجذها فإنه يمضي بالثمن على قاعدة المختلف فيه كذا في (بن).
قوله: [ولو نخلة]: أي ولو في بعض عراجينها.
قوله: [الجميع من جنسه]: أي في ذلك الحائط وفي مجاوره ولو اختلفت أصنافه. وهذا خاص بالثمار كما يؤخذ من قوله: "ولو نخلة" ومثله في الرسالة، فلا يجوز بيع الزرع ببدو صلاح بعضه بل لا بد من يبس جميع الحب لأن حاجة الناس لأكل الثمار رطبة لأجل التفكه بها أكثر ولأن الغالب تتابع طيب الثمار. وليست الحبوب كذلك، لأنها للقوت لا للتفكه قال في حاشية الأصل: وهذا الكلام يفيد أن نحو المقثأة كالثمار.
قوله: [سبق طيبها على غيرها]: تفسير للباكورة.
قوله: [لا يصح بيع بطن ثان]: حاصله: أن الشجر إذا كان يطعم في السنة بطنين متميزين فلا يجوز بيع البطن الثاني بعد وجوده وقبل صلاحه ببدو صلاح البطن الأول، وهذا هو المشهور. وحكى ابن راشد قولاً بالجواز بناء على أن البطن الثاني يتبع الأول في الصلاح. وفي المواق: سمع عيسى بن القاسم: الشجرة تطعم بطنين في السنة بطناً بعد بطن فلا يباع البطن الثاني مع الأول بل كل بطن وحده.
قوله: [لم يجز بيعه إلا إذا بدا صلاحه]: أي والفرض أن البطون متميز بعضها عن بعض كالنبق والجميز، وأما ما لا يتميز بطونه فإنه يجوز أن يباع كله ببدو صلاح البطن الأول لأن طيب الثاني يلحق طيب الأول عادة كما يأتي في قوله:"وللمشتري بطون نحو مقثأة وياسمين".
قوله: [الزهو]: بفتح الزاي وسكون الهاء وبضمها وتشديد الواو.
قوله: [كالبلح الخضراوي]: أي فيكفي ظهور الحلاوة في البلح الخضراوي لكونه دائماً أخضر.
قوله: [وتلون لبه]: أي بالحمرة والسواد.
قوله: [ومضى بيعه]: يعني أن الحب إذا بيع قائماً مع سنبله جزافاً بعد إفراكه وقبل يبسه على التبقية أو كان العرف ذلك، فإن بيعه لا يجوز ابتداء وإن وقع مضى بقبضه بحصاده، وقولنا: قائماً احتراز مما جز كالفول الأخضر والفريك فإن بيعهما جزافاً جائز بلا نزاع لأنه منتفع به.
قوله: [ولم ييبس]: أي لم يبلغ غاية الإفراك.
قوله: [وقيل بيبسه]: أي فيفوت به وإن لم يحصده. وبقي قول رابع: وهو أنه لا يفوت بالقبض بل بمفوت بعده.
قوله: [وإلا فالبيع جائز]: أي وإلا بأن اشتراه على القطع أو الإطلاق أو كان العرف ذلك وكان لمشتريه حينئذ تركه حتى ييبس، كما في سماع يحيى، وكذا في ابن رشد.
قوله: [ويفسخ مطلقاً]: أي بيع جزافاً أو كيلاً على التبقية أو
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (بعد)، ولعلها الصواب.
إن وقع على الكيل كما تقدم لا جزافاً لعدم رؤيته.
(وللمشتري بطون نحو مقثأة) بفتح الميم: البطيخ والخيار والقثاء (وياسمين) مما له بطون يعقب بعضها بلا تمييز ثم تنتهي أي يقضى له بذلك وإن لم يشترطها.
(ولا يجوز) بيعها (لأجل) كشهر لاختلافها بالقلة والكثرة والصغر والكبر (بخلاف ما لا ينتهي) بطونه كالموز في بعض الأقطار (فيتعين) في بيعه (الأجل) أي بيانه وضربه. وظاهر أن بيع الثمار بعد بدو صلاحها إنما يجوز بغير طعام، وإلا لزم ربا الفضل والنساء إن كان الثمن من جنسها وربا النساء فقط إن لم يكن من جنسها.
ولما كانت العرية من الثمارر [1]؛ وجوزوا فيها بيعها بجنسها بالشروط الآتية - ذكرها بعد ذكر بيع الثمرة مبيناً لشروطها - فقال: (وجاز لمعر): وهو واهب الثمرة (وقائم مقامه) بإرث أو هبة أو اشتراء للأصول مع ثمرها أو لأحدهما فقط (اشتراء ثمرة) فاعل جاز (أعراها): أي وهبها المشتري أو من قام المشتري مقامه وهذا نعت أول كأنه قال: معراة وقوله (تيبس) نعت ثان: أي من شأنها اليبس كبلح وجوز ولوز وعنب وتين وزيتون في غير مصر. لا كموز وعنب وتين بمصر فإنه لا ييبس فيها إذا ترك. وخوخ وبرقوق لعدم يبسه لو ترك.
والحاصل: أن من وهب ثمراً من حائطه لإنسان فإنه يجوز له أن يشتريه منه بخرصه للجذاذ بشروط: أن تكون الثمرة الموهوبة مما ييبس، ويدخر، وأن يكون الشراء (بخرصها) أي قدرها لا بأكثر ولا أقل.
(ونوعها): أي صنفها، فلا يباع تمر بتين ولا تمر صيحاني ببرني وأن يكون الخرص (في الذمة): أي ذمة المشتري في واهب أو قائم مقامه.
(لا) يجوز (على التعجيل)؛ لأن بيعها على الوجه المذكور رخصة يقتصر فيها على ما ورد، ولا في حائط معين، فهذه أربعة شروط.
وأشار لأربعة تصريحاً بقوله: (إن لفظ الواهب) حين الإعطاء (بالعرية) كـ: أعريتك، لا بالهبة ولا الصدقة ولا المنحة على المشهور.
(وبدا صلاحها) وإنما نص على هذا الشرط وإن كان لا يختص بالعرية؛ لئلا يتوهم عدم اشتراطه للرخصة.
(و) كان (المشترى) منها (خمسة أوسق فدون) لا أكثر إن كان أكثر.
(و) كان المشتري (قصد المعروف) مع المعرى له لكفايته المؤنة والحراسة (أو) قصد (دفع الضرر) عن نفسه بدخول المعري له في حائط وتطلعه على عوراته لا إن قصد تجارة ونحوها ولا إن لم يقصد شيئاً.
