المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(باب) في الضمان وأحكامه وشروطه (الضمان): أي حقيقته عرفاً؛ ويسمى: حمالة وكفالة - حاشية الصاوي على الشرح الصغير ط الحلبي - جـ ٢

[أحمد الصاوي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب)في البيوع وأحكامها [

- ‌(باب)في بيان السلم

- ‌(باب)في بيان القرض وأحكامه

- ‌(باب) في الرهن وأحكامه

- ‌(باب)في الفلس وأحكامه

- ‌(باب)في بيان أسباب الحجر

- ‌باب في أحكام الصلح؛ أي: مسائله

- ‌‌‌(باب) في الحوالةوأحكامها

- ‌(باب) في الحوالة

- ‌(باب)في الضمان

- ‌(باب)في بيان الشركة

- ‌(باب)في الوكالة

- ‌باب لما كان بين الوكالة والشركة مناسبة من جهة أن فيها وكالة أتبعها بها

- ‌(باب)في الإقرار

- ‌(باب)في الوديعة

- ‌(باب)في الإعارة

- ‌(باب)في بيان الغصب وأحكامه

- ‌(باب)في الشفعة

- ‌(باب)في القسمة

- ‌(باب)في القراض

- ‌(باب)في المساقاة

- ‌(باب)في الإجارة

- ‌(باب إحياء الموات)

- ‌(باب)في الوقف وأحكامه

- ‌(باب)في الهبة

- ‌‌‌(باب) في اللقطةوأحكامها

- ‌(باب) في اللقطة

- ‌(باب)في بيان أحكام القضاء

- ‌(باب)في الشهادة

- ‌(باب)في أحكام الجناية

- ‌باب ذكر فيه تعريف البغي

- ‌(باب)في تعريف الردة وأحكامها

- ‌(باب)ذكر فيه حد الزنا

- ‌(باب) في القذف [

- ‌باب ذكر فيه أحكام السرقة إلخ

- ‌(باب)ذكر فيه الحرابة

- ‌(باب)ذكر فيه حد الشارب

- ‌باب في العتق وأحكامه

- ‌(باب)في التدبير

- ‌باب: هو في اللغة النظر في عاقبة الأمر والتفكر فيه، وقال القرافي في التنبيهات التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير اهـ وفي (بن) جواز الضم والسكون فيها كغيرها. واصطلاحاً ما ذكره المصنف بقوله "وهو تعليق مكلف" إلخ

- ‌(باب)في أحكام الكتابة

- ‌(باب)في أحكام أم الولد

- ‌(باب)ذكر فيه الولاء

- ‌باب ذكر فيه حكم الوصية

- ‌(باب)في الفرائض

- ‌(باب: في جمل من مسائل شتى، وخاتمة حسنة)

الفصل: ‌ ‌(باب) في الضمان وأحكامه وشروطه (الضمان): أي حقيقته عرفاً؛ ويسمى: حمالة وكفالة

(باب)

في الضمان

وأحكامه وشروطه

(الضمان): أي حقيقته عرفاً؛ ويسمى: حمالة وكفالة (التزام مكلف) لا صبي ومكره ومجنون ولو أنثى (غير سفيه) فلا يصح من سفيه ويصح من رقيق بإذن سيده كما يأتي (ديناً) معمول "التزام" المضاف لفاعله كائناً (على غيره) وهذا ضمان المال. وأشار لضمان الوجه والطلب بقوله: (أو طلبه) أي المكلف المذكور (من عليه) الدين (لمن هو): أي الدين (له) سواء كان الطلب على وجه الإتيان به لرب الدين، أو مجرداً عن ذلك؛ فشمل التعريف أنواعه الثلاثة. فـ "أو" فيه للتنويع، وقول الشيخ:" شغل " إلخ هو مصدر مضاف لمفعوله، ومراده به: فعل النفس، بمعنى أن الشخص شغل نفسه بالحق: أي ألزمها إياه فهو مساو للالتزام، فاندفع اعتراض ابن عرفة - وتبعه عليه الجماعة - بأن الشغل لازم له لا نفسه؛ لأن الضمان مكتسب: أي فهو فعل للنفس. والشغل ليس بمكتسب كالملك في البيع فإنه لازم البيع لا نفسه. فالحد لا يشمل شيئاً من الضمان، أي لأنه كالتعريف بالمباين. ووجه الدفع أنه فهم أن المراد بالشغل اشتغال الذمة - ولا يسلم - بل المراد به: إلزام الذمة بالحق لأنه يقال: شغل ذمته، بكذا فاشتغلت، نعم التعبير بالالتزام أوضح. (بما يدل عليه): أي على الالتزام المذكور من صيغة لفظية: كأنا ضامن أو ضمانه علي أو غيرها كإشارة مفهمة أو كتابة.

فأركانه خمسة: ضامن، ومضمون، ومضمون له، ومضمون به، وصيغة، والمضمون به هو الدين.

(وشرط الدين: لزومه) للمضمون في الحال بل (ولو) يلزم المضمون (في المآل): أي المستقبل (كجعل) فإنه قد يئول للزوم، كما لو قال شخص لآخر: إن أتيت لي بعبدي الآبق مثلاً فلك دينار فيصح ضمان القائل، فإن أتى المخاطب بالعبد لزم الضامن الدينار إن لم يدفعه رب العبد للعامل

ــ

باب في الضمان

لما كان الضمان والحوالة متشابهين لما بينهما من حمالة الدين أعقبها به.

فقوله: [في الضمان]: أي تعريفه والمراد بأحكامه مسائله من جهة صحيحها وفاسدها وانفراد الضامن وتعدده وانقسامه إلى ضمان ذمة ووجه وطلب وما يتعلق بذلك. قوله: [وشروطه]: أي التي يصح بها ويلزم. قوله: [عرفاً]: أي وأما لغة: فهو الحفظ كما قاله السنوسي في حفيظته. وأصبحت وأمسيت في جوار الله الذي لا يرام ولا يضام ولا يستباح وفي ذمته وضمانه الذي لا يخفر ضمان عبده اهـ. قوله: [ويسمى حمالة وكفالة]: أي وزعامة قال تعالى: {وأنا به زعيم} [يوسف: 72] أي كفيل وضامن ويسمى أذانة أيضاً من الأذن بالفتح والتحريك وهو الإعلام لأن الكفيل يعلم أن الحق قبله أو أن الأذانة بمعنى الإيجاب، لأنه أوجب الحق على نفسه ويسمى قبالة أيضاً.

قوله: [التزام مكلف] من إضافة المصدر لفاعله كما سيأتي.

قوله: [لا صبي] إلخ: أي فالواقع من الصبي والمجنون والسفيه فاسد يجب رده وليس للولي إجازته.

قوله: [ولو أنثى] مبالغة في مكلف ولا فرق بين كون المكلف مسلماً أو كافراً.

قوله: [من رقيق]: أي بالغ وأما الصبي فهو خارج بقوله مكلف.

قوله: [بإذن سيده]: أي ويلزم فإن لم يأذن صح من غير لزوم كما سيأتي.

قوله: [المضاف لفاعله]: أي الذي هو مكلف.

قوله: [وهذا ضمان المال]: أي هذا التعريف خاص بضمان المال.

قوله: [أو طلبه]: معطوف على " ديناً" ومساق الكلام هكذا التزام مكلف غير سفيه ديناً على غيره أو التزام المكلف مطالبته شخصاً عليه الدين لمن الدين له تأمل.

قوله: [على وجه الإتيان به]: أي وهو ضمان الوجه.

وقوله: [أو مجرداً عن ذلك]: أي وهو ضمان الطلب لأنه تفتيش لا غير.

قوله: [ف أو فيه للتنويع]: أي لا للشك فاندفع ما يقال: إن أو لا تدخل الحدود أي التي للشك كما علمت، واندفع ما يقال: كيف يجمع حقائق ثلاثاً في تعريف واحد وهو لا يمكن؟ قوله: [فعل النفس]: أي الذي هو الالتزام.