(و) جاز: (لك شراء ثمر أصل) كائن (لغيرك في حائطك بخرصه) مع بقية الشروط الممكنة. إذ لفظ العرية وكون المشتري هو المعري
ــ
الإطلاق.
قوله: [إن وقع على الكيل]: أي ولم يتأخر تمام حصده ودرسه وذروه أكثر من نصف شهر.
قوله: [من الثمار]: أي من مباحث الثمار فالثمار كلي يتعلق به الجوائح والعرية وكيفية البيع.
قوله: [وجوزوا فيها بيعها بجنسها]: أي مع ما فيها من ربا الفضل والنساء، وذلك لأن شراء الثمرة الرطبة بخرصها يابساً يدفع عند الجذاذ فيه ربا النساء تحقيقاً وربا فضل شكاً لأن الخرص ليس قدر الثمن قطعاً.
قوله: [وجاز لمعر]: قال التتائي: العرية ثمن نخل أو غيره ييبس ويدخر يهبها مالكها ثم يشتريها من الموهوب له بثمر يابس إلى الجذاذ. اهـ.
قوله: [وهو واهب الثمرة]: تفسير للمعري وتسميته بمعر وتسميتها عرية اصطلاح للفقهاء.
قوله: [بإرث]: أي للمعري وقوله [أو هبة] أي: بأن وهبها المعرى له.
وقوله: [أو اشترى للأصول]: أي من المعرى.
قوله: [أو من قام المشتري مقامه]: أي من وارث أو موهوب له أو مشتر فقوله [أو من قام] معطوف على المشتري.
قوله: [تيبس]: إن قلت: المضارع يدل على الحال أو الاستقبال فهو مجمل؟ أجيب: بأن عدوله عن صيغة الماضي للمضارع قرينة الاستقبال.
قوله: [بشروط]: أي ثمانية. وبقي شرطان، أحدهما: كون المشتري هو الواهب أو من يقوم مقامه وهذا مفهوم من قوله: وجاز لمعر إلخ والثاني: كونه مخصصاً بالثمرة وهو مفهوم من قوله: "اشترى ثمرة أعراها تيبس" فالشروط عشرة.
قوله: [ونوعها]: أي وأما شرط اتحاد الصفة فلا. ويجوز بيع جيد بخرصه رديء وعكسه خلافاً للخمي.
قوله: [فهذه أربعة شروط]: قد يقال هي خمسة، والخامس قوله:"لا على التعجيل" لأنه معنى قول خليل: "يوفى عند الجذاذ" فتكون الشروط أحد عشر.
قوله: [وكان المشترى منها خمسة أوسق]: أي ما لم يكن أعرى عرايا لواحد أو متعدد في حوائط أو حائط فمن كل منها خمسة أوسق لكن يشترط أن يكون بعقود متعددة إن كان المعرى له واحداً مع اختلاف زمنها إلا بعقد واحد على الراجح.
قوله: [أو قصد دفع الضرر]: أي فعلة الترخيص في إحدى علتين على البدل إما دفع الضرر عن المعري -بالكسر- الحاصل له بدخول المعرى -بالفتح- وخروجه واطلاعه على ما لا يجب الاطلاع عليه أو للمعروف والرفق بالمعرى -بالفتح- لكفايته المؤنة والحراسة. ويتفرع على الثانية ثلاث مسائل: جواز اشتراء بعضها كثلثها ونصفها ككل الحائط إذا أعرى جميعه وهو خمسة أوسق فأقل، وجواز الشراء المذكور ولو باع المعري الأصول للمعرى -بالفتح-، أو لغيره، كان ذلك قبل شراء العرية أو بعده. وأما على العلة الأولى
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (الثمار)، ولعلها الصواب.
لا يتأتى هنا (لقصد المعروف منك) مع صاحب الأصل (فقط)، لا إن قصدت دفع ضرر وأولى عدم قصد شيء. وهذا فيما إذا اشتراها بخرصها. وأما لو اشتراها بعين أو عرض لجاز مطلقاً بشرط بدو الصلاح وهو من مشمولات ما تقدم من جواز بيع الثمر إن بدا صلاحه.
(وبطلت) العرية (بمانع) لمعريها (قبل حوزها بعد ظهور الثمرة) على أصلها، بأن مات معريها أو فلس أو مرض أو جن واتصل مرضه أو جنونه بموته؛ لأنها عطية لا تتم إلا بالحوز كسائر العطايا. إلا أن الحوز هنا لا يفيد إلا بظهور الثمر على الشجر على الأرجح، فلا يكفي الحوز لأصولها قبل ظهور ثمرها فإن حصل للواهب مانع بعد حوز أصلها وقبل بروز الثمر بطلت، وقيل: يكفي ويجري مثل هذا في هبة الثمرة وصدقتها وتحبيسها.
(وزكاتها) أي العرية (وسقيها) ثابتان (على المعري) بالكسر أي معريها، وأما غير السقي من تقليم وتنقية وحراسة فعلى المعرى له.
(و) لو نقصت العرية عن النصاب (كملت) من ثمار معريها وزكاها وأما الهبة والصدقة فزكاتهما على الموهوب له والمتصدق عليه إن حصلا قبل الطيب لأبعده [1] فعلى الواهب.
ثم شرع في بيان حكم الجوائح فقال: (وتوضع جائحة الثمار) عن المشتري (ولو) كان شأنها لا تيبس أو بطوناً لا تنتهي أو تنتهي (كموز ومقاثئ) يشمل البطيخ والخيار والقثاء والقرع والباذنجان، فليس المراد بالثمار خصوص ما ييبس ويدخر كما هو المتعارف. (وإن بيعت على الجذ) فأجيحت قبل تمامه في المدة التي تجذ فيها عادة أو بعدها إن حصل مانع منه (أو) كانت الثمرة (من عريته) فاشتراها معريها بخرصها فأجيحت فتوضع. (أو) كانت الثمرة (مهراً) لزوجة فأجيحت.