قوله: [فاندفع اعتراض ابن عرفة]: أي على التعريف الذي ذكره خليل، لأن أصله في كتاب ابن الحاجب تبع فيه القاضي عبد الوهاب.

قوله: [بأن الشغل]: إلخ: هذا تصوير للاعتراض.

قوله: [لازم له]: الضمير عائد على الضمان. فقوله بعد: " لأن الضمان " إظهار في محل الإضمار، والمعنى: أنه حاصل بنفس الضمان لا نفس الضمان.

قوله: [أي لأنه كالتعريف بالمباين]: أي بغير الحقيقة بل بالمسبب عنها. قوله: [ووجه الدفع] إلخ: الصواب أن يقول: ووجه الاعتراض ودفعه، لأنه ذكر في هذه العبارة وجه الاعتراض ووجه دفعه تأمل.

قوله: [بل المراد به] إلخ: أي كما أجاب بذلك ابن عاشر.

قوله: [فأركانه خمسة]: أي وقد أخذت من التعريف، فإن قوله:" التزام مكلف " هو الضامن. وقوله: "ديناً" هو المضمون به. وقوله: "من عليه" هو المضمون. وقوله: " لمن هو له " هو المضمون له. وقوله: " بما يدل عليه " هو الصيغة.

قوله: [ضامن]: وسيأتي يقول: "ولزم أهل التبرع".

وقوله: [ومضمون]: هو من عليه الدين اللازم أو الآيل إلى اللزوم الذي يمكن استيفاؤه من ضامنه.

وقوله: [ومضمون له]: أي وهو من له الدين المذكور.

وقوله: [وصيغة]: هي ما يدل على الالتزام.

قوله: [والمضمون به هو الدين]: أي اللازم أو الآيل إلى اللزوم الذي يمكن استيفاؤه من ضامنه. وصرح به دون باقي الأركان توطئة لكلام المتن.

ص: 155

وكذا: داين فلاناً وأنا أضمنه، أو: إن ثبت لك عليه دين فأنا ضامن.

(لا كتابة) فلا يصح ضمانها لأنها ليست بلازمة للمكاتب ولا آيلة للزوم؛ لأنه إذا عجز رجع رقيقاً وكذا لو تداين صغير أو سفيه أو رقيق غير مأذون بغير إذن الولي أو السيد فلا يصح ضمانه لما ذكر ولا يلزم الضامن شيء (إلا بشرط تعجيل العتق): للمكاتب نحو: إن أعتقته فأنا ضامن لما عليه من الكتابة، فأعتقه. فيلزم الضامن ما عليه لأنه آل للزوم.

(ولزم) الضمان (أهل التبرع): وهو الحر الرشيد كما أخذ من التعريف؛ فلا يلزم سفيهاً ولا صبياً ولا مجنوناً ولا مكرهاً. ودخل ضمان المريض والزوجة في الثلث كما يأتي.

(كذي رق) يلزمه الضمان (إن أذن له سيده) فيه ولم يكن مكاتباً ولا مأذوناً له في التجارة. بل (ولو) كان (مكاتباً أو مأذوناً) فلا بد من إذن سيده (وإلا) يأذن السيد (صح) ضمان الرقيق (فقط) ولا يلزمه، فللسيد إسقاطه عنه فإن أسقطه عنه لم يتبع (وأتبع) الرقيق (به) أي بالضمان فيلزمه دفع المال (إن عتق) ضمن بإذن سيده أو لا (إن لم يسقطه السيد) عنه في الثاني، فإن أسقطه قبل العتق سقط. وأما فيما إذا أذن له فليس له إسقاطه.

وعطف على "ذي رق" قوله: (وزوجة ومريض) ضمنا (بثلث): أي بقدر ثلث مالهما فيلزمهما فإن زاد على الثلث لم يلزمهما بل يتوقف على إجازة الوارث أو الزوج (وجاز ضمان الضامن) ولو تسلسل ويلزمه ما يلزم الضامن الأصلي (و) جاز: (داين فلاناً) وأنا ضامن.

(ولزم) الضمان (فيما ثبت) أنه داينه به (إن كان) ما ثبت (مما يعامل به مثله) لا إن لم يثبت ولا إن عامله بشيء لا يعامل به مثله على أرجح التأويلين.

(وله): أي لمن قال: " عامل فلاناً وأنا ضامن ": (الرجوع) عن الضمان (قبل المعاملة) لا بعدها (بخلاف) قوله لمدع على رجل: (احلف) إن لك عليه حق (وأنا أضمنه): فليس له رجوع ولو قبل حلفه، لأنه التزام كأنه قال: أن حلفت ضمنته فمتى حلف لزمه وليس له رجوع قبلها.

(و) جاز ضمان (بغير إذن المضمون): فلا يشترط إذنه.

ــ

قوله: [وكذا داين فلاناً وأنا أضمنه]: أي وأما إذا قال: داين فلاناً أو بع له أو عامله فإنه ثقة مأمون، ولم يقل: فأنا ضامن له، فلا يلزم ذلك القائل شيء، ولو ظهر أن القائل يعلم أنه غير ثقة وأنه غير مأمون لأنه غرور قولي.

قوله: [أو إن ثبت لك عليه دين فأنا ضامن]: أي فإنه يلزم الضمان فيما ثبت ببينة أو إقرار.

قوله: [لأنه إذا عجز رجع رقيقاً]: أي والضامن ينزل منزلة المضمون وما يلزم الأصل لا يلزم الفرع بالأولى.

قوله: [فلا يصح ضمانه]: أي دين الصغير والسفيه والرقيق.

وقوله: [لما ذكر]: أي وهو أنه ليس لازماً ولا آيلاً للزوم.

قوله: [إلا بشرط تعجيل العتق]: مثل ذلك ما إذا كانت الكتابة نجماً واحداً وقال الضامن: هو علي إن عجز، وإنما صح الضمان في هذه الصورة وإن كان لنجم غير لازم لقرب الحرية. قوله:[لأنه آل للزوم]: أي بسبب تعجيل العتق مع شرط المال، فإنه في هذه الصورة يلزم ذمة العبد بعد العتق كما سيأتي في بابه.

قوله: [فلا يلزم سفيهاً] إلخ: أي ولا يصح ممن ذكر.

قوله: [ولم يكن مكاتباً] إلخ: الجملة حالية وهي توطئة للمبالغة في كلام المتن.

قوله: [فللسيد إسقاطه عنه]: أي ولو كان ضامناً لنفس السيد، ثم إن مراد المصنف بالمكاتب والمأذون: غير المحجور عليهما لدين بدليل عدهما من أهل التبرع.

قوله: [بل يتوقف على إجازة الوارث أو الزوج]: محل التوقف بالنسبة للزوجة ما لم يكن ضمانها لزوجها في زائد الثلث، وإلا فلا يتوقف على إجازته. قال الباجي: لها الكفالة لزوجها بجميع مالها، أي: وليس له الرد كما تقدم وفي المدونة إن ادعت أنه أكرهها في كفالتها فعليها البينة.

قوله: [ولو تسلسل]: أي ولا استحالة في ذلك لأنه تسلسل في المستقبل والمحال إذا كان في الماضي.

قوله: [ويلزمه ما يلزم الضامن الأصلي]: المراد يلزمه في الجملة لاحتمال أن يكون الأول بالمال والثاني بالوجه فمحل موافقته للضامن الأصلي من كل وجه إن استوى معه في كيفية الضمان.

قوله: [فيما ثبت]: أي بالبينة لا بإقرار المدين.

قوله: [على أرجح التأويلين]: أي وهو الذي قاله ابن يونس وابن رشد والمازري.

قوله: [الرجوع عن الضمان]: أي سواء قيد بأن قال: داينه أو عامله بمائة، أو أطلق اتفاقاً في الأخير وعلى الراجح في الأول. واختلف إذا رجع الضامن ولم يعلم المضمون له برجوعه حتى عامله، هل يلزم الضامن - وهو ظاهر المدونة - أو لا يلزمه؟ قولان: الأظهر الأول، وحينئذ فلا بد في عدم اللزوم من علم المضمون له بالرجوع كما في الحاشية.

قوله: [إن لك عليه حق]: هكذا برفع حق في نسخة المؤلف وحقها النصب لأنه اسم إن.

قوله: [ولو قبل حلفه]: أي لأنه بالتزامه صار كأنه حق واجب لتنزيله منزلة المدعى عليه. وإذا غرم الضامن واستمر المدعى على إنكاره ولم تقم عليه بالحق بينة حلفه الضامن. فإن حلف فلا رجوع للضامن بشيء، وإن نكل غرم له ما أخذه من المدعي.

قوله: [بغير إذن المضمون]: هذا هو نص المدونة وغيرها. وذهب المتيطي

ص: 156

(كأدائه عنه) من إضافة المصدر لمعموله: أي كما يجوز لإنسان أن يؤدي ما على مدين (رفقاً) به (لا عنتاً): أي ضرراً؛ أي لأجل ضرر المدين فلا يجوز (فيرد) ما أداه عنه عنتاً وليس للمؤدي مطالبة على المدين بل يجب منعه عن مطالبته قهراً عنه (كشرائه) أي الدين: أي كما يمنع بشراء دين من ربه عنتاً بالمدين، ويرد، فإن فات الثمن بيد بائعه رد مثله أو قيمته، فإن تعذر الرد بموت رب الدين أو غيبته تولى الحاكم قبض الدين من المدين بالمعروف ودفعه للمشتري عنتاً ومنعه من التسلط عليه.

ولما فرغ من أركان الضمان وشروطه، بين ما يرجع به الضامن إذا غرم فقال:

(ورجع) الضامن على المدين (بما أدى) عنه (ولو مقوماً): لأنه كالمسلف يرجع بمثل ما أدى حتى في المقوم لا بقيمته حيث كان من جنس الدين (إن ثبت الدفع) منه لرب الدين ببينة أو إقرار رب الدين.

(وجاز له): أي للضامن (الصلح) أي صلح رب الدين (بما جاز للمدين) أن يصالح به رب الدين فما جاز للغريم أن يدفعه عوضاً عما عليه من الدين جاز للضامن دفعه له، وما لا؛ فيجوز [1] الصلح بعد الأجل عن دنانير جيدة بأدنى منها وعكسه وبأقل،

ــ

قائلاً: بعض العلماء يشترط أن يكون بإذنه ولذا جرت عادة الموثقين بذكر رضا المدين بأن يكتبوا: تحمل فلان عن فلان برضاه أو بأمره كذا وكذا.

قوله: [كأدائه عنه] إلخ: أشار به لقول المدونة: من أدى عن رجل ديناً بغير أمره جاز إن فعله رفقاً بالمطلوب، وإن أراد الضرر بطلبه وإعناته لعداوة بينهما منع من ذلك، وكذا إن اشترى ديناً عليه لم يجز البيع ورد إن علم اهـ (بن).

قوله: [لمعموله]: أي الذي هو الدين.

قوله: [رفقاً به]: أي وحيث أدى رفقاً به لزم رب الدين قبوله، ولا كلام له ولا للمدين إذا كان الطالب له أحدهما، فإن امتنعا معاً لم يلزم رب الدين القبول فيما يظهر كما في (عب).

قوله: [ويرد]: أي يرد الشراء عنتاً إن علم بائعه بأن المشتري قصد العنت، فلا بد من علمهما لدخولهما على الفساد، فإن لم يعلم رب الدين بذلك فلا رد ولا فساد للبيع لعذره بالجهل وعليه أن يوكل من يتعاطى الدين من المدين، وقيل: الرد مطلقاً علم البائع بتعنت المشتري أو لا، وهو مقتضى شارحنا. ولكن رجح في الأصل التفصيل.

قوله: [رد مثله] إلخ: أي يرد مثله إن كان مثلياً وقيمته إن كان مقوماً.

قوله: [بموت رب الدين]: أي سواء كان غير بائع للدين كما في المسألة الأولى أو بائعاً له كما في الثانية.

تنبيه: إن ادعى مدع على غائب بدين فضمنه إنسان فيما ادعى به ثم حضر الغائب وأنكر فلا يلزم الضامن شيء. ومثل ذلك: لو قال شخص لمدع على منكر: إن لم آتك به لغد فأنا ضامن ولم يأت به لأنه وعد وهو لا يقضي به وهذا ما لم يثبت حقه ببينة في المسألتين وإلا لزم الضامن إن لم يأت به. وهل يلزم الضامن إن ثبت بإقرار المدعى عليه؟ تأويلان في المسألة الثانية، وأما الأولى: فإقراره لا يوجب على الضامن شيئاً. وقال (بن): الخلاف في المسألتين ومحل التأويلين إن أقر بعد الضمان وهو معسر وإلا لزمته الحمالة قطعاً وكذلك لا يلزم الحق من قال لمدع عليه: أجلني اليوم فإن لم أوفك غداً فالذي تدعيه على حق، ولم يوفه. وإنما لم يجعل إقراراً لأن قوله: فالذي تدعيه حق أبطل كونه إقراراً.

قوله: [ولما فرغ من أركان الضمان]: أي الخمسة التي تقدمت في التعريف.

وقوله: [وشروطه]: أي التي أخذت من قوله وشرط الدين لزومه ومن قوله ولزم أهل التبرع.

قوله: [على المدين]: مراده بالمضمون ولو صرح به كان أولى ليشمل ضامن الضامن.

قوله: [حيث كان من جنس الدين]: أي كما لو كان الدين خمسة أثواب فأداها الضامن أثواباً فيرجع بمثلها لا بقيمتها، وأما إن كان من غير جنسه فإنه يرجع بالأقل من الدين وقيمة المقوم؛ كما لو كان الدين خمسة محابيب ودفع الضامن خمسة أثواب فإنه يرجع بالأقل من الدين وقيمة الأثواب. ورد المصنف ب "لو" على من قال: يخير إذا دفع الضامن مقوماً من جنس الدين بين دفع مثل المقوم أو قيمته. ومحل الخلاف إذا لم يكن الضامن اشترى ذلك المقوم وإلا رجع بثمنه اتفاقاً كما قال ابن رشد ما لم يحاب وإلا لم يرجع بالزيادة.

قوله: [أو إقرار رب الدين]: أي لا بإقرار المضمون. وفي الشامل: ولو دفع الضامن للطالب بحضرة المضمون دون بينة وأنكر الطالب لم يرجع الضامن بشيء لتفريطه بعدم الإشهاد.

قوله: [الصلح] إلخ: اعلم أن في مصالحة الضامن رب الدين خلافاً؛ فقيل بالمنع مطلقاً، وقيل بالجواز مطلقاً، وقيل بالمنع إذا وقع الصلح بمثلي مخالف لجنس الدين؛ فإن كان بمقوم مماثل لجنس الدين أو مخالف جاز. والمصنف مشى على القول بالجواز مطلقاً سواء صالح بمثلي أو بمقوم، ولكن يستثنى مسألتان من كلامه وسيذكرهما الشارح.

قوله: [فيجوز الصلح بعد الأجل] إلخ: شروع في بيان ما يجوز للمدين ويقاس عليه الضامن إلا فيما سيستثنيه بعد بقوله إلا الصلح إلخ.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (فلا يجوز).

ص: 157

لا قبل الأجل. وكذا الطعام والعروض من سلم، إلا الصلح عن دنانير حالة بدراهم وعكسه أو صالح بعد الأجل عن طعام سلم بأدنى أو أجود، فيجوز للمدين لا للضامن لما فيه من تأخير الصرف وبيع طعام المعاوضة قبل قبضه.

(ورجع) الضامن إذا صالح رب الدين على المدين (بالأقل منه): أي من الدين (ومن قيمة ما صالح به) حيث كان مقوماً عن عين؛ كما لو صالح بثوب أو عبد عن دنانير أو دراهم؛ فإن صالح عنها بمثلي رجع بالأقل من الدين أو مثل المثلي، فإن صالح بأجود أو أدنى حيث جاز رجع بالأدنى.