ومحل وضعها عن المشتري (إن أصابت) الجائحة (الثلث) فأكثر من الثمر لا أقل (وأفردت) الثمرة (بالشراء) دون أصلها (أو ألحق أصلها) في الشراء (بها): أي بشراء الثمرة (لا عكسه)، وهو شراء أصلها أولاً ثم ألحقت به (أو معه): بأن اشتراهما معاً في عقد، فلا جائحة فيهما ومصيبته من المشتري (أو اعتبر قيمة ما أصيب من بطون ونحوها إلى ما بقي في زمنه): يعني إذا أجيح بطن مما يطعم بطوناً كالمقاثئ -وقد جنى بطنين مثلاً- أو اشترى بطناً واحدة مما لا يحبس أوله على آخره كالعنب، أو اشترى أصنافاً كبرني وصيحاني أو غير ذلك مما تختلف أسواقه في أول مجناه ووسطه وآخره، فإن بلغ ذلك ثلث المكيلة أو الوزن وضع عنه كما تقدم، ثم يعتبر قيمة ما أصيب بالجائحة من البطون أو ما في حكمها كما ذكرنا، وينسب إلى قيمة ما بقي سليماً في زمنه. وعبارة المدونة؛ فإن كان المجاح مما لم يجح قدر ثلث النبات وضع قدره وقيل: له "قيمة المجاح في زمنه". قال الأشياخ: معناه: أن يصير إلى انتهاء البطون، ثم يقال: كم يساوي كل بطن زمن الجائحة على أن يقبض في أوقاته؟ فإذا قيل: قيمة المجاح يوم الجائحة عشرة وقيمة السليم يوم الجائحة على أن يقبض في وقته
ــ
وهي دفع الضرر فلا يتأتى شيء من ذلك.
قوله: [لا يتأتى هنا]: أي والمتأتى هنا تسعة: بدو الصلاح، وكونه بالخرص، ومن نوعها، وعدم اشتراط تعجيل ذلك الخرص، وأن يكون في الذمة، وأن يكون التمر المشترى خمسة أوسق فأقل. وأن يكون الشراء بقصد المعروف فقط، وكونها في الثمار، وكونها مما ييبس. واعتبار هذه الشرط كلها إذا وقع البيع بخرصها كما هو الموضوع. وأما إذا وقع بعين أو عرض فإنما يشترط بدو الصلاح كما أفاده الشارح.
قوله: [وزكاتها]: إلخ إنما كانت زكاتها وسقيها على المعري لأن المعروف في العرية أشد منه في بقية العطايا.
قوله: [ثابتان على المعري]: أي وإن لم يشترها ولو حصلت العرية قبل الطيب بخلاف الهبة والصدقة كما يأتي.
قوله: [وتوضع جائحة الثمار]: الجائحة مأخوذة من الجوح: وهو الهلاك، واصطلاحاً: ما أتلف من معجوز عن دفعه عادة قدراً من ثمر أو نبات بعد بيعه؛ بكذا عرفها ابن عرفة.
وقوله: [من معجوز]: بيان لـ "ما".
وقوله: [قدراً]: مفعول لأتلف. وأطلق في القدر لأجل أن يعم الثمار وغيرها لأن الثمار وإن اشترط فيها كون التالف ثلثاً، لكن البقول لا يشترط فيها ذلك وإنما وضعت جائحة الثمار عن المشتري لما بقي على البائع في الثمرة من حق التوفية.
قوله: [وإن بيعت على الجذ]: أي هذا إذا بيعت على التبقية لأجل أن ينتهي طيبها بل وإن بيعت على الجذ أي القطع وعدم التأخير لانتهاء طيبها.
قوله: [أو من عريته]: أي خلافاً لأشهب القائل بأنها لا توضع جائحتها؛ لأن العرية مبنية على المعروف ومحل الخلاف إذا أعراه ثمر نخلات ثم اشترى عريته بخرصها. أما لو اشتراها بعين أو عرض فإن الجائحة تحط عن المشتري وهو المعري - بالكسر - اتفاقاً وإن أعراه أوسقاً من حائطه ثم اشتراها منه ثم أجيح ثمر الحائط فلم يبق إلا مقدار تلك الأوسق فلا قيام للمعري بالجائحة ولا تحط عنه اتفاقاً؛ فالمسألة ذات صور ثلاث قد علمتها.
قوله: [أو كانت الثمرة مهراً لزوجة]: نص ابن عرفة: وفي لغوها في النكاح لبنائه على المعروف وثبوتها لأنها عوض قولا العتبي عن ابن القاسم وغير واحد عن ابن الماجشون. وصوبه ابن يونس اللخمي. ومحل الخلاف إذا كان المهر ثمراً. وأما لو كان المهر غير ثمر ثم عوضت فيه ثمراً ففيه الجائحة اتفاقاً.
تنبيه: لا جائحة في الثمرة المدفوعة خلعاً ولو على القول بثبوتها في المهر وذلك لضعف الخلع عن الصداق بجواز الغرر فيه دون الصداق.
قوله: [الثلث فأكثر]: أي ولو من كصيحاني
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (لا بعده)، ولعلها الصواب.
عشرة، حط عنه نصف الثمن. وإذا قيل: قيمة السليم على الوجه المذكور عشرون حط عنه الثلث. وإذا قيل خمسة: حط عنه الثلثان من الثمن ولذا قال: (ولا يستعجل) بالتقويم يوم الجائحة بل يصبر إلى انتهاء البطون ليتحقق المقدار الذي يقوّم ثم يعتبر التقويم يوم الجائحة بأن يقال: ما قيمته يوم الجائحة على أن يقبض في وقته؟ فعلم أنه ليس المراد أنه يقوم كل في زمنه قال أبو الحسن: لم يتأولها أحد عليه وإن كان هو الظاهر منها، وإنما اختلفوا: هل يراعى يوم البيع أو يوم الجائحة، وأن وضع الجائحة إنما يكون إذا أصاب الثلث فأكثر. وأما الرجوع لقيمة المصاب فيثبت بعد إجاحة الثلث قلت أو كثرت.
(وإن تعيبت) الثمرة -كأن أصابها غبار أو عفن من غير ذهاب عينها- (فثلث القيمة) هو المعتبر في وضع الجائحة، لا ثلث المكيلة. فإن نقصت بالعيب ثلث قيمتها فأكثر وضع عن المشتري وإلا فلا. (وهي): أي الجائحة (ما): أي كل شيء (لا يستطاع دفعه) عادة (من) أمر (سماوي) كبرد وثلج وغبار وسموم -أي ريح حار- وجراد وفأر ونار ونحو ذلك (أو جيش، وفي السارق خلاف) قيل: ليس بجائحة لأنه يستطاع دفعه بالحراسة منه، وهو قول ابن القاسم في الموازية وعليه الأكثر. وقيل: من الجائحة، وهو قوله في المدونة وصوبه ابن يونس واستظهر ابن رشد. ومحل الخلاف إذا لم تعلم عينه وإلا اتبعه المشتري.