ولو صالح بأقل من الدين رجع به وبأكثر رجع بالدين. ولو صالح بمقوم عن مقوم غير جنسه رجع بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به كما في المتن بناء على القول بجواز ذلك، ويظهر من كلامهم أنه الراجح. وكذا قولنا:" فإن صالح عنها بمثلي" إلخ، فإنه مبني على القول بالجواز وهو ما في الكفالة من المدونة كما ذكره ابن عرفة (ولا يطالب) الضامن: أي ليس لرب الدين مطالبته به (إن تيسر الأخذ) لرب الدين (من مال المدين): بأن كان موسراً غير ملد ولا ظالم، وهذا هو الذي رجع إليه مالك بعد قوله: رب الدين مخير في طلب أيهما شاء (ولو) كان المدين (غائباً) حيث كان الدين ثابتاً ومال المدين حاضراً يمكن الأخذ منه بلا مشقة. (إلا أن يشترط) رب الدين عند الضمان (أخذ أيهما شاء أو) يشترط (تقديمه) في الأخذ عن المدين (أو ضمن) الضامن المدين (في الحالات الست): الحياة، والموت، والحضور، والغيبة، واليسر، والعسر؛ فله مطالبته ولو تيسر الأخذ من مال الغريم.

(والقول [1] له): أي للضامن (في ملائه): أي ملاء المدين عند التنازع في ملائه وعدمه؛ فلا مطالبة لرب الدين على الضامن، لأن القول قوله في ملاء المضمون، ولا على رب الدين لأنه مقر بعدمه. والذي قاله سحنون واستظهره ابن رشد: أن القول للطالب فله مطالبة الحميل ما لم يثبت ملاء الغريم وتيسر الأخذ منه. قال المتيطي: وبه العمل؛ أي فيكون هو الراجح وإن استظهر المصنف في التوضيح أن القول للحميل.

(وله): أي للضامن

ــ

قوله: [لا قبل الأجل]: أي فإن في المصالحة قبل الأجل بأدنى أو أقل ضع وتعجل، وبأجود أو أكثر: سلفاً جر نفعاً.

قوله: [فيجوز للمدين لا للضامن]: إنما جاز بعد الأجل لرب الدين فقط لأنه صرف ما في الذمة بالنسبة للأولى وحسن قضاء أو اقتضاء بالنسبة للثانية. وهذا المعنى لا يتأتى في الضامن.

قوله: [لما فيه من تأخير الصرف]: راجع لقوله إلا الصلح عن دنانير.

وقوله: [وبيع طعام المعاوضة قبل قبضه]: راجع لقوله: " أو صلحاً بعد الأجل عن طعام سلم " إلخ. ووجه تأخير الصرف أنه يدفع الدراهم لرب الدين ويطلب الدنانير من المضمون بعد ذلك وعكسه هذا هو الصرف المؤخر بعينه. ووجه بيع الطعام قبل قبضه أن رب الدين ترك طعامه الذي على المدين في نظير طعام مخالف يأخذه من الضامن قبل أن يقبض طعامه الذي على المدين وهذا بيع الطعام قبل قبضه.

قوله: [على المدين]: متعلق بقوله "رجع".

قوله: [كما لو صالح بثبوت]: راجع للمقوم وقوله وعن دنانير راجع للعين.

قوله: [حيث جاز]: أي كما إذا صالح الضامن بدنانير جيدة بعد الأجل عن الأدنى وعكسه.

قوله: [رجع بالأدنى]: أي سواء كان هو الذي خرج من يده أو الذي صالح عنه. ولا يجوز الرجوع بالأجود ولا بالأكثر ولو كان ذلك الأجود أو الأكثر خرج من يده؛ لأنه إن لم يكن خرج من يده فهو سلف جر نفعاً، وإن كان خرج من يده فلا يلزم المضمون إلا مثل دينه، والزيادة عليها ظلم، فالضامن متبرع بها لرب الدين فلا يظلم المديان بها فتأمل.

قوله: [ولو صالح بمقوم] إلخ: هذا مفهوم قوله: حيث كان مقوماً عن عين. وحاصله أنه لو صالحه بمقوم عن مقوم غير جنسه فإنه يرجع بالأقل من الدين أي من قيمته؛ لأن الفرض أن الدين مقوم ومن قيمة ما صالح به. فقوله: " كما في المتن " يعني به متنه، أي فإن عبارة المتن في قوله:" ورجع بالأقل منه ومن قيمة ما صالح به " شاملة للصلح بمقوم عن عين وعن مقوم.

قوله: [رجع بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به]: فإن قيل: ما وجه الفرق بين المقوم والمثلي؟ قيل: إن المقوم - لما كان يرجع فيه إلى القيمة وهي من جنس الدين - والحميل يعرف قيمة سلعته؛ فقد دخل عن القيمة إن كانت أقل من الدين. وإن كانت أكثر فقد دخل على أخذ الدين وهبة الزيادة، بخلاف المثلي لأنه من غير جنس الدين فلا يعرف فيه الأقل من الأكثر لأن الأقل والأكثر لا بد من اشتراكهما في الجنس والصفة فكانت الجهالة في المثلي أقوى، فلذلك تعين له الرجوع بالأقل من الدين أو مثل المثلي فتأمل.

قوله: [بعد قوله رب الدين مخير] إلخ: قال (بن): والقول المرجوع عنه هو الذي جرى به العمل بفاس - وهو الأنسب - بكون الضمان شغل ذمة أخرى بالحق.

قوله: [فله مطالبته ولو تيسر الأخذ] إلخ: ما ذكره الشارح هو المعتمد وهو ما في وثائق أبي القاسم الجزيري وغيره، خلافاً لابن الحاجب من أن الضامن لا يطالب إذا حضر الغريم مليئاً مطلقاً.

قوله: [ولا على رب الدين]: الصواب أن يقول ولا على المدين لأن رب الدين مقر بعدمه.

قوله: [قال المتيطي وبه العمل]: قال (بن) ونصه: وإذا طلب صاحب الدين الحميل بدينه والغريم حاضر فقال

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (القول).

ص: 158

(طلب المستحق) الذي هو رب الحق (بتخليصه) من ربقة الضمان، بأن يقول له: إذا حل الأجل ولو بموت المدين إما أن تطلب حقك من مدينك أو تسقط عني الضمان.

(و) له أيضاً كما هو نص المدونة (طلب الغريم): أي المدين (بالدفع): أي دفع الدين لربه (عند) حلول (الأجل) لا قبله؛ وهذا راجع للمسألتين، إذ قبل حلول الأجل لا مطالبة له على واحد منهما.

(لا): أي ليس له مطالبة الغريم (بتسليم المال إليه) ليوصله إلى ربه، وليس على الغريم دفعه له (وضمنه) الضامن (إن اقتضاه) من الغريم ليوصله لربه -سواء طلبه منه أو دفعه له الغريم بلا طلب - لكن على وجه البراء منه، ولو تلف منه بغير تفريط أو قامت على هلاكه ببينة؛ لأنه متعد بقبضه بغير إذن ربه. وحيث قبضه على وجه الاقتضاء بغير إذن ربه كان لربه غريمان يطلب أيهما شاء.

(لا) إن (أرسله) المدين (به) إلى رب الدين فضاع منه فلا ضمان حيث لم يفرط؛ لأنه صار أميناً بالإرسال. ومثل الإرسال: لو دفعه له على وجه التوكيل عنه في توصيله لربه أو هو إرسال حكماً فلا ضمان على الضمان ولو تنازعا، فقال الغريم: قبضته مني اقتضاء، وقال الضامن: بل رسالة أو توكيلاً، فالقول للغريم. وكذا لو انبهم الأمر؛ كما لو مات الضامن أو غاب. فضمان الضامن في صور ثلاث، فالصور خمسة فقوله:"إن اقتضاه": أي حقيقة أو حكماً فيشمل الثلاثة، وقوله:"لا أرسله به": أي ولو حكماً فيشتمل الصورتين.

(وعجل) الدين (بموته): أي الضامن قبل الأجل من تركته إن كان له تركة (ورجع وارثه): أي وارث الضامن على الغريم (بعد الأجل أو) بعد (موت الغريم) على تركته (إن تركه) أي إن ترك ما يؤخذ منه الدين وإلا سقط.