وما تقدم من أن محل وضع الجائحة إذا بلغت الثلث فأكثر إنما هو فيما إذا أجيحت بغير العطش. وأما بالعطش فيوضع مطلقاً وقد نبه عليه بقوله: (وتوضع) الجائحة الحاصلة (من العطش) مطلقا ً (وإن قل) المجاح ما لم يكن تافهاً لا بال له، وشبه في قوله: وإن قل قوله (كالبقول) بضم الباء الموحدة: كالخس والكزبرة والسلق والهندبا والكراث، ومنه مغيب الأصل: كالجزر والبصل، قال في المدونة: وأما جائحة البقول السلق والبصل والجزر والفجل والكراث وغيرها فيوضع قليل ما أجيح منه وكثيره. اهـ. وسواء أجيحت بعطش أو غيره (والزعفران والريحان والقرط) بضم القاف حشيش يشبه البرسيم في الخلقة (والقضب) بفتح القاف وسكون الضاد المعجمة: ما يرعى من الحشيش (وورق التوت) يشترى لعلف دود الحرير (والفجل ونحوها): أي المذكورات كاللفت والقلقاس والثوم.
(و) إذا وضع من هذه الأشياء ما قل وما كثر (لزم المشتري الباقي): أي ما بقي بعد الجائحة (وإن قل) وليس له فسخ البيع وحله عن نفسه، بخلاف الاستحقاق فإنه يخير في المثلي وإن قل كما هو الموضوع، والفرق كثرة تكرر الجوائح، فكأن المشتري داخل على ذلك بخلاف الاستحقاق. وتقدم أن المقاثي والموز والورد والياسمين ونحوها كالعصفر والفول الأخضر والجلبان ملحقة بالثمار يراعى فيها الثلث فأكثر ويلزم المشتري الباقي.
ــ
وبرني، فلا فرق بين كون المبيع صنفاً واحداً أو صنفي نوع بيعا معاً فأجيح واحد منهما، فإنها توضع إن بلغت ثلث مكيلة الجميع كما رواه ابن المواز عن مالك وابن القاسم وعبد الملك خلافاً لأشهب القائل باعتبار ثلث القيمة إن تعدد الصنف.
والحاصل: أنه لا خلاف في اعتبار كون ما أتلفته الجائحة من أحد الصنفين ثلث المبيع، لكن هل المعتبر ثلث قيمته أو ثلث مكيلته؟ خلاف وموضوعه في صورتين: ما إذا كان المبيع نوعاً لا يحبس أوله على آخره كالمقاثئ، أو كان صنفي نوع وأما لو كان المبيع نوعاً واحداً يحبس أوله على آخره فهذا لا خلاف في اعتبار ثلث مكيلته - كذا في (بن).
قوله: [وإنما اختلفوا] إلخ: حاصله أن الأقوال أربعة؛ قيل: يعتبر قيمة كل في وقته ولا يستعجل بالتقوم. وقيل: يعتبر قيمة كل يوم البيع على تقدير وجود البطون السالمة فيه، فإن أجيحت بطن مثلاً قيل: ما قيمتها يوم البيع، وما قيمة السالم لو كان موجوداً يوم البيع؟ فيقال: كذا. وقيل: يعتبر قيمة كل يوم الجائحة وعلى هذا القول فقيل: يستعجل بالتقويم بحيث يقال: يوم الجائحة ما قيمة المجاح في ذلك الوقت؟ فيقال: كذا. وما قيمة السالم لو كان موجوداً فيه؟ فيقال: كذا. وقيل: يستعجل بتقويم السالم على الظن والتخمين بل بعد انتهاء البطون ينظر كم تساوي كل بطن زمن الجائحة على أنها تقبض بعد شهر مثلاً. وهذا القول هو المعتمد. وفي (بن) عن أبي الحسن أن الأول لم يقل به أحد من أهل المذهب وإنما اختلفوا: هل يراعى في التقويم يوم البيع أو يوم الجائحة؟ وعلى الثاني فقيل: يستعجل بتقويم السالم على الظن والتخمين وقيل لا يستعجل بتقويمه وهو الأصح.
قوله: [لا ثلث المكيلة]: إنما لم يعتبر ثلث المكيلة لأن عينها موجودة لم تذهب ولم يحصل فيها نقص من جهة الكيل، قال في التوضيح: فإن لم تهلك الثمار بل تعيبت فقط بكغبار يصيبها أو ريح يسقطها قبل طيبها فينقص ثمنها. ففي البيان: أن ذلك جائحة ينظر لما نقص هل ثلث القيمة أم لا، وقال ابن شعبان: ليس ذلك جائحة وإنما هو عيب والمبتاع بالخيار بين أن يتمسك أو يرد اهـ (بن).
قوله: [من العطش مطلقاً]: محل ذلك ما لم يكن العطش من تفريط المشتري وإلا فلا توضع عنه.
قوله: [وسواء أجيحت بعطش أو غيره]: أي فليس البقول كالثمار وذلك لأن البقول لما كانت تجذ أولاً فأول لم ينضبط قدر ما يذهب منها.
قوله: [وتقدم أن المقاثي] إلخ: الحاصل أن المقاثي أو الباذنجان والقرع والفجل والجزر والموز والياسمين
وذهب بعضهم إلى أن مغيب الأصل كالثمر يراعى فيه الثلث (وإن انتهى طيبها) أي: الثمار وما ألحق بها بأن بلغت الحد الذي اشتريت له فتوانى المشتري في جذها حتى أجيحت (فلا جائحة) لفوات محل الرخصة، وأما لو أجيحت أيام جذها على العادة فإنها توضع (كالقصب الحلو) فإنه لا جائحة فيه على مذهب المدونة، وقال ابن القاسم: توضع فيه، ابن يونس وهو القياس (ويابس الحب) من قمح أو غيره إذا بيع بيعاً صحيحاً، وذلك بعد يبسه أو قبله على القطع، لكن أبقاه المشتري ليبسه فأجيح؛ فلا جائحة فيه، وأما لو اشتراه قبله على التبقية أو الإطلاق ففاسد ضمانه من بائعه بجائحة أو غيرها بخلاف ما لو اشتراه على القطع فأجيح أيام قطعه المعتاد ففيه الجائحة.
(وإن اختلفا) أي البائع والمشتري (فيها): أي في الجائحة أي في حصولها (فقول البائع) أي فالقول له إنها لم تجح فعلى المشتري الإثبات وإن توافقا عليها. (و) اختلفا (في قدر المجاح): هل هو الثلث أو أكثر أو أقل (فالمشتري) القول له. والله أعلم.
(فصل) في اختلاف المتبايعين في الثمن أو المثمن
(إن)(اختلف المتبايعان في جنس ثمن) كأن قال البائع: بعته لك بدينار. وقال المشتري: بل بثوب (أو) في جنس (مثمن) كـ: بعتك هذا الحمار بدينار، فقال: بل العبد بدينار، وأولى إن اختلفا فيهما معاً، فأو مانعة خلو فقط (أو) اختلفا في (نوعه)، أي الثمن أو المثمن كدنانير ودراهم أو قمح وشعير أو ثوب كتان وثوب قطن (حلفا) أي حلف كل منهما على إثبات دعواه ورد دعوى صاحبه (وفسخ) البيع (مطلقاً) أشبها أو لم يشبها أو انفرد أحدهما بالشبه كان المبيع قائماً أو فات لكن إن لم يفت ردها بعينها (ورد قيمتها في الفوات) وتعتبر القيمة
ــ
والعصفر والفول الأخضر والجلبان حكمها حكم الثمار يراعى فيها ذهاب الثلث. وروى محمد عن أشهب: أن المقاثي كالبقول، يوضع قليلها وكثيرها. والأول أشهر وبه القضاء.
قوله: [وذهب بعضهم إلى أن مغيب الأصل] إلخ: المراد به المتيطي. والحاصل. أن الثمار لا بد في وضع جائحتها من ذهاب الثلث اتفاقاً، والبقول توضع جائحتها وإن قلت اتفاقاً، والمقاثئ مذهب المدونة إلحاقها بالثمار وإلحاق مغيب الأصل بالبقول وألحقه المتيطي بالثمار وألحق أشهب المقاثي بالبقول.
[وإن انتهى طيبها]: لما ذكر أن شرط وضع الجائحة أن تصيب الثمرة قبل انتهاء طيبها ذكر مفهوم ذلك بقوله: "وإن انتهى طيبها". إلخ وحاصله أن الثمرة المبيعة إذا أصابتها الجائحة بعد تناهي طيبها فإنها لا توضع وسواء بيعت بعد بدو الصلاح وتناهي طيبها عند المشتري أو بعد تناهي طيبها على الجذ فأخر جذها لغير عذر فأجيحت والمراد بانتهاء طيبها بلوغها الحد الذي اشتريت له من تمر أو رطب أو زهو.
قوله: [بخلاف ما لو اشتراه على القطع]: أي بالشروط الثلاثة المتقدمة.
قوله: [فقول البائع]: أي لأن الأصل عدمها.
قوله: [فالمشتري القول له]: أي لأنه غارم وهو مصدق فيما غرمه.
تتمة: يخير العامل في المساقاة إذا أصابت الجائحة الثمرة وأجيح الثلث فأكثر ولم يبلغ الثلثين وكان المجاح شائعاً بين سقي الجميع أو تركه بأن يحل العقد عن نفسه ولا شيء له فيما تقدم، فإن كان معيناً في جهة لزمه سقي ما عدا المجاح. وأما إن بلغ المجاح الثلثين فأكثر خير مطلقاً كان شائعاً أو معيناً، وأما لو أجيح دون الثلث لزمه سقي الجميع مطلقاً. ومن باع ثمرة واستثنى كيلاً معلوماً وأجيحت تلك الثمرة فإنه يوضع عن المشتري من ذلك المكيل المستثنى بقدر المجاح من الثمرة بناء على أن المستثنى مشتري، فلو باع ثمرة ثلاثين إردباً بخمسة عشر واستثنى عشرة أرادب فأجيح ثلث الثلاثين وضع عن المشتري ثلث الثمن وثلث القدر المستثنى.
فصل في اختلاف المتبايعين
لما جرى ذكر البائع والمشتري في هذا الفصل وما قبله من أول البيوع إلى هنا كأن قائلاً قال له: فما الحكم إذا اختلفا في جنس الثمن أو نوعه أو قدره أو غير ذلك؟ فعقد لذلك فصلاً.
قوله: [إن اختلف المتبايعان]: أي لذات أو منفعة.
قوله: [بعته لك بدينار]: ومثله أكريته.
قوله: [كبعتك هذا الحمار بدينار]: ومثله أكريته لك بدينار.
قوله: [فأو مانعة خلو فقط]: أي فتجوز الجمع فيصدق موضوع الكلام بثلاث صور اختلاف؛ في جنس الثمن فقط، أو المثمن فقط، أو هما. وإن قلت: كان البيع ذاتاً أو منفعة كانت الصور ستاً ومثلها في اختلاف النوع.
قوله: [وفسخ البيع مطلقاً]: دخل تحت الإطلاق ثمان صور تضرب في الاثنتي عشرة المتقدمة وهي: أشبها أو لم يشبها، أشبه البائع دون المشتري، وعكسه، كان المبيع قائماً أو فائتاً. فجملة الصور ست وتسعون؛ تأمل،
قوله: [ورد قيمتها في الفوات]: أي ولو كان الفوات بحوالة سوق وتقاصا إذا ساوت القيمة الثمن وأما لو زاد أحدهما رجع صاحب الزيادة بها على صاحبه.
(يوم البيع) لا يوم الحكم ولا يوم الفوات، وهذا إذا كان مقوماً فإن كان مثلياً رد مثله.
(و) إن اختلفا (في قدره): أي قدر الثمن كعشرة، وقال المشتري: بل بتسعة (أو قدر المثمن) كثوب بكذا، وقال: المشتري: بل ثوبين به (أو) اختلفا في (قدر الأجل) بعد اتفاقهما عليه وسيأتي ما إذا اختلفا في انتهائه أو في أصله (أو) في (الرهن) بأن قال البائع: برهن، وقال المشتري، بل بلا رهن (أو) في (الحميل) بأن قال البائع: بحميل، وخالفه المشتري (ففي القيام): أي قيام السلعة في هذه الخمس مسائل (حلفا وفسخ) البيع، والفسخ يكون (بحكم) من حاكم (أو تراض) منهما عليه فإن لم يحكم به حاكم ولم يحصل منهما تراض به جاز لأحدهما الرضا بما ادعاه الآخر وتم البيع به (ظاهراً) عند الناس (وباطناً) عند الله معمولان لـ:"فسخ"، وينبني على ذلك: أنه يجوز لمن ردت له السلعة بالفسخ والتصرف فيها بجميع أنواعه ولو بالوطء في الأمة هذا هو المشهور والصحيح، وقيل: ظاهراً فقط (كنكولهما) فإنه يفسخ ظاهراً وباطناً إن حكم به أو تراضيا عليه (وقضي للحالف) منهما على الناكل (وبدأ البائع) بالحلف على الأرجح، فالقول له بيمينه. فإن نكل حلف المشتري وقضى بدعواه ولا يراعى الشبه ولا عدمه عند القيام.