ثم شرع في مبطلات الضمان فقال:

(وبطل) الضمان (إن فسد متحمل به): أي الدين المضمون كدراهم بدنانير لأجل وعكسه فلا يلزم الضامن حينئذ شيء.

(أو فسدت) الحمالة نفسها شرعاً؛ بأن اختل منها شرط أو حصل مانع فتبطل؛ بمعنى أنه لا يترتب عليها حكمها من غرم أو غيره فلا يلزم اتحاد المعلق والمعلق عليه. ومثل ذلك بقوله:

ــ

له الحميل: شأنك بغريمك فهو مليء بدينك، وقال صاحب الدين: الغريم معدم وما أجد له مالاً، فالذي عليه العمل - وقاله سحنون في العتبية - أن الحميل يغرم إلا أن يثبت يسر الغريم وملاءه فيبرأ وحلف له صاحب الحق إن ادعى عليه معرفة يسره على إنكار معرفته بذلك وغرم الحميل وله رد اليمين على الحميل، فإن ردها حلف الحميل وبرئ اهـ.

قوله: [طلب المستحق]: أي له إلزامه بأن يقول له ما ذكر.

قوله: [من ربقة الضمان]: بالراء والباء والقاف والتاء الورطة وإضافتها للضمان بيانية.

قوله: [لكن على وجه البراءة منه]: أي لا على وجه الإرسال الآتي.

قوله: [ولو تلف منه بغير تفريط]: أي فيما لا يغاب عليه.

وقوله: [أو قامت على هلاكه بينة]: أي فيما يغاب، فليس كضمان الرهان بل هو كضمان التعدي.

قوله: [فلا ضمان حيث لم يفرط]: كان مما يغاب عليه أو لا.

قوله: [فلا ضمان على الضامن]: أي حيث لم يفرط.

قوله: [فضمان الضامن في صور ثلاث]: أي يكون الضامن غريم الغريم في الصور الثلاث. ومعلوم أن غريم الغريم غريم، فلرب الدين أن يغرم الأصيل، وله أن يغرم الضامن نيابة عن المدين كما صرح، بذلك الركراكي في شرح مشكلات المدونة. ويفهم من التوضيح: أن رب الحق إذا رجع على الأصيل فللأصيل الرجوع على الكفيل. قوله: [فالصور خمسة]: أي لأنه إما أن يكون على وجه الاقتضاء، أو الإرسال، أو الوكالة عن رب الدين، أو يتنازع المدين والضامن في أنه على وجه الاقتضاء أو الإرسال، أو يموت المدين، أو الضامن ويعرى القبض عن القرائن الدالة على الاقتضاء أو الإرسال أو الوكالة. وقد علمت أحكامها من الشارح.

تنبيه: إن كان الضامن وكيلاً لرب الدين في القبض وتلف منه برئ كل من الضامن والغريم إن قامت بينة تشهد على دفع الغريم.

قوله: [أي الضامن]: مفهومه لو مات المدين فإن الحق يعجل أيضاً من تركته فإن لم يترك شيئاً فلا طلب على الضامن حتى يحل الأجل إذ لا يلزم من حلول الدين على المدين حلوله على الكفيل لبقاء ذمته - كذا في الأصل.

قوله: [وإلا سقط]: أي وإلا بأن مات الغريم وهو معسر سقط ما عليه وضاع على ورثة الضامن.

قوله: [كدرهم بدنانير] إلخ: أي وكبيع سلعة بثمن مؤجل لأجل مجهول أو كان البيع وقت نداء الجمعة وكضمان جعل جعل لذي جاه على تخليص شيء بجاهه.

قوله: [فلا يلزم الضامن حينئذ شيء]: ظاهره: ولو فات المبيع ولزم المشتري القيمة أو الثمن ولكن استظهر في الحاشية أن الضمان في القيمة أو الثمن.

قوله: [فلا يلزم اتحاد المعلق] إلخ: حاصله: أن قوله: " أو فسدت " عطف على قوله: " فسد " فينحل المعنى وبطل الضمان إن فسدت الحمالة. ومعلوم أن الفساد هو البطلان والضمان هو الحمالة؛ فيلزم اتحاد الشرط والجزاء وهو تهافت. وحاصل الجواب: أن المراد بالبطلان المعنى اللغوي وهو: عدم الاعتداد بالشيء بحيث لا يترتب عليه

ص: 159

(كبجعل) للضامن من رب الدين أو من المدين أو من أجنبي. وعلة المنع أن الغريم إن أدى الدين لربه كان الجعل باطلاً؛ فهو من أكل أموال الناس بالباطل وإن أداه الحميل لربه ثم رجع به على الغريم كان من السلف بزيادة، فتفسد الحمالة ويرد الجعل لربه. ثم إن كان الجعل من رب الدين للحميل سقطت الحمالة والبيع صحيح؛ لأن المشتري لا غرض له فيما فعل البائع مع الحميل؛ كما لو كان الجعل من المدين أو من أجنبي من علم رب الدين. فإن لم يعلم فالحمالة لازمة ورد الجعل. وإن كان الجعل من رب الدين أو من أجنبي للمدين على أن يأتيه بضامن فإنه جائز. فعلم أن محل البطلان إذا كان الجعل من أجنبي للضامن، إذا علم رب الدين، وإلا رد ولزمت الحمالة.

وبالغ على بطلان الضمان بالجعل بقوله: (وإن) كان الجعل الواصل للضامن (ضمان مضمونه): أي الضامن؛ كأن يتداين رجلان ديناً من رجل أو من رجلين ويضمن كل منهما صاحبه فيما عليه لرب الدين إذا دخلا على ذلك بالشرط. واستثنى من منع ذلك قوله: (إلا أن يشتريا شيئاً) معيناً؛ كعبد على وجه الشركة بينهما بثمن معلوم ويضمن كل منهما صاحبه فيما عليه فيجوز (أو يستلما) من شخص مالاً (في شيء) معين (بينهما) وضمن كل الآخر فيما يخصه فيجوز (أو يقترضا [1]) شيئاً من طعام أو عين أو عرض، ويضمن كل صاحبه فيما عليه؛ فيجوز (للعمل): أي عمل السلف الصالح بذلك - وما عملوا إلا لفهم الجواز من السنة - بشرط أن يضمن كل صاحبه بقدر ما ضمنه الآخر، حتى لو كان على أحدهما الثلث والآخر الثلثان. جاز إن ضمن ذي الثلث نصف ما على صاحبه من الثلثين وإلا منع.

(وإن تعدد حملاء) لشخص (ولم يشترط) عليهم (حمالة بعضهم عن بعض اتبع كل) منهم (بحصته فقط) دون حصة صاحبه. فإذا كانوا ثلاثة ضمنوا إنساناً في ثلاثين وتعذر الأخذ منه، ضمن كل واحد منهم عشرة. ولا يؤخذ بعضهم عن بعض بأن قالوا: نضمنه، أو: ضمانه علينا. وكذا إن تعدد غرماء ولم يشترط

ــ

حكم. وبالفساد: الفساد الشرعي، وهو عدم استيفاء الشروط. فينحل المعنى وإذا كانت الحمالة فاسدة شرعاً غير مستوفية للشروط كانت غير معتد بها.

قوله: [كبجعل]: إنما فسدت بالجعل للضامن لقوله في الحديث: «ثلاثة لا تكون إلا لله: الجعل والضمان والجاه» والحاصل: أن الصور تسع؛ لأن الجعل: إما للضامن من المدين، أو من رب الدين، أو من أجنبي. وإما للمدين من الضامن، أو من رب الدين، أو من أجنبي وإما لرب الدين من المدين أو من الضامن أو من أجنبي فيمتنع حيث كان للضامن في الثلاث ويجوز فيما عداها. إلا أنه إذا كان من أجنبي، أو من الضامن للمدين فلا يقيد الجواز بحلول الدين، بخلاف ما إذا كان من رب الدين للمدين فيشترط حلول أجل الدين، وإلا أدى لضع وتعجل لأن مجيء المدين كالضامن بمنزلة تعجيل الحق - كذا يؤخذ من الحاشية.