(وإن فاتت) السلعة بحوالة السوق، فأعلى، وقيل: قبضها فوت (فالقول للمشتري بيمين) هذا (إن أشبه) أشبه البائع أم لا، فإن حلف قضي له به وإلا حلف البائع كما يحلف ابتداء إن انفرد بالشبه، فإن نكلا معاً فتقدم.
وشبه في كون القول قول المشتري إن أشبه بيمينه من حيث البدء باليمين قوله: (كالتجاهل في الثمن): بأن قال كل منهما: لا أعلم قدر الثمن الذي وقع به البيع. وورثة كل كهو، ولذا قال:(وإن) كان التجاهل (من وارث) فيبدأ المشتري أو وارثه بيمينه ثم يحلف البائع أو وارثه، فإن حلف كل على نفي العلم ردت السلعة إن كانت قائمة (وعليه) أي المشتري (القيمة في الفوات)، وكذا إن نكلا معاً أو أحدهما، إذ كل منهما يدعي الجهل؛ فالفسخ لا بد منه؛ فترد إن كانت قائمة. فإن ادعى أحدهما العلم والثاني الجهل حلف مدعي العلم وإن لم يشبه إن كانت السلعة قائمة. وإن أشبه
ــ
تنبيه: من الاختلاف في جنس الثمن - كما قال المازري - ما لو انعقد السلم أو بيع النقد على خيل فقال أحدهما: على ذكران، وقال الآخر: على إناث، لتباين الأغراض؛ لأن الإناث تراد للنسل. بخلاف ما لو كان الاختلاف في ذكران البغال وإناثها فإن هذا من الاختلاف في صفة الثمن لأن البغال لا تراد للنسل. وإذا اختلفا فيها فالقول قول البائع بيمين إذا انتقد، وإلا فالقول للمشتري بيمين. ومثل الاختلاف في الجنس والنوع في التخالف والفسخ مطلقاً: الاختلاف في صفة العقد؛ كمن باع حائطه وقال: اشترطت نخلات أختارها بغير عينها، وقال المبتاع: ما اشترطت إلا هذه النخلات بعينها. وترك المصنف الكلام على اختلافهما في أصل العقد لوضوحه وهو أن القول لمنكره بيمين سواء كان هو البائع أو المشتري. ومن هنا مسألة التنازع؛ هل هي أمانة أو بيع أو سلف؟ القول لمنكر البيع لأن الأصل عدم انتقال الملك.
قوله: [يوم البيع]: أي لأنه أول زمن تسلط المشتري على المبيع وهذا قول أبي محمد.
وقال ابن شبلون: تعتبر القيمة يوم ضمان المشتري.
قوله: [بأن قال البائع برهن]: إلخ مثل ذلك الاختلاف في قدره أو جنسه كما في الـ "مج".
قوله: [في هذه الخمس مسائل]. أي التي هي الاختلاف في قدر الثمن وقدر المثمن وقدر الأجل والرهن بحكم الحميل.
قوله: [والفسخ يكون من حاكم]: أي وتعود السلعة لملك البائع حقيقة ظالماً أو مظلوماً، واشتراط الحكم في الفسخ إذا لم يتراضيا عليه قول ابن القاسم، وقيل: يحصل الفسخ بمجرد التحالف كاللعان ولا يتوقف على حكم، وهو قول سحنون وابن عبد الحكم. وتظهر فائدة الخلاف فيما لو رضي أحدهما قبل الحكم بإمضاء العقد بما قال الآخر فعند ابن القاسم له ذلك لا عند مقابله.
قوله: [وبدأ البائع بالحلف]: إنما بدأ البائع باليمين في هذه الأحوال لأن الأصل استصحاب ملكه والمشتري يدعي إخراجه بغير ما رضي به.
قوله: [وإن فاتت السلعة]: أي يبدأ المشتري أو يبدأ البائع على أحد القولين.
قوله: [وإلا حلف البائع] إلخ: حاصل ما ذكره المصنف: أن في المسائل الخمس المذكورة يتحالفان ويتفاسخان عند قيام السلعة، وأما مع فواتها فإن المشتري يصدق بيمين إن ادعى الأشبه؛ أشبه البائع أم لا، ويلزم البائع ما قال المشتري. فإن انفرد البائع بالشبه كان القول قوله بيمين ويلزم المشتري ما قاله، فإن لم يشبه واحد منهما حلفا وفسخ وردت قيمة السلعة يوم بيعها إن كانت مقومة ومثلها إن كانت مثلية ونكولهما كحلفهما ويقضى للحالف على الناكل.
قوله: [بأن قال كل منهما لا أعلم قدر الثمن]: أي فإذا ادعى كل منهما أنه لا يعلم قدر ما وقع به البيع، فإنه يحلف على أنه لا يعلم قدره ويفسخ البيع وترد السلعة إن كانت قائمة فإن فاتت ولو بحوالة سوق رد قيمتها إن كانت مقومة ومثلها إن كانت مثلية فعلم أن كلاً منهما إنما يحلف على تحقيق دعواه فقط. ولا يتصور حلفه على نفي دعوى خصمه لقول كل منهما: لا أدري. واعلم أن نكولهما كحلفهما في الفسخ وكذا نكول أحدهما فيما يظهر، فإذا حلفا أو نكلا أو أحدهما فسخ البيع وردت السلعة.
قوله: [وإن كان التجاهل من وارث]: أي بأن ادعى وارث كل أنه لا يعلم ما وقع به
إن فاتت، فإن نكل فسخ بحكم وردت السلعة في قيامها وقيمتها في فواتها. (وحلف) الحالف منهما (على نفي دعوى خصمه وتحقيق دعواه)، ويقدم النفي بأن يقول البائع: ما بعتها بثمانية، ولقد بعتها بعشرة، ويحلف المشتري: ما اشتريتها بعشرة ولقد اشتريتها بثمانية. قال بعضهم: أن يقتصر على ما فيه حصر كأن يقول البائع: ما بعتها إلا بعشرة ويقول المشتري: ما اشتريتها إلا بثمانية، أو: إنما بعتها أو إنما اشتريتها إلخ.
(و) إن اختلفا (في انتهاء الأجل) عند اتفاقهما عليه -كأن يدعي البائع أول شعبان أن الأجل شهر أوله رجب وقد انقضى- ويدعي المشتري أن أوله نصف رجب فلم ينقض أو أنه شهران (فالقول لمنكر الانتهاء) وأنه لم ينقض (بيمينه إن أشبه) قوله عادة الناس في الأجل، أشبه الآخر أم لا.