قوله: [كان الجعل باطلاً]: أي لعدم تمامه وسواء كان من رب الدين أو من المدين أو أجنبي.

وقوله: [وإن أداه]: أي الدين.

وقوله: [ثم رجع به]: أي بالدين.

وقوله: [كان من السلف بزيادة]: أي كان دفعه الدين وأخذه سلفاً والزيادة هي الجعل الذي أخذه.

قوله: [سقطت الحمالة]: أي لفساد الجعل.

قوله: [كما لو كان الجعل من المدين]: تشبيه في سقوط الحمالة مع صحة البيع والمراد بالمدين المشتري وبرب الدين البائع.

قوله: [فإن لم يعلم فالحمالة لازمة]: أي مع صحة البيع أيضاً.

قوله: [وإن كان الجعل من رب الدين] إلخ: هذا هو مفهوم قوله للضامن.

قوله: [إذا كان الجعل من أجنبي]: أي أو من المدين.

قوله: [إذا علم رب الدين]: هذا هو محل البطلان. وحاصل ما في الشارح: أن الجعل إذا كان للضامن فإنه يرد قولاً واحداً، ويفترق الجواب في ثبوت الحمالة وسقوطها مع لزوم البيع على كل حال؛ فإن كان الجعل من البائع كانت الحمالة ساقطة لأنها بعوض ولم يصح والبيع صحيح؛ لأن المشتري لا غرض له فيما فعل البائع مع الحميل. وإن كان الجعل من المشتري أو من أجنبي والبائع غير عالم به فالحمالة لازمة كالبيع. وإن علم البائع سقطت الحمالة والبيع صحيح - هكذا قال الشارح.

ولكن المنقول عن ابن القاسم: أن البائع بالخيار في سلعته. وقال محمد: الحمالة لازمة وإن علم البائع إذا لم يكن الحق في ذلك سبب، وهذا محصل ما في (بن) نقلاً عن ابن عاصم.

قوله: [ويضمن كل منهما صاحبه فيما عليه]: مثل ذلك ما لو ضمن كل لصاحبه رجلاً آخر فيما له أو أحدهما ضمن صاحبه فيما عليه والآخر ضمن له الغير فيما له؛ فالصور الثلاث كلها ممنوعة.

قوله: [فيجوز للعمل]: جواب عن سؤال قائل علة المنع موجودة وهو السلف الذي جر نفعاً.

قوله: [إن ضمن ذي الثلث]: هكذا نسخة المؤلف الصواب: "ذو" بالواو لأنه فاعل ضمن.

قوله: [وإلا منع]: أي رجع لأصله من المنع لأنه خلاف عمل السلف.

قوله: [وإن تعدد حملاء]: أي غير غرماء أما لو تعدد الحملاء الغرماء فسيأتي.

قوله: [دون حصة صاحبه]: مفرد مضاف فهو صادق بالصاحب الواحد والمتعدد.

قوله: [وكذا إن تعدد غرماء ولم يشترط]: أي بأن كانوا غرماء فقط؛ كما إذا اشترى ثلاثة سلعة على كل ثلث ثمنها.

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (يقترض).

ص: 160

(إلا أن يقول) رب الحق لهم: (أيكم شئت أخذت بحقي، فله أخذ جميع الحق ممن شاء) منهم ولو كانوا حضوراً أملياء. (ورجع الدافع) للحق (على كل) منهم (بما يخصه) فقط (إن كانوا غرماء) لرب الحق أصالة؛ كأن اشتروا منه سلعة وضمن كل صاحبه، بأن قال لهم ما ذكر.

(وإلا) يكونوا غرماء بل كانوا حملاء على مدين (فعلى الغريم): أي فيرجع الدافع بما أدى لرب الدين على الغريم، ولا يرجع على أحد من أصحابه؛ لأن الموضوع أنه لم يشترط حماية بعضهم عن بعض.

(كترتبهم) في الحمالة، بأن ضمن كل منهم الغريم بانفراده واحداً بعد واحد، أو قال كل منهم: ضمانه علي، أو: أنا ضامن له، فلرب الحق أخذ حقه ممن شاء منهم ولو كان الجميع حاضرين أملياء، علم أحدهم بحمالة الآخر أم لا. ورجع الدافع على الغريم بجميع الحق الذي دفعه عنه، وليس له رجوع على أحد من الحملاء كما هو ظاهر.

(فإن شرط ذلك): أي حمالة بعضهم عن بعض - وهذا مفهوم قوله "ولم يشترط" إلخ - (أخذ كل) من الحملاء (به): أي بجميع الحق، سواء قال: أيكم شئت إلخ، أو لا إلا أنه إن قال: آخذ كلاً ولو حضر الباقي ملياً (ورجع) الدافع على من لقيه من أصحابه (بغير ما أدى عن نفسه بكل): متعلق برجع؛ أي يرجع بجميع (ما على الملقي) بفتح الميم وكسر القاف (ثم ساواه) فيما على غيره ممن لم يلقه إذا كان الحق عليهم، بأن كانوا غرماء؛ كثلاثة اشتروا سلعة بثلثمائة وشرط البائع حمالة بعضهم عن بعض فإذا لقي أحدهم أخذ منه جميع الحق. ثم إذا لقي الدافع واحداً من صاحبيه أخذ منه ما عليه وهي مائة، ثم يساويه في المائة الباقية بأن يأخذ منه أيضاً خمسين، ثم إذا لقي أحدهما الثالث أخذ منه خمسين، بل (ولو كان الحق على غيرهم): بأن كانوا حملاء عن غريم؛ (كثلاثة حملاء بثلثمائة) عن غريم اشترط ربها حمالة بعضهم عن بعض (لقي رب الحق أحدهم أخذ منه الجميع) أي الثلثمائة (فإن لقي) الغارم (أحدهما أخذه) بغير ما أدى عن نفسه وهي مائة فيأخذه (بمائة) وهي ما على الملقي (ثم) ساواه في المائة الثالثة التي على غير الملقي، فيأخذه (بخمسين) فرق المائة، فيكون كل منهما قد غرم مائة وخمسين. فإذا ألقى أحدهما الثالث أخذه بخمسين ثم كل منهم يرجع على الغريم بمائة. وقوله "ولو كان" إلخ: أي بناء على تأويل الأكثر. وقد علمت من جميع ما تقدم أن تعدد الحملاء فيه ثمانية صور؛ لأنه: إما أن يشترط حمالة بعضهم عن بعض أو لا، وفي كل إما أن يقول: أيكم شئت أخذت بحقي أو لا، وفي كل من الأربعة:

ــ

قوله: [إلا أن يقول رب الحق]: هذه المسألة التي تعدد فيها الحملاء من غير ترتيب صورها أربع: أولها: تعددهم ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض ولا أخذ أيهم شاء بحقه، فلا يؤخذ كل إلا بحصته. ثانيها: اشترط حمالة بعضهم عن بعض ولم يقل: أيكم شئت أخذت بحقي، فيؤخذ من وجد بجميع الحق إن غاب الباقي أو أعدم أو مات. ثالثها: اشترط حمالة بعضهم عن بعض، وقال مع ذلك: أيكم شئت أخذت بحقي، فله أخذ أي واحد منهم بجميع الحق ولو كان غيره حاضراً مليئاً. وللغارم في هاتين الصورتين الرجوع على أصحابه أو على الغريم. رابعها: تعدد الحملاء ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض، وقال: أيكم شئت أخذت بحقي، فيؤخذ أي واحد: بجميع الحق ولو كان غيره حاضراً مليئاً، وليس للغارم الرجوع على أحد من أصحابه بل على الغريم. وهذه الأربع حملاء غير غرماء ومثلها في الحملاء الغرماء: وسيأتي الشارح يصرح بحاصل ذلك.

قوله: [كترتبهم في الحمالة]: تشبيه فيما إذا كانوا حملاء غير غرماء ولم يشترط حمالة بعضهم عن بعض وقال لهم: أيكم شئت أخذت بحقي كما بينه الشارح قبل.