(فإن لم يشبهما) معاً (حلفا) على ما تقدم. (وفسخ) البيع (ورد في الفوات القيمة): وإذا لم تفت ردها، وفهم منه: أنه إن انفرد مدعي بقاء الأجل بالشبه فالقول له بيمين. (و) إن اختلفا (في أصله): أي الأجل بأن قال البائع: بلا أجل بل بالحلول، وقال المشتري: بل لأجل كذا (فالقول لمن وافق) قوله (العرف) في بيع السلع، فمثل اللحم والبقول والأبزار وكثير من الثياب شأنها الحلول، وفي مثل العقار شأنها التأجيل. ومن ذلك حال البائع والمشتري.
(وإلا) يوافق قولهما معاً العرف بأن كان الشأن في تلك السلعة أن تباع بأجل تارة وبغيره أخرى (تحالفا وفسخ في القيام) للسلعة (وصدق المشتري بيمين) فيكون القول له بيمينه (إن فاتت).
(و) إن اختلفا (في قبض الثمن) بعد تسليم السلعة بأن قال المشتري: أقبضتك الثمن وأنكر البائع (أو) اختلفا في قبض (السلعة) بأن قال البائع: أقبضتها وأنكر المشتري (فالأصل بقاؤهما) وعدم الإقباض، فالقول لمن ادعى عدمه منهما بيمينه (إلا لعرف) يشهد بخلاف الأصل، فالقول لمن شهد له العرف، كالجزار وبائع الأبزار فقد جرت العادة فيهما أنه لا يقطع اللحم ولا يعطي الأبزار إلا بعد قبضه الثمن، فإذا ادعى بعد أن أعطاه اللحم أنه لم يقبض الثمن فالقول للمشتري بأنه أقبضه إياه. ومعلوم أن العرف يختلف باختلاف الناس.
(ومنه): أي من العرف الذي يعمل بمقتضاه: (طول الزمن): فإذا مضى زمن يقضي العرف بأن المشتري لا يصبر لمثله في أخذ السلعة أو أن البائع لا يصبر لمثله في أخذ الثمن، فالقول لخصمه في الإقباض، والظاهر أنه لا يحد بعامين ولا بأكثر بل يراعى في ذلك أحوال الناس وأحوال الزمن.
ــ
البيع أو وارث أحدهما.
وحاصل الفقه أن وارث كل إذا ادعى الجهل بالمثمن أو ادعاه أحد المتبايعين ووارث الآخر فإنهما يتحالفان: أي يحلف كل بالله الذي لا إله إلا هو إنه لا يعلم القدر الذي وقع به البيع. فإذا حلفا أو نكلا أو حلف أحدهما دون الآخر فسخ البيع وردت السلعة للبائع أو لوارثه إن كانت قائمة، فإن فاتت لزم المشتري قيمتها يوم البيع إن كانت مقومة أو مثلها إن كانت مثلية.
قوله: [وحلف الحالف منهما]: هذا راجع لغير مسألة التجاهل فإن المتجاهل لا تحقيق عنده فالمناسب تقديمه عليه.
قوله: [ويقدم النفي] إلخ: فلو قدم الإثبات على النفي فلا تعتبر يمينه ولا بد من إعادتها، كما قال ابن القاسم. واعلم أن قول المصنف:" [وتحقيق دعواه] مبني على ضعيف " وهو أن اليمين ليست على نية المحلف، وإلا فلا حاجة إلى حلفه على تحقيق دعواه، أفاده البدر القرافي - كذا في الحاشية.
قوله: [ولقد بعتها بعشرة]: أي لأنه لا يلزم من نفي البيع بثمانية البيع بعشرة لجواز أن يكون بتسعة.
قوله: [ولقد اشتريتها بثمانية]: أي لأنه لا يلزم من نفي الشراء بعشرة أن يكون بثمانية لجواز أن يكون بتسعة وهذا المثال الذي قاله الشارح للاختلاف في القدر ويقاس عليه غيره.
قوله: [قال بعضهم: أن يقتصر على ما فيه حصر]: لعل أصل العبارة: "وجاز أن يقتصر" إلخ، وقد صرح بلفظ الجواز في الأصل فقال:"قال بعض وجاز الحصر" أي فالحصر يقوم مقام النفي أو الإثبات ومثل الحصر لفظ فقط في القيام مقامهما.
قوله: [فالقول لمنكر الانتهاء]: أي سواء كان بائعاً أو مشترياً مكرياً أو مكترياً: والفرض عدم البينة فإن كان لأحدهما بينة عمل بها فإن كان لكل بينة على دعواه عمل بأسبقهما تاريخاً.
قوله: [حلفا على ما تقدم]: أي فيحلف كل على نفي دعوى خصمه مع تحقيق دعواه ويقضى للحالف على الناكل.
قوله: [مدعي بقاء الأجل] إلخ: صوابه انتهاء الأجل تأمل.
قوله: [فالأصل بقاؤهما]: أي سواء كان التنازع بين البائع والمشتري أو ورثة كل، فإذا ادعى البائع على ورثة المشتري أن ثمن السلعة التي باعها لمورثهم لم يقبضه وادعى الورثة أنه قبضه من مورثهم قبل موته فلا يقبل دعواهم، لأن الأصل بقاء الثمن عند المشتري ما لم تقم لهم بينة بأن مورثهم أقبض ذلك قبل موته. وهذا إذا اعترفت الورثة بأن مورثهم اشترى تلك السلعة من المدعي. وأما إذا أنكرت الورثة شراء مورثهم من ذلك المدعي فلا تقبل دعوى ذلك المدعي أن له على مورثهم ثمن سلعة إلا ببينة ويمين، فإن ادعى المدعي على من يظن به العلم من الورثة أنه يعلم بدينه كان له تحليفه فإن حلف وإلا غرمه - كذا في الحاشية.
قوله: [إلا لعرف يشهد بخلاف الأصل]: أي فإذا جرى العرف بقبض الثمن أو المثمن فالقول لمن وافقه العرف بيمينه لأنه كالشاهد.
قوله: [طول الزمن]: قال في الأصل ويدخل في العرف طول الزمن في العرض والحيوان والعقار طولاً يقضي العرف بأن البائع لا يصبر بالثمن إلى مثله
(وإشهاد المشتري ببقاء الثمن) في ذمته بأن قال: اشهدوا أن ثمن السلعة التي اشتريتها من فلان في ذمتي (مقتض) عرفاً (لقبض المثمن) فإذا ادعى بعد ذلك أنه لم يقبضه لم يصدق وكان القول للبائع.