قوله: [كما هو ظاهر]: أي لكونه لم يكن بعضهم حميلاً عن بعض.

قوله: [إلا أنه إن قال]: أي أيكم شئت أخذت بحقي.

وقوله: [آخذ كلاً]: أي أي واحد، بخلاف ما إذا اشترط حمالة بعضهم عن بعض ولم يقل أيكم شئت إلخ فإنه يأخذ جميع الحق ممن وجده إن عدم غيره أو مات كما تقدم.

قوله: [بفتح الميم وكسر القاف]: أي اسم مفعول من الثلاثي وأصله ملقوي كمرمى ومبنى، اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وقلبت الضمة كسرة.

قوله: [ثم إذا لقي أحدهما الثالث أخذ منه خمسين]: أي فكل يأخذ منه خمسين فيصير المأخوذ منه مائة هي التي عليه بالأصالة.

قوله: [أي بناء على تأويل الأكثر]: أي وأما على تأويل الأقل فيقاسمه في الثلثمائة على كل مائة وخمسون؛ لأنه يقول له إذا أديت ثلثمائة أنت حميل معي بها فيأخذ منه مائة وخمسين، فإذا ألقى أحدهم الثالث قاسمه فيما دفعه وهو المائة والخمسون فيأخذ منه خمسة وسبعين فرجع الأمر في المبدأ إلى توافق القولين، وإنما يختلفان في المنتهى. وتظهر أيضاً فائدة القولين فيما إذا غرم الأول مائة فأقل لعدم وجود غيرها عنده، فعلى قول الأكثر لا رجوع له على من لقيه بشيء إذ لا رجوع له بما يخصه، وعلى قول الأقل: يقاسمه فيما غرم. ولو غرم الأول مائة وعشرين لعدم وجود غيرها فعلى قول الأكثر: يأخذ من الملقى عشرة، وعلى مقابله: يأخذ ستين كذا يؤخذ من الأصل.

قوله: [ثمانية صور]: المناسب ثمان صور.

ص: 161

إما أن يكونوا حملاء أو غرماء. فإن لم يشترط لم يأخذ كلاً إلا بحصته؛ إذا لم يقل: أيكم إلخ. فإن قال ذلك أخذ كلاً بجميع الحق. وإن اشترط فكذلك سواء، قال: أيكم شئت أخذت بحقي أو لا، إلا أنه إذا قال فله أخذ الجميع ولو كان الباقي حاضراً ملياً. وإذا لم يقل يأخذ جميع الحق إلا عند تعسر الأخذ من الباقي بموت أو غيره. والتراجع قد علم مما تقدم. وهذه الثمانية غير مسألة الترتب.

ثم شرع في بيان القسم الثاني من الضمان،

ــ

قوله: [إما أن يكونوا] إلخ: هنا إسقاط إن بعد إما بدليل نصب الفعل.

قوله: [حملاء]: أي فقط.

قوله: [أو غرماء]: أي مع قطع النظر عن كونهم حملاء أو لا.

قوله: [فإن لم يشترط لم يأخذ كلاً] إلخ: راجع لقوله أولا وظاهره لا فرق بين كونهم حملاء وغرماء أو حملاء فقط فرجعت لصورتين فإن قال ذلك أخذ كلاً بجميع الحق أي كانوا حملاء فقط أو حملاء وغرماء فهاتان صورتان.

قوله: [وإن اشترط فكذلك]: راجع لأول الأقسام وتحتها صور أربع كالأربع المتقدمة.

قوله: [لم يأخذ جميع الحق]: أي ممن وجده بل يأخذ حصته.

قوله: [بموت أو غيره]: أي وهو العدم والغيبة.

تنبيه: من ذلك مسألة المدونة - التي أفردها بعضهم بالتأليف - وهي: أن ستة أشخاص اشتروا سلعة بستمائة درهم من شخص على كل واحد منهم مائة بالأصالة والباقي بالحمالة. وقد جمع بعضهم كيفية التراجع فيها على وجه يسهل تناوله على المبتدئ فقال: إذا لقي رب الدين الأول أخذ منه ستمائة: مائة أصالة وخمسمائة حمالة عن أصحابه الخمسة، فإذا لقي الأول الثاني غرم له ثلثمائة أصالة ومائتين حمالة عن أصحابه الأربعة عن كل واحد خمسون، فإذا لقي الأول والثاني الثالث غرم للأول خمسين أصالة وخمسة وسبعين حمالة عن أصحابه الثلاثة عن كل واحد خمسة وعشرون وغرم أيضاً للثاني خمسين أصالة وسبعة وثلاثين ونصفاً حمالة عن أصحابه الثلاثة عن كل واحد اثنا عشر ونصف، فإذا لقي الأول والثاني والثالث الرابع غرم للأول خمسة وعشرين أصالة وخمسة وعشرين حمالة عن صاحبيه عن كل واحد اثنا عشر ونصف وغرم أيضاً للثاني سبعة وثلاثين ونصفاً أصالة وخمسة وعشرين حمالة عن صاحبيه عن كل واحد اثنا عشر ونصف، وغرم أيضاً للثالث سبعة وثلاثين ونصفاً أصالة واثني عشر ونصفاً حمالة عن صاحبيه عن كل واحد ستة وربع، فإذا لقي الأول والثاني والثالث والرابع الخامس غرم للأول اثني عشر ونصفها أصالة وستة وربعاً حمالة عن صاحبه وغرم للثاني أيضاً خمسة وعشرين أصالة وتسعة وثلاثة أثمان حمالة عن صاحبه وغرم أيضاً للثالث أحداً وثلاثين وربعاً أصالة وسبعة وستة أثمان ونصف ثمن حمالة عن صاحبه وغرم للرابع أيضاً أحداً وثلاثين وربعاً أصالة وثلاثة وسبعة أثمان وربع ثمن حمالة على صاحبه، فإذا لقي الأول والثاني والثالث والرابع والخامس السادس غرم للأول ستة وربعاً أصالة وغرم للثاني خمسة عشر وخمسة أثمان أصالة وغرم للثالث ثلاثة وعشرين وثلاثة أثمان ونصف ثمن أصالة وغرم للرابع سبعة وعشرين وأربعاً وثلاثة أرباع ثمن أصالة وغرم للخامس سبعة وعشرين وربعاً وثلاثة أرباع ثمن أصالة؛ فقد وصل لكل ذي حق حقه والسلام. وقد ضبطه على هذا الوجه العلامة (شب) في جدول:

ص: 162

وهو ضمان الوجه فقال:

(وضمان الوجه) هو (التزام الإتيان بالغريم عند) حلول (الأجل وبرئ) من الضمان (بتسليمه): أي المضمون (له): أي لرب الحق (وإن) كان المضمون (عديماً)، لأنه لم يضمن إلا وجهه (أو) كان المضمون (بسجن): أي فيه بأن يقول له: غريمك في هذا السجن فشأنك به (أو) سلمه له (بغير البلد): أي غير بلد رب الحق أو غير البلد التي وقع بها [1] التعامل والضمان (إن كان به): أي بغير البلد (حاكم) يقضي بالحق.

(و) برئ الضامن (بتسليمه): أي المضمون نفسه لرب الحق (إن أمره) الضامن (به) أي بالتسليم بأن قال: اذهب لرب الحق وسلمه نفسك ففعل، فإن لم يأمره به لم يبرأ

ــ

قوله: [وهو ضمان الوجه]: المراد بالوجه الذات وهو مجاز مرسل من إطلاق اسم البعض وإرادة الكل ولا يلزم هذا الضمان إلا أهل التبرع كضمان المال.

قوله: [وبرئ الضمان]: هكذا نسخة المؤلف ولعل "من" ساقطة والأصل من الضمان.