(وله) أي للمشتري (تحليف البائع إن قرب) الزمن (من) يوم (الإشهاد، كالعشرة) الأيام (لا الشهر) فليس له تحليفه بل القول للبائع إنه أقبضه السلعة بلا يمين.
(كإشهاد البائع بقبضه): أي الثمن من المشتري (ثم ادعى عدمه) وأنه لم يقبضه، وإنما حملني على الإشهاد بقبضه توثقي به وظني أنه لم ينكر، فله تحليف المشتري إن بادر كالعشر [1] لا أكثر.
(وإن ادعى مشتر بعد إشهاده) على نفسه (بدفع الثمن) للبائع بأن قال: اشهدوا علي بأني دفعته له والبائع حاضر لتتم الشهادة (أنه) معمول لـ "ادعى": أي ادعى أنه (لم يقبض الثمن) من البائع، وادعى البائع إقباضه له، (فالقول له): أي للمشتري بيمينه أنه لم يقبضه (في كالعشرة) الأيام فدون.
(و) القول (للبائع في) البعد (كالشهر - بيمين فيهما): أي في مسألة القول للمشتري ومسألة القول للبائع. هذا قول ابن القاسم، وبه قال بعض الأئمة كابن عرفة وغيره، وتقدم أنه إن أشهد أنه في ذمته، فالقول للبائع مطلقاً، قرب الزمن أو بعد. وللمشتري تحليفه إن بادر، كالعشرة. ولعل الفرق أن الإشهاد على البائع بأنه دفع له الثمن يشعر بأنه لم يقبض السلعة مخافة أنه لو طلبها منه لطالبه بالثمن، بخلاف الإشهاد بأنه في ذمته فإنه يقتضي قبض الثمن كما تقدم، وقال أصبغ: إن الإشهاد بالثمن دفعاً أو في الذمة، مقتض لقبض السلعة، فالقول للبائع مطلقاً. ويمكن حمل كلام الشيخ عليه لأنه أطلق في قوله:"وإشهاد المشتري بالثمن" إلخ ولو لم يذكر بعده الدفع.
(و) إن اختلفا (في البت) والخيار (فلمدعيه): أي فالقول لمدعي البت، لأنه الغالب عند الناس (كمدعي الصحة) القول قوله، دون مدعي الفساد للبيع (إلا أن يغلب الفساد) في شيء - كالصرف والسلم والمساقاة - فإنها لكثرة الشروط فيها يغلب عليها الفساد، فالقول لمدعيه فيها ما لم تقم بينة على الصحة.
(والمسلم إليه؛ إن فات رأس المال): وفواته - إن كان عيناً بالزمن الطويل
ــ
وذلك عامان على قول ابن حبيب، وعشرون على ما لابن القاسم، والأظهر مراعاة أحوال الناس والزمان والمكان. اهـ.
قوله: [وإشهاد المشتري ببقاء الثمن] إلخ: يعني أن المشتري إذا أشهد بأن ثمن السلعة التي اشتراها من فلان باق في ذمته فإن هذا مقتض لقبضه السلعة، فإن ادعى بعد ذلك أن السلعة المبيعة بذلك الثمن لم يقبضها لم يقبل. وله أن يحلف البائع أنه أقبضها له إن بادر.
قوله: [وكان القول للبائع]: أي بيمين إن قرب كالعشرة لا الشهر كما قال الشارح قوله: [كالعشرة الأيام لا الشهر]: قال في الحاشية: وانظر حكم ما بين الجمعة والشهر والظاهر أن ما قارب كلاً يعطى حكم كل وأما المتوسط فالظاهر أنه ليس له تحليفه. اهـ.
قوله: [وظني أنه لم ينكر]: المناسب "لا" بدل "لم".
قوله: [فله تحليف المشتري]: أي حيث لم يعترف البائع بقبض البعض بعد الإشهاد بقبضه، فإن اعترف بقبض بعض الثمن لم يحلف له المشتري ولو بادر لترجح قوله باعتراف البائع بقبض البعض بعد الإشهاد كذا في الحاشية.
قوله: [فإنه يقتضي قبض الثمن] صوابه: المثمن.
قوله: [وقال أصبغ إن الإشهاد بالثمن] إلخ: المعتمد ما قاله ابن القاسم.
قوله: [لأنه أطلق في قوله: وإشهاد المشتري بالثمن]: أي والإطلاق صادق بأن قال: اشهدوا أنه في ذمتي أو أقبضته له.
قوله: [فلمدعيه]: أي ما لم يجر عرف بخلافه؛ كأن جرى العرف بالخيار فقط، وإلا فالقول قول مدعي الخيار. وأما إن اتفقا على وقوع البيع على الخيار لكن ادعاه كل منهما لنفسه، فقيل: يتفاسخان بعد أيمانهما، وقيل: يتحالفان ويكون البيع بتاً. والقولان لابن القاسم والظاهر الأول كما في الحاشية. وهذا ما لم يجر العرف بأن الخيار لأحدهما وإلا عمل به.
قوله: [دون مدعي الفساد]: أي بين وجه الفساد أم لا فات المبيع أم لا، هذا قول بعض القرويين واقتصر عليه (شب) واعتمده بعضهم. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن: القول قول مدعي الصحة إن كانت السلعة قد فاتت وإلا تحالفا وتفاسخا، وعليه اقتصر (عب) لكن قد علمت أن ظاهر المصنف وخليل الإطلاق وقد أيده في الحاشية.
تنبيه: هل القول لمدعي الصحة إن لم يغلب الفساد مطلقاً، اختلف الثمن بهما أم لا، أو إنما يكون القول قوله إلا أن يختلف بالصحة والفساد الثمن؟ كدعوى أحدهما وقوعه على الأم أو الولد وادعى الآخر وقوعه عليهما معاً، وكدعوى البائع أن المبيع بمائة والمشتري أنه بقيمته، فكالاختلاف في قدره يتحالفان ويتفاسخان عند قيام السلعة. فإن فاتت صدق المشتري إن أشبه، أشبه البائع أم لا؛ فإن انفرد البائع بالشبه صدق بيمينه وإن لم يشبها حلفا ولزم المبتاع القيمة يوم القبض. وهذا ظاهر حيث كان المشبه مدعي الصحة، وأما إن كان مدعي الفساد فيظهر أنه لا عبرة بشبهه فيتحالفان ويتفاسخان ويلزم القيمة يوم القبض لأنه بيع فاسد، ذكره بعضهم - كذا في الأصل.
قوله [والمسلم إليه] إلخ: حاصل فقه المسألة:
[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]
[1]
في ط المعارف: (كالعشرة).