قوله: [أو كان المضمون بسجن]: في حيز المبالغة ومحل البراءة بذلك ما لم يشترط رب الدين على الضامن تسليم المضمون بمجلس الحكم وإلا فلا يبرأ بذلك. وبراءته بتسليمه له في السجن تحصل سواء كان مسجوناً بحق أو باطل لإمكان أن يحاكمه رب الدين عند القاضي الذي حبسه. فإن منع هذا الطالب منه ومن الوصول إليه جرى ذلك مجرى موته وهو يسقط الكفالة وبه العمل قال في نظم العمليات:

وضامن مضمونه قد حضرا

بموضع إخراجه تعذرا

يكفيه ما لم يضمن الإحضار له

بمنزل الشرع فتلك المنزلة

اهـ (بن).

قوله: [إن كان به] إلخ: المراد إن كان ذلك البلد الذي أحضر فيه يمكنه خلاص الحق فيه سواء كان بحاكم أو جماعة المسلمين.

قوله: [إن أمره الضامن به]: أي لأنه إذا أمره به وسلم نفسه كان كوكيل الضامن في التسليم.

قوله: [فإن لم يأمره به لم يبرأ] إلخ: محل عدم براءته إذا سلمه نفسه من

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

قوله: (التي وقع بها) في ط المعارف: (الذي وقع به).

ص: 163

(وحل الحق) في جميع ما تقدم. (وإلا) بأن فقد شيء مما تقدم (أغرم) الضامن الحق لربه (بعد تلوم خف) من الحاكم بالنظر لعل الضامن أن يأتي به ومحل التلوم (إن) كان المضمون حاضراً أو (قربت غيبته كاليومين) لا أكثر، فإن بعدت غيبته كالثلاثة فأكثر غرم مكانه. (و) إذا حكم عليه بالغرم بعد التلوم أو بلا تلوم في بعيد الغيبة فأحضر المضمون (لا ينفعه إحضاره بعد الحكم) به عليه (لا) يغرم (إن أثبت عدمه) أي عسره عند حلول الأجل (في غيبته) أي المضمون. وأما الحاضر فلا بد من تسليمه لرب الحق إذ لا بد في ثبوت عسره من يمين من شهدت له البينة بالعدم بخلاف الغائب فيكفي مجرد البينة (أو) أثبت (موته) ولو حكم الحاكم بالضمان، لأنه حكم تبين خطؤه: والمراد ثبت العدم بعد موته قبل الحكم عليه فإن ثبت موته بعد الحكم غرم.

(وللزوج رده): أي ضمان الوجه عن زوجته إذا ضمنت، ولو كان دين المضمون أقل من ثلثها لأنه يقول: قد تحبس أو تخرج للخصومة أو لطلب المضمون وفي ذلك معرة، وهذا إن ضمنت بغير إذن زوجها، وإلا فليس له رده. ومثل ضمان الوجه: ضمان الطلب.

ثم شرع في بيان القسم الثالث، وهو ضمان الطلب فقال:

(وضمان الطلب: التزام طلبه) والتفتيش عليه إن تغيب ثم يدل رب الحق عليه [1](وإن لم يأت به) لرب الحق، ولذا صح ضمان الوجه في غير المال من الحقوق البدنية كالقصاص والتعازير والحدود، بخلاف ضمان الوجه.

وأشار إلى صيغته المحققة له، وأنها إما بصريح لفظه وإما بضمان الوجه مع شرط نفي ضمان المال بقوله:(كـ: أنا حميل بطلبه) أو على طلبه أو لا أضمن وإلا [2] طلبه (أو اشترط نفي المال) كأن يقول: أضمن وجهه بشرط عدم غرم المال إن لم أجده (أو) قال: (لا أضمن إلا وجهه): أي دون غرم المال فضمان طلب.

(و) إذا ضمنه كذلك (طلبه بما يقوى عليه) عادة (إن غاب) عند حلول الأجل عن البلد وما قرب منه (وعلم موضعه). وأما الحاضر فيطلبه في البلد وما قاربه إذا جهل موضعه. ومفهوم "وعلم" إلخ: أنه إن غاب ولم يعلم موضعه أنه لا يكلف بالتفتيش عنه، وهو كذلك. فإن ادعى أنه لم يجده صدق. (وحلف ما قصر) في طلبه ولم يعلم موضعه.

(ولا غرم) عليه (إلا إذا فرط) في الطلب حتى لم يتمكن رب الحق منه فإنه يغرم؛ كأن طلبه في المكان الذي يظن أنه لا يكون به وترك ما يظن أنه به. وأولى إن هربه أو علم موضعه ولم يدل رب الحق عليه (وحمل) الضمان (في مطلق) قول الضامن: (أنا حميل أو زعيم أو كفيل وشبهه) كـ أنا ضامن، أو: علي ضمانه، أو: أنا قبيل، أو: عندي وإليّ وعليّ (علي) ضمان (المال، على الأصح) عند ابن يونس وابن رشد وغيرهما.

ــ

غير أمر من الضامن ما لم يقل الضامن: أضمن لك وجهه بشرط أنك إذا قدرت عليه أو جاء بنفسه سقط الضمان عني، فإن قال ذلك عمل بشرطه.

قوله: [وحل الحق]: شرط ثان أي فلا يبرأ بما ذكر إلا إذا كان وقت التسليم حل الحق على المضمون، وسواء حل على الضامن أم لا كما لو أخره رب الحق وحلف أنه لم يقصد بذلك تأخير غريمه، قاله الأجهوري نقلاً عن بعض شيوخه.

قوله: [أغرم الضامن]: أي على المشهور، خلافاً لابن عبد الحكم القائل إنه لا يلزم ضامن الوجه إحضاره فإن لم يحضره لا غرم.

قوله: [بعد تلوم] إلخ: هذا في ضامن الوجه، وأما ضامن المال فهل يتلوم إذا غاب الأصل أو أعدم أو يغرم من غير تلوم قولان لابن القاسم المعتمد الثاني.

قوله: [والمراد ثبت العدم بعد موته قبل الحكم عليه]: صواب العبارة أن يقول: والمراد ثبت عدمه أو موته قبل الحكم عليه إلخ، فإن هذا التركيب فاسد

وقوله: فإن ثبت موته: أي أو عدمه، والمعنى: أن إثبات العدم أو الموت لا ينفع الضامن إلا إذا تبين أن حصولهما كان قبل الحكم عليه بالغرم - فتأمل.

قوله: [ولذا صح ضمان الوجه] إلخ: الصواب ضمان الطلب.

قوله: [كالقصاص]: حاصله أن ضمان الطلب إن كان المضمون فيه مال وفرط الضامن في الإتيان بالمضمون أو هربه فإنه يغرم ما عليه من المال. وإن كان الضمان في قصاص أو جرح أو حد أو تعزير ترتب على المضمون وفرط الضامن في الإتيان به أو هربه، فإنه يعاقب فقط على المذهب. ومقابله: إن لم يأت بالمضمون في القصاص أو الجرح لزمته الدية.

قوله: [وعلم موضعه] إلخ: أي لما في التوضيح والمواق نقلاً عن ابن القاسم: أن معلوم الموضع إن كان مثل الحميل يقدر على الخروج إليه في ذلك الموضع كلف بذلك، وإن تضعف عن ذلك لم يكن عليه أن يخرج

قوله: [وحلف ما قصر]: المتيطي: إذا خرج لطلبه ثم قدم وزعم أنه لم يجده برئ وكان القول قوله إذا مضت مدة يذهب فيها للموضع الذي هو فيه ويرجع، وغاية ما عليه أن يحلف أنه ما قصر في طلبه ولا دلس ولا يعرف له مستقراً وهذا قول ابن القاسم في العتبية، وهو مثل قوله في الأجير على تبلغ الكتاب - كذا في (بن) قوله:[كأن طلبه] إلخ: مثال للتفريط.

قوله: [وحمل الضمان في مطلق]: إلخ حاصله أنه إذا ذكر لفظاً من هذه الألفاظ وقيد بالوجه أو المال أو الطلب أو قامت قرينة على واحد، انصرف الضمان له ولا كلام. وإن قال أردت الوجه أو غيره

[قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة]

[1]

في ط المعارف: (عليه و).

[2]

في ط المعارف: (إلا).

ص: 164